التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ (81)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين }, "إن" في موضع "ما" في قول بعضهم: ما كان للرحمن ولد, الفاء مجازها مجاز الواو: ما كان للرحمن ولد, وأنا أول العابدين، قال الفرزدق:
أولئك قوم إن هجوني هجوتهم = وأعـبـد إن أهـجـو عـبـيـدا بـــدارم
وقال آخرون : مجازها : إن كان في قولكم للرحمن ولد , فأنا أول العابدين , أي: الكافرين بذلك, والجاحدين لما قلتم , وهي من "عبد يعبد عبداً" ). [مجاز القرآن: 2/206-207]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قل إن كان للرّحمن ولدٌ فأنا أوّل العابدين} أي: أول من عبده بالتوحيد.
ويقال: {أوّل العابدين}: أول الآنفين الغضاب, يقال: عبدت من كذا أعبد عبدا، فأنا عبد وعابد. قال الشاعر:
وأعبد أن تهجي تميم بدارم
أي: آنف). [تفسير غريب القرآن: 401]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وحكى أبو عبيد، عن أبي عمرو، أنه قال في قوله تعالى: {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}: هو من الغضب والأنفة. ففسّر الحرف بالمعنيين لتقاربهما). [تأويل مشكل القرآن: 407](م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}
لما قال المشركون: لله ولد، ولم يرجعوا عن مقالتهم بما أنزله الله على رسوله، عليه السلام، من التبرّؤ من ذلك- قال الله سبحانه لرسوله عليه السّلام: {قُلْ}: لهم {إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ} أي: عندكم في ادعائكم. {فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} أي: أول الموحدين، ومن وحّد الله فقد عبده، ومن جعل له ولدا أو ندّا، فليس من العابدين، وإن اجتهد.
ومنه قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، أي إلا ليوحّدون.
قال مجاهد: يريد إن كان لله ولد في قولكم، فأنا أول من عبد الله ووحّده، وكذّبكم بما تقولون.
وبعض المفسرين يجعل إن بمعنى (ما)، وليس يعجبني ذلك.
ويقال: العابدون هاهنا: الغضاب الآنفون. يقال: عبدت من كذا أعبد عبدا. وأكثر ما تأتي الأسماء من فعل يفعل (على فعل) كقوله: وجل يوجل فهو وجل، وفزع يفزع فهو فزع.
وربما جاء على (فاعل) نحو علم يعلم فهو عالم.
وربما جاء منه على (فعل) و(فاعل) نحو صدى يصدي فهو صد وصاد، كذلك تقول: عبد يعبد فهو عبد وعابد، قال الشاعر:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم ).
[تأويل مشكل القرآن: 373-374]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {قل إن كان للرّحمن ولد فأنا أوّل العابدين}
معناه: إن كنتم تزعمون أن للرحمن ولدا, فأنا أول الموحّدين؛ لأن من عبد الله عزّ وجلّ, واعترف بأنه إلهه, فقد دفع أن يكون له ولد.
والمعنى: أن كان للرحمن ولد في قولكم، كما قال: {أين شركائي الّذين كنتم تشاقّون فيهم}: أي في قولكم, واللّه واحد لا شريك له.
وقد قيل إنّ (إن) في هذا الموضع في موضع (ما) المعنى ما كان للرحمن ولد {فأنا أوّل العابدين}
وقد قيل: إن العابدين في معنى الآنفين، فأنا أول من يأنف من هذا القول). [معاني القرآن: 4/420]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين}
في معناه ثلاثة أقوال:
- قال مجاهد: أي قل: إن كان للرحمن ولد في قولكم, فأنا أول من عبده ووحده, وكذبكم.
- وقال الحسن يقول: ما كان للرحمن ولد.
- وقيل: هو من عبد, أي: أنف, كما قال:
وأعبد أن تهجى تميم بدارم
قال أبو جعفر: أحسنها قول مجاهد لأن إن يبعد أن تكون ههنا بمعنى ما, لأن ذلك لا يكاد يستعمل إلا وبعد: إن إلا, وأيضا فإن بعدها ألفا وأكثر ما يقال إذا أنف الإنسان وغضب, وأنكر الشيء عبد, فهو عبد, كما يقال حذر, فهو حذر.
وقول مجاهد بين: أي: إن كان للرحمن ولد على زعمكم, وقولكم, كما قال تعالى: {أين شركائي}, فأنا أول من خالفكم, ووحد الله جل وعز.
ومعنى {العابدين} كمعنى: الموحدين؛ لأنه لا يقال عابد إلا لموحد). [معاني القرآن: 6/387-389]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({أول العابدين} أي: أول الغضاب الآنفين.
وقيل: {فأنا أول العابدين} أي: فأنا أول الجاحدين لما تقولون.
وقيل: {فأنا أول العابدين} أي: أنا أول من يعبده على الوحدانية، مخالفا لكم). [ياقوتة الصراط: 461-462]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}
أول من عبده بالتوحيد, وإن بمعنى ما وقيل: أول الآنفين الغضاب, وقيل: أول الجاحدين لذلك). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 223]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (84)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي في السّماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم}
المعنى: هو الموحّد في السماء وفي الأرض.
وقرئت: (في السّماء اللّه وفي الأرض اللّه): ويدل ما خلق بينهما, وفيهما أنه واحد حكيم عليم لأن خلقهما يدل على الحكمة, والعلم). [معاني القرآن: 4/421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم}
قال قتادة: أي: يعبد في السماء وفي الأرض.
ووري عن عمر, وأبي, وابن مسعود: {وهو الذي في السماء الله وفي الأرض الله}). [معاني القرآن: 6/389]
تفسير قوله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق}
قال قتادة: المسيح وعزير قد عبدا من دون الله, ولهما شفاعة.
وقال مجاهد: لا يشفع المسيح وعزير والملائكة إلا لمن شهد بالحق, قال: لا إله إلا الله.
قال أبو جعفر: قول قتادة أبين, وقول مجاهد على أنه استثناء ليس من الأول). [معاني القرآن: 6/390]
تفسير قوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ (88)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وقيله يا ربّ...}
خفضها عاصم, والسلمي, وحمزة, وبعض أصحاب عبد الله، ونصبها أهل المدينة, والحسن فيما أعلم فمن خفضها قال: {عنده علم الساعة}, وعلم {قيله يا رب}, ومن نصبها أضمر معها قولا، كأنه قال: وقال قوله، وشكا شكواه إلى ربه وهي في إحدى القراءتين.
قال الفراء: لا أعلمها إلا في قراءة أبي، لأني رأيتها في بعض مصاحف عبد الله على: {وقيله}, ونصبها أيضا يجوز من قوله: {نسمع سرهم ونجواهم}، ونسمع (قيله)، ولو قال قائل: و(قيله) رفعا كان جائزا، كما تقول: ونداؤه هذه الكلمة: يا رب). [معاني القرآن: 3/38]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({وقيله يا ربّ}: نصبه في قول أبي عمرو على {نسمع سرّهم ونجواهم}, {وقيله}, ونسمع قيله, وقال غيره: هي في موضع الفعل: ويقول). [مجاز القرآن: 2/207]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وقيله يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون}
{وقيله}: ويقرأ {وقيله}، {وقيله يا ربّ}, فيها ثلاثة أوجه:
* الخفض على معنى: {وعنده علم الساعة}, وعلم قيله: {يا ربّ}
* والنصب من ثلاثة أوجه:-
قال أبو الحسن الأخفش: إنه منصوب من جهتين:
- إحداهما على العطف على قوله: {أم يحسبون أنّا لا نسمع سرّهم ونجواهم}, وقيله: أي ونسمع قيله. ويكون على: وقال قيله.
- قال أبو إسحاق: والّذي أختاره أنا أن يكون "قيله" نصبا على معنى: {وعنده علم الساعة}, ويعلم قيله، فيكون المعنى إنّه يعلم الغيب, ويعلم قيله، لأن معنى عنده علم الساعة: يعلم الساعة ويعلم قيله.
ومعنى الساعة في كل القرآن: الوقت الذي تقوم فيه القيامة.
* والرفع على معنى: وقيله هذا القول، أي وقيله قوله: {يا ربّ إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون}). [معاني القرآن: 4/421]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يعلمون}, وسنبين معنى: {وقيله يا رب}: في الإعراب إن شاء الله). [معاني القرآن: 6/390-391]
تفسير قوله تعالى: {فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (ثم قال: {فاصفح عنهم}, فوصله بدعائه كأنه من قوله وهو من أمر الله أمره أن يصفح، أمره بهذا قبل أن يؤمر بقتالهم.
{وقل سلامٌ فسوف يعلمون...}: رفع "سلام" بضمير عليكم وما أشبهه، ولو كان: "وقل سلاماً" كان صوبا، كما قال: {قالوا سلاماً قال سلامٌ}). [معاني القرآن: 3/38]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({فاصفح عنهم} أي: أعرض عنهم). [تفسير غريب القرآن: 401]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}
قال قتادة في قوله: {فاصفح عنهم}, قيل له هذا, ثم نسخ بالأمر بالقتال). [معاني القرآن: 6/39]