العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة فصلت

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:41 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي تفسير سورة فصلت[ من الآية 9 إلى الآية 12]

تفسير سورة فصلت[ من الآية 9 إلى الآية 12]


{قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:43 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال أخبرني رجل عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال جاء رجل إلى ابن عباس فقال أرأيت أشياء تختلف علي من القرآن قال ما هو أشك في القرآن قال ليس بشك ولكن اختلاف قال فهات ما اختلف عليك من ذلك قال أسمع الله حيث يقول ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين وقال ولا يكتمون الله حديثا فقد كتموا قال وماذا قال اسمعه يقول فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون وقال وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وقال أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين حتى بلغ طائعين وقال في الآية الأخرى السماء بنها رفع سمكها فسوها ثم قال والأرض بعد ذلك دحاها قال اسمعه يقول كان الله ما شأنه يقول وكان الله فقال ابن عباس أما قوله ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين فإنهم لما رأوا يوم القيامة أن الله يغفر لأهل الإسلام ويغفر الذنوب ولا يغفر شركا ولا يتعاظمه ذنب أن يغفره جحد المشركون فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين رجاء أن يغفر لهم فختم على أفواههم وتكلمت أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون فعند ذلك يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا وأما قوله فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فإنه إذا نفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ثم نفخ فيه أخرى فإذا هي قيام ينظرون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وأما قوله قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين فإن الأرض خلقت قبل السماء وكانت السماء دخانا فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأرض وأما قوله والأرض بعد ذلك دحها فيقول جعل فيها جبلا جعل فيها نهرا جعل فيها شجرا جعل فيها بحورا.
أخبرني معمر قال أخبرني ابن أبي نجيح عن مجاهد قال فخلق الله الأرض قبل السماء فثار من الأرض دخان ثم خلقت السماء بعد
وأما قوله والأرض بعد ذلك دحاها فيقول مع ذلك دحاها و مع وبعد سواء في كلام العرب قال ابن عباس وأما قوله كان الله فإن الله كان ولم يزل كذلك وهو كذلك عزيز حكيم عليم قدير لم يزل كذلك فما اختلف عليك من القرآن وهو شبه ما ذكرت لك وإن الله لم ينزل شيئا إلا قد أصاب به الذي أراد ولكن الناس لا يعلمون). [تفسير عبد الرزاق: 1/160-162] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال المنهال: عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قال رجلٌ لابن عبّاسٍ: إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101] ، {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون} [الصافات: 27] {ولا يكتمون اللّه حديثًا} [النساء: 42] ، {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] ، فقد كتموا في هذه الآية؟ وقال: {أم السّماء بناها} [النازعات: 27] إلى قوله: {دحاها} [النازعات: 30] فذكر خلق السّماء قبل خلق الأرض، ثمّ قال: {أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9] إلى قوله: {طائعين} [فصلت: 11] فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السّماء؟ وقال: {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [النساء: 96] ، {عزيزًا حكيمًا} [النساء: 56]، {سميعًا بصيرًا} [النساء: 58] فكأنّه كان ثمّ مضى؟ فقال: {فلا أنساب بينهم} [المؤمنون: 101] : " في النّفخة الأولى، ثمّ ينفخ في الصّور: {فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلّا من شاء اللّه} فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثمّ في النّفخة الآخرة، {أقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون} [الصافات: 27] وأمّا قوله: {ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] ، {ولا يكتمون اللّه حديثًا} [النساء: 42] ، فإنّ اللّه يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول لم نكن مشركين، فختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك عرف أنّ اللّه لا يكتم حديثًا، وعنده: {يودّ الّذين كفروا} [البقرة: 105] الآية، وخلق الأرض في يومين ثمّ خلق السّماء، ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ في يومين آخرين، ثمّ دحا الأرض، ودحوها: أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: {دحاها} [النازعات: 30] . وقوله: {خلق الأرض في يومين} [فصلت: 9] . فجعلت الأرض وما فيها من شيءٍ في أربعة أيّامٍ، وخلقت السّموات في يومين، {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [النساء: 96] سمّى نفسه ذلك، وذلك قوله، أي لم يزل كذلك، فإنّ اللّه لم يرد شيئًا إلّا أصاب به الّذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن، فإنّ كلًّا من عند اللّه " قال أبو عبد اللّه: حدّثني يوسف بن عديٍّ، حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال بهذا). [صحيح البخاري: 6/127-128]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال المنهال هو بن عمرٍو الأسديّ مولاهم الكوفيّ وليس له في البخاريّ سوى هذا الحديث وآخر تقدم في قصّة إبراهيم من أحاديث الأنبياء وهو صدوقٌ من طبقة الأعمش وثّقه بن معينٍ والنّسائيّ والعجليّ وغيرهم وتركه شعبة لأمرٍ لا يوجب فيه قدحًا كما بيّنته في المقدّمة وهذا التّعليق قد وصله المصنّف بعد فراغه من سياق الحديث كما سأذكره قوله عن سعيد هو بن جبيرٍ وصرّح به الأصيليّ في روايته وكذا النّسفيّ قوله قال رجلٌ لابن عبّاسٍ كأنّ هذا الرّجل هو نافع بن الأزرق الّذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج وكان يجالس ابن عبّاسٍ بمكّة ويسأله ويعارضه ومن جملة ما وقع سؤاله عنه صريحًا ما أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق داود بن أبي هندٍ عن عكرمة قال سأل نافع بن الأزرق ابن عبّاسٍ عن قوله تعالى هذا يوم لا ينطقون ولا تسمع إلّا همسا وقوله وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون وهاؤم أقرءوا كتابيه الحديث بهذه القصّة حسب وهي إحدى القصص المسئول عنها في حديث الباب وروى الطّبرانيّ من حديث الضّحّاك بن مزاحمٍ قال قدم نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمرٍ في نفر من رؤوس الخوارج مكّة فإذا هم بابن عبّاسٍ قاعدًا قريبًا من زمزم والنّاس قيامًا يسألونه فقال له نافع بن الأزرق أتيتك لأسألك فسأله عن أشياء كثيرةٍ من التّفسير ساقها في ورقتين وأخرج الطّبريّ من هذا الوجه بعض القصّة ولفظه أنّ نافع بن الأزرق أتى ابن عبّاسٍ فقال قول اللّه ولا يكتمون اللّه حديثا وقوله والله ربنا ما كنّا مشركين فقال إنّي أحسبك قمت من عند أصحابك فقلت لهم أين ابن عبّاسٍ فألقي عليه متشابه القرآن فأخبرهم أنّ اللّه تعالى إذا جمع النّاس يوم القيامة قال المشركون إنّ اللّه لا يقبل إلّا من وحّده فيسألهم فيقولون واللّه ربّنا ما كنّا مشركين قال فيختم على أفواههم ويستنطق جوارحهم انتهى وهذه القصّة إحدى ما ورد في حديث الباب فالظّاهر أنّه المبهم فيه قوله إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ أي تشكل وتضطرب لأنّ بين ظواهرها تدافعًا زاد عبد الرّزّاق في روايته عن معمرٍ عن رجلٍ عن المنهال بسنده فقال ابن عبّاسٍ ما هو أشكٌّ في القرآن قال ليس بشكٍّ ولكنّه اختلافٌ فقال هات ما اختلف عليك من ذلك قال أسمع اللّه يقول وحاصل ما وقع السّؤال في حديث الباب أربعة مواضع الأول نفى المسائلة يوم القيامة وإثباتها الثّاني كتمان المشركين حالهم وإفشاؤه الثّالث خلق السّماوات والأرض أيّهما تقدّم الرّابع الإتيان بحرف كان الدّالّ على الماضي مع أن الصّفة لازمة وحاصل جواب ابن عبّاس عن الأول أن نفي المسائلة فيما قبل النّفخة الثّانية وإثباتها فيما بعد ذلك وعن الثّاني أنّهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم وعن الثّالث أنّه بدأ خلق الأرض في يومين غير مدحوّةٍ ثمّ خلق السّماء فسوّاها في يومين ثمّ دحا الأرض بعد ذلك وجعل فيها الرّواسي وغيرها في يومين فتلك أربعة أيّامٍ للأرض فهذا الّذي جمع به ابن عبّاسٍ بين قوله تعالى في هذه الآية وبين قوله والأرض بعد ذلك دحاها هو المعتمد وإماما أخرجه عبد الرّزّاق من طريق أبي سعيدٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رفعه قال خلق اللّه الأرض في يوم الأحد وفي يوم الاثنين وخلق الجبال وشقّق الأنهار وقدّر في كلّ أرضٍ قوتها يوم الثّلاثاء ويوم الأربعاء ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ وتلا الآية إلى قوله في كلّ سماءٍ أمرها قال في يوم الخميس ويوم الجمعة الحديث فهو ضعيفٌ لضعف أبي سعيدٍ وهو البقّال وعن الرّابع بأنّ كان وإن كانت للماضي لكنّها لا تستلزم الانقطاع بل المراد أنّه لم يزل كذلك فأما الأول فقد جاء فيه تفسر آخر أنّ نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصّعق والمحاسبة والجواز على الصّراط وإثباتها فيما عدا ذلك وهذا منقولٌ عن السّدّيّ أخرجه الطّبريّ ومن طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ أنّ نفي المساءلة عند النّفخة الأولى وإثباتها بعد النفخة الثّانية وقد تأول بن مسعودٍ نفي المساءلة على معنًى آخر وهو طلب بعضهم من بعضٍ العفو فأخرج الطّبريّ من طريق زاذان قال أتيت بن مسعودٍ فقال يؤخذ بيد العبد يوم القيامة فينادي ألا إن هذا فلان بن فلانٍ فمن كان له حقٌّ قبله فليأت قال فتودّ المرأة يومئذٍ أن يثبت لها حقٌّ على أبيها أو ابنها أو أخيها أو زوجها فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون ومن طريقٍ أخرى قال لا يسأل أحدٌ يومئذٍ بنسبٍ شيئًا ولا يتساءلون به ولا يمتّ برحمٍ وأمّا الثّاني فقد تقدّم بسطه من وجهٍ آخر عند الطّبريّ والآية الأخرى الّتي ذكرها ابن عبّاسٍ وهي قوله واللّه ربّنا ما كنّا مشركين فقد ورد ما يؤيّده من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم في أثناء حديثٍ وفيه ثمّ يلقى الثّالث فيقول يا ربّ آمنت بك وبكتابك وبرسولك ويثني ما استطاع فيقول الآن نبعث شاهدًا عليك فيفكّر في نفسه من الّذي يشهد عليّ فيختم على فيه وتنطق جوارحه وأما الثّالث فأجيب بأجوبةٍ أيضًا منها أنّ ثمّ بمعنى الواو فلا إيراد وقيل المراد ترتيب الخبر لا المخبر به كقوله ثمّ كان من الّذين آمنوا الآية وقيل على بابها لكن ثمّ لتفاوت ما بين الخلقتين لا للتّراخي في الزّمان وقيل خلق بمعنى قدّر وأمّا الرّابع وجواب ابن عبّاسٍ عنه فيحتمل كلامه أنّه أراد أنّه سمّى نفسه غفورًا رحيمًا وهذه التّسمية مضت لأنّ التّعلّق انقضى وأمّا الصّفتان فلا يزالان كذلك لا ينقطعان لأنّه تعالى إذا أراد المغفرة أو الرّحمة في الحال أو الاستقبال وقع مراده قاله الكرمانيّ قال ويحتمل أن يكون ابن عبّاسٍ أجاب بجوابين أحدهما أنّ التّسمية هي الّتي كانت وانتهت والصّفة لا نهاية لها والآخر أنّ معنى كان الدّوام فإنّه لا يزال كذلك ويحتمل أن يحمل السّؤال على مسلكين والجواب على رفعهما كأن يقال هذا اللّفظ مشعرٌ بأنّه في الزّمان الماضي كان غفورًا رحيمًا مع أنّه لم يكن هناك من يغفر له أو يرحم وبأنّه ليس في الحال كذلك لما يشعر به لفظ كان والجواب عن الأوّل بأنّه كان في الماضي يسمّى به وعن الثّاني بأنّ كان تعطى معنى الدّوام وقد قال النّحاة كان لثبوت خبرها ماضيًا دائمًا أو منقطعًا قوله فلا يختلف بالجزم للنّهي وقد وقع في رواية بن أبي حاتمٍ من طريق مطرّفٍ عن المنهال بن عمرٍو وفي آخره قال فقال له ابن عبّاسٍ هل بقي في قلبك شيءٌ إنّه ليس من القرآن شيءٌ إلّا نزل فيه شيءٌ ولكن لا تعلمون وجهه تنبيهٌ وقع في السّياق والسّماء بناها والتّلاوة أم السّماء بناها كذا زعم بعض الشّرّاح والّذي في الأصل من رواية أبي ذرٍّ والسّماء وما بناها وهو على وفق التّلاوة لكنّ قوله بعد ذلك إلى قوله دحاها يدلّ على أنّ المراد الآية الّتي فيها أم السّماء بناها قوله حدّثنيه يوسف بن عدي أي بن أبي زريقٍ التّيميّ الكوفيّ نزيل مصر وهو أخو زكريّا بن عديٍّ وليس له في البخاريّ إلّا هذا الحديث وقد وقع في رواية القابسيّ حدّثنيه عن يوسف بزيادة عن وهي غلطٌ وسقط قوله وحدّثنيه إلخ من رواية النّسفيّ وكذا من رواية أبي نعيمٍ عن الجرجانيّ عن الفربريّ وثبت ذلك عند جمهور الرّواة عن الفربريّ لكن ذكر البرقانيّ في المصافحة بعد أن أخرج الحديث من طريق محمّد بن إبراهيم البوشنجيّ حدّثنا أبو يعقوب يوسف بن عديٍّ فساقه بتمامه قال وقال لي محمّد بن إبراهيم الأردستانيّ قال شاهدت نسخةً من كتاب البخاريّ في هامشها حدّثنيه محمّد بن إبراهيم حدّثنا يوسف بن عديٍّ قال البرقانيّ ويحتمل أن يكون هذا من صنيع من سمعه من البوشنجيّ فإنّ اسمه محمّد بن إبراهيم قال ولم يخرّج البخاريّ ليوسف ولا لعبيد اللّه بن عمرٍو ولا لزيد بن أبي أنيسة حديثًا مسندًا سواه وفي مغايرة البخاريّ سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارةٌ إلى أنّه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول وقد صرح بن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح وأنّ ما يورده بهذه الكيفيّة ليس على شرط صحيحه وخرج على من يغيّر هذه الصّيغة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئًا على هذه الكيفيّة فزعم بعض الشّرّاح أنّ البخاريّ سمعه أوّلًا مرسلًا وآخرًا مسندًا فنقله كما سمعه وهذا بعيدٌ جدًّا وقد وجدت للحديث طريقًا أخرى أخرجها الطّبريّ من رواية مطرّفٍ من طريقٍ عن المنهال بن عمرٍو بتمامه فشيخ معمرٍ المبهم يحتمل أن يكون مطرّفًا أو زيد بن أبي أنيسة أو ثالثًا). [فتح الباري: 8/557-559]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله
قال المنهال هو ابن عمرو عن سعيد بن جبير قال: قال رجل لابن عبّاس إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف علّي قال 101 المؤمنون {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} وقال 27 الصافات {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} {ولا يكتمون الله حديثا} 42 النّساء {والله ربنا ما كنّا مشركين} 23 الأنعام فقد كتموا في هذه الآية الحديث بطوله
كذا وقع في كثير من الرّوايات ووقع في أصل سماعنا من طريق أبي ذر ومن طريق أبي الوقت أيضا عقب هذا الحديث قال أبو عبد الله يعني البخاريّ حدّثنيه يوسف بن عدي ثنا عبيدالله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بهذا فهو على هذا موصول
وقد وصله أيضا الحافظ أبو بكر البرقاني في كتاب المصافحة قال قرأت على أبي العبّاس بن حمدان حدثكم محمّد بن إبراهيم وهو البوشنجي ثنا أبو يعقوب يوسف بن عدي بتمامه وقال بعده قال لي محمّد بن إبراهيم الأردستاني قال شاهدت نسخة من كتاب البخاريّ على حاشيته ثناه محمّد بن إبراهيم ثنا يوسف بن عدي فالله أعلم
قال البرقاني ويشبه أن يكون هذا من فعل من سمعه من البوشنجي قال ولم يخرج البخاريّ ليوسف ولا لعبيد الله ولا لزيد مسندًا غيره
قلت وقد وقع لي من وجه آخر قرأته على أحمد بن بلغاق بصالحية دمشق عن إسحاق بن يحيى الآمديّ أن يوسف بن خليل الحافظ أخبره أنا محمّد بن أبي زيد أنا محمود بن إسماعيل أنا أحمد بن محمّد بن فاذشاه أنا أبو القاسم الطّبرانيّ ثنا أحمد بن رشدين ثنا يوسف بن عدي إملاء سنة ستّ وعشرين ومائتين ثنا عبيدالله عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال سعيد جاءه رجل فقال يا ابن عبّاس إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف علّي فقد وقع في صدري فقال ابن عبّاس تكذيب فقال الرجل ما هو بتكذيب ولكن اختلاف قال ابن عبّاس فهلمّ ما وقع في نفسك قال له الرجل اسمع الله يقول 101 المؤمنون {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} وقال في آية أخرى 27 الصافات {وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون} فذكر الحديث بطوله
تابعه عبد الجبّار بن عاصم عن عاصم عبيدالله بن عمرو نحوه). [تغليق التعليق: 4/300-301]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال المنهال عن سعيدٍ قال: قال رجلٌ لابن عبّاسٍ إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ، قال: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} (المؤمنون: 101) و {أقبل بعضهم على بعض يتساءلون} (الصافات: 27 و 50 والطور: 25) . {ولا يكتمون الله حديثاً} . {ولا يكتمون الله حديثاً} (النّساء: 42) {والله ربّنا ما كنّا مشركين} (الأنعام: 23) فقد كتموا في هاذه الآية، وقال: {أم السّماء بناها} إلى قوله: {دحاها} (النازعات: 27 و 30) فذكر خلق السّماء قبل خلق الأرض، ثمّ قال: {أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين} إلى {طائعين} (فصلت: 9 و 11) فذكر في هاذه خلق الأرض قبل السّماء، وقال تعالى: {وكان الله غفوراً رحيماً} . عزيزاً حكيماً. سميعاً بصيراً. فكأنّه كان ثمّ مضى، فقال: فلا أنساب بينهم في النّفخة الأولى {ثمّ ينفخ في الصّور فصعق من في السّماوات ومن في الأرض إلاّ من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذالك ولا يتساءلون} ثمّ في النّفخة الآخرة. {أقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون} وأمّا قوله: {ما كنّا مشركين} . {ولا يكتمون الله حديثاً} فإنّ الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون: تعالوا نقول: لم نكن مشركين، فختم على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذالك عرف أنّ الله لا يكتم حديثاً. وعنده: {يودّ الّذين كفروا} (النّساء: 42) . و {خلق الأرض في يومين ثمّ خلق السّماء ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ في يومين آخرين ثمّ دحا الأرض ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين} فذلك قوله: {دحاها} وقوله: {خلق الأرض في يومين} (فصلت: 9) فجعلت الأرض وما فيها من شيءٍ في أربعة أيّامٍ وخلقت السّماوات في يومين وكان الله غفوراً سمّى نفسه بذلك وذلك. قوله: أي لم يزل كذلك فإنّ الله لم يرد شيئاً إلاّ أصاب به الّذي أراد، فلا يختلف عليك القرآن، فإنّ كلاًّ من عند الله.
لما ذكر الله تعالى في هذه السّورة الكريمة خلق السّموات والأرض ذكر ما علقه من المنهال أولا، ثمّ أسنده عقيبه، وهو بكسر الميم وسكون النّون: ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي، صدوق من طبقة الأعمش وثّقه ابن معين والنّسائيّ والعجلي وآخرون، وتركه شعبة لأمر لا يوجب فيه قدحاً، وليس له في البخاريّ سوى هذا الحديث، وآخر تقدم في قصّة إبراهيم عليه السّلام. قوله: (عن سعيد) ، هو ابن جبير، وصرح به الأصيليّ والنسفي في روايتهما. قوله: (قال: قال رجل) ، الظّاهر أنه نافع بن الأزرق الّذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج، وكان يجالس ابن عبّاس بمكّة ويسأله ويعارضه، وحاصل سؤاله في أربعة مواضع على ما نذكره. قوله: (يختلف عليّ) ، أي: يشكل ويضطرب عليّ، إذ بين ظواهرها تنافٍ وتدافع، أو تفيد شيئا لا يصح عقلا: الأول: من الأسئلة قال: {فلا أنساب بينهم} إلى قوله: {ولا يتساءلون} فإن بين قوله: ولا يتساءلون، وبين قوله: يتساءلون، تدافعاً ظاهرا. الثّاني: قوله: {ولا يكتمون الله حديثا} فإن بينه وبين قوله: {ما كنامشركين} تدافعاً ظاهرا لأنّه علم من الأول أنهم لا يكتمون الله حديثا، ومن الثّاني: أنهم يكتمون كونهم مشركين. الثّالث: قوله: {أم السّماء بناها} إلى قوله: قبل خلق السّماء فإن في الآيتين المذكورتين تدافعاً لأن في إحداهما خلق السّماء قبل الأرض، وفي الأخرى بالعكس، ووقع في رواية أبي ذر: {والسّماء وما بناها} (الشّمس: 5) وهو في سورة الشّمس، وقوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} (النازعات: 30) يدل على أن المراد {أم السّماء بناها} (النازعات: 27) الّذي في سورة والنازعات، الرّابع: (وكان الله غفورًا رحيما) إلى قوله: ثمّ مضى، فإن قوله: (وكان الله غفورًا رحيما وسميعاً بصيرًا) يدل على أنه كان موصوفا بهذه الصّفات في الزّمان الماضي ثمّ تغير عن ذلك، وهو معنى قوله: فكأنّه كان ثمّ مضى. قوله: (فقال: فلا أنساب إلى قوله ولا يتساءلون) جواب عن سؤال الأول، أي قال: فقال ابن عبّاس رضي الله عنهما في الجواب ما ملخصه: أن التساؤل بعد النفخة الثّانية وعدم التساؤل قبلها، وعن السّديّ: أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصّراط وإثباتها فيما عدا ذلك. قوله: وأما قوله: {ما كنّا مشركين} إلى قوله: {يود الّذين كفروا} فهو جواب عن السّؤال الثّاني وملخّصه: أن الكتمان قبل إنطاق الجوارح وعدمه بعده. قوله: (فعند ذلك) أي: عند نطق أيديهم. قوله: (وعنده يود الّذين كفروا) أي: وعند علمهم أن الله لا يكتم حديثا يود الّذين كفروا هذا في سورة النّساء. وهو قوله: {يومئذٍ يود الّذين كفروا وعصوا الرّسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا} (النّساء: 42) ، أي: يوم القيامة يود الّذين كفروا باللّه وعصوا رسوله لو تسوى بهم الأرض أي لو تسوت بهم الأرض وصاروا هم والأرض شيئا واحدًا، أو أنهم لم يكتموا أمر محمّد صلى الله عليه وسلم ولا نعته، لأن ما عملوه لا يخفى على الله تعالى فلا يقدرون كتمانه، لأن جوارحهم تشهد عليهم. قوله: {وخلق الأرض في يومين} (فصلت: 9) إلى قوله وخلق السّموات في يومين جواب عن السّؤال الثّالث ملخصه: أن خلق نفس الأرض قبل السّماء ودحوها بعده، يقال: دحوت الشّيء دحوا بسطته بسطاً، وقيل في جوابه: إن خلق بمعنى قدر. قوله: (ان أخرج) بأن أخرج فإن مصدريّة. قوله: (والآكام) ، جمع أكمة بفتحتين وهو الموضع المرتفع من الأرض كالتّلّ والرابية، ويروى: والأكوام. جمع كوم قوله: {وكان الله غفورًا رحيما} (النّساء: 96 و 100 و 152 والفرقان: 270 والأحزاب: 5 و 50 و 59 و 73 والفتح: 14) . الخ جواب عن السّؤال الرّابع، وملخّصه: أنه سمى نفسه بكونه غفورًا رحيما، وهذه التّسمية مضت لأن التّعلّق انقطع، وأما معنى الغفورية والرحيمية فلا يزال كذلك لا ينقطع، وأن الله إذا أراد المغفرة أو الرّحمة أو غيرهما من الأشياء في الحال أو الاستقبال فلا بد من وقوع مراده قطعا. قوله: (سمى نفسه ذلك) ، أي: سمى الله تعالى ذاته بالغفور والرحيم ونحوهما، وذلك قوله: (وإنّه لا يزال كذلك لا ينقطع وأن ما شاء كان) ، وقالت النّحاة: كان لثبوت خبرها ماضيا دائما، ولهذا لا يقال: صار موضع: كان، لأن معناه التجدد والحدوث، فلا يقال في حق الله ذلك. قوله: (فلا يختلف) بالجزم، أي: قال ابن عبّاس للسّائل المذكور: لا يختلف عليك القرآن فإنّه من عند الله {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النّساء: 82) .
حدّثنيه يوسف بن عديّ حدثنا عبيد الله بن عمرٍ وعن زيد بن أنيسة عن المنهال بهاذا
أسند الحديث المذكور بعد أن علقه كما ذكرناه، قال الكرماني: لعلّه سمع أولا مرسلا وآخراً مسندًا فنقله كما سمعه، وفيه إشارة إلى أن الإسناد ليس بشرطه، واستبعد بعضهم كلام الكرماني هذا، وليت شعري ما وجه بعده وما برهانه على ذلك؟ بل الظّاهر هو الّذي ذكره، وقول الكرماني: وفيه إشارة ... إلى آخره يؤيّده كلام البرقاني حيث قال: ولم يخرج البخاريّ ليوسف ولا لعبيد الله بن عمرو ولا لزيد بن أبي أنيسة مسندًا، سواه وفي مغايرته سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه، وإن صارت صورته صورة الموصول. قوله: (حدّثنيه يوسف بن عدي) ، وقع في رواية القابسيّ: حدّثنيه عن يوسف، بزيادة: عن، وهو غلط وليس في رواية النّسفيّ: حدّثنيه ... إلى آخره، وكذا سقط من رواية أبي نعيم عن الجرجانيّ عن الفريري، ولكن ذكر البرقاني فقال: قال لي محمّد بن إبراهيم الأزدستاني: شوهدت نسخة بكتاب: (الجامع) للبخاريّ فيها على الحاشية: حدثنا محمّد بن إبراهيم أخبرنا يوسف بن عدي، فذكره ورواه الإسماعيليّ عن أحمد بن زنجويه: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن خالد الرقي: حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد عن المنهال. قلت: يوسف بن عدي بن زريق التّيميّ الكوفي نزيل مصر، وهو أخو زكريّاء بن عدي، مات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وليس له في البخاريّ إلاّ هذا الحديث، وعبيد الله بن عمرو بالفتح الرقي بالراء والقاف، مات سنة ثمانين ومائة، وزيد بن أبي أنيسة مصغر الأنسة بالنّون والسّين المهملة الجزيري، سكن الرها، قيل: إسم أبي أنيسة زيد، ومات زيد الرّاوي سنة خمس وعشرين ومائة). [عمدة القاري: 19/150-151]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال المنهال): بكسر الميم وسكون النون ابن عمرو الأسدي مولاهم الكوفي وثّقه ابن معين
والنسائي وغيرهما (عن سعيد) وللأصيلي عن سعيد بن جبير أنه (قال: قال رجل) هو نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج (لابن عباس) -رضي الله عنهما- وكان يجالسه بمكة ويسأله ويعارضه (إني أجد في القرآن أشياء مختلف عليّ) لما بين ظواهرها من التدافع زاد عبد الرزاق فقال ابن عباس: ما هو أشك في القرآن؟ قال: ليس بشك ولكنه اختلاف، فقال: هات ما اختلف عليك من ذلك (قال: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون}) [المؤمنون: 101] وقال: ({وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون}) [الصافات: 27] فإن بين قوله ولا يتساءلون وبين يتساءلون تدافعًا نفيًا وإثباتًا. وقال تعالى ({ولا يكتمون الله حديثًا}) [النساء: 42] وقوله: ({ربنا}) ولأبي ذر والله ربنا ({ما كنا مشركين}) [الأنعام: 23] (فقد كتموا في هذه الآية) كونهم مشركين وعلم من الأولى أنهم لا يكتمون الله حديثًا (وقال: {أم السماء بناها} إلى قوله) تعالى: ({دحاها}) [النازعات: 27] (فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض) في هذه الآية (ثم قال) في سورة السجدة: ({أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين) -إلى- ({طائعين}) [فصلت: 9 - 11] وللأصيلي وابن عساكر إلى قوله طائعين (فذكر في هذه) الآية (خلق الأرض قبل السماء) وللأصيلي قبل خلق السماء والتدافع ظاهر (وقال تعالى: {وكان الله غفورًا رحيمًا}) وقال كان الله ({عريزًا حكيمًا}) وكان الله ({سميعًا بصيرًا} فكأنه كان) موصوفًا بهذه الصفات (ثم مضى) أي تغير عن ذلك (فقال) أي ابن عباس مجيبًا عن ذلك، أما قوله تعالى: ({فلا أنساب بينهم}) أي (في النفخة الأولى ثم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله فلا أنساب بينهم عند ذلك) تنفعهم لزوال التعاطف والتراحم من فرط الحيرة واستيلاء الدهشة بحيث يفرّ المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه قال:
لا نسب اليوم ولا خلة = اتسع الخرق على الراقع
وليس المراد قطع النسب (ولا يتساءلون) لاشتغال كلٌّ بنفسه (ثم في النفخة الآخرة {أقبل بعضهم على بعض يتساءلون}) فلا تناقض والحاصل أن للقيامة أحوالًا ومواطن ففي موطن يشتد عليهم الخوف فيشغلهم عن التساؤل وفي موطن يفيقون فيتساءلون (وأما قوله) تعالى: ({ما كنا مشركين}) وقوله تعالى: ({ولا يكتمون الله}) زاد أبو ذر والأصيلي وابن عساكر حديثًا (فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، وقال المشركون) ولأبي ذر فقال المشركون بالفاء بدل الواو (تعالوا نقول لم نكن مشركين فختم) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول ولأبي ذر فختم بفتحات مبنيًّا للفاعل (على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك) أي عند نطق أيديهم (عرف) بضم العين وكسر الراء وللأصيلي عرفوا بفتحهما والجمع (إن الله لا يكتم حديثًا) بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (وعنده {يودّ الذين كفروا} [الحجر: 2] الآية) إلى ولا يكتمون الله حديثًا والحاصل أنهم يكتمون بألسنتهم فتنطق أيديهم وجوارحهم (وخلق الأرض في) مقدار (يومين) أي غير مدحوّة (ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسوّاهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض) بعد ذلك في يومين
(ودحوها) وللأصيلي وابن عساكر ودحيها بالمثناة التحتية بدل الواو ولأبي ذر ودحاها أي (أن أخرج) أي بأن أخرج (منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال) بكسر الجيم الإبل (والآكام) بفتح الهمزة جمع أكمة بفتحتين ما ارتفع من الأرض كالتل والرابية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والأكوام جمع كوم (وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله) تعالى: ({دحاها} و) أما (قوله: {خلق الأرض في يومين} فجعلت الأرض) ولأبي ذر عن الكشميهني: فخلقت الأرض (وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلقت السماوات في يومين) والحاصل أن خلق نفس الأرض قبل خلق السماء ودحوها بعده ({وكان الله غفورًا}) وزاد أبو ذر والأصيلي: رحيمًا (سمى نفسه) أي ذاته (ذلك) وهذه تسمية مضت وللأصيلي بذلك (و) أما (ذلك) أي (قوله) ما قال من الغفرانية والرحيمية (أي لم يزل كذلك) لا ينقطع (فإن الله لم يرد) أن يرحم (شيئًا) أو يغفر له (إلا أصاب به الذي أراد) قطعًا (فلا يختلف) بالجزم على النهي (عليك القرآن فإن كلاًّ من عند الله). وعند ابن أبي حاتم فقال له ابن عباس: هل بقي في قلبك شيء أنه ليس من القرآن شيء إلا نزل فيه شيء ولكن لا تعلمون وجهه.
- حدّثني يوسف بن عديٍّ حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال بهذا. وقال مجاهدٌ: {ممنونٍ}: محسوبٍ. {أقواتها}: أرزاقها. في كلّ سماءٍ أمرها: ممّا أمر به. {نحساتٍ}: مشاييم. {وقيّضنا لهم قرناء}: قرنّاهم بهم. {تتنزّل عليهم الملائكة}: عند الموت. {اهتزّت}: بالنّبات، وربت: ارتفعت، وقال غيره من أكمامها حين تطلع. {ليقولنّ هذا لي}: بعملي، أي أنا محقوقٌ بهذا. سواءً للسّائلين: قدّرها سواءً. {فهديناهم}: دللناهم على الخير والشّرّ كقوله: {وهديناه النّجدين}: وكقوله: {هديناه السّبيل}. والهدى الّذي هو الإرشاد بمنزلة أسعدناه، من ذلك قوله: {أولئك الّذين هدى اللّه فبهداهم اقتده}. {يوزعون}: يكفّون. {من أكمامها}: قشر الكفرّى، هي الكمّ. {وليٌّ حميمٌ}: القريب. {من محيصٍ}: حاص عنه حاد. {مريةٍ} و {مريةٍ} واحدٌ أي امتراءٌ. وقال مجاهدٌ. {اعملوا ما شئتم}: الوعيد. وقال ابن عبّاسٍ: {الّتي هي أحسن}: الصّبر عند الغضب والعفو عند الإساءة فإذا فعلوه عصمهم اللّه وخضع لهم عدوّهم {كأنّه وليٌّ حميمٌ}.
وهذا التعليق وصله المؤلّف حيث قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي الوقت: قال أبو عبد الله أي البخاري حدّثنيه أي الحديث السابق (يوسف بن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملتين وتشديد التحتية ابن زريق التيمي الكوفي نزيل مصر وليس له في هذا الجامع إلا هذا قال: (حدّثنا عبيد الله بن عمرو) بضم العين في الأول مصغرًا وفتحها في الثاني الرقي بالراء والقاف (عن زيد بن أبي أنيسة) بضم الهمزة مصغرًا الحريري (عن المنهال) بن عمرو الأسدي المذكور (بهذا)
الحديث السابق، قيل: وإنما غير البخاري سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن صارت صورته صورة الموصول، وهذا ثابت لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر في نسخة). [إرشاد الساري: 7/326-327]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (تختلف عليّ) أي: لتدافع ظواهرها، أو لإفادة بعضها ما لا يصح عقلاً، وقد ذكرها البخاري مع جواب ابن عباس عنها بأن التساؤل بعد النفخة الثانية وعدمه قبلها، والكتمان قبل إنطاق الجوارح، وعدمه بعدها، وخلق الأرض قبل خلق السماء، ودخولها بعده اهـ شيخ الإسلام). [حاشية السندي على البخاري: 3/68]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك ربّ العالمين} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ: قل يا محمّد لهؤلاء المعرضون عن آياتنا من قومك: إنّكم أيّها القوم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين. وذلك يوم الأحد ويوم الاثنين؛ وبذلك جاءت الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقالته العلماء، وقد ذكرنا كثيرًا من ذلك فيما مضى قبل، ونذكر بعض ما لم نذكره قبل إن شاء اللّه.
ذكر بعض ما لم نذكره فيما مضى من الأخبار بذلك:
- حدّثنا هنّاد بن السّريّ، قال: حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي سعدٍ البقّال، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال هنّادٌ: قرأت سائر الحديث على أبي بكرٍ أنّ اليهود أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألته عن خلق السّموات والأرض، قال: خلق اللّه الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثّلاثاء وما فيهنّ من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشّجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعةٌ، ثمّ قال: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومينٍ وتجعلون له أندادًا ذلك ربّ العالمين. وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين} لمن سأل قال: وخلق يوم الخميس السّماء، وخلق يوم الجمعة النّجوم والشّمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعاتٍ بقيت منه فخلق في أوّل ساعةٍ من هذه الثّلاثة الآجال حين يموت من مات، وفي الثّانية ألقى الآفة على كلّ شيءٍ ممّا ينتفع به النّاس، وفي الثّالثة آدم وأسكنه الجنّة، وأمر إبليس بالسّجود له، وأخرجه منها في آخر ساعةٍ قالت اليهود: ثمّ ماذا يا محمّد؟ قال: ثمّ استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو أتممت، قالوا: ثمّ استراح؛ فغضب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم غضبًا شديدًا، فنزل: {ولقد خلقنا السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ وما مسّنا من لغوبٍ. فاصبر على ما يقولون}.
- حدّثنا تميم بن المنتصر، قال: أخبرنا إسحاق، عن شريكٍ، عن غالب بن غيلان، عن عطاء بن أبي رباحٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: إنّ اللّه خلق يومًا واحدًا فسمّاه الأحد، ثمّ خلق ثانيًا فسمّاه الاثنين، ثمّ خلق ثالثًا فسمّاه الثّلاثاء، ثمّ خلق رابعًا فسمّاه الأربعاء، ثمّ خلق خامسًا فسمّاه الخميس؛ قال: فخلق الأرض في يومين: الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثّلاثاء، فذلك قول النّاس: هو يومٌ ثقيلٌ، وخلق مواضع الأنهار والشجر يوم الأربعاء، وخلق الطّير والوحوش والهوامّ والسّباع يوم الخميس، وخلق الإنسان يوم الجمعة، ففرغ من خلق كلّ شيءٍ يوم الجمعة، ففرغ من خلق كلّ شيءٍ يوم الجمعة.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {خلق الأرض في يومين} في الأحد والاثنين.
وقد قيل غير ذلك؛ وذلك ما:
- حدّثني القاسم بن بشر بن معروفٍ، والحسين بن عليٍّ قالا: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال أخبرني إسماعيل بن أميّة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، مولى أمّ سلمة، عن أبي هريرة، قال: أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيدي، فقال: خلق اللّه التّربة يوم السّبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشّجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثّلاثاء، وخلق النّور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة، آخر خلقٍ في آخر ساعةٍ من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى اللّيل.
وقوله: {وتجعلون له أندادًا} يقول: وتجعلون لمن خلق ذلك كذلك أندادًا، وهم الأكفاء من الرّجال.
- كما حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، عن أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وتجعلون له أندادًا} قال: أكفاءً من الرّجال تطيعونهم في معاصي اللّه.
وقد بيّنّا معنى النّدّ بشواهده فيما مضى قبل.
وقوله: {ذلك ربّ العالمين} يقول: الّذي فعل هذا الفعل، وخلق الأرض في يومين، مالك جميع الجنّ والإنس، وسائر أجناس الخلق، وكلّ ما دونه مملوكٌ له، فكيف يجوز أن يكون له ندٌّ؟ هل يكون المملوك العاجز الّذي لا يقدر على شيءٍ ندًّا لمالكه القادر عليه؟!). [جامع البيان: 20/382-384]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 9 - 12.
أخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن اليهود أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة فقال تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال حين يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء من منتفع به، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد قال: ثم استوى على العرش قالوا: لقد أصبت لو أتممت، ثم قالوا: استراح، فغضب النّبيّ صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فنزل (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون) (ق 38) ). [الدر المنثور: 13/88-89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: خلق الله السموات من دخان ثم ابتدأ خلق الأرض يوم الأحد ويوم الإثنين فذلك قول الله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} ثم {وقدر فيها أقواتها} في يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فذلك قوله {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان} فسمكها وزينها بالنجوم والشمس والقمر وأجراهما في فلكهما وخلق فيها ما شاء من خلقه وملائكته يوم الخميس ويوم الجمعة وخلق الجنة يوم الجمعة وخلق اليهود يوم السبت لأنه يسبت فيه كل شيء وعظمت النصارى يوم الأحد لأنه ابتدى ء فيه خلق كل شيء وعظم المسلمون يوم الجمعة لأن الله فرغ فيه من خلقه وخلق في الجنة رحمته وجمع فيه آدم عليه السلام وفيه هبط من الجنة وفيه قبلت توبته وهو أعظمها). [الدر المنثور: 13/91-92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق يوما فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الإثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء وخلق خامسا فسماه الخميس فخلق الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء ولذلك يقول الناس أنه يوم ثقيل كذلك وخلق مواضع الأنهار والشجر والقرى يوم الأربعاء وخلق الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس وخلق الإنسان يوم الجمعة وفرغ من الخلق يوم السبت). [الدر المنثور: 13/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: إن الله تعالى ابتدأ الخلق وخلق الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الأقوات والرواسي يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات يوم الخميس والجمعة إلى صلاة العصر وخلق آدم عليه السلام في تلك الساعة التي لا يوافقها عبد يدعو ربه إلا استجاب له فهو ما بين صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس). [الدر المنثور: 13/93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يوم الأحد قال: خلق الله فيه الأرض قالوا: فيوم الأربعاء قال: الأقوات قالوا: فيوم الخميس قال: فيه خلق الله السموات قالوا: فيوم الجمعة قال: خلق في ساعتين الملائكة وفي ساعتين الجنة والنار وفي ساعتين الشمس والقمر والكواكب وفي ساعتين الليل والنهار قالوا: ألست تذكر الراحة فقال سبحان الله، فأنزل الله (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) (ق 38) ). [الدر المنثور: 13/93-94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى فرغ من خلقه في ستة أيام، أولهن يوم الأحد والأثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة خلق يوم الأحد السموات وخلق يوم الإثنين الشمس والقمر وخلق يوم الثلاثاء دواب البحر ودواب الأرض وفجر الأنهار وقوت الأقوات وخلق الأشجار يوم الأربعاء وخلق يوم الخميس الجنة والنار وخلق آدم عليه السلام يوم الجمعة ثم أقبل على الأمر يوم السبت). [الدر المنثور: 13/94-95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي بكر رضي الله عنه قال: جاء اليهود إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء وخلق السموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات يعني من يوم الجمعة وخلق في أول ساعة الآجال وفي الثانية الآفة وفي الثالثة آدم قالوا: صدقت إن تممت فعرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما يريدون فغضب فأنزل الله (وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون) ). [الدر المنثور: 13/95]

تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى وقدر فيها أقوتها قال أرزاقها). [تفسير عبد الرزاق: 2/184]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة جبالها ودوابها وأنهارها وثمارها). [تفسير عبد الرزاق: 2/184]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن حصين عن عكرمة في قوله تعالى وقدر فيها أقواتها قال السابري لا يصلح إلا بسابور واليماني لا يصلح إلا باليمن). [تفسير عبد الرزاق: 2/184]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله سواء للسائلين قال من سأل فهو كما قال الله). [تفسير عبد الرزاق: 2/184]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: ثياب اليمن لا يكون إلّا باليمن وثياب الخراسان بخراسان [الآية: 10]). [تفسير الثوري: 265]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {سواء للسائلين} من سأل فهو على هذا [الآية: 10]). [تفسير الثوري: 265]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {أقواتها} [فصلت: 10] : «أرزاقها»). [صحيح البخاري: 6/128]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أقواتها أرزاقها أخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن الحسن بلفظ قال وقال قتادة جبالها وأنهارها ودوابّها وثمارها وصله الفريابيّ من طريق مجاهدٍ بلفظ وقدّر فيها أقواتها قال من المطر وقال أبو عبيدة أقواتها واحدها قوتٌ وهي الأرزاق). [فتح الباري: 8/559]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد ممنون محسوب أقواتها أرزاقها في كل سماء أمرها ممّا أمر به نحسات مشائيم وقيضنا لهم قرناء قرناهم بهم تتنزل عليهم الملائكة عند الموت اهتزت بالنبات وربت ارتفعت من أكمامها حين تطلع ليقولن هذا لي أي بعملي أنا محقوق بهذا
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 8 فصلت {أجر غير ممنون} قال غير محسوب
وفي قوله 10 فصلت {وقدر فيها أقواتها} قال من المطر). [تغليق التعليق: 4/302] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أقواتها أرزاقها
أشار به إلى قوله تعالى: {وبارك فيها وقدر فهيا أقواتها} (فصلت: 10) وفسّر (أقواتها) بقوله: (أرزاقها) وهذا أيضا تفسير مجاهد، وقال أبو عبيدة: وأحدها قوت، وهو الرزق). [عمدة القاري: 19/152]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({أقواتها}) في قوله تعالى: {وقدّر فيها أقواتها} [فصّلت: 10] قال مجاهد: (أرزاقها) أي من المطر فعلى هذا فالأقوات للأرض لا للسكان أي قدّر لكل أرض حظها من المطر وقيل أقواتًا تنشأ منها بأن خصّ حدوث كل قوت بقطر من أقطارها وقيل أرزاق أهلها وقال محمد بن كعب قدر أقوات الأبدان قبل أن يخلق الأبدان). [إرشاد الساري: 7/327]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {سواءً للسّائلين} [فصلت: 10] : «قدّرها سواءً» ). [صحيح البخاري: 6/128]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره سواءٌ للسّائلين قدّرها سواءً سقط وقال غيره لغير أبي ذرٍّ والنّسفيّ وهو أشبه فإنّه معنى قول أبي عبيدة وقال في قوله سواءٌ للسّائلين نصبها على المصدر وقال الطّبريّ قرأ الجمهور سواءً بالنّصب وأبو جعفرٍ بالرّفع ويعقوب بالجرّ فالنّصب على المصدر أو على نعت الأقوات ومن رفع فعلى القطع ومن خفض فعلى نعت الأيّام أو الأربعة). [فتح الباري: 8/560]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره سواءً للسائلين قدّرها سواءً
ليس في رواية غير أبي ذر والنسفي. قوله: (وقال غيره) ، أي: قال غير مجاهد في قوله تعالى: {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيّام سواء للسائلين} (فصلت: 10) قوله: (فيها) ، أي: في الأرض، أقواتها أي: أرزاق أهلها ومعائشهم وما يصلحهم. قوله: (في أربعة أيّام) يعني: هذا مع قوله خلق الأرض في يومين أربعة أيّام وأريد باليومين يوم الأحد والإثنين. قوله: (سواء) ، فسره بقوله: (قدرها سواء) أي: سواء للسائلين عن ذلك، قال الثّعلبيّ: سواء بالنّصب على المصدرية، أي: استوت سواه، وقيل: على الحال، وبالرفع أي: هو سواء، وبالجر على نعت أربعة أيّام، وقيل معنى للسائلين أي للسائلين الله حوائجهم، وع ابن زيد: قدر ذلك على قدر مسائلهم، وقيل: معناه للسائلين وغير السّائلين، يعني أنه بين أمر خلق الأرض وما فيها للسائلين ولغير السّائلين، ويعطي لمن سأل ولمن لا يسأل). [عمدة القاري: 19/152-153]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (سواء للسائلين) ولأبي ذر والأصيلي وقال غيره أي غير مجاهد سواء للسائلين أي (قدرها سواء) وسواء نصب على المصدر أي استوت استواء. وقال السدي وقتادة: المعنى سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه فإنه يجده). [إرشاد الساري: 7/328]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين}.
يقول تعالى ذكره: وجعل في الأرض الّتي خلق في يومين جبالاً رواسي، وهي الثّوابت في الأرض من فوقها، يعني: من فوق الأرض على ظهرها.
وقوله: {وبارك فيها} يقول: وبارك في الأرض فجعلها دائمة الخير لأهلها.
- وقد ذكر عن السّدّيّ في ذلك ما: حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وبارك فيها} قال: أنبت شجرها.
{وقدّر فيها أقواتها} اختلف أهل التّأويل في ذلك، فقال بعضهم: وقدّر فيها أقوات أهلها بمعنى أرزاقهم ومعايشهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن {وقدّر فيها أقواتها} قال: أرزاقها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قول اللّه: {وقدّر فيها أقواتها} قال: قدّر فيها أرزاق العباد، تلك الأقوات.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {وقدّر فيها أقواتها} يقول: أقواتها لأهلها.
وقال آخرون: بل معناه: وقدّر فيها ما يصلحها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، عن خليد بن دعلجٍ، عن قتادة، قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: صلاحها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقدّر فيها جبالها وأنهارها وأشجارها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وقدّر فيها أقواتها} خلق فيها جبالها وأنهارها وبحارها وشجرها، وساكنها من الدّوابّ كلّها.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {وقدّر فيها أقواتها} قال: جبالها ودوابّها وأنهارها وبحارها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقدّر فيها أقواتها من المطر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: من المطر.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: وقدّر في كلّ بلدةٍ منها ما لم يجعله في الآخر منها لمعاش بعضهم من بعضٍ بالتّجارة من بلدةٍ إلى بلدةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني الحسين بن محمّدٍ الذّارع، قال: حدّثنا أبو محصنٍ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن عكرمة، في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: اليمانيّ باليمن، والسّابريّ بسابور.
- حدّثني محمّد بن عبد اللّه بن بزيعٍ، قال: حدّثنا أبو محصنٍ، عن حصينٍ، قال: قال عكرمة: {وقدّر فيها أقواتها} اليمانية باليمن، والسّابريّة بسابور، وأشباه هذا.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت حصينًا، عن عكرمة، في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: في كلّ أرضٍ قوتٌ لا يصلح في غيرها، اليماني باليمن، والسّابريّ بسابور.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حصينٌ عن عكرمة في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: البلد يكون فيه القوت أو الشّيء لا يكون لغيره، ألا ترى أنّ السّابريّ إنّما يكون بسابور، وأنّ العصب إنّما يكون باليمن، ونحو ذلك.
- حدّثني إسماعيل بن سيفٍ، قال: حدّثنا ابن عبد الواحد بن زيادٍ، عن خصيفٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: السّابريّ بسابور، والطّيالسة من الرّيّ.
- حدّثني إسماعيل، قال: حدّثنا أبو النّضر صاحب البصريّ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن مطرّفٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} قال: السّابريّ بسابور، والطّيالسة من الرّيّ في قوله {وقدّر فيها أقواتها} قال: السّابريّ من سابور، والطّيالسة من الرّيّ، والحبر من اليمن.
قال أبو جعفرٍ: والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه تعالى أخبر أنّه قدّر في الأرض أقوات أهلها، وذلك ما يقوتهم من الغذاء، ويصلحهم من المعاش، ولم يخصّص جلّ ثناؤه بقوله {وقدّر فيها أقواتها} أنّه قدّر فيها قوتًا دون قوتٍ، بل عمّ الخبر عن تقديره فيها جميع الأقوات، وممّا يقوت أهلها ما لا يصلحهم غيره من الغذاء، وذلك لا يكون إلاّ بالمطر والتّصرّف في البلاد لما خصّ به بعضًا دون بعضٍ، وممّا أخرج من الجبال من الجواهر، ومن البحر من المآكل والحليّ، ولا قول في ذلك أصحّ ممّا قال جلّ ثناؤه: قدّر في الأرض أقوات أهلها، لما وصفنا من العلّة.
وقال جلّ ثناؤه: {في أربعة أيّامٍ} لما ذكرنا قبل من الخبر الّذي روينا عن ابن عبّاسٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه فرغ من خلق الأرض وجميع أسبابها ومنافعها من الأشجار والماء والمدائن والعمران والخراب في أربعة أيّامٍ، أوّلهنّ يوم الأحد، وآخرهنّ يوم الأربعاء.
- حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: خلق الجبال فيها وأقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومينٍ، في الثّلاثاء والأربعاء.
وقال بعض نحويّي البصرة: قال خلق الأرض في يومين، ثمّ قال في أربعة أيّامٍ، لأنّه يعني أنّ هذا مع الأوّل أربعة أيّامٍ، كما تقول: تزوّجت أمس امرأةً، واليوم ثنتين، وإحداهما الّتي تزوّجتها أمس.
وقوله: {سواءً للسّائلين} اختلف أهل التّأويل في تأويله، فقال بعضهم: تأويله: سواءٌ لمن سأل عن مبلغ الأجل الّذي خلق اللّه فيه الأرض، وجعل فيها الرّواسيّ من فوقها والبركة، وقدّر فيها الأقوات لأهلها، وجده كما أخبر اللّه أربعة أيّامٍ لا يزدن على ذلك ولا ينقصن منه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {سواءً للسّائلين} من سأل عن ذلك وجده، كما قال اللّه.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {سواءً للسّائلين} قال: من سأل فهو كما قال اللّه.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين} يقول: من سأل فهكذا الأمر.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: سواءً لمن سأل ربّه شيئًا ممّا به الحاجة إليه من الرّزق، فإنّ اللّه قد قدّر له من الأقوات في الأرض، على قدر مسألة كلّ سائلٍ منهم لو سأله؛ لما نفذ من علمه فيهم قبل أن يخلقهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله {سواءً للسّائلين} قال: قدّر ذلك على قدر مسائلهم، يعلم ذلك أنّه لا يكون من مسائلهم شيءٌ إلاّ شيءٌ قد علمه قبل أن يكون.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار غير أبي جعفرٍ والحسن البصريّ: {سواءً} بالنّصب وقرأه أبو جعفرٍ القارئ: (سواءٌ) بالرّفع، وقرأ الحسن: (سواءٍ) بالخفض.
والصّواب من القراءة في ذلك ما عليه قرّاء الأمصار، وذلك قراءته بالنّصب لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، ولصحّة معناه. وذلك أنّ معنى الكلام: قدّر فيها أقواتها سواءً لسائليها على ما بهم إليه الحاجة، وعلى ما يصلحهم.
وقد ذكر عن ابن مسعودٍ أنّه كان يقرأ ذلك: (وقسّم فيها أقواتها).
وقد اختلف أهل العربيّة في وجه نصب (سواءٍ)؛ فقال بعض نحويّي البصرة: من نصبه جعله مصدرًا، كأنّه قال: استواءً قال: وقد قرئ بالجرّ وجعل اسمًا للمستويات: أي في أربعة أيّامٍ تامّةٍ وقال بعض نحويّي الكوفة: من خفض سواءً، جعلها من نعت الأيّام، وإن شئت من نعت الأربعة، ومن نصبها جعلها متّصلةً بالأقوات قال: وقد ترفع كأنّه ابتداءٌ، كأنّه قال: ذلك {سواءٌ للسّائلين} يقول: لمن أراد علمه.
والصّواب من القول في ذلك أن يكون نصبه إذا نصب حالاً من الأقوات، إذ كانت (سواءٌ) قد شبهت بالأسماء النّكرة، فقيل: مررت بقومٍ سواءً، فصارت تتبع النّكرات، وإذا تبعت النّكرات انقطعت من المعارف فنصبت، فقيل: مررت بإخوتك سواءً، وقد يجوز أن يكون إذا لم يدخلها تثنيةٌ ولا جمعٌ أن تشبّه بالمصادر وأمّا إذا رفعت، فإنّما ترفع ابتداءً بضمير ذلك ونحوه، وإذا جرّت فعلى الاتّباع للأيّام أو للأربعة). [جامع البيان: 20/384-390]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وقدر فيها أقواتها يعني أرزاقها يعني المطر). [تفسير مجاهد: 569]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 9 - 12.
أخرج ابن جرير والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن اليهود أتت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال وما فيهن من منافع يوم الثلاثاء وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة فقال تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين} وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقين منه، فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال حين يموت من مات، وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء من منتفع به، وفي الثالثة خلق آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد قال: ثم استوى على العرش قالوا: لقد أصبت لو أتممت، ثم قالوا: استراح، فغضب النّبيّ صلى الله عليه وسلم غضبا شديدا، فنزل (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون) (ق 38) ). [الدر المنثور: 13/88-89] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وقدر فيها أقواتها} قال: شق الأنهار وغرس الأشجار ووضع الجبال وأجرى البحار وجعل في هذه ما ليس في هذه وفي هذه ما ليس في هذه). [الدر المنثور: 13/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {وقدر فيها أقواتها} قال: قدر في كل أرض شيئا لا يصلح في غيرها). [الدر المنثور: 13/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة في قوله {وقدر فيها أقواتها} قال: لا يصلح السابري إلا بسابور ولا ثياب اليمن إلا باليمن). [الدر المنثور: 13/90]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن الحسن {وقدر فيها أقواتها} قال: أرزاقها). [الدر المنثور: 13/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله {سواء للسائلين} قال: من سأل فهو كما قال الله). [الدر المنثور: 13/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: خلق الله السموات من دخان ثم ابتدأ خلق الأرض يوم الأحد ويوم الإثنين فذلك قول الله تعالى {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين} ثم {وقدر فيها أقواتها} في يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء فذلك قوله {وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان} فسمكها وزينها بالنجوم والشمس والقمر وأجراهما في فلكهما وخلق فيها ما شاء من خلقه وملائكته يوم الخميس ويوم الجمعة وخلق الجنة يوم الجمعة وخلق اليهود يوم السبت لأنه يسبت فيه كل شيء وعظمت النصارى يوم الأحد لأنه ابتدى ء فيه خلق كل شيء وعظم المسلمون يوم الجمعة لأن الله فرغ فيه من خلقه وخلق في الجنة رحمته وجمع فيه آدم عليه السلام وفيه هبط من الجنة وفيه قبلت توبته وهو أعظمها). [الدر المنثور: 13/91-92] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: إن الله تعالى خلق يوما فسماه الأحد ثم خلق ثانيا فسماه الإثنين ثم خلق ثالثا فسماه الثلاثاء ثم خلق رابعا فسماه الأربعاء وخلق خامسا فسماه الخميس فخلق الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء ولذلك يقول الناس أنه يوم ثقيل كذلك وخلق مواضع الأنهار والشجر والقرى يوم الأربعاء وخلق الطير والوحش والسباع والهوام والآفة يوم الخميس وخلق الإنسان يوم الجمعة وفرغ من الخلق يوم السبت). [الدر المنثور: 13/92] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: إن الله تعالى ابتدأ الخلق وخلق الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الأقوات والرواسي يوم الثلاثاء والأربعاء وخلق السموات يوم الخميس والجمعة إلى صلاة العصر وخلق آدم عليه السلام في تلك الساعة التي لا يوافقها عبد يدعو ربه إلا استجاب له فهو ما بين صلاة العصر إلى أن تغيب الشمس). [الدر المنثور: 13/93] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله عنه أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يوم الأحد قال: خلق الله فيه الأرض قالوا: فيوم الأربعاء قال: الأقوات قالوا: فيوم الخميس قال: فيه خلق الله السموات قالوا: فيوم الجمعة قال: خلق في ساعتين الملائكة وفي ساعتين الجنة والنار وفي ساعتين الشمس والقمر والكواكب وفي ساعتين الليل والنهار قالوا: ألست تذكر الراحة فقال سبحان الله، فأنزل الله (ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) (ق 38) ). [الدر المنثور: 13/93-94] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى فرغ من خلقه في ستة أيام، أولهن يوم الأحد والأثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة خلق يوم الأحد السموات وخلق يوم الإثنين الشمس والقمر وخلق يوم الثلاثاء دواب البحر ودواب الأرض وفجر الأنهار وقوت الأقوات وخلق الأشجار يوم الأربعاء وخلق يوم الخميس الجنة والنار وخلق آدم عليه السلام يوم الجمعة ثم أقبل على الأمر يوم السبت). [الدر المنثور: 13/94-95] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن أبي بكر رضي الله عنه قال: جاء اليهود إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله من الخلق في هذه الأيام الستة فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء وخلق السموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات يعني من يوم الجمعة وخلق في أول ساعة الآجال وفي الثانية الآفة وفي الثالثة آدم قالوا: صدقت إن تممت فعرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم ما يريدون فغضب فأنزل الله (وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون) ). [الدر المنثور: 13/95] (م)

تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن عيينة عن أبي سعيد عن عكرمة مولى ابن عباس قال سئل رسول الله في كم خلقت السماوات والأرض فقال خلق الله أول الأيام يوم الأحد وخلقت الأرض في يوم الأحد ويوم الأثنين وخلقت الجبال وشقت الأنهار وغرس في الأرض الثمار وقدر في كل أرض قوتها يوم الثلاثاء ويوم الأربعاء {ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11) فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها} في يوم الخميس ويوم الجمعة ويوم وكان آخر الخلق آدم خلق في آخر ساعات يوم الجمعة فلما كان يوم السبت لم يكن له فيه خلق فقالت اليهود فيه ما قالت فأنزل الله تكذيبهم {ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما} إلى آخر الآية). [تفسير عبد الرزاق: 2/210-211]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال طاوسٌ: عن ابن عبّاسٍ، {ائتيا طوعًا أو كرهًا} [فصلت: 11] : أعطيا، {قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11] : أعطينا). [صحيح البخاري: 6/127]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال طاوس عن ابن عبّاسٍ ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين أعطينا وصله الطّبريّ وابن أبي حاتمٍ بإسنادٍ على شرط البخاريّ في الصّحّة ولفظ الطّبريّ في قوله ائتيا قال أعطيا وفي قوله قالتا أتينا قالتا أعطينا وقال عياضٌ ليس أتى هنا بمعنى أعطى وإنّما هو من الإتيان وهو المجيء بمعنى الانفعال للوجود بدليل الآية نفسها وبهذا فسّره المفسّرون أنّ معناه جيئا بما خلقت فيكما وأظهراه قالتا أجبنا وروى ذلك عن ابن عبّاسٍ قال وقد روي عن سعيد بن جبيرٍ نحو ما ذكره المصنّف ولكنّه يخرج على تقريب المعنى أنّهما لمّا أمرتا بإخراج ما فيهما من شمسٍ وقمرٍ ونهرٍ ونباتٍ وغير ذلك وأجابتا إلى ذلك كان كالإعطاء فعبّر بالإعطاء عن المجيء بما أودعتاه قلت فإذا كان موجّهًا وثبتت به الرّواية فأيّ معنى لإنكاره عن ابن عبّاس وكأنّه لما رأى عن ابن عبّاسٍ أنّه فسّره بمعنى المجيء نفى أن يثبت عنه أنّه فسّره بالمعنى الآخر وهذا عجيبٌ فما المانع أن يكون له في الشّيء قولان بل أكثر وقد روى الطّبريّ من طريق مجاهد عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال قال اللّه عزّ وجلّ للسّماوات أطلعي الشّمس والقمر والنّجوم وقال للأرض شقّقي أنهارك وأخرجي ثمارك قالتا أتينا طائعين وقال بن التّين لعلّ ابن عبّاسٍ قرأها آتينا بالمدّ ففسّرها على ذلك قلت وقد صرّح أهل العلم بالقراءات أنّها قراءته وبها قرأ صاحباه مجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ وقال السّهيليّ في أماليه قيل إنّ البخاريّ وقع له في أيٍّ من القرآن وهمٌ فإن كان هذا منها وإلّا فهي قراءةٌ بلغته وجهه أعطيا الطّاعة كما يقال فلانٌ يعطي الطّاعة لفلانٍ قال وقد قرئ ثمّ سئلوا الفتنة لآتوها بالمدّ والقصر والفتنة ضدّ الطّاعة وإذا جاز في إحداهما جاز في الأخرى انتهى وجوّز بعض المفسّرين أنّ آتينا بالمدّ بمعنى الموافقة وبه جزم الزّمخشريّ فعلى هذا يكون المحذوف مفعولًا واحدًا والتّقدير لتوافق كلٌّ منكما الأخرى قالتا توافقنا وعلى الأوّل يكون قد حذف مفعولان والتّقدير أعطيا من أمركما الطّاعة من أنفسكما قالتا أعطيناه الطّاعة وهو أرجح لثبوته صريحًا عن ترجمان القرآن قوله قالتا قال ابن عطيّة أراد الفرقتين المذكورتين جعل السّماوات سماءً والأرضين أرضًا ثمّ ذكر لذلك شاهدًا وهي غفلةٌ منه فإنّه لم يتقدّم قبل ذلك إلّا لفظ سماءٍ مفردٍ ولفظ أرضٍ مفردٍ نعم قوله طائعين عبّر بالجمع بالنّظر إلى تعدّد كلٍّ منهما وعبّر بلفظ جمع المذكّر من العقلاء لكونهم عوملوا معاملة العقلاء في الإخبار عنهم وهو مثل رأيتهم لي ساجدين). [فتح الباري: 8/556-557]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال طاوس عن ابن عبّاس طوعًا أو كرها أعطيا قالتا أتينا طائعين قال أعطينا
قال ابن أبي حاتم ثنا علّي بن المبارك كتابة ثنا زيد بن المبارك ثنا محمّد ابن ثور عن ابن جريج عن سليمان الأحول عن طاوس بهذا). [تغليق التعليق: 4/300]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: وقال طاووسٌ عن ابن عبّاسٍ {ائتيا طوعاً أو كرها} (فصلت: 11)
ليس في كثير من النّسخ لفظ: باب، أي: قال طاووس عن عبد الله بن عبّاس في قوله تعالى: {ائتيا طوعًا أو كرها} وفسّر: ائتيا. بقوله: (اعطيا) ، هو صيغة أمر للتثنية من الإعطاء، وفسّر: أتينا من الإتيان بقوله: (أعطينا) ، وهو الفعل الماضي للمتكلم مع الغير وروى هذا التّعليق أبو محمّد الحنظلي عن عليّ بن المدرك كتابة، قال: أخبرنا زيد بن المبارك أخبرنا ابن ثور عن ابن جريج عن سليمان الأحول عن طاووس عن ابن عبّاس: وقال ابن التّين: ليس (أتينا) بمعنى (أعطينا) في كلامهم إلاّ أن يكون ابن عبّاس قرأ بالمدّ، لأن أتى مقصورا معناه: جاء، وممدوداً رباعياً معناه: أعطى، ونقل عن سعيد بن جبير أنه قرأها آتيا، بالمدّ على معنى أعطيا الطّاعة، وأن ابن عبّاس قرأ: آتينا بالمدّ أيضا على المعنى المذكور، وقال عياض: ليس، أتى: ههنا بمعنى: أعطى، وإنّما هو من الإتيان وهو المجيء، وبهذا فسره المفسّرون قلت: في (تفسير الثّعلبيّ) (طوعًا وكرها) أي: جيئا بما خلقت فيكما من المنافع وأخرجاها وأظهر الخلقي، وعن ابن عبّاس، قال الله عز وجل للسّموات: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك، وقال السّهيلي في: (أماليه) : قيل: إن البخاريّ وقع له في: أتى، من القرآن وهم: فإن كان هذا وإلاّ فهي قراءة بلغته ووجهه أعطيا الطّاعة كما يقال فلان يعطى الطّاعة وقال وقد قرى ثمّ سئلوا الفتنة لآتوها بالمدّ والقصر والفتنة ضد الطّاعة، وإذا جاز في إحداهما جاز في الأخرى. انتهى، وجوز بعض المفسّرين أن: آتيا، بالمدّ بمعنى الموافقة، وبه جزم صاحب (الكشّاف) ، فعلى هذا يكون المحذوف مفعولا واحدًا، والتّقدير: ليوافق كل منكما الأخرى. قالتا: فوافقنا، وعلى الأول يكون المحذوف مفعولين، والتّقدير: أعطيا من أمركما الطّاعة من أنفسكما، قالتا: أعطيناه الطّاعة، وإنّما جمع: طائعين، بالياء والنّون، وإن كان هذا الجمع مختصًّا بمن يعقل، لأن معناه آتينا بمن فيهما، أو لأنّه لما أخبر عنه بفعل من يعقل جاء فيهنّ بالياء والنّون، كما في قوله: {رأيتهم لي ساجدين} (يوسف: 4) . وأجاز الكسائي أن يجمع بالياء والنّون والواو والنّون، وفيه بعد). [عمدة القاري: 19/149-150]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال طاوس) فيما وصله الطبري وابن أبي حاتم بإسناد على شرط المؤلّف (عن ابن عباس {ائتيا طوعًا}) زاد أبو ذر والأصيلي {أو كرهًا} أي (أعطيا) بكسر الطاء ({قالتا أتينا طائعين}) [فصلت: 11] أي (أعطينا) استشكل هذا التفسير لأن ائتيا وأتينا بالقصر من المجيء فكيف يفسر بالإعطاء وإنما يفسر به نحو قولك آتيت زيدًا مالًا بمد همزة القطع وهمزة ائتيا همزة وصل.
وأجيب: بأن ابن عباس ومجاهدًا وابن جبير قرؤوا آتيا قالتا آتينا بالمد فيهما وفيه وجهان. أحدهما: أنه من المؤاتاة وهي الموافقة أي لتوافق كلٍّ منهما الأخرى لما يليق بها وإليه ذهب الرازي والزمخشري فوزن آتيا فاعلًا كقاتلا وآتينا فاعلنا كقاتلنا، والثاني: أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء فوزن آتيا افعلا كأكرما ووزن آتينا أفعلنا ككرمنا، فعلى الأوّل يكون قد حذف مفعولًا، وعلى الثاني مفعولين إذ التقدير أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما: قالتا أتينا الطاعة وفي مجيء طائعين مجيء جمع المذكرين العقلاء وجهان. أحدهما: أن المراد بآتينا من فيهما من العقلاء وغيرهم فلذا غلب العقلاء على غيرهم. الثاني: أنه لما عاملهما معاملة العقلاء في الإخبار عنهما والأمر لهما جمعهما كجمعهم كقوله رأيتهم لي ساجدين وهل هذه المحاورة حقيقة أو مجاز وإذا كانت مجازًا فهل هو تمثيل أو تخييل خلاف). [إرشاد الساري: 7/325-326]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (أعطيا) استشكل تفسير ائتيا وأتينا بالقصر بالإعطاء مع أن معناهما المجيء، وإنما يفسرا به إذا كانا بالمدّ، وأجيب بأن ابن عباس قرأ ذلك بالمدّ والمعنى أعطيا الطاعة قالتا أعطيناها كما يقال: فلان يعطي الطاعة لفلان). [حاشية السندي على البخاري: 3/67]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل: {ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين}). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 59]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ثمّ استوى إلى السّماء}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، عن مالكٍ، عن هلال بن أسامة، عن عطاء بن يسارٍ، عن عمر بن الحكم، قال: أتيت رسول الله، فقلت: يا رسول الله، إنّ جاريةً لي كانت ترعى غنمًا لي، فجئتها وفقدت شاةً من الغنم، فسألتها، فقالت: أكلها الذّئب، فأسفت عليها، وكنت من بني آدم، فلطمت وجهها وعليّ رقبةٌ، أفأعتقها؟، فقال لها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أين الله؟»، قالت: في السّماء، قال: «فمن أنا؟»، قالت: أنت رسول الله، قال: «فأعتقها»
- أخبرنا سليمان بن داود، عن ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن جريجٍ، أنّ أبا الزّبير، أخبره، أنّ عليًّا الأسديّ أخبره، أنّ عبد الله بن عمر أعلمه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفرٍ كبّر ثلاثًا وقال: {سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون} [الزخرف: 14]، اللهمّ إنّا نسألك في سفرنا هذا البرّ والتّقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهمّ هوّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بعده، اللهمّ أنت الصّاحب في السّفر، والخليفة في الأهل، اللهمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السّفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في الأهل والمال "
- أخبرنا أبو صالحٍ المكّيّ، قال: حدّثنا فضيلٌ، عن الأعمش، عن مسعود بن مالكٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «نصرت بالصّبا، وأهلكت عادٌ بالدّبور»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/245-246]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله عزّ وجلّ: {ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين}.
يعني تعالى ذكره بقوله: {ثمّ استوى إلى السّماء} ثمّ ارتفع إلى السّماء. وقد بيّنّا ذلك فيما مضى قبل.
{وهي دخانٌ} قيل إنّ ذلك الدخان من تنفّس الماء حين تنفّس، وقد بيّنّا أقوال أهل العلم في ذلك فيما مضى قبل.
وقوله: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا} يقول جلّ ثناؤه: فقال اللّه للسّماء والأرض: جيئا بما خلقت فيكما، أمّا أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشّمس والقمر والنّجوم، وأمّا أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثّمار والنّبات، وتشقّقي عن الأنهار {قالتا أتينا طائعين} جئنا بما أحدثت فينا من خلقك، مستجيبين لأمرك لا نعصي أمرك.
- كما حدّثنا أبو هشامٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن سليمان بن موسى، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} قال: قال اللّه للسّموات: أطلعي شمسي وقمري، وأطلعي نجومي، وقال للأرض: شقّقي أنهارك وأخرجي ثمارك، فقالتا: أعطينا طائعين.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ابن جريجٍ، عن سليمان الأحول، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {ائتيا} أعطيا وفي قوله: {قالتا أتينا} قالتا: أعطينا.
وقيل: {قالتا أتينا طائعين}، ولم يقل طائعتين، والسّماء والأرض مؤنّثتان، لأنّ النّون والألف اللّتين هما كناية أسمائهما في قوله {أتينا} نظيره كناية أسماء المخبرين من الرّجال عن أنفسهم، فأجرى قوله {طائعين} على ما جرى به الخبر عن الرّجال كذلك.
وقد كان بعض أهل العربيّة يقول: ذهب به إلى السّموات والأرض ومن فيهنّ.
وقال آخرون منهم: قيل ذلك كذلك لأنّهما لمّا تكلّمتا أشبهتا الذّكور من بني آدم). [جامع البيان: 20/391-392]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها} قال: قال للسماء أخرجي شمسك أخرجي قمرك ونجومك وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي ثمارك {قالتا أتينا طائعين} ). [الدر المنثور: 13/95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {ائتيا} قال: أعطيا وفي قوله {آتينا} قال: أعطينا). [الدر المنثور: 13/95-96]

تفسير قوله تعالى: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ (12) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {في كلّ سماءٍ أمرها} [فصلت: 12] : «ممّا أمر به»). [صحيح البخاري: 6/128]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله في كلّ سماءٍ أمرها ممّا أمر به وصله الفريابيّ بلفظ ممّا أمر به وأراده أي من خلق الرّجوم والنّيّرات وغير ذلك). [فتح الباري: 8/559]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد ممنون محسوب أقواتها أرزاقها في كل سماء أمرها ممّا أمر به نحسات مشائيم وقيضنا لهم قرناء قرناهم بهم تتنزل عليهم الملائكة عند الموت اهتزت بالنبات وربت ارتفعت من أكمامها حين تطلع ليقولن هذا لي أي بعملي أنا محقوق بهذا
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 8 فصلت {أجر غير ممنون} قال غير محسوب
وفي قوله 10 فصلت {وقدر فيها أقواتها} قال من المطر
وبه في قوله 12 فصلت {وأوحى في كل سماء أمرها} قال ما أمر به أو أراده). [تغليق التعليق: 4/302] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (في كلّ سماء أمرها ممّا أمر به
أشار به إلى قوله تعالى: {وأوحى في كل سماء أمرها} (فصلت: 12) وفسره بقوله: (ممّا أمر به) وهو أيضا عن مجاهد. وفي لفظ: ممّا أمر به، وأراده، وأراده أي: من خلق النيران والنجوم والرجوم وغير ذلك. وعن قتادة والسّديّ: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها، وخلق في كل سماء من الملائكة والخلق الّذي فيها من البحار وجبال البر دومًا لا يعلم). [عمدة القاري: 19/152]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (في كل سماء أمرها) قال مجاهد (مما أمر به) بفتح الهمزة والميم ولأبي ذر أمر بضم الهمزة وكسر الميم، وعن ابن عباس فيما رواه عنه عطاء خلق في كل سماء خلقها من الملائكة وما فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلمه إلا الله قال السدي فيما حكاه عنه في اللباب، ولله في كل سماء بيت يحج إليه وتطوف به الملائكة كل واحد منها مقابل الكعبة بحيث لو وقعت منه حصاة لوقعت على الكعبة). [إرشاد الساري: 7/327]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقضاهنّ سبع سماواتٍ في يومين وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم}.
يقول تعالى ذكره: ففرغ من خلقهنّ سبع سمواتٍ في يومينٍ، وذلك يوم الخميس ويوم الجمعة.
- كما حدّثني موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: استوى إلى السّماء وهي دخانٌ من تنفّس الماء حين تنفّس، فجعلها سماءً واحدةً، ثمّ فتقها، فجعلها سبع سمواتٍ في يومينٍ، في الخميس والجمعة وإنّما سمّي يوم الجمعة لأنّه جمع فيه خلق السّموات والأرض.
وقوله: {وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها} يقول: وألقى في كلّ سماءٍ من السّموات السّبع ما أراد من الخلق.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها} قال: ما أمر اللّه به وأراده.
- حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ {وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها} قال: خلق في كلّ سماءٍ خلقها من الملائكة والخلق الّذي فيها من البحار وجبال البرد، وما لا يعلم.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها} خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها.
وقوله: {وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظًا} يقول تعالى ذكره: وزيّنّا السّماء الدّنيا إليكم أيّها النّاس بالكواكب وهي المصابيح.
- كما حدّثنا موسى، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح} قال: ثمّ زيّن السّماء الدّنيا بالكواكب، فجعلها زينةً {وحفظًا} من الشّياطين.
واختلف أهل العربيّة في وجه نصبه قوله: {وحفظًا} فقال بعض نحويّي البصرة: نصب بمعنى: وحفظناها حفظًا، كأنّه قال: ونحفظها حفظًا، لأنّه حين قال: زيّنّاها بمصابيح قد أخبر أنّه قد نظر في أمرها وتعهّدها، فهذا يدلّ على الحفظ، كأنّه قال: وحفظناها حفظًا وكان بعض نحويّي الكوفة يقول: نصب ذلك على معنى: وحفظًا زيّنّاها، لأنّ الواو لو سقطت لكان إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا حفظًا؛ وهذا القول الثّاني أقرب عندنا للصّحّة من الأوّل.
وقد بيّنّا العلّة في نظير ذلك في غير موضعٍ من هذا الكتاب، فأغنى ذلك عن إعادته.
وقوله: {ذلك تقدير العزيز العليم} يقول تعالى ذكره: هذا الّذي وصفت لكم من خلقي السّماء والأرض وما فيهما، وتزييني السّماء الدّنيا بزينةٍ الكواكب، على ما بيّنت تقدير العزيز في نقمته من أعدائه، العليم بسرائر عباده وعلانيّتهم، وتدبيرهم على ما فيه صلاحهم). [جامع البيان: 20/392-394]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وأوحى في كل سماء أمرها يقول مما أمر به وأراد). [تفسير مجاهد: 569-570]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {وأوحى في كل سماء أمرها} قال: ما أمر به وأراده من خلق النيرات وغير ذلك). [الدر المنثور: 13/96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {وأوحى في كل سماء أمرها} قال: خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها). [الدر المنثور: 13/96]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:45 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي



تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل أإنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربّ العالمين}
وأما قوله: {خلق الأرض في يومين} , ثم قال: {أربعة أيّامٍ} , فإنما يعني: أن هذا مع الأول أربعة أيام , كما تقول "تزوّجت أمس امرأةً، واليوم اثنتين", وإحداهما التي تزوجتها أمس.
قال: {ووصّينا الإنسان بوالديه} , يقول: "بخيرٍ"). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك ربّ العالمين (9)}
لو أراد جل وعلا أن يخلقها في لحظة لفعل , ولكان ذلك سائغا في قدرته، ولكنه أحب أن يبصر الخلق وجوه الأناة , والقدرة على خلق السّماوات والأرض في أيام كثيرة , وفي لحظة واحدة , لأن المخلوقين كلهم , والملائكة المقربين لو اجتمعوا على أن يخلقوا مثقال ذرّة منها ما خلقوا.
وجاء في التفسير : أن ابتداء خلق الأرض كان في يوم الأحد , واستقام خلقها في يوم الاثنين.).[معاني القرآن: 4/380]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين}
روى سفيان , عن أبي سعيد , عن عكرمة, عن ابن عباس , وابن أبي ذيب , عن سعيد بن أبي سعيد, عن أبيه , عن عبد الله بن سلام قالا, وهذا معنى قولهما : ابتدأ الله جل وعز بخلق الأرضين يوم الأحد , فخلق سبع أرضين في يوم الأحد ويوم الاثنين , ثم جعل فيها رواسي من فوقها , وبارك فيها , وقدر فيها أقواتها ؛ أرسى الجبال , وشق الأنهار , وغرس الأشجار , وجعل المنافع في يومين يوم الثلاثاء , ويوم الأربعاء , ثم استوى إلى السماء , فخلقها سبع سموات في يوم الخميس , ويوم الجمعة .
قال ابن عباس: (ولذلك سميت يوم الجمعة ؛ لأنه اجتمع فيها الخلق).
قال عبد الله بن سلام: (قضاهن سبع سموات في آخر ساعة من يوم الجمعة , ثم خلق فيها آدم على عجل , وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة) .
قال أبو جعفر : معنى : {وبارك فيها }: على قولهما: شق أنهارها , وغرس أشجارها.
وقيل : معنى :{بارك فيها}: أكثر فيها من الأوقات
وقيل معناه كما يقال: باركت عليه , أي قلت : بورك فيك.). [معاني القرآن: 6/244-246]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وقدّر فيها أقواتها...}.
وفي قراءة عبد الله: وقسم فيها أقواتها، جعل في هذه ما ليس في هذه ليتعايشوا , ويتجروا.
وقوله: {سواء لّلسّائلين...}
نصبها عاصم وحمزة، وخفضها الحسن، فجعلها من نعت الأيام، وإن شئت من نعت الأربعة، ومن نصبها جعلها متصلة بالأقوات، وقد ترفع كأنه ابتداء، كأنه قال: ذلك سواء للسائلين، يقول : لمن أراد علمه). [معاني القرآن: 3/12-13]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (قوله: { وقدّر فيها أقواتها }: واحدها قوت , وهي الأرزاق , وما احتيج إليه.
{ في أربعةٍ أيّامٍ سواءً للسّائلين}: مجاز نصبها مجاز المصدر). [مجاز القرآن: 2/196]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قل أإنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك ربّ العالمين}
وأما قوله: {خلق الأرض في يومين} , ثم قال: {أربعة أيّامٍ} : فإنما يعني: أن هذا مع الأول : أربعة أيام , كما تقول : "تزوّجت أمس امرأةً، واليوم اثنتين", وإحداهما التي تزوجتها أمس.
قال: {ووصّينا الإنسان بوالديه} : يقول: "بخيرٍ"). [معاني القرآن: 4/6] (م)
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواء لّلسّائلين}
وأمّا من نصب {سواء لّلسّائلين} فجعله مصدرا , كأنه قال "استواءً" , وقد قرئ بالجرّ , وجعل اسما للمستويات , أي: في أربعة أيّامٍ تامّةٍ). [معاني القرآن: 4/6]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أقواتها}: واحدها قوت). [غريب القرآن وتفسيره: 328]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وقدّر فيها أقواتها}: جمع قوت، وهو: ما أوتيه ابن آدم لأكله ومصلحته {سواءً للسّائلين}, قال قتادة: من سأل فهو كما قال اللّه.). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام سواء للسّائلين (10)}
{وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها}: في الثلاثاء , والأربعاء , فصارت الجملة أربعة أيّام، فذلك قوله: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّام} : أي: في تتمة أربعة أيّام.
{سواء للسّائلين} : وسواء، ويجوز الرفع. فمن خفض جعله صفة للأيّام.
المعنى : في أربعة أيام مستويات، ومن - نصب فعلى المصدر، على معنى استوت , سواء، واستواء.
ومن رفع : فعلى معنى : هي سواء.
ومعنى {للسّائلين}, معلق بقوله: {وقدّر فيها أقواتها} : لكل محتاج إلى القوت.
وإنما قيل : {للسّائلين}: لأن كلّا يطلب القوت , ويسأله.
ويجوز أن يكون للسائلين لمن سأل في كم خلقت السماوات والأرضون؛ فقيل: خلقت الأرض في أربعة أيام سواء , لا زيادة فيها , ولا نقصان , جوابا لمن سأل). [معاني القرآن: 4/380-381]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال عكرمة في قوله تعالى: {وقدر فيها أوقاتها}
جعل اليماني باليمن , والسابري بسابور
قال أبو جعفر : فالمعنى على هذا جعل فيها ما يتعايش به , ويتجر فيه.
وقيل: أقواتها ما يتقوت , ويؤكل.
وقول ابن عباس , وابن سلام , يحتمل المعنيين , والله أعلم.
ثم قال جل وعز: {في أربعة أيام سواء للسائلين}
المعنى: في تتمة أربعة أيام , سواء : أي: استوت , استواء.
وقال الفراء : هو متعلق بقوله: {وقدر فيها أقواتها} سواء
وقرأ الحسن سواء بالخفض , أي: في أربعة أيام مستوية تامة .
وبالإسناد الأول عن ابن عباس في قوله تعالى: {للسائلين} , قال : (من سألك, فقال لك: في كم خلق الله السموات والأرض ؟., فقل له : في هذا).
قال أبو جعفر : فالمعنى على هذا القول جوابا للسائلين .
وفيه قول آخر : وهو أن المعنى : وقدر فيها أقواتها للسائلين , أي: للمحتاجين , أي لمن سأل ؛ لأن الناس يسألون أقواتهم , وهذا مذهب ابن زيد , قال: قدر ذلك , أي: قدر مسائلهم علم ذلك). [معاني القرآن: 6/246-248]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَقْوَاتَهَا}: جمع قوت.). [العمدة في غريب القرآن: 264]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {قالتا أتينا...}.
جعل السماوات والأرضين كالثّنتين ,كقوله: {وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما} , ولم يقل: وما بينهن، ولو كان كان صوابا.
وقوله: {أتينا طائعين...}.
ولم يقل: طائعتين، ولا طائعياتٍ., ذهب به إلى السماوات ومن فيهن، وقد يجوز: أن تقول، وإن كانتا اثنتين: أتينا طائعين، فيكونان كالرجال لمّا تكلمتا). [معاني القرآن: 3/13]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ قالتا أتينا طائعين }: هذا مجاز الموات , والحيوان الذي يشبه تقدير فعله بفعل الآدميين). [مجاز القرآن: 2/196]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ثمّ استوى إلى السّماء}:أي: عمد لها.). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11)}
معنى استوى : عمد إلى السماء , وقصد.
{قالتا أتينا طائعين} : على الحال منصوب، وإنما قيل طائعين دون طائعات، لأنّهنّ جرين مجرى ما يعقل ويميز، كما قيل في النجوم: {وكل في فلك يسبحون}
وقد قيل :{قالتا أتينا} : أي، نحن , ومن فينا طائعين.
ومعنى {طوعا أو كرها} على معنى : أطيعا لما أمرت طوعا، , بمنزلة أطيعا الطاعة , أو تكرها إكراها). [معاني القرآن: 4/381]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ثم استوى إلى السماء}
دل على أن خلق السماء بعد خلق الأرض , وقد قال : في موضع آخر , والأرض بعد ذلك دحاها .
ففي هذا أجوبة.
روى هارون بن عنترة , عن أبيه , عن ابن عباس قال: (خلق الله الأرض أول , ثم خلق السماء , ثم دحا الأرض , والماء بعد ذلك) قال: (دحا , أي: بسط) .
وقيل المعنى : ثم أخبركم بهذا , كما قال جل وعز: {ثم كان من الذين آمنوا} , وهو في القرآن كثير.
وقيل: ثم ههنا بمعنى الواو , وهذا لا يصح , ولا يجوز , والجوابان حسنان جيدان.
وقوله جل وعز: {فقال لها وللأرض ائتنا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين}
في هذا أجوبة:
- منهما أن الله جل وعز جعل فيهما ما يميزان , ويجيبان عما قيل لهما .
- وقال محمد بن يزيد هذا إخبار عن الهيئة , أي: صارتا في هيئة من قال : أي هو كما قال : امتلأ الحوض , وقال: قطني , أي: حسبي , أي: صار في هيئة من يقول
وقيل : أخبرنا الله عز وجل بما نعرف من سرعة الإجابة , وقد علمنا أنه ليس شيء أسرع من أن يقال للإنسان افعل , فيقول: قد فعلت.
فاخبر الله جل وعز عن إجابة السموات والأرض إلى أمره جل وعز
فأما قوله تعالى: {طائعين} , ولم يقل طائعات , فقال فيه الفراء معناه : أتينا بمن فينا طائعين.
قال أبو جعفر : الأحسن في هذا , وهو مذهب جله النحويين : أنه جل وعز لما أخبر عنها بأفعال ما يعقل , جاء فيها بما يكون لمن يعقل كما في قوله تعالى: {والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} , فأما الكسائي فأجاز في كل شيء أن يجمع بالواو , والنون , والياء , والنون , لا يعرج عليه). [معاني القرآن: 6/248-251]

تفسير قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ (12)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فقضاهنّ...}.
يقول: خلقهن، وأحكمهن, وقوله: {وأوحى في كلّ سماء أمرها...}.
يقول: جعل في كل سماء ملائكة , فذلك أمرها). [معاني القرآن: 3/13]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظاً }: مجاز نصبها كنصب المصادر). [مجاز القرآن: 2/196]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فقضاهنّ سبع سماواتٍ في يومين وأوحى في كلّ سماء أمرها وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم}
وقال: {وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظاً} , كأنه قال "وحفظناها حفظاً" ؛ لأنه حين قال: "زينّاها بمصابيح" , قد أخبر أنه نظر في أمرها , وتعاهدها , فذا يدل على الحفظ , كأنه قال: "وحفظناهاً حفظاً"). [معاني القرآن: 4/6-7]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فقضاهنّ سبع سماواتٍ}، أي صنعهن وأحكمهن. قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما داود= أو صنع السوابغ تبع
أي: صنعهما داود , وتبع.
{وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها} : أي : جعل في كل سماء ملائكة.). [تفسير غريب القرآن: 388]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقوله: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ}، أي صنعهن). [تأويل مشكل القرآن: 441]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( ({فقضاهنّ سبع سماوات في يومين وأوحى في كلّ سماء أمرها وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم (12)}
{فقضاهن}: فخلقهنّ , وصنعهنّ.
قال أبو ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السّوابغ تبّع
معناه : عملهما , وصنعهما.
{وأوحى في كل سماء أمرها} : قيل : ما يصلحها، وقيل : ملائكتها.
{وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظا} : معناه : وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حفظا , فقال: {قل أئنّكم لتكفرون} بمن هذه قدرته , {وتجعلون له أندادا}:أي: أصناما تنحتونها بأيديكم.
{ذلك تقدير العزيز العليم} : أي , الذي هذه صفته , وله هذه القدرة ربّ العالمين). [معاني القرآن: 4/382]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فقضاهن سبع سموات في يومين} : فقضاهن , أي: أحكمهن , كما قال الشاعر:
وعليهما مسرودتان قضاهما = داود أو صنع السوابغ تبع
وقوله جل وعز: {وأوحى في كل سماء أمرها}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: ما أمر , وما أراده .
وروى سعيد , عن قتادة قال : خلق شمسها , وقمرها , ونجومها , وأفلاكها .
قال أبو جعفر : القولان متقاربان , وكأن المعنى -والله أعلم -: وأوحى في كل سماء إلى الملائكة بما أراد من أمرها.
ثم قال جل وعز: {وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا}
أي : وحفظناها حفظا من الشياطين بالكواكب
والمعنى : أئنكم لتكفرون بمن هذه قدرته , وتجعلون له أمثالا مما تنحتون بأيديكم.).[معاني القرآن: 6/251-253]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({قضاهن}: أي: فخلقهن.).[ياقوتة الصراط: 453]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م, 12:50 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]




تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) }


قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العبَّاس في قوله عز وجل: {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا} قال: أمثالاً. وهذا نده، أي مثله، وكذلك النديد أيضًا.
وأنشد:


لكيلا يكون السندري نديدتي وأجعل أقوامًا عمومًا عماعما).

[مجالس ثعلب: 567]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وزعم يونس أن قوما يقولون هذه عشرون أضعافها وهذه عشرون أضعاف أي مضاعفة. والنصب أكثر.
ومثل ذلك هذا درهم سواء. كأنه قال هذا درهم استواء. فهذا تمثيل وإن لم يتكلم به. قال عز وجل: {في أربعة أيام سواءً للسائلين}.
وقد قرأ ناس: (في أربعة أيام سواءٍ) قال الخليل: جعله بمنزلة مستويات.
وتقول: هذا درهم سواء كأنك قلت هذا درهم تام). [الكتاب: 2/119]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإذا أردت أن تجمع المذكر ألحقته اسماً من العدة فيه علامة التأنيث. وذلك نحو: ثلاثة أثواب، وأربعة رجال. فدخلت هذه الهاء على غير ما دخلت عليه في ضاربة وقائمة، ولكن كدخولها في علامة، ونسابة، ورجل ربعة، وغلام يفعة.
فإذا أوقعت العدة على مؤنث أوقعته بغير هاءٍ فقلت: ثلاث نسوة، وأربع جوار، وخمس بغلات. وكانت هذه الأسماء مؤنثة بالبنية، كتأنيث عقرب، وعناق، وشمس، وقدر.
وإن سميت رجلاً ب ثلاث التي تقع على عدة المؤنث لم تصرفه؛ لأنه اسم مؤنث بمنزلة عناق.
وإن سميته ب ثلاث من قولك: ثلاثة التي تقع على المذكر صرفته.
فكذلك يجري العدد في المؤنث والمذكر بين الثلاثة إلى العشرة في المذكر. وفيما بين الثلاث إلى العشر في المؤنث. قال الله عز وجل: {سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام} وقال: {في أربعة أيامٍ سواءً للسائلين} وقال: {على أن تأجرني ثماني حججٍ فإن أتممت عشراً فمن عندك}؛ لأن الواحدة حجة. وقال: {فصيام ثلاثة أيامٍ في الحج وسبعةٍ إذا رجعتم تلك عشرةٌ كاملةٌ}.
فإذا كان في الشيء ما يقع لأدنى العدد أضفت هذه الأسماء إليه فقلت: ثلاثة أغلمة، وأربعة أحمرةٍ، وثلاثة أفلسٍ، وخمسة أعدادٍ.
فإن قلت: ثلاثة حميرٍ، وخمسة كلابٍ جاز ذلك. على أنك أردت: ثلاثة من الكلاب، وخمسة من الحمير؛ كما قال الله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ}.
و قال الشاعر:


قد جعلت ميٌّ على الظرار خمس بنانٍ قانىء الأظفـار

يريد: خمساً من البنان). [المقتضب: 2/155-157] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قال الله عز وجل: {واسأل القرية التي كنا فيها} إنما هو: أهل القرية كما قال الشاعر:


ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنمـا هـي إقبـالٌ وإدبـار

أي: ذات إقبال وإدبار، ويكون على أنه جعلها الإقبال والإدبار لكثرة ذاك منها. وكذلك قوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. والوجه: ولكن البر بر من آمن بالله. ويجوز أن يوضع البر في موضع البار على ما ذكرت لك. فإذا قلت: ما أنت إلا شرب الإبل فالتقدير: ما أنت إلا تشرب شرب الإبل، والرفع في هذا أبعد؛ لأنه إذا قال: ما أنت إلا سيرٌ. فالمعنى: ما أنت إلا صاحب سيرٍ؛ لأن السير له. فإذا قال: ما أنت إلا شرب الإبل ففيه فعل؛ لأن الشرب ليس له. وإنما التقدير: إلا تشرب شرباً مثل شرب الإبل، فإذا أراد الضمير في الرفع كثر، فصار المعنى: ما أنت إلا صاحب شربٍ كشرب الإبل، فهذا ضعيفٌ خبيث. ومثل الأول قوله:


وكيف تواصل من أصبحت خلالتـه كأبـي مرحـب

يريد: كخلالة أبي مرحب. فهذا كقوله عز وجل: {ولكن البر من آمن بالله}. ومن ذلك قول الشاعر:


وقد خفت حتى ما تزيد مخافتي على وعلٍ في ذي الفقارة عاقل

واعلم أن المصادر لا تمتنع من إضمار أفعالها إذا ذكرت ما يدل عليها، أو كان بالحضرة ما يدل على ذلك. وقياسها قياس سائر الأسماء في رفعها ونصبها وخفضها، إلا أنها تبدل من أفعالها. ألا ترى قوله عز وجل: {في أربعةٍ أيامٍ سواءً للسائلين} وأن قوله {أربعة} قد دل على أنها قد تمت. فكأنه قال: استوت استواءً. ومثله: {الذي أحسن كل شيءٍ خلقه}؛ لأن فعله خلق فقوله: {أحسن}؛ أي خلق حسنا خلق، ثم أضافه. ومثل ذلك: {وعد الله}؛ لأنه لما قال: {ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله} علم أن ذلك وعدٌ منه، فصار بمنزلة: وعدهم وعداً، ثم أضافه. وكذلك: {كتاب الله عليكم}. لما قال: {حرمت عليكم أمهاتكم} أعلمهم أن ذلك مكتوب عليهم، فكأنه قال: كتب الله ذلك. ومن زعم أن قوله: {كتاب الله عليكم} نصب بقوله: عليكم كتاب الله، فليس يدري ما العربية؛ لأن السماء الموضوعة موضع الأفعال لا تتصرف تصرف الأفعال، فتنصب ما قبلها. فمن ذلك قوله:


ما إن يمس الأرض إلا منكبٌ منه وحرف الساق طي المحمل

وذلك أنه دل بهذا الوصف على انه منطوٍ فأراد: طوي طي المحمل. فهذه أوصاف تبدل من الفعل لدلالتها عليه). [المقتضب: 3/230-232] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (فإن قلت: هذا درهم ضرب الأمير لم يجز أن يكون نعتاً، لأن النكرة لا تنعت بالمعرفة ولكن بينت. كأنك جعلته جواباً. لما قلت: هذا ثوب، وهذا درهم قيل: ما هو? فقلت: ضرب الأمير على الابتداء والخبر.
وعلى هذا تقول: مررت برجل زيد. وقال: {بشر من ذلكم النار} وقرئت الآية على وجهين {في أربعة أيام سواءً للسائلين} على المصدر فكأنه قال: استواءً. وقرأ بعضهم (أربعة أيام سواءٍ) على معنى مستويات، وقال جل وعز: {قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً} فالمعنى والله أعلم غائراً، فوضع المصدر موضع الاسم. وقالت الخنساء:


ترتع ما عقلت حتى إذا ادكرت فإنمـا هـي إقبـال وإدبـار

فالمصدر في كل هذا في موضع الاسم. وقال لقيط بن زرارة:


شتان هذا، والعناق والنـوم والمشرب البارد، والظل الدوم

يريد: الدائم.
فأما قولهم: هو عربي محضاً، وهو صميم قلباً، وهو عربي حسبةً، وهو شريف جداً فإنها مصادر مؤكدة لما قبلها. والأجود: هو عربي محض، وعربي قلب؛ لأن هذه أسماء وإن كانت تكون على هذا اللفظ مصادر، لأن المصدر ينعت به، والاسم لا يكون إلا نعتاً من هذا الضرب، إلا أن تجعله حالاً للنكرة. وأما هو أعرابي قح فلا يكون إلا رفعاً؛ لأنه ليس بمصدر.
فإذا قلت: هو عربي حسبةً فمعناه: اكتفاءً. يقال: أعطاني فأحسبني، أي كفاني. قال الله عز وجل: {عطاءً حساباً}، أي كافياً). [المقتضب: 4/304-306] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: الآساس واحدها أس، وتقديرها فعل وأفعال وقد يقال للواحد: أساس، وجمعه أسس.
والبهلول: الضحاك.
وقوله:
بعد ميل من الزمان ويأس
يقال: فيك ميل علينا، وفي الحائط ميل، وكذلك كل منتصب.
وقوله: واقطعن كل رقلة، الرقلة: النخلة الطويلة، ويقال إذا وصف الرجل بالطول: كأنه رقلة.
والأواسي، ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز، ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر؛ لأن القافية تقتطعه، وكل مثقل فتخفيفه في القوافي جائز، كقوله:


أصحوت اليوم أم شاقتك هرو من الحب جنـون مستعـر

وواحدها أسية وهي أصل البناء بمنزلة الأساس.
وقوله: وغاظ سوائي تقول: ما عندي رجل سوى زيد، فتقصر إذا كسرت أوله، فإذا فتحت أوله على هذا المعنى مددت، قال الأعشى:


تجانف عن جو اليمامة، ناقتـي وما قصدت من أهلها لسوائكا

والسواء ممدود في كل موضع وإن اختلفت معانيه، فهذا واحد منه، والسواء: الوسط، ومنه قوله عز وجل: {فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ}, وقال:


يا ويح أنصار النبي ورهطه بعد المغيب في سواء الملحد

والسواء: العدل والاستواء، ومنه قوله عز وجل: {إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ}، ومن ذلك: عمرو وزيد سواء، والسواء: التمام، يقال: هذا درهم سواء، وأصله من الأول، وقوله عز وجل: {فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ}، معناه تمامًا.
ومن قرأ: (سَواءٍ) فإنما وضعه في موضع مستويات). [الكامل: 3/1368-1369] (م)

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ويروى عن بعض الحكماء أنه قال: هلاّ وقفت على المعاهد والجنان، فقلت: أيها الجنان، من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإنها إن لم تجبك حورًا أجابتك اعتبارًا! وأهل النظر يقولون في قول الله عزّ وجل: {قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11]، لم يكن كلامٌ، إنما فعل عزّ وجل ما أراد فوجد، قال الراجز:


قد خنق الحوض وقال قطني سلا رويدًا قد ملأت بطني

ولم يكن كلامٌ، إنما وجد ذلك فيه. وكذلك قوله:


فقال لي استقدم أمامـك إنمـا فكاكك أن تلقى الفرزدق بالمصر

أي: قد جرّب مثل هذا منك في المستجير بقبره). [الكامل: 2/615-616]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} قال: الفراء وأصحابنا يقولون؛ أقبل عليها. وآخرون يقولون: استولى). [مجالس ثعلب: 174]

تفسير قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ ذ (12) }


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 صفر 1440هـ/25-10-2018م, 12:41 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يوقفهم موبخا على كفرهم بخالق الأرض والسماوات ومخترعها، ووصف صورة الخلق ومده، والحكمة في خلقه هذه المخلوقات في مدة ممتدة مع قدرة الله على إيجادها في حين واحد، هي إظهار القدرة في ذلك حسب شرف الإيجاد أولا أولا، قال قوم: ليعلم عباده التأني في الأمور والمهل. وقد تقدم القول غير مرة في نظير قوله: {[أإنكم]}، واختلف رواة الحديث في اليوم الذي ابتدأ الله تعالى فيه خلق الأرض، فروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغيره أن أول يوم هو الأحد، وأن الله تعالى خلق فيه وفي الاثنين الأرض، ثم خلق الجبال ونحوها يوم الثلاثاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فمن هنا قيل: هو يوم ثقيل، ثم خلق الشجر والثمار والأنهار يوم الأربعاء، ومن هنا قيل: هو يوم راحة وتفكر في هذه التي خلقت فيه، ثم خلق السماوات وما فيها يوم الخميس ويوم الجمعة، وفي آخر ساعة من يوم الجمعة: خلق آدم عليه السلام، وقال السدي: وسمي يوم الجمعة لاجتماع المخلوقات فيه وتكاملها. فهذه رواية فيها أحاديث مشهورة، ولما لم يخلق تعالى في يوم السبت شيئا امتنع فيه بنو إسرائيل عن الشغل فيه، ووقع في كتاب مسلم أن أول يوم خلق الله فيه التربة يوم السبت، ثم رتب المخلوقات على ستة أيام، وجعل الجمعة عاريا من المخلوقات، إلا من آدم وحده. والظاهر من القصص في طينة آدم عليه السلام أن الجمعة التي خلق فيها آدم قد تقدمتها أيام وجمع كثيرة، وأن هذه الأيام التي خلق الله فيها هذه المخلوقات هي أول الأيام، لأن بإيجاد الأرض والسماء والشمس وجد اليوم، وقد يحتمل أن يجعل تعالى قوله: "يومين" على التقدير، وإن لم تكن الشمس خلقت بعد، وكأن تفصيل الوقت يعطي أنها الأحد ويوم الاثنين كما ذكر.
و"الأنداد": الأشباه والأمثال، وهذه إشارة إلى كل ما عبد من الملائكة والأصنام وغير ذلك، قال السدي: أكفاء من الرجال يطيعونهم). [المحرر الوجيز: 7/ 465]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الرواسي": هي الجبال الثوابت، رسا الجبل إذا ثبت، وقوله تعالى: {وبارك فيها} أي جعلها منبتة للطيبات والأطعمة، وجعلها طهورا، إلى غير ذلك من وجوه البركة، وفي قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: [وقسم فيها أقواتها]، وفي مصحف عثمان رضي الله عنه: "وقدر".
واختلف الناس في معنى قوله تعالى: {[أقواتها]}، فقال السدي: هي أقوات البشر وأرزاقهم، وأضافها إلى الأرض من حيث هي فيها وعنها، وقال قتادة: هي أقوات الأرض من الجبال والأنهار والأشجار والصخور والمعادن والأشياء، التي بها قوام الأرض ومصالحها، وروى ابن عباس رضي الله عنهما في هذا حديثا مرفوعا، فشبهها بالقوت الذي به قوام الحيوان، وقال مجاهد: أراد أقواتها من المطر والمياه، وقال عكرمة، والضحاك، ومجاهد أيضا: أراد تبارك وتعالى بقوله: "أقواتها": خصائصها التي قسمها في البلاد، فجعل في اليمن أشياء ليست في غيره، وكذلك في العراق والشام والأندلس وغيرها من الأقطار، ليحتاج بعضها إلى بعض، ويتقوت من هذه في هذه الملابس والمطعوم، وهذا نحو القول الأول، إلا أنه بوجه أعم منه.
وقوله تعالى: {في أربعة أيام} يريد تعالى: باليومين الأولين، وهذا كما تقول: بنيت جدار داري في يوم، وأكملت جميعها في يومين، أي بالأول.
وقرأ الحسن البصري، وأبو جعفر، وجمهور الناس: "[سواء]" بالنصب على الحال، أي: سواء هي وما انقضى فيها، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع: "سواء" بالرفع، أي هي سواء، وقرأ الحسن، وابن أبي إسحاق، وعيسى، وعمرو بن عبيد: "سواء" بالخفض على نعت "الأيام". واختلف المتأولون في معنى "للسائلين" فقال قتادة، والسدي: معناه: سواء لمن سأل عن الأمر واستفهم عن حقيقة وقوعه وأراد العبرة فيه، فإنه يجده كما قال عز وجل. وقال ابن زيد وجماعة: معناه: مستو مهيأ أمر هذه المخلوقات ونفعها للمحتاجين إليها من البشر، فعبر عنهم بالسائلين، بمعنى الطالبين; لأنهم من شأنهم ولا بد طلب ما ينتفعون به، فهم في حكم من سأل هذه الأشياء; إذ هم أهل حاجة إليها. ولفظة "سواء" تجري مجرى "عدل" و"زور" في أن ترد على المفرد والمذكر والمؤنث).[المحرر الوجيز: 7/ 465-466]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم}
استوى إلى السماء معناه: بقدرته واختراعه، أي: إلى خلق السماء وإيجادها، وقوله تعالى: {وهي دخان} روي أنها كانت جسما رخوا كالدخان أو البخار، وروي أنه مما أمره الله أن يصعد من الماء، وهنا لفظ متروك ويدل عليه الظاهر، وتقديره: فأوجدها وأتقنها وأكمل أمرها، وحينئذ قيل لها وللأرض: ائتيا طوعا أو كرها. وقرأ الجمهور: "ائتيا"، من أتى يأتي، قالتا أتينا طائعين على وزن فعلنا، وذلك بمعنى: ائتيا أوامري وإرادتي فيكما، وقرأ ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد: "آتيا"، من آتى يؤتى، قالتا أتينا طائعين على وزن أفعلنا، وذلك بمعنى أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما، والإشارة بهذا كله إلى تسخيرهما وما قدره الله من أعمالها.
وقوله تعالي: {أو كرها} فيه محذوف ومقتضب، والتقدير: ائتيا طوعا وإلا أتيتما كرها، وقوله تعالى: "قالتا" أراد الفرقتين المذكورتين، وجعل تعالى السماوات سماء والأرضين أرضا، ونحو هذا قول الشاعر:
ألم يحزنك أن حبال قومي ... وقومك قد تباينتا انقطاعا؟
جعلها فرقتين وعبر عنهما بتباينتا. وقوله: "طائعين"، لما كان ممن يقول - وهي حال يعقل - جرى الضمير في "طائعين" ذلك المجرى، وهذا كقوله تعالى: {رأيتهم لي ساجدين}.
واختلف الناس في هذه المقالة من السماء والأرض، فقالت فرقة: نطقتا حقيقة، وجعل الله تعالى لها حياة وإدراكا يقتضي نطقها، وقالت فرقة: هذا مجاز، وإنما المعنى أنهما ظهر منها من اختيار الطاعة والخضوع والتذلل ما هو بمنزلة قول: أتينا طائعين. والقول الأول أحسن; لأنه لا شيء يدفعه، ولأن العبرة به أتم، والقدرة فيه أظهر). [المحرر الوجيز: 7/ 467-468]

تفسير قوله تعالى: {فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فقضاهن} معناه: فأوجدهن، ومنه قول أبي ذؤيب:
وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع
وقوله تعالى: {وأوحى في كل سماء أمرها} قال مجاهد، وقتادة: أوحى إلى سكانها وعمرتها من الملائكة، وإليها هي في نفسها ما شاء الله تعالى من الأمور التي بها قوامها وصلاحها، قال السدي، وقتادة: من الأمور التي هي لغيرها مثل ما فيها من جبال البرد ونحوها، وأضاف الله تعالى الأمر إليها من حيث هو فيها.
ثم أخبر الله تعالى أن الكواكب زين بها السماء الدنيا، وذلك ظاهر اللفظ وهو بحسب ما يقتضيه حس البصر، وقوله تعالى: "وحفظا" منصوب بإضمار فعل، أي: وحفظناها حفظا. وقوله تعالى: "ذلك" إشارة إلى جميع ما ذكر، أي: أوجده بقدرته وعزته، وأحكمه بعلمه). [المحرر الوجيز: 7/ 468-469]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:37 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 16 صفر 1440هـ/26-10-2018م, 04:40 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك ربّ العالمين (9) وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين (10) ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين (11) فقضاهنّ سبع سمواتٍ في يومين وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم (12) }
هذا إنكارٌ من اللّه على المشركين الّذين عبدوا معه غيره، وهو الخالق لكلّ شيءٍ، القاهر لكلّ شيءٍ، المقدّر لكلّ شيءٍ، فقال: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا} أي: نظراء وأمثالًا تعبدونها معه {ذلك ربّ العالمين} أي: الخالق للأشياء هو ربّ العالمين كلّهم.
وهذا المكان فيه تفصيلٌ لقوله تعالى: {خلق السّموات والأرض في ستّة أيّامٍ} [الأعراف: 54]، ففصّل هاهنا ما يختصّ بالأرض ممّا اختصّ بالسّماء، فذكر أنّه خلق الأرض أوّلًا لأنّها كالأساس، والأصل أن يبدأ بالأساس، ثمّ بعده بالسّقف، كما قال: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ سبع سمواتٍ} الآية [البقرة: 29]،.
فأمّا قوله: {أأنتم أشدّ خلقًا أم السّماء بناها رفع سمكها فسوّاها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها والجبال أرساها متاعًا لكم ولأنعامكم} [النّازعات: 27-33] ففي هذه الآية أنّ دحى الأرض كان بعد خلق السّماء، فالدّحي هو مفسّرٌ بقوله: {أخرج منها ماءها ومرعاها}، وكان هذا بعد خلق السّماء، فأمّا خلق الأرض فقبل خلق السّماء بالنّصّ، وبهذا أجاب ابن عبّاسٍ فيما ذكره البخاريّ عند تفسير هذه الآية من صحيحه، فإنّه قال:
وقال المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ قال: قال رجلٌ لابن عبّاسٍ: إنّي أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ قال: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101]، {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون} [الصّافّات: 27]، {ولا يكتمون اللّه حديثًا} [النّساء: 42]، {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23]، فقد كتموا في هذه الآية؟ وقال: {أم السّماء بناها} إلى قوله: {دحاها} [النّازعات: 27 -30]، فذكر خلق السّماء قبل [خلق] الأرض ثمّ قال: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين} إلى قوله: {طائعين} فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السّماء؟ وقال: {وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء: 96]، {عزيزًا حكيمًا} [النّساء: 56]، {سميعًا بصيرًا} [النّساء: 58]، فكأنّه كان ثمّ مضى.
قال -يعني ابن عبّاسٍ-: {فلا أنساب بينهم يومئذٍ ولا يتساءلون} في النّفخة الأولى، ثمّ ينفخ في الصّور، {فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه} [الزّمر: 68]، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون، ثمّ في النّفخة الأخرى {وأقبل بعضهم على بعضٍ يتساءلون}
وأمّا قوله: {ما كنّا مشركين} {ولا يكتمون اللّه حديثًا}، فإنّ اللّه يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فقال المشركون: تعالوا نقول: "لم نكن مشركين"، فيختم على أفواههم، فتنطق أيديهم، فعند ذلك يعرف أنّ اللّه لا يكتم حديثًا، وعنده {يودّ الّذين كفروا} الآية [الحجر: 2].
وخلق الأرض في يومين، ثمّ خلق السّماء، ثمّ استوى إلى السّماء، فسوّاهنّ في يومين آخرين، ثمّ دحى الأرض، ودحيها: أن أخرج منها الماء والمرعى، وخلق الجبال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين، فذلك قوله: {دحاها} وقوله {خلق الأرض في يومين} فخلقت الأرض وما فيها من شيءٍ في أربعة أيّامٍ، وخلقت السّماوات في يومين.
{وكان اللّه غفورًا رحيمًا} [النّساء: 96]، سمّى نفسه بذلك، وذلك قوله، أي: لم يزل كذلك؛ فإنّ اللّه لم يرد شيئًا إلّا أصاب به الّذي أراد، فلا يختلفنّ عليك القرآن، فإنّ كلًّا من عند اللّه عزّ وجلّ.
قال البخاريّ: حدّثنيه يوسف بن عديٍّ، حدّثنا عبيد اللّه بن عمرٍو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن المنهال -هو ابن عمرٍو-بالحديث.
فقوله: {خلق الأرض في يومين} يعني: يوم الأحد ويوم الاثنين.
{وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها} أي: جعلها مباركةً قابلةً للخير والبذر والغراس، {وقدّر فيها أقواتها}، وهو: ما يحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن الّتي تزرع وتغرس، يعني: يوم الثّلاثاء والأربعاء، فهما مع اليومين السّابقين أربعةٌ؛ ولهذا قال تعالى: {في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين} أي: لمن أراد السّؤال عن ذلك ليعلمه.
وقال مجاهدٌ وعكرمة في قوله: {وقدّر فيها أقواتها} جعل في كلّ أرضٍ ما لا يصلح في غيرها، ومنه: العصب باليمن، والسّابريّ بسابور والطّيالسة بالرّيّ.
وقال ابن عبّاسٍ، وقتادة، والسّدّيّ في قوله تعالى: {سواءً للسّائلين} أي: لمن أراد السّؤال عن ذلك.
وقال ابن زيدٍ: معناه {وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين} أي: على وفق مراد من له حاجةٌ إلى رزقٍ أو حاجةٍ، فإنّ اللّه قدّر له ما هو محتاجٌ إليه.
وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى: {وآتاكم من كلّ ما سألتموه} [إبراهيم: 34]، واللّه أعلم.
وقوله: {ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخانٌ}، وهو: بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض، {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا} أي: استجيبا لأمري، وانفعلا لفعلي طائعتين أو مكرهتين.
قال الثّوريّ، عن ابن جريجٍ، عن سليمان بن موسى، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله [تعالى] {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا} قال: قال اللّه تعالى للسّموات: أطلعي شمسي وقمري ونجومي. وقال للأرض: شقّقي أنهارك، وأخرجي ثمارك. فقالتا: {أتينا طائعين}
واختاره ابن جريرٍ -رحمه اللّه.
{قالتا أتينا طائعين} أي: بل نستجيب لك مطيعين بما فينا، ممّا تريد خلقه من الملائكة والإنس والجنّ جميعًا مطيعين لك. حكاه ابن جريرٍ عن بعض أهل العربيّة قال: وقيل: تنزيلًا لهنّ معاملة من يعقل بكلامهما.
وقيل إنّ المتكلّم من الأرض بذلك هو مكان الكعبة، ومن السّماء ما يسامته منها، واللّه أعلم.
وقال الحسن البصريّ: لو أبيا عليه أمره لعذّبهما عذابًا يجدان ألمه. رواه ابن أبي حاتمٍ.
{فقضاهنّ سبع سمواتٍ في يومين} أي: ففرغ من تسويتهنّ سبع سمواتٍ في يومين، أي: آخرين، وهما يوم الخميس ويوم الجمعة.
{وأوحى في كلّ سماءٍ أمرها} أي: ورتّب مقرّرًا في كلّ سماءٍ ما تحتاج إليه من الملائكة، وما فيها من الأشياء الّتي لا يعلمها إلّا هو، {وزيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح} وهنّ الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، {وحفظًا} أي: حرسًا من الشّياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى.
{ذلك تقدير العزيز العليم} أي: العزيز الّذي قد عزّ كلّ شيءٍ فغلبه وقهره، العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا هنّاد بن السّريّ، حدّثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن أبي سعيدٍ البقّال، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ -قال هنّادٌ: قرأت سائر الحديث- أنّ اليهود أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فسألته عن خلق السّماوات والأرض، فقال: "خلق اللّه الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين، وخلق الجبال يوم الثّلاثاء وما فيهنّ من منافع، وخلق يوم الأربعاء الشّجر والماء والمدائن والعمران والخراب، فهذه أربعةٌ: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادًا ذلك ربّ العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيّامٍ سواءً للسّائلين} لمن سأل، قال: "وخلق يوم الخميس السّماء، وخلق يوم الجمعة النّجوم والشّمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعاتٍ بقيت منه، فخلق في أوّل ساعةٍ من هذه الثّلاثة الآجال، حين يموت من مات، وفي الثّانية ألقى الآفة على كلّ شيءٍ ممّا ينتفع به النّاس، وفي الثّالثة آدم، وأسكنه الجنّة، وأمر إبليس بالسّجود له، وأخرجه منها في آخر ساعةٍ". ثمّ قالت اليهود: ثمّ ماذا يا محمّد؟ قال: "ثمّ استوى على العرش". قالوا: قد أصبت لو أتممت! قالوا: ثمّ استراح. فغضب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم غضبًا شديدًا، فنزل: {ولقد خلقنا السّموات والأرض وما بينهما في ستّة أيّامٍ وما مسّنا من لغوبٍ. فاصبر على ما يقولون} [ق: 38].
هذا الحديث فيه غرابةٌ. فأمّا حديث ابن جريجٍ، عن إسماعيل بن أميّة، عن أيّوب بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن رافعٍ، عن أبي هريرة قال: أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيدي فقال: "خلق اللّه التّربة يوم السّبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشّجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثّلاثاء، وخلق النّور يوم الأربعاء، وبثّ فيها الدّوابّ يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعةٍ من ساعات الجمعة، فيما بين العصر إلى اللّيل" فقد رواه مسلمٌ، والنّسائيّ في كتابيهما، عن حديث ابن جريجٍ، به. وهو من غرائب الصّحيح، وقد علّله البخاريّ في التّاريخ فقال: رواه بعضهم عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] عن كعب الأحبار، وهو الأصحّ). [تفسير ابن كثير: 7/ 165-168]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:00 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة