التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ (38) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({وقال الّذي آمن يا قوم اتّبعون أهدكم سبيل الرّشاد (38)}
يعني : سبيل القصد إلى اللّه عزّ وجلّ، وأخرجكم عن سبيل فرعون, فأهدكم جزم جواب للأمر.
المعنى : إن تتبعوني أهدكم.). [معاني القرآن: 4/375]
تفسير قوله تعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (40)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {يرزقون فيها بغير حسابٍ}: أي : بغير تقدير.). [تفسير غريب القرآن: 387]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها} , قال قتادة : يعني : شركا.). [معاني القرآن: 6/226]
تفسير قوله تعالى: {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (41)}
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ويا قوم ما لي أدعوكم إلى النجاة}
قال مجاهد : إلى الإيمان بالله عز وجل.). [معاني القرآن: 6/226]
تفسير قوله تعالى: (تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (42) )
تفسير قوله تعالى: {لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآَخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ (43)}
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( (لا جَرَمَ) قالَ الفرَّاء: هي بمنزلةِ لا بُدَّ ولا مَحَالةَ، ثمَّ كَثُرَت في الكلام حتى صارت بمنزلة حقًّا.
وأصلها من جَرَمْتُ: أي كَسَبْتُ.
وقال في قول الشاعر:
ولقد طعنتُ أبا عيينةَ طعنةً = جَرَمَتْ فَزَارَةُ بعدَها أَن يَغْضَبُوا
أي: كَسَبْتُهُمُ الغَضَبَ أَبَدًا.
قال: وليس قول من قال: (حُقَّ لِفَزَارَةَ الغَضَبُ) بِشيء.
ويقال: فلان جَارِمُ أَهْلِهِ، أَي كاسبُهُم وَجَرِيمَتُهُم.
ولا أحسبُ الذَّنبَ سُمِّيَ جُرْمًا إِلاَّ مِن هَذَا: لأَنَّهُ كَسْبٌ واقترِافٌ). [تأويل مشكل القرآن: 550-551] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({لا جرم أنّما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدّنيا ولا في الآخرة وأنّ مردّنا إلى اللّه وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار (43)}
يعني: أنه ليس له استجابة دعوة في الدنيا , ولا في الآخرة.
قال سيبويه: سألت الخليل عن قوله: {لا جرم}، فقال: لا جرم ردّ لكلام. والمعنى وجب أن لهم النّار، وحق أن لهم النار.
وأنشد:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
المعنى: كسبتهم الغضب، وأحقّتهم بالغضب.
فمعنى{لا جرم أنّما تدعونني إليه}: لقد وجب أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة , أي: وجب بطلان دعوته.
{وأنّ مردّنا إلى اللّه} : وجب مردنا إلى اللّه، وكذلك {وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار} ). [معاني القرآن: 4/375-376]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا جرم أن ما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الآخرة}
قال مجاهد : يعني: الأوثان.
قال أبو جعفر : قال الخليل: معنى : {لا جرم}: حقا, وقد جرم الشيء, أي: حق , وأنشد:
ولقد طعنت أبا عيينة طعنة = جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
قال أبو جعفر: فأما دخول لا على جرم, فلتدل على أنه جواب لكلام , وأنه ليس مستأنفا.
فالمعنى : وجب بطلان ما تدعونني إليه , أي: ليس له استجابة دعوة تنفع.
وقوله: {وأن المسرفين هم أصحاب النار}
قال عبد الله بن مسعود : (هم السفاكون للدماء) , وكذلك قال عطاء ومجاهد). [معاني القرآن: 6/226-228]
تفسير قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45)}
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({فوقاه اللّه سيّئات ما مكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب}
وقال: {وحاق بآل فرعون سوء العذاب}, {النّار} , فإن شئت جعلت {النار} بدلا من {سوء العذاب} , ورفعتها على {حاق} , وإن شئت جعلتها تفسيرا , ورفعتها على الابتداء ؛ كأنك تقول: "هي النار" , وإن شئت جررت على أن تجعل {النار} بدلا من {العذاب} , كأنك أردت: "سوء النار"). [معاني القرآن: 4/3-4]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({حاق بهم}: نزل بهم). [غريب القرآن وتفسيره: 327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فوقاه الله سيئات ما مكروا}
قال قتادة : كان رجلا من القبط , فنجاه الله مع بني إسرائيل.).[معاني القرآن: 6/228]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {حَاقَ بهم}: حل بهم , ونزل.). [العمدة في غريب القرآن: 263]
تفسير قوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {النّار يعرضون عليها...}.
رفعت {النار} بما عاد من ذكرها في عليها، ولو رفعتها بما رفعت به {سوء العذاب} كان صوابا، ولو نصبت على أنها وقعت بين راجع من ذكرها، وبين كلام يتصل بما قبلها كان صوابا، ومثله: {قل أفأنبّئكم بشرٍّ من ذلكم النار وعدها}.
وقوله: {غدوًّا وعشيًّا...}.: ليس في الآخرة غدو ولا عشي، ولكنه مقادير عشيات الدنيا وغدوها.
وقوله: {و يوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون...}.
همز الألف يحيى بن وثاب , وأهل الحجاز، وخففها عاصم , والحسن فقرأ :{ويوم تقوم السّاعة ادخلوا آل فرعون} , ونصب ها هنا آل فرعون على النداء: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب، وفي المسألة الأولى توقّع عليهم "أدخلوا"). [معاني القرآن: 3/9-10]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({النّار يعرضون عليها غدوّاً وعشيّاً ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب}
وقال: {غدوّاً وعشيّاً ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب} , وفيه ضمير "يقال لهم ادخلوا يا آل فرعون" .
وقال بعضهم: {أدخلوا} فقطع , وجعله من "أدخل يدخل", وقال: {غدوّاً وعشيّاً ويوم تقوم السّاعة} , فإنما هو مصدر كما تقول: "آتيه ظلاماً" تجعله ظرفا , وهو مصدر جعل ظرفا , ولو قلت "موعدك غدرةٌ" , "موعدك ظلامٌ" , فرفعته كما تقول: "موعدك يوم الجمعة" لم يحسن ؛ لأن هذه المصادر , وما أشبهها من نحو "سحر" لا تجعل إلا ظرفا , والظرف كله ليس بمتمكن.
وقال: {أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب} , وقال: {إنّ المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار} , فيجوز أن يكون آل فرعون أدخلوا مع المنافقين في الدّرك الأسفل , وهو أشد العذاب.
وأمّا قوله: {فإنّي أعذّبه عذاباً لاّ أعذّبه أحداً مّن العالمين} : فقوله: لا أعذّبه أحداً من عالم أهل زمانه.).[معاني القرآن: 4/4]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وأما قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}، فإنه لم يرد أن ذلك يكون في الآخرة، وإنما أراد أنهم يعرضون عليها بعد مماتهم في القبور.
وهذا شاهد من كتاب الله لعذاب القبر، يدلّك على ذلك قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} فهم في البرزخ يعرضون على النار غدوّا وعشيّا، وفي القيامة يدخلون أشد العذاب). [تأويل مشكل القرآن: 83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ : {سوء العذاب (45) النّار يعرضون عليها غدوّا وعشيّا ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب (46)}
{النّار} بدل من قوله : {سوء العذاب}, وجائز أن تكون مرتفعة على إضمار تفسير سوء العذاب، كان قائلا قال: ما هو؟ فكان الجواب هو:
{النّار يعرضون عليها}: فإن قال قائل: كيف يعرضون عليها , وهم من أهل النار؟
فجاء في التفسير : أن أرواحهم في أجواف طير سود , تعرض على النار بالغداة والعشى إلى يوم القيامة.
, ألا ترى أن بعده :{ويوم تقوم السّاعة أدخلوا آل فرعون أشدّ العذاب}, ويقرأ ادخلوا على معنى الأمر لهم بالدخول، كأنّه : ويوم تقوم الساعة , يقول: ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب.
وقرئت {أدخلوا} على جهة الأمر للملائكة بإدخالهم أشدّ العذاب). [معاني القرآن: 4/376]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا}
يقال: كيف يعرضون عليها غدوا وعشيا , وهم من أهلها ؟.
فالجواب عن هذا : ما قاله عبد الله بن مسعود, قال:(أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تعرض كل يوم على النار مرتين , يقال هذه داركم).
وروى شعبة , عن يعلى بن عطاء قال : سمعت ميمون بن ميسرة يقول: كان أبو هريرة إذا أصبح ينادي : (أصبحنا والحمد لله , وعرض آل فرعون على النار) , وإذا أمسى نادى : (أمسينا والحمد لله , وعرض آل فرعون على النار) , فلا يسمع أبا هريرة أحد إلا تعوذ بالله من النار .
وقال مجاهد في قوله تعالى: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} , قال: من أيام الدنيا .
قال الفراء : ليس في القيامة غدو , ولا عشي , ولكن مقدار ذلك .
قال أبو جعفر : التفسير على خلاف ما قال الفراء, وذلك أن التفسير على أن : هذا العرض إنما هو في أيام الدنيا , والمعنى أيضا بين ؛ أنه على ذلك لأنه قال جل وعز: {النار يعرضون عليها غدوا وعشيا} , ثم دل على أن هذا قبل يوم القيامة بقوله: {ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب} : فدل على أن الأول بمنزلة عذاب القبر). [معاني القرآن: 6/228-230]