سورة الحج
[من الآية (38) إلى الآية (41) ]
{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41) }
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ اللّه يدافع عن الّذين آمنوا (38)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب (إن الله يدفع) بغير ألف. وقرأ الباقون (يدافع) بألف.
[معاني القراءات وعللها: 2/181]
قال أبو منصور: من قرأ (يدافع) فهو من دافع يدافع، بمعنى: دفع.
وقد جاءت حروفٌ على (فاعل) للواحد، منها: قاتله اللّه، وعافاه اللّه، وعاهدت الله.
ومن قرأ (يدفع) فهو من دفع يدفع). [معاني القراءات وعللها: 2/182]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) [الحج/ 38] ولو لادفع الله الناس [الحج/ 40] بغير ألف.
وقرأ نافع: إن الله يدافع عن الذين آمنوا، (ولولا دفاع الله) بألف.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: إن الله يدافع بألف، ولولا دفع الله بغير ألف.
قراءة ابن كثير وأبي عمرو: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله جعلوا الدفع مصدر دفع، وقراءة نافع: إن الله يدافع (ولولا دفاع الله)، فدفاع يكون مصدر دافع، كما أن القتال مصدر قاتل. فأما من فصل بين الفعل والمصدر وقرأ: إن الله يدافع ولولا دفع الله فيجوز
[الحجة للقراء السبعة: 5/278]
أن يكون وافق قراءة من قرأ: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله وذلك أن فاعل في معنى فعل مثل: طارقت النّعل، ولا يصح أن يكون مثل قاتل وضارب، فهو مثل واعد التي يراد به فعل، فجاء يدفع على أن معنى الفعل فعل، وإن كان لفظه على فاعل، مثل: طارقت النّعل، وعاقبت اللص، وعافاه الله.
ولو قرأ قارئ: (ولولا دفاع الله الناس) وقرأ: (إن الله يدفع) لجاز أن يكون الدفاع من دفع، كالكتاب من كتب، لا يريد به مصدر فاعل، ولكن مصدر الثلاثة مثل: الكتاب والقيام والعتاب، وقال أبو الحسن: أكثر الكلام: (إن الله يدفع) بغير ألف. قال: وتقولون: دفع الله عنك، قال: ودافع عربية إلا أن الأول أكثر). [الحجة للقراء السبعة: 5/279] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الله يدافع عن الّذين آمنوا} 38
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (إن الله يدفع عن الّذين آمنوا) بغير ألف من دفع يدفع دفعا وحجتهما أن الله جلّ وعز لا يدافعه
[حجة القراءات: 477]
شيء وهو يدفع عن النّاس فالفعل وحده له لا لغيره
وقرأ الباقون {إن الله يدافع} بالألف وحجتهم أن يدافع عن مرّات متواليات لأن قول القائل دافعت عن زيد يجوز أن يراد به دفعت عنه مرّة بعد مرّة وليس ينحى به نحو قاتلت زيدا بل ينحى به نحو قوله {قاتلهم الله} والفعل له لا لغيره ونحو هذا طارقت النّعل وسافرت). [حجة القراءات: 478]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {إن الله يدافع} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/119]
وإسكان الدال من غير ألف، وقرأ الباقون بضم الياء وبألف بعد الدال.
وحجة من قرأ بغير ألف أنه جعل الفعل من واحد، وهو الله جل ذكره، يدفع عمن يشاء، ولما كان في إثبات الألف احتمال أن يكون الفعل من اثنين، والله وحده هو الدافع، كان ترك إثبات الألف أولى لزوال الاحتمال، وهو الاختيار، لما في إثبات الألف من الاحتمال ان يكون الدفع من اثنين من دافع ومن مدفوع عنه، والمدفوع عنه لا حظ له في الدفع، لكن يُحمل على تكرير الفعل، أي يدفع عنهم مرة بعد مرة، فيصح لفظ {يدافع} من واحد، ومثله: {قاتلهم الله} «التوبة 30» ليس هو من اثنين، والعرب تخرج «فاعل» من واحد، نحو: سافر زيد.
14- وحجة من قرأ بألف أنه حمله أيضًا على الواحد، لأن المفاعلة قد تكون من واحد، نحو: عاقبت اللص، وداويت العليل، وقد تكون «فَاعَل» للتكرير، أي يدفع عنهم مرة بعد مرة، وقد يأتي «فاعل» من واحد، قالوا: سافر زيد، وقد ذكرناه، وقد تقدم ذكر «دفع» وعلته في البقرة، والكلام عليه كالكلام في {يدافع} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/120]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {إنَّ الله يُدَفِعُ}[آية/ 38] بغير ألف:
قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أنه مضارع دفع، يقال: دفع يدفع دفعًا، والمعنى يدفع السوء.
وقرأ الباقون {يُدَافِعُ}بالألف.
والوجه أنه مضارع دافع، يقال: دافع يدافع مدافعة ودفاعًا، ودافع ههنا بمعنى دفع؛ لأن الفعل من واحد، كطارقت النعل وعاقبت اللص، وهم للدفاع في هذا المعنى أكثر استعمالاً منهم للدفع، وإن كان المعنى واحداً). [الموضح: 881]
قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أذن للّذين يقاتلون (39)
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي (أذن للّذين) بفتح الألف (يقاتلون) بكسر التاء.
وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم، ويعقوب (أذن للّذين) بضم الألف (يقاتلون) بكسر التاء.
وقرأ ابن عامر (أذن للّذين يقاتلون) بفتح الألف والتاء جميعًا.
وقرأ نافع وحفص: (أذن) - بضم الألف -، (يقاتل) - بفتح التاء -.
قال أبو منصور: من قرأ (أذن) بفتح الألف فالمعنى: أذن اللّه للذين يقاتلون أو: يقاتلون، و(أنهم ظلموا)، أي: أذن لهم بسبب ما ظلموا أن يقاتلوا، وكذلك المعنى فيمن قرأ (أذن)، وإذا قرئ (يقاتلون) فهم فاعلون، وإذا قرئ (يقاتلون) فهم مفعولون). [معاني القراءات وعللها: 2/182]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {أذن للذين يقاتلون} [39].
قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي (أذن) بفتح الألف و(يقتلون) بكسر التاء، والتقدير: أذن الله تعالى يقاتلون من ظلمهم، وكذلك التقدير في قراءة الباقين.
وقرأ أبو عمر، وأبو بكر عن عاصم: بكسر التاء وضم الألف.
وقرأ ابن عامر: بفتح التاء، والألف جميعًا.
وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع: {أذن} بالضم {يقتلون} بالفتح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/79]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الألف وضمّها من قوله تعالى: أذن للذين يقاتلون [الحج/ 39].
فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي: (أذن للذين) مفتوحة الألف مكسورة التاء.
وقرأ نافع وأبو عمارة وابن اليتيم وهبيرة عن حفص عن عاصم:
أذن برفع الألف يقاتلون مفتوحة التاء.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وأبو عمرو أذن للذين يقاتلون مضمومة الألف مكسورة التاء. وقرأ ابن عامر (أذن للذين يقاتلون) مفتوحة الألف والتاء.
قال أبو علي: المأذون لهم في القتال أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وما ظلموا به: أنّ المشركين أخرجوهم من ديارهم وشرّدوهم حتى لحق طائفة منهم بالحبشة، ثم بوّءوا المدينة بعد، فمن قرأ: (أذن) فبنى الفعل للفاعل فلما تقدّم من ذكر الله تعالى وقوله: الذين يقاتلون في موضع نصب.
ومن قرأ: أذن فبنى الفعل للمفعول به، فالمعنى على أن الله
[الحجة للقراء السبعة: 5/280]
سبحانه أذن لهم في القتال، والجار والمجرور في موضع رفع لإسناد الفعل المبني للمفعول إليهما.
ومن قرأ: (يقاتلون) فالمعنى أنهم يقاتلون عدوهم، والظالمين لهم بإخراجهم عن ديارهم.
ومن قرأ: أذن للذين يقاتلون فالمعنى فيه: أذن الله للذين يقاتلون بالقتال، ومعاني هذه القراءات متقاربة. وزعموا أن في بعض القراءات: في سبيل الله وهذا يصلح أن يكون في قراءة من قرأ:
(يقاتلون) ويقاتلون لأن من يقاتل المشركين ومن يقاتل من المسلمين، فقتاله في سبيل الله، وحذف مثل هذا في الكلام للدّلالة عليه حسن كثير، والذي أظهره أخرج ما حذفه الجمهور من اللفظ إلى اللفظ.
وممّا يقوي قول من قال: يقاتلون بأنهم ظلموا بأن الفعل الذي بعده مسند إلى المفعول به). [الحجة للقراء السبعة: 5/281]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أذن للّذين يقاتلون بأنّهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير}
قرأ نافع وأبو عمرو وعاصم {أذن للّذين يقاتلون} بضم الألف أي اذن الله للّذين يقاتلون ثمّ رد إلى ما لم يسم فاعله
وقرأ الباقون {آذن} بفتح الألف وحجتهم أنه قرب من قوله قبلها {إن الله لا يحب كل خوان كفور} فأسندوا الفعل إلى الله لتقدم اسمه وأن الفعل قرب منه وأخرى وهي أن الكلام عقيبه جرى بتسمية الله وهو قوله {وإن الله على نصرهم لقدير} فكان الأولى أن يكون ما بينهما في سياق الكلام بلفظهما ليأتلف الكلام على نظام واحد عن مجاهد في قوله {أذن للّذين يقاتلون} قال ناس مؤمنون خرجوا مهاجرين من مكّة إلى المدينة وكانوا يمنعون فأدركهم الكفّار فأذن للمؤمنين بقتال الكفّار فقاتلوهم قال مجاهد هو أول قتال أذن به للمؤمنين
قرأ نافع وابن عامر وحفص بفتح التّاء على ما لم يسم فاعله أي
[حجة القراءات: 478]
يقاتلهم الكفّار ويقوّي هذا قوله {بأنّهم ظلموا} أن الفعل بعده مسند إلى المفعول به قال عاصم لو كانت يقاتلون بكسر التّاء ففيم أذن لهم فكأنهم ذهبوا إلى أن المشركين قد كانوا بدؤوهم بالقتال فأذن الله لهم حين قاتلوا أن يقاتلوا من قاتلهم وهو وجه حسن لأن المشركين قد كانوا يقتلون أصحاب النّبي صلى الله عليه وكان المؤمنون ممسكين عن القتال لأنهم لم يؤمروا به فأذن الله لهم أن يقاتلوا من قاتلهم
وقرأ الباقون بكسر التّاء لأنهم فاعلون المعنى يقاتلون عدوهم الظّالمين لهم بإخراجهم من ديارهم وحجتهم في حرف أبي (أذن للّذين قاتلوا) ). [حجة القراءات: 479]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (15- قوله: {أذن للذين} قرأه نافع وأبو عمرو وعاصم بضم الهمزة، على ما لم يسم فاعله، فـ «الذين» يقوم مقام الفاعل، والله هو الفاعل، وقرأ الباقون {أذن} بفتح الهمزة، على أنهم بنوا الفعل للفاعل المتقدم الذكر، وهو الله جل ذكره، فهو مضمر في {أذن}، و{للذين} في موضع نصب يتعدى الفعل إليهم بحرف الجر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/120]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {يقاتلون} قرأه نافع وابن عامر وحفص بفتح التاء، على ما لم يسم فاعله، على معنى: أذن الله للذين يقاتلون عدوهم بالقتال لعدوهم، ويقوي هذه القراءة قوله: {بأنهم ظلموا} فدل ذلك على أنهم قوتلوا، فأتى الفعلان على ما لم يسم فاعله، وهو الاختيار، لصحة معناه؛ لأنهم لما قوتلوا وظلموا بالقتال أذن الله لهم بقتال عدوهم، وقد قيل: إنها أول آية نزلت في إباحة قتال المشركين، وقرأ الباقون بكسر التاء، أضافوا الفعل إلى الفاعل، على تقدير: أذن الله للذين يريدون قتال عدوهم بالقتال، وقد تقدم ذكر «قتلوا، ومدخلا، وكأين، وليضل، وترجع الأمور» وشبه ذلك، فأغنى عن إعادته). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/121]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {أُذِنَ لِلَّذِينَ}[آية/ 39] بضم الألف:
قرأها نافع وأبو عمرو وعاصم ويعقوب.
والوجه أن الفعل مبني للمفعول به، والجار والمجرور في موضع رفع بإسناد الفعل الذي لم يسم فاعله إليه، والله تعالى هو الذي أذن لهم في القتال، والمأذون لهم في القتال هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما لم يشتبه المعنى بني الفعل للمفعول به، إذ الفاعل غير مشتبه، وما بعده أيضًا على ما لم يسم فاعله وهو قوله {ظَلَمُوا}وفاعل الظلم أيضًا لا يشتبه، لأنهم هم المشركون.
وقرأ الباقون {أُذِنَ}بفتح الألف.
والوجه أن الفعل بني للفاعل، والفاعل هو الله تعالى والمعنى أذن الله للذين يقاتلون في قتال الكفار بسبب أنهم ظلموا، وذلك أن المشركين أخرجوهم من ديارهم). [الموضح: 882]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {يُقَاتِلُونَ}[آية/ 39] بفتح التاء:
قرأها نافع وابن عامر و- ص- عن عاصم.
والوجه أن المراد يقاتلهم الذين ظلموهم بإخراجهم من ديارهم، فهم مفعولون.
وقرأ الباقون {يُقَاتِلُونَ}بكسر التاء.
[الموضح: 882]
والوجه أنه أراد أنهم يقاتلون ظالميهم، فهم فاعلون). [الموضح: 883]
قوله تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لهدّمت صوامع (40)
قرأ ابن كثير ونافع (لهدمت) خفيفة الدال.
وقرأ الباقون (لهدمت) مشددة.
قال أبو منصور: (لهدّمت) للتكثير، ومن خفف فهو جائز، كقولك: قتل الرجال، وقتّلوا). [معاني القراءات وعللها: 2/183]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (10- قوله تعالى: {لهدمت صومع} [40].
قرأ ابن كثير ونافع {لهدمت} خفيفًا.
وقرأ الباقون مشددًا، وهما لغتان، غير أن التشديد للتكثير. هدمت شيئًا بعد شيء مثل ذبحت، وذبحت، فقال الحسن: تهديمها: تعطيلها، فهذا شاهد لمن شدد.
فإن قيل لك: كيف تهدم الصلوات؟
ففي ذلك جوابان:
أحدهما: أن تهدم موضع الصلوات وهي المساجد، فإذا هدموا موضع الصلوات فقد هدموا الصلاة وأبطلوها.
والجواب الآخر: أن الصلوات ها هنا بيوت النصارى يسمونها صلواتًا.
حدثني ابن مجاهد قال: حدثنا إدريس عن خلف عن محبوب عن داود عن أبي العالية في قوله: {وصلوت ومسجد} قال: الصلوات: بيوت الصابئين يسمونها صلواتًا. قال الشاعر:
إتق الله والصلاة فدعها = إن في الصوم والصلاة فسادا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/78]
يعني بالصلاة في هذا البيت: بيت النصارى، وبالصوم ذوق النعام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/79]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {ولولا دفع الله الناس} [40].
قرأ ابن كثير، وأبو عمرو {دفع الله} بغير ألف. {وإن الله يدفع} [38] كمثل.
وكان أبو عمرو يقول: {يدفع} لحن.
وقرأ نافع {يدفع}، {ولولا دفع الله} بألف فيهما.
وقرأ الباقون، {يدفع} بألف {ولولا دفع الله} بغير ألف، وهما لغتان غير أن الدفاع: فعل من اثنين دافعته مثل ناظرته، والدفع: من واحد, وقد يكون فاعلت من واحد، كقولهم: طارقت النعل، وعافاك الله وقد أشبعت ذلك في سورة (البقرة) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/79]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) [الحج/ 38] ولو لادفع الله الناس [الحج/ 40] بغير ألف.
وقرأ نافع: إن الله يدافع عن الذين آمنوا، (ولولا دفاع الله) بألف.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: إن الله يدافع بألف، ولولا دفع الله بغير ألف.
قراءة ابن كثير وأبي عمرو: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله جعلوا الدفع مصدر دفع، وقراءة نافع: إن الله يدافع (ولولا دفاع الله)، فدفاع يكون مصدر دافع، كما أن القتال مصدر قاتل. فأما من فصل بين الفعل والمصدر وقرأ: إن الله يدافع ولولا دفع الله فيجوز
[الحجة للقراء السبعة: 5/278]
أن يكون وافق قراءة من قرأ: (إنّ الله يدفع) ولولا دفع الله وذلك أن فاعل في معنى فعل مثل: طارقت النّعل، ولا يصح أن يكون مثل قاتل وضارب، فهو مثل واعد التي يراد به فعل، فجاء يدفع على أن معنى الفعل فعل، وإن كان لفظه على فاعل، مثل: طارقت النّعل، وعاقبت اللص، وعافاه الله.
ولو قرأ قارئ: (ولولا دفاع الله الناس) وقرأ: (إن الله يدفع) لجاز أن يكون الدفاع من دفع، كالكتاب من كتب، لا يريد به مصدر فاعل، ولكن مصدر الثلاثة مثل: الكتاب والقيام والعتاب، وقال أبو الحسن: أكثر الكلام: (إن الله يدفع) بغير ألف. قال: وتقولون: دفع الله عنك، قال: ودافع عربية إلا أن الأول أكثر). [الحجة للقراء السبعة: 5/279] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الدال وتخفيفها من قوله: لهدمت صوامع [الحج/ 40].
فقرأ ابن كثير ونافع: (لهدمت صوامع) خفيفة الدال وقرأ الباقون: لهدمت مشدّدة الدال.
هدمت يكون للقليل والكثير، يدلّك على ذلك أنك تقول:
ضربت زيدا ضربة، وضربته ألف ضربة، فاللفظ في القلة والكثرة على حالة واحدة، وهدّمت يختص به الكثير، كما أن الرّكبة والجلسة تختص بالحال التي هو عليها، وفي التنزيل: وغلقت الأبواب [يوسف/ 23]، وقال الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 5/279]
ما زلت أفتح أبوابا
وأغلقها... حتى أتيت أبا عمرو بن عمّار
فهذا وجه من قال: (لهدمت صوامع) بالتخفيف). [الحجة للقراء السبعة: 5/280]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الجحدري بخلاف: [وصُلُوتٌ] بضم الصاد واللام، وإسكان الواو، والتاء.
وروى عنه: [وصِلْواتٌ]. بكسر الصاد، وجزم اللام بعد الواو. بالتاء.
وقرأ: [وصُلُوتٌ] أبو العالية -بخلاف- والحجاج بن يوسف- بخلاف- والكلبي.
وقرأ: [وصُلُوتٌ] الحجاج. ورويت عن الجحدري.
وقرأ: [وَصُلُوَتٌ] جعفر بن محمد.
وقرأ: [وصُلُوتًا] مجاهد.
وقرأ: [وصلَوَاتٌ] الجحدري والكلبي بخلاف.
وقرأ: [وصِلْوِيتًا] عكرمة.
قال أبو الفتح: اعلم أن أقوى القراءات في هذا الحرف هو ما عليه العامة، وهو: {صَلَوَاتٌ}
[المحتسب: 2/83]
ويلي ذلك [صُلُواتٌ] و [صُلَوَات] و[صِلْوَاتٌ]. فأما بقية القراءات فيه فتحريف وتشبث باللغة السريانية واليهودية.
وذلك أن الصلاة عندنا من الواو، يدلك على ذلك ما كان رآه أبو علي فيها، وذلك أنها من الصَّلَوَيْن وهما مكتنِفا ذنَب الفرس وغيره مما يجري مجرى ذلك، قال: واشتقاقه منه أن تحريك الصَّلَوَيْنِ أول ما يظهر من أفعال الصلاة، فأما الاستفتاح ونحوه من القراءة والقيام فأمر لا يظهر، ولا يخص ما ظهر منه الصلاة، لكن الركوع أول ما يظهر من أفعال المصلي. وقولهم أيضا في الجمع: صلواتٌ، قاطع بكون اللام واوا، وإنما ذكرنا وجه اشتقاقها من الصَّلَوَيْن. فصلوات جمع صلاة، كقنوات من قناة.
وأما [صُلُوَات] و[صُلَوَات] فجمع صُلْوَة، وإن كانت غير مستعملة. ونظيرها حُجْرَة وحُجُرَات وحُجَرَات. وأما [صِلْوَات] فكأنه جمع صِلْوَة كرِشْوَة ورِشْوَات، وهي أيضا مقدرة وغير مستعملة، كتقدير [صُلْوَة]. وقد تكون [صُلَوَات] بفتح اللام أيضا جمع صُلاة كطُلاة وطُلَيَات. وإنما بدأنا بقولنا إنها جمع صُلْوَة كحُجُرات جمع حُجْرَة، ولم تقدم ذكر صلاة المتقدرة ليقل تقدير ما لم يخرج إلى الاستعمال.
ومعنى [صَلَوات] هنا: المساجد، وهي على حذف المضاف، أي: مواضع [الصَّلَوَات]، ومنه قولهم: صلى المسجد، أي: أهله. وأذن المسجد، أي: مؤذنه. وقال:
نبِّئْتُ أنّ النارَ بَعْدَكَ أُوقِدَتْ ... وَاسْتَبَّ بَعْدَكَ يا كُلَيْبُ الْمَجْلِسُ
قال أبو حاتم: ضاقت صدورهم لما سمعوا {هُدِّمَتْ صَلَوَاتٌ}، فعدلوا إلى بقية القراءات، وقال الكلبي: [صُلُواتٌ]: مساجد اليهود، وقال الجحدري: [صُلُواتٌ]: مساجد النصارى. وعندنا من خارج باب الموصل بيوت يدفن فيها النصارى تعرف بالباصَلُوث، بثاء منقوطة
[المحتسب: 2/84]
بثلاث، وقال قطرب: صُلُوث بالثاء: بعض بيوت النصارى، قال: والصُّلُوثُ: الصوامع الصغار لم يسمع لها بواحد، قال: وقال ابن عباس: [صَلَوَات]: كنائس اليهود، وصوامع الرهبان، وبِيَع النصارى.
وقال أبو حاتم: قال الحسن: تهديمها: تعطيلها، وقول الله سبحانه: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، ثم قال: {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ}، فهذا يدل على أن المراد: لا تقربوا المسجد، فقال: "الصلاة"). [المحتسب: 2/85]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولولا دفع الله النّاس بعضهم ببعض لهدمت صوامع}
قرأ نافع (ولولا دفاع الله النّاس) بالألف وقرأ الباقون {ولولا دفع الله} وقد بيّنت في سورة البقرة
قرأ نافع وابن كثير {لهدمت} بالتّخفيف وقرأ الباقون بالتّشديد وهما لغتان غير أن التّشديد للتكثير {لهدمت} شيئا بعد شيء مثل ذبحت وذبحت). [حجة القراءات: 479]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {لهدمت} قرأ الحرميان بالتخفيف؛ لأنه يقع للقليل والكثير، وهو أخف، وقرأ الباقون بالتشديد، ليخلصوا الفعل إلى التكثير، لكثرة الصوامع والبيع والصلوات والمساجد، فالتشديد الذي يدل على التكثير أولى وهو الاختيار لكثرة ما دفع الله من الهدم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/121]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {ولَوْلا دَفْاعُ الله}[آية/ 40] بالألف وكسر الدال:
قرأها نافع ويعقوب.
والوجه أن دفاعًا مصدر دافع، والفعل من واحد كطارقت النعل، وقد سبق.
ويجوز أن يكون الدفاع مصدراً من دفع كالكتاب من كتب.
وقرأ الباقون {ولَوْلا دَفْعُ الله}بغير ألف.
والوجه أنه مصدر دفع يدفع، وهو الأصل في الباب). [الموضح: 883]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ}[آية/ 40] بتخفيف الدال:
قرأها ابن كثير ونافع.
والوجه أن الفعل إذا كان مخففًا فإنه ينطلق على القلة والكثرة جميعًا، بدليل قولهم: ضربته ضربة وضربتين وألف ضربةٍ، فالمخفف إذاً يكون ههنا بمعنى الكثرة.
وقرأ الباقون {هُدِّمَتْ}بالتشديد.
والوجه أن التفعيل يختص الكثرة، فاختير ههنا؛ لأن الصوامع جمع. وأدغم التاء أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي.
[الموضح: 883]
والوجه أن إدغام التاء في الصاد جائز حسن لتقاربهما في المخرج واشتراكهما في الهمس.
وقرأ الباقون بالإظهار.
والوجه أنهما حرفان غير مثلين، والإظهار أصل، فأجروه على الأصل). [الموضح: 884]
قوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (41)}