تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "والسماء" نصب بإضمار فعل تقديره: وبنينا السماء بنيناها، و"الأيد": القوة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة، ووقعت في المصحف بياءين، وذلك على تخفيف الهمز، وفي هذا نظر. وقوله تعالى: {[لموسعون]} يحتمل أن يريد: إنا نوسع الأشياء قوة وقدرة، كما قال الله تعالى: {وعلى الموسع قدره}. أي: الذي يوسع أهله إنفاقا، ويحتمل أن يريد: لموسعون في بناء السماء، أي جعلناها واسعة، وهذا تأويل ابن زيد، وقال الحسن: أوسع الرزق بمطر السماء). [المحرر الوجيز: 8/ 79-80]
تفسير قوله تعالى: {وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الماهد": المهيئ الموطئ للموضع الذي يتمهد ويفترش). [المحرر الوجيز: 8/ 80]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ومن كل شيء خلقنا زوجين} أي: مصطحبين متلازمين، فقال مجاهد: معناه أن هذه إشارة إلى المتضادات والمتقابلات من الأشياء كالليل والنهار، والشقوة والسعادة، والهدى والضلالة، والسماء والأرض، والسواد والبياض، والصحة والمرض، والكفر والإيمان، ونحو هذا، ورجحه الطبري بأنه أدل على القدرة التي توجد الضدين بخلاف ما يفعل بطبعه فعلا واحدا كالتسخين والتبريد، وقال ابن زيد وغيره: هي إشارة إلى الأنثى والذكر من كل حيوان، والترجي الذي في قوله تعالى: "لعلكم" هو بحسب خلق البشر وعرفها، وقرأ الجمهور: "تذكرون" بتشديد الذال والإدغام، وقرأ أبي بن كعب "تتذكرون" بتاءين وخفة الذال). [المحرر الوجيز: 8/ 80]
تفسير قوله تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ففروا إلى الله} أمر بالدخول في الإيمان وطاعة الله تعالى، وجعل الأمر بذلك بلفظ الفرار لينبه على أن وراء الناس عقابا وعذابا وأمرا حقه أن يفر منه، فجمعت لفظة "فروا" بين التحذير والاستدعاء، وينظر إلى هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ..." الحديث. قال الحسن بن الفضل: من فر إلى غير الله تعالى لم يمتنع من الله عز وجل). [المحرر الوجيز: 8/ 80]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ (51) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولا تجعلوا مع الله إلها آخر} نهي عن عبادة الأصنام والشياطين وكل مدعو من دون الله تعالى، وفائدة تكرار قوله تعالى: (إني لكم منه نذير مبين) الإبلاغ وهز النفس وتحكيم التحذير، وإعادة الألفاظ بعينها في هذه المعاني بليغة بقرينة شدة الصوت). [المحرر الوجيز: 8/ 80-81]
تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (52) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "كذلك" تقديره: سيرة الأمم كذلك، أو الأمر في القديم كذلك، وقوله تعالى: {إلا قالوا ساحر أو مجنون} معناه إلا قال بعض هذا وبعض هذا وبعض هذا وبعض الجميع، ألا ترى أن قوم لوط عليه السلام لم يقولوا قط: ساحر، وإنما قالوا: به جنة، فلما اختلفت الفرق جعل الخبر عن ذلك بإدخال "أو" بين الصيغتين، وليس المعنى أن كل أمة قالت عن نبيها: إنه ساحر أو هو مجنون، فليست هذه كالمتقدمة في فرعون، بل هذه كأنه تعالى قال: إلا قالوا: هو ساحر، أو قالوا: هو مجنون). [المحرر الوجيز: 8/ 81]
تفسير قوله تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (53) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أتواصوا به بل هم قوم طاغون * فتول عنهم فما أنت بملوم * وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين * وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين * فإن للذين ظلموا ذنوبا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون * فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون}
قوله تعالى: "أتواصوا به" توقيف وتعجيب من توارد نفوس الكفرة في تكذيب الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم على تفرق أزمانهم، أي: إنهم لم يتواصوا لكنهم فعلوا فعلا كأنه فعل من يتواصى، والعلة في ذلك أن جميعهم طاغ، والطاغي: المستعلي في الأرض المفسد العاتي على الله). [المحرر الوجيز: 8/ 81]
تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ (54) وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: "فتول عنهم" أي: عن الحرص المفرط عليهم وذهاب اليقين حسرات، ويحتمل أن يراد: فقول عن التعب المفرط في دعائهم وضمهم إلى الإسلام، فلست بمصيطر عليهم ولست بملوم إذ قد بلغت، فنح نفسك عن الحزن عليهم وذكر فقط فإن الذكرى نافعة للمؤمنين ولمن قضي له أن يكون منهم في ثاني حال، وعلى هذا التأويل فلا نسخ في الآية إلا في معنى الموادعة التي فيها: فإن آية السيف نسخت جميع الموادعات، وروى قتادة -وذكره الطبري - عن علي رضى الله تعالى عنه أنه لما نزلت: {فتول عنهم فما أنت بملوم} حزن المسلمون وظنوا أنه أَمْر بالتولي عن الجميع وأن الوحي قد انقطع، حتى نزلت: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} فسروا بذلك). [المحرر الوجيز: 8/ 81]