التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (40)}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({اعملوا ما شئتم }: لم يأمرهم بعمل الكفر , إنما هو توعدٌ.).[مجاز القرآن: 2/197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يأتي الكلام على لفظ الأمر وهو تهديد: كقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}). [تأويل مشكل القرآن: 280]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله -عزّ وجلّ -: {إنّ الّذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النّار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنّه بما تعملون بصير (40)}
{يلحدون} بفتح الياء والحاء، وتفسير:{يلحدون}: يجعلون الكلام على غير جهته، ومن هذا اللّحد لأنه الحفر في جانب القبر، يقال لحد , وألحد، في معنى واحد.
{اعملوا ما شئتم} : لفظ هذا الكلام لفظ أمر، ومعناه الوعيد والتهدد، وقد بيّن لهم المجازاة على الخير والشر). [معاني القرآن: 4/388]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا}
قال مجاهد: المكاء , وما ذكر معه.
وقال قتادة: الإلحاد :التكذيب .
قال أبو جعفر : أصل الإلحاد: العدول عن الشيء , والميل عنه , ومنه اللحد ؛ لأنه جانب القبر.
فمعنى : ألحد في آيات الله : مال عن الحق فيها , أي: جعلها على غير معناها .
وقوله جل وعز: {أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة} .
{ أفمن يلقى في النار }: أبو جهل بن هشام {خيرأم من يأتي آمنا يوم القيامة } : عمار بن ياسر.
ثم قال:{ اعملوا ما شئتم } وقد بين جل وعز ذلك .
قال مجاهد: هذا على الوعيد.). [معاني القرآن: 6/273-274]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {يلحدون في آياتنا}: أي: يميلون عليها وفيها بالطعن.
{اعملوا ما شئتم}: هو تهديد ووعيد، كما تقول للعدو: اعمل ما شئت فإني أكافئك، فكذلك: {اعملوا ما شئتم}.). [ياقوتة الصراط: 454-455]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جاءهم...}.
يقال: أين جواب إنّ؟ , فإن شئت جعلته :{أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ}, وإن شئت كان في قوله: {وإنّه لكتابٌ عزيزٌ...} , {لاّ يأتيه الباطل...}، فيكون جوابه معلوماً فيترك، وكأنه أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن.). [معاني القرآن: 3/19]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جاءهم وإنّه لكتابٌ عزيزٌ}
وقال: {إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جاءهم} , فزعم بعض المفسرين أن خبره : {أولئك ينادون من مّكان بعيدٍ}, وقد يجوز أن يكون على الإخبار التي في القرآن يستغنى بها كما استغنت أشياء عن الخبر إذ طال الكلام , وعرف المعنى نحو قوله: {ولو أنّ قرآناً سيّرت به الجبال} , وما أشبهه.
وحدثني شيخ من أهل العلم قال: سمعت عيسى بن عمر يسأل عمرو بن عبيد : {إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جاءهم} , أين خبره؟.
فقال عمرو: معناه في التفسير : {إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جاءهم} , كفروا به ,{وإنّه لكتابٌ عزيزٌ}.
فقال عيسى: جاء يا أبا عثمان. ). [معاني القرآن: 4/9]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم}
قال قتادة: أي: بالقرآن.
قال أبو جعفر , وفي الخبر قولان:
أحدهما: أن المعنى: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم , أولئك ينادون من مكان بعيد .
والقول الآخر: أن الخبر محذوف , أي: هلكوا .
وهذا القول الاختيار عند النحويين جميعا فيما علمت
وقوله: {وإنه لكتاب عزيز}: أي: قاهر لا يقدر أحد أن يأتي بمثله). [معاني القرآن: 6/274-275]
تفسير قوله تعالى: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ الّذين كفروا بالذّكر لمّا جاءهم...}.
يقال: أين جواب إنّ؟ , فإن شئت جعلته : {أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ}, وإن شئت كان في قوله: {وإنّه لكتابٌ عزيزٌ...}{لاّ يأتيه الباطل...}، فيكون جوابه معلوماً فيترك، وكأنه أعرب الوجهين وأشبهه بما جاء في القرآن). [معاني القرآن: 3/19] (م)
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لاّ يأتيه الباطل من بين يديه...}، يقول: التوراة والإنجيل لا تكذبه وهي من بين يديه , {ولا من خلفه}، يقول: لا ينزل بعده كتاب يكذبه.). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}:قالوا: لا يستطيع الشيطان أن يبطل منه حقا، ولا يحق منه باطلا). [تفسير غريب القرآن: 389]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإنّه لكتاب عزيز (41) لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد (42)}
فيه وجهان:
أحدهما: أن الكتب التي تقدمت لا تبطله , ولا يأتي بعده كتاب يبطله.
والوجه الثاني: أنه محفوظ من أن ينقص منه , فيأتيه الباطل من بين يديه , أو يزاد فيه , فيأتيه الباطل من خلفه.
والدليل على هذا قوله: {إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون (9) }.) . [معاني القرآن: 4/388]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}
في معناه أقوال:
- فمن أحسنها : أن المعنى لا يأتيه الشيطان من بين يديه ,فينتقص منه , ولا من خلفه فيزيد فيه
قال مجاهد: الباطل: الشيطان.
وقال الحسن: حفظ الله القرآن من الشيطان , فلا يقدر أن يزيد فيه , ولا ينقص منه .قال الحسن : {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }.
وروى معمر , عن قتادة في قوله تعالى: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} , قال: لا يقدر الشيطان أن يبطل منه حقا , ولا يحق فيه باطل.ا
قال أبو جعفر : معنى : يحق فيه باطلا , يزيد فيه باطلا , فيصير حقا , فهذا قول.
ب- وقيل معنى: { لا يأتيه الباطل من بين يديه} : لا يبطله كتاب قبله , ولا يأتي بعده كتاب فيبطله , وهذا قول الفراء: أي: لا يوجد فيه باطل من إحدى الجهتين.
ج- وقيل معنى :{لا يأتيه الباطل من بين يديه}: من قبل أن يتم نزوله , {ولا من خلفه } : من بعد تمام نزوله
, ويكون أيضا من بين يديه بعد نزوله كله , ومن خلفه قبل تمامه.
د- وقيل المعنى :لا يأتيه الباطل قبل أن ينزل ؛ لأن الأنبياء وقد بشرت به ,’ فلم يقدر الشيطان على أن يدحض ذلك , ولا من خلفه بعد أن أنزل
هـ- وقيل معنى :{ من بين يديه ولا من خلفه} : على التكثير , أي: لا يأتيه الباطل البتة.). [معاني القرآن: 6/276-277]
تفسير قوله تعالى: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (43) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {مّا يقال لك إلاّ ما قد قيل للرّسل من قبلك...}.
جزع صلى الله عليه وسلم من تكذيبهم إياه، فأنزل الله جل وعز عليه: ما يقال لك من التكذيب إلا كما كذب الرسل من قبلك). [معاني القرآن: 3/19]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك}: تعزية له صلى اللّه عليه وسلم , وتسلية: أي: قد قيل للرسل قبلك: ساحر وكذاب، كما قيل لك). [تفسير غريب القرآن: 389]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ما يقال لك إلّا ما قد قيل للرّسل من قبلك إنّ ربّك لذو مغفرة وذو عقاب أليم (43)}
أي: تكذيبك كما كذب الرسل من قبلك، وقيل لهم كما يقول الكفار لك، ثم قال:
{إنّ ربّك لذو مغفرة} : المعنى لمن آمن بك, {وذو عقاب أليم}: لمن كذبك.). [معاني القرآن: 4/388-389]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك}
قال أبو صالح: أي: من الأذى .
وقوله تعالى: {إن ربك لذو مغفرة} :أي: لمن آمن بك , وذو عقاب أليم , أي: لمن كذبك). [معاني القرآن: 6/277-278]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ}: أي: قد قيل
لهم: ساحر , وكذاب, فعزى الله تبارك تعالى بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 217-218]
تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآَنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آَذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قرأ الأعمش وعاصم: {أأعجميٌّ وعربيٌّ...} :استفهام، وسكنا العين، وجاء التفسير: أيكون هذا الرسول عربياً , والكتاب أعجمي؟.
وقرأ الحسن بغير استفهام: {أعجمي وعربي}, كأنه جعله من قيلهم: يعني الكفرة، أي: هلاّ فصلت آياته منها عربي يعرفه العربي، وعجمي يفهمه العجمي، فأنزل الله عز وجل: {قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاء...}.
وقرأها بعضهم: {أعجمي وعربي}: يستفهم, وينسبه إلى العجم.
وقوله: {وهو عليهم عمًى...}
حدثنا الفراء قال: وحدثني غير واحد منهم أبو الأحوص , ومندل , عن موسى بن أبي عائشة , عن سليمان بن قتّة , عن ابن عباس أنه قرأ: عمٍ.
وقوله: {أولئك ينادون من مّكانٍ بعيدٍ...}.
تقول للرجل الذي لا يفهم قولك: أنت تنادي من بعيد، تقول للفهم: إنك لتأخذ الشيء من قريب. وجاء في التفسير: كأنما ينادون من السماء , فلا يسمعون). [معاني القرآن: 3/20]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولو جعلناه قرآناً أعجميّاً لّقالوا لولا فصّلت آياته أأعجميٌّ وعربيٌّ قل هو للّذين آمنوا هدًى وشفاء والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقرٌ وهو عليهم عمًى أولئك ينادون من مّكان بعيدٍ}
وقال: {ولو جعلناه قرآناً أعجميّاً لّقالوا لولا فصّلت آياته أأعجميٌّ وعربيٌّ} , يقول: {هلاّ فصّلت آياته أأعجميٌّ} : يعني القرآن , {وعربيٌّ}: يعني النبي صلى الله عليه وسلم , وقد قرئت من غير استفهام , وكلٌّ جائز في معنى واحد.). [معاني القرآن: 4/9-10]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ولو جعلناه قرآناً أعجميًّا لقالوا لولا فصّلت آياته}: أي هلّا فصلت آياته، أي أنزلت مفصلة بالآي!. كأن التفصيل للسان العرب!.
ثم ابتدأ فقال:{ءأعجميٌّ وعربيٌّ}!؟ حكاية عنهم, كأنهم يعجبون , فيقولون: أكتاب أعجمي ونبي عربي؟ , كيف يكون هذا؟!, فكان ذلك أشد لتكذيبهم.
{أولئك ينادون من مكانٍ بعيدٍ}: لقلة أفهامهم, يقال للرجل الذي لا يفهم: أنت تنادي من مكان بعيد! .). [تفسير غريب القرآن: 389-390 ]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ولو جعلناه قرآنا أعجميّا لقالوا لولا فصّلت آياته أأعجميّ وعربيّ قل هو للّذين آمنوا هدى وشفاء والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد (44)}
(ولو جعلناه قرآنا أعجميّا لقالوا لولا فصّلت): أي : بيّنت.
{أأعجميّ وعربي} : وتقرأ{أأعجميّ} بهمزتين و {أعجميّ}بهمزة واحدة , وبهمزة بعدها مخففة تشبه الألف، ولا يجوز أن يكون ألفا خالصة لأن بعدها العين وهي ساكنة.
وتقرأ أعجمي وعربي - بهمزة واحدة , وفتح العين.
وقرأ الحسن: أعجمى بهمزة , وسكون العين.
والذي جاء في التفسير : أن المعنى {ولو جعلناه قرآنا أعجميّا لقالوا لولا} : هلّا بينت آياته، أقرآن أعجميّ , ونبيّ عربي.
فمن قرأ {آأعجمي} فهمزة وألف فإنه منسوب إلى اللسان الأعجم، تقول: هذا رجل أعجمي إذا كان لا يفصح إن كان من العجم أو من العرب، وتقول: هذا رجل عجمي إذا كان من الأعاجم، فصيحا كان أم غير فصيح، ومثل ذلك: هذا رجل أعرابي إذا كان من أهل البادية، وكان جنسه من العرب أو من غير العرب، والأجود في القرآن أعجمي بهمزة وألف على جهة النسبة إلى الأعجم، ألا ترى قوله: {ولو جعلناه قرآنا أعجميّا}, ولم يقرأ أحد عجميّا.
فأمّا قراءة الحسن : أعني {أعجمى } بإسكان العين , لا على معنى الاستفهام , ولكن على معنى: هلّا بيّنت آياته، فجعل بعضه بيانا للعجم , وبعضه بيانا للعرب، وكل هذه الأوجه الأربعة سائغ في العربية , وعلى ذلك تفسيره.
وقوله عزّ وجلّ: {قل هو للّذين آمنوا هدى وشفاء} :يعني: القرآن.
{والّذين لا يؤمنون في آذانهم وقر} : أي هم في ترك القبول بمنزلة من في أذنه صمم.
{وهو عليهم عمى} , ويقرأ {وهو عليهم عم} بكسر الميم والتنوين، ويجوز {وهو عليهم عمي} بإثبات الياء وفتحها، ولا يجوز إسكان الياء وترك التنوين.
{أولئك ينادون من مكان بعيد} : يعني من قسوة قلوبهم, يبعد عنهم ما يتلى عليهم). [معاني القرآن: 4/389-390]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته}:أي: بينت.
قال أبو جعفر: أصل هذا: أن التفصيل لا يكون إلا للعرب , وهم أصحاب البيان .
ثم قال جل وعز: {أعجمي وعربي}
قال سعيد بن جبير: أي: أقرآن أعجمي , ونبي عربي ؟!.
قال قتادة: أي: لو جعلنا القرآن أعجميا ؛ لأنكروا ذلك , وقالوا: أعرب مخاطبون بالعجمية, فكان ذلك أشد لتكذيبهم.
وقرأ ابن عباس , والحسن , وأبو الأسود :{أعجمي} بغير استفهام , والعين ساكنة , والمعنى على هذه القراءة : لولا فصلت آياته , فكان منها أعجمي تفهمه العجم , وعربي تفهمه العرب , ويكون {أعجمي } بدلا من آياته , وحكي أنه قرئ {أعجمي} على أن الأصل عجمي دخلت عليه ألف الاستفهام .
قال أبو جعفر , قال أبو إسحاق: الأعجمي الذي لا يفصح كان من العرب أو من العجم, والعجمي الذي ليس من العرب كان فصيحا أو غير فصيح.
قال أبو جعفر : والقراءة الأخرى بعيدة ؛ لأنهم قد أجمعوا على قوله: {ولو جعلناه قرآنا أعجميا} .
وقوله جل وعز: {والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى}
وقر : أي: صمم على التمثيل , وهو عليهم عمى.
قال قتادة: القرآن , وقيل : الوقر عليهم عمى.
وقرأ ابن عباس , ومعاوية , وعمرو بن العاص {وهو عليهم عمي } على أنه فعل ماض , وحكي: { وهو عليهم عم }.
ثم قال جل وعز: {أولئك ينادون من مكان بعيد}
حكى أهل اللغة : أنه يقال للذي يفهم : أنت تسمع من قريب , ويقال للذي لا يفهم: أنت تنادى من مكان بعيد , أي: كأنه ينادي من موضع بعيد منه , فهو لا يسمع النداء ولا يفهمه .
ومذهب الضحاك: أنهم ينادون يوم القيامة بأقبح أسمائهم من مكان بعيد ؛ ليكون ذلك أشد عليهم في الفضيحة والتوبيخ.). [معاني القرآن: 6/279-281]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {من مَّكَانٍ بَعِيدٍ}: لقلة أفهامهم وبعدها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 218]