العودة   جمهرة العلوم > جمهرة علوم القرآن الكريم > توجيه القراءات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:38 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (89) إلى الآية (91) ]


{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89)}

قوله تعالى: {بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ (90)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن ينزّل اللّه من فضله)
قرأ ابن كثير:، ينزل، و(منزلها) و، منزلٌ من ربّك) و(منزلين) و(نزل به) ونحو هذا من الفعل الذي أوله ياء أو نون
[معاني القراءات وعللها: 1/165]
أو ميم كالتخفيف في كل القرآن، إلا في ثلاثة مواضع فإنه يشددهن، قوله في الحجر: (وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ)، وقوله في بني إسرائيل: (وننزل من القرآن) وقوله: (حتّى ينزل علينا كتابًا نقرأه).
وقرأ أبو عمرو بالتخفيف أيضًا إلا حرفين قوله في الأنعام: (قادرٌ على أن ينزّل آيةً) وفي الحجر: (وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ).
وقرأ نافع وعاصم بتشديد كل ما في أوله ياء وتاء أو نون، إلا قوله: (نزل به الروح الأمين) و(وما نزل من الحقّ) فإن نافعا وحفصا خففاهما، وقد شددهما أبو بكر.
وخفف نافع ما أوله ميم، إلا قول: (إنّي منزّلها عليكم) فإنهما شددا.
وزاد حفصٌ على أبي بكر: (أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ)، في الأنعام فشدد.
وقرأ ابن عامر بتشديد ذلك كله.
[معاني القراءات وعللها: 1/166]
وقرأ حمزة والكسائي بتشديد ما أوله تاء أو نون أو ياء في جميع القرآن إلا في حرفين:
أحدهما في لقمان: (وينزل الغيث)، والآخر في: عسق: (وهو الّذي ينزل الغيث) خففا هذين الحرفين، وخففا ما في أوله ميم حيث وقع في القرآن.
قال أبو منصور: العرب تقول: نزّلت القوم منازلهم، وأنزلتهم منازلهم بمعنى واحد.
ومنهم من يستعمل التشديد فيما يتكرر ويكثر العمل فيه، ويخفف فيما لا يكثر ولا يتكرر). [معاني القراءات وعللها: 1/167]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الزاي من ينزّل [البقرة/ 90] وتخفيفها.
فقرأ نافع ينزّل مشدّدة الزاي إذا كان فعلا في أوله ياء أو تاء أو نون. فإذا كان في أول الفعل ميم لم يستمرّ فيه على وجه واحد، فكان يشدّد حرفا واحدا في «المائدة»: إنّي منزّلها عليكم [الآية/ 115] ويخفّف ما سواه، فإذا كان ماضيا ليس في أوّله ألف، وكان فعل ذكر خفّف الزاي مثل قوله: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] ومثل قوله: وما نزل من الحقّ [الحديد/ 16] ويشدّد سائر القرآن.
وكان ابن كثير يخفّف الفعل الذي في أوله ياء أو تاء أو نون في كلّ القرآن، إلا في ثلاثة مواضع: في الحجر: وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ [الآية/ 21] وفي بني إسرائيل: وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ [الآية/ 82] وفيها أيضا: حتّى تنزّل علينا كتاباً نقرؤه [الآية/ 93] ولا يخفف: وما نزل من الحقّ [الحديد/ 16] ويخفّف منزّلها [المائدة/ 115] وينزّل [البقرة/ 90] ومنزلون [العنكبوت/ 34] ومنزلين [آل عمران/ 124]. ويخفّف: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193].
[الحجة للقراء السبعة: 2/156]
وقرأ أبو عمرو: ينزّل [البقرة/ 90] وما أشبهه بالتخفيف في جميع القرآن إلا حرفين: أحدهما في سورة الأنعام: قل إنّ اللّه قادرٌ على أن ينزّل آيةً [الآية/ 37] وفي الحجر: وما ننزّله إلّا بقدرٍ معلومٍ [الآية/ 21]. ويخفف منزّلٌ، ومنزّلها، ومنزلون، ويشدّد: نزّل، في كل القرآن إلّا في قوله: نزل به الرّوح الأمين، فإنه يخفّفه.
وكان عاصم في رواية أبي بكر يشدّد: ينزّل وننزّل ومنزّلها في المائدة. ونزل من الحقّ [الحديد/ 16] ونزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] في كلّ القرآن.
وقال حفص عن عاصم: نزل به الرّوح الأمين خفيفة، وكذلك: وما نزل من الحقّ أيضا خفيفة.
وقال أبو بكر بن عياش: هما مشدّدان. وروى حفص عن عاصم أنه يشدّد أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ في سورة الأنعام [الآية/ 114] ولا يشدّد منزّلها.
وقرأ ابن عامر بتشديد ذلك كلّه في جميع القرآن من منزّل وينزّل وينزّلون ومنزّلين. وفي الأنعام: أنّه منزّلٌ من ربّك بالحقّ. وفي سورة الشّعراء: نزل به الرّوح الأمين
[الحجة للقراء السبعة: 2/157]
[الآية/ 193] وما نزل من الحقّ في سورة الحديد [الآية/ 16] يشدّد ذلك كلّه.
وقرأ حمزة والكسائيّ: وننزّل وينزّل، ونزل به الرّوح الأمين وما نزل من الحقّ مشدّدا في كل القرآن، إلا حرفين في سورة لقمان: وينزّل الغيث [لقمان/ 34] وفي سورة (عسق): وهو الّذي ينزّل الغيث [الشورى/ 28] ويخفّفان منزّلٌ ومنزلون ومنزلين حيث وقع.
قال أبو علي: نزل فعل غير متعدّ إلى مفعول به. فإذا أردت تعديته إليه عدّيته بالأضرب الثلاثة التي يتعدّى بها الفعل وهي النّقل بالهمزة، وبحرف الجرّ، وبتضعيف
العين. يدلّك على أنّه غير متعدّ قولهم في مصدره: النزول. فالنّزول كالصّعود والخروج والقفول، ونحو ذلك من المصادر التي لا تتعدى أفعالها في أكثر الأمر. فممّا نقل بالهمزة قوله: وأنزل الّذين ظاهروهم من أهل الكتاب. [الأحزاب/ 26] وممّا عدّي بالجارّ قولهم: نزلت به، ويكون منه: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] فيمن رفع الروح. وقال: الحمد للّه الّذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1] وقال وأنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم [النحل/ 44] وقال: نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً.... وأنزل التّوراة.... وأنزل الفرقان وقرآناً فرقناه لتقرأه على النّاس على مكثٍ ونزّلناه تنزيلًا [الإسراء/ 106]
[الحجة للقراء السبعة: 2/158]
فقد رأيت مرّة يجيء التنزيل على أنزل ومرّة على نزّل.
ومما يبيّن ذلك أنه قد جاء في بعض القراءة: وأنزل الملائكة تنزيلا [الفرقان/ 25] كأنّه لما كان نزّل وأنزل بمعنى، حمل مصدر أحدهما على الآخر، وقد كثر مجيء التنزيل في القرآن، فهذا يقوي (نزّل) ولم نعلم فيه الإنزال.
وقد جاء فيه أنزل كثيرا.
فأمّا قوله: نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقاً [آل عمران/ 3] فالكتاب مفعول به.
وقوله: بالحقّ في موضع نصب بالحال وهو متعلّق بمحذوف، ومصدّقاً حال من الضمير الذي في قولك:
بالحقّ والعامل فيه المعنى، ولا يجوز أن تجعله بدلا لأنّ الاسم إنّما يبدل من الاسم. وقال: وبالحقّ أنزلناه وبالحقّ نزل [الإسراء/ 105] فقوله: بالحقّ أنزلناه حال من الضمير. فأمّا قوله: وبالحقّ نزل. فيحتمل الجارّ فيه ضربين: أحدهما: أن يكون التقدير نزل بالحقّ، كما تقول:
نزلت بزيد، ويجوز أن يكون حالا من الضمير الذي في نزل، يدلّك على جواز ذلك قوله: وبالحقّ نزل، وقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/159]
أنزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] وهذا اتفاق في مذهب الفريقين، ومثل ذلك في احتماله الوجهين قوله: نزل به الرّوح الأمين [الشعراء/ 193] في من رفع الرّوح. يكون الجارّ مثل الذي في مررت بزيد، ويكون حالا، كما تقول: نزل زيد بعدّته، وخرج بسلاحه وفي التنزيل: وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به [المائدة/ 61].
ومما لا يكون إلا حالا قوله: والّذين آتيناهم الكتاب يعلمون أنّه منزّلٌ من ربّك [الأنعام/ 114] ألا ترى: أنّ أنزلت يتعدّى إلى مفعول واحد؟ فإذا بنيته للمفعول لم يبق له متعدّى إلى مفعول به، وقوله: من ربّك على حدّ ولمّا جاءهم كتابٌ من عند اللّه وبالحقّ حال من الذّكر الذي في منزّلٌ، والعامل فيه منزل.
ومما جاء الجارّ فيه حالا، كما جاء في الآي الأخر:
أنزله بعلمه [النساء/ 166] المعنى: أنزله وفيه علمه، كما أنّ: خرج بعدّته، تقديره: خرج وعليه عدّته. والعلم:
المعلوم، أي: أنزله وفيه معلومه. ومثل ذلك الصيد يراد به:
المصطاد. يدلّك على إرادتهم به المصطاد قوله: ليبلونّكم اللّه بشيءٍ من الصّيد تناله أيديكم ورماحكم [المائدة/ 94] فالأيدي والرّماح إنما تلحق الأعيان ولا تلحق الأحداث.
وأما قوله: وما نزل من الحقّ [الحديد/ 16] فمن
[الحجة للقراء السبعة: 2/160]
خفّف نزل كان (ما) بمنزلة الذي، وفيه ذكر مرفوع يعود إلى ما، ولا يجوز فيمن خفّف أن يجعل (ما) بمنزلة المصدر مع الفعل كأن، لأنّ الفعل يبقى بلا فاعل ولا يجوز فيمن جوّز زيادة (من) في الإيجاب أن يكون: الحقّ مع الجارّ في موضع الفاعل.
وقد جعلت (ما) بمنزلة الذي، لأنه لا يعود إلى الموصول شيء. ومن شدّد كان الضمير الذي في نزل لاسم الله، والعائد محذوف من الصّلة.
فأمّا دخول الجارّ فلأن (ما) لما كان على لفظ الجزاء حسن دخول (من) معه، كما دخلت في نحو فما يك من خير أتوه...
فإذا كان كلّ واحد من نزل وأنزل يستعمل كما يستعمل الآخر، ويعنى به ما يعنى بالآخر، لم ينكر أن يوقع كل واحد منهما موضع الآخر، وكذلك ما تصرّف من ذلك. كأسماء الفاعلين، فتقرأ: (منزلون ومنزلون) لأن كل واحد منهما بمنزلة الآخر، كما أنّ الفعل الذي جريا عليه كذلك. وهذا مما يعلم منه أنّ (فعّل) بمنزلة (أفعل)، وأن تضعيف العين للتعدّي وليس يراد به الكثرة كما أريد في نحو: وغلّقت الأبواب
[الحجة للقراء السبعة: 2/161]
[يوسف/ 23] ولكن فعّل بمنزلة أفعل.
وقد قال سيبويه: قد يجيء فعّلت، وأفعلت بمعنى واحد مشتركين وذلك نحو: وعزت إليه، وأوعزت، وخبّرت وأخبرت، وسمّيت وأسميت.
فأمّا تخفيف حمزة والكسائي في لقمان: وينزّل الغيث [الآية/ 34] وفي (عسق) وهو الّذي ينزّل الغيث [الشورى/ 28] فلو شدّدا ذلك كما شدّدا غيره كان حسنا، ولو خفّفا بعض ما شدّدا كان كذلك. ويشبه أن يكونا اعتبرا في تخفيف ذلك كثرة ما جاء في التنزيل في ذكر الغيث فحملا اسم الفاعل على ذلك. فمن ذلك قوله: وأنزلنا من السّماء ماءً بقدرٍ فأسكنّاه في الأرض [المؤمنون/ 18]، ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةً [الحج/ 63] أنزل من السّماء ماءً فسلكه ينابيع في الأرض [الزمر/ 21] يشبه أن يكونا لمّا رأياه بهذه الكثرة، حملا اسم الفاعل عليه.
فأمّا قوله: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ [الزمر/ 6] وقوله: وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ [الحديد/ 25] فكأنّ المعنى فيه: خلق، ألا ترى أنه قد جاء في الأخرى ثمانية أزواج وذلك محمول على أنشأ، كأنه: وأنشأ ثمانية أزواج). [الحجة للقراء السبعة: 2/162]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {أن ينزل الله} بالتّخفيف في جميع القرآن وحجتهما في الآية {أن يكفروا بما أنزل الله} ولم يقل نزل الله وأبو عمرو قرأ في الأنعام بالتّشديد {قل إن الله قادر على أن ينزل آية} بالتّشديد لأن قبلها {لولا نزل عليه} وما ننزله إلّا بقدر معلوم لأنّه شيء بعد شيء فكأنّه لما تردد وطال نزوله شدده لتردده وابن كثير خالف مذهبه في سورة سبحان فقرأ بالتّشديد كأنّه أراد أن يجمع بين اللغتين
وقرأ الباقون جميع ذلك بالتّشديد وحجتهم أن نزل وأنزل لغتان مثل نبأته وأنبأته وأعظمت وعظمت وفي التّنزيل {ويقول الّذين آمنوا لولا نزلت سورة فإذا أنزلت سورة محكمة} فجاء باللغتين وقرأ حمزة والكسائيّ في لقمان وعسق بالتّخفيف وحجتهما قوله {وأنزلنا من السّماء ماء}). [حجة القراءات: 106]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (55- قوله: {ينزل}، {وتنزل} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف حيث وقع، إذا كان رباعيًا جعلاه مستقبلًا من «أنزل»، وذلك في القرآن كثير بإجماع نحو: {وأنزل الفرقان} «آل عمران 4» و{أنزل التوراة} «آل عمران 3»، و{الحمد لله الذي أنزل} «الكهف 1»، و{بالحق أنزلناه} «الإسراء 105» وخالف ابن كثير في موضعين في سبحان فشددهما، وجعلهما من «نزل» وهما قوله تعالى: {وننزل من القرآن} «الإسراء 82»، {حتى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/253]
تنزل علينا} «الإسراء 93» وكذلك المشدد المشدد في الحجر في قوله: {وما ننزله إلا بقدر} «21» وإنما خص هذين الموضعين، ليبين بالتشديد معنى التكرير في النزول؛ لأن التشديد يدل على التكرير، فلما كان القرآن ينزل شيئًا بعد شيء شدد، ليدل على هذا المعنى، إذ لو خفف لجاز أن ينزل مرة واحدة على النبي عليه السلام، ولم يكن كذلك، وشدد {وما ننزله إلا بقدر} ليدل على نزول المطر شيئًا بعد شيء، إذ لو خفف لجاز أن ينزل المطر مرة واحدة، وليس الأمر كذلك، والتشديد للتكرير في الفعل، فهو يدل على هذه المعاني، وخالف أيضًا أبو عمرو في موضعين، فشدد قوله في الأنعام: {قادر على أن ينزل} «37» فشدده حملًا على صدر الكلام لأن قبله: {وقالوا لولا نزل عليه}، ومستقبل «نزّل» «ينزّل» فحمله على ما قبله، وأجراه عليه، وعلى لفظه، والموضع الثاني في الحجر: {وما ننزله إلا بقدر} «21» وقد مضت علته، وقرأ الباقون بالتشديد في ذلك كله، حملوه على «نزّل» والتشديد أبلغ؛ لأنه يدل على تكرير الفعل غير أن حمزة والكسائي خففا موضعين في لقمان: {وينزل الغيث} «24» وفي الشورى: {يُنزِّل الغيث} «28» جعلاه من «أنزل»، وحمله على قوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت} «الرعد 17» وكله في نزول القطر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/254]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {أَنْ يُنَزِّلَ الله مِنْ فَضْلِهِ} [آية/ 90]:-
بالتشديد، قرأها نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي، وقرأ الباقون {يُنْزِلاَ} بالتخفيف، وهما لغتان في متعدي نزل، أعني نزلته وأنزلته، وبعضهم يجعل المشدد لما يتكرر إنزاله، والمخفف فيما لا يتكرر، وقد ضعفه المحققون). [الموضح: 290]

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (91)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:05 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة

[من الآية (92) إلى الآية (96) ]

{وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93) قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}

قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (92)}

قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}

قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (94)}

قوله تعالى: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}

قوله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (أن يعمّر واللّه بصيرٌ بما يعملون (96).
اتفق القراء على (بما يعملون) بالياء إلا الحضرمي فإنه قرأ بالتاء). [معاني القراءات وعللها: 1/167]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {وَالله بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [آية/ 96]:-
بالتاء في عشر المائة، قرأها يعقوب وحده؛ لأنه جعل ذلك من جملة القول، وجعله متصلاً بقوله تعالى {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ الله خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وجعل ما بينهما
[الموضح: 290]
اعتراضًا، فلهذا صيره خطابًا.
وقرأ الباقون بالياء، على الغيبة، حملاً له على ما يليه وهو قوله تعالى {وَلَتَجِدَنَّهُمْ} إلى آخر الآية). [الموضح: 291]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:06 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (97) إلى الآية (100) ]


{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}


قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من كان عدوًّا لجبريل.. (97).
قرأ ابن كثير: (جبريل) بفتح الجيم وكسر الراء بغير همز، و(ميكائيل) مهموزا ممدودا.
وروى شبل: (ميكائل) مقصورا مهموزا.
[معاني القراءات وعللها: 1/167]
مثل نافع، وقرأ نافع: (جبريل) بكسر الجيم والراء.
وقرأ حمزة والكسائي (جبرئيل) مثل (جبرعيل).
وقرأ أبو بكر: (وجبرئل، مثل (جبرعل).
وقرأ الباقون (جبريل)، بغير همز، إلا أن ابن كثير فتح الجيم، وكسرها الباقون.
قرأ أبو عمرو وحفص (ميكال) بغير ياء، وقرأ نافع بالهمز (ميكائل)، الباقون (ميكائيل) بياء بعد همزة). [معاني القراءات وعللها: 1/168]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن يعمر: [جَبرَئِلّ] مشددة اللام، بوزن جبرَعِل، وعنه أيضًا وعن فياض بن غزوان: [جَبْرَائيل] بوزن جَبْرَاعيل، بهمزة بعد الألف، وبهذا الوزن من غير همز بياءين عن الأعمش، و[مِيكاييل] من غير همز أيضًا ممدود، وقرأ [مِيكَئِلَ] بوزن ميكعل ابن هرمز الأعرج وابن محيصن.
قال أبو الفتح: أما على الجملة فقد ذكرنا في كتابنا هذا وفي غيره من كتبنا: أن العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، وأنشدنا في ذلك ما أنشدَناه أبو علي من قول الراجز:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْت اليومَ كالمزَرَّج
يريد: الذي شرب الزَّرجون وهي الخمر، وأنه كان قياسه المزرجن؛ من حيث كانت النون في الزرجون أصلية. نعم، وذكرنا أنهم قد يحرفون ما هو من كلامهم، فكيف ما هو من كلام غيرهم؟ إلا أن جبرَئِل قد قيل فيه: إن معناه عبد الله؛ وذلك أن الجبر بمنزلة الرجل، والرجل عبد الله، ولم يسمع الجبر بمعنى الرجل إلا في شعر ابن أحمر، وهو قوله:
اشرب براووق حُبيت به ... وانْعم صباحًا أيها الجبر
قالوا: وإلٌّ بالنبطية: اسم الله تعالى، ومن ألفاظهم في ذلك أن يقولوا: كورِيال، الكاف بين القاف والكاف، فغالب هذا أن تكون هذه اللغات كلها في هذا الاسم إنما يراد بها جبريال الذي هو كوريال، ثم لحقها من التحريف على طول الاستعمال ما أصارها إلى هذا التفاوت، وإن كانت على كل أحوالها متجاذبة يتشبث بعضها ببعض.
[المحتسب: 1/97]
واستدل أبو الحسن على زيادة الهمزة في [جَبْرَئيل] بقراءة مَن قرأ {جبْريل} ونحوه، وهذا كالتعسف من أبي لحسن لما قدمناه من التخليط في الأعجمي، ويلزم فيه زيادة النون في زرجون؛ لقوله: كالمزرج، والقول ما قدمناه.
وأما [جَبْرايِيل ومِيكاييل] بباءين بعد الألف والمد فيقْوَى في نفسي أنها همزة مخففة وهي مكسورة، فخفيت وقربت من الياء فعبر القراء عنها بالياء، كما ترى في قوله عز وجل: [آلاء] عند تخفيف الهمز "آلاي" بالياء؛ وسبب ذلك ما ذكرناه من خفاء الهمزة المكسورة وقربها بذلك من لفظ الياء، كما قالوا في "شهر رمضان" في إدغام أبي عمرو: إن الراء من شهر مدغمة في راء رمضان، وهيهات ذلك مذهبًا، وعز مطلبًا، حتى كأنا لم نعلم أن الهاء في شهر ساكنة، وإذا أُدغمت الراء في راء رمضان التقى ساكنان ليس الأول منهما حرف مد كشبابَّة ودابَّة، ولا يكون ذلك إلا أن تنقل حركة الراء الأولى إلى الهاء قبلها، ولو فُعل ذلك لوجب أن يقال: شَهُرّ رمضان بضم الهاء، وليس أحد من القراء يدَّعي هذا فيه: مَن أدغم ومَن لم يدغم.
وأيضًا، فإنه إذا كان هذا النقل فإنما يكون في المتصل، نحو: يستعدّ ويردّ ويفرّ، فأما في المنفصل فإن ذلك لن يجيء في شيء منه إلا في حرف واحد شاذ اجتمع فيه شيئان، كل واحد منهما يحتمل التغيير له:
أحدهما: كونه علمًا، والأعلام فيما يكثر فيه ما لا يكون في غيره، نحو: معديكرب ومَوْهَب وتَهْلَل وحَيْوَة.
والآخر: كثرة استعماله، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا، وذلك الحرف قولهم في عبد شمس: هذه عَبُشَمسَ بفتح السين، وأنت لا تقول في نحو هذا قوم موسى: هذا قَوْمُّوسى؛ لما ذكرناه من أن المنفصل في هذا النحو لم تنقله العرب كما نقلت المتصل.
فعلى هذا ينبغي أن نوجه قولهم في [جَبْرايِيل وميكاييل] ببياءين والمد؛ وذلك لأن المد إنما كان فيه لبقاء نية الهمزة المخففة ولفظه فيه، هذا هو القول؛ كقولهم بالمد، وإن كانت الألف والياء بعدها أتَمَّ صوتًا وأبعد ندى منها وبعدها غيرها من الحروف الصحاح، نحو: غرابيل وسرابيل وسراحين وميادين، وقد يجوز من بعد هذا أن تكون ياء صريحة من حيث كان الأعجمي يُتلَعَّبُ فيه بالحروف تَلَعُّبًا، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/98] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {جبريل} قرأه ابن كثير بفتح الجيم، وبياء بعد الراء، مع كسرها من غير همز، ومثله أبو بكر، غير أنه همز همزة مكسورة بعد الراء، وفتح الراء، ومثله حمزة والكسائي، غير أنهما زادا ياء بعد الهمزة، وقرأ الباقون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/254]
«جبريل» بكسر الجيم والراء، وبياء بعد الراء من غير همز، وهذه كلها لغات فيه، و«جبريل» اسم أعجمي، فمن كسر الجيم أتى به على مثال كلام العرب، فهو كـ «قنديل ومنديل» ومن فتح أتى به على خلاف كلام العرب، ليعلم أنه ليس من كلام العرب، وأنه أعجمي، وكذلك فعل من همز، ومن أثبت ياء بعد الهمزة أتى به على خلاف كلام العرب، ليُعلم أنه أعجمي، ليس من أبنية كلام العرب، وفيه لغات غير هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/255]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {جِبْرِيلَ} [آية/ 97 و98]:-
بكسر الجيم والراء غير مهموز، قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب و- ص- عن عاصم.
اعلم أن الأحسن عندهم في بناء الاسم الأعجمي ما وافق أبنيتهم؛ لأنه يكون حينئذٍ أذهب في باب التعريب، فجبريل بوزن قنديل وشمليل.
وروى ياش- عن عاصم (جَبْرَئِلَ) بفتح الجيم والراء وبالهمز على وزن: جبرعل، وهذا أيضًا موافق لبناء قهبلس وجحمرش.
وقرأ حمزة والكسائي (جَبْرَئِيل) بفتح الجيم والراء وبهمزةٍ بعدها ياء على
[الموضح: 291]
وزن: جبرعيل، وهذا قد وافق قولهم: دردبيس وقمطرير، وهذه لغة مشهورة في هذا الاسم.
وقرأ ابن كثير (جَبريل) بفتح الجيم وكسر الراء غير مهموز، وهو مثال خارجٌ عن أبنية العرب وأمثلتهم، فهو يجري مجرى الابريسم والفرند والآجر ونحو ذلك مما تمحض في وزن الأعجمي ولم يوافق شيئًا من أبنيتهم، وقد تكلموا على ما نقل إليهم ولم يتصرفوا فيه). [الموضح: 292]

قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: جبريل وميكال [البقرة/ 98] في كسر الجيم وفتحها، والهمز وتركه. والهمز في ميكائيل، والياء بعد الهمز من (جبرئيل وميكائيل).
فقرأ ابن كثير (جبريل) بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، و (ميكائيل) مهموز في وزن ميكاعيل بعد الألف همزة، وياء بعد الهمزة. وروى محمد بن صالح البزّي عن شبل بن عباد عن عبد الله بن كثير: (جبريل) بلا همز و (ميكائل) مهموز مقصور. وكذلك روى محمد بن سعدان عن عبيد بن عقيل عن شبل بن عبّاد عن عبد الله بن كثير (ميكائل) مهموز مقصور بزنة ميكاعل مثل نافع.
وحدّثني الحسين بن بشر الصوفيّ عن روح بن عبد المؤمن عن محمّد بن صالح عن شبل عن ابن كثير قال:
رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام وهو يقرأ: جبريل وميكال فلا أقرأهما أبدا إلا هكذا.
وقرأ نافع: (جبريل) بكسر الجيم والراء من غير همز (وميكائل) بهمزة بعد ألف وقبل اللام، ليس بعدها ياء، في وزن ميكاعل.
وقرأ أبو عمرو: (جبريل وميكال) بغير همز. وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ ابن عامر: (جبريل) مثل أبي عمرو (وميكائيل) بهمز بين الألف والياء ممدودة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/163]
وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وحماد بن سلمة عن عاصم (جبرئل) بفتح الجيم والراء، وهمزة بين اللام والراء غير ممدودة في وزن: جبرعل، خفيفة اللام و (ميكائيل) في رواية يحيى بهمزة بعدها ياء.
وقال الكسائيّ وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عنه. وأبان عن عاصم: (جبرئيل وميكائيل) مثل حمزة، وكذلك روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم، وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم.
وروى (ميكائل) مهموزة مقصورة في وزن ميكاعل مثل نافع.
وروى محمّد بن سعدان عن محمّد بن المنذر عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه مثل حمزة.
وقرأ حمزة والكسائيّ (جبرئيل) و (ميكائيل) ممدودتين مهموزتين.
قال أبو علي: روينا عن أبي الحسن من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمّه عنه أنه قال: في (جبريل) ستّ لغات: (جبرائيل، وجبرئيل، وجبرال، وجبريل، وجبرال، وجبريل) وهذه أسماء معرّبة، فإذا أتي بها على ما في أبنية العرب مثله، كان أذهب في باب التعريب.
يقوّي ذلك تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من
[الحجة للقراء السبعة: 2/164]
حروفهم، كتغييرهم الحرف الذي بين الفاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة، أو الفاء المحضة، كقولهم: البرند والفرند، وكذلك تغييرهم الحركة التي ليست في كلامهم كالحركة التي في قول العجم: «زور وآشوب» يخلّصونها ضمّة، فكما غيّروا الحروف والحركات إلى ما في كلامهم، فكذلك القياس في أبنية هذه الكلم، إلا أنّهم قد تركوا أشياء من العجمية على أبنية العجم التي ليست من أبنية العرب.
كالآجرّ، والإبريسم، والفرند، وليس في كلام العرب على هذه الأبنية، فكذلك قول من قال: (جبريل) إذا كسر الجيم كان على لفظ (قنديل، وبرطيل) وإذا فتحها فليس لهذا البناء مثل في كلام العرب، فيكون هذا من باب الآجرّ، والفرند، ونحو ذلك من المعرّب الذي لم يجيء له مثل في كلامهم. فكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعا، وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب. وكذلك القول في (ميكال وميكائيل) وميكال: بزنة قنطار وسرداح و (ميكائيل) خارج عن أبنية كلام العرب.
فأمّا القول في زنة (ميكال) فلا يخلو من أن يكون فيعالا أو مفعالا أو فعلالا. فلا يجوز أن يكون فيعالا، لأن هذا بناء يختصّ به المصدر كالقيتال، والحيقال، وليس هذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/165]
الاسم بمصدر، ولا يجوز أن يكون مفعالا، فيكون من أكل أو وكل، لأنّ الهمزة المحذوفة من ميكائيل محتسب بها في البناء، فإذا ثبت ذلك صارت الكلمة من الأربعة، وبنات الأربعة لا تلحقها الزيادة من أوائلها، إلا الأسماء الجارية على أفعالها، وليس هذا على ذلك الحدّ. فإذا لم يكن كذلك، ثبت أن الميم أصل كما كانت الهمزة في إبراهيم ونحوه أصلا ليست بزيادة.
ولا يجوز أيضا أن يكون فعلالا، لأنّ الهمزة المحذوفة من البناء مقدرة فيه. ونظير ذلك في حذف الهمزة منه والاعتداد بها، مع الحذف [في البناء] قولهم: سواية، إنما هي سوائية: كالكراهية، وكذلك الهمزة المحذوفة من أشياء- على قول أبي الحسن- مقدّرة في البناء فكذلك الهمزة في ميكائيل.
فإن قلت: فلم لا تجعلها بمنزلة التي في حطائط وجرائض ؟
فإن ذلك لا يجوز، لأن الدّلالة لم تقم على زيادتها كما قامت في قولهم: جرواض. فهو إذن بمنزلة التي في برائل، وكذلك (جبريل) الهمزة التي تحذف منها ينبغي أن
[الحجة للقراء السبعة: 2/166]
يقدّر حذفها للتخفيف وحذفها للتخفيف لا يوجب إسقاطها من أصل البناء، كما لم يجز إسقاطها في سواية من أصل البناء، وإذا كان كذلك كانت الكلمة من بنات الخمسة.
وهذا التقدير يقوّي قول من قرأ: (جبريل وميكائيل) بالهمز لأنّه يقول: إن الذي قرأ: (جبريل) وإن كان في اللفظ مثل: برطيل، فتلك الهمزة عنده مقدرة. وإذا كانت مقدرة في المعنى، فهي مثل ما ثبت في اللفظ.
فأمّا (إسرافيل) فالهمزة فيه أصل، لأن الكلمة من بنات الأربعة، كما كانت الميم من ميكائيل كذلك.
فإسرافيل من الخمسة كما كان جبرئيل كذلك. والقول في همزة إسرافيل وإسماعيل وإبراهيم مثل القول في همزة إسرافيل في أنها من نفس الكلمة، والكلمة بها من بنات الخمسة. وقد جاء في أشعارهم الأمران: ما هو على لفظ التعريب، وما هو خارج عن ذلك قال:
عبدوا الصّليب وكذّبوا بمحمّد... وبجبرئيل وكذّبوا ميكالا
وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/167]
وجبريل رسول الله منّا... وروح القدس ليس له كفاء
وقال:
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة... يد الدّهر إلا جبرئيل أمامها
وقال كعب بن مالك:
ويوم بدر لقيناهم لنا مدد... فيه لدى النّصر ميكال وجبريل
وأما ما روي عن أبي عمرو من أنّه كان يخفف (جبريل) أو (ميكال) ويهمز (إسرائيل)، فما أراه إلا لقلّة مجيء (إسرال) بلا همز وكثرة مجيء (جبريل وميكال) في كلامهم والقياس فيهما واحد، وقد جاء في شعر أميّة (إسرال) قال:
لا أرى من يعيشني في حياتي... غير نفسي إلا بني إسرال
[الحجة للقراء السبعة: 2/168]
وليس قول من قال: إنّ (إيل، وإل) اسم الله، وأضيف ما قبلهما إليهما، كما يقال: عبد الله- بمستقيم من وجهين: أحدهما: أنّ (إيل، وإل) لا يعرفان في أسماء الله سبحانه في اللغة العربية، والآخر أنّه لو كان كذلك لم يتصرّف آخر الاسم في وجوه العربيّة، ولكان الآخر مجرورا، كما أنّ آخر عبد الله كذلك، ولو كان مضافا لوقع التعريب عليه على حدّ ما وقع في غيره من الأسماء المضاف إليها). [الحجة للقراء السبعة: 2/169]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن يعمر: [جَبرَئِلّ] مشددة اللام، بوزن جبرَعِل، وعنه أيضًا وعن فياض بن غزوان: [جَبْرَائيل] بوزن جَبْرَاعيل، بهمزة بعد الألف، وبهذا الوزن من غير همز بياءين عن الأعمش، و[مِيكاييل] من غير همز أيضًا ممدود، وقرأ [مِيكَئِلَ] بوزن ميكعل ابن هرمز الأعرج وابن محيصن.
قال أبو الفتح: أما على الجملة فقد ذكرنا في كتابنا هذا وفي غيره من كتبنا: أن العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، وأنشدنا في ذلك ما أنشدَناه أبو علي من قول الراجز:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْت اليومَ كالمزَرَّج
يريد: الذي شرب الزَّرجون وهي الخمر، وأنه كان قياسه المزرجن؛ من حيث كانت النون في الزرجون أصلية. نعم، وذكرنا أنهم قد يحرفون ما هو من كلامهم، فكيف ما هو من كلام غيرهم؟ إلا أن جبرَئِل قد قيل فيه: إن معناه عبد الله؛ وذلك أن الجبر بمنزلة الرجل، والرجل عبد الله، ولم يسمع الجبر بمعنى الرجل إلا في شعر ابن أحمر، وهو قوله:
اشرب براووق حُبيت به ... وانْعم صباحًا أيها الجبر
قالوا: وإلٌّ بالنبطية: اسم الله تعالى، ومن ألفاظهم في ذلك أن يقولوا: كورِيال، الكاف بين القاف والكاف، فغالب هذا أن تكون هذه اللغات كلها في هذا الاسم إنما يراد بها جبريال الذي هو كوريال، ثم لحقها من التحريف على طول الاستعمال ما أصارها إلى هذا التفاوت، وإن كانت على كل أحوالها متجاذبة يتشبث بعضها ببعض.
[المحتسب: 1/97]
واستدل أبو الحسن على زيادة الهمزة في [جَبْرَئيل] بقراءة مَن قرأ {جبْريل} ونحوه، وهذا كالتعسف من أبي لحسن لما قدمناه من التخليط في الأعجمي، ويلزم فيه زيادة النون في زرجون؛ لقوله: كالمزرج، والقول ما قدمناه.
وأما [جَبْرايِيل ومِيكاييل] بباءين بعد الألف والمد فيقْوَى في نفسي أنها همزة مخففة وهي مكسورة، فخفيت وقربت من الياء فعبر القراء عنها بالياء، كما ترى في قوله عز وجل: [آلاء] عند تخفيف الهمز "آلاي" بالياء؛ وسبب ذلك ما ذكرناه من خفاء الهمزة المكسورة وقربها بذلك من لفظ الياء، كما قالوا في "شهر رمضان" في إدغام أبي عمرو: إن الراء من شهر مدغمة في راء رمضان، وهيهات ذلك مذهبًا، وعز مطلبًا، حتى كأنا لم نعلم أن الهاء في شهر ساكنة، وإذا أُدغمت الراء في راء رمضان التقى ساكنان ليس الأول منهما حرف مد كشبابَّة ودابَّة، ولا يكون ذلك إلا أن تنقل حركة الراء الأولى إلى الهاء قبلها، ولو فُعل ذلك لوجب أن يقال: شَهُرّ رمضان بضم الهاء، وليس أحد من القراء يدَّعي هذا فيه: مَن أدغم ومَن لم يدغم.
وأيضًا، فإنه إذا كان هذا النقل فإنما يكون في المتصل، نحو: يستعدّ ويردّ ويفرّ، فأما في المنفصل فإن ذلك لن يجيء في شيء منه إلا في حرف واحد شاذ اجتمع فيه شيئان، كل واحد منهما يحتمل التغيير له:
أحدهما: كونه علمًا، والأعلام فيما يكثر فيه ما لا يكون في غيره، نحو: معديكرب ومَوْهَب وتَهْلَل وحَيْوَة.
والآخر: كثرة استعماله، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا، وذلك الحرف قولهم في عبد شمس: هذه عَبُشَمسَ بفتح السين، وأنت لا تقول في نحو هذا قوم موسى: هذا قَوْمُّوسى؛ لما ذكرناه من أن المنفصل في هذا النحو لم تنقله العرب كما نقلت المتصل.
فعلى هذا ينبغي أن نوجه قولهم في [جَبْرايِيل وميكاييل] ببياءين والمد؛ وذلك لأن المد إنما كان فيه لبقاء نية الهمزة المخففة ولفظه فيه، هذا هو القول؛ كقولهم بالمد، وإن كانت الألف والياء بعدها أتَمَّ صوتًا وأبعد ندى منها وبعدها غيرها من الحروف الصحاح، نحو: غرابيل وسرابيل وسراحين وميادين، وقد يجوز من بعد هذا أن تكون ياء صريحة من حيث كان الأعجمي يُتلَعَّبُ فيه بالحروف تَلَعُّبًا، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/98] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}
[حجة القراءات: 106]
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفض {وجبريل} بكسر الجيم والرّاء جعلوا جبريل اسما واحدًا على وزن قطمير وحجتهم قول الشّاعر
وجبريل رسول الله فينا ... ورورح القدس ليس له كفاء
وقرأ حمزة والكسائيّ (جبرئيل) بفتح الجيم والرّاء مهموزا قال الشّاعر
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة ... مدى الدّهر إلّا جبرئيل أمامها
وحجتهم ما روي عن النّبي صلى الله عليه أنه قال: إنّما جبرئيل وميكائيل كقولك عبد الله وعبد الرّحمن جبر هو العبد وإيل هو الله فأضيف جبر إليه وبني فقيل جبرئيل
وقرأ ابن كثير (جبريل) بفتح الجيم وكسر الرّاء مثل سمويل وهو اسم طائر قال عبد الله بن كثير رأيت رسول الله صلى الله عليه في المنام فأقرأني جبريل فأنا لا أقرأ إلّا كذلك
وقرأ يحيى عن أبي بكر (جبرئل) على وزن جبرعل وهذه لغة تميم وقيس
[حجة القراءات: 107]
وقرأ أبوعمرو وحفص {وميكال} بغير همز على وزن سربال وحجتهما قول من مدح النّبي صلى الله عليه
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النّصر ميكال وجبريل
وقرأ نافع (ميكائل) بهمزة مختلسة ليس بعدها ياء كأنّه كسرة الإشباع
وقرأ الباقون (ميكائيل) ممدودا وحجتهم ما روي عن النّبي صلى الله عليه أنه قال في صاحب الصّور
جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال الكسائي قوله جبرئيل وميكائيل وإبراهيم فإنّها أسماء أعجميّة لم تكن العرب تعرفها فلمّا جاءتها أعربتها فلفظت بها بألفاظ مختلفة). [حجة القراءات: 108]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {ميكال} قرأه أبو عمرو وحفص «ميكال» على وزن «مفعال» ومثلهما نافع، غير أنه زاد همزة مكسورة بين الألف واللام، ومثله قرأ الباقون، غير أنهم زادوا ياء بعد الهمزة، وهذه القراءات لغات في هذا الاسم، وهو اسم أعجمي، غير أن من قرأه، على وزن «مفعال» أتى به على وزن أبنية العرب، فهو مثل «مفتاح»، ومن قرأه بغير ذلك أتى به على غير أبنية العرب، ليُعلم أنه أعجمي، خارج عن أبنية العرب، وقولنا في قراءة أبي عمرو وحفص أنه «مفعال» تمثيل؛ لأنه ليس بقوي، وإلا فلا يجوز أن يكون «مفعالًا»؛ لأنه رباعي إذ الهمزة المحذوفة يعتد بها، وبنات الأربعة لا يلحقها الزيادة في أولها، إلا في الأشياء الجارية على أفعالها، نحو: «مكرم، ومحسن» وليس «ميكال» من هذا الصنف، ولا يجوز أن يكون «فيعالا» لأن هذا الوزن قد اختصت به المصادر نحو: «القيتال، والحيقال»، وليس «ميكال» بمصدر،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/255]
ولا يجوز أن يكون «فعلالا» لأن الهمزة مقدرة فيه، فإنما هو اسم أعجمي كـ «إبراهيم، وإسماعيل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/256]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {جِبْرِيلَ} [آية/ 97 و98]:-
بكسر الجيم والراء غير مهموز، قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب و- ص- عن عاصم.
اعلم أن الأحسن عندهم في بناء الاسم الأعجمي ما وافق أبنيتهم؛ لأنه يكون حينئذٍ أذهب في باب التعريب، فجبريل بوزن قنديل وشمليل.
وروى ياش- عن عاصم (جَبْرَئِلَ) بفتح الجيم والراء وبالهمز على وزن: جبرعل، وهذا أيضًا موافق لبناء قهبلس وجحمرش.
وقرأ حمزة والكسائي (جَبْرَئِيل) بفتح الجيم والراء وبهمزةٍ بعدها ياء على
[الموضح: 291]
وزن: جبرعيل، وهذا قد وافق قولهم: دردبيس وقمطرير، وهذه لغة مشهورة في هذا الاسم.
وقرأ ابن كثير (جَبريل) بفتح الجيم وكسر الراء غير مهموز، وهو مثال خارجٌ عن أبنية العرب وأمثلتهم، فهو يجري مجرى الابريسم والفرند والآجر ونحو ذلك مما تمحض في وزن الأعجمي ولم يوافق شيئًا من أبنيتهم، وقد تكلموا على ما نقل إليهم ولم يتصرفوا فيه). [الموضح: 292] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {وَمِيكّالَ} [آية/ 98]:-
غير مهموز، قرأها أبو عمرو ويعقوب و- ص- عن عاصم، وهو أكثر ارتضاءً عندهم؛ لأنه على وزن: فعلال من أبنيتهم كسرداح وقنطار وشملال.
وقرأ نافع (مِيكَائِل) ممدود بهمزة ليست بعدها ياء بوزن: ميكاعل.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي و- ياش- عن عاصم {ميكائيل}
[الموضح: 292]
بياء بعد الهمزة بوزن: ميكاعيل.
وهذان المثالان لا نظير لهما في أمثلة العرب، فهما أقعد في العجمة، والاسم الأعجمي إذا تكلمت به العرب أجرت عليه أحكام الأعراب، فصار مثل العربي في كثير من الأشياء وإن لم يوافق أمثلتهم فميكائيل، كميكاعيل أكثر في كلامهم وأشهر). [الموضح: 293]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)}

قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن رَوْح عن أبي السمال أنه قرأ: [أَوْ كُلَّمَا عَهِدُوا] ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن يكون سكون الواو في "أو" هذه على أنه في الأصل حرف عطف كقراءة الكافة: {أوَكلما}؛ من قِبَل أن واو العطف لم تُسكن في موضع علمناه، وإنما يسكن بعدها مما يُخلَط معها فيكونان كالحرف الواحد، نحو قول الله تعالى: [وَهْوَ اللَّه]، وقوله سبحانه: [وَهْوَ وَلِيُّهُم] بسكون الهاء، فأما واو العطف فلا تسكن من موضعين:
أحدهما: أنها في أول الكلمة، والساكن لا يبتدأ به.
والآخر: أنها هنا وإن اعتمدت على همزة الاستفهام قبلها فإنها مفتوحة، والمفتوح لا يسكن استخفافًا إنما ذلك في المضموم والمكسور نحو: كرْم زيد وعلْم الله، وقد مضى ذكر ذلك، فإذا كان كذلك كانت "أو" هذه حرفًا واحدًا، إلا أن معناها معنى بل للترك والتحول بمنزلة أم المنقطعة، نحو قول العرب: إنها لأبل أم شاء؛ فكأنه قال: بل أهي شاء؟ فكذلك معنى "أو" هاهنا، حتى كأنه قال: "وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ بل كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ"، يؤكد ذلك قوله تعالى من بعده: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُون}، فكأنه قال: "بل كلما عاهدوا عهدًا.... بل أكثرهم لا يؤمنون".
و"أو" هذه التي بمعنى أم المنقطعة -وكلتاهما بمعنى بل- موجودة في الكلام كثيرًا، يقول الرجل لمن يتهدده: والله لأفعلن بك كذا، فيقول له صاحبه: أَوْ يُحسن الله رأيك، أو يغير الله ما في نفسك؛ معناه: بل يحسن الله رأيك، بل يغير الله ما في نفسك، وإلى نحو هذا ذهب الفراء في قول ذي الرمة:
بدت مثلَ فرنِ الشمس في رَونَقِ الضُّحى ... وصورتِها أو أنت في العين أملحُ
[المحتسب: 1/99]
قال: معناه بل أنت في العين أملح، وكذلك قال في قوله الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قال: معناه بل يزيدون، وإن كان مذهبنا نحن في هذا غير هذا؛ فإن هذا طريق مذهوب فيه على هذا الوجه.
وقراءته هنا: [عَهِدُوا عَهْدًا] كأنه أشبه بجريان المصدر على فعله؛ لأن عهِدت عهدًا أشبه في العادة من عاهدت عهدًا، ومن ذلك الحديث المأثور: "مَن وعد وعدًا فكأنما عَهِدَ عهدًا"، وقراءة الكافة: {عاهَدُ واعَهْدا} على معنى أعطَوا عهدًا، فعهدًا على مذهب الجماعة كأنه مفعول به.
وعلى قراءة أبي السمال هو منصوب نصب المصدر، وقد يجوز أن ينتصب على قراءة الكافة على المصدر؛ إلا أنه مصدر محذوف الزيادة؛ أي: معاهدة أو عِهاداً؛ كقاتلت مقاتلة وقتالًا، إلا أنه جاء على حذف الزيادة كقوله:
عمرَكِ الله ساعةً حدِّثِينَا ... ودَعِينَا من قولِ مَن يؤذينا
إنما هو: عمَّرتُكِ الله تعميرًا -دعاء لها- فحذفت زيادة التاء والياء، وعليه: جاء زيد وحده؛ أي: أُوحِدَ بهذه الحال إيحادًا، ومررت به وحده؛ أي: أَوحدته بمروري إيحادًا.
وقد يمكن أن يكون وحده مصدر هو يَحِد وحدًا فهو واحد، والمصدر على حذف زيادته كثير جدًّا، إلا أنه ليس منه قولهم: سلمت عليه سلامًا وإن كان في معنى تسليمًا؛ من قِبَل أنه لو أريد مجيئه على حذف الزيادة لما أُقِرَّ عليه شيء من الزيادة، وفيه ألف سلام زائدة، ومثله: كملته كلامًا، والسلام والكلام ليسا على حذف الزيادة؛ لكنهما اسمان على فَعال بمعنى المصدر، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/100]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:09 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (101) إلى الآية (103) ]

{وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101) وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102) وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103) }

قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}

قوله تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (102)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله - عزّ وجلّ -: (ولكنّ.. (102)
بكسر النون وتخفيفها.
(الشّياطين.. (102)
بالرفع ابن عامر وحمزة والكسائي). [معاني القراءات وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر النّون مع التخفيف والتشديد من قوله: ولكنّ الشّياطين كفروا [البقرة/ 102]، ولكنّ اللّه قتلهم [الأنفال/ 17]، ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17]، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون [يونس/ 44].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم: ولكنّ الشّياطين كفروا، ولكنّ اللّه قتلهم، ولكنّ اللّه رمى، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون مشدّدات في ذلك كلّه.
وقرأ نافع وابن عامر ولكنّ البرّ من آمن باللّه [البقرة/ 177] ولكنّ البرّ من اتّقى [البقرة/ 189] خفيفتي النون، ويرفعان (البرّ). وشدّد النون في هذين الموضعين
[الحجة للقراء السبعة: 2/169]
ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائيّ. وقرأ حمزة والكسائيّ: ولكنّ الشّياطين كفروا، ولكنّ اللّه قتلهم، ولكنّ اللّه رمى، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون خفيفات كلهنّ. وقرأ ابن عامر وحده: ولكنّ الشّياطين بالتخفيف.
وشدّد النون من: ولكنّ اللّه قتلهم، ولكنّ اللّه رمى، ولكنّ النّاس أنفسهم يظلمون، ولم يختلفوا إلّا في هذه الستة الأحرف.
قال أبو علي: اعلم أن لكن حرف لا نعلم شيئا على مثاله في الأسماء والأفعال، فلو كانت اسما لم يخل من أن يكون فاعلا أو فعلا، ولا نعلم أحدا ممن يؤخذ بقوله يذهب إلى أنّ الألفاظ في الحروف زائدة، فكذلك ينبغي أن تكون الألف في هذا الحرف، وهو مثل إنّ في أنّها مثقّلة ثم يخفّف إلا أنّ «إنّ وأنّ» إذا خفّفتا فقد ينصب بهما كما كان ينصب بهما مثقّلتين وإن كان غير الإعمال أكثر. ولم نعلم أحدا حكى النصب في «لكن» إذا خففت فيشبه أن النصب لم يجيء في هذا الحرف مخففا، ليكون ذلك دلالة على أن الأصل في هذه الحروف أن لا تعمل إذا خفّفت لزوال اللفظ الذي به شابه الفعل في التخفيف، وأنّ من خفّف ذلك، فالوجه أن لا يعمله.
ومثل ذلك في أنّه لم يجيء فيه الجزاء؛ وإن كان القياس لا
[الحجة للقراء السبعة: 2/170]
يمنع منه: «كيف»؛ ألا ترى أنّ الخليل وأصحابه لم يحكوا فيه الجزاء؟ وإن كان المعنى لا يمنع ذاك، ليعلم أنّ الجزاء ليس حكمه أن يكون بالأسماء، فكذلك لم يجيء النصب مع التخفيف في هذا الحرف كما جاء في «إنّ، وأنّ، ولعلّ، وليت» وقد لحقتها «ما» كافة كما لحقت «إنّ وأنّ ولعلّ وليت» وذلك في نحو قوله: قل إنّما أنذركم بالوحي [الأنبياء/ 45]، وكأنّما يساقون إلى الموت [الأنفال/ 6] وقول الشاعر:
.... لعلما... أضاءت لك النار الحمار المقيّدا
فممّا جاءت فيه (ما) كافة قول الشاعر:
ولكنّما أهلي بواد أنيسه... ذئاب تبغّى الناس مثنى وموحد
ومما جاءت فيه لكن مخفّفة غير معملة ما أنشده أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 2/171]
وما دهري بشتمك فاعلمنه... ولكن أنت مخذول كبير
ومثله قول زهير.
لقد باليت مظعن أمّ أوفى... ولكن أمّ أوفى لا تبالي
وقول الآخر:
فلسنا على الأعقاب تدمى كلومنا... ولكن على أقدامنا تقطر الدّما
ولا يدلّ نحو ما أنشده أبو زيد من قول عمران:
ولكنّا الغداة بنو سبيل... على شرف نيسّر لانحدار
وكذلك الحذف في إنّ في نحو قوله: قالوا إنّا معكم [البقرة/ 14] وقوله: إنّي أنا ربّك [طه/ 12] لولا أنّ الحرف المحذوف مراد لم يوصل بضمير المنصوب، ألا ترى أنّ (إنّ) إذا خفّفت، دخلت الأفعال، وفي دخولها على
[الحجة للقراء السبعة: 2/172]
الأفعال، دلالة على إخراجها من الإعمال، وعلى ذلك جاء التنزيل في نحو: إن كاد ليضلّنا [الفرقان/ 42] وإن كنّا عن عبادتكم لغافلين [يونس/ 29] ونحو هذا مما كثر مجيئه في التنزيل. فأمّا إنشاد من أنشد:
فلو أنك في يوم الرّخاء سألتني... فراقك لم أبخل وأنت صديق
فهو قليل، وقياسه قياس من أعملها مخففة في المظهر، وإن كان ذلك في المضمر أقبح لأنّ المضمر كثيرا ما يردّ معه الشيء إلى أصله نحو قوله: أنشده أبو زيد:
فلا بك ما أسال ولا أغاما والأصل في هذه الحروف إذا خفّفت أن لا تعمل لزوال المعنى الذي به كان يعمل، ولذلك لم تعمل (لكن) مخففة.
فإن قلت: إنّ لكنّ لا تشبه الأفعال، ألا ترى أنه ليس شيء على مثاله في الأسماء ولا في غيره؟.
فإنّ فيه ما يشبه الفعل إذا نزّلته منفصلا كقولهم: «أراك منتفخا».
وقد جاء حذف ضمير القصة والحديث معها في نحو
[الحجة للقراء السبعة: 2/173]
قول أميّة:
ولكنّ من لا يلق أمرا ينوبه... بعدّته ينزل به وهو أعزل
كما جاء في قوله:
فلو أنّ حقّ اليوم منكم إقامة فلولا أنّ الضمير معه مراد لما دخل على الجزاء، كما أنّه لو لم يكن مرادا مع ليت، لم تدخل على الفعل، في نحو ما أنشده أبو زيد:
فليت دفعت الهمّ عني ساعة... فبتنا على ما خيّلت ناعمي بال
[الحجة للقراء السبعة: 2/174]
فأما ما أنشده أبو زيد من قول الشاعر:
ندمت على لسان كان منّي... فليت بأنّه في جوف عكم
فيحتمل أمرين: أحدهما أن تكون الباء زائدة، ويكون (أنّ) مع الجارّ في موضع نصب، ويكون ما جرى من صلة (أنّ) قد سدّ مسدّ خبر ليت. كما أنّها في ظننت أنّ زيدا منطلق، كذلك.
ويحتمل أن تكون الهاء مرادة ودخلت الباء على المبتدأ، كما دخلت في قولهم: بحسبك أن تفعل ذلك، ولا يمتنع هذا من حيث امتنع الابتداء بأنّ لمكان الباء، ألا ترى أنّ (أنّ) قد وقعت بعد لولا في نحو: لولا أنّك منطلق، ولم يجر، ذلك [في الامتناع]. مجرى: أنّك منطلق بلغني.
لأن المعنى الذي له لم يبتدأ بالمفتوحة مع لولا معدوم.
فأمّا ما أنشده من قول الشاعر:
[الحجة للقراء السبعة: 2/175]
فقلت ادع أخرى وارفع الصوت دعوة... لعلّ أبي المغوار منك قريب
ولعلّ أبي المغوار منك قريب. فينبغي أن يكون على إضمار القصة والحديث كأنه خفّف لعلّ. وأعملها كما يخفف أنّ ويعمل، فمن فتح اللّام وجرّ الاسم فقال: لعلّ أبي المغوار، فاللّام لام الجرّ إلّا أنّه فتحها مع المظهر كما يفتح مع المضمر.
وزعم أبو الحسن أنه سمع فتح اللام مع المظهر من يونس وأبي عبيدة وخلف الأحمر.
وزعم أنه سمع ذلك أيضا من العرب، فيكون الجرّ في أبي المغوار على هذه اللغة. ومن قال:
لعلّ أبي المغوار منك قريب حذف لام لعلّ وأضمر القصة أو الحديث. وكسر اللام مع المظهر على اللغة التي هي أشيع، والتقدير: لعلّ لأبي المغوار منك جواب قريب، أي لعلّ نصره لا يبعد عليك، ولا يتأخّر عنك.
فإن قلت: إنه حذف اللام لاجتماع اللامين، كما حذف من (إنّا معكم) ونحو ذلك، كان قولا.
[الحجة للقراء السبعة: 2/176]
وحكى أبو عمر أنّ يونس لم يكن يرى (لكن) الخفيفة من حروف العطف. ويقوّي هذا القول أنّ أخوات لكن ممّا حذف منهنّ لم يخرج بالتخفيف عن ما كان عليه قبل التخفيف. ألا ترى أنّ: (إنّ) و (أنّ) و (كأنّ) كذلك؛ ومثلها (لعلّ).
فالقياس في (لكن) أن يكون في التخفيف على ما عليه أخواتها، ولا تخرج بالتخفيف عما كانت عليه، كما لم تخرج أخواتها عنه.
ويقوي ذلك أن معناها مخففة كمعناها مشدّدة، فإذا وافق حال التخفيف حال التشديد في اللفظ والمعنى، وجب أن تكون في التخفيف مثلها في التشديد.
فإن قلت: لم لا تكون مثل حتّى التي تكون لمعان مختلفة مع أنّ اللفظ واحد.
قيل: إنّ (حتّى) وإن كانت على لفظة واحدة، فإن المعاني التي تدلّ عليها مختلفة. ألا ترى أن العطف فيها غير الجرّ ووقوع الابتداء كما يقع الابتداء بعد إذا نحو: خرجت فإذا زيد، غير الجرّ والعطف. وكذلك الواو إذا كانت عاطفة معناها غير الجارّة. وكذلك إذا كانت في نحو: جاء البرد والطيالسة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/177]
وكذلك (ما) إذا كانت زائدة أو نافية أو كافّة، أو عوضا من الفعل في نحو: إمّا لا. وكذلك اللّام في: (لتفعلنّ)، وفي (لعمرو منطلق) وليس كذلك (لكن) لأنها إذا كانت مشددة كان معناها كمعناها إذا كانت مخففة؛ فإذا كان كذلك وجب أن لا تخرج بعد التخفيف عما كانت عليه قبل. كما أنّ سائر أخواتها كذلك.
فإن قلت: أليس قوم قد ذهبوا إلى أنّ (ليس) من حروف العطف، ويحملون قوله:
إنّما يجزي الفتى ليس الجمل فيمن أنشده بليس، فمعناها عاطفة كمعناها غير عاطفة في النفي.
قيل: إنها في هذا البيت يستقيم أن تكون نافية ويكون خبرها مضمرا. فكأنّ التقدير: إنّما يجزي الفتى ليس الجمل الذي يجزي. فحذف الخبر.
فليس لا تثبت حرف عطف من هذا البيت الذي استدلّوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/178]
به على ذلك، وكذلك يجوز أن يقول يونس في نحو: ما مررت برجل صالح لكن طالح. إنّه يجرّه بباء يضمرها دلّت المتقدّمة لها عليها. كما حكى سيبويه عنه نحو هذا. ويضمر القصة في (لكن) وإن كانت مخففة. كما أضمروا في أن وإن في نحو: أما إن يغفر الله لك، وإذا قال: ما مررت برجل صالح لكن طالح، كان على قوله: ولكن هو طالح، فإنّه يقول:
لمّا خفّفته صارت من حروف الابتداء، كما صارت (إنّ) كذلك، ولذلك وقع بعدها الفعل، فكذلك صار (لكن) من حروف الابتداء، كما كان قوله:
ولكن على أقدامنا تقطر الدما وقوله:
ولكن أمّ أوفى لا تبالي على ذلك.
فأمّا تشديد لكنّ إذا دخلت عليها الواو- وتخفيفها معها، فالقياس لا يوجب دخول التثقيل فيها- كما أنّ انتفاء دخولها لا يوجب التخفيف. ومن شدّد مع دخول الواو كان كمن خفّف مع دخولها. ألا ترى أنّ الواو لا توجب تغييرا فيما بعدها في المعنى، وإذا كان كلّ واحد منهما لا ينافي الآخر في المساغ
[الحجة للقراء السبعة: 2/179]
والجواز كانوا كلّهم قد أحسن فيما أخذ به لتساوي الأمرين في ذلك كله في القياس. ولم يكن في دخول الواو عليها معنى يوجب التشديد. كما لم يكن في انتفاء دخولها عليها معنى يوجب التخفيف). [الحجة للقراء السبعة: 2/180]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وابن عباس والضحاك بن مزاحم وعبد الرحمن بن أَبزَى: [وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلِكَيْنِ] بكسر اللام.
قيل: أراد [بالملِكين] داود وسليمان عليهما السلام.
قال أبو الفتح: إن قيل: كيف أطلق الله سبحانه على داود وسليمان اسم الملِك؛ وإنما هما عبدان له تعالى كسائر عبيده من الأنبياء وغيرهم؟
[المحتسب: 1/100]
قيل: جاز ذلك لأنه أَطلق عليهما اللفظ الذي يُعتاد حينئذ فيهما، ويطلقه الناس عليهما، فخوطب الإنسان على ذلك باللفظ الذي يعتاده أهل الوقت إذ ذاك، ونظيره قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ}؛ وإنما هو في النار الذليل المهان؛ لكنه خوطب بما يخاطب به في الدنيا، وفيه مع هذا ضرب من التبكيت له، والإذكار بسوء أفعاله، وقد مضى نحو هذا). [المحتسب: 1/101]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وقتادة: [بَيْنَ الْمَرِ وَزَوْجِهِ] بفتح الميم وكسر الراء خفيفة من غير همز.
وقراءة الزهري: [الْمَرِّ] بفتح الميم وتشديد الراء.
وقراءة ابن أبي إسحاق: [الْمُرْء] بضم الميم وسكون الراء والهمز.
وقراءة الأشهب: [الْمِرْء] بكسر الميم والهمز.
قال أبو الفتح: أما قراءة الحسن وقتادة: [بينَ الْمَرِ] بفتح الميم وخفة الراء من غير همز فواضح الطريق؛ وذلك أنه على التخفيف القياسي؛ كقولك في الخبء: هذا الْخَبُ، ورأيت الْخَبَ، ومررت بالْخَبِ، تخذف الهمزة وتلقى حركتها على الباء قبلها. وتقول في الجزء: هذا الْجُزُ، ورأيت الْجُزَ، ومررت بالْجُزِ، وعليه القراءة: [الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ].
وأما قراءة الزهري: [الْمَرِّ] بتشديد الراء فقياسه: أن يكون أراد تخفيف المرء على قراءة الحسن وقتادة، إلا أنه نوى الوقف بعد التخفيف؛ فصار [الْمَر] ثم ثقل للوقوف على قول من قال: هذه خالدّ، وهو يجعلّ، ومررت بفرجّ، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف فأقر التثقيل بحاله، كما جاء عنهم قوله:
[المحتسب: 1/101]
بِبازلٍ وجناء أو عَيْهَلِّ ... كأن مهواها على الكَلْكَلِّ
يريد: العيهل والكلكل، وكبيت الكتاب:
ضخما يحب الخُلق الأضخمَّا
فيمن فتح الهمزة، يريد: الأضخم، فثقل ثم أطلق.
وفي هذا شذوذان؛ أحدهما: التثقيل في الوقف، والآخر: إجراء الوصل مجرى الوقف؛ لأنه من باب ضرورة الشعر.
وأما قراءة ابن أبي إسحاق: الْمُرْء بضم الميم والهمز فلغة فيه، وكذلك من قرأ: الْمِرء بكسر الميم، ومنهم من يضم الميم في الرفع ويفتحها في النصب ويكسرها في الجر فيقول: هذا الْمُرء، ورأيت الْمَرء، ومررت بالْمِرء؛ وسبب صنعة هذه اللغة: أنه قد أُلِف الإتباع في هذا الاسم في نحو قولك: هذا امرؤٌ، ورأيت امرأً، ومررت بامرئٍ، فيتُبع حركة الراء حركة الهمزة، فلما أن تحركت الميم وسكنت الراء لم يمكن الإتباع في الساكن فنُقل الإتباع من الراء إلى الميم؛ لأنها متحركة، فجرى على الميم لمجاورتها الراء ما كان يجري على الراء، كما يقول ناس في الوقف: هذا بكُر، ومررت ببكِر؛ لما جفا عليهم اجتماع الساكنين في الوقف وشحوا على حركة الإعراب أن يستهلكها الوقوف عليها نقلوها إلى الكاف، وكما قال من قال في صُوَّم: صُيَّم، وفي قُوَّم:
[المحتسب: 1/102]
قُيَّم، لما جاورت العين اللام أجراها في الاعتلال مجرى عات وعُتي وجاث وجُثي، وقد ذكرنا في تفسير ديوان المتنبي ما في هذا الحرف؛ أعني: المرء والمرأة من اللغات). [المحتسب: 1/103]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [وَمَا هُمْ بِضَارِّي بِهِ مِنْ أَحَدٍ].
قال أبو الفتح: هذا من أبعد الشاذ؛ أعني: حذف النون هاهنا، وأمثل ما يقال فيه: أن يكون أراد: وما هم بضارِّي أحدٍ، ثم فصَل بين المضاف والمضاف إليه بحرف الجر.
وفيه شيء آخر وهو أن هناك أيضًا "مِن" في من أحد، غير أنه أجرى الجار مجرى جزء من المجرور؛ فكأنه قال: وما هم بضاري به أحد، وفيه ما ذكرنا). [المحتسب: 1/103]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كفر سليمان ولكن الشّياطين كفروا}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ {ولكن} خفيفة {الشّياطين} رفع وكذلك {ولكن الله قتلهم} {ولكن الله رمى} وحجتهم أن العرب تجعل إعراب ما بعد لكن كإعراب ما قبلها في الجحد فتقول ما قام عمرو ولكن أخوك وتصير لكن نسقا إذا كان ما قبلها جحد
وقرأ الباقون {ولكن} بالتّشديد {الشّياطين} نصب وحجتهم في ذلك أن دخول الواو في {ولكن} يؤذن باستئناف الخبر بعدها وأن العرب تؤثر تشديدها ونصب الأسماء بعدها وفي التّنزيل {ولكن الظّالمين بآيات الله يجحدون}
[حجة القراءات: 108]
{ولكن أكثرهم لا يعلمون} {ولكن أكثركم للحق كارهون} أنّها بالتّشديد للواو الّتي في أولها ثمّ أجمعوا على تخفيف لكن الراسخون و{لكن الله يشهد} لما لم يكن في أولها واو
أعلم أن لكن كله تحقيق ولكن بالتّخفيف كلمة استدراك بعد نفي تقول ما جاء عمرو ولكن زيد خرج). [حجة القراءات: 109]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (58- قوله: {ولكن الشياطين} ونظائره، قرأ نافع وابن عامر: {ولكن البر} في الموضعين في هذه السورة بكسر النون، ورفع «البر» مخففًا، وقرأ الباقون بتشديد النون ونصب «البر» وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر: {ولكن الشياطين}، و{لكن الله قتلهم}، و{لكن الله رمى} في الأنفال «17» بتخفيف النون وكسرها ورفع ما بعدها، وقرأ حمزة والكسائي: {ولكن الناس} في يونس «44» بتخفيف النون وكسرها، ورفع «الناس» وقرأ الباقون بتشديد النون في الأربعة وفتحها، ونصب ما بعدها.
59- وحجة من خفف النون، ورفع ما بعد «لكن»، أن «لكن» حرف إذا شددت نونه كانت من أخوات «إن» تنصب الاسم وترفع الخبر، إذا كان «هو» الاسم وإذا خففت نونه كان حرف عطف، لا عمل له، وربما أتى خفيفًا كأن يرتفع ما بعده بالابتداء والخبر، ويجوز أن تعمل «أن» مخففة، كما يعمل الفعل محذوفًا نحو: لم يك زيد قائمًا، ولا يحسن أن تعمل «لكن» مخففة لاختلاف مواقعها، إذ لم تلزم موضعا واحدًا، بل تكون عاطفة، وتكون للاستدراك، مخففة ومشددة، وتعمل عمل «إن» إذا شددت، فلما لم تلزم ولم تعمل مخففة رجع الكلام بعدها إلى أصله، وهو الابتداء والخبر، لأن «إن» وأخواتها إنما يدخلن على الابتداء والخبر، وأيضًا فإنها لما غيرت بالتخفيف، وكانت تُحدث في الكلام معنى الاستدراك فارقت «أن» الخفيفة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/256]
لأنها لا تحدث في الكلام معنى غير التأكيد، فلم تعمل عمل «أن» الخفيفة.
60- وحجة من شدد النون ونصب بها ما بعد «لكن» أنه أجرى الكلام على أصله، فأعمل «لكن» لأنها من أخوات «إن» فشددها على أصلها، وحاول في ذلك معنى التأكيد، الذي فيه معنى الاستدراك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/257]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا} [آية/ 102]:-
بتشديد {لكِنّ} ونصب ما بعده، وكذلك {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ} {وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى} {وَلَكِنَّ الله قَتَلَهُمْ} {وَلَكِنَّ الله رَمَى} جميعًا في الأنفال {وَلَكِنَّ النَّاسَ} في يونس، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب في الستة جميعًا، ونافع أيضًا إلا في حرفين بالتخفيف والرفع فيما بعده «البر» و«البر» وحمزة والكسائي بتشديد هذين الحرفين وتخفيف البواقي بخلاف نافع، وابن عامر بتشديد ما في يونس وتخفيف البواقي.
ووجه قراءة هؤلاء في تشديد {لكِنَّ} ونصب الاسم الذي بعده، هو أن {لكِنَّ} من أخوات إن، فهي تنصب الاسم وترفع الخبر لشبهها بالفعل بانفتاح آخرها كما ينفتح آخر الفعل الماضي، فلذلك عملت إن وأخواتها في المبتدأ والخبر، فنصبت المبتدأ على أنه اسمها ورفعت الخبر على أنه خبرها
[الموضح: 293]
على العكس من باب كان، فقوله {الشَيَاطين} نصب؛ لأنه اسم {لكِنّ}، وقوله {كَفَرُوا} في موضع رفعٍ، لأنه خبرها.
وأما قراءة من قرأ بتخفيف {لكِنْ} ورفع الاسم بعده، فوجهها أن {لكِنْ} مخففة من {لكِنّ} المشددة، ولما خففت زال شبه الفعل عنها بسكون آخرها فبطل عملها الذي استحقته بمشابهة الفعل وصار ما بعدها مرفوعًا بالابتداء، وقد يجوز في إن الذي هو الأصل في الباب الإعمال بعد التخفيف، ولا يجوز ذلك في {لكِنْ} تنبيهًا على أن الأصل في هذه الحروف ترك الإعمال بعد التخفيف، وإنما خفف من خفف البعض، وشدد البعض أخذًا باللغتين). [الموضح: 294]

قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (103)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة وابن بُريدة وأبي السمال: [لَمثْوَبَةٌ].
قال أبو الفتح: قد ذكرنا شذوذ صحتها عن القياس فيما مضى). [المحتسب: 1/103]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:12 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (104) إلى الآية (105) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104) مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}

قوله تعالى: {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (105)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:13 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (106) إلى الآية (110) ]
{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107) أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }

قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (106)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله - عزّ وجلّ -: (ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها... (106).
بضم النون وكسر السين ابن عامر.
(أو ننسها... (106).
بالفتح والهمز ابن كثير وأبو عمرو). [معاني القراءات وعللها: 1/169]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح النون وضمّها وفتح السين وكسرها من قوله جلّ وعزّ: ما ننسخ من آيةٍ [البقرة/ 106].
فقرأ ابن عامر وحده: (ما ننسخ) بضم النون الأولى وكسر السين.
وقرأ الباقون: (ما (ننسخ) بفتح النون الأولى والسين مفتوحة.
قال أبو علي: النسخ في التنزيل: رفع الآية وتبديلها.
ورفعها على ضروب: منها أن ترفع تلاوتها. وحكمها، كنحو ما روي عن أبي بكر الصديق أنّه قال: كنا نقرأ: «لا ترغبوا عن آبائكم إنّه كفر» ومنها أن تثبت الآية في الخطّ ويرتفع حكمها كقوله: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [الممتحنة/ 11]. فهذه ثابتة اللفظ في الخطّ مرتفعة الحكم.
ونسخ حكمها يكون على ضربين: بسنّة أو بقرآن، مثل الآية المنسوخة. فممّا نسخ بالسنّة الآية التي تلوناها- ومنه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/180]
يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ، اللّه أعلم بإيمانهنّ [الممتحنة/ 10].
وأمّا المنسوخ بقرآن مثله؛ فقوله في الأنفال: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم مائةٌ يغلبوا ألفاً [الأنفال/ 65]. فنسخ بقوله: الآن خفّف اللّه عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألفٌ يغلبوا ألفين [الأنفال/ 66] وقوله:
والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ [البقرة/ 240] فهذا نسخ بقوله:
والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً [البقرة/ 234]. ومنها ما يرتفع اللفظ من التنزيل ويثبت الحكم، كالحكم برجم الثيّبين، وما روي عن عمر من أنّه قال: لا تهلكوا عن آية الرّجم، فإنّا كنا نقرأ:
(الشيخ والشيخة فارجموهما).
ومما جاء في التنزيل من ذكر النّسخ قوله: وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته، فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته [الحج/ 52].
[الحجة للقراء السبعة: 2/181]
روي أن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قرأ سورة النجم فأتى على قوله:
أفرأيتم اللّات والعزّى، ومناة الثّالثة الأخرى [الآية/ 19] وصل به: (تلك الغرانقة الأولى. وإن شفاعتهن لترتجى) فسّر المشركون بذلك وقالوا: قد أثنى على آلهتنا. فهذا حديث مرويّ من أخبار الآحاد التي لا توجب العلم. وذهب عامة أهل النظر فيما علمت إلى إبطاله وردّه، وأنّ ذلك لا يجوز على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم على وجه ما رووا، ولو صحّ الحديث وثبت لم يكن في هذا الكلام ثناء على آلهة المشركين، ولا مدح لها. ولكن يكون التقدير فيه: تلك الغرانقة الأولى. وإنّ شفاعتهنّ لترتجى عندكم، لا أنها في الحقيقة كذلك كما قال: ذق إنّك أنت العزيز الكريم [الدخان/ 49] أي: العزيز الكريم عند نفسك. وكما حكي عن من آمن من السحرة سحرة فرعون: وقالوا يا أيّها السّاحر ادع لنا ربّك [الزخرف/ 49]، ومن آمن من السحرة وصدّق موسى. لا يعتقدون فيه أنه ساحر وإنما التقدير: قالوا يا أيها
[الحجة للقراء السبعة: 2/182]
الساحر فيما يذهب إليه فرعون وقومه أو فيما يظهرون من ذلك، وكما قال: وردّ اللّه الّذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً [الأحزاب/ 25] فسمّي ما كان يناله المشركون من المسلمين- لو نالوا- خيرا على ما كان عندهم، وكما قال وقالوا يا أيّها الّذي نزّل عليه الذّكر إنّك لمجنونٌ [الحجر/ 6] فهذا على: يا أيّها الذي نزّل عليه الذّكر عنده وعند من تبعه، ولو اعترفوا بتنزيل الذّكر عليه لم يقولوا ما قالوه، وقال زهرة اليمن:
أبلغ كليبا وأبلغ عنك شاعرها... أنّي الأغرّ وأنّي زهرة اليمن
فأجابه جرير:
ألم تكن في وسوم قد وسمت بها... من حان- موعظة يا زهرة اليمن
وهذا النحو في الكلام الذي يطلق، والمراد به التقييد على صفة واسع غير ضيّق. فعلى هذا كان يكون تأويل هذا الكلام لو صحّ [أو سلم] لراويه، وإن لم يصحّ فالمعنى في قوله: (فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان) أي: يرفعه ويبيّن إبطاله
[الحجة للقراء السبعة: 2/183]
بالحجج الظاهرة. وقد يجوز أن يكون: ألقى الشّيطان في أمنيّته أي: في حال تلاوته، ولا دلالة على أنّ إلقاء ذلك في حال التلاوة، إنما هو من التالي. لكن ممّن يريد التلبيس من شياطين الإنس، فيبيّن الله ذلك، ويظهره عند من نظر واعتبر، ثم يحكم الله آياته عن أن يجوز فيها ما لا يجوز في دينه من تمويه المموّهين، وتلبيس الملبسين، ومن ذلك قوله: هذا كتابنا ينطق عليكم بالحقّ، إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية/ 29] فقوله: (نستنسخ) يجوز أن يكون ننسخ كقوله:
وإذا رأوا آيةً يستسخرون [الصافات/ 14] أي يسخرون، ويجوز أن يكون يستدعي ذلك، واستدعاء ذلك إنّما هو بأمر الملائكة بكتابته وحفظه ليحتجّ عليهم بأعمالهم كقوله: بلى ورسلنا لديهم يكتبون [الزخرف/ 80] وقوله: ما يلفظ من قولٍ إلّا لديه رقيبٌ عتيدٌ [ق/ 18] وإنّ عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون [الانفطار/ 10] وقوله: هنالك تبلوا كلّ نفسٍ ما أسلفت [يونس/ 30] وكقوله: اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً [الإسراء/ 14] وكقوله تعالى: فأولئك يقرؤن كتابهم [الإسراء/ 71] ونحو ذلك من الآي التي تدلّ على أنّ أعمال العباد مكتوبة محصاة.
فأمّا قراءة ابن عامر ما ننسخ من آيةٍ بضمّ النون، فالقول فيها: أنها لا تخلو من ثلاثة أوجه: أحدها: أن يكون أفعل لغة في هذا الحرف كقولهم: حلّ من إحرامه، وأحلّ.
وقولهم: بدأ الخلق وأبدأهم. أو تكون الهمزة للنقل كقولك: قام
[الحجة للقراء السبعة: 2/184]
وأقمته، وضرب وأضربته، ونسخ الكتاب وأنسخته الكتاب. أو يكون المعنى في أنسخت الآية: وجدتها منسوخة، كقولهم:
أحمدت زيدا وأجبنته وأبخلته، أي: أصبته على بعض هذه الأحوال. فلا يجوز أن يكون لغة على حدّ حلّ وأحلّ، وبدأ وأبدأ لأنّا لم نعلم أحدا حكى ذلك، ولا رواه عن أحد، ولا تكون الهمزة لمعنى النقل، لأنّك لو جعلته كذلك، وقدّرت المفعول محذوفا من اللّفظ مرادا في المعنى كقولك: «ما أعطيت من درهم فلن يضيع عندك» لكان المعنى: ما ننزّل عليك من آية أو ننسها نأت بخير منها. وذلك أن إنساخه إياها إنما هو إنزال في المعنى، ويكون معنى الإنساخ: أنه منسوخ من اللوح المحفوظ أو من الذّكر،
وهو الكتاب الذي نسخت الكتب المنزلة منه. وإذا كان كذلك فالمعنى: ما ننزل من آية، أو: ما ننسخك من آية، أو ننسها، لأنّ ابن عامر يقرأ:
أو ننسها نأت بخيرٍ منها أو مثلها [البقرة/ 106] وليس هذا المراد ولا المعنى، ألا ترى أنه ليس كلّ آية أنزلت أتي بآية أذهب منها في المصلحة. وإنما قوله: نأت بخيرٍ منها تقديره نأت بخير من المنسوخ، أي أصلح لكم أيها المتعبّدون. وأقلّ الآي هي المنسوخة وأكثرها غير منسوخ، فإذا كان تأويلها هذا التأويل يؤدي إلى الفساد في المعنى، والخروج عن الغرض الذي قصد به الخطاب؛ علمت أنّ توجيه التأويل إليه لا يصحّ، وإذا لم يصحّ ذلك، ولا الوجه الذي ذكرناه قبله، ثبت أن وجه قراءته إنما هو على القسم الثالث وهو: أنّ قوله
[الحجة للقراء السبعة: 2/185]
ننسخ: نجده منسوخا، وإنما نجده كذلك لنسخه إياه، فإذا كان كذلك كان قوله: ننسخ بضم النون، كقراءة من قرأ ننسخ بفتح النون، يتفقان في المعنى وإن اختلفا في اللفظ.
وقول من فتح النون فقرأ: ما ننسخ من آيةٍ أبين وأوضح.
اختلفوا في ضمّ النون الأولى وترك الهمزة وفتح النون مع الهمز في قوله: ننسأها [البقرة/ 106].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ننسأها: بفتح النون الأولى مع الهمز، وقرأ الباقون: ننسها بضم النون الأولى وترك الهمز.
قال أبو علي: أما قراءة ابن كثير وأبي عمرو: ننسأها بفتح النون وهمز لام الفعل. ففسّر على التأخير، أي:
نؤخرها.
وقال: بعض من لا [ينبغي أن] يعبأ بقوله: إن التأخير هنا لا معنى له. وقد قرأ بذلك من السّلف فيما ذكر، عمر وابن عباس، ومن التابعين إبراهيم وعطاء، وقرأ به عبيد بن عمير.
وروى ابن جريج عن مجاهد ما ننسخ من آيةٍ قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/186]
«نمحاها أو ننسأها» قال: نثبت خطّها ونبدل حكمها.
وقال أبو زيد: نسأت الإبل عن الحوض، فأنا انسؤها نس ءا: إذا أخّرتها عنه. ونسأت الإبل، فأنا أنسؤها نس ءا. إذا زدتها في ظمئها يوما أو يومين أو أكثر من ذلك، وتقول:
انتسأت عنك انتساء. إذا تباعدت عنه، وأنسأته الدّين إنساء:
إذا أخّرته عنه واسم ذلك النّسيئة.
فأما معنى التأخير في قوله: ننسأها فقال ناس من أهل النظر فيه: إنّ التأخير في الآية يتوجّه على ثلاثة أنحاء منها: أن يؤخّر التنزيل فلا ينزل البتّة، ولا يعلم ولا يعمل به، ولا يتلى. فالمعنى على هذا: ما ننسخ من آية أو ننسأها أي: نؤخّر إنزالها، فلا ننزلها.
والوجه الثاني: أن ينزل القرآن فيعمل به ويتلى ثم يؤخّر بعد ذلك بأن ينسخ فترفع تلاوته البتة، ويمحى فلا يتلى ولا يعمل بتأويله وذلك مثل ما روى يونس عن الحسن أنّ أبا بكر الصديق قال: كنا نقرأ: لا ترغبوا عن آبائكم إنه كفر. ومثل ما روي عن زرّ بن حبيش أنّ أبيّا قال له: كم تقرءون الأحزاب؟ قلت: بضعا وسبعين آية. قال: قد قرأتها ونحن مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أطول من سورة البقرة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/187]
والوجه الثالث: أن يؤخّر العمل بالتأويل لأنه نسخ ويترك خطّه مثبتا وتلاوته قرآن يتلى، وهو ما حكي عن مجاهد أنّه قال: يثبت خطّها ويبدل حكمها. وهذا نحو قوله: وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم، فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا [الممتحنة/ 11] فهذا مثبت اللفظ مرفوع الحكم.
وأما من قرأ ننسها من النسيان فإنّ لفظ (نسي) المنقول منه أنسي على ضربين: أحدهما أن يكون بمعنى الترك، والآخر: النسيان الذي هو مقابل الذكر، فمن الترك قوله:
نسوا اللّه فنسيهم [التوبة/ 67] أي: تركوا طاعة الله فترك رحمتهم، أو ترك تخليصهم. وإضافة الترك إلى القديم سبحانه في نحو هذا اتساع. كقوله: وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون [البقرة/ 17] وتركنا بعضهم يومئذٍ يموج في بعضٍ [الكهف/ 99] أي: خلّيناهم وذاك.
وقال جويبر عن الضحّاك في قوله: اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا [الجاثية/ 34] قال: اليوم نترككم في النار كما تركتم أمري.
فأمّا قوله: ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] فقوله نسينا يحتمل الوجهين: يجوز أن يكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر، والخطأ: من الإخطاء الذي
[الحجة للقراء السبعة: 2/188]
ليس التعمّد، ومجاز ذلك على أنهم تعبّدوا بأن يدعوا على أن لا يؤاخذوا بذلك، وإن كانوا قد علموا أن القديم سبحانه لا يؤاخذ بهما.
وقد جاء في الحديث المأثور: «رفع عن أمتي الخطأ والنّسيان وما أكرهوا عليه»
كما جاء في الدعاء قال ربّ احكم بالحقّ [الأنبياء/ 112] وهو سبحانه لا يحكم إلا بالحقّ، وكما قال: ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194] وما وعدهم الله به على ألسنة الرّسل يؤتيهم الله إياه، وكذلك تعبّد الله الملائكة بالدّعاء بما يفعله الله لا محالة فقال: يسبّحون بحمد ربّهم ويؤمنون به، ويستغفرون للّذين آمنوا، ربّنا وسعت كلّ شيءٍ رحمةً وعلماً، فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم إلى قوله: وقهم السّيّئات [غافر/ 9]. وعلى هذا يمكن أن يكون قوله: ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به [البقرة/ 286] الاستطاعة ويكون على قوله لا تحمّلنا ما يثقل علينا ويشقّ وإن كنّا مستطيعين له.
ويجوز أن يكون إن نسينا على: إن تركنا شيئا من اللازم لنا.
ومن التّرك قوله: ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي [طه/ 115] أي ترك ما عهدنا إليه. ومنه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/189]
ولا تكونوا كالّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 19] أي: كالذين تركوا طاعة الله وأمره، فأنساهم أنفسهم، أي: لم يلطف لهم كما يلطف للمؤمنين في تخليصهم أنفسهم من عقاب الله، والتقدير: ولا تكونوا كالذين نسوا أمر الله أو طاعته، فأنساهم تخليص أنفسهم من عذاب الله وجاز أن ينسب الإنساء إليه. وإن كانوا هم الفاعلون له والمذمومون عليه، كما قال:
وما رميت إذ رميت ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17]، فأضاف الرمي إلى الله سبحانه لما كان بقوته، وإقداره، فكذلك نسب الإنساء إليه، لمّا لم يلطف لهذا المنسى كما لطف للمؤمن الذي قد هدي، وكذلك قوله: وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا [الجاثية/ 34] أي:
نسيناكم كما نسيتم الاستعداد للقاء يومكم هذا، والعمل في التخلص من عقابه. وأما قوله: واذكر ربّك إذا نسيت [الكهف/ 24] فعلى معنى التّرك، لأنه إذا كان المقابل للذكر لم يكن مؤاخذا. ومما هو خلاف الذكر، قوله: في كتابٍ لا يضلّ ربّي ولا ينسى [طه/ 52] فقوله: لا يضلّ ربّي هو في تقدير حذف الضمير العائد إلى الموصوف. وقال: فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي [طه/ 88] ففي قوله: نسي، ضمير السامري، أي: ترك التوحيد باتخاذه العجل.
[الحجة للقراء السبعة: 2/190]
وقال بعض المفسرين: نسي موسى ربّه عندنا، وذهب يطلبه في مكان آخر. وأما قوله: اذكرني عند ربّك فأنساه الشّيطان ذكر ربّه [يوسف/ 42] فإن إنساء الشيطان هو أن يسوّل له، ويزيّن الأسباب التي ينسى معها. وكذلك قوله:
فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره [الكهف/ 63] يجوز أن يكون الضمير في أنساه ليوسف أي أنسى يوسف ذكر ربه كما قال: وإمّا ينسينّك الشّيطان فلا تقعد بعد الذّكرى [الأنعام/ 68].
ويجوز أن يكون الضمير في أنساه للذي ظنّ أنه ناج، ويكون ربّه ملكه. وفي الوجه الأول يكون ربّه الله سبحانه، كأنه أنساه الشيطان أن يلجأ إلى الله في شدته. وأما قوله:
فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون [الأنعام/ 41] فالتقدير: تنسون دعاء ما تشركون فحذف المضاف، أي: تتركون دعاءه، والفزع إليه، إنما تفزعون إلى الله سبحانه، ويكون من النسيان الذي هو خلاف الذكر كقوله: وإذا مسّكم الضّرّ في البحر ضلّ من تدعون إلّا إيّاه [الإسراء/ 67] أي تذهلون عنه فلا تذكرونه.
وقال: فاتّخذتموهم سخريًّا حتّى أنسوكم ذكري [المؤمنون/ 110]. فهذا يجوز أن يكون منقولا من الذي بمعنى الترك، ويمكن أن يكون من الذي هو خلاف الذكر،
[الحجة للقراء السبعة: 2/191]
واللفظ على أنهم فعلوا بكم النسيان، والمعنى: أنكم أنتم أيها المتخذون عبادي سخريّا نسيتم ذكري باشتغالكم باتخاذكم إياهم سخريا وبالضحك منهم، أي: تركتموه من أجل ذلك، وإن كانوا ذاكرين وغير ناسين، فنسب الإنساء إلى عباده الصالحين وإن كانوا لم يفعلوه لمّا كانوا كالسبب لإنسائهم، فهذا كقوله: ربّ إنّهنّ أضللن كثيراً من النّاس [إبراهيم/ 36] وعلى هذا قوله: فأنساهم أنفسهم [الحشر/ 19] فأسند النسيان إليه، والمعنى على أنهم نسوا ذلك.
فأمّا قوله: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها [البقرة/ 106] فمنقول من نسيت الشيء: إذا لم تذكره، قال الفراء: والنسيان هنا على وجهين:
أحدهما: على الترك، نتركها ولا ننسخها.
والوجه الآخر: من النسيان كما قال: واذكر ربّك إذا نسيت [الكهف/ 24].
قال أبو علي: قول الفراء نتركها ولا ننسخها، لا يستقيم هنا، وإنما هو من النسيان الذي ينافي الذكر، ألا ترى أنه قد قال:
نأت بخيرٍ منها أو مثلها [البقرة/ 106] وليس كل ما أخّرت من الآي فلم تنسخ ولم يبدل حكمها يؤتى بخير من المنسوخة بآية أو المنسأة، وليس المعنى: ما ننسخ من آية أو نقرّها فلا ننسخها نأت بخير منها، إنما المعنى: أنّا إذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/192]
رفعناها من جهة النسخ بآية، أو الإنساء؛ أتينا بخير من التي ترفع وتبدل على أحد هذين الوجهين، ومعنى نأت بخير منها:
أنه أصلح لمن تعبّد بها، وليس المعنى في قوله: نأت بخير منها، أن الناسخة خير من المنسوخة أو المنساة، أي: أفضل منها، ولكن أصلح لمن تعبّد بها وأدعى لهم.
وقال أبو إسحاق: قال أهل اللغة في معنى: أو ننسها قولين: قال بعضهم: أو ننسها من النسيان، قال: وقالوا:
ودليلنا على ذلك قوله: سنقرئك فلا تنسى، إلّا ما شاء اللّه [الأعلى/ 6] فقد أعلم أنّه شاء أن ينسى، قال: وهذا القول عندي ليس بجائز، لأن الله قد أنبأ النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم في قوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] أنه لا يشاء أن يذهب بما أوحى إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال أبو علي: هذا الذي احتجّ به على من ذهب إلى أنّ ننسها من النسيان، لا يدل على فساد ما ذهبوا إليه من أن ذلك من النسيان، وذلك أن قوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] إنما هو على ما لا يجوز عليه النسخ والتبديل من الأخبار وأقاصيص الأمم، ونحو ذلك مما لا يجوز عليه التبديل. والذي ينساه النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم هو ما يجوز أن ينسخ من الأوامر والنواهي الموقوفة على المصلحة في الأوقات التي يكون ذلك فيها أصلح.
[الحجة للقراء السبعة: 2/193]
ويدلك على أن ننسها من النسيان الذي هو خلاف الذكر من قولك: نسيت الشيء وأنسانيه غيري، قراءة من قرأ: ما ننسخ من آيةٍ أو ننسها. وقراءة من قرأ: أو ننسكها.
فأمّا قوله: تنسها فقراءة سعد بن أبي وقاص. روى هشيم قال: أخبرني يعلى بن عطاء عن القاسم بن ربيعة بن قائف الثقفي قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقرؤها: ما ننسخ من آية أو تنسها. قال: فقلت له: إنّ سعيد بن المسيب يقرأ: أو تنسها أو: ننساها قال: إنّ القرآن لم ينزل على آل المسيّب، قال الله لنبيه: سنقرئك فلا تنسى [الأعلى/ 6] واذكر ربّك إذا نسيت [الكهف/ 24]. وقرأ أيضاً تنسها أوّلها تاء مفتوحة من النسيان: سعد بن مالك، حكاها أبو حاتم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/194]
وأما ننسكها فإنّ الكسائيّ قال: رأيت في مصاحف على قراءة سالم مولى أبي حذيفة: ما ننسخ من آية أو ننسكها النون الأولى مضمومة والثانية ساكنة.
قال أبو علي: فالمفعول المراد المحذوف في قراءة من قرأ أو ننسها مظهر في قراءة من قرأ: ننسكها ويؤكد ذلك ويبيّنه قراءة من قرأ: أو تنسها.
قال أبو عبيد: حدثنا محمد بن الحسن عن قرة بن خالد، عن الضحاك بن مزاحم أنه قرأها: تنسها. ألا ترى أن الفعل يتعدّى إلى مفعولين، فلما بني الفعل للمفعول قام أحدهما مقام الفاعل، فبقي الفعل متعديا إلى مفعول واحد. ويؤكد ذلك أيضا، ما روي من قراءة ابن مسعود: ما ننسك من آية أو ننسخها. وبقراءة ابن مسعود، قرأ الأعمش، وروى عبد الله بن كثير عن مجاهد، قال: قراءة أبيّ: ما ننسخ من آية أو ننسك.
فهذا كله يثبت قول من جعل ننسها على أنه من النسيان، وليس ذلك مما أريد بقوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] لأن ذلك إنما هو فيما لا يجوز عليه النسخ. فأما ما يجوز عليه النسخ والرفع فقد يجوز أن يرفع بالنسيان كما يرفع بالنسخ، وذلك أنه يرفع من التلاوة والخط فينسى، وليس ذلك على وجه سلب النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، شيئاً
[الحجة للقراء السبعة: 2/195]
أوتيه من الحكمة، كما أنّ نسخ ما نسخ بآية أو بسنّة لا يكون سلبا للنبي صلّى الله عليه وآله وسلّم شيئاً أوتيه من الحكمة.
ومما يؤكد ذلك أن سعيداً روى عن قتادة أنه قال:
كانت الآية تنسخ بالآية وينسي الله نبيّه من ذلك ما يشاء. وقد قدمنا أن ننسها لا يجوز أن يكون منقولًا من نسي الذي معناه ترك.
وقول أبي إسحاق وفي قوله: فلا تنسى إلّا ما شاء اللّه [الأعلى/ 6، 7] قولان يبطلان هذا القول الذي حكيناه عن بعض أهل اللغة، أحدهما: فلا تنسى، أي: فلست تترك، إلا ما شاء الله أن تترك. ويجوز أن يكون إلّا ما شاء اللّه أن يلحق بالبشريّة ثم يذكر بعد.
قال أبو علي: فالقول فيه أن قوله: سنقرئك فلا تنسى إن حمل فيه لا تنسى على النسيان الذي يقابل الذكر أشبه من أن يحمل على ما يراد به الترك، وذلك أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كان إذا نزل عليه القرآن أسرع القراءة وأكثرها، مخافة النسيان فقال:
سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه، لرفعه ذلك بالنسيان، كرفعه إياه بالنسخ بآية أو سنّة. ويؤكد ذلك قوله:
لا تحرّك به لسانك لتعجل به، إنّ علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه [القيامة/ 16 - 17] وقوله: ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه [طه/ 114] فحمل قوله: فلا
[الحجة للقراء السبعة: 2/196]
تنسى على الترك، إذا كان يسلك به هذا المسلك- ليس بالوجه. فإن قال: أحمله على الترك دون النسيان. قيل: فإن للذي أنكرت قوله- في أنه من النسيان، وقلت إن قوله: لا يجوز، لقوله: ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك [الإسراء/ 86] وأنه لا يجوز أن يذهب بما أوحي إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم- أن يقول: ولا يجوز له أن يترك شيئا مما أوحى إليه، كما قلت أنت: لا يجوز أن ينسى شيئاً مما يوحى إليه.
فإن جاز أن يترك منه شيئاً؛ جاز أن ينسى منه شيئاً. ولا يكون نسيانه له على وجه الرّفع منكراً، كما لم يكن تركه إذا شاء الله تركه منكراً. فإذا كان الأمر على هذا، فقد صار هو أيضاً إلى مثل ما أنكره من قول من أنكر قوله.
فأمّا قوله: ويجوز أن يكون ما شاء الله مما يلحق بالبشريّة ثم يذكر بعد، فإنّ هذا الضرب من النسيان، وإن كان جائزاً على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم- لما
روي من أنه قام في الثانية، فسبّح به فلم يرجع، وسجد للسهو.
ونحو ما روي من حديث ذي اليدين ونحو ما
روي من أنه صلى فنسي آية، فلما فرغ من صلاته، قال: «أفي القوم أبيّ؟ قيل: نعم يا رسول الله، أنسخت آية كذا أم نسيتها؟ فضحك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/197]
نسيتها».
من حديث عبد الرحمن بن أبزى -.
فليس المراد في هذا الموضع، لأنه في حكم الذكر من حيث كان المأثم فيه موضوعا، وإنما المراد به النسيان الذي هو رفع من التلاوة والخط، وعلى هذا استدلّ به سعد بن أبي وقاص، وعليه حمل ناس من أهل النظر فهذا أولى، وإن كان ما ذهب إليه أبو إسحاق غير ممتنع في غير هذا الموضع.
قال أبو إسحاق: وقالوا في: ننسها قولًا آخر، وهو خطأ. قالوا: أو نتركها، وهذا إنما يقال فيه: نسيت إذا تركت، ولا يقال: أنسيت تركت، وإنما معنى أو ننسها أي:
أو نتركها. أي: نأمركم بتركها.
والقول في ذلك: أنّ من فسر أنسيت بتركت، لا يكون مخطئاً، وذلك أنك إذا قلت: أنساني الشيطان ذكر كذا، فإنه إذا أنساك نسيت، وإذا قال: أضربت زيداً عمراً، فكأن المعنى: جعلت زيداً يضرب عمراً، فزيد يضرب إذا أضربته، كما ينسى إذا أنسيته، فإذا عبّر عن ذلك بما يوجبه فعله لم يكن خطأ، وإن كان إذا عبر عن تنسي بيترك، كان أشدّ موافقة له في اللفظ، ومطابقة فيما تريد من المعنى. ويدلّك على أن ذلك ليس بخطإ، أن المفعول الأول من الفعل المتعدي إلى
[الحجة للقراء السبعة: 2/198]
مفعول واحد، إذا نقل بالهمزة فاعل المفعول الثاني، فإذا عبّرت عنه بنسيت، فقد جئت بشيء دلّ كلامك عليه، كما أنك إذا عبّرت عنه على التحقيق فقد أتيت بما دلّ كلامك عليه.
فإذا اتفقا في دلالة الكلام على كل واحد منهما لم يكن خطأ. وهذا النحو يستعمله المتقدمون من السلف المفسرون وغيرهم كثيراً على أنّ أتركت وإن كان يوجبه القياس فإنّا لم نعلم الاستعمال جاء به، وإذا لم يأت به الاستعمال لم يمتنع أن يكون مثل أشياء من هذا الباب يوجبه القياس، ولم يأت به الاستعمال، فرفض لذلك. ألا ترى أنهم قالوا: دفعت زيداً بعمرو ولم يقولوا: أدفعت.
وذهب سيبويه إلى أن ذلك مرفوض وكذلك صككته بكذا، ورفضوا استعمال الهمزة، وكذلك لقيت زيداً، لم يستعملوا نقله بالهمزة، وليس ألقيت منقولًا من لقيت، ألا ترى أنه لا يتعدى إلا إلى مفعول واحد، وكذلك ميّزت ليس بمنقول من مزت، فإذا رفض النقل بالهمزة في هذه الأشياء ونحوها، أمكن أن يكون تركت أيضاً مثلها فلم تنقل بالهمزة، ويقوي ذلك أنّا لم نعلمه ثبت في سمع كما لم تثبت هذه الأشياء.
فإذا لم يرد به سمع دل ذلك على الرفض له. ففسر الذي فسر ذلك على ما جاء السمع به دون ما أوجبه القياس الذي لعله رآه المفسّر مرفوضاً غير مأخوذ به.
وقوله: وإنما معنى أو ننسها أو: نتركها، أي: نأمركم
[الحجة للقراء السبعة: 2/199]
بتركها؛ فالقول في ذلك: لا يخلو من أن يكون المراد بنتركها الذي يراد به تقرير الشيء، كما تقول: اترك هذا في موضعه، أي: قرره فيه ولا ترفعه منه، أو يكون المراد بنتركها أي: نرفعها ونبدلها. فإن كان المراد الوجه الأول الذي هو التقرير في موضعه، وأن لا يرفع؛ فهذا لا يقع الأمر به، لأنه ليس إلى النبي ولا إلى المسلمين تقرير الآي في مواضعها، إنّما ذلك إلى الله إذا أنزل آية كانت مقرّرة حتى يرفعها بنسخ أو إنساء، فالأمر لنا بتقرير ذلك لا يصحّ إلا أن يراد الاعتقاد، لأن ذلك ثابت غير منسوخ، وهذا الأمر ليس بالكثير الفائدة، لأن النبي، صلّى الله عليه وآله وسلّم، والمسلمين إذا أنزل الله تعالى آية قرروها في موضعها، واعتقدوا أنه قرآن منزل وكلام لرب العالمين قد ثبت، حتى يرفع بنسخ أو نسيان إن كان ذلك يجوز فيها. وإن كان المراد بقوله: نأمركم بتركها، نأمركم بأن ترفعوا ذلك وتتركوه؛ فذلك ليس إلى النبي ولا إلى المسلمين، وإنما تبديلها ونسخها إلى الله، يدل على ذلك قوله: قل ما يكون لي أن أبدّله من تلقاء نفسي إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ [يونس/ 15] فإن قال قائل: ما معنى تركها غير النسخ، وما الفصل بين الترك والنسخ؟ فالجواب في ذلك: أن النسخ أن يأتي في الكتاب نسخ آية بآية فتبطل الثانية العمل بالأولى، ومعنى الترك: أن تأتي الآية بضرب من العمل فيؤمر المسلمون بترك ذلك بغير آية تنزل ناسخة التي قبلها، نحو قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/200]
إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ [الممتحنة/ 10] ثم أمر المسلمون بعد بترك المحنة، فهذا يدل على معنى الترك ومعنى النسخ، وقد بيناه فهذا هو الحق.
قال أبو علي: القول في ذلك أن ما ذكره من أن النسخ: أن يأتي في الكتاب نسخ الآية بالآية فتبطل الثانية العمل بالأولى؛ ليس بحقيقة النسخ، لكن هذا ضرب من النسخ. وقد يكون النسخ للآية والتبديل لها على ضروب أخر، وما أعلم فيه رواية ولا قياسا يدلّ على ما ذكره. وقد ينسخ القرآن عند عامّة الفقهاء بسنّة غير آية، ولا يمتنعون من أن يسموا ذلك نسخا، ولا يمتنع أن يسمى الضرب الذي سماه أبو إسحاق تركا نسخا.
ومما يدل على ذلك أن الزهري روى عن عروة عن عائشة قالت: نزل في أصحاب بئر معونة قرآن منه: «بلّغوا قومنا أن قد لقينا ربّنا فرضي عنا وأرضانا» ثمّ نسخ، فسمّت عائشة ذلك نسخا، ولم تسمّه تركا، وسمته نسخا وإن لم ينسخ بآية فهذا يفسد القسمين اللذين قسمهما. ألا ترى أنها سمت ذلك نسخا، وإن لم ينسخ ذلك بآية ولم تسمه تركا. كما زعم أنه يسمّى نحو قوله: إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ [الممتحنة/ 10] تركا من حيث أمر المسلمون بترك الامتحان لهنّ من غير آية نزلت. ويفسد ذلك أيضا ما روي عن
[الحجة للقراء السبعة: 2/201]
رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من
حديث حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة قال: بينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوما قاعد في أصحابه إذ ذكر حديثا، فقال: ذاك وأن ينسخ القرآن، فقال رجل كالأعرابي:
يا رسول الله ما ينسخ القرآن؟ وكيف ينسخ؟ قال: «يذهب أهله الذين هم أهله، ويبقى رجال كأنهم النعام. يعني في خفة الطير».
فقد سمّى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم هذا نسخا، وإن لم ينسخ بآية فإذا لم يثبت بتسميته النسخ سماع ولا قياس، وجاءت اللغة بخلاف ما ذكره، علمت أنه قول لا وجه له). [الحجة للقراء السبعة: 2/202]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي رجاء: [مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنَسِّهَا] مشددة السين.
وقرأ سعد بن أبي وقاص والحسن ويحيى بن يعمر: [أو تَنْسَها] بتاء مفتوحة.
وقراءة سعيد بن المسيب والضحاك [تُنْسَها] مضمومة التاء مفتوحة السين.
وفي حرف ابن مسعود: [ما نُنْسِكَ من آية أو نَنسخْها].
قال أبو الفتح: أما [نُنَسِّها] فنُفَعِّلها من النسيان، فيكون فَعَّلْت في هذا كأفعلت في قراءة أكثر القراء: {نُنْسِها}، وهو في الموضعين على حذف المفعول الأول؛ أي: أو ننس أحدًا إياها؛ كقولك: ما نَهبُ من قرية أو نُقْطِعُها؛ أي: أو نُقطع أحدًا إياها.
ومن قرأ: [تَنْسَها] أراد: أو تَنْسها أنت يا محمد.
[المحتسب: 1/103]
ومن قرأ [تُنْسَها] مر أيضًا على تنسها أنت، إلا أن الفاعل في المعنى هنا يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون الْمُنْسِي لها هو الله تعالى.
والآخر: أن يكون الْمُنْسِي لها ما يعتاد بني آدم من أعراض الدنيا غمًّا أو همًّا، أو عدواة من إنسان، أو وسوسة من شيطان.
فأما قوله عز اسمه: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فقد يمكن أن يكون ما يحدثه من النسيان أعراض الدنيا مما شاء الله زيادة في التكليف، وتعرضًا بمقاساته ومقاومته للثواب.
ويدل على جواز كون المنسي هو الله تعالى -وإن كانت التلاوة [أو تُنْسَها]- قوله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، وقوله: {خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ} مع قوله: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنْسَانَ}، وقال: {خَلَقَ الْإِنْسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ}.
ويؤكد هذا قراءة ابن مسعود: [ما نُنْسِك من آية]، وفيه بيان، وقد يقول الإنسان: ضُرب زيد، وإن كان القائل لذلك هو الضارب، وهذا يدل على أن الغرض هنا: أن يُعلم أنه مضروب، وليس الغرض أن يعلم مَن ضربه؛ ولذلك بُني هذا الفعل للمفعول، وأُلغي معه حديث الفاعل؛ فقام في ذلك مقامه ورُفع رفعه، فهذه طريق ما لم يُسم فاعله). [المحتسب: 1/104]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها}
قرأ ابن عامر {ما ننسخ من آية} بضم النّون وكسر السّين بمعنى ما ننسخك يا محمّد ثمّ حذف المفعول من النّسخ ومعناه ما آمرك بنسخها أي بتركها تقول نسخت الكتاب وأنسخت غيري أي حملته على النّسخ
وقرأ الباقون ما ننسخ بفتح النّون والسّين من نسخ إذا غير الحكم وبدل يقول نسخ الله الكتاب ينسخه نسخا وهو أن يرفع حكم آية بحكم آخرى قال ابن عبّاس {ما ننسخ من آية} أي ما نبدل من حكم آية بحكم آخر
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (أو ننسأها) أي نؤخر حكمها وحجتهما أن ذلك من التّأخير فتأويله ما ننسخ من آية فنبدل حكمها أو نؤخر تبديل حكمها فلا نبطله نأت بخير منها ويكون المعنى ما نرفع من آية أو نؤخرها فلا نرفعها
[حجة القراءات: 109]
وقرأ الباقون {أو ننسها} بضم النّون وحجتهم في ذلك قراءة أبي وسعد بن أبي وقاص وقرأ أبي بن كعب {أو ننسها} معناه ننسك نحن يا محمّد وقرأ سعد أو تنسها المعنى أو تنسها أنت يا محمّد وقراءتهما تدل على النسيان وإن كان بعضهم أضافه إلى النّبي صلى الله عليه وبعضهم أخبر أن الله فعل ذلك به وليس بين القولين اختلاف لأنّه ليس يفعل النّبي صلى الله عليه إلّا ما وفقه الله له إذا أنساه نسي قال أبو عبيد أو ننسها من النسيان ومعناه أن الله إذا شاء أنسى من القرآن من يشاء أن ينسيه وقال آخرون منهم ابن عبّاس أو ننسها أو نتركها فلا نبدلها
قال علماؤنا يلزم قائله أن يقرأها أو ننسها بفتح النّون ليصح معنى نتركها فأما إذا ضمت النّون فإنّما معناه ننسك يا محمّد وهذا لا يكون بمعنى التّرك
الجواب عنه يقال نسيت الشّيء أي تركته وأنسيته أي أمرت بتركه فتأويل الآية {ما ننسخ من آية} أي نرفعها بآية أخرى ننزلها {أو ننسها} أي نأمرك بتركها). [حجة القراءات: 110]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {ما ننسخ} قرأه ابن عامر بضم النون الأولى، وكسر السين، جعله رباعيًا من «أنسخت الكتاب» على معنى: وجدته منسوخًا، مثل: أحمدت الرجل، وجدته محمودًا، وأبخلت الرجل، وجدته بخيلًا، ولا يجوز أن يكون «أنسخت» بمعنى «نسخت» إذ لم يُسمع ذلك، ولا يحسن أن تكون الهمزة للتعدي، لأن المعنى يتغير، ويصير المعنى: ما نسختك يا محمد من آية وإنساخه إياها إنزالها عليه، فيصير المعنى: ما ننزل عليك من آية أو ننسخها نأت بخير منها، يؤول المعنى إلى أن كل آية أنزلت أتى بخير منها، فيصير القرآن كله منسوخًا، وهذا لا يمكن؛ لأنه لم ينسخ إلا اليسير من القرآن، فلما امتنع أن يكون «أفعل» و«فعل» فيه بمعنى؛ إذ لم يُسمع، وامتنع أن تكون الهمزة للتعدي، لفساد المعنى، لم يبق إلا أن يكون من باب «أحمدته وأبخلته»، وجدته محمودًا وبخيلًا، فأما من قرأه بفتح النون فهو المعنى الظاهر المستعمل، على معنى ما نرفع من حكم آية، ونبقي تلاوتها، نأت بخير منها لكم أو مثلها،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/257]
ويحتمل أن يكون المعنى: ما نرفع من حكم آية وتلاوتها أو ننسكها يا محمد، فلا تحفظ تلاوتها، نأت بخير منها، أو مثلها، أي: نأتي بأصلح منها لكم، وأصلح في التعبد، أو نأت بمثلها في التعبد، وقد بينا هذا في الكتاب «الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه» بأقسامه ومعانيه، والاختيار فتح النون في «ننسخ» لأنه الأصل، ولأنه ظاهر التلاوة، ولأنه قد أجمع عليه القراء، وهو اختيار أبي عبيد وغيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/258]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (62- قوله: {أو ننسها} قرأه أبو عمرو وابن كثير بفتح النون الأولى، وفتح السين والهمز، جعلاه من التأخير على معنى: أو نؤخر نسخ لفظها نأت بخير منها، فهو من: نسأ الله في أجلك، أي: أخَّر فيه، وتأخير النسخ على وجهين: أحدهما أن يؤخر التنزيل للآية، فلا ينزل من اللوح المحفوظ، والثاني: أن ينزل القرآن، فيُتلى، ويُعمل به، ثم يؤخر، فينسخ العمل به دون اللفظ أو ينسخ العمل به واللفظ، أو ينسخ اللفظ ويبقى العمل. وكل هذا قد فُسر ومُثل وبُين في كتاب «الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه»، وبه قرأ عمر وابن عباس ومجاهد وأبي بن كعب وعبيد بن عمير
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/258]
والنخعي وعطاء بن أبي رباح وابن محيصن، وقرأ الباقون بضم النون الأولى وكسر السين من غير همز، جعلوه من النسيان الذي هو ضد الذكر، على معنى: أو ننسكها يا محمد، فلا تذكرها، فهو من النسيان الذي هو ضد الذكر، نقل بالهمزة فتعدى الفعل إلى مفعولين، وهما «النبي» والهاء، الذي هو ضد الذكر، فيكون المعنى إذا رفعنا «آية» بـ «نسخ» أو بـ «نسيان» نقدره عليك يا محمد، أتينا بخير منها في الصلاح لكم، وأو بمثلها باللفظين عما في اللوح المحفوظ، فإن كان الإخبار عمّا قد نزل وتلي من القرآن، فلا يصلح لقوله: {نأت بخير منها}، والأقوى البين أن يكون من النسيان الذي هو ضد الذكر، فيكون المعنى إذا رفعنا «آية» بـ «نسخ» أو بـ «نسيان» نقدره عليك يا محمد، أتينا بخير منها في الصلاح لكم، أو بمثلها في التعبد، ويدل على أنه من النسيان قوله: {سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله} «الأعلى 6، 7» فقد أعلمه الله أنه لا ينسى شيئًا، مما نزل عليه، إلا ما شاء الله أن ينساه، مما قدر أن يبدله بأصلح منه للعباد، أو بمثله، ويدل على أنه من النسيان أن الضحاك قرأ: «أو تنسها» بتاء مضمومة، وفتح السين، فهو من النسيان لا يجوز غيره، وقد قرأ ابن مسعود: «ما ننسك من آية أو ننسخها» فهذا أيضًا من النسيان لا غير، وأيضًا فإن «تنسى» الذي بمعنى الترك، لم يستعمل «أفعل» إنما استعمل فيه «فعل» فكان يجب أن تكون القراءة بفتح النون الأولى والسين، ولم يأت ذلك والاختيار «ننسها» من النسيان، لصحة المعنى، ولأن جماعة القراء عليه، وبه قرأ ابن المسيب وأبو عبد الرحمن وقتادة والأعرج وأبو جعفر يزيد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/259]
وشيبة والضحاك وابن أبي إسحاق وعيسى والأعمش). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ} [آية/ 106]:-
بضم النون وكسر السين، قرأها ابن عامر وحده.
ووجه ذلك أن معناه ننسخك إياها، أي نأمرك بإزالة حكمها بإنزال آيةٍ ناسخةٍ، وهو من باب الحمل على الشيء، فمعنى {نُنْسِخْ} أي نحملك على النسخ.
والنسخ في اللغة: الإزالة، وقيل معناه نجده منسوخًا كقولك: أحمدت الرجل، إذا وجدته محمودًا، وإنما يجده منسوخًا لنسخه إياه، فهو يرجع في المعنى إلى قراءة الباقين.
[الموضح: 294]
وقرأ الباقون {نَنْسَخْ} بفتح النون والسين.
ومعناه ظاهر؛ لأن الله تعالى ينسخ الآيات، فهو الناسخ). [الموضح: 295]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {أَوْ نَنْسَأْهَا} [آية/ 106]:-
بفتح النون الأولى وبالهمزة، قرأها ابن كثير وأبو عمرو، ومعناه: نؤخرها، من قولهم: نسأت الإبل عن الحوض أي أخرتها.
وقرأ الباقون {نُنْسِها} بضم النون الأولى وكسر السين غير مهموز.
ومعناه: ننسكم إياها، وهو منقول من نسي الذي هو خلاف ذكر، وقيل بل من نسي إذا ترك أي نأمركم بتركها، وهو أيضًا من باب الحمل على الشيء كننسخ، قال:
11- لست بناسيها ولا منسيها
أي آمر بتركها). [الموضح: 295]

قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (107)}

قوله تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كما سئل موسى من قبل... (108).
اتفق القراء على التثقيل والهمز، إلا ما روي عن ابن عامر أنه قرأ: (سئل) مهموزا بغير إشباعٍ.
[معاني القراءات وعللها: 1/171]
والقراءة بالهمز.
ومن قرأ (سئل) فإنه كان يجعلها بين بين، يكون بين الهمز والياء، فتلفظ (سئل)، وهنا إنما تحكمه المشافهة -، لأن الكتاب فيه غير فاصل بين المحقق والمليّن). [معاني القراءات وعللها: 1/172]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد بن موسى: كما سئل [البقرة/ 108] مضمومة السين، مكسورة الهمزة في قراءتهم جميعاً.
قال: وروى هشام بن عمّار بإسناده عن ابن عامر:
سئل مهموزة بغير إشباع.
[الحجة للقراء السبعة: 2/217]
قال أبو علي: القول في سئل: أنّ في سألت لغتين:
سألت أسأل، العين همزة، وهي الفاشية الكثيرة وسلت أسال لغة، وعليها جاء قول الشاعر:
سألت هذيل رسول الله فاحشة... ضلّت هذيل بما قالت ولم تصب
فحمل سيبويه سالت على قلب الهمزة ألفا للضرورة.
كما قال الآخر:
راحت بمسلمة البغال عشيّة... فارعي فزارة لا هناك المرتع
قال سيبويه: لأن الذي قال: سالت هذيل، ليست لغته سلت أسال. وحكى أبو عثمان عن أبي زيد: هما يتساولان، في هذه اللغة، فدل أن العين منها واو، وليست المهموزة. ومن قرأ: قال قد أوتيت سؤلك يا موسى [طه/ 36] لا ينبغي أن يحمله على هذه اللغة لقلّتها، ولكن على تخفيف الهمز، والتحقيق سؤلك.
والقول في قراءتهم: كما سئل مثل سعل، أنه على تحقيق الهمزة، وقياس من خفف الهمزة أن يجعل هذه بين
[الحجة للقراء السبعة: 2/218]
بين، فيقول، سئيل، ومعنى بين بين، أن يجعلها بين الهمزة وبين الحرف الذي منه حركتها.
فإن قلت: فهلّا كان تخفيف الهمزة في سئل أن يقلبها واواً إذا انضم ما قبلها وانكسرت، كما أنها إذا كانت على عكس هذا قلبتها واواً في قولك: جون والتودة، وفي المنفصل: هذا غلام وبيك.
فالقول: إن الهمزة في سئل لم يلزم قلبها واواً، كما لزم في جون ونحوه، لأن جون إنما لزم قلبها واواً، لأنك في التخفيف لا تخلو من أن تقلبها واواً، أو تجعلها بين بين، فلم يصحّ أن تجعلها في جون بين بين، لأنك لو جعلتها كذلك نحوت بها نحو الألف، فلا يكون ما قبل الألف ضمة، كما لم يكن قبلها كسرة؛ فلما لم تكن قبلها ضمة، كذلك لم يكن قبل ما قرّبته منها. فلما لم يكن ذلك، أخلصتها واواً إذا انضم ما قبلها، كما أخلصتها ياء إذا انكسر ما قبلها في نحو: مير وذيبة وذيب، وفي المنفصل: من غلام يبيك، ولم يلزم ذلك في سئل، ولم يمتنع أن يجعلها بين بين، لأنّ في الكلام ياء مكسورة قبلها ضمّة نحو: صيد في هذا المكان، وعيي بالأمر، وحيي في هذا المكان. كما لم يلزم أن تبدل منها الياء في عكس ذئب، ومئر، وهو نحو: سئم، وجئز، ومن المنفصل نحو: وإذ قال إبراهيم [البقرة/ 126] لأن في الكلام
[الحجة للقراء السبعة: 2/219]
مثل: صيد، وعيي. فلذلك جعلت التي في سئل بين بين ولم تقلبها). [الحجة للقراء السبعة: 2/220]

قوله تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)}

قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:15 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (111) إلى الآية (113) ]

{وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111) بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113) }


قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (111)}

قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (112)}

قوله تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (113)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:18 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (114) إلى الآية (119) ]

{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115) وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116) بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117) وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}


قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (114)}

قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (115)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ (116)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): ( (قالوا اتّخذ اللّه ولدًا... (116).
بغير واوٍ ابن عامر.
والباقون بالواو.
قال أبو منصور: المعنى واحد في إثبات الواو ها هنا. وحذفها، غير أن القراءة بالواو أعجب إليّ لأنه زيادة حرف يستوجب به القارئ عشر حسناتٍ.
والواو تعطف بها جملة على جملة). [معاني القراءات وعللها: 1/170]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ ابن عامر وحده قالوا اتّخذ اللّه ولداً سبحانه [البقرة/ 116] بغير واوٍ. وكذلك هي في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون بواو.
قال أبو علي: حذف الواو في ذلك يجوز من وجهين:
أحدهما أن الجملة التي هي قالوا اتّخذ اللّه ولداً ملابسة بما قبلها، من قوله: ومن أظلم ممّن منع مساجد اللّه أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها [البقرة/ 114] ومن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه: جميع المتظاهرين على الإسلام من صنوف الكفار، لأنهم بقتالهم المسلمين وإرادتهم غلبتهم والظهور عليهم مانعون لهم من مواضع متعبداتهم، والمساجد
[الحجة للقراء السبعة: 2/202]
هي جميع المواضع التي يتعبد فيها.
وقد روي عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا».
وإذا كان التأويل على هذا، فالذين قالوا: اتخذ الله، من جملة هؤلاء الذين تقدم ذكرهم، فيستغنى عن الواو لالتباس الجملة بما قبلها كما استغني عنها في نحو قوله: والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا أولئك أصحاب النّار هم فيها خالدون [البقرة/ 39] ولو كان وهم فيها خالدون، كان حسنا إلا أن التباس إحداهما بالأخرى وارتباطها بها أغنى عن الواو. ومثل ذلك قوله: سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] ولم يقل: ورابعهم، كما جاء: ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] ولو حذفت الواو منها كما
حذفت من التي قبلها واستغني عن الواو بالملابسة التي بينها كان حسنا.
والوجه الآخر أن تستأنف الجملة فلا تعطفها على ما تقدم). [الحجة للقراء السبعة: 2/203]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ( {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه} 116
وقرأ ابن عامر {قالوا اتخذ الله} بغير واو كذا مكتوب
[حجة القراءات: 110]
مصاحف أهل الشّام وحجته أن ذلك قصّة مستانفة غير متعلقة بما قبلها كما قال {وإذ قال موسى لقومه} ثمّ قال {قالوا أتتخذنا هزوا} وقرأ الباقون {وقالوا} بالواو لأنّه مثبتة في مصاحفهم وهي عطف جملة على جملة). [حجة القراءات: 111]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (63- قوله: {وقالوا اتخذ الله ولدا} قرأه ابن عامر بغير واو، جعله مستأنفًا غير معطوف على ما قبله، وقد علم أن المخبر عنه بهذا القول هو المخبر عنه، بمنع ذكر الله في المساجد، والسعي في خرابها، وكذلك هي في مصاحب أهل الشام بغير واو، وقرأ الباقون: «وقالوا» بالواو على العطف على ما قبله؛ لأن الذين أخبر الله عنهم بمنع ذلك في المساجد، والسعي في خرابها هم الذين قالوا: اتخذا الله ولدا، فوجب عطف آخر الكلام على أوله، لأنه كله إخبار عن النصارى، وكذلك هي في جميع المصاحف بالواو إلا في مصحف أهل الشام، وإثبات الواو هو الاختيار، لثباتها في أكثر المصاحف، ولأن الكلام عليه كله قصة واحدة، ولإجماع القراء عليه سوى ابن عامر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {وَقَالُوا اتَّخَذَ الله وَلَدًا} [آية/ 116]:-
بغير واو عطف، قرأها ابن عامر وحده.
ووجه ذلك أنه استأنف الجملة، ولم يجعلها معطوفة على ما قبلها.
ويجوز أن يكون لما وجد بين الجملتين هي والتي قبلها ملابسة، وتلك أن الذين قالوا اتخذ الله ولدًا هم الذين منعوا مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، استغني بهذه الملابسة عن الواو، كما في قوله تعالى {ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ} {سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ} للملابسة، ولو ألحقها بهذه لكان حسنًا، كما لو حذفها من تلك لكان حسنًا.
وقرأ الباقون {وَقَالُوا} بالواو.
ووجهه واضح، وذلك أنه عطف جملة على جملة بالواو، فهو الأظهر جوازًا، مع أن المعنى في القراءتين لا يتغير). [الموضح: 296]

قوله تعالى: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (كن فيكون (117)
اتفق القراء على رفع النون عن قوله: (فيكون) في جميع القرآن، إلا ابن عامر فإنه قرأ: (فيكون) بالنصب في جميع القرآن إلا في ثلاثة مواضع: موضعين في آل عمران، قوله: (فيكون طيرًا) بالرفع،
وقوله: (فيكون (59) الحقّ من ربّك)، والثالث في الأنعام، قوله: (ويوم يقول كن فيكون قوله الحقّ) بالرفع.
[معاني القراءات وعللها: 1/172]
وتابع الكسائي ابن عامر على نصب النون في موضعين؛ رأس أربعين من النحل (فيكون)، وآخر يس: (يكون).
قال أبو منصور: من قرأ: (فيكون) بالرفع فمعناه: فهو يكون، أو: فإنه يكون.
وقال الزجاج: من قرأ: (فيكون) فإن شئت عطفته على (يقول)، وإن شئت فعلى الإيناف، المعنى: فهو يكون.
قال: ومعنى قوله: (إنما يقول له كن فيكون): إنما يريد فيحدث كما أراد.
وقيل معناه: إنما يقول له (كن فيكون) يقول هل وإن لم يكن حاضرا: (كن) لأن ما هو معلوم عند الله كونه بمنزلة الحاضر.
وقال بعض النحويين: (إنّما يقول له): من أجله.
فكأنه إنما يقول من أجل إرادته إياه: (كن)، أي: احدث فيحدث.
ومن قرأ: (فيكون) بالنصب فهو على جواب الأمر بالفاء، كما تقول: زرني فأزورك.
وهذا عند القراء ضعيف، والقراءة بالرفع هو المختار). [معاني القراءات وعللها: 1/173]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله عز وجل: كن فيكون [البقرة/ 117] في فتح النون وضمّها، فقرأ ابن عامر وحده: كن فيكون بنصب النون.
وقرأ الباقون: فيكون رفعا.
قال أبو علي: لا يخلو قوله: يقول [البقرة/ 117] من أن يكون المراد به القول الذي هو كلام ونطق، أو يكون
[الحجة للقراء السبعة: 2/203]
الذي يتّسع فيه فلا يراد به النطق ولا الكلام، ولا الظنّ ولا الرأي ولا الاعتقاد، ولكن نحو قول الشاعر:
قد قالت الانساع للبطن الحق ونحو قول العجاج في صفة ثور:
فكّر ثمّ قال في التفكير إنّ الحياة اليوم في الكرور وقول الآخر:
امتلأ الحوض وقال قطني فلا يكون على القول الذي هو خطاب ونطق، لأن المنتفي الذي ليس بكائن لا يخاطب كما لا يؤمر، فإذا لم يجز ذلك حملته على نحو ما جاء في الأبيات التي قدمت ونحوها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/204]
وأما قوله: كن فإنه وإن كان على لفظ الأمر فليس بأمر، ولكن المراد به الخبر، كأن التقدير يكوّن فيكون وقد قالوا: أكرم بزيد، فاللفظ لفظ الأمر، والمعنى والمراد: الخبر، ألا ترى أنه بمنزلة: ما أكرم زيدا، فالجار والمجرور في موضع رفع بالفعل. وفي التنزيل: قل من كان في الضّلالة فليمدد له الرّحمن مدًّا [مريم/ 75] فالتقدير: مدّه الرحمن. وإذا لم يكن قوله: كن أمرا في المعنى، وإن كان على لفظه؛ لم يجز أن تنصب الفعل بعد الفاء بأنه جوابه، كما لم يجز النصب في الفعل الذي تدخله الفاء بعد الإيجاب نحو: آتيك فأحدّثك، إلّا أن يكون في شعر نحو قوله:
ويأوي إليه المستجير فيعصما ومما يدل على امتناع النصب في قوله: فيكون أن الجواب بالفاء مضارع للجزاء. يدلّ على ذلك أنه يؤول في المعنى إليه. ألا ترى أن: اذهب فأعطيك معناه: إن تذهب أعطيتك [والأجود إن ذهبت أعطيتك] فلا يجوز: اذهب فتذهب. لأن المعنى يصير: إن ذهبت ذهبت، وهذا كلام لا يفيد، كما يفيد إذا اختلف الفاعلان والفعلان، نحو: قم فأعطيك، لأن المعنى: إن قمت
[الحجة للقراء السبعة: 2/205]
أعطيتك، ولو جعلت الفاعل في الفعل الثاني فاعل الفعل الأول، فقلت: قم فتقوم، أو: أعطني فتعطيني، على قياس قراءة ابن عامر لكان المعنى: إن قمت تقم، وإن تعطني تعطني، وهذا كلام في قلة الفائدة على ما تراه، وإذا كان الأمر على هذا لم يكن ما روي عنه من نصبه فيكون متجها.
وقد يمكن أن تقول في قول ابن عامر: إنّ اللفظ لما كان على لفظ الأمر وإن لم يكن المعنى عليه حملته على صورة اللفظ، فقد حمل أبو الحسن نحو قوله: قل لعبادي الّذين آمنوا يقيموا الصّلاة [إبراهيم/ 31] ونحو ذلك من الآي، على أنه أجري مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن جوابا له في الحقيقة. فكذلك على قول ابن عامر: يكون قوله: فيكون بمنزلة جواب الأمر نحو: ايتني فأحدّثك، لما كان على لفظه، وقد يكون اللفظ على شيء والمعنى على غيره، ألا ترى أنهم قد قالوا: ما أنت وزيدا؟ والمعنى: لم تؤذيه؟ وليس ذلك في اللفظ.
ومثل قوله: كن فيكون في أن المعطوف ليس محمولا على لفظ الأمر وإن كان قد وليه، قوله: فلا تكفر فيتعلّمون [البقرة/ 102] ليس قوله: فيتعلّمون بجواب لقوله: فلا تكفر ولكنه محمول على قوله: يعلمون فيتعلمون، أو يعلّمان فيتعلمون منهما، إلا أن قوله: فلا تكفر في هذه الآية نهي عن الكفر، وليس قوله: كن من قوله: كن فيكون أمرا.
ومن ثمّ أجمع الناس على رفع يكون، ورفضوا فيه النصب،
[الحجة للقراء السبعة: 2/206]
إلا ما روي عن ابن عامر وهو من الضعف بحيث رأيت، فالوجه في يكون الرفع. فإن قلت: فهلا قلت: إن العطف في قوله:
فيكون على يقول دون ما قلت من أنه معطوف على كن، ألا ترى أنه عطف على الفعل الذي قبل كن في قوله: إنّما قولنا لشيءٍ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون [النحل/ 40] حمل النصب في فيكون على الفعل المنتصب ب (أن). فكما جاز عطفه على الفعل المنتصب بأن الذي قبل قوله: كن فكذلك يجوز أن يحمل المرتفع عليه، كأنه قال: فإنما يقول فيكون.
قيل: ما ذكرناه أسوغ مما قلت، وأشدّ اطّرادا، ألا ترى أن قوله: إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون [آل عمران/ 60] لا يستقيم هذا المذهب فيه، لأن قال ماض، وفيكون مضارع فلا يحسن عطفه عليه لاختلافهما. فإن قلت: فلم لا يجوز عطف المضارع على الماضي، كما جاز عطف الماضي على المضارع في قوله:
ولقد أمرّ على اللّئيم يسبّني... فمضيت ..........
[الحجة للقراء السبعة: 2/207]
ألا ترى أنه مضارع ومضيت ماض، فكما جاز عطف الماضي على المضارع كذلك يجوز عطف فيكون على خلقه. قيل: لا يكون هذا بمنزلة البيت، لأن المضارع فيه في معنى المضي، والمراد به: ولقد مررت فمضيت، فجاز عطف الماضي على المضارع، من حيث أريد بالمضارع المضيّ وليس المراد بقوله: فيكون في الآية المضيّ، فيعطف فيها على الماضي. فإذا كان كذلك تبينت بامتناع العطف في قوله: ثمّ قال له كن فيكون. على أن العطف في قوله:
فإنّما يقول له كن فيكون إنما هو على كن، الذي يراد به يكوّن، فيكون خبر مبتدأ محذوف كأنه: فهو يكون.
فإن قلت؛ فهلا قلت: إن العطف على كن إذا كان المراد به يكوّنه غير سهل، لأنّ قوله فيكون حينئذ قليل الفائدة، ألا ترى أن يكوّنه يدل على أنه يكون. قيل له: ليس بقليل الفائدة، لأن المعنى: فيكون بتكوينه، أي بإحداثه، لا يكون حدوثه ووجوده على خلاف هذا الوجه، فإذا كان كذلك كان مفيدا، كما أن قولهم: لأضربنّه كائن ما كان، بالرفع في كائن كلام قد استعملوه وحسن عندهم، وإن كان قد علم أنّ ما يكون فهو كائن، ولكن لما دخله من المعنى أي لا أبالي بذلك، حسن، فاستعمل، ولم يكن عندهم بمنزلة ما لا يفيد
[الحجة للقراء السبعة: 2/208]
فيطرح فكذلك لمّا كان المعنى في الآية يكون بإحداثه جاز وحسن، ولم يكن بمنزلة ما لا يفيد.
...). [الحجة للقراء السبعة: 2/209]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون}
قرأ ابن عامر {فيكون} نصب كأنّه ذهب إلى أنه الأمر تقول أكرم زيدا فيكرمك
وقرأ الباقون بالرّفع قال الزّجاج رفعه من جهتين إن شئت على العطف على يقول وإن شئت على الاستئناف المعنى فهو يكون). [حجة القراءات: 111]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {كن فيكون} قرأه ابن عامر بالنصب ومثله في آل عمران {فيكون، ويعلمه}«47، 48» وفي النحل: {فيكون. والذين هاجروا} «40، 41»، وفي مريم: {فيكون. وإن الله} «35، 36» وف ياسين: {فيكون. فسبحان} «82، 83» وفي المؤمن: {فيكون. ألم تر} «68، 69» ووافقه الكسائي على النصب في النحل وياسين، وقرأ ذلك الباقون بالرفع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/260]
65- فوجه النصب مشكل ضعيف، وذلك أنه جعله جوابًا بالفاء للفظ «كن» إذا كان لفظه لفظ الأمر، وإن كان معناه غير الأمر فهو ضعيف، لأن «كن» ليس بأمر، إنما معناه الخبر، إذ ليس ثم مأمور، يكون «كن» أمرًا له، والمعنى: فإنما يقول له: كن فيكون فهو يكون، ويدل على أن «فيكون» ليس بجواب لـ «كن» أن الجواب بالفاء، مضارع به الشرط، وإلى معناه يؤول في التقدير، فإذا قلت: اذهب فأكرمك، فمعناه: إن تهذب فأكرمك، ولا يجوز أن تقول: اذهب فتذهب؛ لأن المعنى يصير: إن تذهب تذهب، وهذا لا معنى له، وكذلك «كن فيكون» يؤول معناه، إذا جعلت «فيكون» جوابًا أن تقول له: أن يكون فيكون، ولا معنى لهذا؛ لأنه قد اتفق فيه الفاعلان؛ لأن الضمير الذي في «كن» وفي «يكون» الشيء ولو اختلفا لجاز كقولك: اخرج فأحسن إليك، أي: إن تخرج أحسنت إليك، ولو قلت: قم فتقوم، لم يحسن، إذ لا فائدة فيه؛ لأن الفاعلين واحد، ويصير التقدير: إن تقم تقم، فالنصب في هذا على الجواب بعيد في المعنى.
66- ووجه قراءة من رفع «فيكون» في ذلك أنه جعل «فيكون» منقطعًا مما قبله مستأنفًا؛ لما امتنع أن يكون جوابًا في المعنى، رفعه على الابتداء، فتقديره: فهو يكون، وهو وجه الكلام، والاختيار، وعليه جماعة القراء وبه يتم المعنى، فأما اختصاص الكسائي للنصب في النحل وياسين فهو حسن قوي، لأن فيه «أن يقول» فعطف «فيكون» على «يقول»، وكذلك آخر «يس» فيه «أن يقول» فعطف على «يقول» وهو حسن، لكن الرفع عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/261]
الجماعة، وهو على الاستئناف والقطع والابتداء كالأول). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/262]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {كُنْ فَيَكُون} [آية/ 117]:-
بالنصب، قرأها ابن عامر وحده، وكذلك في جميع القرآن إذا كان قبله {كُنْ}، إلا في موضعين في آل عمرن {ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} بالرفع،
[الموضح: 296]
وفي الأنعام {كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ} بالرفع.
ووجه النصب ههنا أنه لما وقع قبله لفظ أمر أجراه مجرى جواب الأمر، وإن لم يكن جوابًا للأمر؛ لأنه ليس المعنى في هذا الموضع على الجواب، ألا ترى أنك إذا قلت: إئتني فأحدثك، كان جوابًا؛ لأن الحديث سببه الإتيان، والمعنى: إن تأتني أحدثك، ولا يستقيم ذلك ههنا، فبطل أن يكون جوابًا، إلا أنه شبهه بالجواب لفظًا فنصبه.
وقرأ الباقون {فَيَكُونُ} بالرفع.
عطفًا على قوله {يَقُولُ}.
ويجوز أن يحمل على جملة مستأنفة، والتقدير: فهو يكون). [الموضح: 297]

قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ لَوْلَا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آَيَةٌ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ قَدْ بَيَّنَّا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (118)}

قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119).
حدثنا السعدي قال: حدثنا على بن خشرم عن عيسى عن يونس عن موسى عن عبيدة عن محمد بن كعب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ليت شعري: ما فعل أبواي.
فأنزل الله: (إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرًا ونذيرًا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم (119).
قرأ نافع ويعقوب: (ولا تسأل) بفتح التاء وجزم اللام.
وقرأ الباقون: (ولا تسأل) بضم التاء واللام.
[معاني القراءات وعللها: 1/170]
قال أبو منصور: من قرأ: (ولا تسأل) - بالجزم - جزمه بـ (لا) النهي، وله معنيان: أحدهما: أن الله أمره بترك المسألة عنهم.
والآخر: أن في النهي تفخيما مما أعدّ الله لهم من العقاب، كما يقول لك القائل الذي يعلم أنك تحب أن يكون من تسأله عنه في حالٍ جميلة أو قبيحة فيقول: لا تسأل عن فلان، أي: قد صار إلى أكثر مما تريد، والله أعلم بما أراد.
وفيه وجهٌ آخر: أن يكون الله أمره بترك المسألة عنه.
ومن قرأ: (ولا تسأل عن أصحاب الجحيم)
فإنه بمعني: ولست تسأل عن أصحاب الجحيم). [معاني القراءات وعللها: 1/171]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضم التاء ورفع اللام، وفتحها وجزم اللام من قوله جل وعز: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم [البقرة/ 119] فقرأ نافع وحده: ولا تسئل مفتوحة التاء مجزومة اللام.
وقرأ الباقون ولا تسئل مضمومة التاء، مرفوعة اللام.
قال أبو علي: القول في سألت إنه فعل يتعدى إلى مفعولين مثل أعطيت قال:
سالتاني الطّلاق أن رأتاني... قلّ مالي قد جئتماني بنكر
وقال:
سألناها الشفاء فما شفتنا... ومنّتنا المواعد والخلابا
[الحجة للقراء السبعة: 2/209]
وأنشد أحمد بن يحيى:
سألت عمرا بعد بكر خفّا والدلو قد تسمع كي تخفّا ويجوز أن يقتصر فيه على مفعول واحد، فإذا اقتصرته في التعدي على مفعول واحد كان على ضربين:
أحدهما: أن يتعدى بغير حرف، والآخر: أن يتعدى بحرفٍ.
فأما تعديه بغير حرف فقوله: وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا [الممتحنة/ 10]. وقال: فسئلوا أهل الذّكر [النحل/ 43].
وأما تعديه بحرف؛ فالحرف الذي يتعدي به حرفان:
أحدهما الباء كقوله: سأل سائلٌ بعذابٍ [المعارج/ 1].
وقال:
وسائلة بثعلبة بن سير... وقد أودت بثعلبة العلوق
[الحجة للقراء السبعة: 2/210]
والآخر: عن كقولك: سل عن زيد.
فإذا تعدى إلى مفعولين كان على ثلاثة أضرب: أحدها:
أن يكون بمنزلة أعطيت، وذلك كقوله:
سألت زيداً بعد بكر خفّا فمعنى هذا: استعطيته، أي: سألته أن يفعل ذلك.
والآخر: أن يكون بمنزلة: اخترت الرجال زيداً، وذلك قوله:
ولا يسئل حميمٌ حميماً [المعارج/ 10] فالمعنى هنا: ولا يسأل حميم عن حميمه، لذهوله عنه واشتغاله بنفسه، كما قال:
لكلّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه [عبس/ 37]. فهذا على هذه القراءة كقوله: وسئلهم عن القرية الّتي كانت حاضرة البحر [الأعراف/ 162].
والثالث: أن يتعدّى إلى مفعولين، فيقع موقع المفعول الثاني منهما استفهام، وذلك كقوله: سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آيةٍ بيّنةٍ [البقرة/ 211] وقوله: وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون [الزخرف/ 45].
فأما قول الأخطل:
[الحجة للقراء السبعة: 2/211]
واسأل بمصقلة البكريّ ما فعلا فما: استفهام، وموضعه نصب بفعل، ولا يكون جراً على البدل من مصقلة على تقدير: سل بفعل مصقلة، ولكن تجعله مثل الآيتين اللتين تلوناهما، وإن شئت جعلته بدلًا، فكان بمنزلة قوله: فسئلوا أهل الذّكر [النحل/ 43] ولو جعلت المفعول مراداً محذوفاً من قوله: واسأل بمصقلة، فأردت:
واسأل الناس بمصقلة ما فعل؟ لم يسهل أن يكون ما استفهاماً، لأنه لا يتصل بالفعل، ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه فلا تقع الجملة التي هي استفهام موقع أحدهما كما تقع موقعه في قوله: سل بني إسرائيل كم آتيناهم [البقرة/ 211]. فإن جعلت ما موصولة، وقدرت فيها البدل من مصقلة لم يمتنع.
وإن قلت: أجعل قوله: ما فعل، استفهاماً وأضمر يقول، لأني إذا قلت: اسأل الناس بمصقلة، فإنه يدل على قل، لأن السؤال قول، فأحمله على هذا الفعل، لا على أنه في موضع المفعول، لاستغناء الفعل بمفعولين؛ فهو قول.
يدل على ذلك قوله: يسئلونك عن السّاعة أيّان مرساها [النازعات/ 42] ألا ترى أنه قد استوفى مفعوليه أحدهما:
الكاف، والآخر: قد تعدى إليه الفعل بعن؛ فلا يتعلق به أيّان إلا على الحدّ الذي ذكرنا.
ومن ذلك قول سيبويه: «اذهب فاسأل: زيد أبو من
[الحجة للقراء السبعة: 2/212]
هو؟» فزيد داخل في حيز الاستفهام، وليس المعنى: سل زيداً، ولكن التقدير: سل الناس: أأبو بشر زيد أم أبو عمرو؟
ولو قلت: سل زيداً على هذا الحد، لم يجز؛ لأن زيداً ليس بمسئول، إنما هو مسئول عنه، وإنما يأمر المخاطب أن يسأل غيره عنه، فلهذا قال: لو قلت: سل زيداً على هذا الحد لم يجز، وذلك لما ذكرناه من انقلاب المعنى. وهذا مما يقوي قول يونس: قد علمت زيداً أبو من هو. ألا ترى أن هذا من المواضع التي ليس يجوز فيها أن يعمل الفعل في الاسم الداخل في حيز الاستفهام، فإذا أتت مواضع ليس يجوز فيها ذلك، جاز أن لا يعمل الفعل في المفعول الذي يجوز أن يعمل فيه نحو: علمت زيداً أبو من هو.
فالمفعول في هذا الموضع محذوف، لأن المعنى: اسأل إنساناً زيد أبو من هو؟ وكذلك قوله: سأل سائلٌ بعذابٍ...
[المعارج/ 1] كأن المعنى: سأل سائل النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أو المسلمين بعذاب واقع، فلم يذكر المفعول الأول. وسؤالهم عن العذاب، إنما هو استعجالهم له لاستبعادهم لوقوعه، ولردهم ما يوعدون به منه، وعلى هذا قال: ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده [الحج/ 47] يستعجلونك بالعذاب وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين [العنكبوت/ 54] ويستعجلونك بالسّيّئة قبل الحسنة، وقد خلت من قبلهم المثلات [الرعد/ 6]
[الحجة للقراء السبعة: 2/213]
ويدلك على ذلك قوله: فاصبر صبراً جميلًا، إنّهم يرونه بعيداً، ونراه قريباً [المعارج/ 5] وقال: قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتاً أو نهاراً ماذا يستعجل منه المجرمون
[يونس/ 50]. وقال: أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه [النحل/ 1].
فأما قوله: وسئلوا اللّه من فضله [النساء/ 32] فيجوز أن يكون من فيه في موضع المفعول الثاني على قياس قول أبي الحسن، ويكون المفعول محذوفاً في قياس قول سيبويه، والصفة قائمة مقامه.
وأما قوله: كأنّك حفيٌّ عنها [الأعراف/ 187] فإنه يحتمل أمرين، أحدهما: أن تجعل عنها متعلقاً بالسؤال، كأنه: يسألونك عنها، كأنك حفي بها، فحذف الجارّ والمجرور. وحسن ذلك لطول الكلام بعنها التي من صلة السؤال. ويجوز أن يكون عنها بمنزلة بها وتصل الحفاوة مرّة بالباء ومرة بعن. كما أن السؤال يعمل مرة بالباء ومرة بعن فيما ذكرنا. ويدلك على أنه يصل بالباء قوله: إنّه كان بي حفيًّا [مريم/ 47]. وقال: ثمّ استوى على العرش الرّحمن فسئل به خبيراً [الفرقان/ 59] فقوله: فسئل به مثل: اسأل عنه خبيراً.
فأما خبيراً فلا يخلو انتصابه من أن يكون على أنه حال، أو مفعول به، فإن كان حالًا لم يخل أن يكون حالًا من
[الحجة للقراء السبعة: 2/214]
الفاعل أو من المفعول، فلو جعلته حالا من الفاعل السائل لم يسهل لأن الخبير لا يكاد يسأل إنما يسأل، ولا يسهل الحال من المفعول أيضاً لأن المسئول عنه خبير أبداً فليس للحال كبير فائدة. فإن قلت: يكون حالًا مؤكدة فغير هذا الوجه إذا احتمل أولى، فيكون خبيراً إذا مفعولًا به كأنه: قال فاسأل عنه خبيراً أي مسئولًا خبيراً. وكأن معنى سل: تبيّن بسؤالك وبحثك من تستخبره ليتقرر عندك ما اقتصّ عليك من خلقه ما خلق وقدرته على ذلك، وتعلمه بالفحص عنه والتبيّن له. ومما يقوي أن السؤال إنما أريد به ما وصفنا قول أمية:
واسأل ولا بأس إن كنت امرأ عمها... إنّ السؤال شفا من كان حيرانا
فيشبه أن يكون أراد باسأل: اسأل حتى تتبيّن بسؤالك، ألا ترى أنه قال:
إن السؤال شفا من كان حيرانا والسؤال إذا خلا من العلم لم يكن شفاء لمن كان حيران، إنما يكون شفاء إذا اقترن به العلم والتبيّن، فكذلك المراد في قوله: فسئل به خبيراً [الفرقان/ 59]: اسأل سؤالًا تبحث به لتتبين.
[الحجة للقراء السبعة: 2/215]
فالحجة لمن قرأ: ولا تسئل بالرفع أن الرفع يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون حالًا فيكون مثل ما عطف عليه من قوله: بشيراً ونذيراً [البقرة/ 119] وغير مسئول. ويكون ذكر تسئل- وهو فعل بعد المفرد الذي هو قوله: بشيراً- كذكر الفعل في قوله: ويكلّم النّاس في المهد [آل عمران/ 46] بعد ما تقدم من المفرد. وكذلك قوله: ومن المقرّبين [آل عمران/ 45] وهو قد يجري مجرى الجمل.
والآخر: أن يكون منقطعاً من الأول مستأنفاً به، ويقوي هذا الوجه ما روي من أن عبد الله أو أبيّا قرأ أحدهما: وما تسأل، والآخر: ولن تسأل، فكل واحدة من هاتين القراءتين يؤكد حمله على الاستئناف. ويؤكّد وجهي الرفع قوله: ليس عليك هداهم ولكنّ اللّه يهدي من يشاء [البقرة/ 171] وقوله: ما على الرّسول إلّا البلاغ [المائدة/ 99].
ومما يجعل للفظ الخبر مزية على النهي أن الكلام الذي قبله وبعده خبر فإذا كان أشكل بما قبله وما بعده كان أولى.
ووجه قراءة نافع بالجزم للنهي: ما روي أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم
[الحجة للقراء السبعة: 2/216]
سأل: أيّ أبويه كان أحدث موتاً، وأراد أن يستغفر له، فأنزل الله: ولا تسئل عن أصحاب الجحيم [البقرة/ 119] وهذا إذا ثبت معنى صحيح. ويذكر أن في إسناد
الحديث شيئاً.
فأما قوله من قال: إنه لو كان نهياً لكانت الفاء في قوله:
فلا تسأل أسهل من الواو. فالقول فيه: إن هذا النحو إنما يكون بالفاء، إذا كانت الرسالة بالبشارة والنّذارة علّة لأن لا يسأل عن أصحاب الجحيم، كما يقول الرجل: قد حملتك على فرس فلا تسألني غيره. فيكون حمله على الفرس علة لأن لا يسأل غيره. وليس البشارة والنذارة علة لأن لا يسأل.
وقد جوز أبو الحسن في قراءة من جزم أن يكون على تعظيم الأمر كما تقول: لا تسلني عن كذا، إذا أردت تعظيم الأمر فيه. فالمعنى أنهم في أمر عظيم، وإن كان اللفظ لفظ الأمر). [الحجة للقراء السبعة: 2/217]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إنّا أرسلناك بالحقّ بشيرا ونذيرا ولا تسأل عن أصحاب الجحيم}
قرأ نافع {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} بفتح التّاء والجزم على النّهي وحجته ما روي في التّفسير أن النّبي صلى الله عليه قال ليت شعري ما فعل أبواي فنزلت {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} فنهاه الله عن المسألة قيل إنّه ما ذكرهما حتّى توفاه الله
وقرأ الباقون {ولا تسأل عن أصحاب الجحيم} برفع التّاء
[حجة القراءات: 111]
واللّام وحجتهم أن في قراءة ابن مسعود (ولن تسأل) ورفعه من وجهين أحدهما أن يكون {ولا تسأل} استئنافا كأنّه قيل ولست تسأل عن أصحاب الجحيم كما قال {فإنّما عليك البلاغ وعلينا الحساب} والوجه الثّاني على الحال فيكون المعنى وأرسلناك غير سائل عن أصحاب الجحيم). [حجة القراءات: 112]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (67- قوله: {ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم} قرأه نافع بفتح التاء والجزم، على النهي من السؤال عن ذلك، وفي النهي معنى التعظيم لما هم فيه من العذاب، أي: لا تسأل يا محمد عنهم، فقد بلغوا غاية العذاب التي ليس بعدها مستزاد، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل: أي أبويه أحدث موتًا ليستغفر له، فنزلت الآية على النهي، عن السؤال، عن أصحاب الجحيم، وروي أنه قال: ليت شعري ما فعل أبواي؟ فنزل النهي عن السؤال عنهما، فدل النهي على الصحة الجزم، وبذلك قرأ ابن عباس، وقرأه الباقون بضم التاء، والرفع على النفي والعطف على {بشيرًا ونذيرًا} فهو في موضع الحال تقديره: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا، وغير سائل عن أصحاب الجحيم، ويجوز أن يرفع على الاستئناف، والرفع هو الاختيار، لأن عليه جماعة القراء، ولأن ابن مسعود قرأه: «وما تسأل» فهذا يُبين معنى الرفع ويقويه، وأيضًا فإن في قراءة أبي: {وإن تسأل}، فهذا أيضًا يبين معنى الرفع والاستئناف، ويقوي الرفع أن قبله خبرًا، وبعده خبر، فيجب أن يكون هذا خبرًا ليطابق ما قبله وما بعده ويدل على قوة الرفع قوله: {ليس عليك هداهم} «البقرة 272» وقوله: {ما على الرسول إلا البلاغ} «المائدة 99» ويقوي الرفع أيضًا أنه لو كان نهيًا لكان بالفاء، كما تقول: أعطيتك مالا فلا تسألني غيره، وبالرفع قرأ الحسن وأبو رجاء وقتادة وابن أبي إسحاق والجحدري وعيسى بن عمر وغيرهم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/262]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ} [آية/ 119]:-
مفتوحة التاء، مجزومة اللام، قرأها نافع ويعقوب.
ووجه ذلك أنه وإن خرج مخرج النهي، فإنه إخبار عن تعظيم العقوبة لأهل النار، كما تقول: لا تسل عن فلانٍ، إذا أردت تعظيم ما هو فيه، وقيل:
[الموضح: 297]
إنه صلى الله عليه وسلم سأل أي أبويه كان أحدث موتًا، وأراد الاستغفار لهما، فأنزل الله تعالى هذه الآية، ونهى عن المسألة عنهما.
وقرأ الباقون {وَلا تُسْأَلُ} مضمومة التاء واللام.
والرفع فيه إما أن يكون لكونه في موضع حالٍ، عطفًا على ما قبله، كأنه قال: إنا أرسلناك بالحق بشيرًا ونذيرًا وغير مسؤولٍ.
وإما أن يكون منقطعًا عن الأول على سبيل الاستئناف، والمعنى في هذه القراءة: انك لا تسأل عن ذنوبهم، وإنما هم يسألون عنها). [الموضح: 298]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:20 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (120) إلى الآية (123) ]


{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}


قوله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}

قوله تعالى: {الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}

قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (نعمتي الّتي (122).
اتفق القراء على تريك الياء من قوله (نعمتي الّتي)، إلا ما روى المفضل عن عاصم). [معاني القراءات وعللها: 1/176]

قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة