جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ (37) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، قال: حدّثوني عن الزّهريّ، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه رضي اللّه عنه، قال: " سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يقرأ في المغرب بالطّور، فلمّا بلغ هذه الآية: {أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السّموات والأرض بل لا يوقنون (36) أم عندهم خزائن ربّك أم هم المسيطرون} " قال: كاد قلبي أن يطير، قال سفيان: فأمّا أنا، فإنّما سمعت الزّهريّ يحدّث، عن محمّد بن جبير بن مطعمٍ، عن أبيه، سمعت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، يقرأ في المغرب بالطّور ولم أسمعه زاد الّذي قالوا لي). [صحيح البخاري: 6/140] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قوله: (حدثوني عن الزّهريّ) ، اعترض الإسماعيليّ هنا بالّذي رواه من طريق عبد الجبّار بن العلاء وابن أبي عمر. كلاهما عن ابن عيينة: سمعت الزّهريّ قال مصرحًا عنه بالسّماع، وهما ثقتان. قيل: هذا لا يرد لأنّهما ما أوردا من الحديث إلاّ القدر الّذي ذكر الحميدي عن سفيان أنه سمعه من الزّهريّ بخلاف الزّيادة الّتي صرح الحميدي عنه بأنّه لم يسمعها من الزّهريّ، وإنّما بلغته عنه بواسطة. قوله: (فلمّا بلغ هذه الآية) ، إلى آخر الزّيادة الّتي قال سفيان إنّه لم يسمعها عن الزّهريّ، وإنّما حدثوها عنه أصحابه. قوله: (أم خلقوا من غير شيء) ، كلمة أم ذكرت في هذه السّورة في خمسة عشر موضعا متوالية متتابعة، ومعنى: {أم خلقوا من غير شيء} (الطّور: 35) من غير تراب. قاله ابن عبّاس، وقيل: من غير أب وأم كالجماد لا يعقلون ولا يقوم لله عليهم حجّة، أليس خلقوا من نطفة ثمّ من علقة ثمّ من مضغة؟ قاله عطاء. وقال ابن كيسان: معناه أم خلقوا عبثا وتركوا سدًى لا يؤمرون ولا ينهون أم هم الخالقون لأنفسهم؟ فإذا بطل الوجهان قامت الحجّة عليهم بأن لهم خالقًا. قوله: (أم خلقوا السّموات والأرض) (الطّور: 36) يعني: إن جاز أن يدعوا خلق أنفسهم فليدعوا خلق السّموات والأرض، وذلك لا يمكنهم، فقامت الحجّة عليهم، ثمّ أضرب عن ذلك بقوله: (بل لا يوقنون) إشارة إلى أن العلّة الّتي عاقتهم عن الإيمان هي عدم اليقين الّذي هو موهبة من الله وفضل ولا يحصل إلّا بتوفيقه. قوله: (أم عندهم خزائن ربك) ، (الطّور: 37) قال ابن عبّاس: المطر والرزق، وعن عكرمة: النّبوّة، وقيل: علم ما يكون. قوله: (أم هم المسيطرون) ، أي: أم هم المسلطون الجبارون، قاله أكثر المفسّرين، وعن عطاء أم هم أرباب قاهرون، وعن أبي عبيدة تسيطرت عليّ، أي: اتخذتني خولاً لك. قوله: (قال: كاد قلبي) ، أي: قال جبير بن مطعم: قارب قلبي الطيران، وقال الخطابيّ: كان انزعاجه عند سماع الآية لحسن تلقيه معناها ومعرفته بما تضمنته من بليغ الحجّة). [عمدة القاري: 19/194-195] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثوني) أصحابي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) القرشي النوفلي (عن أبيه -رضي الله عنه-) أنه (قال: سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالطور فلما بلغ هذه الآية {أم خلقوا من غير شيء}) خلقهم فوجدوا بلا خالق ({أم هم الخالقون})؟ [الطور: 35] لأنفسهم وهذا باطل ({أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون}) [الطور: 36] بأنهم خلقوا أي هم معترفون وهو معنى قوله: {ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله} [لقمان: 25] أو لا يوقنون بأن الله خالق واحد ({أم عندهم خزائن ربك}) خزائن رزق ربك ({أم هم المسيطرون}) [الطور: 37] المتسلطون على الأشياء يدبرونها كيف شاؤوا (كاد قلبي أن يطير) مما تضمنته من بليغ الحجة وفيه وقوع خبر كاد مقرونًا بأن في غير الضرورة قال ابن مالك وقد خفي ذلك على بعض النحويين والصحيح جوازه إلا أن وقوعه غير مقرون بأن أكثر وأشهر من وقوعه بها. اهـ.
ولأبي ذر قال: كاد قلبي يطير فزاد قال وأسقط أن.
(قال سفيان) بن عيينة (فأما أنا فإنما سمعت الزهري يحدّث عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) أنه قال: (سمعت النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقرأ في المغرب بالطور لم) ولأبي ذر ولم (أسمعه) أي ولم أسمع الزهري (زاد الذي قالوا لي) يعني قوله: فلما بلغ إلى آخره، وقد كان جبير بن مطعم قدم على النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- بعد وقعة بدر في فداء الأسارى، وكان إذ ذاك مشركًا وكان سماعه هذه الآية من هذه السورة من جملة ما حمله على الدخول في الإسلام بعد). [إرشاد الساري: 7/358] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم عندهم خزائن ربّك أم هم المصيطرون (37) أم لهم سلّمٌ يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطانٍ مبينٍ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: أعند هؤلاء المكذّبين بآيات اللّه خزائن ربّك يا محمّد، فهم لاستغنائهم بذلك عن آيات ربّهم معرضون؟.{أم هم المسيطرون}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: أم هم المسلّطون؟.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أم هم المصيطرون} يقول: المسلّطون وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم هم المنزلون.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أم عندهم خزائن ربّك أم هم المصيطرون} قال: يقول أم هم المنزلون.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم هم الأرباب، وممّن قال ذلك معمر بن المثنّى، وقال: يقال: تسيطرت عليّ: أي اتّخذتني خولاً لك.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: أم هم الجبّارون المتسلّطون المستكبرون على اللّه، وذلك أنّ المسيطر في كلام العرب الجبّار المتسلّط، ومنه قول اللّه: {لست عليهم بمصيطرٍ} [الغاشية: ] يقول: لست عليهم بجبّارٍ متسلّطٍ). [جامع البيان: 21/597-598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم في قوله {أم هم المصيطرون} قال: المسلطون). [الدر المنثور: 13/696]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {أم هم المصيطرون} قال: أم هم المنزلون والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 13/696]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (38) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم لهم سلّمٌ يستمعون فيه} يقول: أم لهم سلّمٌ يرتقون فيه إلى السّماء يستمعون عليه الوحي، فيدّعون أنّهم سمعوا هنالك من اللّه أنّ الّذي هم عليه حقٌّ، فهم بذلك متمسّكون بما هم عليه؟.
وقوله: {فليأت مستمعهم بسلطانٍ مبينٍ} يقول: فإن كانوا يدّعون ذلك فليأت من يزعم أنّه استمع ذلك فسمعه {بسلطانٍ مبينٍ}. يعني الحجّة يبين أنّها حقٌّ، كما أتى محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم بها على حقيقة قوله، وصدقه فيما جاءهم به من عند اللّه.
والسّلّم في كلام العرب: السّبب والمرقاة؛ ومنه قول ابن مقبلٍ:
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا تبنى له في السّماوات السّلاليم.
ومنه قوله: جعلت فلانًا سلّمًا لحاجتي: إذا جعلته سببًا لها). [جامع البيان: 21/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {فليأتوا بحديث مثله} قال: مثل القرآن وفي قوله: {فليأت مستمعهم} قال: صاحبهم وفي قوله {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} يقول: أسألت هؤلاء القوم على الإسلام أجرا فمنعهم من أن يسلموا الجعل وفي قوله {أم عندهم الغيب} قال: القرآن). [الدر المنثور: 13/695-696] (م)
تفسير قوله تعالى: (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ (39) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم له البنات ولكم البنون (39) أم تسألهم أجرًا فهم من مغرمٍ مثقلون (40) أم عندهم الغيب فهم يكتبون}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره للمشركين به من قريشٍ: ألربّكم أيّها القوم البنات ولكم البنون؟ ذلك إذن قسمةٌ ضيزى). [جامع البيان: 21/599]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرمٍ مثقلون} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: أتسأل هؤلاء المشركين الّذين أرسلناك إليهم يا محمّد على ما تدعوهم إليه من توحيد اللّه وطاعته ثوابًا وعوضًا من أموالهم، فهم من ثقل ما حمّلتهم من الغرم لا يقدرون على إجابتك إلى ما تدعوهم إليه؟.0
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرمٍ مثقلون} يقول: هل سألت هؤلاء القوم أجرًا يجهدهم، فلا يستطيعون الإسلام؟.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرمٍ مثقلون}. قال: يقول: أسألتهم على هذا أجرًا، فأثقلهم الّذي يبتغى أجره منهم). [جامع البيان: 21/599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {فليأتوا بحديث مثله} قال: مثل القرآن وفي قوله: {فليأت مستمعهم} قال: صاحبهم وفي قوله {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} يقول: أسألت هؤلاء القوم على الإسلام أجرا فمنعهم من أن يسلموا الجعل وفي قوله {أم عندهم الغيب} قال: القرآن). [الدر المنثور: 13/695-696] (م)
تفسير قوله تعالى: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (41) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم عندهم الغيب فهم يكتبون} يقول تعالى ذكره: أم عندهم علم الغيب، فهم يكتبون ذلك للنّاس، فيثبتون ما شاءوا، ويخبرونهم بما أرادوا؟). [جامع البيان: 21/599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {فليأتوا بحديث مثله} قال: مثل القرآن وفي قوله: {فليأت مستمعهم} قال: صاحبهم وفي قوله {أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون} يقول: أسألت هؤلاء القوم على الإسلام أجرا فمنعهم من أن يسلموا الجعل وفي قوله {أم عندهم الغيب} قال: القرآن). [الدر المنثور: 13/695-696] (م)
تفسير قوله تعالى: (أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ (42) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم يريدون كيدًا فالّذين كفروا هم المكيدون (42) أم لهم إلهٌ غير اللّه سبحان اللّه عمّا يشركون}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: بل يريد هؤلاء المشركون يا محمّد بك وبدين اللّه كيدًا فالّذين كفروا هم المكيدون يقول: فهم المكيدون الممكور بهم دونك، فثق باللّه، وامض لما أرسلك به). [جامع البيان: 21/600]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (43) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم لهم إلهٌ غير اللّه} يقول جلّ ثناؤه: ألهم معبودٌ يستحقّ عليهم العبادة غير اللّه، فيجوز لهم عبادته، يقول: ليس لهم إلهٌ غير اللّه الّذي له العبادة من جميع خلقه {سبحان اللّه عمّا يشركون} يقول: تنزيهًا للّه عن شركهم وعبادتهم معه غيره). [جامع البيان: 21/600]