سورة النور
[ من الآية (34) إلى الآية (38) ]
{وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)۞ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولقد أنزلنا إليكم آيات مبينات} 34
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر {آيات مبينات} بفتح الياء أي لا لبس فيها وحجتهم قوله {قد بينا لكم الآيات} والفعل مسند إلى الله فهي الآن مبينات بدلالة ما في التّنزيل على صحة وجه إخراجهن مفعولات
وقرأ أهل الشّام والكوفة غير أبي بكر مبينات بالكسر المعنى بين لكم الحلال من الحرام فهن الفاعلات وحجتهم قوله {يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم} فأسند التّبيين إلى السّورة فكذلك قوله {آيات مبينات} فأسندوا التّبيين إلى الآيات). [حجة القراءات: 498]
قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كمشكاةٍ (35)
أمال الكسائي وحده الكاف الثانية (كمشكاة) في رواية أبي عمر.
وسائر القراء فخموا الكاف.
وهي اللغة العالية). [معاني القراءات وعللها: 2/207]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كأنّها كوكبٌ درّيٌّ توقد (35)
قرأ ابن كثير ويعقوب (درّيٌّ) بضم الدال غير مهموز (توقّد) بفتح التاء والواو والقاف والدال.
وقرأ أبو عمرو (درّيءٌ) بكسر الدال والهمز،
(توقّد) مفتوحة الحروف.
وقرأ نافع وابن عامر وحفص (درّيٌّ) مثل ابن كثير، (يوقد) بالياء وسكون الواو وضم الدال.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر،
[معاني القراءات وعللها: 2/207]
وحمزة (درّيٌ) بضم الدال ممدودة مهموزة، (توقد) بضم التاء وتسكين الواو وضم الدال.
وقرأ الكسائي (درّيءٌ) مثل أبي عمرو (توقد) مثل حمزة.
وروى هارون عن أبي عمرو (توقّد) رفعٌ مثقل.
قال أبو منصور: من قرأ (درّيٌّ) بلا همز، (توقّد) فهو منسوب إلى الدّرّ لصفائه، ونصب (توقّد) لأنه فعل ماض. على (تفعّل).
ومن قرأ (درّيءٌ) بكسر الدال والراء والهمز فإن الدّرّيء في كلام العرب كل كوكب براق يدرأ عليك إذا طلع من الأفق بزهرته، وهي (فعّيل) من درأ يدرأ، وقال الفراء: سمي درّيئًا كأنه رجم به الشيطان فدفعه.
وقال غيره: إنما سمي درّيئًا لأنه يطلع عليك من مطلعه فجاءة، وهو من قولك: درأ علينا فلان وطرأ، إذا طلع فجأة، وهو من الدّراري.
أخبرني المنذري عن أبي الهيثم بذلك قال: وقال نصير: دروءه: طلوعه، تقول: درأ علينا.
قال أبو منصور: وهذا القول أحسن من قول الفراء.
وأما قراءة من قرأ (درّيءٌ) بضم الدال مع الهمز فإن أهل اللغة لا يعرفونه، وأنكروا القراءة به، وقالوا: ليس في كلام العرب اسم على (فعّيل). واختلف عن عاصم فيه، وروى عن الكسائي عن المفضل الضبيّ عن عاصم أنه قرأ (درّيء) بكسر الدال
[معاني القراءات وعللها: 2/208]
مثل قراءة أبي عمرو، وروى حفص عنه (درّيٌّ) بلا همز.
وقال نصير: سألت الكسائي: أكان الأعمش يقرأ بهذا؟
فقال: أخبرني زائدة: عن الأعمش
أنه قرأ (درّيٌّ) بغير همز مثل قراءة ابن كثير.
ومن قرأ (يوقد) بالياء فهو للمصباح.
ومن قرأ (توقد) بالتاء فهو للزجاجة
ومن قرأ (توقّد) فهو بمعنى: تتوقد، فحذف إحدى التاءين). [معاني القراءات وعللها: 2/209]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {كمشكاة فيها} [35].
روى أبو عمرو عن الكسائي كمشكوة ممالا.
وقرأ الباقون مفخمًا والمشكاة: الكوة التي لا تنفذ، وفيها المصباح فشبه الله تعالى قلب المؤمن، وما أودعة من النور بذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/107]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {كأنها كوكب دري} [35].
فيه أربع قراءات:
قرأ أبو عمرو، والكسائي (درئ) بكسر الدال، والهمز، والمد جعلاه من الدراري من النجوم، وهي التي تجئ وتذهب.
وقال آخرون: بل هي أحد النجوم الخمسة المضيئة زحل، وبهرام، ولاشمتري، وعطارد، والزهرة. أنشدني ابن دريد:
إلا خصائص كالدرا = ري المحزئلات الفراد
وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير، وحفص عن عاصم {دري} بضم الدال، وترك الهمز منسوب إلى الدر.
وقر حمزة وعاصم في رواية أبي بكر {درئ} بالضم مع الهمز. قال الفراء: لا وجه له عندي؛ لأن (فعيل) ليس في كلام العرب. إنما هو من الأسماء الأعجمية مثل مريق.
قال أبو عبيد، وله عندي وجه أن يكون درى بفتح الدال كأنه (فعيل) منه.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/108]
قال سيبويه: وليس في كلام العرب فعيل إنما هو فعيل مثل سكيت: كثير السكوت، وفسيق، وخمير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/109]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {توقد من شجرة} [35].
فيه أربع قراءات:
قرأ ابن عامر، ونافع، وحفص عن عاصم {يوقد} ردًا على الكواكب وقرأ ابن محيصن {توقد} برفع الدال ردًا على الزجاجة. أراد: تتوقد فحذف إحدى التاءين، والمصدر من توقد توقدًا والمصدر من توقد ويوقد ايقادًا.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو (توقد) فعل ماض.
وقرأ حمزة، والكسائي وأبو بكر عن عاصم (توقد).
والناس كلهم يضمون الزاي في الزجاجة إلا نصر بن عاصم، فإنه قرأ {زجاجة} بكسر الزاي, والزجاج في كلام العرب في غير هذا الموضع جمع زج). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/109]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي (كمشكاة) [النور/ 35] بكسر الكاف الثانية، لم يروها غيره.
الإمالة في قوله: (كمشكاة) غير ممتنعة، لأنّ الألف فيها لا تخلو من أن تكون منقلبة عن الياء، أو عن الواو، وعن أيّهما كان الانقلاب لم تمتنع إمالة الألف، لأنّها إذا ثنّيت انقلبت ياء، قال:.
كأنّما حوأبها لمن رقب... بمذعيين نقبة من الجرب
فمذعا مثل مشكا وقوله: فيها مصباح [النور/ 35] صفة للمشكاة، لأنّها جملة فيها ذكر يعود إلى الموصوف، والمصباح يرتفع بالظرف، وكذلك قالوا في قوله: في بيوت أذن الله أن ترفع [النور/ 36] إنّ قوله: في بيوت تقديره: كمشكاة فيها مصباح في بيوت أذن الله، ففي قوله: في بيوت ضمير مرفوع يعود إلى الموصوف، لأنّ الظرف في الصفة مثله في الصّلة، وقوله: أذن الله أن ترفع صفة للبيوت، والعائد منه إلى البيوت الذكر الذي في قوله:
ترفع ومعنى ترفع: تبنى كقوله: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت [البقرة/ 127] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/322]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ابن كثير ونافع وابن عامر وحفص عن عاصم دري [النور/ 35] بضم الدال وكسر الراء مشددة الياء من غير همز، أبو
[الحجة للقراء السبعة: 5/322]
عمرو والكسائي: (درّيء) مهموز بكسر الدال- أبو بكر عن عاصم:
(درّيء) مهموز بضم الدال وكذلك حمزة.
قال أبو علي: من قرأ (درّيء) احتمل قوله أمرين أحدهما: أن يكون نسبه إلى الدّرّ، وذلك لفرط ضيائه ونوره، كما أنّ الدّرّ كذلك، ويجوز أن يكون فعيلا من الدّرء، فخفّف الهمزة، فانقلبت ياء كما تنقلب من النسيء والنبيء، ونحوه إذا خفّفت ياء.
ومن قرأ: (درّيء) كان فعيلا من الدّرء مثل السكير والفسّيق والمعنى: أنّ الخفاء يدفع عنه لتلألئه في ظهوره، فلم يخف كما خفي نحو السّها، وما لم يضيء من الكواكب.
قال أبو عثمان عن الأصمعى عن أبي عمرو قال: مذ خرجت من الخندق لم أسمع أعرابيا يقول إلّا (كأنّه كوكب دريء) بكسر الدال، قال الأصمعي: فقلت: أفيهمزون؟ قال: إذا كسروا فحسبك، قال:
أخذوه من درأت النجوم تدرأ إذا اندفعت، وهذا فعيل منه، ومن قرأ: (درّيء) كان فعيّلا من الدّرء الذي هو الدفع، وإن خففت الهمزة من هذا قلت: دري وقد حكى سيبويه عن أبي الخطاب: كوكب دريّ في الصفات، ومن الأسماء المرّيق: العصفر ومما يمكن أن يكون من هذا البناء قولهم: العلية، ألا تراه من علا، فهو فعيل منه، ومنه السرّيّة الأولى أن تكون فعيلة، وذلك أنّها لا تخلو من أن تكون من السرّ أو السّراة أو السرو أو السرور، فالأشبه أن تكون فعيلة من السرّ، ولأنّ صاحبها إذا أراد استيلادها لم يمتهنها، ولم يبتذلها لما يبتذل له من لا
[الحجة للقراء السبعة: 5/323]
يراد للاستيلاد، ولا يكون فعيلة من السّراة، لأنّ السراة: الظّهر، وهي لا تؤتي من ذلك المأتى، ومن رأى ذلك جاز عنده أن تكون عنده فعيلة من السّراة، ولا تكون فعيلة من السّرّ، لأنّ السّرّ لا يتّجه فيها، إلّا أن يريد: أنّ المولى قد يسرّها عمن حدّثه، ويجوز إن أخذتها من السرور، لأنّ صاحبها يسرّ بها من حيث كانت نفسا عن الحرّة أمران: أحدهما أن تكون فعيلة من السّرور، والآخر أن تكون فعيلة من السّرّ، فأبدل من لام فعيلة للتضعيف حرف اللّين، وأدغم ياء فعيلة فيها فصار سرّيّة). [الحجة للقراء السبعة: 5/324]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ابن كثير وأبو عمرو بالتاء مفتوحة ونصب الدال من (توقد) [النور/ 35]، نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: يوقد مضمومة الياء مفتوحة القاف مضمومة الدال، حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم (توقد) بضم التاء والدال. وروى أبان عن عاصم يوقد مثل نافع. القطعي عند عبيد عن هارون عن أبي عمرو عن عاصم بن بهدلة، وأهل الكوفة (توقّد) برفع الدال، مشدّدة، مفتوحة الواو.
قال أبو علي: ومعنى توقد من شجرة، أي: من زيت شجرة، فحذف المضاف، يدلّك على ذلك: يكاد زيتها يضيء [النور/ 35] قول ابن كثير وأبي عمرو (توقّد) على أن فاعل توقد: المصباح، وهو البيّن، لأنّ المصباح هو الذي يتوقد قال:
سموت إليها والنّجوم كأنّها... مصابيح رهبان تشبّ لقفّال
[الحجة للقراء السبعة: 5/324]
ومن قال: (يوقد) كان كمن قرأ: (توقّد) في أنّه جعل فاعل الفعل المصباح، كما جعل فاعله المصباح في (توقّد). ومن قرأ (توقد) كان فاعله الزجاجة، والمعنى على مصباح الزجاجة، فحذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه، فقال: (توقد) فحمل الكلام على لفظ الزجاجة، أو يريد بالزجاجة القنديل، فيقول: (توقد) على لفظ الزجاجة، وإن كان يريد القنديل، ومن قال: (توقّد) برفع الدّال وتشديد القاف وفتحها، فإنّه يحمل الكلام على الزجاجة، والمعنى: تتوقد وحذف التاء الثانية.
حدثنا الكندي قال: حدّثنا المؤمل قال: حدثنا إسماعيل عن أبي رجاء قال: سألت الحسن عن قوله: الله نور السموات والأرض [النور/ 35] إلى قوله: نور على نور [النور/ 35] قال: مثل هذا القرآن في القلب كمشكاة: ككوّة فيها مصباح، المصباح في زجاجة، الزجاجة كأنها كوكب دري). [الحجة للقراء السبعة: 5/325]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة نصر بن عاصم: [فِي زَجَاجَةٍ الزَّجَاجَةُ] بفتح الزاي فيهما.
قال أبو الفتح: فيها ثلاث لغات: زَجَاجَة، وزُجَاجَة، وَزِجَاجَة: بالفتح، والضم، والكسر. وفي الجمع زَجَاج، وزُجاج، وزِجاج: كنَعامة، ونَعام، ورُقاقة ورقُاق، وعِمامة وعِمام. حكى بعضهم: وضعوا عِمامَهُم عن رءوسِهم، يريد: عمائمهم. فقد يكون كزِجاجة وزِجاج، ويجوز أيضا أن يكون جمعا مكسران كظريف وظِراف، ودرع دِلاص وأدرُع دِلاص، وناقة هِجان وأينُق هِجَان.
ويدل على أنه تكسير -وليس كَجُنُب مما يقع للواحد فما فوقه بلفظ واحد -قولهم: هِجانان، وكذلك أيضا زَجاج جمع زَجاجة وزِجاجة وزُجاجة تكسير الجمع على ما مضى لا على
[المحتسب: 2/109]
الجمع بطرح الهاء. ونظير عِمامة وعِمام - إذا لم تجعله تكسيرا، وجعلته جمعا بحذف التاء وإن لم يكن جنسا وكان مصنوعا- قولهم: سفينة وسَفِين، ودواة ودَوًى، وغاية وغايٌ. وراية ورايٌ، وثاية وثايٌ، وطاية وطايٌ). [المحتسب: 2/110]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة والضحاك: [كَوْكَبٌ دَرِّيٌ]، مخففة.
وقرأ: [دَرِّيءٌ]، مفتوحة الدال، مشددة الراء، مهموزة - سعيد بن المسيب، ونصر بن علي، وأبو رجاء، وأبان بن عثمان، وقتادة، وعمرو بن فائد.
قال أبو الفتح: الغريب من هذا [دَرِّيءٌ]، بفتح الدال، وتشديد الراء، والهمز. وذلك لأن فَعِّيلا بالفتح وتشديد العين عزيز، إنما حكي منه: السَّكِّينة، بفتح السين وتشديد الكاف، حكاها أبو زيد. وقد ذكرنا في صدر هذا الكتاب القول على الدُّرِّيّ وما فيه من الصنعة، شيئا على شيء، وبسطناه هناك). [المحتسب: 2/110]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة السملي والحسن وابن محيصن وسلام وقتادة: [يَوَقَّدُ] وثلاثة أوجه في السبعة، وفيه خامسة: [يُوَقَّدُ] برفع الياء، وبنصب الواو والقاف، وبرفع الدال.
[المحتسب: 2/110]
قال أبو الفتح: المشكل من هذا [يَوَقَّدُ]؛ وذلك أن أصله يتوقد، فحذف التاء لاجتماع حرفين زائدين في أول الفعل، وهما الياء والتاء المحذوفة. والعرف في هذا أنه إنما تحذف التاء إذا كان حرف المضارعة قبلها تاء، نحو [تَفَكَّرُون] و[تَذَكّرُون]، والأصل تتفكرون وتتذكرون؛ فيكره اجتماع المثلين زائدين، فيحذف الثاني منهما طلبا للخفة بذلك. وليس في يتوقد مثلان فيحذف أحدهما، لكنه شبه حرف مضارعة بحرف مضارعة، أعني شبه الياء في يتوقد بالتاء الأولى في تتوقد؛ إذ كانا زائدين، كما شبهت التاء والنون في تَعِد ونَعِد بالياء في يَعِد، فحذفت الواو معهما كما حذفت مع الياء في يعد.
وقياس من قال: [يَوَقَّد] -على ما مضى- أن يقول أيضا: أنا أَوَقَّدُ، ونحن نَوَقَّدُ؛ فتشبه النون والهمزة بالتاء، كما شبه الياء بها فيما مضى.
ونحو من هذا قراءة من قرأ: [نُجِّي الْمُؤْمِنِينَ]، وهو يريد: نُنْجِي المؤمنين؛ فحذف النون الثانية وإن كانت أصلية، وشبهها -لاجتماع المثلين- بالزائدة. فهذا تشبيه أصل بزائد لاتفاق اللفظين، والأول تشبيه حرف مضارعة بحرف مضارعة، لا لاتفاق اللفظين، بل لأنهما جميعا زائدان). [المحتسب: 2/111]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [ولَوْ لَمْ يَمْسَسْهُ نارٌ]، بالياء.
قال أبو الفتح: هذا حسن مستقيم؛ وذلك لأن هناك شيئين حسنا التذكير هنا: أحدهما الفصل بالهاء، والآخر أن التأنيث ليس بحقيقي. فهو نظير قول الله سبحانه: {وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ}، بل إذا جاز تذكير فعل "الصيحة" مع أن فيها علامة تأنيث فهو من النار التي لا علامة تأنيث فيها أمثل.
فأما قولهم: نعم المرأة هند بالتذكير فإنما جاز -وإن كان التأنيث حقيقيا، ولا فصل هناك- من قبل أن المرأة هنا ليست مقصودا قصدها، وإنما هي جنس؛ لأنها فاعل نعم، والأجناس عندنا إلى الشياع والتنكير.
[المحتسب: 2/111]
أما ما رُوِّينا من قول جِران العود:
ألا لَا يَغُرَّنَّ امْرَأً نَوْفَلِيَّةٌ ... عَلَى الرَّأْسِ بَعْدِي أَوْ تَرَائِبُ وُضَّحُ
فإن النوفلية هنا ليست امرأة، وإنما هي مِشْطَة تعرف بالنوفلية.
وأما قوله:
وَلَا أَرْضَ أَبْقَلَ إِبْقَالَهَا
ففيه شيئان يُؤنّسان، وواحد يُوحش منه.
أما المؤنسان فأحدهما أنه تأنيثٌ لفظي لا حقيقي، والآخر أنه لا علامة تأنيث في لفظه. وأما الموحش فهو أن الفاعل مضمرٌ، وإذا أضمر الفاعلُ في فعله وكان الفاعل مؤنثا لم يحسن تذكير فعله حُسْنَه إذا كان مظهرا؛ وذلك أن قولك: قام هند أعذر من قولك: هند قام، من قبل أن الفعل منصبغ بالفاعل المضمر فيه أشد من انصباغه به إذا كان مظهرا بعده. فقام هند -على صبغة- أقرب مأخذا من هند قام لما ذكرناه؛ وذلك أنك إذا قلت: قام فإلى أن تقول: هند فاللفظ الأول مقبول غير ممجوج؛ لأن الفعل أصل وضعه على التذكير فإذا قلت: هند قام فالتذكير الآتي من بعده مخالف للتأنيث السابق فيما قبل، فالنفس تعافه لأول استماعه. وقولك: قام هند، النفس تقبل تذكير الفعل أول استماعه إلى أن يأتي التأنيث فيما بعد. وقد سبق تذكير الفعل على لفظ غير مأبي ولا مرذول، ورد الغائب ليس كاستئناف الحاضر، فذلك فرق). [المحتسب: 2/112]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({الله نور السّماوات والأرض} {الزجاجة كأنّها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة} 35
[حجة القراءات: 498]
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر وحفص {كأنّها كوكب دري} بضم الدّال مشدّدة الياء بغير همز
يحتمل قوله تعالى {دري} أمرين احدهما أن يكون نسبة إلى الدّرّ لفرط ضيائه وبهائه ونوره كما أن الدّرّ كذلك وحجتهم حديث النّبي صلى الله عليه إنّكم لترون أهل عليين في عليين كما ترون الكوكب الدّرّي في أفق السّماء وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما هكذا جاء في الحديث ويجوز أن يكون فعيلا من الدرء وهو الدّفع وهو أن يدفع بنوره من أن ينظر النّاظر إليه فخففت الهمزة فانقلبت ياء كما تنقلب من النبيء ثمّ أدغمت الياء في الياء
وقرأ حمزة وأبو بكر (دريء) بضم الدّال مهموزا فعيلا من الدرء وهو الدّفع وقد فسرت حكى سيبويهٍ عن أبي الخطاب (كوكب دريء) من الصّفات ومن الأسماء المريق وهو العصفر
وقرأ أبو عمرو والكسائيّ (دريء) مهموزا بكسر الدّال فعيلا من الدرء مثل السكير والفسيق والمعنى أن الخفاء يدفع عنه لتلألئه في ظهوره فلم يخف كما خفي نحو السها
[حجة القراءات: 499]
قال الكسائي (كوكب دريء) أي مضيء تقول درأ النّجم يدرأ درءا إذا أضاء وقال آخرون منهم أبو عمرو أخذوه من درأت النّجوم إذا اندفعت أي اندفعت الشّياطين بها
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو (توقد) بالتّاء وفتح الواو والدّال فعل ماض وفاعل توقد المصباح ويكون المعنى المصباح في زجاجة توقد المصباح ويجوز أن يكون التوقد للكوكب لأن الكوكب يوصف كثيرا بالتوقد لما يعرض فيها من الحركات الّتي تشبه توقد النيران
وقرأ نافع وابن عامر وحفص {يوقد} مضمومة الياء والدّال ومن قرأ هذا كمن قرأ (توقد) في أنه جعل فاعل يوقد المصباح أو الكوكب
وقرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر (توقد) بالتّاء جعلوا الإيقاد للزجاجة لأنّه جاء في سياق وصفها وقرب منها فجعلوا الخبر عنها لقربها منه وبعده من المصباح فإن قيل كيف وصفت الزجاجة بأنّها توقد وإنّما يكون الاتقاد للنار قيل لما كان الاتقاد فيها جاز أن يوصف به لارتفاع اللّبس عن وهم السامعين وعلمهم بالمراد
[حجة القراءات: 500]
من الكلام والعرب قد تسند الأفعال كثيرا إلى ما لا فعل له في الحقيقة إذا كان الفعل يقع فيه فيقولون ليل نائم لأن النّوم فيه يكون كما قال جلّ وعز {كرماد اشتدت به الرّيح في يوم عاصف} فالعصوف للريح فجعله من صفة اليوم لكونه فيه وهذا واضح عند أهل العربيّة). [حجة القراءات: 501]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (14- قوله: {دري} قرأه الحرميان وحفص وابن عامر بضم الدال، وتشديد الياء من غير همز ولا مد، وقرأه أبو بكر وحمزة كذلك، إلا أنهما همزاه ومداه. وقرأ أبو عمرو والكسائي كذلك، إلا أنهما كسرا الدال.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/137]
وحجة من ضم الدال وشدد الياء أنه نسب الكوكب إلى الدر لفرط ضيائه ونوره، فهو «فُعْلِي» من الدر، ويجوز أن يكون أصله الهمز فيكون «فعيلا» من الدرء من الدفع، لكن خففت الهمزة، وأبدل منها ياء؛ لأن قبلها زائدة للمد كياء «خطية»، ووقع الإدغام لاجتماع ياءين الأولى ساكنة.
15- وحجة من كسر الدال وهمز ومد أنه جعله «فعيلا» من الدر، كـ «فسيق وسكير» والمعنى إذا جعلته مشتقًا من الدرء وهو الدفع؛ لأنه يدفع الخفاء لتلألئه وضيائه عند ظهوره فهو درأت النجوم تدرأ، إذا اندفعت فدفعت الظلام بضيائها.
16- وحجة من ضم الدال وهمز ومد أنه جعله «فعيلا» من «درأت» أيضًا، ومثله في الصفات «العلية والسرية» ومثله في الأسماء «المرية» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/138]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {يوقد} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بتاء مفتوحة، مع فتح الواو والتشديد، وقرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بضم التاء، وضم الدال والتخفيف، وقرأ الباقون بياء مضمومة، وضم الدال والتخفيف.
وحجة من فتح التاء والدال وشدد أنه جعل الفعل للزجاجة، فأنّث، والمعنى للمصباح لكن لما التبس المصباح بالزجاجة حمل التأنيث على الزجاجة، وجعل الفعل ماضيًا، وقوله: {من شجرة} معناه: من زيت شجرة.
18- وحجة من ضم التاء والدال أنه أنّث لتأنيث الزجاجة، على ما ذكرنا أولًا، وجعل الفعل مستقبلًا، لم يسم فاعله، ففي الفعل ضمير الزجاجة، قام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/138]
مقام الفاعل، والمعنى للمصباح.
19- وحجة من قرأ بياء مضمومة وضم الدال والتخفيف أنه ذكّر الفعل لتذكير المصباح فحمل اللفظ على المعنى، وجعل الفعل مستقبلًا، والاختيار في اللفظين ما عليه الحرميان ومن تابعهما من ضم الدال وتشديد الياء في {دري} و{يوقد} بالياء وضم الدال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/139]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {كَمِشْكَاةٍ} [آية/ 35] بالإمالة:
قرأها الكسائي –ري-.
والوجه أن الالف وقعت رابعةً، فتحسن الإمالة فيها، سواءً كانت منقلبةً عن الواو أم عن الياء.
وقرأ الباقون و-ث- عن الكسائي {كَمِشْكَاةٍ} بغير الإمالة.
والوجه أنه هو الأصل؛ لأن الإمالة ليست بواجبة). [الموضح: 914]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {دِرِّيءٌ} [آية/ 35] بكسر الدال والهمز:
قرأها أبو عمرو والكسائي.
والوجه أنه فعيلٌ من الدرء مثل شريب وسكير وفسيق، والدرء: الدفع، ويحمل معناه على اندفاع الخفاء عنه، لتلألؤه، وقيل: على اندفاعه من الجو، والعرب تقول: درأت النجوم إذا اندفعت.
وقرأ عاصم –ياش- وحمزة {دُرِّيءٌ} بضم الدال وبالهمز.
والوجه أن فعيلٌ بضم الفاء وتشديد العين، من الدرء أيضًا وهو الدفع على ما قدمناه من الاشتقاق، وفعيلٌ في الصفات حكاه سيبويه عن أبي الخطاب
[الموضح: 914]
قد جاء فيها هذا، وفي الأسماء المريق وهو العصفر.
وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر و-ص- عن عاصم ويعقوب {دُرِّيٌّ} بضم الدال غير مهموزة.
والوجه أنه يجوز أن يكون منسوبًا إلى الدر لضيائه وتلألؤه، ويجوز أن يكون فعيلًا من الدر كما سبق، إلا أن الهمزة خففت فانقلبت ياءً). [الموضح: 915]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {تَوَقَّدَ} [آية/ 35] بالتاء مفتوحة وبتشديد القاف وفتح الدال:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أنه فعل ماضٍ، والمصباح من قوله {كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ} فاعله، وتوقد تفعل من الوقود.
وقرأ نافع وابن عامر و-ص- عن عاصم {يُوقَدُ} بالياء مضمومة وبتخفيف القاف وضم الدال.
والوجه أنه فعل مضارع لما لم يسم فاعله، وهو مسند إلى المصباح أيضًا، وإذا سميت الفاعل قلت أوقدته، والمعنى أن هذا المصباح يوقد من زيت شجرة فحذف المضاف.
وقرأ حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم {تُوقَدُ}، بالتاء مضمومة وضم الدال، أيضًا على المضارعة.
[الموضح: 915]
والوجه أنه مضارع لما لم يسم فاعله، وماضيه أوقدت، وأنّث الفعل على الإسناد إلى الزجاجة، والتقدير: توقد الزجاجة من زيت شجرة، والمعنى مصباح الزجاجة، فحذف المضاف). [الموضح: 916]
قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يسبّح له فيها (36)
قرأ عبد اللّه بن عامر وأبو بكر عن عاصم (يسبّح له فيها) بفتح الباء.
وكسرها الباقون.
قال أبو منصور: قال الفراء: من فتح الباء من (يسبّح) رفع قوله (رجالٌ) بنية فعل مجدّد، أي: يسبّح له فيها رجالٌ لا تلهيهم تجارة.
وقال ابن الأنباري: إذا جعلت (في) متعلقة ب (يسبح)، أو رافعة للرجال حسن الوقف على قوله (فيها).
وقال الفراء: من قرأ (يسبّح) بكسر الباء رفع الرجال بفعلهم في (يسبح).
وقال أبو إسحاق من قرأ (يسبّح له فيها) بفتح الباء يكون رفع قوله (رجالٌ) على تفسير ما لم يسم فاعله، فكأن المعنى على أنه لما قال: (يسبّح له فيها) كأنه قيل: من يسبّح اللّه؟.
[معاني القراءات وعللها: 2/209]
فقيل: يسبّح رجال كما قال الشاعر.
ليبك يزيد ضارعٌ لخصومةٍ... ومختبطٌ ممّا تطيح الطّوائح). [معاني القراءات وعللها: 2/210]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {يسبح له فيها بالغدو} [36].
قرأ عاصم – في رواية أبي بكر – وابن عامر {يسبح له} على ما لم يسم فاعله. فعلى قراءتهما ترتفع {الرجال} من وجهين:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/109]
أحدهما: أن الكلام قد تم عند {الأصال}. ثم يقول: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله} فالتجارة الجلب، والبيع ما يبيع الرجل على يده.
والوجه الثاني: أن ترفع الرجال بإضمار فعل فيكون الكلام تاما على {الأوصال}، ثم يتبدى: رجال أي: يسبحه رجال.
وقرأ الباقون: {يسبح} بكسر الباء {رجال}: رفع بفعلهم، فعلى هذه القراءة لا يكون الوقف إلا على الرجال. والاختيار يسبح بكسر الباء؛ لأن فتح الباء ما روى إلا عن عاصم وابن عامر، وقد روى عن عاصم الكسر أيضًا.
وحدثني ابن مجاهد قال: حدثني إدريس وابن أبي خيثمة عن خلف عن الضحاك بن ميموهن عن عاصم بن أبي النجود {يسبح} بكسر الباء.
وأما {الأصال} فجمع أصيل، وهو قراءة الناس إلا أبا مجلز فإنه قرأ (بالغدو والإصال) بكسر الألف جعله مصدرًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/110]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الباء وكسرها من قوله تعالى: يسبح له فيها [النور/ 36] فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر: (يسبّح) بفتح الباء، وقرأ الباقون: يسبح بكسر الباء، وكذلك حفص عن عاصم أيضا.
حدثني أحمد بن أبي خيثمة وإدريس بن عبد الكريم جميعا عن خلف عن الضحاك بن ميمون عن عاصم يسبح بكسر الباء، وروى بكار عن أبان عن عاصم يسبح بكسر الباء أيضا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/325]
قال أبو علي: من قال: (يسبّح له فيها) ففتح الباء فعلى أنّه أقام الجارّ والمجرور مقام الفاعل، ثم فسّر: من يسبح؟ فقال: (رجال) أي يسبّح له فيها رجال، فرفع رجالا بهذا المضمر الذي دلّ عليه قوله: يسبح، لأنّه إذا قال (يسبّح) دلّ على فاعل التسبيح، ومثل هذا قول الشاعر:
لبيك يزيد ضارع لخصومة لمّا قال: لبيك يزيد، دلّ على فاعل البكاء، فكأنّه قيل: من يبكيه؟ فقيل: ضارع لخصومة، والوجه يسبّح، كما قرأه الجمهور، فيكون فاعل يسبّح رجال الموصوفون بقوله: لا تلهيهم تجارة [النور/ 37] ). [الحجة للقراء السبعة: 5/326]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة سعيد بن جبير وأبي مجلز: [والإيصَالِ].
قال أبو الفتح: يريد وقت الإيصال، وهو قبل الغروب. وقد مضى القول عليه). [المحتسب: 2/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوّ والآصال * رجال} 26 و27
قرأ ابن عامر وأبو بكر {يسبح له فيها} بفتح الباء على ما لم يسم فاعله وقام الجار والمجرور مقام الفاعل ثمّ فسر من يسبح فقال {رجال} أي يسبح له رجال فهذا المضمر دلّ عليه قوله {يسبح له} لأنّه إذا قال يسبح دلّ على فاعل التّسبيح فيكون رفع {رجال} ها هنا على تفسير ما لم يسم فاعله ويجوز أن يكون الكلام قد تمّ عند قوله {والآصال} ثمّ يقول {رجال لا تلهيهم} على الابتداء والأول بإضمار فعل وقرأ الباقون {يسبح} بكسر الباء و{رجال} رفع بفعلهم). [حجة القراءات: 501] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {يسبح له فيها} قرأه أبو بكر وابن عامر بفتح الباء، على ما لم يسم فاعله، فـ {له} يقوم مقام الفاعل، ثم فسّر من هو الذي يسبح له بقوله: {رجال لا تلهيهم} «37» كأنه لما قيل: {يسبح له فيها} فقيل: من هو الذي يسبح؟ فقيل: رجال، صفتهم كذا وكذا، وله نظائر في القرآن منها ما مضى ومنها ما سيأتي، ويجوز أن يرتفع {رجال} بالابتداء والخبر {في بيوت} فيوقف على {الآصال} في القول الأول ولا يوقف عليه في هذا القول الثاني، وقرأ الباقون بكسر الباء، بنوا الفعل للفاعل، وهو «الرجال» فارتفعوا بفعلهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/139]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {يُسَبَّحُ لَهُ فِيهَا} [آية/ 36] بفتح الباء:
قرأها ابن عامر وعاصم –ياش-.
والوجه أن الفعل لما لم يسم فاعله، وقد أقيم الجار والمجرور وهو قوله {فِيهَا} أو {لَهُ} مقام الفاعل، وهذا كما تقول: مررت بمسجدٍ يصلى فيه، فقد أقمت قولك: فيه، مقام الفاعل، فكذلك هذا، ثم بيّن تعالى مَنْ يسبح فقال {رِجَالٌ} أي يسبح له فيها رجالٌ، فرجالٌ مرفوع بالفعل المضمر الذي هو يسبح، ودل عليه الفعل الظاهر المبني للمفعول به، كما قال الشاعر:
104- ليُبك يزيد ضارعٌ لخصومةٍ = ومختبطٌ مما تطيح الطوائح
فقال: يُبك على ما لم يسم فاعله، ثم قال: ضارعٌ، أي يبكيه ضارعٌ، فحذفه لدلالة قوله يبك عليه.
[الموضح: 916]
وقرأ الباقون {يُسَبِّحُ} بكسر الباء.
والوجه أن الفعل مبني للفاعل، وفاعله قوله {رِجَالٌ}، وهم الموصوفون بقوله تعالى {لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ الله} ). [الموضح: 917]
قوله تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37)} قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدوّ والآصال * رجال} 26 و27
قرأ ابن عامر وأبو بكر {يسبح له فيها} بفتح الباء على ما لم يسم فاعله وقام الجار والمجرور مقام الفاعل ثمّ فسر من يسبح فقال {رجال} أي يسبح له رجال فهذا المضمر دلّ عليه قوله {يسبح له} لأنّه إذا قال يسبح دلّ على فاعل التّسبيح فيكون رفع {رجال} ها هنا على تفسير ما لم يسم فاعله ويجوز أن يكون الكلام قد تمّ عند قوله {والآصال} ثمّ يقول {رجال لا تلهيهم} على الابتداء والأول بإضمار فعل وقرأ الباقون {يسبح} بكسر الباء و{رجال} رفع بفعلهم). [حجة القراءات: 501] (م)
قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)}