التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ (41)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت: 210هـ): ({فإمّا نذهبنّ بك}: مجازها : فإن نذهبن بك). [مجاز القرآن: 2/204]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ : {فإمّا نذهبنّ بك فإنّا منهم منتقمون * أو نرينّك الّذي وعدناهم فإنّا عليهم مقتدرون}
دخل "ما" توكيدا للشرط والنون الثقيلة في قوله: {نذهبنّ} دخلت أيضا توكيدا، وإذا دخلت {ما} دخلت معها النون كما تدخل مع لام القسم.
والمعنى : إنا ننتقم منهم إن توفيت, أو نريك ما وعدناهم , ووعدناك فيهم من النصر، فقد أراه اللّه عزّ وجلّ ما وعده فيهم , ووعدهم من إهلاكهم إن كذبوا.
وقد قيل: إنه كانت بعد رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- أشياء لم يحبب اللّه أن يريه إياها). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون}
قال قتادة: ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وبقيت النقمة , وليس نبي إلا قد رأى النقمة في أمته إلا محمدا, ولكنه أري ما ينزل بأمته من بعده , فما رؤي بعد ذلك ضاحكا منبسطا). [معاني القرآن: 6/363]
تفسير قوله تعالى:{أَوْ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدْنَاهُمْ فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ (42)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون}
قيل المعنى: الذي وعدناهم, ووعدناك عليهم من النصر, وقيل: الذي وعدناهم يرجع إلى قوله تعالى: {والآخرة عند ربك للمتقين} أي: الذي وعدنا المتقين من النصر وقد نصروا). [معاني القرآن: 6/364]
تفسير قوله تعالى: {فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم}
قال قتادة: أي: بالقرآن, {إنك على صراط مستقيم}, قال: على الإسلام, {وإنه لذكر لك ولقومك}, قال: القرآن.
وروى محمد بن يوسف, عن سفيان: {وإنه لذكر لك ولقومك}, قال: شرف لك ولقومك). [معاني القرآن: 6/364]
تفسير قوله تعالى:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {وإنّه لذكرٌ لّك ولقومك...}: لشرف لك ولقومك، يعني: القرآن والدين، وسوف تسألون عن الشكر عليه). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وإنّه لذكرٌ لك ولقومك} أي: شرف لكم، يعني القرآن.
{وسوف تسألون}: عن الشكر عليه). [تفسير غريب القرآن: 398]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه الذِّكْرُ يُوضَع موضع الشَرَف، لأنَّ الشَّريف يُذْكَر قال الله تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يريد أن القرآن شَرَفٌ لكم). [تأويل مشكل القرآن: 147]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} يريد: أن القرآن شرف لك ولقومك.
وقوله: {وسوف تسألون}: معناه سوف تسألون عن شكر ما جعله اللّه لكم من الشرف). [معاني القرآن: 4/413]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال جل وعز: {وسوف تسألون}
قال الفراء: أي, وسوف تسألون عن الشكر عليه). [معاني القرآن: 6/364-365]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ}: أي شرف.
{وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ} أي: تسألون عن الشكر عليه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 222]
تفسير قوله تعالى: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ (45)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك...}.
يقول القائل: وكيف أمر أن يسأل رسلا قد مضوا؟ ففيه وجهان:-
أحدهما: أن يسأل أهل التوراة والإنجيل، فإنهم إنما يخبرونه عن كتب الرسل التي جاءوا بها, فإذا سأل الكتب, فكأنه سأل الأنبياء.
وقال بعضهم: إنه سيسري بك يا محمد, فتلقى الأنبياء فسلهم عن ذلك، فلم يشكك صلى الله عليه ولم يسلهم.
وقوله: {أجعلنا من دون الرّحمن آلهةً يعبدون}.
قال: {يعبدون} للآلهة، ولم يقل: تعبد ولا يعبدون، وذلك أن الآلهة تكلّم ويدعّى لها وتعظّم، فأجريت مجرى الملوك والأمراء وما أشبههم). [معاني القرآن: 3/34]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} أي: سل من أرسلنا إليه رسولا من رسلنا قبلك، يعني: أهل الكتاب). [تفسير غريب القرآن: 399]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله سبحانه: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ} ففيه تأويلان:
أحدهما: أن تكون المخاطبة لرسول الله، صلّى الله عليه وسلم، والمراد غيره من الشّكّاك، لأنّ القرآن نزل عليه بمذاهب العرب كلهم، وهم قد يخاطبون الرّجل بالشيء ويريدون غيره، ولذلك يقول متمثّلهم: «إيّاك أعني واسمعي يا جارة».
ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
الخطاب للنبي، صلّى الله عليه وسلم، والمراد بالوصية والعظة المؤمنون، يدلك على ذلك أنه قال: {وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}
ولم يقل بما تعمل خبيرا.
ومثل هذه الآية قوله: {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آَلِهَةً يُعْبَدُونَ}، أي سل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا، يعني أهل الكتاب، فالخطاب للنبي صلّى الله عليه وسلم والمراد المشركون). [تأويل مشكل القرآن: 269-270](م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون}
في هذه المسألة ثلاثة أوجه:
- جاء في التفسير أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليلة أسري به جمع له الأنبياء في بيت المقدس , فأمّهم وصلّى بهم، وقيل له: سلهم فلم يشكك عليه السلام ولم يسل.
- ووجه ثان: وهو الذي أختاره، وهو أن المعنى سل أمم من أرسلنا من قبلك من رسلنا : أجعلنا من دون الرّحمن آلهة يعبدون؟.
ويكون معنى السؤال : ههنا على جهة التقرير كما قال: {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ اللّه}, فليس يسألهم ههنا عمن خلقهم إلا على جهة التقرير, وكذلك إذا سأل جميع أمم الأنبياء لم يأتوا بأن في كتبهم أن اعبدوا غيري.
- ووجه ثالث: يكون المعنى في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم معناه مخاطبة الأمّة، كأنّه قال: واسألوا، والدليل على أن مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم قد يدخل فيها خطاب الأمة قوله:{يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}). [معاني القرآن: 4/413-414]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون}
قال أبو جعفر: هذه آية مشكلة , وفي معناها قولان:
- روى أبو عوانة, عن أبي بشر, عن سعيد بن جبير قال: لقي الرسل صلى الله عليهم ليلة اسري به.
فهذا قول: ومعناه أنه سيسرى بك, وتلقى الرسل, فاسألهم .
- والقول الآخر: وهو قول محمد بن يزيد , وجماعة من العلماء أن في هذا المعنى التوقيف, والتقرير , والتوبيخ , والمعنى.
واسأل أمم من قد أرسلنا من قبلك من رسلنا كما قال تعالى: {واسأل القرية} أي: سل من عبد الملائكة, أو قال إن الله ثالث ثلاثة, أو عبد غير الله جل وعز, هل وجد هذا في شيء من كتب الأنبياء مما أنزل الله عليهم ؟!.
فإنه لا يجد في كتاب نبي أن الله أمر أن يعبد غيره؛ ففي هذا معنى التقرير, والتوبيخ, والتوقيف على أنهم قد كفروا, وفعلوا ما لم يأمر الله به, ونظيره قوله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}.
ويصحح هذا القول أن علي بن الحكم روى عن الضحاك قال: وهي في قراءة عبد الله: {واسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك}, قال: يعني: أهل الكتاب.
روى سفيان, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: في قراءة عبد الله: {واسأل من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا}, فهذه قراءة مفسرة.
وقال قتادة: أي سل أهل الكتاب: أأمر الله إلا بالتوحيد والإخلاص؟!.
وزعم ابن قتيبة أن التقدير: واسأل من أرسلنا إليه من قبلك رسلا من رسلنا , فحذف إليه لأن في الكلام دلالة عليه , وحذف رسلا لأن من رسلنا يدل عليه , وزعم أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم, والمراد المشركون). [معاني القرآن: 6/365-367]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت: 345هـ): ({وسئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا} أي: قل, يا محمد, لمن شك في أمرك: سل كتب من أرسلنا, لتعلم أن صفة محمد -صلى الله عليه وسلم- في كل كتاب أنزلناه). [ياقوتة الصراط: 460]