جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (1) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم (1) والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وآمنوا بما نزّل على محمّدٍ وهو الحقّ من رّبّهم كفّر عنهم سيّئاتهم وأصلح بالهم}.
قال أبو جعفرٍ: يقول تعالى ذكره: الّذين جحدوا توحيد اللّه وعبدوا غيره وصدّوا من أراد عبادته والإقرار بوحدانيّته، وتصديق نبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم عن الّذي أراد من الإسلام والإقرار والتّصديق {أضلّ أعمالهم} يقول: جعل اللّه أعمالهم ضلالاً على غير هدًى وغير رشادٍ؛ لأنّها عملت في سبيل الشّيطان وهي على غير استقامةٍ). [جامع البيان: 21/180]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزّاهد الأصبهانيّ، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم} [محمد: 1] قال: «منهم أهل مكّة» {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} [محمد: 2] قال: «هم الأنصار». قال: {وأصلح بالهم} [محمد: 2] قال: «أمرهم» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/496]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال الحارث ابن أبي أسامة: حدثنا أبو نعيمٍ، ثنا طلحة - هو ابن عمرو - عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا أخرج من مكّة: " إنّي لأخرج منك، وإنّي لأعلم أنّك لأخير بلاد اللّه عزّ وجلّ، وأكرمه عليه، ولولا أنّ أهلك أخرجوني منك لما خرجت. يا بني عبد منافٍ، إن كنتم ولاة هذا الأمر بعدي فلا تمنعوا طائفًا ببيت الله تعالى ساعةً من ليلٍ أو نهارٍ ".
- وقال أبو يعلى: حدثنا محمود بن خداشٍ، ثنا محمّد بن عبيدٍ، ثنا طلحة، به). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/220-221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 1 – 3
أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم} قال: هم أهل مكة قريش نزلت فيهم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال: هم أهل المدينة الأنصار {وأصلح بالهم} قال: أمرهم). [الدر المنثور: 13/348-348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {أضل أعمالهم} قال: كانت لهم أعمال فاضلة لا يقبل الله مع الكفر عملا). [الدر المنثور: 13/349]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآَمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (2) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وأصلح بالهم قال حالهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/220]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} يقول تعالى ذكره: والّذين صدّقوا اللّه وعملوا بطاعته، واتّبعوا أمره ونهيه {وآمنوا بما نزّل على محمّدٍ} يقول: وصدّقوا بالكتاب الّذي أنزل اللّه على محمّدٍ {وهو الحقّ من رّبّهم كفّر عنهم سيّئاتهم} يقول: محا اللّه عنهم بفعلهم ذلك سيّئ ما عملوا من الأعمال، فلم يؤاخذهم به، ولم يعاقبهم عليه {وأصلح بالهم} يقول: وأصلح شأنهم وحالهم في الدّنيا عند أوليائه، وفي الآخرة بأن أورثهم نعيم الأبد والخلود الدّائم في جنانه. وذكر أنّه عنى بقوله: {الّذين كفروا} الآية أهل مكّة، {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} الآية، أهل المدينة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسحاق بن وهبٍ الواسطيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: خبّرنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتّات، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، في قوله: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه} قال: نزلت في أهل مكّة {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} قال: الأنصار.
وبنحو الّذي قلنا في معنى قوله: {وأصلح بالهم} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسحاق بن وهبٍ الواسطيّ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي يحيى القتّات، عن مجاهدٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، {وأصلح بالهم} قال: أمرهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وأصلح بالهم} قال: شأنهم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وأصلح بالهم} قال: أصلح حالهم
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {وأصلح بالهم} قال: حالهم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأصلح بالهم} قال حالهم.
والبال: كالمصدر مثل الشّأن لا يعرف منه فعلٌ، ولا تكاد العرب تجمعه إلاّ في ضرورة شعرٍ، فإذا جمعوه قالوا بالاتٌ). [جامع البيان: 21/180-182]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وأصلح بالهم قال يعني شأنهم). [تفسير مجاهد: 2/597]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزّاهد الأصبهانيّ، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، في قوله عزّ وجلّ: {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم} [محمد: 1] قال: «منهم أهل مكّة» {والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات} [محمد: 2] قال: «هم الأنصار». قال: {وأصلح بالهم} [محمد: 2] قال: «أمرهم» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/496] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 1 – 3
أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم} قال: هم أهل مكة قريش نزلت فيهم {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} قال: هم أهل المدينة الأنصار {وأصلح بالهم} قال: أمرهم). [الدر المنثور: 13/348-348] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وأصلح بالهم} قال: أصلح حالهم). [الدر المنثور: 13/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {وأصلح بالهم} قال: شأنهم، وفي قوله {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل} قال: الشيطان). [الدر المنثور: 13/349]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَالَهُمْ (3) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلك بأنّ الّذين كفروا اتّبعوا الباطل وأنّ الّذين آمنوا اتّبعوا الحقّ من ربّهم كذلك يضرب اللّه للنّاس أمثالهم}.
يقول تعالى ذكره: هذا الّذي فعلنا بهذين الفريقين من إضلالنا أعمال الكافرين، وتكفيرنا عن الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات، جزاءً منّا لكلّ فريقٍ منهم على فعله أمّا الكافرون فأضللنا أعمالهم، وجعلناها على غير استقامةٍ وهدًى، بأنّهم اتّبعوا الشّيطان فأطاعوه، وهو الباطل.
- كما: حدّثني زكريّا بن يحيى بن أبي زائدة، وعبّاس بن محمّدٍ، قالا: حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، قال: قال ابن جريجٍ: أخبرني خالدٌ، أنّه سمع مجاهدًا، يقول {ذلك بأنّ الّذين كفروا اتّبعوا الباطل} قال: الباطل: الشّيطان.
وأمّا المؤمنون فكفّرنا عنهم سيّئاتهم، وأصلحنا لهم حالهم بأنّهم اتّبعوا الحقّ الّذي جاءهم من ربّهم، وهو محمّدٌ صلّى اللّه عليه وسلّم، وما جاءهم به من عند ربّه من النّور والبرهان {كذلك يضرب اللّه للنّاس أمثالهم} يقول عزّ وجلّ: كما بيّنت لكم أيّها النّاس فعلي بفريق الكفر والإيمان، كذلك نمثّل للنّاس الأمثال، ونشبّه لهم الأشباه، فنلحق بكلّ قومٍ من الأمثال أشكالاً). [جامع البيان: 21/182]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {وأصلح بالهم} قال: شأنهم، وفي قوله {ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل} قال: الشيطان). [الدر المنثور: 13/349] (م)
تفسير قوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن عبد الكريم الجزري في قوله فإما منا بعد وإما فداء أنه كتب إلى أبي بكر في أسير أسر فذكر أنهم التمسوه بفداء كذا وكذا فقال أبو بكر اقتلوه لقتل رجل من المشركين أحب إلي من كذا وكذا وأتي أبو بكر برأس فقال قد بغيتم). [تفسير عبد الرزاق: 2/220]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر قال أخبرني رجل من أهل الشام ممن كان يحرس عمر بن عبد العزيز وهو من بني أسد قال ما رأيت عمر قتل أسيرا إلا واحد من الترك كان جيء بأسارى من الترك فأمر بهم يسترقوا فقال رجل ممن جاء بهم يا أمير المؤمنين لو كنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين لكثر بكاؤك عليهم فقال له عمر فدونك فاقتله فقام إليه فقتله). [تفسير عبد الرزاق: 2/220]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وكان الحسن يقول لا يقتل الأسارى إلا في الحرب يهيب بهم العدو). [تفسير عبد الرزاق: 2/220]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن المهلب عن عمران بن حصين أن النبي فادى رجلين من أصحابه برجل من المشركين أسر). [تفسير عبد الرزاق: 2/220]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وكان عمر بن عبد العزيز يفاديهم أيضا الرجل بالرجلين). [تفسير عبد الرزاق: 2/221]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وكان الحسن يكره أن يفادوا بالمال قال معمر ولم أسمع أحدا يرخص في ذلك). [تفسير عبد الرزاق: 2/221]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء قال نسخها قوله تعالى فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/221]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (سمعت أبا عثمان الثقفي يحدث معمرا قال كنت مع مجاهد في غزاة فأبق أسير من رجل فتبعه فقتله فعاب ذلك عليه مجاهد). [تفسير عبد الرزاق: 2/221]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى حتى تضع الحرب أوزارها قال حتى لا يكون شرك والحرب من كان يقاتله سماهم حربا). [تفسير عبد الرزاق: 2/221]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعملهم قال الذين قتلوا يوم أحد). [تفسير عبد الرزاق: 2/221]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أوزارها} [محمد: 4] : «آثامها، حتّى لا يبقى إلّا مسلمٌ»). [صحيح البخاري: 6/134]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أوزارها آثامها حتّى لا يبقى إلّا مسلمٌ قال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله حتّى تضع الحرب أوزارها قال حتّى لا يكون شركٌ قال والحرب من كان يقاتله سماهم حربًا قال بن التّين لم يقل هذا أحدٌ غير البخاريّ والمعروف أنّ المراد بأوزارها السّلاح وقيل حتّى ينزل عيسى بن مريم انتهى وما نفاه قد علمه غيره قال بن قرقولٍ هذا التّفسير يحتاج إلى تفسيرٍ وذلك لأنّ الحرب لا آثام لها فلعلّه كما قال الفرّاء آثام أهلها ثمّ حذف وأبقى المضاف إليه أو كما قال النّحّاس حتّى تضع أهل الآثام فلا يبقى مشركٌ انتهى ولفظ الفرّاء الهاء في أوزارها لأهل الحرب أي آثامهم ويحتمل أن يعود على الحرب والمراد بأوزارها سلاحها انتهى فجعل ما ادّعى بن التّين أنّه المشهور احتمالًا). [فتح الباري: 8/579]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أوزارها آثامها حتّى لا يبقى إلاّ مسلمٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {فأما منا بعد وإمّا فداء حتّى تضع الحرب أوزارها} (محمّد: 4) وفسّر: (أوزارها) بقوله: (آثامها) فعلى تفسيره الأوزار جمع وزر والآثام جمع أثم، وقال ابن التّين: لم يقل هذا أحد غير البخاريّ، والمعروف أن المراد بأوزارها الأسلحة. قلت: فعلى هذا الأوزار جمع وزر الّذي هو السّلاح، وفي (المغرب) الوزن بالكسر الحمل الثقيل، ومنه قوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام: 461) أي: حملها من الإثم وقولهم: وضعت الحرب أوزارها عبارة عن انقضائها لأن أهلها يضعون أسلحتهم حينئذٍ، وسمى السّلاح وزرا لأنّه يثقل على لابسه قال الأعشى:
(واعددت للحرب أوزارها ... رماحا طوالًا وخيلاً طوالًا)
وهذا كله يقوي كلام ابن التّين لا مثل ما قاله بعضهم: إن لكلام ابن التّين احتمالا ويعضد كلام البخاريّ ما قاله الثّعلبيّ: آثامها وأجرامها، فيرتفع وينقطع الحرب لأن الحرب لا يخلو من الإثم في أحد الجانبين والفريقين، ثمّ قال: وقيل: حتّى تضع الحرب آلتها وعدتها، وآلتهم وأسلحتهم فيمسكوا عن الحرب، والحرب القوم المحاربون كالركب، وقيل: معناه حتّى يضع القوم المحاربون أوزارها وآثامها بأن يتوبوا من كفرهم ويؤمنوا باللّه ورسوله انتهى. فعرفت من هذا أن لكل من كلام البخاريّ. وكلام ابن التّين وجها). [عمدة القاري: 19/171]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أوزارها}) في قوله تعالى: {فإما منًّا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها} [محمد: 4] أي (آثامها) أو آلاتها وأثقالها وهو من مجاز الحذف أي حتى تضع أمة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها والمراد انقضاء الحرب بالكلية (حتى لا يبقى إلا مسلم) أو مسالم والمعنى حتى يضع أهل الحرب شركهم ومعاصيهم وهو غاية للضرب أو الشدّ أو للمن والفداء أو للمجموع يعني أن هذه الأحكام جارية فيهم حتى لا يكون حرب مع المشركين بزوال شوكتهم وقيل بنزول عيسى وأسند الوضع إلى الحرب لأنه لو أسنده إلى أهله بأن كان يقول حتى تضع أمة الحرب جاز أن يضعوا الأسلحة ويتركوا الحرب وهي باقية كقول القائل:
خصومتي ما انفصلت ولكن = تركتها في هذه الأيام). [إرشاد الساري: 7/341-342]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً حتّى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعضٍ والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم}.
يقول تعالى ذكره لفريق الإيمان به وبرسوله: {فإذا لقيتم الّذين كفروا} باللّه ورسوله من أهل الحرب، فاضربوا رقابهم.
وقوله: {حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق} يقول: حتّى إذا غلبتموهم وقهرتم من لم تضربوا رقبته منهم، فصاروا في أيديكم أسرى {فشدّوا الوثاق} يقول: فشدّوهم في الوثاق كيلاً يقتلوكم، فيهربوا منكم.
وقوله: {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} يقول: فإذا أسرتموهم بعد الإثخان، فإمّا أن تمنّوا عليهم بعد ذلك بإطلاقكم إيّاهم من الأسر، وتحرّروهم بغير عوضٍ ولا فديةٍ، وإمّا أن يفادوكم فداءً بأن يعطوكم من أنفسهم عوضًا حتّى تطلقوهم، وتخلّوا لهم السّبيل.
واختلف أهل العلم في قوله: {حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} فقال بعضهم: هو منسوخٌ نسخه قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن عيسى الدّامغانيّ، قالا: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، أنّه كان يقول في قوله: {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} نسخها قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن السّدّيّ، {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} قال: نسخها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} نسخها قوله: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فإذا لقيتم الّذين كفروا} إلى قوله: {وإمّا فداءً} كان المسلمون إذا لقوا المشركين قاتلوهم، فإذا أسروا منهم أسيرًا، فليس لهم إلاّ أن يفادوه، أو يمنّوا عليه، ثمّ يرسلوه، فنسخ ذلك بعد قوله: {فإمّا تثقفنّهم في الحرب فشرّد بهم من خلفهم} أي عظ بهم من سواهم من النّاس لعلّهم يذّكّرون.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن عبد الكريم الجزريّ، قال: كتب إلى أبي بكرٍ رضي اللّه عنه في أسيرٍ أسر، فذكر أنّهم التمسوه بفداء كذا وكذا، فقال أبو بكرٍ: اقتلوه لقتل رجلٍ من المشركين أحبّ إليّ من كذا وكذا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرّقاب} إلى آخر الآية، قال: الفداء منسوخٌ، نسختها: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} إلى {كلّ مرصدٍ} قال: فلم يبق لأحدٍ من المشركين عهدٌ ولا حرمةٌ بعد براءة، وانسلاخ الأشهر الحرم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} هذا منسوخٌ، نسخه قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فلم يبق لأحدٍ من المشركين عهدٌ ولا ذمّةٌ بعد براءة.
وقال آخرون: هي محكمةٌ وليست بمنسوخةٍ، وقالوا: لا يجوز قتل الأسير، وإنّما يجوز المنّ عليه والفداء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا أبو عتّابٍ سهل بن حمّادٍ، قال: حدّثنا خالد بن جعفرٍ، عن الحسن، قال: أتي الحجّاج بأسارى، فدفع إلى ابن عمر رجلاً يقتله، فقال ابن عمر: ليس بهذا أمرنا، قال اللّه عزّ وجلّ {حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق، فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً} قال: البكاء بين يديه فقال الحسن: لو كان هذا وأصحابه لابتدروا إليهم.
- حدّثنا ابن حميدٍ، وابن عيسى الدّامغانيّ، قالا: حدّثنا ابن المبارك، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، أنّه كان يكره قتل المشرك صبرًا، قال: ويتلو هذه الآية {فإمّا منًّا بعد وإمّا فداءً}.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن، قال: لا تقتل الأسارى إلاّ في الحرب يهيب بهم العدوّ.
- قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، قال: كان عمر بن عبد العزيز يفديهم الرّجل بالرّجل، وكان الحسن يكره أن يفادى بالمال.
- قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن رجلٍ من أهل الشّام ممّن كان يحرس عمر بن عبد العزيز، وهو من بني أسدٍ، قال: ما رأيت عمر رحمه اللّه قتل أسيرًا إلاّ واحدًا من التّرك كان جيء بأسارى من التّرك، فأمر بهم أن يسترقّوا، فقال رجلٌ ممّن جاء بهم: يا أمير المؤمنين، لو كنت رأيت هذا لأحدهم وهو يقتل المسلمين لكثر بكاؤك عليهم، فقال عمر: فدونك فاقتله، فقام إليه فقتله.
والصّواب من القول عندنا في ذلك أنّ هذه الآية محكمةٌ غير نسوخةٍ، وذلك أنّ صفة النّاسخ والمنسوخ ما قد بيّنّا في غير موضعٍ من كتبنا أنّه ما لم يجز اجتماع حكميهما في حالٍ واحدةٍ، أو ما قامت الحجّة بأنّ أحدهما ناسخ الآخر، وغير مستنكرٍ أن يكون جعل الخيار في المنّ والفداء والقتل إلى الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وإلى القائمين بعده بأمر الأمّة، وإن لم يكن القتل مذكورًا في هذه الآية، لأنّه قد أذن بقتلهم في آيةٍ أخرى، وذلك قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية بل ذلك كذلك، لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كذلك كان يفعل فيمن صار أسيرًا في يده من أهل الحرب، فيقتل بعضًا، ويفادي ببعضٍ، ويمنّ على بعضٍ، مثل يوم بدرٍ قتل عقبة بن أبي معيطٍ وقد أتي به أسيرًا، وقتل بني قريظة، وقد نزلوا على حكم سعدٍ، وصاروا في يده سلمًا، وهو على فدائهم والمنّ عليهم قادرٌ، وفادى بجماعة أسارى المشركين الّذين أسروا ببدرٍ، ومنّ على ثمامة بن أثالٍ الحنفيّ، وهو أسيرٌ في يده، ولم يزل ذلك ثابتًا من سيره في أهل الحرب من لدن أذن اللّه له بحربهم، إلى أن قبضه إليه صلّى اللّه عليه وسلّم دائمًا ذلك فيهم، وإنّما ذكر جلّ ثناؤه في هذه الآية المنّ والفداء في الأسارى، فخصّ ذكرهما فيها، لأنّ الأمر بقتلهما والإذن منه بذلك قد كان تقدّم في سائر آي تنزيله مكرّرًا، فأعلم نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما ذكر في هذه الآية من المنّ والفداء ما له فيهم مع القتل.
وقوله: {حتّى تضع الحرب أوزارها} يقول تعالى ذكره: فإذا لقيتم الّذين كفروا فاضربوا رقابهم، وافعلوا بأسراهم ما بيّنت لكم، حتّى تضع الحرب آثامها وأثقال أهلها، المشركين باللّه بأن يتوبوا إلى اللّه من شركهم، فيؤمنوا به وبرسوله، ويطيعوه في أمره ونهيه، فذلك وضع الحرب أوزارها، وقيل: {حتّى تضع الحرب أوزارها} والمعنى: حتّى تلقي الحرب أوزار أهلها وقيل: معنى ذلك: حتّى يضع المحارب أوزاره.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {حتّى تضع الحرب أوزارها} قال: حتّى يخرج عيسى ابن مريم، فيسلم كلّ يهوديٍّ ونصرانيٍّ وصاحب ملّةٍ، وتأمن الشّاة من الذّئب، ولا تقرض فأرةٌ جرابًا، وتذهب العداوة من الأشياء كلّها، ذلك ظهور الإسلام على الدّين كلّه، وينعم الرّجل المسلم حتّى تقطر رجله دمًا إذا وضعها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {حتّى تضع الحرب أوزارها} حتّى لا يكون شركٌ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {حتّى تضع الحرب أوزارها} قال: حتّى لا يكون شركٌ.
ذكر من قال: عنى بالحرب في هذا الموضع: المحاربون.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {حتّى تضع الحرب أوزارها} قال الحرب: من كان يقاتلهم سمّاهم حربًا.
وقوله: {ذلك ولو يشاء اللّه لانتصر منهم} يقول تعالى ذكره: هذا الّذي أمرتكم به أيّها المؤمنون من قتل المشركين إذا لقيتموهم في حربٍ، وشدّهم وثاقًا بعد قهرهم، وأسرهم، والمنّ والفداء {حتّى تضع الحرب أوزارها} هو الحقّ الّذي ألزمكم ربّكم ولو يشاء ربّكم ويريد لانتصر من هؤلاء المشركين الّذين بيّن هذا الحكم فيهم بعقوبةٍ منه لهم عاجلةٍ، وكفاكم ذلك كلّه، ولكنّه تعالى ذكره كره الانتصار منهم، وعقوبتهم عاجلاً إلاّ بأيديكم أيّها المؤمنون {لّيبلو بعضكم ببعضٍ} يقول: ليختبركم بهم، فيعلم المجاهدين منكم والصّابرين، ويبلوهم بكم، فيعاقب بأيديكم من شاء منهم، ويعظ من شاء منهم بمن أهلك بأيديكم من شاء منهم حتّى ينيب إلى الحقّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ولو يشاء اللّه لانتصر منهم} إي واللّه بجنوده الكثيرة، كلّ خلقه له جندٌ، ولو سلّط أضعف خلقه لكان جندًا.
وقوله: (والّذين قاتلوا في سبيل اللّه) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والكوفة: (والّذين قاتلوا)، بمعنى: حاربوا المشركين، وجاهدوهم، بالألف.
وكان الحسن البصريّ فيما ذكر عنه يقرأه (قتّلوا) بضمّ القاف وتشديد التّاء، بمعنى: أنّه قتلهم المشركون بعضهم بعد بعضٍ، غير أنّه لم يسمّ الفاعلون وذكر عن الجحدريّ عاصمٍ أنّه كان يقرأه والّذين قتلوا بفتح القاف وتخفيف التّاء، بمعنى: والّذين قتلوا المشركين باللّه وكان أبو عمرٍو يقرأه {قتلوا} بضمّ القاف وتخفيف التّاء بمعنى: والّذين قتلهم المشركون، ثمّ أسقط الفاعلين، فجعلهم لم يسمّ فاعل ذلك بهم.
وأولى القراءات بالصّواب قراءة من قرأه (والّذين قاتلوا) لاتّفاق الحجّة من القرّاء، وإن كان لجميعها وجوهٌ مفهومةٌ.
وإذ كان ذلك أولى القراءات عندنا بالصّواب، فتأويل الكلام: والّذين قاتلوا منكم أيّها المؤمنون أعداء اللّه من الكفّار في دين اللّه، وفي نصرة ما بعث به رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم من الهدى، فجاهدوهم في ذلك {فلن يضلّ أعمالهم} فلن يجعل اللّه أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا ضلالاً عليهم كما أضلّ أعمال الكافرين.
وذكر أنّ هذه الآية عني بها أهل أحدٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم}.
ذكر لنا أنّ هذه الآية أنزلت يوم أحدٍ ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الشّعب، وقد فشت فيهم الجراحات والقتل، وقد نادى المشركون يومئذٍ: أعل هبل، فنادى المسلمون: اللّه أعلى وأجلّ، فنادى المشركون: يومٌ بيومٍ، إنّ الحرب سجالٌ، إنّ لنا عزّى، ولا عزّى لكم، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اللّه مولانا ولا مولى لكم، إنّ القتلى مختلفةٌ، أمّا قتلانا فأحياءٌ يرزقون، وأمّا قتلاكم ففي النّار يعذّبون.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {والّذين قتلوا في سبيل اللّه فلن يضلّ أعمالهم} قال: الّذين قتلوا يوم أحدٍ). [جامع البيان: 21/182-191]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا شريك عن سالم الأفطس عن مجاهد حتى تضع الحرب أوزارها يعني نزول عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم). [تفسير مجاهد: 2/597]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد يعني حتى ينزل عيسى بن مريم فيسلم له كل يهودي وكل نصراني وكل صاحب ملة وتأمن الشاة الذئب ولا تقرض فأرة جرابا وتذهب العداوة من الأشياء كلها وذلك ظهور الإسلام على الدين كله وينعم الرجل المسلم حتى تقطر رجلاه وما إذا وضعهما من النعمة). [تفسير مجاهد: 2/597-598]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا الربيع ابن صبيح عن محمد بن سيرين عن عائشة قالت يوشك أن ينزل عيسى بن مريم عليه السلام إماما مهديا وحكما عدلا فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتوضع الجزية وتضع الحرب أوزارها). [تفسير مجاهد: 2/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 4 - 6.
أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} قال: مشركي العرب يقول {فضرب الرقاب} قال: حتى يقولوا لا إله إلا الله). [الدر المنثور: 13/349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله {حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق} قال: لا تأسروهم ولا تفادوهم حتى تثخنوهم بالسيف). [الدر المنثور: 13/349-350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النحاس عن ابن عباس في قوله {فإما منا بعد وإما فداء} قال: فجعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بالخيار في الأسرى إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استعبدوهم وإن شاؤوا فادوهم). [الدر المنثور: 13/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {فإما منا بعد وإما فداء} قال: هذا منسوخ نسختها (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين) (التوبة الآية 5) ). [الدر المنثور: 13/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فإما منا بعد وإما فداء} قال: فرخص لهم أن يمنوا على من شاؤوا منهم نسخ الله ذلك بعد في براءة فقال: (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة الآية 5) ). [الدر المنثور: 13/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {فإما منا بعد وإما فداء} قال: كان المسلمون إذا لقوا المشركين قاتلوهم فإذا أسروا منهم أسيرا فليس لهم إلا أن يفادوه أو يمنوا عليه ثم نسخ ذلك بعد (فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم) (الأنفال 57) ). [الدر المنثور: 13/350]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وعبد بن حميد، وابن جرير عن الضحاك ومجاهد في قوله {فإما منا بعد وإما فداء} قالا: نسختها (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم).
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن السدي مثله). [الدر المنثور: 13/350-351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأدى رجلين من أصحابه برجلين من المشركين أسروا). [الدر المنثور: 13/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أشعث قال: سألت الحسن وعطاء عن قوله {فإما منا بعد وإما فداء} قال: أحدهما يمن عليه أو لا يفادى وقال الآخر: يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم يمن عليه أو لا يفادى). [الدر المنثور: 13/351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن الحسن رضي الله عنه قال: أتى الحجاج بأسارى فدفع إلى ابن عمر رضي الله عنهما رجلا يقتله فقال ابن عمر: ليست بهذا أمرنا إنما قال الله {حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء}). [الدر المنثور: 13/351-352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والبيهقي في "سننه" عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما أعتق ولد زنية وقال: قد أمرنا الله ورسوله أن نمن على من هو شر منه قال الله {فإما منا بعد وإما فداء}.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن المنذر، وابن مردويه عن ليث رضي الله عنه قال: قلت لمجاهد: بلغني أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يحل قتل الأسارى لأن الله تعالى قال {فإما منا بعد وإما فداء} فقال مجاهد: لا تعبأ بهذا شيئا أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم ينكر هذا ويقول: هذه منسوخة إنما كانت في الهدنة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين فأما اليوم فلا يقول الله (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) ويقول {فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب} فإن كانوا من مشركي العرب لم يقبل منهم شيء إلا الإسلام فإن لم يسلموا فالقتل وأما من سواهم فإنهم إذا أسروا فالمسلمون فيهم بالخيار إن شاؤوا قتلوهم وإن شاؤوا استحيوهم وإن شاؤوا فادوهم إذا لم يتحولوا عن دينهم فإن أظهروا الإسلام لم يفادوا ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصغير والمرأة والشيخ الفاني). [الدر المنثور: 13/352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد رضي الله عنه قال: نسخت (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (النساء 89) ما كان قبل ذلك من فداء أو من). [الدر المنثور: 13/352]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عطاء رضي الله عنه أنه كان يكره قتل أهل الشرك صبرا ويتلو {فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء} ثم نسختها {فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم} ونزلت زعموا في العرب خاصة وقتل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا). [الدر المنثور: 13/352-353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن أيوب رضي الله عنه أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الوصفاء والعسفاء). [الدر المنثور: 13/353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن الضحاك بن مزاحم رضي الله عنه قال: نهى النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والولدان إلا من عدا منهم بالسيف). [الدر المنثور: 13/353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن القاسم بن عبد الرحمن رضي الله عنه قال: بعث النّبيّ صلى الله عليه وسلم سرية فطلبوا رجلا فصعد شجرة فأحرقوها بالنار فلما قدموا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم أخبروه بذلك فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إني لم أبعث أعذب بعذاب الله إنما بعثت بضرب الرقاب وشد الوثاق، أما قوله تعالى: {حتى تضع الحرب أوزارها}). [الدر المنثور: 13/353]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه في قوله {حتى تضع الحرب أوزارها} قال: حتى لا يكون شرك). [الدر المنثور: 13/354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه {حتى تضع الحرب أوزارها} قال: حتى يعبد الله ولا يشرك به). [الدر المنثور: 13/354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في "سننه" عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {حتى تضع الحرب أوزارها} قال: حتى يخرج عيسى بن مريم عليه السلام فيسلم كل يهودي ونصراني وصاحب ملة وتأمن الشاة من الذئب ولا تقرض فأرة جرابا وتذهب العداوة من الناس كلها ذلك ظهور الإسلام على الدين كله وينعم الرجل المسلم حتى تقطر رجله دما إذا وضعها). [الدر المنثور: 13/354]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوشك من عاش منكم أن يلقى عيسى بن مريم إماما مهديا وحكما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير وتوضع الجزية وتضع الحرب أوزارها). [الدر المنثور: 13/354-355]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير رضي الله عنه {حتى تضع الحرب أوزارها} قال: خروج عيسى بن مريم عليه السلام). [الدر المنثور: 13/355]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد وأحمد والنسائي والبغوي والطبراني، وابن مردويه عن سلمة بن نفيل رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله: إن الخيل قد سيبت ووضع السلاح وزعم أقوام أن لا قتال وأن قد وضعت الحرب أوزارها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كذبوا فالآن جاء القتال ولا تزال طائفة من أمتي يقاتلون في سبيل الله لا يضرهم من خالفهم يزيغ الله قلوب قوم ليرزقهم منهم ويقاتلون حتى تقوم الساعة ولا تزال الخيل معقودا في نواصيها الخير حتى تقوم الساعة ولا تضع الحرب أوزارها حتى يخرج يأجوج ومأجوج.
وأخرج ابن أبي حاتم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: فتح لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتح فقلت يا رسول الله اليوم ألقى الإسلام بجرانه ووضعت الحرب أوزارها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن دون أن تضع الحرب أوزارها خلالا ستا أولهن موتى ثم فتح بيت المقدس ثم فئتان من أمتي دعواهم واحدة يقتل بعضهم بعضا ويفيض المال حتى يعطي الرجل المائة دينار فيتسخط وموت يكون كقعاص الغنم وغلام من بني الأصفر ينبت في اليوم كنبات الشهر وفي الشهر كنبات السنة فيرغب فيه قومه فيملكونه يقولون نرجو أن ير بك علينا ملكنا فيجمع جمعا عظيما ثم يسير حتى يكون فيما بين العريش وأنطاكية وأميركم يومئذ نعم الأمير فيقول لأصحابه: ما ترون فيقولون نقاتلهم حتى يحكم الله بيننا وبينهم فيقول لا أرى ذلك نحرز ذرارينا وعيالنا ونخلي بينهم وبين الأرض ثم نغزوهم وقد أحرزنا ذرارينا فيسيرون فيخلون بينهم وبين أرضهم حتى يأتوا مدينتي هذه فيستهدون أهل الإسلام فيهدونهم ثم يقول لا ينتدبن معي إلا من يهب نفسه لله حتى نلقاهم فنقاتل حتى يحكم الله بيني وبينهم فينتدب معه سبعون ألفا ويزيدون على ذلك فيقول حسبي سبعون ألفا لا تحملهم الأرض وفيهم عين لعدوهم فيأتيهم فيخبرهم بالذي كان فيسيرون إليهم حتى إذا التقوا سألوا أن يخلي بينهم وبين من كان بينهم وبينه نسب فيدعونهم فيقولون ما ترون فيما يقولون فيقول: ما أنتم بأحق بقتالهم ولا أبعد منهم فيقول: فعندكم فأكسروا أغمادكم فيسل الله سيفه عليهم فيقتل منهم الثلثان ويقر في السفن الثلث وصاحبهم فيهم حتى إذا تراءت لهم جبالهم بعث الله عليهم ريحا فردتهم إلى مراسيهم من الشام فأخذوا فذبحوا عند أرجل سفنهم عند الساحل فيومئذ تضع الحرب أوزارها، أما قوله تعالى: {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم}). [الدر المنثور: 13/355-357]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم} قال: أي والله بجنوده الكثيرة كل خلقه له جند فلو سلط أضعف خلقه لكان له جندا). [الدر المنثور: 13/357]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله ذلك {ولو يشاء الله لانتصر منهم} قال: لأرسل عليهم ملكا فدمر عليهم وفي قوله {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم} قال: نزلت فيمن قتل من أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحد). [الدر المنثور: 13/357-358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ والذين قاتلوا بالألف). [الدر المنثور: 13/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم} الآية، قال: ذكر لنا أن هذه الآية نزلت في يوم أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الشعب وقد فشت فيهم الجراحات والقتل وقد نادى المشركون يومئذ: أعل هبل ونادى المسلمون الله أعلى وأجل ففادى المشركون يوم بيوم بدر وإن الحرب سجال لنا عزى ولا عزى لكم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا الله مولانا ولا مولى لكم إن القتلى مختلفة أما قتلانا فأحياء يرزقون وأما قتلاكم ففي النار يعذبون). [الدر المنثور: 13/358]
تفسير قوله تعالى: (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ (5) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {سيهديهم ويصلح بالهم (5) ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم (6) يا أيّها الّذين آمنوا إن تنصروا اللّه ينصركم ويثبّت أقدامكم}.
يقول تعالى ذكره: سيوفّق اللّه تعالى ذكره للعمل بما يرضى ويحبّ، هؤلاء الّذين قاتلوا في سبيله، {ويصلح بالهم} ويصلح أمرهم وحالهم في الدّنيا والآخرة). [جامع البيان: 21/191]
تفسير قوله تعالى: (وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي في قوله الجنة عرفها لهم قال عرفهم منازلهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/221]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن الكلبي عن أبي سعيد الخدري عن النبي قال إذا نجى الله المؤمنين من النار حبسوا على قنطرة بين الجنة والنار فاقتص بعضهم من بعض من مظالم كانت بينهم في الدنيا ثم يؤذن لهم أن يدخلوا الجنة فإذا دخلوها فما كان المؤمن بأدل بمنزله في الدنيا منه بمنزله في الجنة حين يدخلها). [تفسير عبد الرزاق: 2/221-222]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({عرّفها} [محمد: 6] : «بيّنها»). [صحيح البخاري: 6/134]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله عرّفها بيّنها قال أبو عبيدة في قوله عرّفها لهم بيّنها لهم وعرّفهم منازلهم). [فتح الباري: 8/579]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (عرّفها بينها
أشار به إلى قوله تعالى: {ويدخلهم الجنّة عرفها لهم} (محمّد: 6) وفسّر: (عرفها) بقوله: (بينها) وقال الثّعلبيّ: أي بين لهم منازلهم فيها حتّى يهتدوا إليها ودرجاتهم الّتي قسم الله لا يخطئون ولا يستدلون عليها أحدا كأنّهم سكانها منذ خلقوا). [عمدة القاري: 19/171]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({عرفها}) في قوله تعالى: {ويدخلهم الجنة عرّفها لهم} [محمد: 6] أي (بينها) لهم وعرفهم منازلها بحيث يعلم كل واحد منهم منزله ويهتدي إليه كأنه كان ساكنة منذ خلق أو طيبها لهم من العرف وهو طيب الرائحة). [إرشاد الساري: 7/342]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم} يقول: ويدخلهم اللّه جنّته عرّفها، يقول: عرّفها وبيّنها لهم، حتّى إنّ الرّجل ليأتي منزله منها إذا دخلها كما كان يأتي منزله في الدّنيا، لا يشكل عليه ذلك.
- كما: حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: إذا نجّى اللّه المؤمنين من النّار حبسوا على قنطرةٍ بين الجنّة والنّار، فاقتصّ بعضهم من بعضٍ مظالم كثيرةً كانت بينهم في الدّنيا، ثمّ يؤذن لهم بالدّخول في الجنّة، قال: فما كان المؤمن بأدلّ بمنزله في الدّنيا منه بمنزله في الجنّة حين يدخلها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم} قال: أي منازلهم فيها.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم} قال: يهتدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم، وحيث قسم اللّه لهم لا يخطئون، كأنّهم سكّانها منذ خلقوا لا يستدلّون عليها أحدًا.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم} قال: بلغنا عن غير واحدٍ قال: يدخل أهل الجنّة الجنّة، ولهم أعرف بمنازلهم فيها من منازلهم في الدّنيا الّتي يختلفون إليها في عمر الدّنيا؛ قال: فتلك قول اللّه جلّ ثناؤه {ويدخلهم الجنّة عرّفها لهم}). [جامع البيان: 21/191-192]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله الجنة عرفها لهم قال يمشي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم وما قسم الله عز وجل لهم فيها لا يخطئون شيئا منها كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدا). [تفسير مجاهد: 2/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد رضي الله عنه {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} قال: يهدي أهلها إلى بيوتهم ومساكنهم وحيث قسم الله لهم منها لا يخطئون كأنهم ساكنوها منذ خلقوا لا يستدلون عليها أحدا). [الدر المنثور: 13/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة رضي الله عنه {عرفها لهم} قال: عرفهم منازلهم فيها). [الدر المنثور: 13/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل رضي الله عنه في قوله {ويدخلهم الجنة عرفها لهم} قال: بلغنا أن الملك الذي كان وكل بحفظ عمله في الدنيا يمشي بين يديه في الجنة ويتبعه ابن آدم حتى يأتي أقصى منزل هو له فيعرفه كل شيء أعطاه الله في الجنة فإذا انتهى إلى أقصى منزله في الجنة دخل إلى منزله وأزواجه وانصرف الملك عنه). [الدر المنثور: 13/359]