العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الأحقاف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:40 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير سورة الأحقاف [ من الآية (29) إلى الآية (32) ]

{وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:43 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ليس في الجن رسالة قال إنما الرسالة في الإنس والإنذار في الجن قال ولوا إلى قومهم منذرين). [تفسير عبد الرزاق: 2/216]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير في قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن قال لما بعث النبي حرست السماء فقالت الشياطين ما حرست إلا لأمر حدث في الأرض فبعث سراياه في الأرض فوجدوا النبي قائما يصلي بأصحابه صلاة الفجر بنخلة وهو يقرأ فاستمعوا حتى إذا فرغ ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يقومنا إنا سمعنا كتبا حتى مستقيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/218]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة أن النبي ذهب هو ابن مسعود ليلة الجن فخط النبي على ابن مسعود خطا فقال لا تخرج منه ثم ثم ذهب النبي فأتى الجن فقرأ عليهم القرآن ثم رجع النبي إلى ابن مسعود فقال له هل رأيت شيئا فقال سمعت لغطا شديدا قال إن الجن تدارأت في قتيل بينها فقضي بينهم بالحق قال وسألوا النبي الزاد فقال كل عظم لكم عرق وكل روثة لكم خضرة قالوا يا نبي الله يقذرهما الناس علينا فنهى النبي فنهى النبي أن يستنجي الناس بأحدهما
وقال فلما قدم ابن مسعود الكوفة رأى الزط وهم قوم طيال سود فأفزعوه حين رآهم فقال أظهروا فقيل له إن هؤلاء قوم من الزط فقال ما أشبههم بالنفر الذين صرفوا إلى النبي يريد الجن). [تفسير عبد الرزاق: 2/218-219]

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عليّ بن حجرٍ، قال: أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود، عن الشّعبيّ، عن علقمة، قال: قلت لابن مسعودٍ: هل صحب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ منكم أحدٌ؟ قال: ما صحبه منّا أحدٌ ولكن قد افتقدناه ذات ليلةٍ وهو بمكّة، فقلنا اغتيل أو استطير ما فعل به؟ فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، حتّى إذا أصبحنا أو كان في وجه الصّبح، إذا نحن به يجيء من قبل حراء، قال: فذكروا له الّذي كانوا فيه، فقال: أتاني داعي الجنّ، فأتيتهم فقرأت عليهم قال: فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، قال الشّعبيّ، وسألوه الزّاد وكانوا من جنّ الجزيرة، فقال: كلّ عظمٍ يذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحمًا، وكلّ بعرةٍ أو روثةٍ علفٌ لدوابّكم فقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: فلا تستنجوا بهما فإنّهما زاد إخوانكم من الجنّ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/235]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضى ولّوا إلى قومهم منذرين}.
يقول تعالى ذكره مقرّعًا كفّار قريشٍ بكفرهم بما آمنت به الجنّ {وإنّما صرفنا إليك} يا محمّد {نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} ذكر أنّهم صرفوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بالحادث الّذي حدث من رجمهم بالشّهب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن زيادٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: كانت الجنّ تستمع، فلمّا رجموا قالوا: إنّ هذا الّذي حدث في السّماء لشيءٍ حدث في الأرض، فذهبوا يطلبون حتّى رأوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خارجًا من سوق عكاظ يصلّي بأصحابه الفجر، فذهبوا إلى قومهم.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا بعث النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حرست السّماء، فقال الشّيطان: ما حرست إلاّ لأمرٍ قد حدث في الأرض فبعث سراياه في الأرض، فوجدوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا يصلّي صلاة الفجر بأصحابه بنخلة، وهو يقرأ فاستمعوا حتّى إذا فرغ {ولّوا إلى قومهم منذرين} إلى قوله {مستقيمٍ}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثني عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} إلى آخر الآية، قال: لم تكن السّماء تحرس في الفترة بين عيسى ومحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وكانوا يقعدون مقاعد للسّمع؛ فلمّا بعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم حرست السّماء حرسًا شديدًا، ورجمت الشّياطين، فأنكروا ذلك، وقالوا: {لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} فقال إبليس: لقد حدث في الأرض حدثٌ، واجتمعت إليه الجنّ، فقال: تفرّقوا في الأرض، فأخبروني ما هذا الخبر الّذي حدث في السّماء، وكان أوّل بعثٍ ركب من أهل نصيبين، وهي أشراف الجنّ وساداتهم، فبعثهم إلى تهامة، فاندفعوا حتّى بلغوا الوادي، وادي نخلة، فوجدوا نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي صلاة الغداة ببطن نخلة، فاستمعوا؛ فلمّا سمعوه يتلو القرآن، قالوا: أنصتوا، ولم يكن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم أنّهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن؛ فلمّا قضى ولّوا إلى قومهم منذرين.
واختلف أهل التّأويل في مبلغ عدد النّفر الّذين قال اللّه {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} فقال بعضهم: كانوا سبعة نفرٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الحميد، قال: حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} الآية، قال: كانوا سبعة نفرٍ من أهل نصيبين، فجعلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رسلاً إلى قومهم.
وقال آخرون: بل كانوا تسعة نفرٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: كانوا تسعة نفرٍ فيهم زوبعة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: أنزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو ببطن نخلة، {فلمّا حضروه} قال: كانوا تسعةً أحدهم زوبعة.
وقوله: {فلمّا حضروه} يقول: فلمّا حضر هؤلاء النّفر من الجنّ الّذين صرفهم اللّه إلى رسوله نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
واختلف أهل العلم في صفة حضورهم كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال بعضهم: حضروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يتعرّفون الأمر الّذي حدث من قبله ما حدث في السّماء، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يشعر بمكانهم، كما قد ذكرنا عن ابن عبّاسٍ قبل.
- وكما: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: ما شعر بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى جاءوا، فأوحى اللّه عزّ وجلّ إليه فيهم، وأخبر عنهم.
وقال آخرون: بل أمر نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقرأ عليهم القرآن، وأنّهم جمعوا له بعد أن تقدّم اللّه إليه بإنذارهم، وأمره بقراءة القرآن عليهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} قال: ذكر لنا أنّهم صرفوا إليه من نينوى، قال: فإنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: إنّي أمرت أن أقرأ القرآن على الجنّ، فأيّكم يتّبعني؟ فأطرقوا، ثمّ استتبعهم فأطرقوا، ثمّ استتبعهم الثّالثة فأطرقوا، فقال رجلٌ: يا رسول اللّه إنّك لذو بديئةٍ، فاتّبعه عبد اللّه بن مسعودٍ، فدخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شعبًا يقال له شعب الحجون قال: وخطّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على عبد اللّه خطًّا ليثبّته به، قال: فجعلت تهوي بي وأرى أمثال النّسور تمشي في دفوفها، وسمعت لغطًا شديدًا، حتّى خفت على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ تلا القرآن؛ فلمّا رجع نبيّ اللّه قلت: يا نبيّ اللّه ما اللّغط الّذي سمعت؟ قال: اجتمعوا إليّ في قتيلٍ كان بينهم، فقضي بينهم بالحقّ.
- ذكر لنا أنّ ابن مسعودٍ لمّا قدم الكوفة رأى شيوخًا شمطًا من الزّطّ، فراعوه، قال: من هؤلاء؟ قالوا: هؤلاء نفرٌ من الأعاجم، قال: ما أريت للّذين قرأ عليهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الإسلام من الجنّ شبهًا أدنى من هؤلاء.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذهب وابن مسعودٍ ليلة دعا الجنّ، فخطّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على ابن مسعودٍ خطًّا، ثمّ قال له: لا تخرج منه ثمّ ذهب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الجنّ، فقرأ عليهم القرآن، ثمّ رجع إلى ابن مسعودٍ فقال: هل رأيت شيئًا؟ قال: سمعت لغطًا شديدًا، قال: إنّ الجنّ تدارأت في قتيلٍ قتل بينها، فقضي بينهم بالحقّ، وسألوه الزّاد، فقال: كلّ عظمٍ لكم عرقٌ، وكلّ روثٍ لكم خضرةٌ قالوا: يا رسول اللّه تقذّرها النّاس علينا، فنهى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يستنجى بأحدهما فلمّا قدم ابن مسعودٍ الكوفة رأى الزّطّ، وهم قومٌ طوالٌ سودٌ، فأفزعوه، فقال: أظهروا؟ فقيل له: إنّ هؤلاء قومٌ من الزّطّ، فقال: ما أشبههم بالنّفر الّذين صرفوا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
- قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن عمرو بن غيلان الثّقفيّ، أنّه قال لابن مسعودٍ: حدّثت أنّك كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، قال: أجل، قال: فكيف كان؟ فذكر الحديث كلّه وذكر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطّ عليه خطًّا وقال: لا تبرح منها، فذكر أنّ مثل العجاجة السّوداء غشيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذعر ثلاث مرّاتٍ، حتّى إذا كان قريبًا من الصّبح، أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أنمت؟ قلت: لا واللّه، ولقد هممت مرارًا أن أستغيث بالنّاس حتّى سمعتك تقرعهم بعصاك تقول: اجلسوا، قال: لو خرجت لم آمن أن يختطفك بعضهم، ثمّ قال: هل رأيت شيئًا؟ قال: نعم رأيت رجالاً سودًا مستثفري ثيابٍ بيضٍ، قال: (أولئك جنّ نصيبين، سألوني المتاع، والمتاع الزّاد، فمتّعتهم بكلّ عظمٍ حائلٍ أو بعرةٍ أو روثةٍ)، فقلت: يا رسول اللّه، وما يغني ذلك عنهم؟ قال: (إنّهم لن يجدوا عظمًا إلاّ وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثةً إلاّ وجدوا فيها حبّها يوم أكلت، فلا يستنقينّ أحدٌ منكم إذا خرج من الخلاء بعظمٍ ولا بعرةٍ ولا روثةٍ).
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، قال: أخبرنا أبو زرعة وهب بن راشدٍ، قال: قال يونس، قال ابن شهابٍ: أخبرني أبو عثمان بن شبّة الخزاعيّ، وكان، من أهل الشّام أنّ ابن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه وهو بمكّة: من أحبّ منكم أن يحضر أمر الجنّ اللّيلة فليفعل فلم يحضر منهم أحدٌ غيري، قال: فانطلقنا حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة، خطّ لي برجله خطًّا، ثمّ أمرني أن أجلس فيه، ثمّ انطلق حتّى قام فافتتح القرآن، فغشيته أسودةٌ كثيرةٌ حالت بيني وبينه حتّى ما أسمع صوته، ثمّ طفقوا يتقطّعون مثل قطع السّحاب ذاهبين، حتّى بقي منهم رهطٌ، ففرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع الفجر، فانطلق متبرّزًا، ثمّ أتاني فقال: ما فعل الرّهط؟ قلت: هم أولئك يا رسول اللّه، فأخذ عظمًا أو روثًا أو حممةً فأعطاهم إيّاه زادًا، ثمّ نهى أن يستطيب أحدٌ بعظمٍ أو روثٍ.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: حدّثنا عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن أبي عثمان بن سنّة الخزاعيّ، وكان من أهل الشّأم، أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكر مثله سواءً، إلاّ أنّه قال: فأعطاهم روثًا أو عظمًا زادًا، ولم يذكر الحممةً.
- حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، قال: ثني عمّي، قال: أخبرني يونس، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، أنّ ابن مسعودٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: (بتّ اللّيلة أقرأ على الجنّ ربعًا بالحجون).
واختلفوا في الموضع الّذي تلا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه القرآن، فقال عبد اللّه بن مسعودٍ: قرأ عليهم بالحجون، وقد ذكرنا الرّواية عنه بذلك.
وقال آخرون: قرأ عليهم بنخلة، وقد ذكرنا بعض من قال ذلك، ونذكر من لم نذكره.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا خلاّدٌ، عن زهير بن معاوية، عن جابرٍ الجعفيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، أنّ النّفر الّذين، أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من جنّ نصيبين أتوه وهو بنخلة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: لقيهم بنخلة ليلتئذٍ.
وقوله: {فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} يقول تعالى ذكره: فلمّا حضروا القرآن ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ قال بعضهم لبعضٍ: أنصتوا لنستمع القرآن.
- كما: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، {فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} قالوا: صهٍ.
- قال: حدّثنا أبو أحمد، قال: حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرّ بن حبيشٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} قد علم القوم أنّهم لن يعقلوا حتّى ينصتوا.
وقوله: {فلمّا قضي} يقول: فلمّا فرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من القراءة وتلاوة القرآن وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثني أبي، قال: ثنّى عمّي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {فلمّا قضي} يقول: فلمّا فرغ من الصّلاة {ولّوا إلى قومهم منذرين}.
وقوله: {ولّوا إلى قومهم منذرين} يقول: انصرفوا منذرين عذاب اللّه على الكفر به.
- وذكر عن ابن عبّاسٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم جعلهم رسلاً إلى قومهم.
حدّثنا بذلك أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عبد الحميد الحمّانيّ، قال: حدّثنا النّضر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ.
وهذا القول خلاف القول الّذي روي عنه، أنّه قال: لم يكن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم علم أنّهم استمعوا إليه وهو يقرأ القرآن، لأنّه محالٌ أن يرسلهم إلى آخرين إلاّ بعد علمه بمكانهم، إلاّ أن يقال: لم يعلم بمكانهم في حال استماعهم للقرآنٍ، ثمّ علم بعد قبل انصرافهم إلى قومهم، فأرسلهم رسلاً حينئذٍ إلى قومهم، وليس ذلك في الخبر الّذي روي). [جامع البيان: 21/163-171]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن قال لقيهم النبي صلى الله عليه وسلم ليلتئذ بنخلة). [تفسير مجاهد: 2/594-595]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو عليٍّ الحافظ، أنبأ عبدان الأهوازيّ، ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أحمد الزّبيريّ، ثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه، قال: " هبطوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلمّا سمعوه قالوا: أنصتوا. قالوا: صهٍ. وكانوا تسعةً أحدهم زوبعة فأنزل اللّه عزّ وجلّ {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن، فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} [الأحقاف: 29] الآية إلى {ضلالٍ مبينٍ} [آل عمران: 164] «صحيح الإسناد ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/495]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أحمد بن محمّدٍ العنبريّ، ثنا عثمان بن سعيدٍ، ثنا عبد اللّه بن صالحٍ، ثنا معاوية بن صالحٍ، عن أبي الزّاهريّة، عن جبير بن نفيرٍ، عن أبي ثعلبة الخشنيّ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «الجنّ ثلاثة أصنافٍ صنفٌ لهم أجنحةٌ يطيرون في الهواء، وصنفٌ حيّاتٌ وكلابٌ، وصنفٌ يحلّون ويظعنون» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2/495]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (م ت د) علقمة -رحمه الله -: قال: قلت لابن مسعودٍ: هل صحب النبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ منكم أحدٌ؟ قال: ما صحبه منّا أحدٌ، ولكنّا كنّا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشّعاب، فقلنا: استطير، أو اغتيل، فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، فلما أصبحنا إذا هوجاءٍ من قبل حراء، قال: فقلنا: يا رسول الله، فقدناك، فطلبناك، فلم نجدك، فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، قال: «أتاني داعي الجنّ، فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن» قال: فانطلق بنا، فأرانا آثارهم، وآثار نيرانهم، وسألوه الزّاد، فقال: «لكم كلّ عظمٍ ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكلّ بعرةٍ علفٌ لدوابّكم» فقال- رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم».
وفي رواية بعد قوله: «وآثار نيرانهم» قال الشعبيّ: وسألوه الزّاد؟ وكانوا من جنّ الجزيرة - إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصّلاً من حديث عبد الله، هذه رواية مسلم.
وأخرجه الترمذي، وذكر فيه قول الشعبي، كما سبق في هذه الرواية الآخرة، وزاد فيه: أو روثةٍ.
وفي رواية لمسلم، أنّ ابن مسعود قال: لم أكن ليلة الجنّ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووددت أنّي كنت معه، لم يزد على هذا.
وأخرج أبو داود منه طرفاً، قال: قلت لعبد الله بن مسعودٍ: «من كان منكم ليلة الجن مع النبيّ صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما كان معه منّا أحدٌ». لم يزد على هذا.
[شرح الغريب]
(استطير): استفعل من الطيران، كأنه أخذه شيء وطار به.
(اغتيل): أخذ غيلة، والاغتيال: الاحتيال). [جامع الأصول: 2/354-355]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} [الأحقاف: 29].
«عن ابن عبّاسٍ {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} [الأحقاف: 29] الآية، قال: كانوا تسعة نفرٍ من أهل نصيبين، فجعلهم رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - رسلًا إلى قومهم».
رواه الطّبرانيّ.
- «ولابن عبّاسٍ في الأوسط قال: صرفت الجنّ إلى رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - مرّتين، وكان أشراف الجنّ بنصيبين»
- وله في الأوسط أيضًا: «أنّ الجنّ الّذين أتوا رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - أتوه وهو بنخلة».
- ولابن عبّاسٍ في البزّار: كانت أشراف الجنّ بالموصل. فأمّا إسناد الطّبرانيّ في الكبير ففيه النّضر أبو عمر وهو متروكٌ، وأحد إسنادي الأوسط فيه جابرٌ الجعفيّ وهو ضعيفٌ، والإسناد الآخر وإسناد البزّار أيضًا فيهما عفير بن معدان وهو متروكٌ.
- وعن زرٍّ - يعني ابن حبيشٍ - {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} [الأحقاف: 29] قال: صه، قال: فكانوا سبعةً، أحدهم زوبعة.
رواه البزّار، ورجاله ثقاتٌ). [مجمع الزوائد: 7/106]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (حدّثنا أحمد بن إسحاق الأهوازيّ، ثنا أبو أحمد، عن سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرءان فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} [الأحقاف: 29] قال: صه، قال: فكانوا سبعةً أحدهم زوبعة، قال البزّار: قد رفعه بعض أصحاب أبي أحمد إلى عبد اللّه.
- حدّثنا سلمة بن شبيبٍ، ثنا أبو المغيرة، ثنا عفيرٌ، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} [الأحقاف: 29] قال: كانت من أشراف الجنّ بالموصل). [كشف الأستار عن زوائد البزار: 3/68]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 29 - 34
أخرج أحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن الزبير {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} قال: بنخلة قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العشاء الآخرة كادوا يكونون عليه لبدا). [الدر المنثور: 13/340]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن منيع والحاكم وصححه، وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: هبطوا على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة فلما سمعوه قالوا: أنصتوا قالوا: صه وكانوا تسعة أحدهم زوبعة فأنزل الله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} إلى قوله {ضلال مبين}). [الدر المنثور: 13/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن} الآية قال: كانوا تسعة عشر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم). [الدر المنثور: 13/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: صرفت الجن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين وكان أشراف الجن بنصيبين). [الدر المنثور: 13/341]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} قال: كانوا من أهل نصيبين أتوه ببطن نخلة). [الدر المنثور: 13/341-342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ في العظمة عن ابن مسعود رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بت الليلة أقرأ على الجن - رفقا بالحجون). [الدر المنثور: 13/342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم، وابن مردويه عن مسروق قال: سألت ابن مسعود من آذن النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالجن ليلة استمعوا القرآن قال: آذنته بهم شجرة). [الدر المنثور: 13/342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه سئل أين قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجن فقال: قرأ عليهم بشعب يقال له الحجون). [الدر المنثور: 13/342]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد وأحمد ومسلم والترمذي عن علقمة قال: قلت لابن مسعود رضي الله عنه: هل صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن منكم أحد قال: ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة فقلنا اغتيل استطير ما فعل قال: فبتنا بشر ليلة بات بها قوم فلما كان في وجه الصبح إذا نحن به يجيء من قبل حرا فأخبرناه فقال: إنه أتاني داعي الجن فأتيتهم فقرأت عليهم القرآن فانطلق فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم). [الدر المنثور: 13/342-343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} قال: هم اثنا عشر ألفا من جزيرة الموصل). [الدر المنثور: 13/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} قال: كانوا سبعة ثلاثة من أهل حران وأربعة من نصيبين وكان أسماؤهم حسى ومسى وشاصر وماصر والأرد وإينان والأحقم وسرق). [الدر المنثور: 13/343]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني والحاكم، وابن مردويه عن صفوان بن المعطل قال: خرجنا حجاجا فلما كنا بالعرج إذا نحن بحية تضطرب فما لبث أن ماتت فلفها رجل في خرقة ودفنها ثم قدمنا مكة فإنا لبالمسجد الحرام إذ وقف علينا شخص فقال: أيكم صاحب عمرو قلنا: ما نعرف عمرا، قال: أيكم صاحب الجان قالوا: هذا، قال: أما أنه آخر التسعة موتا الذين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمعون القرآن). [الدر المنثور: 13/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الدلائل والواقدي عن أبي جعفر رضي الله عنه قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم الجن في ربيع الأول سنة إحدى عشرة من النبوة). [الدر المنثور: 13/344]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الواقدي وأبو نعيم عن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: لما انصرف النفر التسعة من أهل نصيبين من بطن نخلة وهم فلان وفلان وفلان والأرد وإينان والأحقب جاؤوا قومهم منذرين فخرجوا بعد وافدين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ثلثمائة فانتهوا إلى الحجون فجاء الأحقب فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن قومنا قد حضروا الحجون يلقونك فواعده رسول الله صلى الله عليه وسلم لساعة من الليل بالحجون والله أعلم). [الدر المنثور: 13/344]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مّستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء الّذين صرفوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الجنّ لقومهم لمّا انصرفوا إليهم من عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {يا قومنا} من الجنّ {إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد} كتاب {موسى مصدّقًا لما بين يديه} يقول: يصدّق ما قبله من كتب اللّه الّتي أنزلها على رسله.
وقوله: {يهدي إلى الحقّ} يقول: يرشد إلى الصّواب، ويدلّ على ما فيه للّه رضًا {وإلى طريقٍ مستقيمٍ} يقول: وإلى طريقٍ لا اعوجاج فيه، وهو الإسلام.
- وكان قتادة يقول في ذلك ما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، أنّه قرأ {قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ} فقال: ما أسرع ما عقل القوم، ذكر لنا أنّهم صرفوا إليه من نينوى). [جامع البيان: 21/171-172]

تفسير قوله تعالى: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ (31) ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلالٍ مبينٍ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفر من الجنّ {يا قومنا} من الجنّ {أجيبوا داعي اللّه} قالوا: أجيبوا رسول اللّه محمّدًا إلى ما يدعوكم إليه من طاعة اللّه {وآمنوا به} يقول: وصدّقوه فيما جاءكم به وقومه من أمر اللّه ونهيه، وغير ذلك ممّا دعاكم إلى التّصديق به {يغفر لكم} يقول: يتغمّد لكم ربّكم من ذنوبكم فيسترها لكم ولا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته إيّاكم عليها {ويجركم من عذابٍ أليمٍ} يقول: وينقذكم من عذابٍ موجعٍ إذا أنتم تبتم من ذنوبكم، وأنبتم من كفركم إلى الإيمان باللّه وبداعيه). [جامع البيان: 21/172]

تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل هؤلاء النّفر لقومهم: ومن لا يجب أيّها القوم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم محمّدًا، وداعيه إلى ما بعثه بالدّعاء إليه من توحيده، والعمل بطاعته {فليس بمعجزٍ في الأرض} يقول: فليس بمعجزٍ ربّه بهربه، إذا أراد عقوبته على تكذيبه داعيه، وتركه تصديقه وإن ذهب في الأرض هاربًا، لأنّه حيث كان فهو في سلطانه وقبضته {وليس له من دونه أولياء} يقول: وليس لمن لم يجب داعي اللّه من دون ربّه نصراء ينصرونه من اللّه إذا عاقبه ربّه على كفره به وتكذيبه داعيه.
وقوله: {أولئك في ضلالٍ مبينٍ} يقول: هؤلاء الّذين لم يجيبوا داعي اللّه فيصدّقوا به، وبما دعاهم إليه من توحيد اللّه والعمل بطاعته في جورٍ عن قصد السّبيل، وأخذٍ على غير استقامةٍ {مبينٍ} يقول: يبين لمن تأمّله أنّه ضلالٌ وأخذٌ على غير قصدٍ). [جامع البيان: 21/173]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:47 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فَلَمَّا قُضِيَ} أي فرغ [رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم] من [قراءة القرآن و] تأويله). [تفسير غريب القرآن: 408]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: ({وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29)} أي قال بعضهم لبعض صه، ومعنى صه اسكت، ويقال إنهم كانوا تسعة نفر أو سبعة نفر، وكان فيهم زوبعة.
(فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ ) أي فلما تلى عليهم القرآن حتى فرع منه، {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ}
ويقرأ {فلما قضاه} ). [معاني القرآن: 4/446-447]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ} [آية: 29] قال زر بن حبيش كانوا تسعة نفر). [معاني القرآن: 6/454]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ( {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30)} أي يصدّق جميع الكتب التي تقدمته والأنبياء الذين أتوا بها.
وفي هذا دليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى الإنس والجنّ). [معاني القرآن: 4/447]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 29 جمادى الأولى 1434هـ/9-04-2013م, 09:49 PM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
Post

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) }

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) }

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب النداء
اعلم أنك إذا دعوت مضافاً نصبته، وانتصابه على الفعل المتروك إظهاره. وذلك قولك: يا عبد الله؛ لأن يا بدل من قولك: أدعو عبد الله، وأريد، لا أنك تخبر أنك تفعل، ولكن بها وقع أنك قد أوقعت فعلاً. فإذا قلت: يا عبد الله، فقد وقع دعاؤك بعبد الله، فانتصب على أنه مفعول تعدى إليه فعلك.
وكذلك كل ما كان نكرة؛ نحو: يا رجلاً صالحاً، ويا قوماً منطلقين، والمعنى واحد. وعلى هذا يا حسرةً على العباد.
وقال الشاعر:
أداراً بحزوى هجت للعين عبرةً = فماء الهوى يرفض أو يترقرق
وقال الشاعر:
لعلك يا تيسا نزا في مـريرة = تعذب ليلى أن تراني أزورها
وقال الآخر:


فيا راكباً إما عرضت فبلغـن = نداماي من نجران أن لا تلاقيا
وأما المضاف فكقوله: {يا قومنا أجيبوا داعي الله}، وما أشبهه.
فإن كان المنادى واحداً مفرداً معرفة بني على الضم، ولم يلحقه تنوين؛ وإنما فعل ذلك به؛ لخروجه عن الباب، ومضارعته ما لا يكون معرباً. وذلك أنك إذا قلت: يا زيد، ويا عمرو، فقد أخرجته من بابه؛ لأن حد الأسماء الظاهرة أن تخبر بها واحد عن واحد غائب، والمخبر عنه غيرها فتقول: قال زيد، فزيد غيرك وغير المخاطب، ولا تقول: قال زيد وأنت تعنيه، أعني المخاطب. فلما قلت: يا زيد خاطبته بهذا الاسم، فأدخلته في باب ما لا يكون إلا مبنياً نحو: أنت، وإياك، والتاء في قمت، والكاف في ضربتك، ومررت بك. فلما أخرج من باب المعرفة، وأدخل في باب المبنية لزمه مثل حكمها، وبنيته على الضم؛ لتخالف به جهة ما كان عليه معرباً؛ لأنه دخل في باب الغايات.
ألا ترى أنك تقول: جئت قبلك، ومن قبلك. فلما صار غاية لما أذكره في موضعه قلت: جئت قبل يا فتى، وجئت من قبل قال الله عز وجل: {لله الأمر من قبل ومن بعد}). [المقتضب: 4/202-205]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ومن حرف من الأضداد، تكون لبعض الشيء، وتكون لكله، فكونها للتبعيض لا يحتاج فيه إلى شاهد، وكونها بمعنى (كل)، شاهده قول الله عز وجل: {ولهم فيها من كل الثمرات}، معناه كل الثمرات، وقوله عز وجل: {يغفر لكم من ذنوبكم}، معناه يغفر لكم ذنوبكم. وقوله عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما}، معناه: وعدهم الله كلهم مغفرة؛ لأنه قدم وصف قوم يجتمعون في استحقاق هذا الوعد. وقول الله عز وجل في غير هذا الموضع: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير}، معناه: ولتكونوا كلكم أمة تدعو إلى الخير، قال الشاعر:
أخو رغائب يعطاها ويسألها = يأبى الظلامة منه النوفل الزفر
أراد: يأبى الظلامة لأنه نوفل زفر. ومستحيل أن تكون
(مِنْ) هاهنا تبعيضا إذ دخلت على ما لا يتبعض، والعرب تقول: قطعت من الثوب قميصا، وهم لا ينوون أن القميص قطع من بعض الثوب دون بعض؛ إنما يدلون بـ(من) على التجنيس، كقوله عز وجل: {فاجتبوا الرجس من الأوثان} معناه: فاجتنبوا الأوثان التي هي رجس، واجتنبوا الرجس من جنس الأوثان؛ إذ كان يكون من هذا الجنس ومن غيره من الأجناس.
وقال الله عز وجل: {وننزل من القرآن ما هو شفاء}، فـ (مِنْ)، ليست هاهنا تبعيضا؛ لأنه لا يكون بعض القرآن شفاء وبعضه غير شفاء، فـ(مِنْ) تحتمل تأويلين: أحدهما التجنيس، أي ننزل الشفاء من جهة القرآن، والتأويل الآخر أن تكون (من) مزيدة للتوكيد، كقوله: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم}، وهو يريد يغضوا أبصارهم، وكقول ذي الرمة:

إذا ما امرؤ حاولن يقتتلنه = بلا إحنة بين النفوس ولا ذحل
تبسمن عن نور الأقاحي في الثرى = وفترن من أبصار مضروجة نجل
أراد: وفترن أبصار مضروجة.
وكان بعض أصحابنا يقول: من ليست مزيدة للتوكيد في قوله: {من كل الثمرات}، وفي قوله: {من أبصارهم} وفي قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم}. وقال: أما قوله: {من كل الثمرات}، فإن (من) تبعيض، لأن العموم في جميع الثمرات لا يجتمع لهم في وقت واحد؛ إذ كان قد تقدم منها ما قد أكل، وزال وبقي منها ما يستقبل ولا ينفد أبدا، فوقع التبعيض لهذا المعنى.
قال: وقوله: {يغضوا من أبصارهم} معناه: يغضوا بعض أبصارهم. وقال: لم يحظر علينا كل النظر، إنما حظر علينا بعضه، فوجب التبعيض من أجل هذا التأويل.
قال: وقوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} من هاهنا مجنسة، وتأويل الآية: يغفر لكم من إذنابكم، وعلى إذنابكم، أي يغفر لكم من أجل وقوع الذنوب منكم، كما يقول الرجل: اشتكيت من دواء شربته، أي من أجل الدواء.
وقال بعض المفسرين: من في قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} مبعضة، لأنه ذكر أصحاب نبيه صلى الله عليه، وكان قد ذكر
قبلهم الذين كفروا فقال: {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية}. وقال بعد: {منهم}؛ أي من هذين الفريقين، ومن هذين الجنسين). [كتاب الأضداد: 252-255] (م)

تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 10:57 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 10:58 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 05:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن} ابتداء قصة الجن ووفادتهم على النبي صلى الله عليه وسلم. و"صرفنا" معناه: رددناهم عن حال ما، ويحتمل أنها الاستماع في السماء، ويحتمل أن تكون كفرهم قبل الوفادة، وذلك بحسب الاختلاف هنا، هل هم الوفد أو المتجسسون؟ وروي أن الجن كانت قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم تسترق السمع من السماء، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم حرست بالشهب الراجمة، فضاقت الجن ذرعا بذلك، وأتى رأي ملئهم على الافتراق في أقطار الأرض وطلب السبب الموجب لهذا الرجم والمنع من استراق السمع ففعلوا ذلك.
واختلف الرواة بعد فقالت فرقة: جاءت طائفة من الجن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يشعر، فسمعوا القرآن، وولوا إلى قومهم منذرين، ولم يعرف النبي صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك حتى عرفه الله تعالى بذلك كله، وكان سماعهم لقراءته وهو بنخلة عند سوق عكاظ، وهو يقرأ في صلاة الفجر، وقالت فرقة: بل أشعره الله تعالى بوفادة الجن عليه واستعد لذلك، ووفد عليه أهل نصيبين منهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والتحرير في هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جن دون أن يعرف بهم، وهم المتفرقون من أجل الرجم، وهذا هو قوله تعالى: {قل أوحي إلي} الآية، ثم بعد ذلك وفد عليه وفد، وهو المذكور صرفه في هذه الآية. قال قتادة: صرفوا إليه من نينوى، أشعر به قبل وروده، وقال الحسن: لم يشعر به، واختلف في عددهم اختلافا متباعدا فاختصرته لعدم الصحة في ذلك، أما ابن عباس رضي الله عنهما فقال: كانوا سبعة نفر من أهل نصيبين، وقال زر: كانوا تسعة فيهم زوبعة، وروي في ذلك أحاديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إني خارج إلى وفد الجن، فمن شاء يتبعني"، فسكت أصحابه، فقالها ثانية، فسكتوا، فقال عبد الله: أنا أتبعك، قال: فخرجت معه حتى جاء شعب الحجون، فأدار لي دائرة وقال: "لا تخرج منها"، ثم ذهب عني، فسمعت لغطا ودويا كدوي النسور الكاسرة، ثم في آخر الليل جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن قرأ عليهم القرآن وعلمهم، وأعطاهم زادا في كل عظم وروثة، فقال: "يا عبد الله، ما رأيت؟" قال: فأخبرته، فقال: "لقد كنت أخشى أن تخرج فيخطفك بعضهم"، قلت: يا رسول الله، سمعت لهم لغطا، فقال: "إنهم تدارءوا في قتيل لهم، فحكمت بالحق بينهم".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واضطربت الروايات عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وروي عنه ما ذكرنا. وروي عنه أنه رأى رجالا من الجن وهم شبه رجال الزط السود الطوال حين رآهم بالكوفة، وروي عنه أنه قال: ما شاهد أحد منا ليلة الجن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختصرت هذه الروايات وتطويلها لعدم صحتها.
وقوله تعالى: {نفرا من الجن} يقتضي أن المصروفين رجالا لا أنثى فيهم، فالنفر والرهط والقوم الذين لا أنثى فيهم، وقوله تعالى: {فلما حضروه قالوا أنصتوا} فيه تأدب مع العلم وتعليم كيف يتعلم، وقرأ جمهور الناس: "قضي" على بناء الفعل للمفعول، وقرأ حبيب بن عبد الله بن الزبير، وأبو مجلز على بناء الفعل للفاعل، أي: قضى محمد صلى الله عليه وسلم القراءة، وقال ابن عمر، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم: قرأ عليهم سورة الرحمن عز وجل، فكان إذا قال: "فبأي آلاء ربكما تكذبان " قالوا: لا شيء من آلائك ربنا نكذب، ربنا لك الحمد، ولما ولت هذه الجملة تفرقت على البلاد منذرة للجن، قال قتادة: ما أسرع ما عقل القوم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهنالك وقعت قصة سواد وشصار وخنافر وأشباههم صلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم).[المحرر الوجيز: 7/ 630-633]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم * ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين * أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير}
المعنى: قال هؤلاء المنذرون لما بلغوا قومهم: يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى، وهو القرآن العظيم، وخصصوا موسى صلى الله عليه وسلم لأحد أمرين: إما لأن هذه الطائفة كانت تدين بدين اليهود، وإما لأنهم كانوا يعرفون أن موسى عليه السلام قد ذكر محمدا صلى الله عليه وسلم وبشر به، فأشاروا إلى موسى عليه السلام من حيث كان الأمر مذكورا في توراته. وقال ابن عباس رضي الله عنهما في كتاب الثعلبي: لم يكونوا علموا أمر عيسى عليه السلام، فلذلك قالوا: من بعد موسى، وقولهم: {مصدقا لما بين يديه} يؤيد هذا. و"ما بين يديه" هي التوراة والإنجيل، و"الحق" و"الصراط المستقيم" هنا بمعنى متقارب، لكن من حيث اختلف اللفظ -وربما كان الحق أعم- وكأن أحدهما قد يقع في مواضع لا يقع فيها الآخر، حسن التكرار). [المحرر الوجيز: 7/ 633]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "داعي الله" هو محمد صلى الله عليه وسلم، والضمير في: "به" عائد على الله تعالى، وقوله تعالى: {يغفر لكم} معناه: يغفر الله لكم.
وقوله: "ويجركم" معناه: يمنعكم ويجعل دونكم جوار حفظه حتى لا ينالكم عذاب.
وقوله تعالى: {ومن لا يجب داعي الله} الآية، يحتمل أن يكون من كلام المنذرين، ويحتمل أن يكون من كلام الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمراد بها إسماع الكفار، وتعلق اللفظ إلى هذا المعنى من قول الجن: أجيبوا داعي الله، فلما حكى ذلك قيل: ومن لا يجب داعي الله فهو بحال كذا، والمعجز: الذاهب في الأرض الذي يبدي عجز طالبه ولا يقدر عليه، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: "وليس لهم من دونه" بزيادة ميم).[المحرر الوجيز: 7/ 633-634]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 06:21 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 22 صفر 1440هـ/1-11-2018م, 06:30 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين (29) قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ (30) يا قومنا أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ (31) ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلالٍ مبينٍ (32)}.
قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرٌو: سمعت عكرمة، عن الزّبير: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} قال: بنخلة، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي العشاء الآخرة، {كادوا يكونون عليه لبدًا} [الجنّ: 19]، قال سفيان: اللّبد: بعضهم على بعضٍ، كاللّبد بعضه على بعضٍ.
تفرّد به أحمد، وسيأتي من رواية ابن جريرٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّهم سبعةٌ من جنّ نصيبين.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عفّان، حدّثنا أبو عوانة (ح) -وقال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ في كتابه "دلائل النّبوّة": أخبرنا أبو الحسن عليّ بن أحمد بن عبدان، أخبرنا أحمد بن عبيدٍ الصّفّار، حدّثنا إسماعيل القاضي، أخبرنا مسدّدٌ، حدّثنا أبو عوانة عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: ما قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الجنّ ولا رآهم، انطلق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في طائفةٍ من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشّياطين وبين خبر السّماء، وأرسلت عليهم الشّهب، فرجعت الشّياطين إلى قومهم فقالوا: ما لكم؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السّماء، وأرسلت علينا الشّهب. قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السّماء إلّا شيءٌ حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها وانظروا ما هذا الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء. فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها يبتغون ما هذا الّذي حال بينهم وبين خبر السّماء، فانصرف أولئك النّفر الّذين توجّهوا نحو تهامة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو بنخلة عامدًا إلى سوق عكاظ، وهو يصلّي بأصحابه صلاة الفجر، فلمّا سمعوا القرآن استمعوا له، فقالوا: هذا -واللّه-الّذي حال بينكم وبين خبر السّماء، فهنالك حين رجعوا إلى قومهم، قالوا: يا قومنا، إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا، يهدي إلى الرّشد فآمنّا به، ولن نشرك بربّنا أحدًا، وأنزل اللّه على نبيّه: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} [الجنّ: 1]، وإنّما أوحي إليه قول الجنّ.
رواه البخاريّ عن مسدّد بنحوه، وأخرجه مسلمٌ عن شيبان بن فرّوخ، عن أبي عوانة، به. ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ في التّفسير، من حديث أبي عوانة.
وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا أبو أحمد، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عباس، قال: كان الجنّ يستمعون الوحي، فيسمعون الكلمة فيزيدون فيها عشرًا، فيكون ما سمعوا حقًّا وما زادوا باطلًا وكانت النّجوم لا يرمى بها قبل ذلك، فلمّا بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان أحدهم لا يأتي مقعده إلّا رمي بشهابٍ يحرق ما أصاب، فشكوا ذلك إلى إبليس فقال: ما هذا إلّا من أمرٍ قد حدث. فبثّ جنوده، فإذا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي بين جبلي نخلة، فأتوه فأخبروه، فقال: هذا الحدث الّذي حدث في الأرض.
ورواه التّرمذيّ والنّسائيّ في كتابي التّفسير من سننيهما، من حديث إسرائيل به وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ.
وهكذا رواه أيّوب عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ. وكذا رواه العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ أيضًا، بمثل هذا السّياق بطوله، وهكذا قال الحسن البصريّ: إنّه، عليه السّلام، ما شعر بأمرهم حتّى أنزل اللّه عليه بخبرهم.
وذكر محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ قصّة خروج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الطّائف ودعائه إيّاهم إلى اللّه عزّ وجلّ، وإبائهم عليه. فذكر القصّة بطولها، وأورد ذلك الدّعاء الحسن: "اللّهمّ إليك أشكو ضعف قوّتي وقلّة حيلتي" إلى آخره. قال: فلمّا انصرف عنهم بات بنخلة، فقرأ تلك اللّيلة من القرآن فاستمعه الجنّ من أهل نصيبين.
وهذا صحيحٌ، ولكنّ قوله: "إنّ الجنّ كان استماعهم تلك اللّيلة". فيه نظرٌ؛ لأنّ الجنّ كان استماعهم في ابتداء الإيحاء، كما دلّ عليه حديث ابن عبّاسٍ المذكور، وخروجه، عليه السّلام، إلى الطّائف كان بعد موت عمّه، وذلك قبل الهجرة بسنةٍ أو سنتين، كما قرّره ابن إسحاق وغيره [واللّه أعلم].
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدّثنا أبو أحمد الزّبيريّ، حدّثنا سفيان، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: هبطوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقرأ القرآن ببطن نخلة، فلمّا سمعوه قالوا: أنصتوا. قال صهٍ، وكانوا تسعةً أحدهم زوبعة، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا فلمّا قضي ولّوا إلى قومهم منذرين} إلى: {ضلالٍ مبينٍ}.
فهذا مع الأوّل من رواية ابن عبّاسٍ يقتضي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يشعر بحضورهم في هذه المرّة وإنّما استمعوا قراءته، ثمّ رجعوا إلى قومهم ثمّ بعد ذلك وفدوا إليه أرسالًا قومًا بعد قومٍ، وفوجًا بعد فوجٍ، كما سيأتي بذلك الأخبار في موضعها والآثار، ممّا سنوردها هاهنا إن شاء اللّه تعالى وبه الثّقة.
فأمّا ما رواه البخاريّ ومسلمٌ جميعًا، عن أبي قدامة عبيد اللّه بن سعيدٍ السّرخسيّ، عن أبي أسامة حمّاد بن أسامة، عن مسعر بن كدامٍ، عن معن بن عبد الرّحمن قال: سمعت أبي قال: سألت مسروقًا: من آذن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدّثني أبوك -يعني ابن مسعودٍ -أنّه آذنته بهم شجرةٌ -فيحتمل أن يكون هذا في المرّة الأولى، ويكون إثباتًا مقدّمًا على نفي ابن عبّاسٍ، ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرّات المتأخّرات، واللّه أعلم. ويحتمل أن يكون في الأولى ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتّى آذنته بهم الشّجرة، أي: أعلمته باستماعهم، واللّه أعلم.
قال الحافظ البيهقيّ: وهذا الّذي حكاه ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، إنّما هو في أوّل ما سمعت الجنّ قراءة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم، ثمّ بعد ذلك أتاه داعي الجنّ فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى اللّه، عزّ وجلّ، كما رواه عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه.
ذكر الرّواية عنه بذلك:
قال الإمام أحمد: حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا داود عن الشّعبيّ -وابن أبي زائدة، أخبرنا داود، عن الشّعبيّ -عن علقمة قال: قلت لعبد اللّه بن مسعودٍ: هل صحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ منكم أحدٌ؟ فقال: ما صحبه منّا أحدٌ، ولكنّا فقدناه ذات ليلةٍ بمكّة، فقلنا: اغتيل؟ استطير؟ ما فعل؟ قال: فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، فلمّا كان في وجه الصّبح -أو قال: في السّحر-إذا نحن به يجيء من قبل حراءٍ، فقلنا: يا رسول اللّه -فذكروا له الّذي كانوا فيه-فقال: "إنّه أتاني داعي الجنّ، فأتيتهم فقرأت عليهم". قال: فانطلق، فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم -قال: وقال الشّعبيّ: سألوه الزّاد-قال عامرٌ: سألوه بمكّة، وكانوا من جنّ الجزيرة، فقال: "كلّ عظمٍ ذكر اسم اللّه عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان عليه لحمًا، وكلّ بعرةٍ أو روثةٍ علفٌ لدوابّكم -قال-فلا تستنجوا بهما، فإنّهما زاد إخوانكم من الجنّ".
وهكذا رواه مسلمٌ في صحيحه، عن عليّ بن حجرٍ، عن إسماعيل بن عليّة، به نحوه.
وقال مسلمٌ أيضًا: حدّثنا محمّد بن المثنّى، حدّثنا عبد الأعلى، حدّثنا داود -وهو ابن أبي هندٍ- عن عامرٍ قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، شهد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعودٍ؛ فقلت: هل شهد أحدٌ منكم مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ؟ قال: لا ولكنّا كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذات ليلةٍ ففقدناه فالتمسناه في الأودية والشّعاب، فقلنا: استطير؟ اغتيل؟ قال: فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ، فلمّا أصبحنا إذا هو جاء من قبل حراءٍ، قال: فقلنا: يا رسول اللّه، فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ. فقال: "أتاني داعي الجنّ، فذهبت معهم، فقرأت عليهم القرآن". قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه الزّاد فقال: "كلّ عظمٍ ذكر اسم اللّه عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحمًا، وكلّ بعرةٍ أو روثةٍ علفٌ لدوابّكم". قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "فلا تستنجوا بهما، فإنّهما طعام إخوانكم".
طريقٌ أخرى عن ابن مسعودٍ: قال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن، حدّثني عمّي، حدّثني يونس، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه؛ أن بن مسعودٍ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "بتّ اللّيلة أقرأ على الجنّ ربعًا بالحجون".
طريقٌ أخرى: فيها أنّه كان معه ليلة الجنّ، قال ابن جريرٍ رحمه اللّه: حدّثني أحمد بن عبد الرّحمن بن وهبٍ، حدّثنا عمّي عبد اللّه بن وهبٍ، أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، عن أبي عثمان بن سنّة الخزاعيّ -وكان من أهل الشّام -أنّ عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لأصحابه وهو بمكّة: "من أحبّ منكم أن يحضر أمر الجنّ اللّيلة فليفعل". فلم يحضر منهم أحدٌ غيري، قال: فانطلقنا حتّى إذا كنّا بأعلى مكّة خطّ لي برجله خطًّا، ثمّ أمرني أن أجلس فيه، ثمّ انطلق حتّى قام، فافتتح القرآن فغشيته أسودةٌ كثيرةٌ حالت بيني وبينه، حتّى ما أسمع صوته، ثمّ طفقوا يتقطّعون مثل قطع السّحاب ذاهبين، حتّى بقي منهم رهطٌ، ففرغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع الفجر، فانطلق فتبرّز، ثمّ أتاني فقال: "ما فعل الرّهط؟ " فقلت: هم أولئك يا رسول اللّه، فأعطاهم عظمًا وروثًا زادًا، ثمّ نهى أن يستطيب أحدٌ بروثٍ أو عظمٍ.
ورواه ابن جريرٍ عن محمّد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، عن أبي زرعة وهب اللّه بن راشدٍ، عن يونس بن يزيد الأيليّ، به.
ورواه البيهقيّ في الدّلائل، من حديث عبد اللّه بن صالحٍ -كاتب اللّيث- عن اللّيث، عن يونس به.
وقد روى إسحاق بن راهويه، عن جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن مسعود، فذكر نحو ما تقدم.
ورواه الحافظ أبو نعيمٍ، من طريق موسى بن عبيدة، عن سعيد بن الحارث، عن أبي المعلّى، عن ابن مسعودٍ فذكر نحوه أيضًا.
طريقٌ أخرى: قال أبو نعيمٍ: حدّثنا أبو بكر بن مالكٍ، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثني أبي قال: حدّثنا عفّان وعكرمة قالا حدّثنا معتمرٌ قال: قال أبي: حدّثني أبو تميمة، عن عمرٍو -ولعلّه قد يكون قال: البكاليّ-يحدّثه عمرٌو، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، رضي اللّه عنه، قال: استتبعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فانطلقنا حتّى أتينا مكان كذا وكذا، فخطّ لي خطًّا فقال: "كن بين ظهر هذه لا تخرج منها؛ فإنّك إن خرجت منها هلكت" فذكر الحديث بطوله وفيه غرابةٌ شديدةٌ.
طريقٌ أخرى: قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن عبد الأعلى، حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٌ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو بن غيلان الثّقفيّ؛ أنّه قال لابن مسعودٍ: حدّثت أنّك كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ؟ قال: أجل. قال: فكيف كان؟ فذكر الحديث كلّه، وذكر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم خطّ عليه خطًّا، وقال: "لا تبرح منها" فذكر مثل العجاجة السّوداء غشيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذعر ثلاث مرّاتٍ، حتّى إذا كان قريبًا من الصّبح، أتاني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "أنمت؟ " فقلت: لا واللّه، ولقد هممت مرارًا أن أستغيث بالنّاس حتّى سمعتك تقرّعهم بعصاك، تقول: "اجلسوا" فقال: "لو خرجت لم آمن أن يخطفك بعضهم". ثمّ قال: "هل رأيت شيئًا؟ " فقلت: نعم رأيت رجالًا سودًا مستشعرين ثيابًا بياضًا. قال: "أولئك جنّ نصيبين سألوني المتاع -والمتاع: الزّاد-فمتّعتهم بكلّ عظمٍ حائلٍ، أو بعرةٍ أو روثةٍ"-فقلت: يا رسول اللّه، وما يغني ذلك عنهم؟ فقال: "إنّهم لا يجدون عظمًا إلّا وجدوا عليه لحمه يوم أكل، ولا روثًا إلّا وجدوا فيها حبّها يوم أكلت، فلا يستنقينّ أحدٌ منكم إذا خرج من الخلاء بعظمٍ ولا بعرةٍ ولا روثةٍ".
طريقٌ أخرى: قال الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد الرّحمن السّلميّ وأبو نصر بن قتادة قالا أخبرنا أبو محمّدٍ يحيى بن منصورٍ القاضي، حدّثنا أبو عبد اللّه محمّد بن إبراهيم البوشنجي، حدّثنا روح بن صلاحٍ، حدّثنا موسى بن عليّ بن رباحٍ، عن أبيه، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: استتبعني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ نفرًا من الجنّ -خمسة عشر بني إخوةٍ وبني عمٍّ-يأتونني اللّيلة، فأقرأ عليهم القرآن"، فانطلقت معه إلى المكان الّذي أراد، فخطّ لي خطًّا وأجلسني فيه، وقال لي: "لا تخرج من هذا". فبتّ فيه حتّى أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع السّحر في يده عظمٌ حائلٌ وروثةٌ حممة فقال لي: "إذا ذهبت إلى الخلاء فلا تستنج بشيءٍ من هؤلاء". قال: فلمّا أصبحت قلت: لأعلمنّ علمي حيث كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال، فذهبت فرأيت موضع مبرك ستّين بعيرًا.
طريقٌ أخرى: قال البيهقيّ: أخبرنا أبو عبد اللّه الحافظ، أخبرنا أبو العبّاس الأصمّ، حدّثنا العبّاس بن محمّدٍ الدّوري، حدّثنا عثمان بن عمر، عن المستمرّ بن الرّيّان، عن أبي الجوزاء، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: انطلقت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ، حتّى أتى الحجون، فخطّ لي خطًّا، ثمّ تقدّم إليهم فازدحموا عليه، فقال سيّدٌ لهم يقال له: "وردان": أنا أرحّلهم عنك. فقال: إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ.
طريقٌ أخرى: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا سفيان، عن أبي فزارة العبسيّ، حدّثنا أبو زيدٍ -مولى عمرو بن حريثٍ-عن ابن مسعودٍ قال: لمّا كان ليلة الجنّ قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أمعك ماءٌ؟ " قلت: ليس معي ماءٌ، ولكنّ معي إداوةً فيها نبيذٌ. فقال النّبيّ: "تمرةٌ طيّبةٌ وماءٌ طهورٌ" فتوضّأ.
ورواه أبو داود، والتّرمذيّ، وابن ماجه، من حديث أبي زيدٍ، به.
طريقٌ أخرى: قال أحمد: حدّثنا يحيى بن إسحاق، أخبرنا ابن لهيعة، عن قيس بن الحجّاج، عن حنشٍ الصّنعانيّ، عن ابن عبّاسٍ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ؛ أنّه كان مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الجنّ، فقال رسول اللّه: "يا عبد اللّه، أمعك ماءٌ؟ " قال: معي نبيذٌ في إداوةٍ، فقال اصبب عليّ". فتوضّأ، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "يا عبد اللّه شرابٌ وطهورٌ".
تفرّد به أحمد من هذا الوجه، وقد أورده الدّارقطنيّ من طريقٍ آخر، عن ابن مسعودٍ، [به] .
طريقٌ أخرى: قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرني أبي عن ميناء، عن عبد اللّه قال: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، فلمّا انصرف تنفّس، فقلت: ما شأنك؟ قال: "نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعودٍ".
هكذا رأيته في المسند مختصرًا، وقد رواه الحافظ أبو نعيمٍ في كتابه "دلائل النّبوّة"، فقال: حدّثنا سليمان بن أحمد بن أيّوب، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم -وحدّثنا أبو بكر بن مالكٍ، حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثنا أبي قالا حدّثنا عبد الرّزّاق، عن أبيه، عن ميناء، عن ابن مسعودٍ قال: كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ، فتنفّس، فقلت: ما لك يا رسول اللّه؟ قال: "نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعودٍ". قلت: استخلف. قال: "من؟ " قلت: أبا بكرٍ. فسكت، ثمّ مضى ساعةً فتنفّس، فقلت: ما شأنك بأبي أنت وأمّي يا رسول اللّه؟ قال: "نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعودٍ". قلت: استخلف. قال: "من؟ " قلت: عمر [بن الخطّاب]. فسكت، ثمّ مضى ساعةً، ثمّ تنفّس فقلت: ما شأنك؟ قال: "نعيت إليّ نفسي". قلت: فاستخلف. قال صلّى اللّه عليه وسلّم: "من؟ " قلت: عليّ بن أبي طالبٍ. قال صلّى اللّه عليه وسلّم: "أمّا والّذي نفسي بيده، لئن أطاعوه ليدخلن الجنة أجمعين أكتعين..
وهو حديثٌ غريبٌ جدًّا، وأحرى به ألّا يكون محفوظًا، وبتقدير صحّته فالظّاهر أنّ هذا بعد وفودهم إليه بالمدينة على ما سنورده، فإنّ في ذلك الوقت في آخر الأمر لمّا فتحت مكّة، ودخل النّاس والجانّ أيضًا في دين اللّه أفواجًا، نزلت سورة {إذا جاء نصر اللّه والفتح. ورأيت النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجًا. فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابًا}، وهي السّورة الّتي نعيت نفسه الكريمة فيها إليه، كما قد نصّ على ذلك ابن عبّاسٍ، ووافقه عمر بن الخطّاب عليه، وقد ورد في ذلك حديثٌ سنورده عند تفسيرها، واللّه أعلم. وقد رواه أبو نعيمٍ أيضًا، عن الطّبرانيّ، عن محمّد بن عبد اللّه الحضرميّ، عن عليّ بن الحسين بن أبي بردة، عن يحيى بن سعيدٍ الأسلميّ، عن حرب بن صبيح، عن سعيد بن مسلمة، عن أبي مرّة الصّنعانيّ، عن أبي عبد اللّه الجدليّ، عن ابن مسعودٍ، فذكره وذكر فيه قصّة الاستخلاف، وهذا إسنادٌ غريبٌ، وسياقٌ عجيبٌ.
طريقٌ أخرى: قال الإمام أحمد: حدّثنا أبو سعيدٍ، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أبي رافعٍ، عن ابن مسعودٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطّ حوله، فكان أحدهم مثل سواد النّحل، وقال لي: "لا تبرح مكانك"، فأقرأهم كتاب اللّه "، فلمّا رأى الزّط قال: كأنّهم هؤلاء. وقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أمعك ماءٌ؟ " قلت: لا. قال: "أمعك نبيذٌ؟ " قلت: نعم. فتوضّأ به.
طريقٌ أخرى مرسلةٌ: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو عبد اللّه الظّهرانيّ، أخبرنا حفص بن عمر العدنيّ، حدّثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة في قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: هم اثنا عشر ألفا جاؤوا من جزيرة الموصل، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لابن مسعودٍ: "أنظرني حتّى آتيك"، وخطّ عليه خطًّا، وقال: "لا تبرح حتّى آتيك". فلمّا خشيهم ابن مسعودٍ كاد أن يذهب، فذكر قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فلم يبرح، فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "لو ذهبت ما التقينا إلى يوم القيامة".
طريقٌ أخرى مرسلةٌ أيضًا: قال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} قال: ذكر لنا أنّهم صرفوا إليه من نينوى، وأنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّي أمرت أن أقرأ على الجنّ فأيّكم يتبعني؟ " فأطرقوا، ثمّ استتبعهم فأطرقوا، ثمّ استتبعهم الثّالثة فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، إنّ ذاك لذو ندبةٍ فأتبعه ابن مسعودٍ أخو هذيلٍ، قال: فدخل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شعبًا يقال له: "شعب الحجون"، وخطّ عليه، وخطّ على ابن مسعودٍ ليثبته بذلك، قال: فجعلت أهال وأرى أمثال النّسور تمشي في دفوفها، وسمعت لغطًا شديدًا، حتّى خفت على نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثمّ تلا القرآن، فلمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قلت: يا رسول اللّه، ما اللّغط الّذي سمعت؟ قال: "اختصموا في قتيلٍ، فقضي بينهم بالحقّ". رواه ابن جريرٍ، وابن أبي حاتم.
فهذه الطّرق كلّها تدلّ على أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذهب إلى الجنّ قصدًا، فتلا عليهم القرآن، ودعاهم إلى اللّه، عزّ وجلّ، وشرع اللّه لهم على لسانه ما هم محتاجون إليه في ذلك الوقت. وقد يحتمل أنّ أوّل مرّةٍ سمعوه يقرأ القرآن [و] لم يشعر بهم، كما قاله ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، ثمّ بعد ذلك وفدوا إليه كما رواه ابن مسعودٍ. وأمّا ابن مسعودٍ فإنّه لم يكن مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حال مخاطبته الجنّ ودعائه إيّاهم، وإنّما كان بعيدًا منه، ولم يخرج مع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أحدٌ سواه، ومع هذا لم يشهد حال المخاطبة، هذه طريقة البيهقيّ.
وقد يحتمل أن يكون أوّل مرّةٍ خرج إليهم لم يكن معه ابن مسعودٍ ولا غيره، كما هو ظاهر سياق الرّواية الأولى من طريق الإمام أحمد، وهي عند مسلمٍ. ثمّ بعد ذلك خرج معه ليلةً أخرى، واللّه أعلم، كما روى ابن أبي حاتمٍ في تفسير: {قل أوحي}، من حديث ابن جريجٍ قال: قال عبد العزيز بن عمر: أمّا الجنّ الّذين لقوه بنخلة فجنّ نينوى، وأمّا الجنّ الّذين لقوه بمكّة فجنّ نصيبين، وتأوّله البيهقيّ على أنّه يقول: "فبتنا بشرّ ليلةٍ بات بها قومٌ"، على غير ابن مسعودٍ ممّن لم يعلم بخروجه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى الجنّ، وهو محتملٌ على بعدٍ، واللّه أعلم.
وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقيّ: أخبرنا أبو عمرٍو محمّد بن عبد اللّه الأديب، أخبرنا أبو بكرٍ الإسماعيليّ، أخبرنا الحسن بن سفيان، حدّثني سويد بن سعيدٍ، حدّثنا عمرو بن يحيى، عن جدّه سعيد بن عمرٍو، قال كان أبو هريرة يتبع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بإداوةٍ لوضوئه وحاجته، فأدركه يومًا فقال: "من هذا؟ " قال: أنا أبو هريرة قال: "ائتني بأحجارٍ أستنج بها، ولا تأتني بعظمٍ ولا روثةٍ". فأتيته بأحجارٍ في ثوبي، فوضعتها إلى جنبه حتّى إذا فرغ وقام اتّبعته، فقلت: يا رسول اللّه، ما بال العظم والرّوثة ؟ قال: "أتاني وفد جنّ نصيبين، فسألوني الزّاد، فدعوت اللّه لهم ألّا يمرّوا بعظمٍ ولا بروثةٍ إلّا وجدوه طعامًا".
أخرجه البخاريّ في صحيحه، عن موسى بن إسماعيل، عن عمرو بن يحيى، بإسناده قريبًا منه فهذا يدلّ مع ما تقدّم على أنّهم وفدوا عليه بعد ذلك. وسنذكر ما يدلّ على تكرار ذلك.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ غير ما ذكر عنه أوّلًا من وجهٍ جيّدٍ، فقال ابن جريرٍ:
حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا عبد الحميد الحمّانيّ، حدّثنا النّضر بن عربيٍّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} الآية، [قال] كانوا سبعة نفرٍ من أهل نصيبين فجعلهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رسلًا إلى قومهم.
فهذا يدلّ على أنّه قد روى القصتين.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا سويد بن عبد العزيز، حدّثنا رجلٌ سمّاه، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} الآية، قال: كانوا سبعة نفرٍ، ثلاثةً من أهل حرّان، وأربعةً من أهل نصيبين، وكانت أسماؤهم حيى وحسى ومسى، وشاصر وناصر، والأرد وإبيان والأحقم.
وذكر أبو حمزة الثّماليّ أنّ هذا الحيّ من الجنّ كان يقال لهم: بنو الشّيصبان، وكانوا أكثر الجنّ عددًا وأشرفهم نسبًا، وهم كانوا عامّة جنود إبليس.
وقال سفيان الثّوريّ، عن عاصمٍ، عن ذرّ، عن ابن مسعودٍ: كانوا تسعةً، أحدهم زوبعة، أتوه من أصل نخلة.
وتقدّم عنه أنّهم كانوا خمسة عشر، وفي روايةٍ: أنّهم كانوا على ستّين راحلةً، وتقدّم عنه أنّ اسم سيّدهم وردان، وقيل: كانوا ثلاثمائةٍ، وتقدّم عن عكرمة أنّهم كانوا اثني عشر ألفًا، فلعلّ هذا الاختلاف دليلٌ على تكرّر وفادتهم عليه صلوات اللّه وسلامه عليه، وممّا يدلّ على ذلك ما قاله البخاريّ في صحيحه:
حدّثنا يحيى بن سليمان، حدّثني ابن وهبٍ، حدّثني عمر -هو ابن محمّدٍ-أنّ سالمًا حدّثه، عن عبد اللّه بن عمر قال: ما سمعت عمر يقول لشيءٍ قطّ: "إنّي لأظنّه كذا" إلّا كان كما يظنّ، بينما عمر بن الخطّاب جالسٌ إذ مرّ به رجلٌ جميلٌ، فقال: لقد أخطأ ظنّي -أو: إنّ هذا على دينه في الجاهليّة-أو لقد كان كاهنهم-عليّ بالرّجل، فدعي له، فقال له ذلك، فقال: ما رأيت كاليوم استقبل له رجلٌ مسلمٌ. قال: فإنّي أعزم عليك إلّا ما أخبرتني. قال: كنت كاهنهم في الجاهليّة. قال: فما أعجب ما جاءتك به جنيّتك. قال: بينما أنا يومًا في السّوق جاءتني أعرف فيها الفزع، فقالت:
ألم تر الجنّ وإبلاسها = ويأسها من بعد إنكاسها...
ولحوقها بالقلاص وأحلاسها
قال عمر: صدق، بينما أنا نائمٌ عند آلهتهم، إذ جاء رجلٌ بعجلٍ فذبحه، فصرخ به صارخٌ، لم أسمع صارخًا قطّ أشدّ صوتًا منه يقول: يا جليح، أمرٌ نجيحٌ، رجلٌ فصيحٌ يقول: "لا إله إلّا اللّه" فوثب القوم، فقلت: لا أبرح حتّى أعلم ما وراء هذا؟ ثمّ نادى يا جليح، أمرٌ نجيحٌ، رجلٌ فصيحٌ يقول: "لا إله إلّا اللّه". فقمت، فما نشبنا أن قيل: هذا نبيٌّ.
هذا سياق البخاريّ، وقد رواه البيهقيّ من حديث ابن وهبٍ، بنحوه، ثمّ قال: "وظاهر هذه الرّواية يوهم أنّ عمر بنفسه سمع الصّارخ يصرخ من العجل الّذي ذبح، وكذلك هو صريحٌ في روايةٍ ضعيفةٍ عن عمر في إسلامه، وسائر الرّوايات تدلّ على أنّ هذا الكاهن هو الّذي أخبر بذلك عن رؤيته وسماعه، واللّه أعلم".
وهذا الّذي قاله البيهقي هو المتجهن وهذا الرّجل هو سواد بن قاربٍ، وقد ذكرت هذا مستقصًى في سيرة عمر، رضي اللّه عنه، فمن أراده فليأخذه من ثمّ، وللّه الحمد [والمنّة].
قال البيهقيّ: "حديث سواد بن قاربٍ، ويشبه أن يكون هذا هو الكاهن الّذي لم يذكر اسمه في الحديث الصّحيح".
أخبرنا أبو القاسم الحسن بن محمّد بن حبيبٍ المفسّر من أصل سماعه، أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الصّفّار الأصبهانيّ، قراءةً عليه، حدّثنا أبو جعفرٍ أحمد بن موسى الحمّار الكوفيّ بالكوفة، حدّثنا زياد بن يزيد بن بادويه أبو بكرٍ القصري، حدثنا محمد بن نواس الكوفيّ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي إسحاق، عن البراء [رضي اللّه عنه] قال: بينما عمر بن الخطّاب يخطب النّاس على منبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذ قال: أيّها النّاس، أفيكم سواد بن قاربٍ؟ قال: فلم يجبه أحدٌ تلك السّنة، فلمّا كانت السّنة المقبلة قال: أيّها النّاس، أفيكم سواد بن قاربٍ؟ قال: فقلت: يا أمير المؤمنين، وما سواد بن قاربٍ؟ قال: فقال له عمر: إنّ سواد بن قاربٍ كان بدء إسلامه شيئًا عجيبًا، قال: فبينا نحن كذلك إذ طلع سواد بن قاربٍ، قال: فقال له عمر: يا سواد حدّثنا ببدء إسلامك، كيف كان؟ قال سوادٌ: فإنّي كنت نازلًا بالهند، وكان لي رئيّ من الجنّ، قال: فبينا أنا ذات ليلةٍ نائمٌ، إذ جاءني في منامي ذلك. قال: قم فافهم واعقل إن كنت تعقل، قد بعث رسولٌ من لؤيّ بن غالبٍ، ثمّ أنشأ يقول:
عجبت للجنّ وأنجاسها وشدّها العيس بأحلاسها...
تهوي إلى مكة تبغي الهدى = ما مؤمنو الجنّ كأرجاسها...
فانهض إلى الصّفوة من هاشمٍ = واسم بعينيك إلى راسها...
قال: ثمّ أنبهني فأفزعني، وقال: يا سواد بن قاربٍ، إنّ اللّه بعث نبيًّا فانهض إليه تهتد وترشد. فلمّا كان من اللّيلة الثّانية أتاني فأنبهني، ثمّ أنشأ يقول كذلك:
عجبت للجنّ وتطلابها = وشدها العيس بأقتابها...
تهوي إلى مكّة تبغي الهدى = ليس قداماها كأذنابها...
فانهض إلى الصّفوة من هاشمٍ = واسم بعينيك إلى نابها
فلمّا كان في اللّيلة الثّالثة أتاني فأنبهني، ثمّ قال:
عجبت للجنّ وتخبارها = وشدّها العيس بأكوارها...
تهوي إلى مكّة تبغي الهدى = ليس ذوو الشّر كأخيارها...
فانهض إلى الصّفوة من هاشمٍ = ما مؤمنو الجنّ ككفّارها...
قال: فلمّا سمعته تكرّر ليلةً بعد ليلةٍ، وقع في قلبي حبّ الإسلام من أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما شاء اللّه، قال: فانطلقت إلى رحلي فشددته على راحلتي، فما حللت [عليه] نسعةً ولا عقدت أخرى حتّى أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو بالمدينة -يعني مكّة- والنّاس عليه كعرف الفرس، فلمّا رآني النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "مرحبًا بك يا سواد بن قاربٍ، قد علمنا ما جاء بك". قال: قلت: يا رسول اللّه، قد قلت شعرًا، فاسمعه منّي. قال سوادٌ: فقلت:
أتاني رئيّ بعد ليلٍ وهجعةٍ = ولم يك فيما قد بلوت بكاذب...
ثلاثٍ ليال قوله كلّ ليلة: = أتاك رسولٌ من لؤيّ بن غالب...
فشمّرت عن ساقي الإزار ووسّطت = بي الدّعلب الوجناء عند السّباسب...
فأشهد أنّ الله لا شيء غيره = وأنّك مأمونٌ على كل غائب...
وأنّك أدنى المرسلين شفاعة = إلى الله يا ابن الأكرمين الأطايب...
فمرنا بما يأتيك يا خير مرسل وإن كان فيما جاء شيب الذّوائب...
وكن لي شفيعا يوم لا ذو شفاعةٍ = سواك بمغنٍ عن سواد بن قارب...
قال: فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى بدت نواجذه، وقال لي: "أفلحت يا سواد": فقال له عمر: هل يأتيك رئيّك الآن؟ فقال: منذ قرأت القرآن لم يأتني، ونعم العوض كتاب اللّه من الجنّ.
ثمّ أسنده البيهقيّ من وجهين آخرين. وممّا يدلّ على وفادتهم إليه، عليه السّلام، بعد ما هاجر إلى المدينة، الحديث الّذي رواه الحافظ أبو نعيمٍ في كتاب "دلائل النّبوّة" [فقال]:
حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا محمّد بن عبدة المصّيصيّ، حدّثنا أبو توبة الرّبيع بن نافعٍ، حدّثنا معاوية بن سلّامٍ، عن زيد بن أسلم: أنّه سمع أبا سلّامٍ يقول: حدّثني من حدّثه عمرو بن غيلان الثّقفيّ قال: أتيت عبد اللّه بن مسعودٍ فقلت له: حدّثت أنّك كنت مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة وفد الجنّ؟ قال: أجل قلت: حدّثني كيف كان شأنه؟ فقال: إنّ أهل الصّفّة أخذ كلّ رجلٍ منهم رجلٌ يعشّيه، وتركت فلم يأخذني أحدٌ منهم، فمرّ بي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "من هذا؟ " فقلت: أنا ابن مسعودٍ. فقال: "ما أخذك أحدٌ يعشّيك؟ " فقلت: لا. قال: "فانطلق لعلّي أجد لك شيئًا". قال: فانطلقنا حتّى أتى حجرة أمّ سلمة فتركني ودخل إلى أهله، ثمّ خرجت الجارية فقالت: يا ابن مسعودٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يجد لك عشاءً، فارجع إلى مضجعك. قال: فرجعت إلى المسجد، فجمعت حصباء المسجد فتوسّدته، والتففت بثوبي، فلم ألبث إلا قليلا حتى جاءت الجارية، فقالت: أجب رسول اللّه. فاتّبعتها وأنا أرجو العشاء، حتّى إذا بلغت مقامي، خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وفي يده عسيبٌ من نخلٍ، فعرض به على صدري فقال: "أتنطلق أنت معي حيث انطلقت؟ " قلت: ما شاء اللّه. فأعادها عليّ ثلاث مرّاتٍ، كلّ ذلك أقول: ما شاء اللّه. فانطلق وانطلقت معه، حتّى أتينا بقيع الغرقد، فخطّ بعصاه خطا، ثم قال: "اجلس فيها، ولا تبرج حتّى آتيك". ثمّ انطلق يمشي وأنا أنظر إليه خلال النّخل، حتّى إذا كان من حيث لا أراه ثارت العجاجة السّوداء، ففرقت فقلت: ألحق برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّي أظنّ أنّ هوازن مكروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليقتلوه، فأسعى إلى البيوت، فأستغيث النّاس. فذكرت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أوصاني: أن لا أبرح مكاني الّذي أنا فيه، فسمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرعهم بعصاه ويقول: "اجلسوا". فجلسوا حتّى كاد ينشقّ عمود الصّبح، ثمّ ثاروا وذهبوا، فأتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "أنمت بعدي؟ " فقلت: لا، ولقد فزعت الفزعة الأولى، حتّى رأيت أن آتي البيوت فأستغيث النّاس حتّى سمعتك تقرعهم بعصاك، وكنت أظنّها هوازن، مكروا برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ليقتلوه. فقال: "لو أنّك خرجت من هذه الحلقة ما آمنهم عليك أن يختطفك بعضهم، فهل رأيت من شيءٍ منهم؟ " فقلت: رأيت رجالًا سودًا مستشعرين بثيابٍ بيضٍ، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أولئك وفد جنّ نصيبين، أتوني فسألوني الزّاد والمتاع، فمتّعتهم بكلّ عظمٍ حائلٍ أو روثةٍ أو بعرةٍ". قلت: وما يغني عنهم ذلك؟ قال: "إنّهم لا يجدون عظمًا إلّا وجدوا عليه لحمه الّذي كان عليه يوم أكل، ولا روثةً إلّا وجدوا فيها حبّها الّذي كان فيها يوم أكلت، فلا يستنقي أحدٌ منكم بعظمٍ ولا بعرةٍ ".
وهذا إسنادٌ غريبٌ جدًّا، ولكن فيه رجلٌ مبهمٌ لم يسمّ [واللّه أعلم]، وقد روى الحافظ أبو نعيمٍ من حديث بقيّة بن الوليد، حدّثني نمير بن زيدٍ القنبر، حدّثنا أبي، حدّثنا قحافة بن ربيعة، حدّثني الزّبير بن العوّام قال: صلّى بنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم صلاة الصّبح في مسجد المدينة، فلمّا انصرف قال: "أيّكم يتبعني إلى وفد الجنّ اللّيلة؟ " فأسكت القوم ثلاثًا، فمرّ بي فأخذ بيدي، فجعلت أمشي معه حتّى حبست عنّا جبال المدينة كلّها، وأفضينا إلى أرض برازٍ، فإذا برجالٍ طوالٍ كأنّهم الرّماح، مستشعرين بثيابهم من بين أرجلهم، فلمّا رأيتهم غشيتني رعدةٌ شديدةٌ، ثمّ ذكر نحو حديث ابن مسعودٍ المتقدّم، وهذا حديثٌ غريبٌ، واللّه أعلم.
وممّا يتعلّق بوفود الجنّ ما رواه الحافظ أبو نعيمٍ: حدّثنا أبو محمّد بن حيّان، حدّثنا أبو الطّيّب أحمد بن روحٍ، حدّثنا يعقوب الدّورقي، حدّثنا الوليد بن بكيرٍ التّميميّ، حدّثنا حصين بن عمر، أخبرني عبيدٌ المكتب، عن إبراهيم قال: خرج نفرٌ من أصحاب عبد اللّه يريدون الحجّ، حتّى إذا كانوا في بعض الطّريق، إذا هم بحيّةٍ تنثني على الطّريق أبيض، ينفخ منه ريح المسك، فقلت لأصحابي: امضوا، فلست ببارحٍ حتّى أنظر إلى ما يصير إليه أمر هذه الحيّة. قال: فما لبثت أن ماتت، فعمدت إلى خرقةٍ بيضاء فلففتها فيها، ثمّ نحّيتها عن الطّريق فدفنتها، وأدركت أصحابي في المتعشّى. قال: فواللّه إنّا لقعودٌ إذ أقبل أربع نسوةٍ من قبل المغرب، فقالت واحدةٌ منهنّ: أيّكم دفن عمرًا؟ قلنا: ومن عمرٌو، قالت: أيّكم دفن الحيّة؟ قال: قلت: أنا. قالت: أما واللّه لقد دفنت صوّامًا قوّامًا، يأمر بما أنزل اللّه، ولقد آمن بنبيّكم، وسمع صفته من السّماء قبل أن يبعث بأربعمائة عامٍ. قال الرّجل فحمدنا اللّه، ثمّ قضينا حجّتنا، ثمّ مررت بعمر بن الخطّاب في المدينة، فأنبأته بأمر الحيّة، فقال: صدقت، سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لقد آمن بي قبل أن أبعث بأربعمائة سنةٍ".
وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا، واللّه أعلم.
قال أبو نعيمٍ: وقد روى الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن الشّعبيّ، عن رجلٍ من ثقيفٍ، بنحوه. وروى عبد اللّه بن أحمد والّظهراني، عن صفوان بن المعطّل -هو الّذي نزل ودفن تلك الحيّة من بين الصّحابة-وأنّهم قالوا: أما إنّه آخر التّسعة موتًا الّذين أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يستمعون القرآن.
وروى أبو نعيمٍ من حديث اللّيث بن سعدٍ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عمّه، عن معاذ بن عبيد اللّه بن معمرٍ قال: كنت جالسًا عند عثمان بن عفّان، فجاء رجلٌ فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي كنت بفلاةٍ من الأرض، فذكر أنّه رأى ثعبانين اقتتلا ثمّ قتل أحدهما الآخر، قال: فذهبت إلى المعترك، فوجدت حيّاتٍ كثيرةً مقتولةً، وإذ ينفح من بعضها ريح المسك، فجعلت أشمّها واحدةً واحدةً، حتّى وجدت ذلك من حيّةٍ صفراء رقيقةٍ، فلففتها في عمامتي ودفنتها. فبينا أنا أمشي إذ ناداني منادٍ: يا عبد اللّه، لقد هديت! هذان حيّان من الجنّ بنو أشعيبان وبنو أقيشٍ التقوا، فكان من القتلى ما رأيت، واستشهد الّذي دفنته، وكان من الّذين سمعوا الوحي من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. قال: فقال عثمان لذلك الرّجل: إن كنت صادقًا فقد رأيت عجبًا، وإن كنت كاذبًا فعليك كذبك.
فقوله تعالى: {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ} أي: طائفةً من الجنّ، {يستمعون القرآن فلمّا حضروه قالوا أنصتوا} أي: استمعوا وهذا أدبٌ منهم.
وقد قال الحافظ البيهقيّ: حدّثنا الإمام أبو الطّيّب سهل بن محمّد بن سليمان، أخبرنا أبو الحسن محمّد بن عبد اللّه الدّقّاق، حدّثنا محمّد بن إبراهيم البوشنجي، حدّثنا هشام بن عمّارٍ الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن زهير بن محمّدٍ، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللّه قال: قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة "الرّحمن" حتّى ختمها، ثمّ قال: "ما لي أراكم سكوتًا، للجنّ كانوا أحسن منكم ردًّا، ما قرأت عليهم هذه الآية من مرّةٍ: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} إلّا قالوا: ولا بشيءٍ من آلائك -أو نعمك-ربّنا نكذّب، فلك الحمد".
ورواه التّرمذيّ في التّفسير، عن أبي مسلمٍ عبد الرّحمن بن واقدٍ، عن الوليد بن مسلمٍ به. قال: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرّحمن، فذكره، ثمّ قال التّرمذيّ: "غريبٌ لا نعرفه إلّا من حديث الوليد، عن زهيرٍ" كذا قال. وقد رواه البيهقيّ من حديث مروان بن محمّدٍ الطّاطريّ، عن زهير بن محمّدٍ، به مثله .
وقوله: {فلمّا قضي} أي: فرغ. كقوله: {فإذا قضيت الصّلاة} [الجمعة: 10]، {فقضاهنّ سبع سمواتٍ في يومين} [فصّلت: 12]، {فإذا قضيتم مناسككم} [البقرة: 200] {ولّوا إلى قومهم منذرين} أي: رجعوا إلى قومهم فأنذروهم ما سمعوه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، كقوله: {ليتفقّهوا في الدّين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون} [التّوبة: 122].
وقد استدلّ بهذه الآية على أنّه في الجنّ نذرٌ، وليس فيهم رسلٌ: ولا شكّ أنّ الجنّ لم يبعث اللّه منهم رسولًا؛ لقوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109]، وقال {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق} [الفرقان: 20]، وقال عن إبراهيم الخليل: {وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب} [العنكبوت: 27].
فكلّ نبيٍّ بعثه اللّه بعد إبراهيم فمن ذرّيّته وسلالته، فأمّا قوله تعالى في [سورة] الأنعام: {يا معشر الجنّ والإنس ألم يأتكم رسلٌ منكم} [الأنعام: 130]، فالمراد من مجموع الجنسين، فيصدق على أحدهما وهو الإنس، كقوله: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} [الرّحمن: 22] أي: أحدهما).[تفسير ابن كثير: 7/ 289-302]

تفسير قوله تعالى: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ إنّه تعالى فسّر إنذار الجنّ لقومهم فقال مخبرًا عنهم: {قالوا يا قومنا إنّا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى [مصدّقًا لما بين يديه يهدي إلى الحقّ]}، ولم يذكروا عيسى؛ لأنّ عيسى، عليه السّلام، أنزل عليه الإنجيل فيه مواعظ وترقيقاتٌ وقليلٌ من التّحليل والتّحريم، وهو في الحقيقة كالمتمّم لشريعة التّوراة، فالعمدة هو التّوراة؛ فلهذا قالوا: أنزل من بعد موسى. وهكذا قال ورقة بن نوفلٍ، حين أخبره النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بقصّة نزول جبريل [عليه السّلام] عليه أوّل مرّةٍ، فقال: بخ بخ، هذا النّاموس الّذي كان يأتي موسى، يا ليتني أكون فيها جذعًا.
{مصدّقًا لما بين يديه} أي: من الكتب المنزّلة قبله على الأنبياء. وقولهم: {يهدي إلى الحقّ} أي: في الاعتقاد والإخبار، {وإلى طريقٍ مستقيمٍ} في الأعمال، فإنّ القرآن يشتمل على شيئين خبرٍ وطلبٍ، فخبره صدقٌ، وطلبه عدلٌ، كما قال: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا} [الأنعام: 115]، وقال {هو الّذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ} [التّوبة: 33]، فالهدى هو: العلم النّافع، ودين الحقّ: هو العمل الصّالح. وهكذا قالت الجنّ: {يهدي إلى الحقّ} في الاعتقادات، {وإلى طريقٍ مستقيمٍ} أي: في العمليّات). [تفسير ابن كثير: 7/ 302-303]

تفسير قوله تعالى: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31) وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (32) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({يا قومنا أجيبوا داعي اللّه} فيه دلالةٌ على أنّه تعالى أرسل محمّدًا صلوات اللّه وسلامه عليه إلى الثّقلين الإنس والجنّ حيث دعاهم إلى اللّه، وقرأ عليهم السّورة الّتي فيها خطاب الفريقين، وتكليفهم ووعدهم ووعيدهم، وهي سورة الرّحمن؛ ولهذا قال {أجيبوا داعي اللّه وآمنوا به}
وقوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} قيل: إنّ "من" هاهنا زائدةٌ وفيه نظرٌ؛ لأنّ زيادتها في الإثبات قليل، وقيل: إنها على بابها للتبغيض، {ويجركم من عذابٍ أليمٍ} أي: ويقيكم من عذابه الأليم.
وقد استدلّ بهذه الآية من ذهب من العلماء إلى أنّ الجنّ المؤمنين لا يدخلون الجنّة، وإنّما جزاء صالحيهم أن يجاروا من عذاب النّار يوم القيامة؛ ولهذا قالوا هذا في هذا المقام، وهو مقام تبجّحٍ ومبالغةٍ فلو كان لهم جزاءٌ على الإيمان أعلى من هذا لأوشك أن يذكروه.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي قال: حدّثت عن جريرٍ، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: لا يدخل مؤمنو الجنّ الجنّة؛ لأنّهم من ذرّيّة إبليس، ولا تدخل ذرّيّة إبليس الجنّة.
والحقّ أنّ مؤمنهم كمؤمني الإنس يدخلون الجنّة، كما هو مذهب جماعةٍ من السّلف، وقد استدلّ بعضهم لهذا بقوله: {لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ} [الرّحمن: 74]، وفي هذا الاستدلال نظرٌ، وأحسن منه قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} [الرّحمن: 46، 47]، فقد امتنّ تعالى على الثّقلين بأن جعل جزاء محسنهم الجنّة، وقد قابلت الجنّ هذه الآية بالشّكر القوليّ أبلغ من الإنس، فقالوا: "ولا بشيء من آلائك ربّنا نكذّب، فلك الحمد" فلم يكن تعالى ليمتنّ عليهم بجزاءٍ لا يحصل لهم، وأيضًا فإنّه إذا كان يجازي كافرهم بالنّار -وهو مقام عدلٍ-فلأن يجازي مؤمنهم بالجنّة -وهو مقام فضل- بطريق الأولى والأحرى. وممّا يدلّ أيضًا على ذلك عموم قوله تعالى: {إنّ الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كانت لهم جنّات الفردوس نزلا} [الكهف: 107]، وما أشبه ذلك من الآيات. وقد أفردت هذه المسألة في جزءٍ على حدةٍ، وللّه الحمد والمنّة. وهذه الجنّة لا يزال فيها فضلٌ حتّى ينشئ اللّه لها خلقًا، أفلا يسكنها من آمن به وعمل له صالحًا؟ وما ذكروه هاهنا من الجزاء على الإيمان من تكفير الذّنوب والإجارة من العذاب الأليم، هو يستلزم دخول الجنّة؛ لأنّه ليس في الآخرة إلّا الجنّة أو النّار، فمن أجير من النّار دخل الجنّة لا محالة. ولم يرد معنا نصٌّ صريحٌ ولا ظاهرٌ عن الشّارع أنّ مؤمني الجنّ لا يدخلون الجنّة وإن أجيروا من النّار، ولو صحّ لقلنا به، واللّه أعلم. وهذا نوحٌ، عليه السّلام، يقول لقومه: {يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخّركم إلى أجلٍ مسمًّى} [نوحٍ: 4]، ولا خلاف أنّ مؤمني قومه في الجنّة، فكذلك هؤلاء. وقد حكي فيهم أقوالٌ غريبةٌ فعن عمر بن عبد العزيز: أنّهم لا يدخلون بحبوحة الجنّة، وإنّما يكونون في ربضها وحولها وفي أرجائها. ومن النّاس من زعم أنّهم في الجنّة يراهم بنو آدم ولا يرون بني آدم عكس ما كانوا عليه في الدّار الدّنيا. ومن النّاس من قال: لا يأكلون في الجنّة ولا يشربون، وإنّما يلهمون التّسبيح والتّحميد والتّقديس، عوضا عن الطّعام والشّراب كالملائكة، لأنّهم من جنسهم. وكلّ هذه الأقوال فيها نظرٌ، ولا دليل عليها.
ثمّ قال مخبرًا عنه: {ومن لا يجب داعي اللّه فليس بمعجزٍ في الأرض} أي: بل قدرة اللّه شاملةٌ له ومحيطةٌ به، {وليس له من دونه أولياء} أي: لا يجيرهم منه أحدٌ {أولئك في ضلالٍ مبينٍ} وهذا مقام تهديدٍ وترهيبٍ، فدعوا قومهم بالتّرغيب والتّرهيب؛ ولهذا نجع في كثيرٍ منهم، وجاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفودًا وفودًا، كما تقدّم بيانه). [تفسير ابن كثير: 7/ 303-304]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة