تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ليس في الجن رسالة قال إنما الرسالة في الإنس والإنذار في الجن قال ولوا إلى قومهم منذرين). [تفسير عبد الرزاق: 2/216]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير في قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن قال لما بعث النبي حرست السماء فقالت الشياطين ما حرست إلا لأمر حدث في الأرض فبعث سراياه في الأرض فوجدوا النبي قائما يصلي بأصحابه صلاة الفجر بنخلة وهو يقرأ فاستمعوا حتى إذا فرغ ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يقومنا إنا سمعنا كتبا حتى مستقيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/218]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة أن النبي ذهب هو ابن مسعود ليلة الجن فخط النبي على ابن مسعود خطا فقال لا تخرج منه ثم ثم ذهب النبي فأتى الجن فقرأ عليهم القرآن ثم رجع النبي إلى ابن مسعود فقال له هل رأيت شيئا فقال سمعت لغطا شديدا قال إن الجن تدارأت في قتيل بينها فقضي بينهم بالحق قال وسألوا النبي الزاد فقال كل عظم لكم عرق وكل روثة لكم خضرة قالوا يا نبي الله يقذرهما الناس علينا فنهى النبي فنهى النبي أن يستنجي الناس بأحدهما
وقال فلما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزط وهم قوم طيال سود فأفزعوه حين رآهم فقال أظهروا فقيل له إن هؤلاء قوم من الزط فقال ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى النبي يريد الجن). [تفسير عبد الرزاق: 2/218-219]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عليّ بن حجرٍ، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود، عن الشّعبيّ، عن علقمة، قال: قلت لابن مسعودٍ: هل صحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ منكم أحدٌ؟ قال: ما صحبه منّا أحدٌ ولكن قد افتقدناه ذات ليلةٍ وهو بمكّة، فقلنا اغتيل أو استطير ما فعل به؟ فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، حتّى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصّبح، إذا نحن به يجيء من قبل حراء، قال: فذكروا له الّذي كانوا فيه، فقال: أتاني داعي الجنّ، فأتيتهم فقرأت عليهم قال: فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، قال الشّعبيّ، وسألوه الزّاد وكانوا من جنّ الجزيرة، فقال: كلّ عظمٍ يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحمًا، وكلّ بعرةٍ أو روثةٍ علفٌ لدوابّكم فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: فلا تستنجوا بهما فإنّهما زاد إخوانكم من الجنّ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/235]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضى ولّوا إلى قومهم منذرين}.
يقول تعالى ذكره مقرّعًا كفّار قريشٍ بكفرهم بما آمنت به الجنّ {وإنّما صرفنا إليك} يا محمّد {نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} ذكر أنّهم صرفوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحادث الّذي حدث من رجمهم بالشّهب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن زيادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: كانت الجنّ تستمع، فلمّا رجموا قالوا: إنّ هذا الّذي حدث في السّماء لشيءٍ حدث في الأرض، فذهبوا يطلبون حتّى رأوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خارجًا من سوق عكاظ يصلّي بأصحابه الفجر، فذهبوا إلى قومهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حرست السّماء، فقال الشّيطان: ما حرست إلاّ لأمرٍ قد حدث في الأرض فبعث سراياه في الأرض، فوجدوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا يصلّي صلاة الفجر بأصحابه بنخلة، وهو يقرأ فاستمعوا حتّى إذا فرغ {ولّوا إلى قومهم منذرين} إلى قوله {مستقيمٍ}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} إلى آخر الآية، قال: لم تكن السّماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانوا يقعدون مقاعد للسّمع؛ فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم حرست السّماء حرسًا شديدًا، ورجمت الشّياطين، فأنكروا ذلك، وقالوا: {لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدثٌ، واجتمعت إليه الجنّ، فقال: تفرّقوا في الأرض، فأخبروني ما هذا الخبر الّذي حدث في السّماء، وكان أوّل بعثٍ ركب من أهل نصيبين، وهي أشراف الجنّ وساداتهم، فبعثهم إلى تهامة، فاندفعوا حتّى بلغوا الوادي، وادي نخلة، فوجدوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي صلاة الغداة ببطن نخلة، فاستمعوا؛ فلمّا سمعوه يتلو القرآن، قالوا: أنصتوا، ولم يكن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم أنّهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن؛ فلمّا قضى ولّوا إلى قومهم منذرين.
واختلف أهل التّأويل في مبلغ عدد النّفر الّذين قال اللّه {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} فقال بعضهم: كانوا سبعة نفرٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الحميد، قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} الآية، قال: كانوا سبعة نفرٍ من أهل نصيبين، فجعلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رسلاً إلى قومهم.
وقال آخرون: بل كانوا تسعة نفرٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: كانوا تسعة نفرٍ فيهم زوبعة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو ببطن نخلة، {فلمّا حضروه} قال: كانوا تسعةً أحدهم زوبعة.
وقوله: {فلمّا حضروه} يقول: فلمّا حضر هؤلاء النّفر من الجنّ الّذين صرفهم اللّه إلى رسوله نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
واختلف أهل العلم في صفة حضورهم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: حضروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتعرّفون الأمر الّذي حدث من قبله ما حدث في السّماء، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يشعر بمكانهم، كما قد ذكرنا عن ابن عبّاسٍ قبل.
- وكما: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: ما شعر بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى جاءوا، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه فيهم، وأخبر عنهم.
وقال آخرون: بل أمر نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقرأ عليهم القرآن، وأنّهم جمعوا له بعد أن تقدّم اللّه إليه بإنذارهم، وأمره بقراءة القرآن عليهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} قال: ذكر لنا أنّهم صرفوا إليه من نينوى، قال: فإنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: إنّي أمرت أن أقرأ القرآن على الجنّ، فأيّكم يتّبعني؟ فأطرقوا، ثمّ استتبعهم فأطرقوا، ثمّ استتبعهم الثّالثة فأطرقوا، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه إنّك لذو بديئةٍ، فاتّبعه عبد اللّه بن مسعودٍ، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شعبًا يقال له شعب الحجون قال: وخطّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على عبد اللّه خطًّا ليثبّته به، قال: فجعلت تهوي بي وأرى أمثال النّسور تمشي في دفوفها، وسمعت لغطًا شديدًا، حتّى خفت على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ تلا القرآن؛ فلمّا رجع نبيّ اللّه قلت: يا نبيّ اللّه ما اللّغط الّذي سمعت؟ قال: اجتمعوا إليّ في قتيلٍ كان بينهم، فقضي بينهم بالحقّ.
- ذكر لنا أنّ ابن مسعودٍ لمّا قدم الكوفة رأى شيوخًا شمطًا من الزّطّ، فراعوه، قال: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء نفرٌ من الأعاجم، قال: ما أريت للّذين قرأ عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الإسلام من الجنّ شبهًا أدنى من هؤلاء.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذهب وابن مسعودٍ ليلة دعا الجنّ، فخطّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على ابن مسعودٍ خطًّا، ثمّ قال له: لا تخرج منه ثمّ ذهب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الجنّ، فقرأ عليهم القرآن، ثمّ رجع إلى ابن مسعودٍ فقال: هل رأيت شيئًا؟ قال: سمعت لغطًا شديدًا، قال: إنّ الجنّ تدارأت في قتيلٍ قتل بينها، فقضي بينهم بالحقّ، وسألوه الزّاد، فقال: كلّ عظمٍ لكم عرقٌ، وكلّ روثٍ لكم خضرةٌ قالوا: يا رسول اللّه تقذّرها النّاس علينا، فنهى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يستنجى بأحدهما فلمّا قدم ابن مسعودٍ الكوفة رأى الزّطّ، وهم قومٌ طوالٌ سودٌ، فأفزعوه، فقال: أظهروا؟ فقيل له: إنّ هؤلاء قومٌ من الزّطّ، فقال: ما أشبههم بالنّفر الّذين صرفوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن عمرو بن غيلان الثّقفيّ، أنّه قال لابن مسعودٍ: حدّثت أنّك كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، قال: أجل، قال: فكيف كان؟ فذكر الحديث كلّه وذكر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطّ عليه خطًّا وقال: لا تبرح منها، فذكر أنّ مثل العجاجة السّوداء غشيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذعر ثلاث مرّاتٍ، حتّى إذا كان قريبًا من الصّبح، أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أنمت؟ قلت: لا واللّه، ولقد هممت مرارًا أن أستغيث بالنّاس حتّى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول: اجلسوا، قال: لو خرجت لم آمن أن يختطفك بعضهم، ثمّ قال: هل رأيت شيئًا؟ قال: نعم رأيت رجالاً سودًا مستثفري ثيابٍ بيضٍ، قال: (أولئك جنّ نصيبين، سألوني المتاع، والمتاع الزّاد، فمتّعتهم بكلّ عظمٍ حائلٍ أو بعرةٍ أو روثةٍ)، فقلت: يا رسول اللّه، وما يغني ذلك عنهم؟ قال: (إنّهم لن يجدوا عظمًا إلاّ وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثةً إلاّ وجدوا فيها حبّها يوم أكلت، فلا يستنقينّ أحدٌ منكم إذا خرج من الخلاء بعظمٍ ولا بعرةٍ ولا روثةٍ).
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبو زرعة وهب بن راشدٍ، قال: قال يونس، قال ابن شهابٍ: أخبرني أبو عثمان بن شبّة الخزاعيّ، وكان، من أهل الشّام أنّ ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه وهو بمكّة: من أحبّ منكم أن يحضر أمر الجنّ اللّيلة فليفعل فلم يحضر منهم أحدٌ غيري، قال: فانطلقنا حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة، خطّ لي برجله خطًّا، ثمّ أمرني أن أجلس فيه، ثمّ انطلق حتّى قام فافتتح القرآن، فغشيته أسودةٌ كثيرةٌ حالت بيني وبينه حتّى ما أسمع صوته، ثمّ طفقوا يتقطّعون مثل قطع السّحاب ذاهبين، حتّى بقي منهم رهطٌ، ففرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع الفجر، فانطلق متبرّزًا، ثمّ أتاني فقال: ما فعل الرّهط؟ قلت: هم أولئك يا رسول اللّه، فأخذ عظمًا أو روثًا أو حممةً فأعطاهم إيّاه زادًا، ثمّ نهى أن يستطيب أحدٌ بعظمٍ أو روثٍ.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثنا عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن أبي عثمان بن سنّة الخزاعيّ، وكان من أهل الشّأم، أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله سواءً، إلاّ أنّه قال: فأعطاهم روثًا أو عظمًا زادًا، ولم يذكر الحممةً.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: ثني عمّي، قال: أخبرني يونس، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، أنّ ابن مسعودٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: (بتّ اللّيلة أقرأ على الجنّ ربعًا بالحجون).
واختلفوا في الموضع الّذي تلا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه القرآن، فقال عبد اللّه بن مسعودٍ: قرأ عليهم بالحجون، وقد ذكرنا الرّواية عنه بذلك.
وقال آخرون: قرأ عليهم بنخلة، وقد ذكرنا بعض من قال ذلك، ونذكر من لم نذكره.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خلاّدٌ، عن زهير بن معاوية، عن جابرٍ الجعفيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّفر الّذين، أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من جنّ نصيبين أتوه وهو بنخلة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: لقيهم بنخلة ليلتئذٍ.
وقوله: {فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} يقول تعالى ذكره: فلمّا حضروا القرآن ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ قال بعضهم لبعضٍ: أنصتوا لنستمع القرآن.
- كما: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، {فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} قالوا: صهٍ.
- قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرّ بن حبيشٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} قد علم القوم أنّهم لن يعقلوا حتّى ينصتوا.
وقوله: {فلمّا قضي} يقول: فلمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من القراءة وتلاوة القرآن وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثنّى عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {فلمّا قضي} يقول: فلمّا فرغ من الصّلاة {ولّوا إلى قومهم منذرين}.
وقوله: {ولّوا إلى قومهم منذرين} يقول: انصرفوا منذرين عذاب اللّه على الكفر به.
- وذكر عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعلهم رسلاً إلى قومهم.
حدّثنا بذلك أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الحميد الحمّانيّ، قال: حدّثنا النّضر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ.
وهذا القول خلاف القول الّذي روي عنه، أنّه قال: لم يكن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم أنّهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن، لأنّه محالٌ أن يرسلهم إلى آخرين إلاّ بعد علمه بمكانهم، إلاّ أن يقال: لم يعلم بمكانهم في حال استماعهم للقرآنٍ، ثمّ علم بعد قبل انصرافهم إلى قومهم، فأرسلهم رسلاً حينئذٍ إلى قومهم، وليس ذلك في الخبر الّذي روي). [جامع البيان: 21/163-171]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن قال لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ بنخلة). [تفسير مجاهد: 2/594-595]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عليٍّ الحافظ، أنبأ عبدان الأهوازيّ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، ثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " هبطوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلمّا سمعوه قالوا: أنصتوا. قالوا: صهٍ. وكانوا تسعةً أحدهم زوبعة فأنزل اللّه عزّ وجلّ {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن، فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} [الأحقاف: 29] الآية إلى {ضلالٍ مبينٍ} [آل عمران: 164] «صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/495]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أحمد بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا عبد اللّه بن صالحٍ، ثنا معاوية بن صالحٍ، عن أبي الزّاهريّة، عن جبير بن نفيرٍ، عن أبي ثعلبة الخشنيّ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «الجنّ ثلاثة أصنافٍ صنفٌ لهم أجنحةٌ يطيرون في الهواء، وصنفٌ حيّاتٌ وكلابٌ، وصنفٌ يحلّون ويظعنون» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/495]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م ت د) علقمة -رحمه الله -: قال: قلت لابن مسعودٍ: هل صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ منكم أحدٌ؟ قال: ما صحبه منّا أحدٌ، ولكنّا كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشّعاب، فقلنا: استطير، أو اغتيل، فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، فلما أصبحنا إذا هوجاءٍ من قبل حراء، قال: فقلنا: يا رسول الله، فقدناك، فطلبناك، فلم نجدك، فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، قال: «أتاني داعي الجنّ، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن» قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزّاد، فقال: «لكم كلّ عظمٍ ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكلّ بعرةٍ علفٌ لدوابّكم» فقال- رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم».
وفي رواية بعد قوله: «وآثار نيرانهم» قال الشعبيّ: وسألوه الزّاد؟ وكانوا من جنّ الجزيرة - إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصّلاً من حديث عبد الله، هذه رواية مسلم.
وأخرجه الترمذي، وذكر فيه قول الشعبي، كما سبق في هذه الرواية الآخرة، وزاد فيه: أو روثةٍ.
وفي رواية لمسلم، أنّ ابن مسعود قال: لم أكن ليلة الجنّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووددت أنّي كنت معه، لم يزد على هذا.
وأخرج أبو داود منه طرفاً، قال: قلت لعبد الله بن مسعودٍ: «من كان منكم ليلة الجن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان معه منّا أحدٌ». لم يزد على هذا.
[شرح الغريب]
(استطير): استفعل من الطيران، كأنه أخذه شيء وطار به.
(اغتيل): أخذ غيلة، والاغتيال: الاحتيال). [جامع الأصول: 2/354-355]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} [الأحقاف: 29].
«عن ابن عبّاسٍ {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29] الآية، قال: كانوا تسعة نفرٍ من أهل نصيبين، فجعلهم رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - رسلًا إلى قومهم».
رواه الطّبرانيّ.
- «ولابن عبّاسٍ في الأوسط قال: صرفت الجنّ إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - مرّتين، وكان أشراف الجنّ بنصيبين»
- وله في الأوسط أيضًا: «أنّ الجنّ الّذين أتوا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أتوه وهو بنخلة».
- ولابن عبّاسٍ في البزّار: كانت أشراف الجنّ بالموصل. فأمّا إسناد الطّبرانيّ في الكبير ففيه النّضر أبو عمر وهو متروكٌ، وأحد إسنادي الأوسط فيه جابرٌ الجعفيّ وهو ضعيفٌ، والإسناد الآخر وإسناد البزّار أيضًا فيهما عفير بن معدان وهو متروكٌ.
- وعن زرٍّ - يعني ابن حبيشٍ - {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} [الأحقاف: 29] قال: صه، قال: فكانوا سبعةً، أحدهم زوبعة.
رواه البزّار، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/106]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرءان فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} [الأحقاف: 29] قال: صه، قال: فكانوا سبعةً أحدهم زوبعة، قال البزّار: قد رفعه بعض أصحاب أبي أحمد إلى عبد اللّه.
- حدّثنا سلمة بن شبيبٍ، ثنا أبو المغيرة، ثنا عفيرٌ، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} [الأحقاف: 29] قال: كانت من أشراف الجنّ بالموصل). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 29 - 34
أخرج أحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن الزبير {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} قال: بنخلة قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الآخرة كادوا يكونون عليه لبدا). [الدر المنثور: 13/340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن منيع والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: هبطوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا: أنصتوا قالوا: صه وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} إلى قوله {ضلال مبين}). [الدر المنثور: 13/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} الآية قال: كانوا تسعة عشر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم). [الدر المنثور: 13/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين وكان أشراف الجن بنصيبين). [الدر المنثور: 13/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} قال: كانوا من أهل نصيبين أتوه ببطن نخلة). [الدر المنثور: 13/341-342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بت الليلة أقرأ على الجن - رفقا بالحجون). [الدر المنثور: 13/342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن مردويه عن مسروق قال: سألت ابن مسعود من آذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن قال: آذنته بهم شجرة). [الدر المنثور: 13/342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل أين قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن فقال: قرأ عليهم بشعب يقال له الحجون). [الدر المنثور: 13/342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود رضي الله عنه: هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد قال: ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير ما فعل قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حرا فأخبرناه فقال: إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم). [الدر المنثور: 13/342-343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} قال: هم اثنا عشر ألفا من جزيرة الموصل). [الدر المنثور: 13/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} قال: كانوا سبعة ثلاثة من أهل حران وأربعة من نصيبين وكان أسماؤهم حسى ومسى وشاصر وماصر والأرد وإينان والأحقم وسرق). [الدر المنثور: 13/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني والحاكم، وابن مردويه عن صفوان بن المعطل قال: خرجنا حجاجا فلما كنا بالعرج إذا نحن بحية تضطرب فما لبث أن ماتت فلفها رجل في خرقة ودفنها ثم قدمنا مكة فإنا لبالمسجد الحرام إذ وقف علينا شخص فقال: أيكم صاحب عمرو قلنا: ما نعرف عمرا، قال: أيكم صاحب الجان قالوا: هذا، قال: أما أنه آخر التسعة موتا الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمعون القرآن). [الدر المنثور: 13/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الدلائل والواقدي عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة). [الدر المنثور: 13/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواقدي وأبو نعيم عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: لما انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن نخلة وهم فلان وفلان وفلان والأرد وإينان والأحقب جاؤوا قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحقب فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك فواعده رسول الله صلى الله عليه وسلم لساعة من الليل بالحجون والله أعلم). [الدر المنثور: 13/344]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مّستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء الّذين صرفوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الجنّ لقومهم لمّا انصرفوا إليهم من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {يا قومنا} من الجنّ {إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد} كتاب {موسى مصدّقًا لما بين يديه} يقول: يصدّق ما قبله من كتب اللّه الّتي أنزلها على رسله.
وقوله: {يهدي إلى الحقّ} يقول: يرشد إلى الصّواب، ويدلّ على ما فيه للّه رضًا {وإلى طريقٍ مستقيمٍ} يقول: وإلى طريقٍ لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام.
- وكان قتادة يقول في ذلك ما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّه قرأ {قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ} فقال: ما أسرع ما عقل القوم، ذكر لنا أنّهم صرفوا إليه من نينوى). [جامع البيان: 21/171-172]
تفسير قوله تعالى: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ (31) ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلالٍ مبينٍ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفر من الجنّ {يا قومنا} من الجنّ {أجيبوا داعي اللّه} قالوا: أجيبوا رسول اللّه محمّدًا إلى ما يدعوكم إليه من طاعة اللّه {وآمنوا به} يقول: وصدّقوه فيما جاءكم به وقومه من أمر اللّه ونهيه، وغير ذلك ممّا دعاكم إلى التّصديق به {يغفر لكم} يقول: يتغمّد لكم ربّكم من ذنوبكم فيسترها لكم ولا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته إيّاكم عليها {ويجركم من عذابٍ أليمٍ} يقول: وينقذكم من عذابٍ موجعٍ إذا أنتم تبتم من ذنوبكم، وأنبتم من كفركم إلى الإيمان باللّه وبداعيه). [جامع البيان: 21/172]
تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفر لقومهم: ومن لا يجب أيّها القوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محمّدًا، وداعيه إلى ما بعثه بالدّعاء إليه من توحيده، والعمل بطاعته {فليس بمعجزٍ في الأرض} يقول: فليس بمعجزٍ ربّه بهربه، إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه، وتركه تصديقه وإن ذهب في الأرض هاربًا، لأنّه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته {وليس له من دونه أولياء} يقول: وليس لمن لم يجب داعي اللّه من دون ربّه نصراء ينصرونه من اللّه إذا عاقبه ربّه على كفره به وتكذيبه داعيه.
وقوله: {أولئك في ضلالٍ مبينٍ} يقول: هؤلاء الّذين لم يجيبوا داعي اللّه فيصدّقوا به، وبما دعاهم إليه من توحيد اللّه والعمل بطاعته في جورٍ عن قصد السّبيل، وأخذٍ على غير استقامةٍ {مبينٍ} يقول: يبين لمن تأمّله أنّه ضلالٌ وأخذٌ على غير قصدٍ). [جامع البيان: 21/173]