التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء}
روى سعيد, عن قتادة قال: خير الرزق ما لا يطغي, ولا يلهي). [معاني القرآن: 6/313]
تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ (28)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وهو الّذي ينزّل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الوليّ الحميد (28)}
ويقرأ (قَنِطُوا) بكسر النون، يقال قَنط يقنِطُ، وقَنِطَ يَقْنَطُ إذا - يئس.
ويروى أن عمر قيل له: قد أجدبت الأرض, وقنط الناس, فقال: مطروا إذن، لهذه الآية). [معاني القرآن: 4/399]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( وقوله جل وعز: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا}
قال مجاهد: {من بعد ما قنطوا}, أي: يئسوا.
قال أبو جعفر: يقال: قَنَطَ يَقْنِطُ, وقَنِطَ يَقْنَطُ: إذا اشتد يأسه من الشيء). [معاني القرآن: 6/313-314]
تفسير قوله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (29)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {خلق السّماوات والأرض وما بثّ فيهما من دآبّةٍ...}
أراد: وما بث في الأرض دون السماء، بذلك جاء في التفسير؛ ومثله مما ثنى ومعناه واحد قوله: {يخرج منهما الّلؤلؤ والمرجان}, وإنما يخرج من الملح دون العذب). [معاني القرآن: 3/24]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وما بثّ فيهما من دابّةٍ} أي: نشر). [تفسير غريب القرآن: 393]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة}
قال الفراء: أراد بث في الأرض دون السماء كما قال سبحانه: {يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان}, وإنما يخرج من الملح .
قال أبو جعفر: هذا غلط ,روى ورقاء , عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد في قوله: {وما بث فيهما من دابة}, قال: الناس والملائكة.
وهذا قول حسن, يقال: لكل حي دابة من دب, فهو داب, والهاء للمبالغة, كما يقال رواية وعلامة, ثم قال جل وعز: {وهو على جمعهم}, أي: على إحيائهم {إذا يشاء قدير}). [معاني القرآن: 6/314-315]
تفسير قوله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
{ويعلم الّذين يجادلون في آياتنا...}
وهي في مصحف أهل المدينة {بما كسبت أيديكم} -بغير فاء-، وكذلك يقرأونها, خلا أبا جعفر, فإنه يثبت الفاء, وهي في مصاحف أهل العراق بالفاء, وكذلك قراءتهم، وهو في العربية أجود لأن الفاء مجازاة جواب الشرط.
المعنى: ما تصبكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم.
وقرئت: {ويعلم الّذين يجادلون}: والنصب على إضمار أن، لأن قبلها جزاء، تقول: ما تصنع أصنع مثله, وأكرمك، وإن شئت قلت: وأكرمك على, وأنا أكرمك، وإن شئت: وأكرمك جزما.
وروي عن علي رضي اللّه عنه, عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إن اللّه أكرم من أن يثني على عبده العقوبة، أي إذا أصابته في الدنيا مصيبة بما كسبت يداه لم يثن عليه العقوبة في الآخرة)).
وأما من قرأ: {وما أصابكم من مصيبة بما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
أي: لا يجازى على كثير مما كسبت أيديكم في الدنيا، وجائز أن يكون {يعفو عن كثير}, فلا يجازى عليه في الدنيا , ولا في الآخرة.
ومعنى: {ما لهم من محيص}: ما لهم من معدل، ولا من منجى، يقال حاص عنه إذا تنحى، ويقال حاض عنه في معنى حاص، ولا يجوز أن يقرأ ما لهم من محيض، وأن كان المعنى واحدا.
فأمّا موضع {الذين} في قوله: {ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات}, فيجوز أن يكون نصبا، ويجوز أن يكون رفعا.
فمن نصب فعلي معنى: ويجيب اللّه الذين آمنوا وعملوا الصالحات, ومن رفع فعلى معنى: يستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات للّه عزّ وجلّ , أي : لما يدعوهم اللّه إليه). [معاني القرآن: 4/399-400]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله جل وعز: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير}
يقال : قد تكون المصيبة بغير هذا, ففيه أجوبة
- روى معمر عن قتادة عن الحسن في قوله تعالى: {وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم}, قال: الحدود.
فالمعنى في هذا: إن الله جل وعز جعل الحدود بما يعمل من المعاصي
- وقيل: ما ههنا بمعنى الذي , وهو حسن, والدليل على هذا: أن أهل المدينة قرؤوا بما بغير فاء
فالمعنى على هذا: والذي كان أصابكم بذنوب عملتموها.
- وروى سفيان, عن إسماعيل بن مسلم, عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من خدش عود , ولا عثرة قدم , ولا اختلاج عرق إلا بذنب, وما يعفو الله عنه أكثر, ثم تلا : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير})).
قال أبو جعفر: فالمعنى على هذا: {وما أصابكم من مصيبة }: مقصود بها العقوبة {فبما كسبت أيديكم}.
قال أبو جعفر: وفي الآية قول رابع: وهو أن كل مصيبة تصيب, فإنما هي من اجل ذنب, إما أن يكون الإنسان عمله, وإما أن يكون تنبيها له لئلا يعمله, وإما أن يكون امتحانا له ليعتبر والداه , فقد صارت كل مصيبة على هذا من أجل الذنوب, وصارت القراءة بالفاء أحسن ؛ لأنه شرط وجوابه). [معاني القرآن: 6/315-317]