قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (258)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ربّي الّذي يحيي ويميت... (258).
أسكن الياء حمزة. وحركها الباقون.
وقوله جلّ وعزّ: (قال أنا أحيي وأميت... (258).
قرأ نافع وحده بإثبات الألف من (أنا) إذا لقيتها الهمزة مفتوحة أو مضمومة في اثني عشر موضعا في البقرة، وموضع في الأنعام، وموضع في الأعراف، وموضعين في يوسف، وموضعين في الكهف،
[معاني القراءات وعللها: 1/217]
وموضعين في النمل، وموضع في المؤمن، وموضع في الزخرف، وموضع في الممتحنة.
فإذا لقيت ألف (أنا) همزة مكسورة حذفها كقوله في الأعراف: (إن أنا إلا نذير وبشير)، وفي الشعراء (إن أنا إلا نذير مبين)، وفي الأحقاف: (وما أنا إلا نذير مبين)، فإنه حذف الألف في هذه المواضع.
والباقون من القراء يطرحون ألف (أنا) في القرآن كله.
ولم يختلفوا في طرحها إذا لم يلقها همزة.
قال أبو منصور: في (أنا) ثلاث لغات: (أنا) بإثبات الألف، كقولك:
[معاني القراءات وعللها: 1/218]
(عنا)، وليست بالجيدة.
و (أن فعلت) ممالة النون إلى الفتح، وهي اللغة الجيدة، و(إن) مخففة الحركة، وهي رديئة). [معاني القراءات وعللها: 1/219]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {أنا أحيي} و{أحيي وأميت} [258]
روى قالون، عن نافع: {أنا أحيي وأميت} بإثبات الألف لفظا وكذلك في كل ما استقبله ألف شديدة.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/91]
وقرأ الباقون {أنا حيي} بحذف الألف في كل القرآن في الدرج، واتفقوا جميعًا على إثباتها في الوقف، فمن أثبتها في الدرج؛ أتى بالكلمة على أصلها؛ لأن الألف في {أنا} بأزاء التاء في أنت، وقال:
أنا ليث العشيرة فاعرفوني = حميدًا قد تسنمت السناما
فنصب «ليثًا» «وحميدًا» على المدح، وفي {أنا} لغات أربع؛ آنا فعلت، وأنا فعلت، وأنْ فعلت، وأنه فعلت، ومثله {لكنا هو الله ربي}، روى عن نافع وابن عامر {لكنا هو} بالألف في الدرج.
قرأ الباقون {لكن هو الله ربي} بغير ألف، قال: واتفقوا على إثباتها في الوقف، لأنها في المصحف كتبت كذلك، إلا ما حدثني ابن مجاهد، وقال وهيب وابن الرومي، عن أبي عمرو أنه قرأ: {لكنه هو الله ربي} بالهاء وأدغم الهاء في الهاء.
قال: وحدثني إسماعيل قال: حدثني المازني في قوله {لكنا هو الله ربي} قال: الأصل: لكن أنا هو الله ربي فنقلوا فتحة الهمزة إلى النون وأسقطوا الهمزة،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/92]
وأدغموا النون في النون بعد أن أسكنوها، فالتشديد من جلل ذلك، قال الشاعر:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب = وتقلينني لكن إياك لا أقلي
أراد: لكن أنا.
وحدثنا ابن مجاهد، قال: حدثنا أبو بكر بن إسحاق عن وهيب قال: في حرف أُبَيِّ بن كعب {لكن أنا هو الله ربي} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد بن موسى: كلّهم قرأ: أنا أحيي [البقرة/ 258] يطرحون الألف التي بعد النون، من أنا إذا وصلوا في كل القرآن، غير نافع، فإنّ ورشا وأبا بكر بن أبي أويس وقالون رووا: إثباتها في الوصل إذا لقيتها همزة في كل القرآن مثل: أنا أحيي وأنا أخوك، [يوسف/ 69] إلّا في قوله: إن أنا إلّا نذيرٌ مبينٌ [الشعراء/ 15] فإنه يطرحها في هذا الموضع مثل سائر القرّاء، وتابع أصحابه في حذفها عند غير همزة، ولم يختلفوا في حذفها، إذا لم تلقها همزة إلا في قوله: لكنّا هو اللّه ربّي [الكهف/ 38] ويأتي في موضعه إن شاء الله.
[قال أبو علي]: القول في أنا أنّه ضمير المتكلم، والاسم: الهمزة والنون، فأما الألف فإنّما تلحقها في الوقف،
[الحجة للقراء السبعة: 2/359]
كما تلحق الهاء له في نحو: مسلمونه، فكما أنّ الهاء التي تلحق للوقف، إذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء؛ سقطت، كذلك هذه الألف تسقط في الوصل، والألف في قولهم: أنا، مثل التي في: حيّهلا، في أنها للوقف. فإذا اتصلت الكلمة التي هي فيها بشيء، سقطت، لأن ما يتصل به يقوم مقامه. مثل همزة الوصل في الابتداء، في نحو: ابن واسم وانطلاق، واستخراج. فكما أنّ هذه الهمزة إذا اتّصلت الكلمة التي هي فيها بشيء سقطت، ولم تثبت، لأن ما يتّصل به يتوصّل به إلى النطق بما بعد الهمزة، فلا تثبت الهمزة لذلك؛ كذلك الألف في أنا والهاء إذا اتصلت الكلم التي هما فيها بشيء، سقطتا ولم يجز إثباتهما، كما لم تثبت به همزة الوصل، لأن الهمزة في هذا الطّرف، مثل الألف والهاء في هذا الطرف.
وقد يجرون الوقف مجرى الوصل في ضرورة الشعر، فيثبتون فيه ما حكمه أن يثبت في الوقف. وليس ذلك مما ينبغي أن يؤخذ به في التنزيل، لأنهم إنما يفعلون ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 2/360]
لتصحيح وزن، أو إقامة قافية، وذانك لا يكونان في التنزيل، فمن ذلك قوله:
ضخم يحبّ الخلق الأضخمّا لما كان يقف على الأضخمّ بالتشديد، ليعلم أن الحرف في الوصل يتحرك، أطلق الحرف، وأثبت التشديد الذي كان حكمه أن يحذف. ولهذا وجه في القياس وهو: أن الحرف الذي للإطلاق لمّا لم يلزم، لأنّ في الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام، فيقول:
أقلّي اللّوم عاذل والعتاب
[الحجة للقراء السبعة: 2/361]
واسأل بمصقلة البكري ما فعل فكذلك يلزم أن يقول: الأضخمّ على هذا فلا يطلق فإذا كان ذلك وجهاً في الإنشاد؛ علمت أن الحرف الذي للإطلاق غير لازم، فإذا لم يلزم لم يعتدّ به، وإذا لم يعتدّ به، كان الحرف المشدّد كأنّه موقوف عليه في الحكم، ومثل ذلك:
لقد خشيت أن أرى جدبّا ومثله:
ببازل وجناء أو عيهلّ ومثله:
تعرّض المهرة في الطّولّ
[الحجة للقراء السبعة: 2/362]
ومثله:
مثل الحريق وافق القصبّا فهذا النحو قد يجيء في الشعر على هذا. وليس هذا كوقف حمزة في مرضات من مرضات اللّه [البقرة/ 207] لأنّ الوقف على التاء لغة حكاها عن أبي الخطّاب، فقد استعمل في الكلام والشعر، وهذا الذي أثبت حرف الإطلاق مع التشديد إنما هو في الشعر دون الكلام، فليس قول القائل:
بل جوز تيهاء كظهر الجحفت مثل: عيهلّ، والقصبّا، ويمكن أن يكون قوله:
هم القائلون الخير والآمرونه وقوله:
ولم يرتفق والناس محتضرونه
[الحجة للقراء السبعة: 2/363]
الهاء فيه هاء الوقف التي تلحق في «مسلمونه» و «صالحونه» فألحق الهاء حرف اللين، كما ألحقوا الحرف المشدّد حرف الإطلاق، وأجروا غير القافية مجرى القافية، كما أجروا قوله:
لمّا رأت ماء السّلا مشروبا وإن لم يكن مصرّعاً مجرى المصرّع. ولا يجوز شيء من ذلك في غير الشعر.
وأمّا ما روي عن نافع من إثباته الألف في أنا إذا كانت بعد الألف همزة، فإنّي لا أعلم بين الهمزة وغيرها من الحروف فصلًا، ولا شيئاً يجب من أجله إثبات الألف التي حكمها أن تثبت في الوقف، بل لا ينبغي أن تثبت الألف التي حكمها أن
[الحجة للقراء السبعة: 2/364]
تلحق في الوقف، وتسقط في الوصل قبل الهمزة، كما لا تثبت قبل غيرها من الحروف في شيء من المواضع. وقد جاءت ألف إنّا مثبتة في الوصل في الشعر من ذلك:
قول الأعشى:
فكيف أنا وانتحالي القواف... ي بعد المشيب كفى ذاك عارا
وقول الآخر:
أنا شيخ العشيرة فاعرفوني... حميد قد تذرّيت السّناما
ومن زعم أن الهمزة في إنّا أصلها ألف ساكنة، ألحقت أولًا، فلما ابتدئ بها قلبت همزة، فالهمزة على هذا مبدلة من
[الحجة للقراء السبعة: 2/365]
ألف؛ فإنّ قائل هذا القول جاهل بمقاييس النحويين، وبمذاهب العرب في نحوه.
أما جهله بمقاييس النحويين فإنهم لا يجيزون الابتداء بالساكن، فلذلك قال الخليل: لو لفظت بدال «قد» لجلبت همزة الوصل فقلت: إد، وقال أبو عثمان: لو لم تحذف الواو من عدة ونحوها، للزمك أن تجتلب الهمزة للوصل، فقلت:
إيعدة.
وأما موضع الجهل بمذاهب العرب التي عليها قاس النحويون: فهو أنهم لم يبتدءوا بساكن في شيء من كلامهم، فإذا أدى إلى ذلك قياس اجتلبوا همزة الوصل. ويبيّن ذلك أنهم لم يخففوا الهمزة مبتدأة، لأن في تخفيفها تقريباً من الساكن، فكما لم يبتدءوا بالساكن، كذلك لم يبتدءوا بما كان مقرّباً منه. ومما يبيّن ذلك أنّهم إذا توالى حرفان متحرّكان [في أول بيت]، حذفوا للجزم المتحرك الأول حتى يصير فعولن:
عولن، وقد توالى في «متفا» من «متفاعلن» ثلاث متحركات فلم يخرموه، لما كان الثاني من «متفا» قد يسكن للزّحاف، فإذا سكن للزحاف لزمه أن يبتدئ بساكن، فإذا كانوا قد رفضوا ما يؤدي إلى الابتداء بالساكن، فأن يرفضوا الابتداء بالساكن نفسه أولى، وإذا كان الأمر على ما وصفنا، تبيّنت أنّ الذي قال ذلك جهل ما ذكرنا من مقاييس النحويين، ومذاهب العرب فيها أو تجاهل، وتبينت أيضاً أنه ليس في الحروف التي يبتدأ بها
[الحجة للقراء السبعة: 2/366]
حرف مبدل للابتداء به، وأن الحروف التي يبتدأ بها على ضربين: متحرك وساكن، فإن كان متحركاً ابتدئ به ولم يغيّر من أجل الابتداء به، وإن كان ساكناً، اجتلبت له همزة الوصل في اسم كان، أو فعل، أو حرف، وقد كان من حكم مثل هذا الرأي أن لا يتشاغل به لسقوطه وخروجه من قول الناس). [الحجة للقراء السبعة: 2/367]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن السَّمَيفَع: [فبَهَتَ الذي كَفَرَ] بفتح الباء والهاء والتاء، وكذلك قرأ أيضًا نُعيم بن ميسرة، وقرأنة أبو حيوة شريح بن يزيد: [فبَهُتَ] بفتح الباء وضم الهاء، والقراءة العامة: {فَبُهِتَ}.
قال أبو الفتح: زاد أبو الحسن الأخفش قراءة أخرى لا يحضرني الآن ذكر قارئها، لم يسندها أبو الحسن: [فبَهِتَ] بوزن عَلِمَ، فتلك أربع قراءات.
فأما [بُهِتَ] قراءة الجماعة، فلا نظر فيها.
وأما [بَهِتَ] فبمنزلة خَرِق وفرِق وبرِق.
وأما [بَهُتَ] فأقوى معنى من بَهِتَ؛ وذلك أن فعُل تأتي للمبالغة كقولهم: قَضُو الرجل إذا جاد قضاؤه، وفقُه إذا قوي في فقهه، وشعُر إذا جاد شعره. وروينا عن أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى: أن العرب تقول:
[المحتسب: 1/134]
ضرُبت اليد: إذا جاد ضربها، وكذلك بَهُت: إذا تناهى في الْخَرَق والبَرَق والحيرة والدَّهَش.
وأما [بَهَتَ] فقد يمكن أن يكون من معنى ما قبله، إلا أنه جاء على فَعَل كذَهَل ونَكَل وعجز وكَلَّ ولَغَب، فيكون على هذا غير متعدٍّ كهذه الأفعال.
وقد يمكن أن يكون متعديًا ويكون مفعوله محذوفًا؛ أي: فبَهَتَ الذي كفر إبراهيم عليه السلام.
فإن قيل: فكيف يجوز على هذا أن يجتمع معنى القراءتين؟ ألا ترى أن بُهِتَ قد عُرف منه أنه كان مبهوتًا لا باهتًا، وأنت على هذا القول تجعله الباهت لا المبهوت.
قيل: قد يمكن أن يكون معنى قوله: بَهت أي رام أن يبهَت إبراهيم عليه السلام، إلا أنه لم يستوِ له ذلك، وكانت الغلبة فيه لإبراهيم عليه السلام.
وجاز أن يقول: بَهَتَ، وإنما كانت منه الإرادة، كما قال جل وعز: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} أي: إذا أردتم القيام إليها، كقوله: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: إذا أردت قراءته، فاكتفى بالمسبب الذي هو القيام، والقراءة من السبب الذي هو الإرادة.
وقد أفردنا لهذا الموضع بابًا في كتابنا الخصائص.
ويجوز جوازًا حسنًا أن يكون فاعل [بَهَتَ] إبراهيم؛ أي: فبَهَت إبراهيمُ الكافرَ؛ ليلتقي معنى هذه القراءة مع معنى الأخرى التي هي: {فبُهِتَ الذي كفر}، وعليه قطع أبو الحسن.
فإن قيل: فما معنى هذا التطاول والإبعاد في اللفظ، ولم يقل: {بُهِتَ} وإبراهيم عليه السلام هو الباهت؟
قيل: إن الفعل إذا بُني للمفعول لم يلزم أن يكون ذلك للجهل بالفاعل؛ بل ليعلم أن الفعل قد وقع به، فيكون المعنى هذا لا ذكر الفاعل، ألا ترى إلى قول الله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، وقوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، وهذا مع قوله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ}، وقال سبحانه: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَق}، فالغرض في نحو هذا المعروف الفاعل إذا بني للمفعول إنما هو الإخبار عن وقوع الفعل به حسب، وليس الغرض فيه ذكر من أوقعه به، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/135]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال أنا أحيي وأميت}
قرأ نافع {أنا أحيي} و{أنا آتيك} بإثبات الألف من أنا في الوصل وحجته إجماعهم على الوقف بالألف في أنا فأجرى الوصل مجرى الوقف
وقرأ الباقون {أنا أحيي} بغير ألف في الوصل وحجتهم أن الألف بعد النّون إنّما زادوا للوقف فإذا أدرجوا القراءة زالت العلّة فطرحوها لزوال السّبب الّذي أدخلوها من اجله وهي بمنزلة هاء الوقف تدخل لبيان الحركة في الوقف). [حجة القراءات: 142]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (168- قوله: {أنا أحيي} «258» قرأه نافع بإثبات الألف في الوصل، إذا أتى بعد «أنا» همزة مفتوحة أو مضمومة، وذلك اثنا عشر موضعًا في القرآن، وقرأ الباقون بغير ألف، ولا اختلاف في الوقف أنه بالألف، وكلهم حذف الألف، إذا لم يأت بعدها همزة، وكذلك إن أتت بعد «أنا» همزة مكسورة، وقد ذكرنا ما روي عن قالون في إثبات الألف في «أنا» في الوصل مع الهمزة المكسورة، وبالحذف قرأت له، فأما الوقف فلابد من الألف لجميعهم في «أنا» على أي حال كانت.
169- وحجة من أثبت الألف معه الهمزة المضمومة والمفتوحة، وهو نافع، أنه لما تمكن له مد الألف للهمزة، كره أن يحذف الألف، ويحذف مدتها، فأثبتها في الموضع الذي يصحب الألف فيه المد، وحذفها في الموضع الذي لا تصحب الألف فيه المد نحو: {أنا ومن اتبعني} «يوسف 108» والألف زائدة عند البصريين، والاسم المضمر عندهم الهمزة والنون، وزيدت الألف للتقوية، وقيل: زيدت للوقف لتظهر حركة النون، والاسم عند الكوفيين «أنا» بكماله.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/306]
فنافع في إثبات الألف على قولهم على الأصل، وإنما حذف الألف من حذفها استخفافًا، ولأن الفتحة تدل عليها، ولابد من إثباتها في الوقف، وقد كان يلزم نافعًا إثبات الألف، إذ أتت بعدها همزة مكسورة، كما روي عن قالون، لأنه موضع يمكن فيه المد، وتحذف فيه الألف ومدتها، ولكن لما قل ذلك في القرآن، فلم يقع منه إلا ثلاثة مواضع، أجراه مجرى ما ليس بعده همزة لقلته، فحذف الألف في الوصل، وما روي عن قالون، من إثبات الألف، هو جار على العلة في المفتوحة والمضمومة.
170- وحجة من حذف الألف في الوصل، في جميع الباب كله، أن الألف إنما جيء بها لبيان حركة النون، كهاء السكت؛ لأن الاسم لما قلت حروفه، اختل في الوقف، لزوال حركة النون، فجاء بالألف في الوقف، لتبقى حركة النون على حالها، ولا حاجة إلى الألف في الوصل؛ لأن النون فيه متحركة، والاسم هو الهمزة والنون، والألف زائدة كهاء السكت). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/307]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (90- {قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [آية: 258]:-
بإثبات الألف بعد النون، قرأها نافع –ش- و- ن-، وكذلك في جميع القرآن، إذا لقيت همزةً مفتوحة أو مضمومة، فإذا كانت مكسورة فلا تثبت الألف.
ووجه ذلك أن هذه الكلمة هي ضمير المتكلم، والاسم منها هو الهمزة والنون فحسب، فأما الألف التي بعد النون فإنما ألحقت حالة الوقف ليوقف عليها، وليبقى آخر الاسم على حركته، كما ألحقت هاء الوقف حيث ألحقت لذلك فهي تجري مجراها، فينبغي أن تسقط هذه الألف في الوصل، كما تسقط الهاء في الوصل، إلا أن نافعًا أراد أن يجري الوصل مجرى الوقف، وهو ضعيف جدًا؛ لأن مثل ذلك إنما يأتي في ضرورة الشعر، نحو قول الأعشى:-
17- فكيف أنا وانتحالي القوافـ = ـي بعد المشيب كفى ذاك عارا
[الموضح: 338]
وليس هذا مما يحسن الأخذ به في القرآن.
وإثبات نافع هذه الألف مع الهمزة المفتوحة والمضمومة دون المكسورة هو لإرادة الأخذ بالوجهين، ولأن الهمزة بعد الألف أبين، وامتناعه عنها عند كسر الهمزة لاستثقال الكسرة فيها بعد الألف والفتحة.
وقرأ الباقون {أَنَ} بغير ألف، وكذلك –يل- عن نافع.
وذلك أن هذا هو الأصل الذي ينبغي أن يكون عليه الكلام، وهو أن لا يلحق {أَنَا} الألف في حال الوصل، لما تقدم من أنها أداة وقف تلحق في حال الوقف دون الوصل كالهاء). [الموضح: 339]
قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (259)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لبثت... (259)، و: (لبثتم).
أظهر الثاء في (لبثت) و(لبثتم) ابن كثير ونافع وعاصم حيث وقعت.
وأدغمه الباقون، إلا أن يعقوب أظهرها في حرفين في سورة المؤمنين، عند قوله: (قال كم لبثتم)، و(قال إن لبثتم).
قال أبو منصور: من أدغم فقرأ (لبتّم) فلقرب مخرجي التاء والثاء.
ومن أظهر الثاء فلأنه أشبع وأتم، وأنا أختار الإظهار.
قوله جلّ وعزّ: (لم يتسنّه... (259).
قرأ حمزة ويعقوب بحذف الهاء من (يتسنّه) في الوصل، وكذلك
[معاني القراءات وعللها: 1/219]
(فبهداهم اقتده)، و(ما أغنى عنّي ماليه (28) هلك عنّي سلطانيه (29)
و(ما أدراك ما هيه (10).
وزاد يعقوب على حمزة حذف الهاء من قوله: (كتابيه) و: (حسابيه) وأثبتها حمزة.
وحذت الكسائي الهاء من (يتسنّه) ومن (اقتده)، في الوصل، وأثبت الهاء في الوصل والوقف، أي في غيرهما، ولم يختلفوا في أن الهاء ثابتة في الوقف، والباقون يصلون بالهاء ويقفون على الهاء.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (لم يتسنّه): قرأها أبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم بإثبات الهاء إن وصلوا وإن قطعوا، وكذلك قوله: (اقتده) وما أشبهه في القرآن.
ووافقهم أبو عمرو إلا في الأنعام، فإنه كان يحذف الهاء منه في الوصل، ويثبتها في الوقف، وكان الكسائي يحذف الهاء من (يتسنّه)، و(اقتده)، في الوصل، ويثبتها في
[معاني القراءات وعللها: 1/220]
الوقف ولا يفعل ذلك في سائر هاءات الوقف في القرآن، وكان عاصم يثبتها في الوقف في القرآن كله، ويحذفها في الوصل، مثل قوله: (يا ليتني لم أوت كتابيه)، و(ما أدراك ما هيه).
وكان الأعمش وحمزة يفعلان ذلك أيضًا في قوله: (لم يتسنّه)، وفي: (فبهداهم اقتده)، وفي حرفين من الحاقة: (ماليه) و(سلطانيه) وأما ما سواها فإنهما كانا يثبتان الهاء في الوصل والقطع.
قال أبو العباس: ونحن نذهب إلى أن هذه الهاءات هاءات وقف، والوجه فيها كلها أن تحذف في الموصل والممر، وتثبت في الموقف، فهذا الوجه
[معاني القراءات وعللها: 1/221]
في العربية، وقد تصل العرب على مثال الوقف، فيكون الوصل كالقطع، وهذا من ذلك، فاعلم.
وقوله جلّ وعزّ: (كيف ننشزها... (259).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (ننشرها) بالراء، وقرأ الباقون: (ننشزها) بالزاي.
وروى عبد الوهاب بن عطاء عن أبان عن عاصم: (كيف ننشرها) بفتح النون وضم الشين، وهي قراءة الحسن.
قال أبو منصور: من قرأ (ننشزها) بالزاي فالمعنى: نجعلها بعد بلاها وهمودها ناشزةً، تنشز بعضها إلى بعض، أي: ترتفع، مأخوذ من نشز، والنشز هو: ما ارتفع من الأرض.
ومن قرأ: (ننشرها) بالراء فمعناه: نحييها، يقال: أنشر الله الموتى، أي: أحياهم فنشروا، أي: حيوا، ومن
[معاني القراءات وعللها: 1/222]
قرأ (ننشرها) فهو مأخوذ من النشر بعد الطي.
والقراءة (ننشرها) أو (ننشزها) بضم النون الأولى فيهما، وأما (ننشرها) فهي شاذة، لا أرى القراءة بها.
وقوله عزّ وجلّ: (قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (259).
قرأ حمزة والكسائي: (قال اعلم) بالأمر.
وقرأ الباقون: (أعلم) بقطع الألف وضم الميم.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال في قراءة عبد الله: (قيل اعلم) على الأمر.
وكذلك قرأ حمزة والكسائي، اعتبرا قراءة عبد الله، وأما أبو جعفر وشيبة وعاصم ونافع وأبو عمرو فإنهم قرأوا: (قال أعلم)، قال: واختارها أبو عمرو على أنه من مقالة الذي أحياه الله.
وقال أحمد ابن يحيى: وأنا أختاره؛ لأنه مفسر في حديثه أنه لما رأى ما صنع به وبحماره قال عند ذلك: (أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ) قال أبو العباس: ونحن
[معاني القراءات وعللها: 1/223]
نذهب به إلى الجزم؛ لأن من قرأ به أكثر، على أنه قيل لإبراهيم: و(اعلم أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ) ). [معاني القراءات وعللها: 1/224]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- وقوله تعالى: {كم لبثت}
قرأ ابن كثير ونافع وعاصم بإظهار الثاء عند التاء على أصل الكلمة.
وقرأها الباقون بالإدغام لقرب الثاء من التاء، وقد مرت علله في قوله تعالى: {ثم اتخذتم العجل} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {قال أعلم أن الله}
قرأ حمزة والكسائي: {قال أعلم}، فإاذ وقفا على «قال» ابتدأ «اِعْلم» بالكسر.
وقرأ الباقون {قال أعلم} بقطع الألف، وهو ألف المخبر عن نفسه، وهو فعل مستقبل ويبتدئ كما يصل، وهو الاختيار؛ لأنه من كلام الرجل أخبر عن نفسه). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {لم يتسنه}.
قرأ حمزة: {لم يتسن} بغير هاء، و{فبهدايهم اقتد} {وما أغنى
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/93]
عني مالي} {وسلطاني} {وما أدريك ما هي} كل ذلك بغير هاء في الوصل، وبإثباتها في الوقف، ولم يختلف القراء في الوقف أنها بالهاء.
وقرأ الكسائي بحذف هاتين منها {يتسن} و{اقتد}.
وقرأ الباقون بالهاء في الوصل والوقف، فمن وقف عليها بالهاء وهو الاختيار قال: هذه هاءُ السكت، أُتي بها ليبين بها حركة ما قبلها ولا يجوز حركتها. فأما من روى عن ابن عامر {فبهدايهم اقتدهى} فقد أخطأ. وتُحذف في الوصل؛ لأن الكلام الذي بعده صار عوضًا منها، وهو اختيار أبي العباس المبرد.
وأما من أثبت الهاء وصل أو قطع فإنه يتبع المصحف.
وحدثني أحمد بن عبدان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال: الاختيار أن يتعمد الرجل للوقف على الهاء؛ ليجتمع له في ذلك موافقة المصحف واللغة الجيدة. فأما الكسائي فإنه أثبت مواضع، وحذف هنالك ليعلم أن اللغتين جائزتان. ومعنى {لم يتسنه} أي: لم يأت عليه السنون ولو كانت من الآسن: وهو المتغير لكان لم يتأسن. والسنون يجتذبها أصلان الواو والهاء، يقال: اكتريت غلامي مساناة ومسانهة، قال الشاعر:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/94]
ليست بسنهاء ولا رجبية = ولكن عرايا في السنين الجوانح
فيجوز أن تكون الهاء في {لم يتسنه} لام الفعل وسكونها علامة الجزم ويجوز أن يريد لم يتسنَّن، فتبدل إحدى النونات ألفا فيصير يتسنَّى ثم يسقط الألف للجزم، فهذا أصل ثالث، فتقول: على هذا اكتريت غلامي مسانة، وتقول: على هذه الأصول الثلاثة، إذا صغَّرت السنة: سُنية وسُنيهة وسُنينة، فأما تصغير السن فسنينةٌ لا غير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/95]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {كيف ننشزها} [259]
قرأ أهل الكوفة وابن عامر بالزاي وضم النون.
حدثنا ابن مجاهد قال: حدثنا أحمد بن إسحاق قال: حدثنا شبابة قال: قرأ أبو عمرو: {كيف ننشزها} بفتح النون، ننشز فعل لازم، والمتعدي منه أنشز، نحو: جلس زيد وأجلسه غيره.
وقرأ الباقون: (كيف ننشرها) بالراء وضم النون، وجعله أبو عمرو من
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/96]
قولهم: نزحت البئر نزحت البئر نُزحت البئر، وفغر فاهُ وفُغرفوه، وقال الفراء: {كيف ننشزها} الاختيار بالزاي؛ لأن العظام ما بليت، ولو كان بالية لقرأتها بالراء {ننشرها}.
فحجة من قرأ بالراء {ثم إذا شاء أنشره} {إليه النشور} وتقول العرب: نشر الميت وأنشره الله، قال الشاعر:
* يا عجبًا للميت الناشر *
ومن قرأ بالزاي فحجته ما حدثنا أحمد بن عبدان، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال: حدثنا حجاج، عن هارون: عن شعيب بن الحجاب، عن أبي العالية عن زيد بن ثابت: {كيف ننشرها} قال: إنما هي زاي فزوها قال أبو عبيد: معناه أشبع إعجامها.
قال أبو عبد الله: أي صيرها زايًا لا راءً؛ لأن العرب تقول: لما كان على ثلاثة أحرف، صودت صادًا، وكوفت كافًا وزويت زايًا، ولو أرادوا راء لقالوا ربيها بالياء كما قالوا: أيبتها من الياء، فتأمل ذلك فإنه لطيفٌ جدًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/97]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إدغام الثّاء في التاء من قوله تعالى: كم لبثت [البقرة/ 259] ولبثتم.
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في كلّ القرآن ذلك بإظهار الثاء.
وقرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائيّ بالإدغام.
قال أبو علي: من بيّن لبثت ولم يدغم، فلتباين المخرجين، وذلك أنّ الظاء والذال والثاء من حيّز، والطاء والتاء والدال من حيّز، فلمّا تباين المخرجان، واختلف الحيّزان لم يدغم.
ومن أدغم أجراهما مجرى المثلين، من حيث اتفق الحرفان في أنّهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، واتّفقا في الهمس، ورأى الذي بينهما من الاختلاف في المخرج خلافاً يسيراً فأدغم، وأجراهما مجرى المثلين. ويقوّي ذلك وقوع نحو هذا حرفي رويّ في قصيدة واحدة، فجرى عندهم في ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 2/367]
مجرى المثلين. ويقوّي ذلك اتفاقهم في ستّ في الإدغام. ألا ترى أن الدّال ألزمت الإدغام في مقاربها، وإن اختلفا في الجهر والهمس، ولما ألزمت الدال الإدغام في مقاربها، فصارت الكلمة بذلك على صورة لا يكون في كلامهم مثلها، إلّا أن يكون صوتا، أبدلت من السين التاء، وأدغمت الدال في التاء فصار ستّا، فبحسب إلزامهم الإدغام في هذه الكلمة مع اختلاف الحرفين في الجهر والهمس يحسن الإدغام في:
لبثت ولبثتم. ويقوّي الإدغام فيه أيضاً أنّ التاء ضمير فاعل، وضمير الفاعل يجري مجرى الحرف من الكلمة، يدلّ على ذلك وقوع الإعراب بعد ضمير الفاعل في: يقومان، ونحوها، وسكون اللّام في نحو: فعلت، فضارع بذلك الحرفين المتصلين، وإذا صار بمنزلة المتصلين من حيث ذكرنا، لزم الإدغام كما لزم في ستّ، وكما أدغم من أسكن العين في وتد فقال: ودّ.
اختلفوا في إثبات الهاء في الوصل من قوله عزّ وجلّ:
لم يتسنّه [البقرة/ 259] واقتده [الأنعام/ 90] وما أغنى عنّي ماليه [الحاقة/ 28]
[الحجة للقراء السبعة: 2/368]
وسلطانيه [الحاقة/ 29] وما أدراك ما هيه [القارعة/ 10]، وإسقاطها في الوصل ولم يختلفوا في إثباتها في الوقف.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل. وكان حمزة يحذفهنّ في الوصل. وكان الكسائيّ يحذف الهاء في الوصل من قوله:
يتسنّه واقتده ويثبتها في الوصل في الباقي.
وكلّهم يقف على الهاء، ولم يختلفوا في كتابيه [الحاقة/ 19 - 25] وحسابيه [الحاقة/ 20 - 26] أنّها بالهاء في الوقف.
قال أبو عليّ: السنة تستعمل على ضربين: أحدهما:
يراد به الحول والعام والآخر: يراد به الجدب، خلاف الخصب.
فمما أريد به الجدب قوله تعالى: ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات [الأعراف/ 130] ومنه ما يروى من
قوله: «اللهمّ سنين كسنيّ يوسف»
وقول عمر: إنّا
[الحجة للقراء السبعة: 2/369]
لا نقطع في عرق ولا في عام السّنة» فلا يخلو عام السنة من أن يريد به الحول أو الجدب، فلا يكون الأول لأنّه يلزم أن يكون التقدير: عام العام، ولا يكون عام العام، كما لا يكون حول الحول، فإذا لم يستقم هذا، ثبت الوجه الآخر. ومن ذلك قول أوس:
على دبر الشّهر الحرام بأرضنا... وما حولها جدب سنون تلمّع
فقوله: تلمّع، معناه: لا خصب فيها ولا نبات، كقولهم:
السنة الشهباء، كأنها وصفت بالشّهب الذي هو البياض، كما وصف خلافها لريّ النبات فيها بالسّواد، وعلى ذلك جاء في وصف الجنتين: مدهامّتان [الرحمن/ 64] وقال ذو الرّمة في وصف روضة:
[الحجة للقراء السبعة: 2/370]
حوّاء قرحاء أشراطيّة وكفت... فيها الذّهاب وحفّتها البراعيم
فأمّا قوله تعالى: والّذي أخرج المرعى فجعله غثاءً أحوى [الأعلى/ 4 - 5] فإنّ قوله: أحوى يحتمل ضربين:
يجوز أن يكون أحوى وصفاً للمرعى كأنّه: والذي أخرج المرعى أحوى، أي: كالأسود من الرّي لشدة الخضرة فجعله غثاء بعد. ويجوز أن يكون أحوى صفة للغثاء، وذلك أنّ الرّطب إذا جفّ ويبس اسودّ بعد، كما قال:
إذا الصّبا أجلت يبيس الغرقد... وطال حبس بالدّرين الأسود
ومما يراد به الجدب قول حاتم:
وإنّا نهين المال من غير ضنّة... ولا يشتكينا في السنين ضريرها
أي: لا يشتكينا الفقير في المحل، لأنّا نسعفه ونكفيه.
وإذا ثبت أنّ السنة والسنين الجدوب فيجوز أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 2/371]
لم يتسنّه: لم تذهب طراءته، فيكون قد غيّره الجدب، فشعّثه وأذهب غضارته. ولمّا كانت السنة يعنى بها الجدب، اشتقوا منها كما يشتقّ من الجدب، فقيل: أسنتوا: إذا أصابتهم السّنة فأجدبوا قال الشاعر:
بريحانة من بطن حلية نوّرت... لها أرج ما حولها غير مسنت
وقد اشتق من السّنة للجدب من كلتا اللغتين اللتين فيها:
فأسنتوا من الواو، وقوله:
ليست بسنهاء من الهاء. فأمّا قوله:
تأكل أزمان الهزال والسّني
[الحجة للقراء السبعة: 2/372]
فلا يصلح أن يقدر فيه أنّه ترخيم، لأنّ الترخيم إنّما يستقيم أن يجوز في غير النداء منه ما كان يجوز منه في النداء، فأمّا إذا لم يجز أن تكون الكلمة مرخمة في نفس النداء فأن لا يجوز ترخيمها في غير النداء أجدر. وإنما أراد بالسني: جمع فعلة على فعول، مثل: مأنة ومئون. وكسر الفاء كما كسر في عصيّ، وخفف للقافية كما خفّف الآخر:
كنهور كان من اعقاب السّمي وإنّما السّميّ كعنوق، كما أنّ سماء كعناق.
ويدلّ على صحة هذا قول أبي النجم:
قامت تناجيني ابنة العجليّ... في ساعة مكروهة النّجيّ
يكفيك ما موّت في السّنيّ فالتخفيف والحذف الذي جاء في السنيّ للقافية، تمّم في بيت أبي النجم. والسنيّ في قول أبي النجم معناه: الجدب، كأنّه: ما موّت في الجدوب. وقالوا: سنون، وسنين، [وجاء سنين] كثيراً في الشعر.
[الحجة للقراء السبعة: 2/373]
وقد أنشدنا في كتابنا في «شرح الأبيات المشكلة الإعراب من الشعر» في ذلك صدرا فمن ذلك: قول الشاعر:
دعاني من نجد فإنّ سنينه... لعبن بنا شيباً وشيّبننا مردا
فأمّا قوله تعالى: لم يتسنّه [البقرة/ 259] فيحتمل ضربين: أحدهما: أن تكون الهاء لاماً فيمن قال: سنهاء، فأسكنت للجزم، والآخر: أن يكون من السنة فيمن قال:
أسنتوا، وسنوات، أو يكون من المسنون الذي يراد به التّغيّر كأنّه كان لم يتسنّن، ثم قلب على حد القلب في لم يتظنّن.
ويحكى أنّ أبا عمرو الشيباني إلى هذا كان يذهب في هذا الحرف.
فالهاء في يتسنّه على هذين القولين تكون للوقف، فينبغي أن تلحق في الوقف، وتسقط في الدّرج.
فأمّا قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وعاصم وابن عامر هذه الحروف كلّها بإثبات الهاء في الوصل فإنّ ذلك مستقيم
[الحجة للقراء السبعة: 2/374]
في قياس العربية في يتسنّه، وذلك أنّهم يجعلون اللام في السنة الهاء، فإذا وقفوا وقفوا على اللام، وإذا وصلوا كان بمنزلة: لم ينقه زيد، ولم يجبه عمرو.
فأما قوله تعالى: اقتده [الأنعام/ 90] فإنه أيضاً يستقيم، وذلك أنّه يجوز أن تكون الهاء كناية عن المصدر، ولا تكون التي تلحق للوقف. ولكن لما ذكر الفعل دلّ على مصدره، فأضمره كما أضمر في قوله: ولا يحسبنّ الّذين يبخلون بما آتاهم اللّه من فضله هو خيراً لهم [آل عمران/ 180].
وقال الشاعر:
فجال على وحشيّه وتخاله... على ظهره سبّاً جديداً يمانيا
وقال آخر:
هذا سراقة للقرآن يدرسه... والمرء عند الرّشى إن يلقها ذيب
فالهاء في يدرسه للمصدر، ألا ترى أنّها لا تخلو من أن تكون للمصدر أو للمفعول به، فلا يجوز أن تكون للمفعول به، لأنّه قد تعدّى إليه الفعل باللّام، فلا يكون أن يتعدى إليه مرة ثانية، فإذا لم يجز ذلك علمت أنّه للمصدر، وكذلك قراءة من
[الحجة للقراء السبعة: 2/375]
قرأ: ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها [البقرة/ 148] إذا تعدى الفعل باللّام إلى المفعول. لم يتعدّ إليه مرة أخرى، فكذلك قوله: فبهداهم اقتده [الأنعام/ 90] يكون: اقتد الاقتداء، فيضمر لدلالة الفعل عليه. وأمّا إجماعهم في: ما أغنى عنّي ماليه [الحاقة/ 28] وسلطانيه [الحاقة/ 29] وما أدراك ما هيه [القارعة/ 10] فالإسقاط للهاء في الدرج أوجه في قياس العربية.
ووجه الإثبات أنّ ما كان من ذلك فاصلة أو مشبها للفاصلة في أنّه كلام تام يشبّه بالقافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف، كما يفعل ذلك في القافية، فيجعل في الوصل مثله في الوقف.
وقول حمزة في ذلك أسدّ، وذلك أنه يحذف ذلك كلّه في الوصل، وحجته: أن من الناس من يجري القوافي في الإنشاد مجرى الكلام فيقول:
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعل و:
أقلي اللوم عاذل والعتاب فإذا كانوا قد أجروا القوافي مجرى الكلام؛ فالكلام الذي ليس بموزون، أن لا يشبّه بالقوافي أولى.
[الحجة للقراء السبعة: 2/376]
والكسائي قد وافق حمزة في حذف الهاء من قوله:
يتسنّه واقتده، وأثبت الهاء في الوصل في الباقي، وحجته في إثباته الهاء فيما أثبت مما حذف فيه حمزة الهاء، أنه أخذ بالأمرين، فشبّه البعض بالقوافي، فأثبت الهاء فيه في الوصل كما تثبت في القوافي، ولم يشبّه البعض، وكلا الأمرين سائغ.
قال أحمد بن موسى: ولم يختلفوا في كتابيه وحسابيه أنّها بالهاء في الوصل، فاتفاقهم في هذا دلالة على تشبيههم ذلك بالقوافي، وذلك أنه لا يخلو من أن يكون لهذا التشبيه، أو لأنّهم راعوا إثباتها في المصحف، فلا يجوز أن يكون لهذا الوجه، ألا ترى أنّ تاءات التأنيث أو عامّتها قد أثبتت في المصحف هاءات، لأنّ الكتابة على أنّ كلّ حرف منفصل من الآخر وموقوف عليه.
فلو كان ذلك للخط، لوجب أن تجعل تاءات التأنيث في الدّرج هاءات لكتابتهم إياها هاءات، ولوجب في نحو قوله:
إخواناً على سررٍ متقابلين [الحجر/ 47] أن يكون في الدرج بالألف، لأنّ الكتابة بالألف، فإذا لم يجز هذا، علمت أنّ الكتابة ليست معتبرة في الوقف على هذه الهاءات.
وإذا لم تكن معتبرة، علمت أنّه للتشبيه بالقوافي. ولإثبات هذه الهاءات في الوصل وجيه في القياس، وذلك أنّ سيبويه حكى في العدد أنّهم يقولون: ثلاثة أربعة، فقد أجروا
[الحجة للقراء السبعة: 2/377]
الوصل في هذا مجرى الوقف، ألا ترى أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف في إلقائه حركة الهمزة على التاء التي للتأنيث، وإبقائها هاء كما تكون في الوقف. ولم يقلبها تاء كما يقول في الوصل: هذه ثلاثتك، فيجيء بالتاء؟ فكذلك قوله: كتابيه وعلى هذا المسلك يحمل تبيين أبي عمرو النون في: ياسين والقرآن [يس/ 1 - 2] لما كانت هذه الحروف التي للتهجي موضوعة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك، وصلها وهو ينوي الوقف عليها، ولولا أنّ نيّته الوقف لم يجز تبيين النون.
ألّا ترى أنّ أبا عثمان يقول: إن تبيين النون عند حروف الفم لحن؟ فعلى هذا إثبات الهاء، وهذا أيضاً ينبغي أن يكون محمولًا على ما رواه سيبويه من قولهم: ثلاثة أربعة، وترك القياس على هذا أولى من القياس عليه، لقلة ذلك، وخروجه مع قلته على القياس. وإذا جاء الشيء خارجاً عن قياس الجمهور والكثرة في جنس، لم ينبغ أن يجاوز به ذلك الجنس. وحروف التهجي، وأسماء العدد كالقبيل الواحد، لمجيئهما جميعاً مبنيّين، على الوقف وليس غيرهما كذلك.
وسيبويه لا يعتدّ بهذه الشواذ ولا يقيس عليها. ومن رأى مخالفته جاوز بذلك باب العدد والتهجي.
[الحجة للقراء السبعة: 2/378]
اختلفوا في: الراء والزاي من قوله تعالى: كيف ننشزها [البقرة/ 259] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو:
ننشرها بضم النون الأولى وبالراء. وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ننشزها بالزاي. وروى أبان عن عاصم كيف ننشرها: بفتح النون الأولى وضم الشين. حدثني عبيد الله بن علي عن نصر بن علي عن أبيه عن أبان عن عاصم مثله. وروى عبد الوهاب عن أبان عن عاصم كيف ننشرها بفتح النون الأولى وضم الشين وبالراء مثل قراءة الحسن.
قال أبو علي: من قال: كيف ننشرها، فالمعنى فيه: كيف نحييها، وقالوا: أنشر الله الميّت فنشر، وفي التنزيل: ثمّ إذا شاء أنشره [عبس/ 22] وقال الأعشى:
يا عجبا للميّت الناشر وقد وصفت العظام بالإحياء قال تعالى: من يحي العظام وهي رميمٌ قل يحييها الّذي أنشأها أوّل مرّةٍ [يس/ 78 - 79]
[الحجة للقراء السبعة: 2/379]
وكذلك في قوله تعالى: كيف ننشرها وقد استعمل النشر في الإحياء في قوله تعالى: وإليه النّشور [الملك/ 15] وقال تعالى: وهو الذي يرسل الرياح نشرا بين يدي رحمته [الأعراف/ 57] فنشر: مصدر في موضع الحال من الريح، تقديره: ناشرة، من نشر الميت فهو ناشر.
قال أبو زيد: أنشر الله الريح إنشاراً: إذا بعثها، وقد أرسلها نشراً بعد الموت. فتفسير أبي زيد له بقوله: بعثها، إنّما هو لأنّ البعث قد استعمل في الإحياء من نحو قوله: ثمّ بعثناكم من بعد موتكم [البقرة/ 56] وقال تعالى وهو الّذي يتوفّاكم باللّيل ويعلم ما جرحتم بالنّهار ثمّ يبعثكم فيه [الأنعام/ 60] وقال: اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها والّتي لم تمت في منامها فيمسك الّتي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجلٍ مسمًّى [الزمر/ 42] فجاء في هذا المعنى الإرسال، كما جاء البعث في قوله: ثمّ يبعثكم فيه فالمعنى واحد. ومما جاء فيه وصف الريح بالحياة، قول الشاعر:
وهبّت له ريح الجنوب وأحييت... له ريدة يحيي المياه نسيمها
[الحجة للقراء السبعة: 2/380]
وقالوا: ريح ريدة، ورادة، وريدانة، وكما وصفت بالحياة كذلك وصفت بالموت في قول الآخر:
إنّي لأرجو أن تموت الرّيح... فأقعد اليوم وأستريح
فكما وصفت بالنشر كذلك وصفت بالإحياء، فالنشر والحياة والبعث والإرسال تقارب في هذا المعنى.
فأما ما روي عن عاصم من قوله: كيف ننشرها بفتح النون الأولى، وضم الشين، وبالراء مثل قراءة الحسن، فإنّه يكون من: نشر الميّت، ونشرته أنا، مثل: حسرت الدابّة، وحسرتها أنا، وغاض الماء، وغضته، قال:
كم قد حسرنا من علاة عنس أو يكون جعل الموت فيها طيّا لها، والإحياء نشراً. فهو على هذا مثل: نشرت الثوب.
وأمّا من قرأ: ننشزها بالزاي فالنشز: الارتفاع، وقالوا لما ارتفع من الأرض: نشز قال:
ترى الثّعلب الحوليّ فيها كأنّه... إذا ما علا نشزاً حصان مجلّل
[الحجة للقراء السبعة: 2/381]
يريد: شرفا من الأرض، ومكاناً مرتفعاً. فتقدير ننشزها نرفع بعضها إلى بعض للإحياء، ومن هذا: النشوز من المرأة، إنّما هو أن تنبو عن الزوج في العشرة فلا تلائمه. وفي التنزيل:
وإن امرأةٌ خافت من بعلها نشوزاً أو إعراضاً [النساء/ 128].
وقال الأعشى:
......... فأصبحت... قضاعيّة تأتي الكواهن ناشصا
وقال أبو الحسن: نشز وأنشزته، ويدلّك على ما قال، قوله عزّ وجلّ: وإذا قيل انشزوا فانشزوا [المجادلة/ 11].
اختلفوا في قطع الألف ووصلها، وضمّ الميم وإسكانها من قوله عزّ وجلّ: قال أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ [البقرة/ 259].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
قال أعلم أنّ اللّه مقطوعة الألف مضمومة الميم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/382]
وقرأ حمزة والكسائي: قال أعلم أنّ اللّه موصولة الألف ساكنة الميم.
قال أبو علي: أما من قرأه على لفظ الخبر، فإنّه لمّا شاهد ما شاهد من إحياء الله وبعثه إياه بعد وفاته، أخبر عما تبيّنه وتيقّنه مما لم يكن تبيّنه هذا التبيين الّذي لا يجوز أن يعترض عليه فيه إشكال، ولا يخطر على باله شبهة ولا ارتياب، فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ أي: أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن علمته قبل.
ومن قال: أعلم على لفظ الأمر، فالمعنى: يؤول إلى الخبر، وذاك أنّه لما تبيّن له ما تبيّن من الوجه الذي ليس لشبهة عليه منه طريق، نزّل نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطب سواها فقال: أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ وهذا مما تفعله العرب، ينزّل أحدهم نفسه منزلة الأجنبيّ فيخاطبها كما تخاطبه قال:
تذكّر من أنّى ومن أين شربه... يؤامر نفسيه كذي الهجمة الأبل
[الحجة للقراء السبعة: 2/383]
فجعل عزمه على وروده الشرب له لجهد العطش، وعلى تركه الورود مرة لخوف الرامي وترصّد القانص نفسين له.
ومن ذلك قول الأعشى:
أرمي بها البيد إذا هجّرت... وأنت بين القرو والعاصر
فقال: أنت، وهو يريد نفسه، فنزّل نفسه منزلة سواه في مخاطبته لها مخاطبة الأجنبيّ.
ومثل ذلك قوله:
ودّع هريرة إنّ الرّكب مرتحل... وهل تطيق وداعاً أيّها الرّجل
فقال: ودّع، فخاطب نفسه كما يخاطب غيره، ولم يقل:
لأودّع، وعلى هذا قال: أيّها الرجل، وهو يعني نفسه. وقال:
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمداً فكذلك قوله لنفسه أعلم أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ
[الحجة للقراء السبعة: 2/384]
[البقرة/ 259] نزّله منزلة الأجنبيّ المنفصل منه، لتنبهه على ما تبيّن له ممّا كان أشكل عليه.
قال أبو الحسن: وهو أجود في المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 2/385]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للنّاس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثمّ نكسوها لحمًا فلمّا تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير}
قرأ حمزة والكسائيّ (لم يتسن) بحذف الهاء في الوصل أي لم تغيره السنون والهاء زائدة للوقف وحجتهما أن العرب تقول في جمع السّنة سنوات وفي تصغيرها سنية تقول
[حجة القراءات: 142]
سانيت مساناة فالهاء زيدت لبيان الحركة في حال الوقف فإذا وصل القارئ قراءته اتّصلت النّون بما بعدها فاستغنى عن الهمز حينئذٍ فطرحها لزوال السّبب الّذي أدخلها من أجله وكان في الأصل لم يتسنى فحذفت الألف للجزم وكان الفراء يقول لم يتسنه لم يتغيّر من قوله {من حمإ مسنون} وكان الأصل لم يتسنن ثمّ قلبت النّون الأخيرة ياء استثقالا لثلاث نونات متواليات كما قالوا تظنيت وأصله الظّن فصارت يتسنى ثمّ يدخل الجزم على الفعل فتسقط الياء فتصير لم يتسن ثمّ زادوا الهاء للوقف فإذا أدرجوا القراءة حذفوا لأن العلّة زالت
وقرأ الباقون لم يتسنه بإثبات الهاء في الوصل أي لم تأت عليه السنون فالهاء لام الفعل وسكونها علامة جزم الفعل وحجتهم أن العرب تقول مسانهة ماسنهة وفي التصغير سنيهة فلهذا أثبتوا الهاء في الوصل لأنّها لام الفعل قال الشّاعر
فليست بسنهاء ولا رجبية ... ولكن عرايا في السنين الجوائح
[حجة القراءات: 143]
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (ننشرها) بالراء أي كيف نحييها وحجتهم قوله قبلها {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} والزّاي يعني بها كيف نرفعها من الأرض إلى الجسد والقائل لم يكن في شكّ في رفع العظام إنّما شكه في إحياء الموتى فقيل له انظر كيف ننشر العظام فنحييها تقول أنشر الله الموتي فنشروا
وقرأ الباقون {كيف ننشزها} بالزاي أي نرفعها وحجتهم قوله {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} وذلك أن العظام إنّما توصف بتأليفها وجمع بعضها إلى بعض إذ كانت العظام نفسها لا توصف بالحياة لا يقال قد حيّ العظم وإنّما يوصف بالإحياء صاحبها وحجّة أخرى قوله {ثمّ نكسوها لحمًا} دلّ على أنّها قبل أن يكسوها اللّحم غير أحياء لأن العظم لا يكون حيا وليس عليه لحم فلمّا قال {ثمّ نكسوها لحمًا} علم بذلك أنه لم يحيها قبل أن يكسوها اللّحم
قرأ حمزة والكسائيّ {قال أعلم أن الله على كل شيء قدير} جزما على الأمر من الله وحجتهما قراءة ابن مسعود (قيل اعلم أن الله على كل شيء قدير) وكان ابن عبّاس يقرؤها أيضا {قال أعلم} ويقول أهو خير أم إبراهيم إذ قيل له {واعلم أن الله عزيز حكيم} وحجّة أخرى وهي أن التوقفة بين ذلك وسائر ما تقدمه إذ كان جرى ذلك كله بالأمر فقيل {فانظر إلى طعامك} وانظر إلى حمارك {وانظر إلى العظام} وكذلك أيضا قوله {أعلم أن الله} إذ كان في سياق ذلك
[حجة القراءات: 144]
قال الزّجاج ومن قرأ {قال أعلم} فتأويله أنه يقبل على نفسه فيقول اعلم أيها الإنسان أن الله على كل شيء قدير
وقرأ الباقون {قال أعلم} رفعا على الخبر عن نفس المتكلّم وحجتهم ما روي في التّفسير قالوا لما عاين من قدرة الله ما عاين قال {أعلم أن الله على كل شيء قدير} قالوا فلا وجه لأن يأمر بأن الله على كل شيء قدير وقد عاين وشاهد ما كان يستفهم عنه وقال الزّجاج ليس تأويل قوله {أعلم أن الله على كل شيء قدير} أنه ليس يعلم قبل ما شاهد ولكن تأويله إنّي قد علمت ما كنت أعلمه غيبا مشاهدة). [حجة القراءات: 145]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (171- قوله: {يتسنه} ونحوه، قرأه حمزة بحذف الهاء في الوصل «من يتسنه» و«اقتده» في الأنعام و{ما أغنى عني ماليه، هلك عني سلطانيه} و{ما أدراك ما هيه} خمسة مواضع ووافقه الكسائي على الحذف في «يتسنه، واقتده» وقرأ ذلك الباقون بالهاء في الوصل، ولا اختلاف في الوقف في ذلك أنه بالهاء، لثباتها في الخط.
172- وحجة من حذف الهاء في الوصل أن الهاء، إنما جيء بها للوقف، لبيان حركة ما قبلها، ولذلك سميت هاء السكت، فلما كانت، إنما يُؤتى بها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/307]
في الوقف؛ لبيان الحركة التي هي في ياء الإضافة، استغنى عنها في الوصل، لأن الحركة في الياء ثابتة، فهي مثل ألف الوصل، التي جيء بها للابتداء، فإذا لم يبتدأ بها، واتصل الكلام، استغني عنها، وهي مثل ألف «أنا» على مذهب البصريين، وهذا المذهب عليه أكثر النحويين.
173- وحجة من أثبتها أنه وصل الكلام، ونيته الوقف عليها، لكنه لم يسترح بالوقف عليها، بل وصل، ونيته الوقف، كما يُفعل ذلك في القوافي، يوصل البيت بما بعده من الأبيات، ولا تحذف الصلة التي للوقف، فيقول:
أقلي اللوم عاذل والعتابا = وقولي إن أصبت لقد أصابا
وأيضًا فإن «يتسنه» تحتمل أن تكون الهاء فيه أصلية، وسكونها للجزم، فلابد من إثباتها في الوصل، ولا يجوز حذفها على هذا، وذلك أن «السنة» تستعمل على ضربين: أحدهما أن يراد بها الحول والعام، والثاني يُراد بها الجدب، ومنه قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} «الأعراف 130» أي: بالجدوب، ألا ترى أن بعده: {ونقصٍ من الثمرات} وذلك يكون بالجدب، ومنه قول النبي عليه السلام، «سنين كسني يوسف» فيكون «يتسنه» لمن أثبت الهاء في الوصل، مشتقًا «من سانهت» من «السنة» وأصلها «سنهه، فيستنه» ينفعل من «سانهت»، فالهاء لام الفعل، وسكونها للجزم، ولا يجوز حذف الهاء على هذا ألبتة، فيكون المعنى: وانظر إلى طعامك وشرابك لم تذهب طراوته وغضارته بالجدب، والضرب الثاني أن تكون السنة بمعنى العام والحول، ويكون المعنى لم يتغير من قولهم: من ماء مسنون، أي متغير، ومن قولهم: سن اللحم إذا تغير ريحه،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/308]
فيكون المعنى: وانظر إلى طعامك وشرابك لم يتغير ريحه، فيكون أصل «يتسنه» «يتسنن» على «يتفعل» أيضًا، ثم أبدلوا من النون الأخيرة ياء، لاجتماع ثلاث نونات، وقلبت ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، كما قالوا: تقضيت في تقضضت، فأبدلوا من الضاد ياء، ومنه قوله: {يتمطى} «القيامة 33» أصله «يتمطط» ثم أبدلوا من الطاء الأخيرة ياء؛ لاجتماع ثلاث طاءات، وقُلبت ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، ومنه قوله تعالى: {وقد خاب من دساها} «الشمس 10» أصله «دسسها» ثم أبدل من السين الأخيرة ياء لاجتماع ثلاث سينات، وقلبت ألفًا، لتحركها وانفتاح ما قبلها، فلما أبدلت من النون ياء، وقبلتها ألفًا حذفت الألف للجزم فبقي «يتسن» فالفتحة تدل على الألف المحذوفة، فلما كان الوقف يذهب بالفتحة، ولا يبقى دليل على الألف أتى بهاء السكت، لبيان الفتحة، التي على النون، والاختيار الوقف على الهاء، لأنه أصل العربية إلا أن تقدر أن الهاء أصلية في «يتسنه»، فيكون الاختيار إثباتها؛ لأنها لام الفعل، فتثبت في الوصل والوقف، وقد قيل إنه مشتق من «أسن الماء» إذا تغير ويلزم من قال هذا أن يقرأ «يتأسن» بالهمز، ولا يقرأ بذلك أحد، وقد قيل: إن من قول: {من حمأ مسنون} «الحجر 26» وهو قول الشيباني وقال أبو إسحاق: معنى «مسنون» مصبوب، فلا يحسن أن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/309]
يكون «يتسنه» منه، إذ لا معنى له فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/310]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (174- قوله: {ننشزها} قرأه الكوفيون وابن عامر بالزاي، وقرأه الباقون بالراء.
175- وحجة من قرأ بالزاي أنه حمله على معنى الرفع من «النَّشز» وهو المرتفع من الأرض، أي: وانظر إلى العظام كيف نرفع بعضها على بعض في التركيب للإحياء لأن «النشز» الارتفاع يقال: لما ارتفع من الأرش نشز، ومنه المرأة النشوز، وهي المرتفعة عن موافقة زوجها، ومنه قوله: {وإذا قيل انشزوا} «المجادلة 11» أي: ارتفعوا وانضموا، وأيضًا فإن القراءة بالزاي بمعنى الإحياء، والعظام لا تحيا على الانفراد، حتى يُضم بعضها إلى بعض، فالزاي أولى بذلك المعنى؛ إذ هي بمعنى الانضمام دون الإحياء، فالموصوف بالإحياء هو الرجل، دون العظام على انفرادها، لا يقال: هذا عظم حي، فإنما المعنى: وانظر إلى العظام كيف نرفعها من أماكنها من الأرض إلى جسم صاحبها للإحياء، فأما قوله تعالى: {قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} «يس 78، 79» فإنما وصفت العظام بالإحياء على إرادة صاحبها؛ لأن إحياء العظام على الانفراد، لا تقوم منه حياة إنسان، فإنما المراد حياة صاحب العظام، والعظام إنما تحيا بحياة صاحبها، وهذه الآية نزلت في مشرك أتى النبي صلى الله عليه وسلم برمة، وهي العظم البالي ففته في يده ثم قال: يا محمد أتزعم أن الله يحيي هذا؟ فقال له النبي: إن الله يحييها ثم يميتك ثم يحييك ثم يدخلك النار، ففي ذلك نزل: {وضر لنا مثلًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/310]
ونسي خلقه} الآية، فإنما أراد المشرك: هل يحيي الله الإنسان، الذي هي الرمة منه؟ ودليل ذلك جواب النبي له بأن قال: ثم يميتك ثم يحييك، أي يحيي صاحب هذه الرمة كما يحييك بعد موتك، وبالزاي قرأ أبي بن كعب وزيد بن ثابت، وأبو عبد الرحمن السلمي وأبة العالية وابن وثاب وطلحة وعيسى.
176- وحجة من قرأ بالراء أنه جعله من النشوز، وهو الإحياء فالمعنى: وانظر إلى عظام حمارك، التي قد ابيضت من مرور الزمان عليها، كيف نحييها، وقد أجمعوا على قوله: {ثم إذا شاء أنشره} «عبس 22» فالنشور الإحياء، يقال: نُشر الميت أي حيي، وأنشره الله أي أحياه، فالمعنى أن الله يعجبه من إحيائه الموتى بعد فنائها، وقد كان قارب أن يكون على شك من ذلك إذا قال: أنى يحيي هذه الله بعد موتها، فأراه اله قدرته على ذلك في نفسه، فأماته مائة عام ثم أحياه، فأراه وجود ما شك فيه في نفسه، ولم يكن شك في رفع العظام عند الإحياء، فيريه رفعها، إما شك في الإحياء، فالراء أولى به، وهو الاختيار لهذا المعنى، ولأن الأكثر عليه، وهي قراءة مجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة والأعرج وابن محيصن والجحدري والأعمش وابن يعمر، وإلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/311]
ذلك رجع الحسن، وقد روي أن الله جل ذكره أحيا بعضه ثم أراه كيف أحيا باقي جسده). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/312]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (177- قوله: {قال أعلم} قرأه حمزة والكسائي بوصل الألف والجزم، وقرأه الباقون بقطع الألف والرفع.
178- وحجة من قرأ بالقطع أنه أخبر عن نفسه، عندما عاين من قدرة الله في إحيائه الموتى، فتيقن ذلك بالمشاهدة، فأقر أنه يعلم أن الله على كل شيء قدير، أي: أعلم أن هذا الضرب من العلم، الذي لم أكن أعلمه معاينة، وبه قرأ الحسن والأعرج وأبو جعفر وشيبة وابن أبي إسحاق وعيسى وابن محيصن.
179- وحجة من قرأ بوصل الألف أنه جعلها أمرًا، معناه الخبر، وذلك أنه لما عاين الإحياء وتيقن أنزل نفسه منزلة غيره، فخاطبها، كما يخاطب غيره، فقال: اعلم يا نفس هذا العلم اليقين، الذي لم تكوني تعلمينه معاينة، وجاء بلفظ التذكير؛ لأنه هو المراد بذلك، ويبعد أن يكون ذلك أ مرًا من الله جل ذكره له بالعلم، لأنه قد أظهر إليه قدرة وأراه أمرًا تيقن صحته، وأقر بالقدرة، فلا معنى لأن يأمره الله بعلم ذلك، بل هو يأمر نفسه بذلك، وهو جائز حسن، وفي حرف عبد الله ما يدل على أنه أمر من الله له بالعلم، على معنى: «الزم هذا العلم لما عاينت وتيقنت» وذلك أن في حرفه: {قيل اعلم}، وأيضًا فإنه موافق لما قبله من الأمر، في قوله: «انظر إلى طعامك، وانظر إلى حمارك، وانظر إلى العظام» فكذلك: «اعلم أن الله» وقد كان ابن عباس يقرؤها: «قيل اعلم»، ويقول: أهو خير أم إبراهيم، إذ قيل له: {واعلم أن الله عزيز حكيم} «البقرة 260» فهذا يبين أن «قال اعلم» أمر من الله له بالعلم اليقين، لما عاين من الإحياء وبه قرأ ابن عباس وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن والقراءة بالقطع هي الاختيار؛ لأنه على ظاهر الكلام، لما تبين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/312]
له ما كان على شك فيه أخبر عن نفسه بالعلم اليقين، وأيضًا فإنه قد أجمع عليه الحرميان وعاصم وابن عامر وأبو عمرو). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/313]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (91- {لَبِثْتَ} [آية/ 259] و{لَبِثْتُمْ} حيث وقع.
قرأ أبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي بإدغام الثاء في التاء.
[الموضح: 339]
وذلك لأنهما اتفقا من حيث إن كليهما من طرف اللسان وأصول الثنايا، واتفقا أيضًا من حيث إنهما جميعًا مهموسان، فأجراهما هؤلاء مجرى المثلين، فأدغموا أحدهما في الآخر.
وقرأ الباقون بالإظهار.
وذلك لأن المخرجين متباينان، فإن الثاء والذال والظاء من حيز واحدٍ، والتاء والدال والطاء من حيز آخر، فلتباين المخرجين واختلاف الحيزين تركوا الإدغام). [الموضح: 340]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (92- {لَمْ يَتَسَنَّه} [آية/ 259] و{اقْتَدِهْ} و{مَالِيَهْ} و{سُلْطَانِيَهْ} و{مَا هِيَهْ}:-
قرأ حمزة ويعقوب بإسقاط الهاء في الوصل، وإثباتها في الوقف في جميع ذلك، وزاد يعقوب حذف الهاء في الوصل في جميع ما في الحاقة من أمثال ذلك، وهي ستة، ووافقهما الكسائي في حرفين: {لَمْ يَتَسَنَّهْ} و{اقْتَدِهْ} فحسب.
ووجه ذلك أن هذه الهاءات هاءات وقف على ما سبق في غير موضع، فثبت في الوقف وتسقط في الوصل.
[الموضح: 340]
والهاء في {لَمْ يَتَسَنَّهْ} في هذه القراءات هاء وقف مثل الهاءات الأخر، وليست من أصل الكلمة؛ لأن أصل الكلمة عند هؤلاء من السنة التي جمعها سنوات، والفعل منها أسنتوا، فحرف اللين يسقط من آخر الكلمة للجزم، كان أصل الكلمة يتسنى، فتسقط الألف للجزم، فيبقى: لم يتسن، ثم تلحق الهاء للوقف.
ويجوز أن يكون أصل الكلمة: يتسنن بنونين من قولهم: حمأ مسنون، ثم قلب النون الأخيرة حرف العلة فبقي: يتسنى، كما قيل: يتظنى في يتظنن، فجزمت الكلمة فبقيت: لم يتسن بحذف الألف، ثم ألحقت هاء الوقف على ما ذكرنا.
وقرأ الباقون والكسائي في غير الحرفين بالهاء في الوصل والوقف.
أما إثبات الهاء حالة الوصل في {لَمْ يَتَسَنَّه} وفي {اقْتَدِهْ} فمستقيم، إذا جعل {يتسنَّمه} من قولهم سانهت وسنه الشيء إذا تغير، فيكون الهاء من أصل الكلمة، ولا يكون للوقف، وكذلك {اقتدِهْ} إذا جعل الهاء فيه كناية عن المصدر، كأنه قال: اقتد الاقتداء، ولا يكون أيضًا للوقف.
وأما {مالِيهْ} و{سْلْطانيَهْ} و{ماهِيَهْ} فوجه إثباتهم الهاء فيها في الوصل، وإن كان ضعيفًا، أن هذه المواضع إما أن تكون فواصل أو في حكم الفواصل لتمام الكلام، فهي مثل القوافي في أنها مواضع وقوفٍ، فيجري الوصل فيها مجرى الوقف، فلهذا ألحق الهاء في هذه المواضع، وإن كانت في حال الوصل، على إجراء الوصل مجرى الوقف.
والقراءة الأولى أوجه في القياس.
[الموضح: 341]
وأما الكسائي في إثبات الهاء في البعض وحذفها من البعض، فإنه أراد الأخذ بالوجهين). [الموضح: 342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (93- {نُنْشِرُها} [آية/ 259]:-
بالراء وضم النون، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
ومعنى ذلك: نحييها، من قولهم: أنشر الله الميت فنشر هو، قال الله تعالى {ثُمَّ إذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ}.
وقرأ الباقون {نُنْشِزُها} بالزاي وضم النون أيضًا.
على أنه من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض، أي يجعل بعضها ناشزة إلى بعض عند الإحياء، أي مرتفعة.
وروى أبان عن عاصم {نَنْشُرُها} بالراء وفتح النون.
وهو من قولهم: نشر الله الميت فنشر، أو من النشر ضد الطي، أي ننشرها بالإحياء بعد الطي، وهذه رواية شاذة). [الموضح: 342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (94- {قَالَ اعْلَمْ} [آية/ 259]:-
بوصل الألف وجزم الميم على الأمر، قرأها حمزة والكسائي.
[الموضح: 342]
ووجه ذلك أنه نزل نفسه منزلة غيره، فخاطبها كما يخاطب الغير فقال {أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، وذلك أنه لما علم العلم الذي لا طريق للشبهة عليه، قال لنفسه اعلم هذا الضرب من العلم، وهذا يؤول معناه إلى معنى الخبر، كأنه يحقق عند نفسه هذا العلم.
وقيل: بل هو من خطاب الملك له.
وقرأ الباقون {أَعْلَمُ} بقطع الألف وضم الميم على الخبر.
وذلك أنه لما عاين ما عاين من إحياء الله تعالى إياه بعد موته، أخبر عما تبينه قبل ذلك هذا التبين الذي لا سبيل للشك فيه، فأخبر عن نفسه فقال: {أَعْلَمُ أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} علمًا لا تتطرق إليه شبهة). [الموضح: 343]
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فصرهنّ إليك... (260).
قرأ حمزة ويعقوب: (فصرهنّ إليك) بكسر الصاد.
وقرأ البا قون: (فصرهنّ) بالضم.
قال أبو منصور: من قرأ (فصرهنّ) فمعناه: أملهن إليك، يقال: صرت الشيء أصوره، أي: أملته، ومنه قول لبيد.
[معاني القراءات وعللها: 1/224]
من فقد مولى تصور الحيّ جفنته... أوزرء مالٍ ورزء المال يجتبر
ومن قرأ (فصرهنّ) بكسر الصاد فإن الفراء قال: معناه: قطعهن، قال: وهو مقلوب من صرى يصري، إذا قطع.
وأنشد:
تعرّب آبابي فهلّا صراهم... عن الموت أن لم يذهبوا وجدودي
قال: ومثله عثيت وعثت.
قال أبو منصور: والذي عندي في معنى (صرهنّ) و(صرهنّ) أن معناهما واحد، يقال: صاره يصوره، ويصيره بالواو والياء، إذا ماله، لغتان معروفتان.
وأنشد الكسائي:
وفرع يصير الجيد وخفٍ كأنه... على الليت قنوان الكروم الدوالح.
[معاني القراءات وعللها: 1/225]
قال: يصير: يميل). [معاني القراءات وعللها: 1/226]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {فصرهن إليك} [260]
قرأ حمزة وحده: {فصرهن إليك} بكسر الصاد.
وقرأ الباقون (فصرهن) بالضم، وهو الاختيار؛ لأن العرب تقول: صار
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/97]
يصور: إذا مال، قال الشاعر:
يصور عبوقها أحوى زنيم = له ظاب كما صخب الغريم
الظاب والظام: الصوت جميعًا، وهما السلف أيضا ويقال: الضيرن. الضيزن – أيضا -: اسم صمن. والضيزن: الذي يتزوج بامرأة أبيه. فهذا يدل على ذوات الواو و{صرهن} من صار يصير أي: قطعهن إليك {صرهن} صمهن وأملهن إليك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/98]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الصاد وكسرها من قوله جلّ وعزّ: فصرهنّ إليك [البقرة/ 260] فقرأ حمزة وحده:
فصرهنّ بكسر الصاد.
وقرأ الباقون: فصرهنّ بضم الصاد.
قال أبو عليّ: «صرت» يقع على إمالة الشيء، يقال صرته، أصوره: إذا أملته إليك، وعلى قطعه، يقال: صرته أي:
قطعته فمن الإمالة قول الشاعر:
على أنّني في كلّ سير أسيره... وفي نظري من نحو أرضك أصور
فقالوا: الأصور: المائل العنق. ومن الإمالة قوله:
يصور عنوقها أحوى زنيم... له ظاب كما صخب الغريم
[الحجة للقراء السبعة: 2/389]
فهذا لا يكون إلّا من الإمالة وكذلك قول الآخر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/390]
وجاءت خلعة دهس صفايا... يصور عنوقها أحوى زنيم
ومن القطع قول ذي الرّمّة:
صرنا به الحكم وعيّا الحكما قال أبو عبيدة: فصلنا به الحكم. ومنه قول الخنساء:
لظلّت الشّمّ منها وهي تنصار أي: تصدّع وتفلّق. قال أبو عبيدة، ويقال: انصارّوا:
فذهبوا.
قال: وصرهن من الصّور وهو القطع.
قال أبو الحسن: وقالوا في هذا المعنى، يعني القطع:
صار يصير، وقد حكاه غيره،
[الحجة للقراء السبعة: 2/391]
قال الشاعر:
وفرع يصير الجيد وحف كأنّه... على اللّيث قنوان الكروم الدّوالح
فمعنى هذا يميل الجيد من كثرته. ومثل هذا قول الآخر:
وقامت ترائيك مغدودنا... إذا ما ما تنوء به آدها
فقد ثبت أنّ الميل والقطع، يقال في كلّ واحد منهما.
صار يصير.
فقول حمزة: فصرهنّ إليك، يكون من القطع، ويكون من الميل، كما أنّ قول من ضمّ يحتمل الأمرين، فمن قال:
فصرهنّ إليك فأراد بقوله صرهنّ: أملهنّ، حذف من الكلام، المعنى: أملهنّ فقطعهنّ، ثمّ اجعل على كلّ جبلٍ منهنّ جزءاً [البقرة/ 260]، فحذف الجملة لدلالة الكلام عليها، كما حذف من قوله تعالى: فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق [الشعراء/ 63] المعنى: فضرب فانفلق، وكقوله: فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيامٍ [البقرة/ 196] أي: فحلق، ففدية، وكذلك قوله عز وجل: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم [النمل/ 28]،
[الحجة للقراء السبعة: 2/392]
فالقه اليهم ثم تول عنهم) [النمل/ 28] قالت يا أيّها الملأ [النمل/ 29] فحذف: فذهب فألقى الكتاب، لدلالة الكلام عليه.
ومن قدّر: فصرهنّ أو فصرهنّ، أنّه بمعنى: قطّعهنّ، لم يحتج إلى إضمار، كما أنّه لو قال: خذ أربعة من الطير، فقطعهنّ، ثم اجعل على كلّ جبل منهنّ جزءا؛ لم يحتج إلى إضمار،
كما احتاج في الوجه الأول.
وأما قوله: إليك فإنّه على ما أذكره لك.
فمن جعل فصرهنّ أو فصرهنّ بمعنى: قطّعهن، كان إليك متعلقاً ب فخذ، كأنّه قال: خذ إليك أربعة من الطير فقطعهنّ ثم اجعل على... [على كلّ جبل منهنّ جزءاً].
ومن جعل فصرهنّ أو فصرهنّ بمعنى: أملهنّ، احتمل إليك ضربين: أحدهما: أن يكون متعلقاً بخذ، وأن يكون بصرهن، أو بصرهن، وقياس قول سيبويه: أن يكون متعلقاً بقطعهنّ، لأنّه إليه أقرب، واستغنيت بذكر إليك عن تعدية الفعل الأول، كما تقول: ضربت وقتلت زيداً وإن علقته بالأول وحذفت المفعول من الفعل الثاني، فهو كقول جرير:
[الحجة للقراء السبعة: 2/393]
كنقا الكثيب تهيّلت أعطافه... والريح تجبر متنه وتهيل). [الحجة للقراء السبعة: 2/394]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [فَصِرَّهُنَّ] مكسورة الصاد مشددة الراء وهي متفوحة، وقراءة عكرمة: [فَصَرِّهُنَّ إليك] بفتح الصاد، وقال: قَطِّعهُن، وعن عكرمة أيضًا: [فَصُرّهُنَّ] ضم الصاد وشدد الراء، ولم يقل مفتوحة أو مكسورة أو مضمومة، قال: وهو يحتمل الثلاثة، كمُدُّ ومُدَّ ومُدِّ.
قال أبو الفتح: أما [فَصِرَّهُنَّ] بكسر الصاد وتشديد الراء فغريب؛ وذلك أن يفْعِل في المضاعف المتعدي شاذ قليل، وإنما بابه فيه يفْعُل، كصَبَّ الماء يَصُبُّه، وشد الحبل يشده، وفرَّ الدابة يفرها، ثم إنه قد مر بي مع هذا مِن يفْعِل في المتعدي حروف صالحة؛ وهي: ثم الحديث يَنُمه ويَنِمه، وعلَّه بالماء يعُلَّه ويعِلَّه، وهَرَّ الحرب يهُرُّها ويهِرُّها، وغَذَّ العِرقُ الدم يغُذه ويغِذه. وقالوا: حبَّه ويحِبُّه بالكسر لا غير، وأخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن أن بعضهم قرأ: [لن يَضِرُّوا الله شيئًا] بكسر الضاد في أحرف سوى هذه، ولمجيء المتعدي من هذا مضمومًا -وبابه وقياسه الكسر- نَظَرٌ ليس هذا موضعه، فيكون صِرَّهُن من هذا الباب على صَرَّه يصِرُّه.
وأما [صُرَّهن] بضم الصاد فعلى الباب؛ أعني: ضم عين يفعُل في مضاعف المتعدي، والوجه ضم الراء لضمة الهاء من بعدها، والفتح والكسر من بعد.
وأما [فصَرِّهُنَّ] فهذا فَعِّلْهُنَّ من صَرَّى يُصَرِّي: إذا حَبس وقَطع. قال:
رُب غلام قد صرَى في فقرته ... ماء الشباب عنفوانَ سَنْبته
[المحتسب: 1/136]
أي: حبسه وقطعه، ومنه الشاة المصراة؛ أي: المحبوسة اللبن المقطوعته في ضرعها عن الخروج.
وماء صَرًى وصِرًى: إذا طال حبسه في موضعه، ومنه الصراء للملاح؛ وذلك أنه يمسك السفينة ويحفظها ويصريها عما يدعو إلى هلاكها). [المحتسب: 1/137]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر والزهري: [جُزًّا].
قال أبو الفتح: أصله الهمز جزءًا، ثم خففت همزته على قولك في تخفيف الخبء: الخبُ، ثم إنك إذا خففت نحو ذلك ووقفت عليه كان لك فيه السكون على العبرة، وإن شئت الإشمام الجزُ، وإن شئت روم الحركة الجزُ، وإن شئت التشديد على خالدّ وهو يجعلّ، فيقول على هذا: الْجُزَّ، ثم إنه وصل على وقفه، فقال: جُزًّا.
ومثله مما أجرى في الوصل مجراه في الوقف من التشديد، ما أنشدناه أبو علي وقرأته على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد ين يحيى:
ببازلٍ وجناء أبو عيهَلِّ ... كأن مهواها على الكلْكَلِّ
يريد: العيهل والكَلْكَل.
وفيها ما قرأته على أبي بكر دون أبي علي:
تعرَّضتْ لي بمجاز حِلِّ ... تعرُّضَ الْمُهْرةِ في الطِّوَلِ
وفيها:
ومُقلتان جوْنَتَا الْمَكْحَلِّ
وقد كان ينبغي إذ كان إنما شدد عوضًا من الإطلاق أن إذا أطلق عاد إلى التخفيف، إلا أن العرب قد تجري الوصل مجرى الوقف تارة، الوقف مجرى الأصل، فعلى هذا وجه القراءة المذكورة [جُزًّا]، فاعرفه). [المحتسب: 1/137]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثمّ اجعل على كل جبل منهنّ جزءا}
قرأ حمزة {فصرهن إليك} بكسر الصّاد أي قطعهن وشققهن ومزقهن وفي الكلام تقديم وتأخير يكون معناه فخذ أربعة من الطير إليك فصرهن فيكون إليك من صلة خذ
وقرأ الباقون {فصرهن} بضم الصّاد أي أملهن واجمعهن وقال الكسائي وجههن إليك قال والعرب تقول صر وجهك إليّ أي أقبل عليّ واجعل وجهك إليّ وكان أبو عمرو يقول ضمهن إليك ومن وجه قوله {فصرهن إليك} إلى هذا التّأويل كان في الكلام عنده متروك ويكون معناه فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثمّ قطعهن ثمّ اجعل على كل جبل
قرأ أبو بكر (جزؤا) بضم الزّاي وقرأ الباقون بإسكان الزّاي وهما لغتان معروفتان). [حجة القراءات: 145]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (180- قوله: {فصرهن} قرأه حمزة بكسر الصاد، وضمها الباقون.
181- وحجة من كسر أنها لغة معروفة، يقال: صاره إذا أماله، وصاره إذا قطعه، يقال: صرت الشيء أملته، وصرته قطعته، يقال: صار يصير، ويصار يصور.
182- وحجة من ضم الصاد أنه أتى به على لغة من قال: صار يصور، على معنى أملهن، وعلى معنى: قطعهن، فإذا جعلته بمعنى: أملهن، كان التقدير أملهن إليك فقطعهن، وإذا جعلته بمعنى: قطعهن، كان التقدير: فخذ أربعة من الطير إليك فقطعهن، فكل واحد من الكسر والضم في الصاد لغة في الميل والتقطيع، فالقراءتان بمعنى، وقد قيل: إن الكسر بمعنى «قطعهن» والضم بمعنى «أملهن وضمهن» وبالضم قرأ علي بن أبي طالب والحسن وأبو عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة، وبالكسر قرأ ابن عباس وشيبة وعلقمة وابن جبير وأبو جعفر وقتادة وابن وثاب وطلحة والأعمش، واختلف عن ابن عباس). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/313]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (95- {فَصِرْهُنَّ} [آية/ 260]:-
بكسر الصاد، قرأها حمزة ويعقوب –يس-.
الباقون {فَصُرْهُنّ} بضم الصاد.
فمن قرأ بكسر الصاد جعله من صار يصير، ومن قرأها بالضم جعلها من صار يصور، وكل واحدٍ منهما قد جاء بمعنى أمال وقطع جميعًا). [الموضح: 343]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين