سورة الأنبياء
[من الآية(95)إلى الآية(97)]
{وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95) حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96) وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97) }
قوله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (95)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وحرامٌ على قريةٍ)
قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وحمزة، والكسائي: (وحرمٌ على قريةٍ) بغير ألف، والحاء مكسورة.
وقال الأعشى: اختار أبو بكر (وحرام) بألف، وأدخلها في قراءة عاصم، وقال: وهي في مصحف عليٍّ بألف. وقرأ الباقون بألف.
[معاني القراءات وعللها: 2/170]
قال أبو منصور: هما لغتان. حرم وحرام. بمعنىً واحد، كما يقال: حلّ وحلال، ونحو ذلك.
قال الفراء: وروي عن ابن عباس أنه قرأ (وحرمٌ على قرية أهلكناها) وفسره: وجب عليها أن لا يرجع إلى دنياها.
وروي عن سعيد ابن جبير أنه قرأ (وحرمٌ على قرية)، فسئل عنها فقال: عزمٌ عليها.
وقال أبو إسحاق في قوله: (وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها) الآية، هذا يحتاج إلى أن يبيّن، ولم يبيّن، وهو واللّه أعلم: أنه لما قال: (فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون) أعلمنا أن اللّه قد حرم قبول أعمال الكفار، فالمعنى: حرامٌ على قريةٍ أهلكناها أن يتقبل منها عمل لأنهم لا يرجعون، أي: لا يتوبون.
قال أبو منصور: وقد جوّد أبو إسحاق فيما بيّن، وتصديقه ما حدثناه المنذري عن أبي جعفر بن أبي الدميل، قال: حدثنا حميد بن مسعود، قال: حدثنا يزيد ابن زريع، قال: حدثنا داود عن عكرمة عن ابن عباس في قوله: (وحرمٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون) قال: وجب على قريةٍ أهلكناها أنه لا يرجع منهم راجع، ولا يتوب منهم تائب.
حدثنا الحسين قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا صفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، قرأ ابن عباس: (وحرمٌ) قال عثمان: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان عن داود عن عكرمة
[معاني القراءات وعللها: 2/171]
عن ابن عباس: (وحرمٌ على قريةٍ) قال: [... ] ووكيع عن همام عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قرأها: و(وحرمٌ).
قال: وحدثنا ابن فضيل عن داود عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأها: (وحرمٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون).
قال: لا يتوبون). [معاني القراءات وعللها: 2/172]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {وحرام على قرية} [95].
قرأ أهل الكوفة {وحرم} بكسر الحاء مثل عليم إلا حفصًا. وقرأ الباقون {وحرم} وهما لغتان حل وحلال، وحرم، وحرام.
وقيل: وحرم على قرية أي: واجب عل قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون. وقال معناه: يرجعون، ولا «لا» صلة. كما قال:
ما كان يرضي رسول الله فعلهم = والطيبان أبو بكر ولا عمر
وقال آخر:
فما ألوم البيض ألا تسحرا = لما رأين الشمط القفندرا
معناه: أن تسحر و«لا» زائدة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/68]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله عز وجل: وحرام على قرية أهلكناها [الأنبياء/ 95].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: (وحرم) بكسر الحاء بغير ألف.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم: وحرام على قرية بألف.
وحرم وحرام: لغتان، وكذلك: حلّ وحلال. فكلّ واحد من حرم إن شئت رفعته بالابتداء لاختصاصه بما طال بعده من الكلام، وإن شئت جعلته خبر مبتدأ، وكان المعنى: وحرام على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون، وجعلت (لا) زائدة، والمعنى: وحرام على قرية أهلكناها رجوعهم، كما قال: فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون [يس/ 50] وإن شئت جعلت حراما وحرما خبر مبتدأ، وأضمرت مبتدأ، ويكون المعنى: وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون، وجعلت (لا) غير زائدة، أي رجوعهم، المعنى: وحرام على قرية أهلكناها بالاستئصال رجوعهم، ومعنى حرام عليهم: أنهم ممنوعون من ذلك، كما يمنعون من الأشياء المحرمة في الشرع والعقل. وقيل في تفسير قوله: ويقولون حجرا محجورا [الفرقان/ 22] إن المعنى: حراما محرما، فهذا من معنى الامتناع، وما حتم به عليهم، كما أن حرام على قرية أهلكناها كذلك ليس كحظر الشريعة الذي إن شاء المحظور عليه ركبه. وإن شاء توقاه وتركه، وكان
[الحجة للقراء السبعة: 5/261]
الأمر فيه موقوفا على اختياره وأما: أولم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون [يس/ 31] فيحتمل ضربين: أحدهما: كم أهلكنا بأنهم إليهم لا يرجعون، أي: بالاستئصال، والآخر: أنّ قوله: كم أهلكنا، يدلّ على إهلاكنا، فيكون قوله: أنهم إليهم لا يرجعون فيكون هذا هو الإهلاك، ولا تكون بدلا من (كم) لأن كم يراد به أهل القرون الذين أهلكوا، وليس الإهلاك فيبدل منهم). [الحجة للقراء السبعة: 5/262]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وسعيد بن المسيب وعكرمة وقتادة: [وَحَرِمَ عَلَى قَرْيَةٍ].
وقرأ: [وحرُم] ابن عباس -بخلاف- وأبو العالية وعكرمة.
وقرأ: [وَحَرَمَ عَلَى قَرْيَةٍ] قتادة ومطر الوراق.
وقرأ: [وَحَرِمَ]، بفتح الحاء، وكسر الراء، والتنوين في الميم عكرمة، بخلاف.
وقرأ: [وحَرْمٌ]، بفتح الحاء، وسكون الراء والتنوين ابن عباس، بخلاف.
قال أبو الفتح: أما [حَرِمَ] فالماضي من حَرِمَ، كقَلِقَ من قَلِقٍ، وبَطِرَ من بَطِرٍ. قالوا: حرم زيد، وهو حرم وحارم: إذا قبر ماله، وأحرمته: قمرته. قال زهير:
وإن أتاهُ خليلٌ يومَ مسألةٍ ... يقول لا غائبٌ مالي ولا حَرِمٌ
وأما [حَرُمَ] فأمره في الاستعمال ظاهر.
ومن جهة أحمد بن يحيى: [وَحَرِمٌ عَلَى قَرْيَةٍ]، أي: واجبٌ وحرامٌ، معناه: حُرِّمَ ذلك عليها، فلا تُبعث إلى يوم القيامة، وهذا على زيادة "لا"، وحَرِمَ الرجلُ: إذا لجَّ في شيء ومَحَكَ.
[المحتسب: 2/65]
وأما [حَرُمَ] فمن حَرَمْتُه الشيءَ: إذا منعْتُه إياه، فقد عاد إذًا إلى معنى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ} . وأما [حَرْمٌ]، بفتح الحاء، وتسكين الراء فمخفف من حَرِمٌ على لغة بني تميم، فهو كبَطْر من بَطِرٍ، وفَخْذ من فَخِذٍ، وكَلْمة من كَلِمَة. وقال أبو وعلة:
لا تأمنَنْ قوما ظلمتَهُمُ ... وبدأتَهُمُ بالشرِّ والحِرْمِ.
فكسَر، فهذا يصلح أن يكون من معنى اللجاج والمحك، ويصلح أن يكون من معنى الحرمان، أي: ناصبتهم وحرمتهم إنصافك). [المحتسب: 2/66]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون} 95
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر (وحرم على قرية) بغير ألف وقرأ الباقون {وحرام} قال قطرب هما لغتان مثل حل وحلال وحرم وحرام وقال قوم حرم بمعنى عزم وحرام بمعنى واجب). [حجة القراءات: 470]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (12- قوله: {وحرام على قرية} قراه أبو بكر وحمزة والكسائي «وحرم» بكسر الحاء من غير ألف بعد الراء، وقرأ الباقون بفتح الحاء وبألف بعد الراء، وهما لغتان كالحل والحلال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/114]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {وحَرَمٌ عَلَى قَرْيَةٍ}[آية/ 95] بكسر الحاء من غير ألف:
قرأها حمزة والكسائي و- ياش- عن عاصم.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم {وحَرَامٌ}بالألف.
والوجه أن حرمًا وحرامًا لغتان، كما يقال: حل وحلال). [الموضح: 867]
قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج (96)
قرأ ابن عامر ويعقوب (فتّحت) بالتشديد. وخففها الباقون.
قال أبو منصور: التشديد في تاء (فتّحت) للتكثير، ومن خفف فهو فتح واحد للسدّ الذي سده ذو القرنين، وكان التخفيف أجود لوجهين؛ لأنه سدٌّ لا يفتح إلا مرة واحدة ثم لا يسدّ). [معاني القراءات وعللها: 2/172]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (12- وقوله تعالى: {حتى إذا فتحت} [96].
قرأ ابن عامر {فتحت} مشددًا، أي: مرة بعد مرة، والتشديد: للتكثير، والتكرير.
وقرأ الباقون {فتحت} تخفيفًا.
قأما قوله: {يأجوج ومأجوج} فقرأ عاصم وحده بالهمز {يأجوج} والباقون بغير همز وقد ذكرت علته في (الكهف) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/67]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- [وقوله تعالى:] {وهم من كل حدب ينسلون} [96]،
قرأ ابن عباس: {من كل جدث}. أي: من كل قبر، يقال: للقبر، الجدث، والجدف، والريم، والضريح، والملحد، والبيت، والرجم،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/67]
الرمس. قال الشاعر في البيت:
* وعند الرداع بيت آخر كوثر *
أي: قبر آخر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/68]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (كلّهم قرأ: فتحت خفيفا غير ابن عامر فإنه قرأ (فتّحت) مشددا.
من خفف فلأن الفعل في الظاهر مسند إلى هذين الاسمين، فلم يحمل ذلك على الكثرة فيجعله بمنزلة: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50].
ومن شدّد ذهب إلى المعنى، وإلى أنّ ثمّ سدما وردما يفتح، وذلك كثير في المعنى، فجعله مثل: مفتحة لهم الأبواب.
ويجوز أن يكون المعنى: حتى إذا فتح سدّ يأجوج ومأجوج، فأريد السدّ وأضيف الفعل إليهما، والسدّ في اللفظ واحد فلم يحمل على الكثرة لانفراده في اللفظ). [الحجة للقراء السبعة: 5/262]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وكلهم قرأ (ياجوج وماجوج) [الأنبياء/ 96] غير مهموز إلا عاصما فإنه قرأ: يأجوج ومأجوج بالهمز.
وقد تقدّم القول في ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 5/262]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود: [مِنْ كُلِّ جَدَث يَنْسِلُونَ].
قال أبو الفتح: هو القبر بلغة أهل الحجاز، والجَدَفُ بالفاء لبني تميم. وقالوا: أجدثْتُ له جَدَثًا، ولم يقولوا: أجدفْتُ، فهذا يريك أن الفاء في [جَدَفٍ] بدل من الثاء في [جَدَثٍ]. ألا ترى الثاء أذهب في التصرف من الفاء؟ وقد يجوز أن يكونا أصليين إلا أن أحدهما أوسع تصرفا من صاحبه، كما قالوا: وَكَّدْتُ عهدَه وأَكَّدْتُه، إلا أن الواو أوسع تصرفًا من الهمزة. ألا تراهم قالوا: قد وَكَدَ وَكْدَهُ، أي: شغل به، ولم يقولوا: أَكَدَ أَكْدَهُ؟ فالواوُ إذًا أوسعُ تصرفًا، وعليه قالوا: مودَّةٌ وكِيدَةٌ، ولم يقولوا: أكِيدَةٌ. وقالوا: وَكَّدْتُ السَّرجَ، والوِكَادُ، ولم تستعملْ هنا الهمزةُ، فهذا مذهبٌ مقتاس على ما رأيتك هنا). [المحتسب: 2/66]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى إذا فتحت يأجوج ومأجوج}
قرأ ابن عامر {حتّى إذا فتحت} بالتّشديد أي مرّة بعد مرّة وقرأ الباقون بالتّخفيف أرادوا بمرّة واحدة). [حجة القراءات: 470]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {فتحت يأجوج ومأجوج} قرأ ابن عامر بالتشديد، وخفف الباقون، وهما لغتان، وفي التشديد معنى التكرير والتكثير، والتخفيف فيه أبين، لأن تقديره: حتى إذا فتح سد يأجوج، فهو واحد، فلا معنى للتكثير، وقيل: التشديد أقوى، لأن ثمَّ سدا وبناء وردما، فالفتح لأشياء مختلفة يكون، والتشديد أولى به، والتخفيف الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/114]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {فُتِحَتْ}[آية/ 96] بتشديد التاء:
قرأها ابن عامر ويعقوب.
والوجه أن الفعل مبني لمعنى الكثرة، فلذلك كان بالتشديد، والفعل مسند إلى {يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ}، وفيهم كثرة، فلكثرة من أسند إليهم الفعل الذي لم يسم فاعله، بني الفعل للتكثير.
وقرأ الباقون {فُتِحَتْ}بتخفيف التاء.
والوجه أن الفعل وإن كان مسنداً إلى يأجوج ومأجوج، وفيهم كثرةٌ، فإن المعنى فتح سد يأجوج ومأجوج؛ لأن المفتوح هو السد، فلما كان التقدير هذا، ثم حذف المضاف وهو السد، وأقيم المضاف إليه مقامه، وهو يأجوج، أسند الفعل إليه، وهو مؤنث، فأنث فعله.
ويجوز أن يكون الفعل خفف، وإن كان مسنداً إلى جمع؛ لأن الفعل وإن كان مخففًا، فقد يكون للكثرة لما في الفعل من معنى الجنسية). [الموضح: 868]
قوله تعالى: {وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ (97)}