العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الدخان

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 02:32 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة الدخان [ الآيات من 9 إلى 16]

تفسير سورة الدخان [ الآيات من 9 إلى 16]


{بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 02:33 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

جمهرة تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {بل هم في شكٍّ يلعبون} يقول تعالى ذكره ما هم بموقنين بحقيقة ما يقال لهم ويخبرون من هذه الأخبار، يعني بذلك مشركي قريشٍ، ولكنّهم في شكٍّ منه، فهم يلهون بشكّهم في الّذي يخبرون به من ذلك). [جامع البيان: 21/13]

تفسير قوله تعالى: (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق في قوله تعالى يوم تأتى السماء بدخان مبين قال مسروق كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود فجاء رجل قال سمعت رجلا آنفا عند أبواب كندة يقول إنه سيأتي على الناس دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويكون على المؤمن كهيئة الزكمة فغضب ابن مسعود فقال يا أيها الناس من علم منكم شيئا فليقل ما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن الله قال لنبيه قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن قريشا لما آذوا النبي وكذبوه دعا عليهم فقال اللهم خذهم بسنين كسني يوسف فأخذتهم سنة أهلكت كل شيء حتى أصابهم جوع شديد أو جهد حتى أكلوا الميتة فأكلوا العصب وحتى جعل أحدهم يخيل إليه أنه يرى ما بينه وبين السماء دخانا فجاء أبو سفيان فقال يا محمد إنك بعثت بالرحمة والعافية والخير وإن قومك قد هلكوا ثم تلا ابن مسعود فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين حتى بلغ كاشفوا العذاب قليلا قال أفيكشف عذاب الآخرة ثم قال يوم نبطش البطشة الكبرى قال هذا يوم بدر واللزام القتل يوم بدر قد مضى هذا كله وآية الروم قد مضت). [تفسير عبد الرزاق: 2/205-206]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال أنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي قال آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينتفخ الكافر حتى ينقد). [تفسير عبد الرزاق: 2/206]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن ابن جريج قال أخبرني ابن أبي مليكة أو سمعته يقول دخلت على ابن عباس يوما فقال لي لم أنم البارحة حتى أصبحت فقلت لم قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت الدخان قد طرق فوالله ما نمت حتى أصبحت). [تفسير عبد الرزاق: 2/206]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة أن النبي قال بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان ودابة الأرض وخويصة أحدكم وأمر العامة يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 2/206-207]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} [الدخان: 10]
قال قتادة: " فارتقب: فانتظر "
- حدّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: " مضى خمسٌ: الدّخان، والرّوم، والقمر، والبطشة، واللّزام "). [صحيح البخاري: 6/131]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين)
فارتقب فانتظر كذا لأبي ذرٍّ وفي رواية غيره وقال قتادة فارتقب فانتظر وقد وصله عبد بن حميدٍ من طريق شيبان عن قتادة به
- قوله عن الأعمش عن مسلم هو ابن صبيحٍ بالتّصغير أبو الضّحى كما صرّح به في الأبواب الّتي بعده وقد ترجم لهذا الحديث ثلاث تراجم بعد هذا وساق الحديث بعينه مطوّلًا ومختصرًا وقد تقدّم أيضًا في تفسير الفرقان مختصرًا وفي تفسير الرّوم وتفسير ص مطوّلًا ويحيى الرّاوي فيه عن أبي معاوية وفي الباب الّذي يليه عن وكيعٍ هو ابن موسى البلخيّ وقوله في الطّريق الأولى حتّى أكلوا العظام زاد في الرّواية الّتي بعدها والميتة وفي الّتي تليها حتّى أكلوا الميتة وفي الّتي بعدها حتّى أكلوا العظام والجلود وفي روايةٍ فيها حتّى أكلوا الجلود والميتة وقع في جمهور الرّوايات الميتة بفتح الميم وبالتّحتانيّة ثمّ المثنّاة وضبطها بعضهم بنونٍ مكسورةٍ ثمّ تحتانيّةٍ ساكنةٍ وهمزةٍ وهو الجلد أوّل ما يدبغ والأوّل أشهر). [فتح الباري: 8/571]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال قتادة ارتقب انتظر
قال عبد بن حميد ثنا يونس عن شيبان عن قتادة قال {فارتقب يوم تأتي السّماء} 10- الدّخان يقول فانتظر). [تغليق التعليق: 4/310-311]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} )
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {فارتقب} أي: انتظر يا محمّد، كما يجيء الآن. قوله: (بدخان مبين) ، ظاهر.
قال قتادة فارتقب فانتظر
أي: قال قتادة في تفسير قوله تعالى: فارتقب، فانتظر يا محمّد، ويقال ذلك في المكروه، والمعنى: انتظر عذابهم، فحذف مفعول فارتقب لدلالة ما ذكر بعده عليه وهو قوله: {هذا عذاب أليم} (الدّخان: 11) وقيل: (يوم تأتي السّماء) مفعول فارتقب، يقال: رقبته فارتقبته نحو نظرته فانتظرته.
- حدّثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن مسلمٍ عن مسروقٍ عن عبد الله قال مضى خمسٌ الدّخان والرّوم والقمر والبطشة واللّزام..
مطابقته للتّرجمة في قوله: الدّخان، وعبدان هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي، وأبو حمزة بالحاء المهملة وبالزاي: محمّد ابن الميمون السكري، والأعمش سليمان، ومسلم هو ابن صبيح أبو الضّحى، ومسروق بن الأجدع، وعبد الله بن مسعود.
والحديث قد مضى في تفسير سورة الفرقان، وذكر فيه خمسة أشياء الدّخان يجيء قبل قيام السّاعة فيدخل في أسماع الكفّار والمنافقين حتّى يكون كالرأس الحنيذ ويعتري المؤمن منه كهيئة الزّكام وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه النّار ولم يأت بعد وهو آتٍ، والروم فيما قال تعالى: {ألم غلبت الرّوم} (الرّوم: 1) والقمر فيما قال تعالى: {وانشقّ القمر} (القمر: 1) والبطشة فيما قال تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى} (الدّخان: 16) أي: القتل يوم بدر، واللزام فيما قال تعالى: {فسوف يكون لزاما} (الفرقان: 77) أي: أسرى يوم بدر أيضا، وقيل: هو القتل). [عمدة القاري: 19/163]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} قال قتادة (فارتقب) فانتظر
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله عز وجل: ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}) [الدخان: 10] وسقط لغير أبي ذر لفظ باب وقوله فارتقب فقط (قال قتادة) فيما وصله عبد بن حميد (فارتقب) أي (فانتظر) وللأصيلي انتظر بإسقاط الفاء.
- حدّثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن مسلمٍ عن مسروقٍ عن عبد اللّه قال: مضى خمسٌ: الدّخان، والرّوم، والقمر، والبطشة، واللّزام.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله بن عثمان المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو ابن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) هو ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: مضى خمس) من علامات الساعة
(الدخان) بتخفيف الخاء المذكور في قوله هنا: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] (والروم) في قوله: {الم * غلبت الرّوم} [الروم: 1 - 2] (والقمر) في قوله: {اقتربت الساعة وانشق القمر} [القمر: 1] (والبطشة) في قوله هنا: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] (واللزام) في قوله: {فسوف يكون لزامًا} [الفرقان: 77] وهو الهلكة أو الأسر ويدخل في ذلك يوم بدر كما فسره به ابن مسعود وغيره فيكون أربعًا أو اللزام يكون في القيامة ولتحقق وقوعه عدّ ماضيًا.
وهذا الحديث سبق في الفرقان). [إرشاد الساري: 7/335]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وإن تعودوا نعد}
- أخبرنا بشر بن خالدٍ، أخبرنا غندرٌ، عن شعبة، عن سليمان، ومنصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: قال عبد الله: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا رأى قريشًا قد استعصوا قال: «اللهمّ أعنّي بسبعٍ كسبع يوسف» فأخذتهم السّنة حتّى حصّت كلّ شيءٍ حتّى أكلوا الجلود وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان فقال: أي محمّد، إنّ قومك قد هلكوا، فادع الله أن يكشف عنهم، فدعا وقال: إن يعودوا نعد - هذا في حديث منصورٍ - ثمّ قرأ هذه الآية {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} [الدخان: 10] قال: عذاب الآخرة فقد مضى الدّخان والبطشة واللّزام، وقال أحدهما: القمر، وقال الآخر: والرّوم). [السنن الكبرى للنسائي: 10/106] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}
- أخبرنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال عبد الله: إنّ قريشًا لمّا استعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، وجعل - يعني الرّجل - ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل الله عزّ وجلّ {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]، فأتي رسول الله فقيل: يا رسول الله، استسق الله لهم، فإنّهم قد هلكوا، فاستسقى الله فسقوا، فأنزل الله تعالى {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15]، فعادوا إلى حالتهم الّتي كانوا عليها حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل الله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]، قال: يوم بدرٍ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/252]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا خالدٌ يعني ابن الحارث، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا فراتٌ القزّاز، عن أبي الطّفيل، عن حذيفة بن أسيدٍ، قال: اطّلعنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نتذاكر السّاعة، فقال: " إنّ السّاعة لا تقوم حتّى تكون عشرٌ: الدّخان، والدّجّال، وطلوع الشّمس من مغربها، والدّابّة، وثلاثة خسوفٍ: خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ في جزيرة العرب، ونزول عيسى ابن مريم، وفتح يأجوج ومأجوج، ونارٌ تخرج من قعر عدنٍ تسوق النّاس إلى المحشر "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/253]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ (10) يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ (11) ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} يعني تعالى ذكره بقوله: {فارتقب} فانتظر يا محمّد بهؤلاء المشركين من قومك الّذين هم في شكٍّ يلعبون، وإنّما هو افتعل، من رقبته: إذا انتظرته وحرسته.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فارتقب} أي: فانتظر.
وقوله: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} اختلف أهل التّأويل في هذا اليوم الّذي أمر اللّه عزّ وجلّ نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يرتقبه، وأخبره أنّ السّماء تأتي فيه بدخانٍ مبينٍ: أيّ يومٍ هو، ومتى هو؟ وفي معنى الدّخان الّذي ذكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: ذلك حين دعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على قريشٍ ربّه تبارك وتعالى أن يأخذهم بسنين كسني يوسف، فأخذوا بالمجاعة، قالوا: وعنى بالدّخان ما كان يصيبهم حينئذٍ في أبصارهم من شدّة الجوع من الظّلمة كهيئة الدّخان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عيسى بن عثمان بن عيسى الرّمليّ قال: حدّثنا يحيى بن عيسى، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ قال: دخلنا المسجد، فإذا رجلٌ يقصّ على أصحابه ويقول: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} تدرون ما ذلك الدّخان؟ ذلك دخانٌ يأتي يوم القيامة، فيأخذ أسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزّكام؟ قال: فأتينا ابن مسعودٍ، فذكرنا ذلك له وكان مضطجعًا، ففزع، فقعد فقال: إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} إنّ من العلم أن يقول الرّجل لما لا يعلم: اللّه أعلم، سأحدّثكم عن ذلك، إنّ قريشًا لمّا أبطأت عن الإسلام، واستعصت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتّى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السّماء فلا يرون إلاّ الدّخان قال اللّه تبارك وتعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} فقالوا: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} قال اللّه جلّ ثناؤه: {إنّا كاشفو العذاب قليلاً إنّكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال: فعادوا يوم بدرٍ فانتقم اللّه منهم.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ قال: حدّثنا مالك بن سعيرٍ قال: حدّثنا الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ قال: كان في المسجد رجلٌ يذكّر النّاس، فذكر نحو حديث عيسى، عن يحيى بن عيسى، إلاّ أنّه قال: فانتقم يوم بدرٍ، فهي البطشة الكبرى.
- حدّثنا ابن حميدٍ، وعمرو بن عبد الحميد قالا: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن أبي الضّحى مسلم بن صبيحٍ، عن مسروقٍ قال: كنّا عند عبد اللّه بن مسعودٍ جلوسًا وهو مضطجعٌ بيننا، فأتاه رجلٌ فقال: يا أبا عبد الرّحمن: إنّ قاصًّا عند أبواب كندة يقصّ ويزعم أنّ آية الدّخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفّار، ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزّكام، فقام عبد اللّه وجلس وهو غضبان، فقال: يا أيّها النّاس اتّقوا اللّه، فمن علم شيئًا فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم فليقل: اللّه أعلم وقال عمرٌو: فإنّه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم اللّه أعلم، وما على أحدكم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإنّ اللّه عزّ وجلّ يقول لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا رأى من النّاس إدبارًا قال: اللّهمّ سبعًا كسبع يوسف، فأخذتهم سنةٌ حصّت كلّ شيءٍ، حتّى أكلوا الجلود والميتة والجيف، ينظر أحدهم إلى السّماء فيرى دخانًا من الجوع، فأتاه أبو سفيان بن حربٍ فقال: يا محمّد إنّك جئت تأمر بالطّاعة وبصلة الرّحم، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع اللّه لهم قال اللّه عزّ وجلّ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} إلى قوله: {إنّكم عائدون} قال: فكشف عنهم {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} فالبطشة يوم بدرٍ، وقد مضت آية الرّوم وآية الدّخان، والبطشة واللّزام.
- حدّثني أبو السّائب قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه: خمسٌ قد مضين: الدّخان، واللّزام، والبطشة، والقمر، والرّوم.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن عاصمٍ قال: شهدت جنازةً فيها زيد بن عليٍّ فأنشأ يحدّث يومئذٍ، فقال: إنّ الدّخان يجيء قبل يوم القيامة، فيأخذ بأنف المؤمن الزّكام، ويأخذ بمسامع الكافر قال: قلت رحمك اللّه، إنّ صاحبنا عبد اللّه قد قال غير هذا قال: إنّ الدّخان قد مضى وقرأ هذه الآية {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} قال: أصاب النّاس جهدٌ حتّى جعل الرّجل يرى ما بينه وبين السّماء دخانًا، فذلك قوله: {فارتقب} وكذا قرأ عبد اللّه إلى قوله: {مؤمنون} قال: {إنّا كاشفو العذاب قليلاً} قلت لزيدٍ: فعادوا، فأعاد اللّه عليهم بدرًا، فذلك قوله: {وإن عدتم عدنا} فذلك يوم بدرٍ قال: فقبل واللّه قال عاصمٌ: فقال رجلٌ يردّ عليه، فقال زيدٌ رحمة اللّه عليه: أما إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد قال: إنّكم سيجيئكم رواةٌ، فما وافق القرآن فخذوا به، وما كان غير ذلك فدعوه.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن مسعودٍ، أنّه قال: {البطشة الكبرى}: يوم بدرٍ، وقد مضى الدّخان.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ، عن عوفٍ قال: سمعت أبا العالية، يقول: إنّ الدّخان قد مضى.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا سلمة، عن عمرٍو، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: مضى الدّخان لسنين أصابتهم.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثنا أيّوب، عن محمّدٍ قال: نبّئت أنّ ابن مسعودٍ، كان يقول: قد مضى الدّخان، كان سنين كسني يوسف.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} قال: الجدب وإمساك المطر عن كفّار قريشٍ، إلى قوله: {إنّا مؤمنون}.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} قال: كان ابن مسعودٍ يقول: قد مضى الدّخان، وكان سنين كسني يوسف {يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ}.
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} قد مضى شأن الدّخان.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد اللّه {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدرٍ.
وقال آخرون: الدّخان آيةٌ من آيات اللّه مرسلةٌ على عباده قبل مجيء السّاعة، فيدخل في أسماع أهل الكفر به، ويعتري أهل الإيمان به كهيئة الزّكام، قالوا: ولم يأت بعد، وهو آتٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني واصل بن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن فضيلٍ، عن الوليد بن جميعٍ، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرّحمن بن البيلماني، عن ابن عمر قال: يخرج الدّخان، فيأخذ المؤمن كهيئة الزّكمة، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق، حتّى يكون كالرّأس الحنيذ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عبّاسٍ ذات يومٍ، فقال: ما نمت اللّيلة حتّى أصبحت، قلت: لم؟ قال: قالوا: طلع الكوكب ذو الذّنب، فخشيت أن يكون الدّخان قد طرق، فما نمت حتّى أصبحت.
- حدّثنا محمّد بن بزيعٍ قال: حدّثنا بشر بن المفضّل، عن عوفٍ قال: قال الحسن: إنّ الدّخان قد بقي من الآيات، فإذا جاء الدّخان نفخ الكافر حتّى يخرج من كلّ سمعٍ من مسامعه، ويأخذ المؤمن كزكمةٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عثمانٌ يعني ابن الهيثم قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن بنحوه
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي سعيدٍ قال: يهيج الدّخان بالنّاس فأمّا المؤمن فيأخذه منه كهيئة الزّكمة وأمّا الكافر فيهيجه حتّى يخرج من كلّ مسمعٍ منه. قال: وكان بعض أهل العلم يقول: فما مثل الأرض يومئذٍ إلاّ كمثل بيتٍ أوقد فيه ليس فيه خصاصةٌ.
- حدّثني عصام بن روّاد بن الجرّاح قال: ثني أبي قال: حدّثنا سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ قال: حدّثنا منصور بن المعتمر، عن ربعيّ بن حراشٍ قال: سمعت حذيفة بن اليمان، يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أوّل الآيات الدّجّال، ونزول عيسى ابن مريم، ونارٌ تخرج من قعر عدن أبين تسوق النّاس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا، والدّخان قال حذيفة: يا رسول اللّه وما الدّخان؟ فتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الآية {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ (10) يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يومًا وليلةً، أمّا المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزّكام، وأمّا الكافر فيكون بمنزلة السّكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره.
- حدّثني محمّد بن عوفٍ قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن عيّاشٍ قال: ثني أبي قال: ثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ ربّكم أنذركم ثلاثًا: الدّخان يأخذ المؤمن كالزّكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتّى يخرج من كلّ مسمعٍ منه، والثّانية الدّابّة، والثّالثة الدّجّال.
وأولى القولين بالصّواب في ذلك ما روي عن ابن مسعودٍ من أنّ الدّخان الّذي أمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يرتقبه، هو ما أصاب قومه من الجهد بدعائه عليهم، على ما وصفه ابن مسعودٍ من ذلك إن لم يكن خبر حذيفة الّذي ذكرناه عنه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صحيحًا، وإن كان صحيحًا، فرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أعلم بما أنزل اللّه عليه، وليس لأحدٍ مع قوله الّذي يصحّ عنه قولٌ.
وإنّما لم أشهد له بالصّحّة، لأنّ محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ حدّثني أنّه سأل روّادًا عن هذا الحديث، هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا، فقلت له: فقرأته عليه؟ فقال: لا، فقلت له: فقرئ عليه وأنت حاضرٌ فأقرّ به؟ فقال: لا، فقلت: فمن أين جئت به؟ قال: جاءني به قومٌ فعرضوه عليّ وقالوا لي: اسمعه منّا فقرأوه عليّ، ثمّ ذهبوا، فحدّثوا به عنّي، أو كما قال؛ فلمّا ذكرت من ذلك لم أشهد له بالصّحّة.
وإنّما قلت: القول الّذي قاله عبد اللّه بن مسعودٍ هو أولى بتأويل الآية، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه توعّد بالدّخان مشركي قريشٍ وأنّ قوله لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} في سياق خطاب اللّه كفّار قريشٍ وتقريعه إيّاهم بشركهم بقوله: {لا إله إلاّ هو يحيي ويميت ربّكم وربّ آبائكم الأوّلين بل هم في شكٍّ يلعبون} ثمّ أتبع ذلك قوله لنبيّه عليه الصّلاة والسّلام: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} أمرًا منه له بالصّبر إلى أن يأتيهم بأسه وتهديدًا للمشركين فهو بأن يكون إذ كان وعيدًا لهم قد أحلّه بهم أشبه من أن يكون أخّره عنهم لغيرهم.
وبعد، فإنّه غير منكرٍ أن يكون أحلّ بالكفّار الّذين توعّدهم بهذا الوعيد ما توعّدهم، ويكون محلًّا فيما يستأنف بعد بآخرين دخانًا على ما جاءت به الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عندنا كذلك، لأنّ الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قد تظاهرت بأنّ ذلك كائنٌ، فإنّه قد كان ما روى عنه عبد اللّه بن مسعودٍ، فكلا الخبرين اللّذين رويا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم صحيحٌ وإن كان تأويل الآية في هذا الموضع ما قلنا.
فإذ كان الّذي قلنا في ذلك أولى التّأويلين، فبيّنٌ أنّ معناه: فانتظر يا محمّد لمشركي قومك يوم تأتيهم السّماء من البلاء الّذي يحلّ بهم على كفرهم بمثل الدّخان المبين لمن تأمّله أنّه دخانٌ). [جامع البيان: 21/13-21]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يعني الجدب وإمساك المطر عن كفار قريش). [تفسير مجاهد: 588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 10 - 16.
أخرج ابن جرير عن قتادة {فارتقب} أي فانتظر). [الدر المنثور: 13/260]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عبيدة عن ابن مسعود قال: آية الدخان قد مضت). [الدر المنثور: 13/260]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق أبي عبيدة وأبي الأحوص عن عبد الله قال: الدخان جوع أصاب قريشا حتى كان أحدهم لا يبصر السماء من الجوع). [الدر المنثور: 13/261]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق عتبة بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن مسعود قال: الدخان قد مضى كان أناس أصابهم مخمصة وجوع شديد حتى كانوا يرون الدخان فيما بينهم وبين السماء). [الدر المنثور: 13/261]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق أبي وائل عن عبد الله {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} قال: جوع أصاب الناس بمكة). [الدر المنثور: 13/261]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي العالية قال: مضى الدخان والبطشة الكبرى يوم بدر). [الدر المنثور: 13/261]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن محمد بن سيرين قال: قال ابن مسعود: كل ما وعدنا الله ورسوله فقد رأيناه غير أربع: طلوع الشمس من مغربها والدجال ودابة الأرض ويأجوج ومأجوج فأما الدخان فقد مضى وكان سني كسني يوسف وأما القمر فقد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما البطشة الكبرى فيوم بدر). [الدر المنثور: 13/261-262]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري وأبو نعيم واليهقي معا في الدلائل عن مسروق قال: جاء رجل إلى عبد الله فقال: إني تركت رجلا في المسجد يقول: في هذه الآية {يوم تأتي السماء بدخان} {يغشى الناس} يوم القيامة دخان فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن منه كهيئة الزكام فغضب وكان متكئا فجلس ثم قال: من علم منكم علما فليقل به ومن لم يكن يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما يقول لما لا يعلم الله أعلم وسأحدثكم عن الدخان: إن قريشا لما استصعبت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبطأوا عن الإسلام قال: اللهم أعني عليهم بسبع كسبع يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجوع فأنزل الله {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} فأتي النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقيل يا رسول الله: استسق الله لمضر فاستسقى لهم فسقوا فأنزل الله {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة فلما أصابتهم الرفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل الله {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} فانتقم الله منهم يوم بدر فقد مضى البطشة والدخان واللزام). [الدر المنثور: 13/262-263]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن مسعود قال: لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الناس إدبارا قال: اللهم سبع كسبع يوسف فأخذتهم سنة حتى أكلوا الميتة والجلود والعظام فجاءه أبو سفيان وناس من أهل مكة فقالوا يا محمد: إنك تزعم أنك قد بعثت رحمة وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسقوا الغيث فأطبقت عليهم سبعا فشكا الناس كثرة المطر فقال: اللهم حوالينا ولا علينا فانحدرت السحابة على رأسه فسقي الناس حولهم، قال: فقد مضت آية الدخان وهو الجوع الذي أصابهم، وهو قوله: {إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون} وآية الروم والبطشة الكبرى وانشقاق القمر وذلك كله يوم بدر). [الدر المنثور: 13/263-264]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} قال: الجدب وإمساك المطر عن كفار قريش). [الدر المنثور: 13/264]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن لهيعة عن عبد الرحمن الأعرج {يوم تأتي السماء بدخان مبين} قال: كان يوم فتح مكة). [الدر المنثور: 13/265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن سعد من طريق ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة قال: كان يوم فتح مكة دخان وهو قول الله {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} ). [الدر المنثور: 13/265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن علي، قال: إن الدخان لم يمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينفد). [الدر المنثور: 13/265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم بسند صحيح عن ابن أبي مليكة قال: دخلت على ابن عباس رضي الله عنهما فقال: لم أنم هذه الليلة فقلت: لم قال: طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يطرق الدخان). [الدر المنثور: 13/265]

تفسير قوله تعالى: (يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]
- حدّثنا يحيى، حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال: قال عبد اللّه: إنّما كان هذا، لأنّ قريشًا لمّا استعصوا على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، فجعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل اللّه تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ (10) يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11] قال: فأتي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقيل له: يا رسول اللّه: استسق اللّه لمضر، فإنّها قد هلكت، قال: «لمضر؟ إنّك لجريءٌ» فاستسقى لهم فسقوا، فنزلت: {إنّكم عائدون} [الدخان: 15] فلمّا أصابتهم الرّفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16] قال: يعني يوم بدرٍ). [صحيح البخاري: 6/131]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله بعد قوله يغشى النّاس هذا عذاب أليم)
قال فأتي رسول اللّه كذا بضمّ الهمزة على البناء للمجهول والآتي المذكور هو أبو سفيان كما صرّح به في الرّواية الأخيرة
- قوله فقيل يا رسول اللّه استسق اللّه لمضر فإنّها قد هلكت إنّما قال لمضر لأنّ غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدّعاء بالقحط على قريشٍ وهم سكّان مكّة فسرى القحط إلى من حولهم فحسن أن يطلب الدّعاء لهم ولعلّ السّائل عدل عن التّعبير بقريشٍ لئلّا يذكرهم فيذكّر بجرمهم فقال لمضر ليندرجوا فيهم ويشير أيضًا إلى أنّ غير المدعوّ عليهم قد هلكوا بجريرتهم وقد وقع في الرّواية الأخيرة وإنّ قومك هلكوا ولا منافاة بينهما لأنّ مضر أيضًا قومه وقد تقدّم في المناقب أنّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان من مضر قوله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمضر إنّك لجريءٌ أي أتأمرني أن أستسقي لمضر مع ما هم عليه من المعصية والإشراك به ووقع في شرح الكرمانيّ قوله فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمضر أي لأبي سفيان فإنّه كان كبيرهم في ذلك الوقت وهو كان الآتي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المستدعي منه الاستسقاء تقول العرب قتلت قريشٌ فلانًا ويريدون شخصًا منهم وكذا يضيفون الأمر إلى القبيلة والأمر في الواقع مضافٌ إلى واحدٍ منهم انتهى وجعله اللّام متعلّقةً بقال غريبٌ وإنّما هي متعلّقةٌ بالمحذوف كما قرّرته أوّلًا قوله فلمّا أصابهم الرّفاهية بتخفيف التّحتانيّة بعد الهاء أي التّوسّع والراحة). [فتح الباري: 8/571]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {يغشى النّاس هاذا عذابٌ أليمٌ} (الفرقان: 11)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {يغشى النّاس} ، وليس في عامّة النّسخ لفظ باب. قوله: (يغشى النّاس) ، أي: يحيط النّاس يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يومًا وليلة أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزّكام، وأما الكافر فيصير كالسّكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره. قوله: (هذا عذاب أليم) ، أي: يقول الله ذلك، وقيل: يقوله النّاس.
- حدّثنا يحيى حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مسلمٍ عن مسروقٍ قال: قال عبد الله إنّما كان هاذا لأنّ قريشا لمّا استعصوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم دعا عليهم بسنين كسني يوصف فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام فجعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد فأنزل الله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} (الدّخان: 15) فلمّا أصابتهم الرّفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرّفاهية فأنزل الله عزّ وجلّ: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال يعني يوم بدرٍ..
مطابقته للتّرجمة في قوله: يغش النّاس، ويحيى هو ابن موسى البلخي، وأبو معاوية محمّد بن خازم، بالخاء المعجمة والزّاي والأعمش سليمان، ومسلم هو ابن صبيح أبو الضّحى، ومسروق هو ابن الأجدع، وعبد الله هو ابن مسعود، وقد ترجم لهذا الحديث ثلاث تراجم بعد هذا، وساق الحديث بعينه مطولا ومختصرا. وقد مضى أيضا في الاستسقاء وفي تفسير الفرقان مختصرا، وفي تفسير الرّوم وفي تفسير صاد مطولا.
قوله: (إنّما كان هذا) ، يعني: القحط والجهد اللّذين أصابا قريشًا حتّى رأوا بينهم وبين السّماء كالدخان. قوله: (لما استعصوا) ، أي: حين أظهروا العصيان ولم يتركوا الشّرك. قوله: (كسني يوسف) ، وهي الّتي أخبر الله تعالى عنها بقوله: {ثمّ يأتي من بعد ذلك سبع شدّاد} (يوسف: 48) . قوله: (فأصابهم) ، تفسير لما قبله، فلذلك أتى بالفاء. قوله: (جهد) ، بالفتح وهو المشقّة الشّديد. قوله: (فأنّي) ، بضم الهمزة على صيغة المجهول، والآتي هو أبو سفيان وكان كبير مضر في ذلك الوقت. قوله: (قال لمضر) أي: لأبي سفيان، وأطلق عليه مضر لكونه كبيرهم والعرب تقول قتل قريش فلانا يريدون به شخصا معينا منهم، وكثيرًا يضيفون الأمر إلى القبيلة والأمر في الواقع مضاف إلى واحد منهم. قوله: (إنّك لجريء) أي: ذو جرأة حيث تشرك باللّه وتطلب الرّحمة منه، وإذا كشف عنكم العذاب إنّكم عائدون إلى شرككم والإصرار عليه، قوله: (فسقوا) بضم السّين والقاف على صيغة المجهول. قوله: (الرّفاهية) ، يتخفيف الفاء وكسر الهاء وتخفيف الياء آخر الحروف، وهو التّوسّع والراحة). [عمدة القاري: 19/163-164]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({يغشى الناس}) أي يحيط بهم الدخان ({هذا عذاب أليم}) [الدخان: 11] في محل نصب بالقول وذلك القول حال أي قائلين ذلك وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا يحيى، حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مسلمٍ عن مسروقٍ قال: قال عبد اللّه إنّما كان هذا لأنّ قريشًا لمّا استعصوا على النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، فجعل الرّجل ينظر إلى السّماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد. فأنزل اللّه تعالى {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ * يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 10 - 11] قال: فأتى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقيل: يا رسول اللّه استسق اللّه لمضر فإنّها قد هلكت قال: «لمضر؟ إنّك لجريءٌ»، فاستسقى، فسقوا، فنزلت {إنّكم عائدون} [الدخان: 15] فلمّا أصابتهم الرّفاهية عادوا إلى حالهم حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16] قال: يعني يوم بدرٍ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) أبي الضحى بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود (إنما كان هذا) القحط والجهد اللذان أصابا قريشًا حتى رأوا بينهم وبين السماء كالدخان من شدة الجوع (لأن قريشًا لما استعصوا على النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أي حين أظهروا العصيان ولم يتركوا الشرك (دعا عليهم بسنين) قحط (كسني يوسف) الصديق عليه السلام المذكورة في سورته (فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام) زاد في الرواية الآتية إن شاء الله تعالى والميتة (فجعل الرجل) منهم (ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد) من ضعف بصره أو لأن الهواء يظلم عام القحط لقلة الأمطار وكثرة الغبار (فأنزل الله تعالى) ولأبي ذر عز وجل ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال) أي ابن مسعود (فأتي) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقيل يا
رسول الله) والآتي هو أبو سفيان كما عند المؤلّف لكن في المعرفة لابن منده في ترجمة كعب بن مرة قال: دعا رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- على مضر فأتيته فقلت: يا رسول الله قد نصرك الله وأعطاك واستجاب لك وإن قومك قد هلكوا فادع الله لهم فهذا أولى أن يفسر به القائل بقوله يا رسول الله بخلاف أبي سفيان، فإنه وإن كان جاء أيضًا مستشفعًا لكنه لم يكن أسلم حينئذٍ ولأبي ذر فقيل يا رسول الله (استسق الله لمضر فإنها قد هلكت) من القحط والجهد قال في الفتح إنما قال لمضر لأن غالبهم كان بالقرب من مياه الحجاز وكان الدعاء بالقحط على قريش وهم سكان مكة فسرى القحط إلى من حولهم.
(قال) عليه الصلاة والسلام مجيبًا لأبي سفيان أو لكعب بن مرة: أتأمرني أن أستسقي المضر)؟ مع ما هم عليه من معصية الله والإشراك به (إنك لجريء) أي ذو جراءة حيث تشرك بالله وتطلب رحمته (فاستسقى) عليه الصلاة والسلام وزاد أبو ذر لهم (فسقوا) بضم السين والقاف (فنزلت {إنكم عائدون}) [الدخان: 15] أي إلى الكفر غب الكشف وكانوا قد وعدوا بالإيمان إن كشف عنهم العذاب (فلما أصابتهم الرفاهية) بتخفيف التحتية بعد الهاء المكسورة والذي في اليونينية أصابتهم بفوقية بعد الموحدة بعد التوسع والراحة (عادوا إلى حالهم) من الشرك (حين أصابتهم الرفاهية فأنزل الله عز وجل ({يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون}) [الدخان: 16] (قال: يعني يوم بدر) ظرف ليوم). [إرشاد الساري: 7/335-336]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {يغشى الناس هذا عذابٌ أليمٌ}
قوله: (لجريء) أي: ذو جراءة حيث تشرك بالله، وتطلب رحمته.
قوله: (الرفاهية) أي: التوسيع والراحة). [حاشية السندي على البخاري: 3/68]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}
- أخبرنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال عبد الله: إنّ قريشًا لمّا استعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، وجعل - يعني الرّجل - ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل الله عزّ وجلّ {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]، فأتي رسول الله فقيل: يا رسول الله، استسق الله لهم، فإنّهم قد هلكوا، فاستسقى الله فسقوا، فأنزل الله تعالى {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15]، فعادوا إلى حالتهم الّتي كانوا عليها حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل الله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]، قال: يوم بدرٍ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/252] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون}
- أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا شعبة، عن منصورٍ، وسليمان، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، أنّ عبد الله، قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا استعصت عليه قريشٌ قال: «اللهمّ أعنّي بسبعٍ كسبع يوسف»، فأخذتهم سنةٌ فحصت كلّ شيءٍ، فأكلوا الجلود والميتة - وقال الآخر: الجلود والعظم -، فجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فجاء أبو سفيان فقال: إنّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فقال: «إن تعودوا نعد» فذلك قوله: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]، قال عبد الله: فهل يكشف عذاب الآخرة؟، ثمّ قال عبد الله: إنّ الدّخان قد مضى
- أخبرنا أبو داود، قال: حدّثنا أبو النّعمان، قال: حدّثنا ثابتٌ، قال: حدّثنا هلالٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ " وقال أبو جهلٍ: أيخوّفنا محمّدٌ بشجرة الزّقّوم، هاتوا تمرًا وزبدًا فتزقّموا "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/253-254] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {يغشى النّاس} قول: يغشى أبصارهم من الجهد الّذي يصيبهم {هذا عذابٌ أليمٌ} يعني أنّهم يقولون ممّا نالهم من ذلك الكرب والجهد: هذا عذابٌ أليمٌ وهو الموجع، وترك من الكلام يقولون استغناءً بمعرفة السّامعين معناه من ذكرها). [جامع البيان: 21/21]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال: الأليم الموجع {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} قال: الدخان {أنى لهم الذكرى} قال: أنى لهم التوبة {إنا كاشفو العذاب قليلا} يعني الدخان {إنكم عائدون} إلى عذاب الله يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/264]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عمر قال: يخرج الدخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزكمة ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتى يكون كالرأس الحنيذ). [الدر المنثور: 13/265]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الدخان إذا جاء نفخ الكافر حتى يخرج من كل مسمع من مسامعه ويأخذ المؤمن منه كالزكمة). [الدر المنثور: 13/266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: الدخان قد بقي وهو أول الآيات). [الدر المنثور: 13/266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طريق الحسن عن أبي سعيد الخدري قال: يهيج الدخان بالناس فأما المؤمن فيأخذه كهيئة الزكمة وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه). [الدر المنثور: 13/266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن حذيفة بن اليمان مرفوعا: أول الآيات: الدجال ونزول عيسى ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر تقيل معهم إذا قالوا والدخان قال: حذيفة يا رسول الله وما الدخان فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} يملأ ما بين المشرق والمغرب يمكث أربعين يوما وليلة أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة وأما الكافر بمنزلة السكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره). [الدر المنثور: 13/266]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير والطبراني بسند جيد عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن ربكم أنذركم ثلاثا الدخان يأخذ المؤمن منه كالزكمة ويأخذ الكافر فينفخ حتى يخرج من كل مسمع منه والثانية الدابة والثالثة الدجال). [الدر المنثور: 13/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يهيج الدخان بالناس فأما المؤمن فيأخذه كالزكمة وأما الكافر فينفخه حتى يخرج من كل مسمع منه). [الدر المنثور: 13/267]

تفسير قوله تعالى: (رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} [الدخان: 12]
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: دخلت على عبد اللّه، فقال: إنّ من العلم أن تقول لما لا تعلم اللّه أعلم، إنّ اللّه قال لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86] إنّ قريشًا لمّا غلبوا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم واستعصوا عليه، قال: " اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف فأخذتهم سنةٌ أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتّى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السّماء كهيئة الدّخان من الجوع، قالوا: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} [الدخان: 12] فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربّه فكشف عنهم فعادوا، فانتقم اللّه منهم يوم بدرٍ، فذلك قوله تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} [الدخان: 10] إلى قوله جلّ ذكره {إنّا منتقمون} [الدخان: 16] ). [صحيح البخاري: 6/131-132]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله في الباب الثّاني عن مسروقٍ قال دخلت على عبد الله أي ابن مسعودٍ قوله إنّ من العلم أن تقول لما لا تعلم اللّه أعلم)
تقدّم سبب قول ابن مسعودٍ هذا في سورة الرّوم من وجهٍ آخر عن الأعمش ولفظه عن مسروقٍ قال بينما رجلٌ يحدّث في كندة فقال يجيء دخانٌ يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزّكام ففزعنا فأتيت ابن مسعودٍ وكان متّكئًا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل اللّه أعلم وقد جرى البخاريّ على عادته في إيثار الخفيّ على الواضح فإنّ هذه السّورة كانت أولى بإيراد هذا السّياق من سورة الرّوم لما تضمّنته من ذكر الدّخان لكن هذه طريقته يذكر الحديث في موضعٍ ثمّ يذكره في الموضع اللّائق به عاريًا عن الزّيادة اكتفاءً بذكرها في الموضع الآخر شحذًا للأذهان وبعثًا على مزيد الاستحضار وهذا الّذي أنكره ابن مسعودٍ قد جاء عن عليٍّ فأخرج عبد الرّزّاق وابن أبي حاتمٍ من طريق الحارث عن عليٍّ قال آية الدّخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام وينفخ الكافر حتّى ينفد ثمّ أخرج عبد الرّزّاق من طريق ابن أبي مليكة قال دخلت على ابن عبّاسٍ يومًا فقال لي لم أنم البارحة حتّى أصبحت قالوا طلع الكوكب ذو الذّنب فخشينا الدّخان قد خرج وهذا أخشى أن يكون تصحيفًا وإنّما هو الدّجّال بالجيم الثّقيلة واللّام ويؤيّد كون آية الدّخان لم تمض ما أخرجه مسلمٌ من حديث أبي شريحة رفعه لا تقوم السّاعة حتّى تروا عشر آياتٍ طلوع الشّمس من مغربها والدّخان والدّابّة الحديث وروى الطّبريّ من حديث ربعيٍّ عن حذيفة مرفوعًا في خروج الآيات والدّخان قال حذيفة يا رسول اللّه وما الدّخان فتلا هذه الآية قال أمّا المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزّكمة وأمّا الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه ودبره وإسناده ضعيف أيضا وروى ابن أبي حاتمٍ من حديث أبي سعيدٍ نحوه وإسناده ضعيفٌ أيضًا وأخرجه مرفوعًا بإسنادٍ أصلح منه وللطّبريّ من حديث أبي مالكٍ الأشعريّ رفعه إنّ ربّكم أنذركم ثلاثًا الدّخان يأخذ المؤمن كالزكمة الحديث ومن حديث ابن عمر نحوه وإسنادهما ضعيفٌ أيضًا لكنّ تضافر هذه الأحاديث يدلّ على أنّ لذلك أصلًا ولو ثبت طريق حديث حذيفة لاحتمل أن يكون هو القاص المراد في حديث ابن مسعود). [فتح الباري: 8/572-573]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله تعالى: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} (الدّخان: 12)
قال الله تعالى حكاية عن المشركين لما أصابهم قحط وجهد (قالوا ربنا اكشف عنّا العذاب) وهو القحط الّذي أكلوا فيه الميتات والجلود. قالوا: {إنّا مؤمنون} قال الله عز وجل: {إنّا كاشفو العذاب قليلا إنّكم عائدون} (الدّخان: 15) أي: إلى كفرهم، فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدر.
- حدّثنا يحيى حدّثنا وكيعٌ عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروقٍ قال دخلت على عبد الله فقال إنّ من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم إنّ الله قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} (ص: 86) إنّ قريشا لما غلبوا النبيّ صلى الله عليه وسلم واستعصوا عليه قال اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف فأخذتهم سنةٌ أكلوا فيها العظام الميّتة من الجهد حتّى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السّماء كهيئة الدّخان من الجوع، {قالوا ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} فقيل له أنّا إن كشفنا عنهم عادوا فدعا ربّه فكشف عنهم فعادوا فانتقم الله منهم يوم بدرٍ فذلك قوله تعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} (الدّخان: 16) إلى قوله جلّ ذكره {إنّا منتقمون} ..
هذا طريق آخر في حديث ابن مسعود المذكور، ويحيى شيخه هو المذكور في الحديث السّابق، وبقيّة رجاله قد ذكروا عن قريب.
قوله: (لما لا تعلم) ، تعريض بالرجل القاض الّذي كان يقول: يجيء يوم القيامة كذا، فأنكر ابن مسعود ذلك، وقال: لا تتكلفوا فيما لا تعلمون، وبين قصّة الدّخان، وقال: إنّه كهيئته وذلك قد كان ووقع قلت: فيه خلاف فإنّه روى عن ابن عبّاس وابن عمر وزيد بن عليّ والحسن: إنّه دخان يجيء قبل قيام السّاعة، والله أعلم. قوله: (لما غلبوا النّبي صلى الله عليه وسلم) ويرى: (لما غلبوا على النّبي صلى الله عليه وسلم) ، والمراد من هذه الغلبة خروجهم عن الطّاعة وتماديهم في الكفر. وقوله: (واستعصوا) يوضح ذلك. قوله: (سنة) بفتح السّين. قوله: (والميتة) بفتح الميم وسكون الياء آخر الحروف، وفتح التّاء المثنّاة من فوق، وقيل: بكسر النّون موضع الياء الّتي في الميتة وسكون الياء آخر الحروف وهمزة، وهو: الجلد أول ما يدبغ قوله: (من الجهد) بضم الجيم وفتحها لغتان، وقيل: بالضّمّ الجوع، وبالفتح المشقّة). [عمدة القاري: 19/164]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله تعالى: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون}
(باب قوله تعالى: {ربنا اكشف عنا العذاب إنّا مؤمنون}) [الدخان: 12] أي عذاب القحط والجهد أو عذاب الدخان الآتي قرب قيام الساعة أو عذاب النار حين يدعون إليها في القيامة أو دخان يأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ورجح الأول بأن القحط لما اشتد على أهل مكة أتاه أبو سفيان فناشده الرحم ووعده إن كشف عنهم آمنوا فلما كشف عادوا ولو حملناه على الآخرين لم يصح لأنه لا يصح أن يقال لهم حينئذٍ إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنكم عائدون وسقط قوله لغير أبي ذر.
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ عن الأعمش عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ قال: دخلت على عبد اللّه فقال: إنّ من العلم أن تقول: لما لا تعلم اللّه أعلم، إنّ اللّه قال لنبيّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86] إنّ قريشًا لمّا غلبوا النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- واستعصوا عليه، قال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف». فأخذتهم سنةٌ، أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد، حتّى جعل أحدهم يرى ما بينه وبين السّماء كهيئة الدّخان من الجوع، قالوا: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} [الدخان: 12] فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربّه، فكشف عنهم فعادوا فانتقم اللّه منهم يوم بدرٍ. فذلك قوله تعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} [الدخان: 15] إلى قوله جلّ ذكره: {إنّا منتقمون} [الدخان: 16].
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا وكيع) بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلت على عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (فقال: إن من العلم أن تقول لما لا تعلم الله أعلم) قد سبق في سورة الروم سبب قول ابن مسعود هذا من وجه آخر عن الأعمش ولفظه عن مسروق بينا رجل يحدّث في كندة فقال يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام ففزعنا فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم (إن الله) تعالى (قال لنبيه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] والقول فيما لا يعلم قسم من التكلف (إن قريشًا لما غلبوا النبي) بتخفيف اللام وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني لما غلبوا على النبي (-صلّى اللّه عليه وسلّم-) بخروجهم عن طاعته وتماديهم في كفرهم (واستعصوا عليه) بفتح الصاد (قال): (اللهم أعنّي عليهم بسبع) من السنين (كسبع يوسف) في الشدة والقحط (فأخدتهم سنة حتى أكلوا فيها العظام والميتة من الجهد حتى يجعل أحدهم يرى ما بينه وبين السماء كهيئة الدخان من) الظلمة التي في أبصارهم بسبب (الجوع قالوا: {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}) وعد بالإيمان إن كشف عنهم عذاب الجوع (فقيل له) -صلّى اللّه عليه وسلّم-: (إن كشفنا عنهم) ذلك العذاب (عادوا) إلى كفرهم (فدعا) عليه الصلاة والسلام (ربه فكشف عنهم) ذلك (فعادوا) إلى الكفر (فانتقم الله منهم يوم بدر) فذلك قوله تعالى: ({يوم}) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر والأصيلي {فارتقب يوم} ({تأتي السماء بدخان مبين} إلى قوله جل ذكره: ({إنّا منتقمون}).
وهذا الحديث سبق في سورة ص). [إرشاد الساري: 7/336-337]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}
قوله: (اكشف عنا العذاب) أي: عذاب القحط والجهد اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/68]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدّيّ، قال: حدّثنا شعبة، عن الأعمش، ومنصورٍ، سمعا أبا الضّحى، يحدّث عن مسروقٍ، قال: جاء رجلٌ إلى عبد الله، فقال: إنّ قاصًّا يقصّ يقول: إنّه يخرج من الأرض الدّخان فيأخذ بمسامع الكفّار ويأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، قال: فغضب وكان متّكئًا فجلس ثمّ قال: إذا سئل أحدكم عمّا يعلم فليقل به، قال منصورٌ: فليخبر به، وإذا سئل عمّا لا يعلم فليقل اللّه أعلم، فإنّ من علم الرّجل إذا سئل عمّا لا يعلم أن يقول: اللّه أعلم، فإنّ اللّه تعالى قال لنبيّه {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} إنّ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا رأى قريشًا استعصوا عليه قال: اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف، فأخذتهم سنةٌ فأحصت كلّ شيءٍ حتّى أكلوا الجلود والميتة، وقال أحدهما: العظام، قال: وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان فقال: إنّ قومك قد هلكوا فادع اللّه لهم قال: فهذا لقوله {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} قال منصورٌ: هذا لقوله: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} فهل يكشف عذاب الآخرة؟ قال: مضى البطشة، واللّزام، والدّخان وقال أحدهما: القمر، وقال الآخر: الرّوم.
واللّزام يعني يوم بدرٍ.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/232-233]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ربّنا اكشف عنّا العذاب} يعني أنّ الكافرين الّذين يصيبهم ذلك الجهد يضرعون إلى ربّهم بمسألتهم إيّاه كشف ذلك الجهد عنهم، ويقولون: إنّك إن كشفته آمنّا بك وعبدناك من دون كلّ معبودٍ سواك، كما أخبر عنهم جلّ ثناؤه {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} ). [جامع البيان: 21/22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال: الأليم الموجع {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} قال: الدخان {أنى لهم الذكرى} قال: أنى لهم التوبة {إنا كاشفو العذاب قليلا} يعني الدخان {إنكم عائدون} إلى عذاب الله يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/264] (م)

تفسير قوله تعالى: (أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {أنّى لهم الذّكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ} [الدخان: 13] «الذّكر والذّكرى واحدٌ»
- حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا جرير بن حازمٍ، عن الأعمش، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: دخلت على عبد اللّه ثمّ قال: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا دعا قريشًا كذّبوه واستعصوا عليه، فقال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف» فأصابتهم سنةٌ حصّت، يعني كلّ شيءٍ، حتّى كانوا يأكلون الميتة، فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان من الجهد والجوع، ثمّ قرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ (10) يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11] ، حتّى بلغ {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15] ، قال عبد اللّه أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ قال: والبطشة الكبرى يوم بدرٍ). [صحيح البخاري: 6/132-133]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله الذكرى)
هو والذكر سواء). [فتح الباري: 8/573]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {أنّى لهم الذّكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ} (الدّخان: 13)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {أنى لهم الذكرى} ، وفي بعض النّسخ ليس فيه لفظ باب قوله: {أنى لهم الذكرى} أي: من أين لهم الذكرى والاتعاظ بعد نزول البلاء وحلول العذاب، قوله: {رسول مبين} محمّد صلى الله عليه وسلم.
الذّكر والذّكرى واحدٌ
أي: في المعنى والمصدرية. قال الجوهري: الذّكر والذكرى بالكسر نقيض النسيان وكذلك الذكرة.
- حدّثنا سليمان بن حربٍ حدّثنا جرير بن حازمٍ عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروق قال دخلت على عبد الله ثمّ قال إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشا كذّبوه واستعصوا عليه فقال اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ فأصابتهم سنةٌ حصّت يعني كلّ شيءٍ حتّى كانوا يأكلون الميتة فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان من الجهد والجوع ثمّ قرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هاذا عذابٌ أليمٌ} حتّى بلغ: {إنّا كاشفوا العذاب قليلاً إنّكم عائدون} (الرحمان: 1، 11) حتّى بلغ: {إنّا كاشفوا العذاب قليلاً إنّكم عائدون} قال عبد الله أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة قال والبطشة الكبرى يوم بدرٍ..
هذا طريق آخر في حديث عبد الله المذكور، ومضى الكلام فيه. قوله: (حصت) ، بالمهملتين أي: أذهبت، وسنة حصّاء أي: جرداء لا خير فيها. قوله: (والبطشة الكبرى) تفسير قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى} (الدّخان: 16) ). [عمدة القاري: 19/164-165]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {أنّى لهم الذّكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ} الذّكر والذّكرى واحدٌ
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({أنّى لهم الذكرى}) أي من أين لهم التذكّر والاتّعاظ ({وقد جاءهم}) ما هو أعظم وأدخل في وجوب الطاعة وهو ({رسول مبين}) [الدخان: 13] ظاهر الصدق وهو محمد -صلّى اللّه عليه وسلّم- (الذكر والذكرى واحد) وسقط باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا سليمان بن حربٍ، حدّثنا جرير بن حازمٍ عن الأعمش عن أبي الضّحى عن مسروقٍ، قال: دخلت على عبد اللّه، ثمّ قال: إنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- لمّا دعا قريشًا كذّبوه، واستعصوا عليه، فقال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف». فأصابتهم سنةٌ حصّت كلّ شيءٍ حتّى كانوا يأكلون الميتة، فكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان، من الجهد والجوع. ثمّ قرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ * يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 15] حتّى بلغ {إنّا
كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15] قال عبد اللّه: أفيكشف عنهم العذاب يوم القيامة؟ قال: والبطشة الكبرى يوم بدرٍ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي البصري الأزدي (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلت على عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه- (ثم قال) فيه حذف اختصره والظاهر أن الذي اختصره قول مسروق بينا رجل يحدّث في كندة إلى قوله؛ فأتيت ابن مسعود وكان متكئًا فغضب فجلس فقال من علم فليقل ومن لم يعلم فليقل الله أعلم ثم قال: (إن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- لما دعا قريشًا) إلى الإسلام (كذبوه واستعصوا عليه فقال): (اللهم أعنّي عليهم بسبع كسبع يوسف. فأصابتهم سنة حصّت) بالحاء والصاد المشددة المهملتين أي أذهبت (كل شيء) ولغير الأصيلي وأبي ذر يعني كل شيء (حتى كانوا يأكلون الميتة وكان يقوم أحدهم فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجهد والجوع) زاد في الروم فجاءه أبو سفيان فقال: يا محمد جئت تأمرنا بصلة الرحم وإن قومك قد هلكوا فادع الله (ثم قرأ}) عليه السلام ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 15]). زاد أبو ذر والأصيلي {يغشى الناس هذا عذاب أليم} [الدخان: 11] (حتى بلغ {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنكم عائدون}. قال عبد الله) يعني ابن مسعود (أفيكشف عنهم العذاب)؟ بهمزة الاستفهام وضم الياء مبنيًّا للمفعول (يوم القيامة؟ قال) أي عبد الله (والبطشة الكبرى يوم بدر) يريد تفسير قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} [الدخان: 16] ). [إرشاد الساري: 7/337]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ}
قوله: (رسول مبين) أي: ظاهر الصدق. قوله: (حصت كل شيء) أي: أذهبته.
قوله: (فقال أحدهم) القياس أحدهما، أي: سليمان، ومنصور وكأنه مشى على أن أقل الجمع اثنان، أو أرادهما، ومن معهما). [حاشية السندي على البخاري: 3/69]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أنّى لهم الذّكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ (13) ثمّ تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مّجنونٌ (14) إنّا كاشفو العذاب قليلاً إنّكم عائدون}.
يقول تعالى ذكره: من أيّ وجهٍ لهؤلاء المشركين التّذكّر من بعد نزول البلاء بهم، وقد تولّوا عن رسولنا حين جاءهم مدبرين عنه، لا يتذكّرون بما يتلى عليهم من كتابنا، ولا يتّعظون بما يعظهم به من حججنا، ويقولون: إنّما هو مجنونٌ علّم هذا الكلام.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {أنّى لهم الذّكرى} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أنّى لهم الذّكرى} يقول: كيف لهم.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أنّى لهم الذّكرى} بعد وقوع هذا البلاء). [جامع البيان: 21/22-23]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أنى لهم الذكرى يعني التوبة بعد وقوع البلاء وقد تولوا عن محمد صلى الله عليه وسلم وقالوا معلم مجنون). [تفسير مجاهد: 588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال: الأليم الموجع {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} قال: الدخان {أنى لهم الذكرى} قال: أنى لهم التوبة {إنا كاشفو العذاب قليلا} يعني الدخان {إنكم عائدون} إلى عذاب الله يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/264] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أنى لهم الذكرى} قال: بعد وقوع البلاء بهم {ثم تولوا عنه} عن محمد {وقالوا معلم مجنون} ثم كشف عنهم العذاب). [الدر المنثور: 13/264]

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {ثمّ تولّوا عنه، وقالوا: معلّمٌ مجنونٌ} [الدخان: 14]
- حدّثنا بشر بن خالدٍ، أخبرنا محمّدٌ، حدّثنا شعبة، عن سليمان، ومنصورٍ، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، قال: قال عبد اللّه: إنّ اللّه بعث محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم، وقال: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86] فإنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا رأى قريشًا استعصوا عليه، فقال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف» فأخذتهم السّنة حتّى حصّت كلّ شيءٍ، حتّى أكلوا العظام والجلود، فقال أحدهم: حتّى أكلوا الجلود والميتة، وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: أي محمّد، إنّ قومك قد هلكوا، فادع اللّه أن يكشف عنهم، فدعا، ثمّ قال: تعودون بعد هذا - في حديث منصورٍ - ثمّ قرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} [الدخان: 10] إلى {عائدون} [الدخان: 15] أنكشف عنهم عذاب الآخرة؟ فقد مضى: الدّخان، والبطشة واللّزام، وقال أحدهم: القمر، وقال الآخر: والرّوم). [صحيح البخاري: 6/132]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله في الرّواية الأخيرة أخبرنا محمّدٌ هو ابن جعفرٍ غندرٌ قوله عن سليمان هو الأعمش ومنصور هو ابن المعتمر قوله حتّى حصّت بمهملتين أي جرّدت وأذهبت يقال سنةٌ حصّاء أي جرداء لا غيث فيها قوله فقال أحدهم كذا قاله في موضعين أي أحد الرّواة ولم يتقدّم في سياق السّدوسيّ موضعٌ واحدٌ فيه اثنان سليمان ومنصورٌ فحقّ العبارة أن يقول قال أحدهما لكن تحمل على تلك اللّغة قوله وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان وقع في الرّواية الّتي قبلها فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان من الجوع ولا تدافع بينهما لأنّه يحمل على أنّه كان مبدؤه من الأرض ومنتهاه ما بين السّماء والأرض ولا معارضة أيضًا بين قوله يخرج من الأرض وبين قوله كهيئة الدّخان لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخارٌ كهيئة الدّخان من شدّة حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث وكانوا يرون بينهم وبين السّماء مثل الدّخان من فرط حرارة الجوع والّذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيّلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع أو لفظ من الجوع صفة الدّخان أي يرون مثل الدّخان الكائن من الجوع). [فتح الباري: 8/574]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {ثمّ تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ} (الدّخان: 14)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {ثمّ تولّوا عنه} أي: أعرضوا عن الرّسول فلم يقبلوه {وقالوا: معلم مجنون} بادعائه النّبوّة.
- حدّثنا بشر بن خالدٍ أخبرنا محمّدٌ عن شعبة عن سليمان ومنصورٍ عن أبي الضّحى عن مسروقٍ قال: قال عبد الله إنّ الله بعث محمّدا صلى الله عليه وسلم وقال: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} (ص: 86) فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا رأى قريشا استعصوا عليه فقال اللّهمّ أعنّي عليهم سبعٍ كسبع يوسف فأخذتهم السّنة حتّى حصّت كلّ شيءٍ حتّى أكلوا العظام والجلود فقال أحدهم حتّى أكلوا الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان فأتاه أبو سفيان فقال: أي محمد: إنّ قومك قد هلكوا فادع الله أن يكشف عنهم فدعا ثمّ قال تعودوا بعد هاذا في حديث منصورٍ ثمّ قرأ: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} إلى {عائذون} أيكشف عذاب الآخرة فقد مضى الدّخان والبطشة واللّزام: وقال أحدهم القمر وقال الآخر الرّوم..
هذا طريق آخر في الحديث المذكور أخرجه عن بشر، بكسر الباء الموحدة وسكون الشين المعجمة ابن خالد بن محمّد العسكري عن محمّد بن جعفر وهو غندر عن شعبة عن سليمان الأعمش، ومنصور بن المعتمر كلاهما عن أبي الضّحى مسلم عن مسروق عن عبد الله بن مسعود.
قوله: (وجعل يخرج من الأرض) ، فاعل جعل محذوف تقديره جعل شيء يخرج من الأرض فإن قلت: بينه وبين قوله: فكان يرى بينه وبين السّماء مثل الدّخان تدافع ظاهر. قلت: لا تدافع إذ لا محذور أن يكون مبدأه الأرض ومنتهاه ذلك. فإن قلت: لفظ يخرج يدل على أن ثمّة كان أمرا متخيلاً لهم لشدّة حرارة الجوع. قلت: يحتمل أن يكون ثمّة خارج من الدّخان حقيقة وأنّهم كانوا يرون بينهم وبين السّماء مثله لفرط حرارتهم من المجاعة، أو كان يخرج من الأرض على حسبانهم التخيل من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع. قوله: (أي محمّد) ، يعني: يا محمّد. قوله: (إن قومك) ، وفي الرّواية الماضية استسق الله لمضر فإنّها قد هلكت، ولا منافاة بينهما لأن مضر أيضا قومه. قوله: (في حديث منصور) هو منصور الرّاوي عن أبي الضّحى، ولم يذكر هذا في حديث سليمان الأعمش عن أبي الضّحى. قوله: (وقال أحدهم) كان القياس أن يقال: أحدهما إذا المراد سليمان ومنصور، لكن هذا على مذهب من قال: أقل الجمع اثنان، هكذا قاله الكرماني وتبعه بعضهم. قلت: يحتمل أن يكون معهما في ذلك الوقت ثالث فجمع باعتبار الثّلاثة. قوله: (القمر) يعني: انشقاق القمر. قوله: (والآخر الرّوم) يعني: غلبة الرّوم). [عمدة القاري: 19/165-166]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {ثمّ تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ}
هذا (باب) بالتنوين أي في قوله: ({ثم تولوا}) أي أعرضوا ({عنه وقالوا معلم}) هذا القرآن من بعض الناس وقال آخرون إنه ({مجنون}) [الدخان: 14] والجن يلقون إليه ذلك حاشاه الله من ذلك وسقط لفظ باب لغير أبي ذر.
- حدّثنا بشر بن خالدٍ، أخبرنا محمّدٌ عن شعبة عن سليمان، ومنصورٍ عن أبي الضّحى عن مسروقٍ، قال: قال عبد اللّه إنّ اللّه بعث محمّدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم-، وقال: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86] فإنّ رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- لمّا رأى قريشًا استعصوا عليه فقال: «اللّهمّ أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف» فأخذتهم السّنة حتّى حصّت كلّ شيءٍ حتّى أكلوا العظام والجلود، فقال أحدهم: حتّى أكلوا الجلود والميتة، وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان فقال: أي محمّد، إنّ قومك هلكوا، فادع اللّه أن يكشف عنهم. فدعا، ثمّ قال: «تعودوا بعد هذا». في حديث منصورٍ: ثمّ قرأ {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}
-إلى- {عائدون} [الدخان: 15] أيكشف عذاب الآخرة؟ فقد مضى الدّخان والبطشة واللّزام، وقال أحدهم: القمر وقال الآخر: الرّوم.
وبه قال: (حدّثنا بشر بن خالد) أبو محمد العسكري قال: (أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (محمد) هو ابن جعفر الملقب بغندر (عن شعبة) بن الحجاج وللأصيلي حدّثنا شعبة (عن سليمان) بن مهران الأعمش (ومنصور) هو ابن المعتمر كلاهما (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: قال عبد الله) هو ابن مسعود (إن الله بعث محمدًا -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقال: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}) [ص: 86] فيه حذف اختصره أيضًا كما دلّ عليه السابق (فإن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- لما رأى قريشًا استعصوا عليه) فلم يؤمنوا (فقال) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قال:
(اللهم أعني عليهم بسبع) من السنين (كسبع يوسف) بن يعقوب عليهما السلام (فأخذتهم السنة حتى حصت) أذهبت (كل شيء حتى أكلوا العظام والجلود فقال) ولأبوي ذر الوقت والأصيلي وقال بالواو بدل الفاء (أحدهم) القياس أن يقول أحدهما بالتثنية لأن المراد سليمان ومنصور فيحتمل أن يكون على قول إن أقل الجمع اثنان (حتى أكلوا الجلود والميتة وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان).
استشكل بما سبق فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجوع. وأجيب: بالحمل على أن مبدأه كان من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض وباحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم المطر ويرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع.
(فأتاه) عليه الصلاة والسلام (أبو سفيان فقال: أي محمد إن قومك هلكلوا) ولغير أبي ذر والأصيلي قد هلكوا (فادع الله أن يكشف عنهم). ما أصابهم (فدعا) لهم عليه الصلاة والسلام أن يكشف الله عنهم (ثم قال: تعودوا) إلى الكفر (بعد هذا) قال الزركشي: كذا وقع تعودوا بحذف نون الرفع وصوابه تعودون بإثباتها. قال العلامة البدر الدماميني: ليس حذفها خطأ بل هو ثابت في الكلام الفصيح نظمًا ونثرًا ومنه قراءة الحسن واليزيدي تظاهرًا بتشديد الظاء أي أنتما ساحران تتظاهران فحذف المبتدأ وهو ضمير المخاطبين وأدغمت التاء في الظاء وحذفت النون تخفيفًا وفي الحديث لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا وللأصيلي تعودون بإثبات النون على الأصل (في حديث منصور) هو ابن المعتمر ثم قرأ ({فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين} -إلى- {عائدون}) قال ابن مسعود: (أيكشف عذاب الآخرة)؟ ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنكشف بالنون مبنيًّا للفاعل عنهم عذاب الآخرة (فقد مضى الدخان والبطشة واللزام، وقال أحدهم): سليمان ومنصور وثالث معهما أو أحدهما كما مرّ (القمر) يعني انشقاقه (وقال الآخر: الروم) يعني {غلبت الروم} ولأبي ذر والروم بالواو). [إرشاد الساري: 7/337-338]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (يقول تعالى ذكره: من أيّ وجهٍ لهؤلاء المشركين التّذكّر من بعد نزول البلاء بهم، وقد تولّوا عن رسولنا حين جاءهم مدبرين عنه، لا يتذكّرون بما يتلى عليهم من كتابنا، ولا يتّعظون بما يعظهم به من حججنا، ويقولون: إنّما هو مجنونٌ علّم هذا الكلام.
...
وبنحو الّذي قلنا أيضًا في قوله: {ثمّ تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ثمّ تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ} قال: تولّوا عن محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، وقالوا: معلّمٌ مجنونٌ). [جامع البيان: 21/23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أنى لهم الذكرى} قال: بعد وقوع البلاء بهم {ثم تولوا عنه} عن محمد {وقالوا معلم مجنون} ثم كشف عنهم العذاب). [الدر المنثور: 13/264] (م)

تفسير قوله تعالى: (إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق في قوله تعالى يوم تأتى السماء بدخان مبين قال مسروق كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود فجاء رجل قال سمعت رجلا آنفا عند أبواب كندة يقول إنه سيأتي على الناس دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويكون على المؤمن كهيئة الزكمة فغضب ابن مسعود فقال يا أيها الناس من علم منكم شيئا فليقل ما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن الله قال لنبيه قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن قريشا لما آذوا النبي وكذبوه دعا عليهم فقال اللهم خذهم بسنين كسني يوسف فأخذتهم سنة أهلكت كل شيء حتى أصابهم جوع شديد أو جهد حتى أكلوا الميتة فأكلوا العصب وحتى جعل أحدهم يخيل إليه أنه يرى ما بينه وبين السماء دخانا فجاء أبو سفيان فقال يا محمد إنك بعثت بالرحمة والعافية والخير وإن قومك قد هلكوا ثم تلا ابن مسعود فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين حتى بلغ كاشفوا العذاب قليلا قال أفيكشف عذاب الآخرة ثم قال يوم نبطش البطشة الكبرى قال هذا يوم بدر واللزام القتل يوم بدر قد مضى هذا كله وآية الروم قد مضت). [تفسير عبد الرزاق: 2/205-206] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى إنكم عائدون قال عائدون إلى عذاب الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/207]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}
- أخبرنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال عبد الله: إنّ قريشًا لمّا استعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، وجعل - يعني الرّجل - ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل الله عزّ وجلّ {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]، فأتي رسول الله فقيل: يا رسول الله، استسق الله لهم، فإنّهم قد هلكوا، فاستسقى الله فسقوا، فأنزل الله تعالى {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15]، فعادوا إلى حالتهم الّتي كانوا عليها حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل الله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]، قال: يوم بدرٍ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/252] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون}
- أخبرنا محمود بن غيلان، قال: حدّثنا النّضر بن شميلٍ، قال: أخبرنا شعبة، عن منصورٍ، وسليمان، عن أبي الضّحى، عن مسروقٍ، أنّ عبد الله، قال: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لمّا استعصت عليه قريشٌ قال: «اللهمّ أعنّي بسبعٍ كسبع يوسف»، فأخذتهم سنةٌ فحصت كلّ شيءٍ، فأكلوا الجلود والميتة - وقال الآخر: الجلود والعظم -، فجعل يخرج من الأرض كهيئة الدّخان، فجاء أبو سفيان فقال: إنّ قومك قد هلكوا، فادع الله لهم، فقال: «إن تعودوا نعد» فذلك قوله: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]، قال عبد الله: فهل يكشف عذاب الآخرة؟، ثمّ قال عبد الله: إنّ الدّخان قد مضى
- أخبرنا أبو داود، قال: حدّثنا أبو النّعمان، قال: حدّثنا ثابتٌ، قال: حدّثنا هلالٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ " وقال أبو جهلٍ: أيخوّفنا محمّدٌ بشجرة الزّقّوم، هاتوا تمرًا وزبدًا فتزقّموا "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/253-254]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّا كاشفو العذاب قليلاً} يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين الّذين أخبر عنهم أنّهم يستغيثون به من الدّخان النّازل والعذاب الحالّ بهم من الجهد، وأخبر عنهم أنّهم يعاهدونه أنّه إن كشف العذاب عنهم آمنوا {إنّا كاشفو العذاب}يعني الضّرّ النّازل بهم بالخصب الّذي نحدثه لهم {قليلاً إنّكم عائدون} يقول: إنّكم أيّها المشركون إذا كشفت عنكم ما بكم من ضرٍّ لم تفوا بما تعدون وتعاهدون عليه ربّكم من الإيمان، ولكنّكم تعودون في ضلالتكم وغيّكم، وما كنتم قبل أن يكشف عنكم.
وكان قتادة يقول: معناه: إنّكم عائدون في عذاب اللّه، حدّثنا بذلك ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عنه.
وأمّا الّذين قالوا: عنى بقوله: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} الدّخان نفسه، فإنّهم قالوا في هذا الموضع: عنى بالعذاب الّذي قال {إنّا كاشفو العذاب}: الدّخان.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إنّا كاشفو العذاب قليلاً} يعني الدّخان.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّا كاشفو العذاب قليلاً} قال: قد فعل، كشف الدّخان حين كان.
قوله: {إنّكم عائدون} قال: كشف عنهم فعادوا.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، {إنّكم عائدون} إلى عذاب اللّه). [جامع البيان: 21/23-24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {يغشى الناس هذا عذاب أليم} قال: الأليم الموجع {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون} قال: الدخان {أنى لهم الذكرى} قال: أنى لهم التوبة {إنا كاشفو العذاب قليلا} يعني الدخان {إنكم عائدون} إلى عذاب الله يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/264] (م)

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال بلغني أن أبي بن كعب كان يقول أربع آيات أنزلت في يوم بدر هذه إحداهن {يوم عقيم} يوم بدر واللزام القتل يوم بدر {البطشة الكبرى} يوم بدر {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 2/41] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق أن ابن مسعود قال قد مضت آية الروم وقد مضى فسوف يكون لزاما واللزام القتل يوم بدر وقال وقد مضت البطشة الكبرى يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 2/101-102] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق في قوله تعالى يوم تأتى السماء بدخان مبين قال مسروق كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود فجاء رجل قال سمعت رجلا آنفا عند أبواب كندة يقول إنه سيأتي على الناس دخان يأخذ بأنفاس الكفار ويكون على المؤمن كهيئة الزكمة فغضب ابن مسعود فقال يا أيها الناس من علم منكم شيئا فليقل ما يعلم ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن الله قال لنبيه قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن قريشا لما آذوا النبي وكذبوه دعا عليهم فقال اللهم خذهم بسنين كسني يوسف فأخذتهم سنة أهلكت كل شيء حتى أصابهم جوع شديد أو جهد حتى أكلوا الميتة فأكلوا العصب وحتى جعل أحدهم يخيل إليه أنه يرى ما بينه وبين السماء دخانا فجاء أبو سفيان فقال يا محمد إنك بعثت بالرحمة والعافية والخير وإن قومك قد هلكوا ثم تلا ابن مسعود فارتقب يوم تأتى السماء بدخان مبين حتى بلغ كاشفوا العذاب قليلا قال أفيكشف عذاب الآخرة ثم قال يوم نبطش البطشة الكبرى قال هذا يوم بدر واللزام القتل يوم بدر قد مضى هذا كله وآية الروم قد مضت). [تفسير عبد الرزاق: 2/205-206] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، عن عبد اللّه، قال: " خمسٌ قد مضين: اللّزام، والرّوم، والبطشة، والقمر، والدّخان "). [صحيح البخاري: 6/132]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} (الدّخان: 16)
وقعت هذه التّرجمة هكذا في النّسخ كلها، وقد مر تفسيرها عن قريب.
- حدّثنا يحيى حدّثنا وكيع عن الأعمش عن مسلمٍ عن مسروقٍ عن عبد الله قال خمسٌ قد مضى اللّزام والرّوم والبطشة والقمر والدّخان.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. ويحيى هو ابن موسى المذكور فيما مضى، وبقيّة الرّجال تكرر ذكرهم، والمعنى أيضا قد تقدم، وهذا يدل على أن ابن مسعود يرى أن الدّخان قد وقع، وقد ذكرنا عن ابن عمر وغيره أنه لم يقع بعد، وقد روى عبد الرّزّاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن عليّ، رضي الله تعالى عنه، قال: آية الدّخان لم تمض بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزّكام وينفخ الكافر حتّى ينفد، ويؤيّده ما أخرجه مسلم من حديث أبي سريحة رفعه لا تقوم السّاعة حتّى تروا عشر آيات طلوع الشّمس من مغربها، والدّخان، والدّابّة الحديث. قلت: أبو سريحة الغفاريّ اسمه حذيفة بن أسيد، كان ممّن بايع تحت الشّجرة بيعة الرضوان، يعد في الكوفيّين، روى عنه أبو الطّفيل والشعبيّ). [عمدة القاري: 19/166]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون}
(باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}) [الدخان: 16] وسقط لأبي ذر يوم نبطش الخ.
- حدّثنا يحيى، حدّثنا وكيعٌ عن الأعمش، عن مسلمٍ عن مسروقٍ عن عبد اللّه قال: خمسٌ قد مضين: اللّزام، والرّوم، والبطشة، والقمر، والدّخان.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح (عن الأعمش) سليمان (عن مسلم) هو أبو الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: خمس قد مضين) أي وقعن (اللزام) وهو الأسر والهلكة يوم بدر (والروم) أي غلبتهم (والبطشة) الكبرى يوم بدر (والقمر) يعني انشقاقه (والدخان) الحاصل لقريش بسبب القحط لكن أخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن علي قال آية الدخان لم تمض بعد يأخذ المؤمن كهيئة الزكام وينفخ الكافر حتى ينقدّ، ولمسلم من حديث أبي سريحة بمهملتين الأولى مفتوحة حذيفة بن أسيد بفتح الهمزة الغفاري رفعه "لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات طلوع الشمس من مغربها والدخان والدابة" الحديث). [إرشاد الساري: 7/338]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}
قوله: (يوم نبطش البطشة الكبرى) في بعض النسخ باب: يوم نبطش.
قوله: (خمس قد مضين) أي: من علامات الساعة.
قوله: (اللزام) أي: المذكور في قوله تعالى: {فسوف يكون لزاماً}، أي: هلكة، وقيل: أسراً، اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/69]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عز وجل: {البطشة الكبرى} قال: يوم بدر). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 93]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}
- أخبرنا محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ، قال عبد الله: إنّ قريشًا لمّا استعصت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم قحطٌ وجهدٌ حتّى أكلوا العظام، وجعل - يعني الرّجل - ينظر إلى السّماء فيرى بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد، فأنزل الله عزّ وجلّ {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} [الدخان: 11]، فأتي رسول الله فقيل: يا رسول الله، استسق الله لهم، فإنّهم قد هلكوا، فاستسقى الله فسقوا، فأنزل الله تعالى {إنّا كاشفو العذاب قليلًا إنّكم عائدون} [الدخان: 15]، فعادوا إلى حالتهم الّتي كانوا عليها حين أصابتهم الرّفاهية، فأنزل الله تعالى {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} [الدخان: 16]، قال: يوم بدرٍ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/252] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون (16) ولقد فتنّا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسولٌ كريمٌ (17) أن أدّوا إليّ عباد اللّه إنّي لكم رسولٌ أمينٌ}
يقول تعالى ذكره: إنّكم أيّها المشركون إن كشفت عنكم العذاب النّازل بكم، والضّرّ الحالّ بكم، ثمّ عدتم في كفركم، ونقضتم عهدكم الّذي عاهدتم ربّكم، انتقمت منكم يوم أبطش بكم بطشتي الكبرى في عاجل الدّنيا، فأهلككم، وكشف اللّه عنهم، فعادوا، فبطش بهم جلّ ثناؤه بطشته الكبرى في الدّنيا، فأهلكهم قتلاً بالسّيف.
وقد اختلف أهل التّأويل في البطشة الكبرى، فقال بعضهم: هي بطشة اللّه بمشركي قريشٍ يوم بدرٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى قال: ثني ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا داود، عن عامرٍ، عن ابن مسعودٍ، أنّه قال: {البطشة الكبرى}: يوم بدرٍ.
- حدّثني عبد اللّه بن محمّدٍ الزّهريّ قال: حدّثنا مالك بن سعيرٍ قال: حدّثنا الأعمش، عن مسلمٍ، عن مسروقٍ قال: قال عبد الله: يوم بدرٍ، يوم البطشة الكبرى.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثنا أيّوب، عن محمّدٍ قال: نبّئت أنّ ابن مسعودٍ، كان يقول: {يوم نبطش البطشة الكبرى}: يوم بدرٍ.
- حدّثني يعقوب قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدرٍ.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا ابن أبي عديٍّ قال: سمعت أبا العالية، في هذه الآية {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: يوم بدرٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال: يعني يوم بدرٍ.
- حدّثنا أبو كريبٍ قال: حدّثنا عثّام بن عليٍّ، عن الأعمش، عن إبراهيم قال: قلت: ما البطشة الكبرى؟ فقال: يوم القيامة، فقلت: إنّ عبد اللّه كان يقول: يوم بدرٍ؛ قال فبلغني أنّه سئل بعد ذلك فقال: يوم بدرٍ
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب قالا: حدّثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، بنحوه
- حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أبي الخليل، عن مجاهدٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: يوم بدرٍ.
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى}: يوم بدرٍ.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال: هذا يوم بدر.
وقال آخرون: بل هي بطشة اللّه بأعدائه يوم القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثنا خالدٌ الحذّاء، عن عكرمة قال: قال ابن عبّاسٍ: قال ابن مسعودٍ: البطشة الكبرى: يوم بدرٍ، وأنا أقول: هي يوم القيامة.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب قالا: حدّثنا ابن إدريس قال: حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم قال: مرّ بي عكرمة، فسألته عن البطشة الكبرى، فقال: يوم القيامة؛ قال: قلت: إنّ عبد اللّه بن مسعودٍ كان يقول: يوم بدرٍ، وأخبرني من سأله بعد ذلك فقال: يوم بدرٍ.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} قال قتادة عن الحسن: إنّه يوم القيامة وقد بيّنّا الصّواب في ذلك فيما مضى، والعلّة الّتي من أجلها اخترنا ما اخترنا من القول فيه). [جامع البيان: 21/24-27]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله البطشة الكبرى يعني يوم بدر). [تفسير مجاهد: 588]

قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) عن مسروق بن الأجدع -رحمه الله -: قال: كنّا جلوساً عند عبد الله بن مسعود - وهو مضطجعٌ بيننا - فأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن، إنّ قاصًّا عند أبواب كندة يقصّ، ويزعم: أنّ آية الدّخان تجيء فتأخذ بأنفاس الكفار، ويأخذ المؤمنين منها كهيئة الزّكام، فقال عبد الله - وجلس وهو غضبان-: يا أيّها الناس، اتقوا الله، من علم منكم شيئاً فليقل بما يعلم، ومن لا يعلم، فليقل: الله أعلم، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم، فإن الله تعالى قال لنبيّه صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86] إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمّا رأى من الناس إدباراً قال: اللهم سبعٌ كسبع يوسف.
وفي رواية: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دعا قريشاً كذّبوه، واستعصوا عليه، فقال: اللهم أعنّي عليهم بسبعٍ كسبع يوسف، فأخذتهم سنةٌ حصّت كلّ شيءٍ، حتى أكلوا الجلود والميتة من الجوع، وينظر إلى السماء أحدهم، فيرى كهيئة الدّخان، فأتاه أبو سفيان، فقال: يا محمد، إنّك جئت تأمر بطاعة الله وبصلة الرّحم، وإنّ قومك قد هلكوا، فادع الله- عزّ وجلّ - لهم، قال الله تعالى {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبين (10) يغشى الناس هذا عذابٌ أليم (11) ربّنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون (12) أنّى لهم الذكرى وقد جاءهم رسولٌ مبين (13) ثم تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ (14) إنّا كاشفوا العذاب قليلاً إنّكم عائدون} [الدخان: 10- 15] قال عبد الله: أفيكشف عذاب الآخرة {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} فالبطشة: يوم بدرٍ.
وفي رواية قال: قال عبد الله: إنما كان هذا؛ لأن قريشاً لما استعصوا على النبي صلى الله عليه وسلم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحطٌ وجهدٌ، حتى أكلوا العظام، فجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد، فأنزل الله عز وجل {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبين (10) يغشى الناس هذا عذابٌ أليم} قال: فأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله، استسق الله لمضر، فإنها قد هلكت. قال: لمضر؟ إنك لجريء فاستسقى لهم، فسقوا، فنزلت: {إنكم عائدون} فلما أصابهم الرفاهية، عادوا إلى حالهم، حين أصابتهم الرفاهية، فأنزل الله عز وجل {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} قال: يعني يوم بدر.
وفي رواية نحوه، وفيها: فقيل له: إن كشفنا عنهم عادوا، فدعا ربّه فكشف عنهم، فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدرٍ، فذلك قوله: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبين - إلى قوله - إنا منتقمون}. هذه رواية البخاري، ومسلم.
وفي رواية الترمذي مثل الرواية الأولى إلى قوله: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين. يغشى الناس هذا عذابٌ أليم} قال أحد رواته: هذا كقوله: {ربنا اكشف عنّا العذاب} فهل يكشف عذاب الآخرة؟ قد مضى البطشة واللّزام والدخان، وقال أحدهم: القمر، وقال الآخر: الروم واللزام يوم بدرٍ.
وقد أخرج البخاري في أحد طرقه هذا الذي ذكره الترمذي.
وفي أخرى للبخاري ومسلم قال: قال عبد الله: خمسٌ قد مضين: الدخان، واللّزام، والروم، والبطشة، والقمر.
[شرح الغريب]
(بسبع كسبع) أراد بالسبع: سبع سنين التي كانت في زمن النبي يوسف عليه السلام المجدبة التي ذكرها الله تعالى في القرآن.
(حصت) حلقت واستأصلت.
(قحط) القحط: احتباس المطر.
(جهده) الجهد - بفتح الجيم -: المشقة.
(الرفاهية): الدعة وسعة العيش). [جامع الأصول: 2/348-351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله). [الدر المنثور: 13/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي بن كعب ومجاهد والحسن وأبي العالية وسعيد بن جبير ومحمد بن سيرين وقتادة وعطية مثله). [الدر المنثور: 13/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه قال: أن يوم البطشة الكبرى يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/267]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي العالية قال: كنا نتحدث أن قوله: {يوم نبطش البطشة الكبرى} يوم بدر والدخان قد مضى). [الدر المنثور: 13/268]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير بسند صحيح عن عكرمة قال: قال ابن عباس قال: ابن مسعود {البطشة الكبرى} يوم بدر وأنا أقول: هي يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/268]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 02:34 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)}

تفسير قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تأتي السّماء بدخانٍ مّبينٍ... يغشى النّاس هذا عذابٌ...}
كان النبي صلى الله عليه دعا عليهم، فقال: ((اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم كسني يوسف)), فأصابهم جوعٌ، حتّى أكلوا العظام والميتة، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا). [معاني القرآن: 3/39]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {الدخان}: قال بعض الناس: الدخان والجدب والسنون التي دعا فيها النبي صلى الله عليه وسلم على مضر فقال فيها ((اللهم اشدد وطأتك على مضر)) وقال بعضهم لم تكن بعد).[غريب القرآن وتفسيره: 335]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} : أي بجدب، يقال: إن الجائع فيه كان يرى بينه وبين السماء دخانا، من شدة الجوع.
ويقال: بل قيل للجوع: دخان ليبس الأرض في سنة الجدب، وانقطاع النبات، وارتفاع الغبار, فشبه ما يرتفع منه بالدخان.
كما قيل لسنة المجاعة: غبراء، وقيل: جوع اغبر، وربما وضعت العرب الدخان موضع الشر إذا علا، فيقولون: كان بيننا أمر ارتفع له دخان). [تفسير غريب القرآن: 402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين (10)}
{فارتقب} : فانتظر، وفي أكثر التفسير أن الدخان قد مضى وذلك حين دعا رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - على مضر فقال:(( اللهم اشدد وطأتك على مضر , واجعلها عليهم سنين كسني يوسف)).
أي : اجعلهم سنوهم في الجدب كسني يوسف.
والعرب أيضا تسمي الجدب السّنة، فيكون المعنى اجعلها عليهم جدوبا, فارتفع القطر، وأجدبت الأرض , وصار بين السماء والأرض كالدخان). [معاني القرآن: 4/424]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين}
روى إسرائيل , عن أبي إسحاق , عن الحارث , عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: آية الدخان لم تمض بعد , وستكون : يأتي دخان يصيب المؤمنين الزكام , وينقد الكافر.
وروى الأعمش , عن أبي الضحى , عن مسروق قال : جلس رجل فقال: إن الدخان لم يكن , وإنما يكون يوم القيامة , يأخذ المؤمنين منه مثل الزكام , ويشتد على الكافرين والمنافقين .
فدخلنا على عبد الله بن مسعود , وهو متكئ فحكينا له ما قال , فقام فجلس مغضبا , وقال:(( إ ذا سئل أحدكم عما لا يعلم , فليقل لا علم لي به , فإن الله جل وعز يقول لنبيه: {قل لا أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} , وسأخبركم عن الدخان , إن قريشا استعصت على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكفرت , فدعا الله جل وعز عليها أن يجوعها , فأصابها جوع شديد حتى كان الرجل يرى بين السماء والأرض دخانا من الجوع والحر .
فقالت قريش :{ ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}.
فكشفه الله عنهم, فعادوا , ثم بطش بهم البطشة الكبرى يوم بدر , ولو كان الدخان يوم القيامة ما كشف عنهم. )). ) [معاني القرآن: 6/398-399]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({بِدُخَانٍ}: أي بجدب حتى يرى الجائع أن بينه وبين السماء دخاناً من الجوع .
وقيل: إنه إذا احتبس المطر صعد من الأرض الغبار فشبه ذلك بالدخان , ولذلك قيل لشدة المجاعة غبراء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الدُخَانٍ} : الجدب). [العمدة في غريب القرآن: 270]

تفسير قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {تأتي السّماء بدخانٍ مّبينٍ... يغشى النّاس هذا عذابٌ...}.
كان النبي صلى الله عليه دعا عليهم، فقال: ((اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم كسني يوسف)), فأصابهم جوعٌ، حتّى أكلوا العظام والميتة، فكانوا يرون فيما بينهم وبين السماء دخانا). [معاني القرآن: 3/39] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ...}., يراد به ذلك عذاب، ويقال: إن الناس كانوا يقولون: هذا الدخان عذاب). [معاني القرآن: 3/40]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يغشى النّاس هذا عذاب أليم (11)}
المعنى يقول الناس الذين يحل بهم الجدب:{هذا عذاب أليم}
وكذلك قوله :{ربّنا اكشف عنّا العذاب} ). [معاني القرآن: 4/424-425 ]

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يغشى النّاس هذا عذاب أليم (11)}
المعنى يقول الناس الذين يحل بهم الجدب: {هذا عذاب أليم}, وكذلك قوله : { ربّنا اكشف عنّا العذاب} ).[معاني القرآن: 424 -4/425] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)}

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)}

تفسير قوله تعالى: {ِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّا كاشفو العذاب قليلاً إنّكم عائدون...}.
يقال: عائدون إلى شرككم، ويقال: عائدون إلى عذاب الآخرة). [معاني القرآن: 3/40]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({إنّكم عائدون} : إلى شرككم. ويقال: إلى الآخرة). [تفسير غريب القرآن: 402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ : {إنّا كاشفو العذاب قليلا إنّكم عائدون (15)}
ويجوز: {أنّكم عائدون}
فمن قرأ: { أنكم عائدون}, فهو الوجه، والمعنى أنه يعلمهم أنهم لا يتعظون، وأنهم إذا زال عنهم المكروه عادوا في طغيانهم). [معاني القرآن: 4/425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} ]
يجوز أن يكون المعنى: إنكم عائدون في المعاصي
ويجوز أن يكون بمعنى : ميتين). [معاني القرآن: 6/399-400]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إِنَّكُمْ عَائِدُونَ}: قيل: إلى شرككم وقيل: إلى الآخرة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 225]

تفسير قوله تعالى:{يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يوم نبطش...}: يعني: يوم بدر، وهي البطشة الكبرى). [معاني القرآن: 3/40]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ يوم نبطش البطشة الكبرى }: يقال: إنها يوم بدر). [مجاز القرآن: 2/208]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : (16- {البطشة الكبرى}: يقال إنها يوم بدر فكانوا ينظرون إلى شبيه بالدخان بين السماء والأرض. وقال بعضهم يكون في يوم القيامة). [غريب القرآن وتفسيره: 336]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ)
: ( {يوم نبطش البطشة الكبرى} : يعني: يوم بدر). [تفسير غريب القرآن: 402]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: { يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون (16)}
يوم نبطش، ونبطش إنّا منتقمون.
هذا مثل: عكف , يعكف , ويعكف، وعرش يعرش , ويعرش , وهذا في اللغة كثير.
وقيل: إن البطشة الكبرى يوم بدر.
و{ يوم } لا يجوز أن يكون منصوبا بقوله:{ منتقمون}, لأن ما بعد { إنّا} لا يجوز أن يعمل فيما قبلها، , ولكنه منصوب بقوله: { واذكر يوم نبطش البطشة الكبرى} ). [معاني القرآن: 4/425]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون}
قال أبي بن كعب , وابن مسعود في البطشة الكبرى: إنها يوم بدر
وروى عوف وقتادة , عن الحسن : { يوم نبطش البطشة الكبرى}, قال: يوم القيامة). [معاني القرآن: 6/400]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى}: يوم بدر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 225]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْبَطْشَةَ}: يوم بدر , {الْكُبْرَى}: العظمي). [العمدة في غريب القرآن: 270]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م, 02:34 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]



تفسير قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)}

تفسير قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10)}

تفسير قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11)}

تفسير قوله تعالى: {رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12)}

تفسير قوله تعالى: {أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13)}

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14)}

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15)}

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16)}

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 20 صفر 1440هـ/30-10-2018م, 09:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 20 صفر 1440هـ/30-10-2018م, 09:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 20 صفر 1440هـ/30-10-2018م, 09:13 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {بل هم في شك} إضراب قبله نفي مقدر، كأنه يقول: ليس هؤلاء ممن يؤمن ولا ممن تنفعه وصاة، بل هم في شك يلعبون في أقوالهم وأعمالهم). [المحرر الوجيز: 7/ 570-571]

تفسير قوله تعالى: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف الناس في الدخان الذي أمر الله تعالى بارتقابه، فقالت فرقة منها علي بن أبي طالب، وزيد بن علي، وابن عمر، وابن عباس، وأبو سعيد الخدري، والحسن بن أبي الحسن رضي الله تعالى عنهم: هو دخان يجيء مقبل يوم القيامة، يصيب المؤمن منه مثل الزكام، وينضج رؤوس المنافقين والكافرين حتى تكون كأنها مصلية حنيذة، وقالت فرقة منها عبد الله بن مسعود، وأبو العالية، وإبراهيم النخعي: هو الدخان الذي رأته قريش حين دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهم بسبع كسبع يوسف عليه السلام، فكان الرجل يرى من الجدب والجوع دخانا بينه وبين السماء، وما يأتي من الآيات يقوي هذا التأويل. وقال ابن مسعود: خمس قد مضين: الدخان واللزام والبطشة والقمر والروم، وذكر الطبري حديثا عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول آيات الساعة الدخان، ونزول عيسى ابن مريم، ونار تخرج من قعر عدن"، وضعف الطبري سند هذا الحديث، واختار قول ابن مسعود في الدخان، ويحتمل -إن صح حديث حذيفة - أن يكون قد مر دخان ويأتي دخان آخر).[المحرر الوجيز: 7/ 571-572]

تفسير قوله تعالى: {يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يغشى الناس هذا عذاب أليم * ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون * أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين * ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون * إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون * يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون * ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم * أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين}
"يغشى": معناه: يغطي، وقوله تعالى: {هذا عذاب أليم} يحتمل أن يكون إخبارا من الله تعالى، كأنه يعجب منه، على نحو من قوله تعالى لما وصف قصة الذبح: {إن هذا لهو البلاء المبين}، ويحتمل أن يكون هذا عذاب أليم من قول الناس، كأن تقدير الكلام: يقولون هذا عذاب أليم، ويؤيد هذا التأويل سياقه تعالى حكاية عنهم أنهم يقولون: {ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون}،
وعلم الله تبارك وتعالى أن قولهم في حال الشدة: {إنا مؤمنون} إنما هو عن غير حقيقة منهم، فدل على ذلك بقوله: {أنى لهم الذكرى}، أي: من أين لهم أن يتذكروا وهم قد تركوا الذكرى وراء ظهورهم بأن جاءهم رسول مبين، وهو محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به؟).[المحرر الوجيز: 7/ 572]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"تولوا عنه": أي: أعرضوا، وقالوا: إنه يعلم هذا الكلام الذي يتلو، وإنه مجنون). [المحرر الوجيز: 7/ 572]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وإخباره تعالى بأنه يكشف عنهم العذاب قليلا إخبار عن إقامة الحجة عليهم ومبالغة في الإملاء لهم، ثم أخبر تعالى بأنهم عائدون إلى الكفر، وقال قتادة: هو توعد بمعاد الآخرة). [المحرر الوجيز: 7/ 572]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى بأنه ينتقم منهم بسبب هذا كله في يوم البطشة، وقدم اليوم وذكره على الذي عمل فيه تهمما به وتخويفا منه، والعامل فيه "منتقمون"، وقد ضعف البصريون هذا من حيث هو خبر "إن"، وأبعدوا أن يعمل خبرها فيما قبلها، وقالوا: العامل فعل مضمر يدل عليه "منتقمون".
واختلف الناس في يوم البطشة الكبرى، فقال ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وقتادة: هو يوم القيامة، وقال عبد الله بن مسعود، وابن عباس أيضا، وأبي بن كعب، ومجاهد: هو يوم بدر، وقرأ جمهور الناس: "نبطش" بفتح النون وكسر الطاء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: بضم الطاء، وقرأ الحسن أيضا، وأبو رجاء، وطلحة بن مصرف: بضم النون وكسر الطاء، ومعناها: نسلط عليهم من يبطش بهم). [المحرر الوجيز: 7/ 572-573]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 08:38 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 صفر 1440هـ/31-10-2018م, 08:42 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (12) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (14) إِنَّا كَاشِفُوا الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (15) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (16) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({بل هم في شكٍّ يلعبون (9) فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ (10) يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ (11) ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون (12) أنّى لهم الذّكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ (13) ثمّ تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ (14) إنّا كاشفوا العذاب قليلًا إنّكم عائدون (15) يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون (16) }
يقول تعالى: بل هؤلاء المشركون في شكٍّ يلعبون، أي: قد جاءهم اليقين، وهم يشكّون فيه، ويمترون ولا يصدّقون به، ثمّ قال متوعّدًا لهم ومتهدّدًا: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}.
قال سليمان بن مهران الأعمش، عن أبي الضّحى مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: دخلنا المسجد -يعني مسجد الكوفة-عند أبواب كندة، فإذا رجلٌ يقصّ على أصحابه: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} تدرون ما ذلك الدّخان؟ ذلك دخانٌ يأتي يوم القيامة، فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم، ويأخذ المؤمنين منه شبه الزّكام. قال: فأتينا ابن مسعودٍ فذكرنا ذلك له، وكان مضطجعًا ففزع فقعد، وقال إنّ اللّه عزّ وجلّ قال لنبيّكم صلّى اللّه عليه وسلّم: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86]، إنّ من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم: "اللّه أعلم" سأحدّثكم عن ذلك، إنّ قريشًا لـمّا أبطأت عن الإسلام واستعصت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، دعا عليهم بسنين كسني يوسف، فأصابهم من الجهد والجوع حتّى أكلوا العظام والميتة، وجعلوا يرفعون أبصارهم إلى السّماء فلا يرون إلّا الدّخان -وفي روايةٍ: فجعل الرّجل ينظر إلى السّماء، فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدّخان من الجهد-[قال] قال اللّه تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ}، فأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقيل: يا رسول اللّه استسق اللّه لمضر، فإنّها قد هلكت. فاستسقى لهم فسقوا فأنزل الله: {إنّا كاشفوا العذاب قليلا إنّكم عائدون} قال: ابن مسعودٍ: فيكشف العذاب عنهم يوم القيامة، فلمّا أصابهم الرّفاهية عادوا إلى حالهم، فأنزل اللّه: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون}، قال: يعني يوم بدرٍ.
قال ابن مسعودٍ: فقد مضى خمسةٌ: الدّخان، والرّوم، والقمر، والبطشة، واللّزام. وهذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين. ورواه الإمام أحمد في مسنده، وهو عند التّرمذيّ والنّسائيّ في تفسيرهما، وعند ابن جريرٍ وابن أبي حاتمٍ من طرقٍ متعدّدةٍ، عن الأعمش، به وقد وافق ابن مسعودٍ على تفسير الآية بهذا، وأنّ الدّخان مضى، جماعةٌ من السّلف كمجاهدٍ، وأبي العالية، وإبراهيم النّخعيّ، والضّحّاك، وعطيّة العوفيّ، وهو اختيار ابن جريرٍ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا جعفر بن مسافرٍ، حدّثنا يحيى بن حسّان، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا عبد الرّحمن الأعرج في قوله: {يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} قال: كان يوم فتح مكّة.
وهذا القول غريبٌ جدًّا بل منكرٌ.
وقال آخرون: لم يمض الدّخان بعد، بل هو من أمارات السّاعة، كما تقدّم من حديث أبي سريحة حذيفة بن أسيدٍ الغفاريّ، رضي اللّه عنه، قال: أشرف علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من غرفةٍ ونحن نتذاكر السّاعة، فقال: "لا تقوم السّاعة حتّى تروا عشر آياتٍ: طلوع الشّمس من مغربها، والدّخان، والدّابّة، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج عيسى ابن مريم، والدّجّال، وثلاثة خسوفٍ: خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ بجزيرة العرب، ونارٌ تخرج من قعر عدن تسوق النّاس -أو: تحشر النّاس-: تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا" تفرّد بإخراجه مسلمٌ في صحيحه.
وفي الصّحيحين أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لابن الصّيّاد: "إنّي خبأت لك خبأ" قال: هو الدّخ. فقال له: "اخسأ فلن تعدو قدرك" قال: وخبأ له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ}.
وهذا فيه إشعارٌ بأنّه من المنتظر المرتقب، وابن صيّادٍ كاشفٌ على طريقة الكهّان بلسان الجانّ، وهم يقرطمون العبارة؛ ولهذا قال: "هو الدّخ" يعني: الدّخان. فعندها عرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مادّته وأنّها شيطانيّةٌ، فقال له: "اخسأ فلن تعدو قدرك".
ثمّ قال ابن جريرٍ: وحدّثني عصام بن روّاد بن الجرّاح، حدّثنا أبي، حدّثنا سفيان بن سعيدٍ الثّوريّ، حدّثنا منصور بن المعتمر، عن ربعي بن حراش قال: سمعت حذيفة بن اليمان يقول: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ أوّل الآيات الدّجّال، ونزول عيسى ابن مريم، ونارٌ تخرج من قعر عدن أبين، تسوق النّاس إلى المحشر، تقيل معهم إذا قالوا، والدّخان-قال حذيفة: يا رسول اللّه، وما الدّخان؟ فتلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه الآية: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ يغشى النّاس هذا عذابٌ أليمٌ} -يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يومًا وليلةً، أمّا المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزّكمة، وأمّا الكافر فيكون بمنزلة السّكران، يخرج من منخريه وأذنيه ودبره".
قال ابن جريرٍ: لو صحّ هذا الحديث لكان فاصلًا وإنّما لم أشهد له بالصّحّة؛ لأنّ محمّد بن خلفٍ العسقلانيّ حدّثني أنّه سأل روّادًا عن هذا الحديث: هل سمعه من سفيان؟ فقال له: لا قال: فقلت: أقرأته عليه؟ قال: لا قال: فقلت له: فقرئ عليه وأنت حاضرٌ فأقرّ به؟ فقال: لا فقلت له: فمن أين جئت به؟ فقال: جاءني به قومٌ فعرضوه عليّ، وقالوا لي: اسمعه منّا. فقرءوه عليّ ثمّ ذهبوا به، فحدّثوا به عنّي، أو كما قال.
وقد أجاد ابن جريرٍ في هذا الحديث هاهنا، فإنّه موضوعٌ بهذا السّند، وقد أكثر ابن جريرٍ من سياقه في أماكن من هذا التّفسير، وفيه منكراتٌ كثيرةٌ جدًّا، ولا سيّما في أوّل سورة "بني إسرائيل" في ذكر المسجد الأقصى، واللّه أعلم.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا صفوان، حدّثنا الوليد، حدّثنا خليلٌ، عن الحسن، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، رضي اللّه عنه، أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يهيج الدّخان بالنّاس، فأمّا المؤمن فيأخذه كالزّكمة، وأمّا الكافر فينفخه حتّى يخرج من كلّ مسمع منه".
ورواه سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي سعيدٍ الخدريّ موقوفًا. ورواه عوفٌ، عن الحسن قوله.
وقال ابن جريرٍ أيضًا: حدّثني محمّد بن عوفٍ، حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن عيّاشٍ، حدّثني أبي، حدّثني ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيدٍ، عن أبي مالكٍ الأشعريّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إن ربّكم أنذركم ثلاثًا: الدّخان يأخذ المؤمن كالزّكمة، ويأخذ الكافر فينتفخ حتّى يخرج من كلّ مسمعٍ منه والثّانية الدّابّة والثّالثة الدّجّال".
ورواه الطّبرانيّ عن هاشم بن يزيد، عن محمّد بن إسماعيل بن عيّاشٍ، به وهذا
إسنادٌ جيّدٌ.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن صالح بن مسلمٍ، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، قال: لم تمض آية الدّخان بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وتنفخ الكافر حتى ينفذ.
وروى ابن جريرٍ من حديث الوليد بن جميعٍ، عن عبد الملك بن المغيرة، عن عبد الرّحمن بن البيلمانيّ، عن ابن عمر قال: يخرج الدّخان فيأخذ المؤمن كهيئة الزّكام، ويدخل في مسامع الكافر والمنافق حتّى يكون كالرّأس الحنيذ، أي: المشويّ على الرّضف.
ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن أبي مليكة قال: غدوت على ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، ذات يومٍ فقال: ما نمت اللّيلة حتّى أصبحت. قلت: لم؟ قال: قالوا طلع الكوكب ذو الذّنب، فخشيت أن يكون الدّخان قد طرق، فما نمت حتّى أصبحت وهكذا رواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن ابن عمر، عن سفيان، عن عبد اللّه بن أبي يزيد، عن عبد اللّه بن أبي مليكة، عن ابن عبّاسٍ فذكره. وهذا إسنادٌ صحيحٌ إلى ابن عبّاسٍ حبر الأمّة وترجمان القرآن. وهكذا قول من وافقه من الصّحابة والتّابعين أجمعين، مع الأحاديث المرفوعة من الصّحاح والحسان وغيرهما، الّتي أوردناها ممّا فيه مقنعٌ ودلالةٌ ظاهرةٌ على أنّ الدّخان من الآيات المنتظرة، مع أنّه ظاهر القرآن.
قال اللّه تعالى: {فارتقب يوم تأتي السّماء بدخانٍ مبينٍ} أي: بيّنٍ واضحٍ يراه كلّ أحدٍ. وعلى ما فسّر به ابن مسعودٍ، رضي اللّه عنه: إنّما هو خيالٌ رأوه في أعينهم من شدّة الجوع والجهد. وهكذا قوله: {يغشى النّاس} أي: يتغشّاهم ويعمهم، ولو كان أمرًا خياليًّا يخصّ أهل مكة المشركين لما قيل فيه: {يغشى النّاس}
وقوله: {هذا عذابٌ أليمٌ} أي: يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا، كقوله تعالى: {يوم يدعّون إلى نار جهنّم دعًّا هذه النّار الّتي كنتم بها تكذّبون} [الطّور: 13، 14]، أو يقول بعضهم لبعضٍ ذلك.
وقوله: {ربّنا اكشف عنّا العذاب إنّا مؤمنون} أي: يقول الكافرون إذا عاينوا عذاب اللّه وعقابه سائلين رفعه وكشفه عنهم، كقوله: {ولو ترى إذ وقفوا على النّار فقالوا يا ليتنا نردّ ولا نكذّب بآيات ربّنا ونكون من المؤمنين} [الأنعام: 27]. وكذا قوله: {وأنذر النّاس يوم يأتيهم العذاب فيقول الّذين ظلموا ربّنا أخّرنا إلى أجلٍ قريبٍ نجب دعوتك ونتّبع الرّسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوالٍ} [إبراهيم: 44]، وهكذا قال هاهنا: {أنّى لهم الذّكرى وقد جاءهم رسولٌ مبينٌ ثمّ تولّوا عنه وقالوا معلّمٌ مجنونٌ}
يقول: كيف لهم بالتّذكّر، وقد أرسلنا إليهم رسولًا بيّن الرّسالة والنّذارة، ومع هذا تولّوا عنه وما وافقوه، بل كذّبوه وقالوا: معلّمٌ مجنونٌ. وهذا كقوله تعالى: {يومئذٍ يتذكّر الإنسان وأنّى له الذّكرى يقول يا ليتني قدّمت لحياتي} [الفجر: 23، 24]، وقوله تعالى: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكانٍ قريبٍ وقالوا آمنّا به وأنّى لهم التّناوش من مكانٍ بعيدٍ. وقد كفروا به من قبل ويقذفون بالغيب من مكانٍ بعيدٍ. وحيل بينهم وبين ما يشتهون كما فعل بأشياعهم من قبل إنّهم كانوا في شكٍّ مريبٍ} [سبأٍ: 51 -54].
وقوله: {إنّا كاشفوا العذاب قليلا إنّكم عائدون} يحتمل معنيين:
أحدهما: أنّه يقوله تعالى: ولو كشفنا عنكم العذاب ورجعناكم إلى الدّار الدّنيا، لعدتم إلى ما كنتم فيه من الكفر والتّكذيب، كقوله: {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرٍّ للجّوا في طغيانهم يعمهون} [المؤمنون: 75]، وكقوله: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام: 28].
والثّاني: أن يكون المراد: إنّا مؤخّرو العذاب عنكم قليلًا بعد انعقاد أسبابه ووصوله إليكم، وأنتم مستمرّون فيما أنتم فيه من الطّغيان والضّلال، ولا يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم، كقوله تعالى: {إلا قوم يونس لمّا آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدّنيا ومتّعناهم إلى حينٍ} [يونس: 98]، ولم يكن العذاب باشرهم، واتّصل بهم بل كان قد انعقد سببه [ووصوله] عليهم، ولا يلزم أيضًا أن يكونوا قد أقلعوا عن كفرهم ثمّ عادوا إليه، قال اللّه تعالى إخبارًا عن شعيبٍ أنّه قال لقومه حين قالوا: {لنخرجنّك يا شعيب والّذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملّتنا قال أولو كنّا كارهين قد افترينا على اللّه كذبًا إن عدنا في ملّتكم بعد إذ نجّانا اللّه منها} [الأعراف: 88، 89]، وشعيبٌ [عليه السّلام] لم يكن قطّ على ملّتهم وطريقتهم.
وقال قتادة: {إنّكم عائدون} إلى عذاب الله.
وقوله تعالى: {يوم نبطش البطشة الكبرى إنّا منتقمون} فسّر ذلك ابن مسعودٍ بيوم بدرٍ. وهذا قول جماعةٍ ممّن وافق ابن مسعودٍ على تفسيره الدّخان بما تقدّم، وروي أيضًا عن ابن عبّاسٍ [وجماعةٍ] من رواية العوفيّ، عنه. وعن أبيّ بن كعبٍ وجماعةٍ، وهو محتملٌ.
والظّاهر أنّ ذلك يوم القيامة، وإن كان يوم بدرٍ يوم بطشةٍ أيضًا.
قال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا خالدٌ الحذّاء عن عكرمة قال: قال ابن عبّاسٍ: قال ابن مسعودٍ: البطشة الكبرى: يوم بدرٍ، وأنا أقول: هي يوم القيامة.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ عنه، وبه يقول الحسن البصريّ، وعكرمة في أصحّ الرّوايتين، عنه). [تفسير ابن كثير: 7/ 246-251]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:42 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة