سورة الرعد
[ من الآية (5) إلى الآية (7) ]
{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}
قوله تعالى: {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)}
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (4 - وَاخْتلفُوا في الِاسْتِفْهَام وَتَركه من قَوْله {أئذا كُنَّا تُرَابا أئنا لفي خلق جَدِيد} 5
فَقَرَأَ ابْن كثير وَأَبُو عَمْرو (أيذا كُنَّا تُرَابا أَيّنَا) جَمِيعًا بالاستفهام غير أَن أَبَا عَمْرو يمد الْهمزَة ثمَّ يأتي بِالْيَاءِ سَاكِنة وَابْن كثير يأتي بِالْيَاءِ سَاكِنة بعد الْهمزَة من غير مُدَّة
وَقَرَأَ نَافِع (أيذا) مثل أَبي عَمْرو وَاخْتلف عَنهُ في الْمَدّ وَقَرَأَ (إِنَّا لفي خلق جَدِيد) مَكْسُورَة الْألف على الْخَبَر
وَوَافَقَهُ الكسائي في اكتفائه بالاستفهام الأول عَن الثاني غير أَنه كَانَ يهمز همزتين
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة (أءذا كُنَّا. . أءنا) بهمزتين فيهمَا جَمِيعًا
وَقَرَأَ ابْن عَامر (إِذا كُنَّا تُرَابا) مَكْسُورَة الْألف من غير اسْتِفْهَام (آءنا لفي خلق جَدِيد) يهمز ثمَّ يمد ثمَّ يهمز في وزن عاعنا
يدْخل بَينهمَا ألفا في رِوَايَة بعض أَصْحَاب ابْن عَامر وَفِيه اخْتِلَاف
كَذَلِك أخبرني أَحْمد بن يُوسُف بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَامر بهمزتين وَالْألف بَينهمَا وَكَذَلِكَ قَالَ لي أَحْمد بن مُحَمَّد بن بكر عَن هِشَام بن عمار بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن عَامر يدْخل بَينهمَا ألفا
وَذكر بعض من روى عَن ابْن ذكْوَان عَن يحيى بن الْحَارِث (أءذا) بهمزتين لَا ألف بَينهمَا مثل قِرَاءَة حَمْزَة
وَالْمَعْرُوف عَن ابْن عَامر بهمزتين من غير ألف). [السبعة في القراءات: 357 - 358]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ( (أئذا) مستفهم (إنا) بتركه، نافع، والكسائي، ويعقوب، وسهل، ضده شامي، ويزيد في سبحان، والمؤمنون، والسجدة، مثله). [الغاية في القراءات العشر: 291]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ( (إذا) خبر، (أءنا): بهمزتين دمشقي. بين الهمزتين مدة: هشام إلا البلخي.
[المنتهى: 2/770]
(أءذا) بهمزتين، (أءنا) خبر: علي وقاسم، وروحٌ، والمنهال (أذا) بهمزة بعدها كسرة بلا مد (إنا) خبر: ورش، وزيد، ورويس، وسهل. بهمزة واحدة ممدودة حمصي، وأبو عمرو غير أبي زيد، وافقه الحريري، وأبو بشر في {أءذا}، زاد الحريري حيث جاء بهمزتين بينهما مدة أبو زيد. بهمزة بعدها شبه ياء بلا مد مكي، وافقه ابن عتبة في {أءنا} في سبحان [49، 98] فيهما، والمؤمنين [82]، والواقعة [47].
بهمزتين عاصم، وحمزة، وخلف، وسلام، وأيوب. وافق قنبل طريق ابن شنبوذ عاصمًا في الم السجدة [10]، وعيسى في أول والصافات [16] حمزة.
[المنتهى: 2/771]
كذا الاختلاف في جنسها، إلا في مواضع نذكرها). [المنتهى: 2/772]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (واختلفوا في الاستفهامين إذا اجتمعا نحو (ءاذا، ءإنا) وجملتهن أحد عشر موضعًا: هنا موضع، وفي بني إسرائيل موضعان، وفي المؤمنين موضع، وفي النمل موضع، وفي العنكبوت موضع، وفي الم السجدة موضع، وفي والصافات موضعان، وفي الواقعة موضع، وفي والنازعات موضع،
[التبصرة: 244]
كلما يجتمع الاستفهامان منها في آية سوى العنكبوت والنازعات فإنهما من آيتين، فقرأ نافع والكسائي في جميع ذلك بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني، وخالفا أصلهما في موضعين: في النمل والعنكبوت، فقرأ نافع الأول منها على الخبر والثاني بالاستفهام، وقرأ الكسائي في النمل على أصله، يستفهم بالأول ويخبر بالثاني، غير أنه زاد نونًا فقرأ (إننا)، وقرأ في العنكبوت بالاستفهام في الأول والثاني، وقرأ ابن عامر ضد قراءة نافع والكسائي، يخبر بالأول ويستفهم بالثاني، وخالف أصله في ثلاثة مواضع: في النمل والواقعة والنازعات، فقرأ في النمل بالاستفهام في الأول والخبر في الثاني مثل أصل نافع والكسائي، ويزيد نونًا مثل الكسائي، وقرأ في الواقعة بالاستفهام في الأول والثاني، وقرأ في والنازعات بالاستفهام في الأول ويخبر في الثاني مثل نافع والكسائي، وقرأ الباقون بالاستفهام في الأول والثاني في جميعها، وخالف ابن كثير وحفص أصلهما في العنكبوت فقرآه بالخبر في الأول والاستفهام في الثاني، واختلفوا في الجمع بين الهمزتين إذا استفهموا، فكان الحرميان وأبو عمرو إذا استفهموا حققوا الأولى وسهلوا الثانية، فجعلوها بين الهمزة والياء، غير أن قالون وأبا عمرو يدخلان بين الهمزتين أثفًا فيمدان، وقد ذكرنا هذا الفصل، وقرأ الباقون بتحقيق الهمزتين حيث ما استفهموا غير أن هشامًا يدخل بين الهمزتين ألفًا مع التحقيق). [التبصرة: 245]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (واختلفوا في الاستفهامين إذا اجتمعا، نحو قوله تعالى: {أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد} (5)، و: {أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون} (الصافات: 16)، و: {أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد} (السجدة: 10)، وشبهه.
وجملته أحد عشر موضعًا:
[التيسير في القراءات السبع: 326]
في هذه السورة: موضع. وفي سبحان: موضعان: (الإسراء: 49، 98)، وفي المؤمنين: موضع (82)، وفي النمل: موضع (67)، وفي العنكبوت: موضع (28)، وفي السجدة: موضع (10)، وفي الصافات: موضوعان (16، 53)، وفي الواقعة: موضع (47)، وفي النازعات: موضع (10، 11).
فكان نافع، والكسائي يجعلان الأول منهما استفهامًا، والثاني خبرًا.
ونافع يجعل الاستفهام بهمزة وياء بعدها.
ويدخل قالون بينهما ألفًا.
والكسائي يجعله بهمزتين.
وخالف نافع أصله هذا في النمل، والعنكبوت، فجعل الأول منهما خبرًا، والثاني استفهامًا.
وخالف الكسائي أيضًا أصله في العنكبوت خاصة، فجعلهما جميعًا استفهامًا، وزاد في النمل نونًا في الخبر، فقرأ: {إننا لمخرجون}: بنونين.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: بالجمع بين الاستفهامين بهمزة وياء في جميع القرآن.
وابن كثير لا يمد بعد الهمزة، وأبو عمرو يمد.
وخالف ابن كثير أصله في موضع واحد، في العنكبوت، فجعل الأول منهما خبرًا.
[التيسير في القراءات السبع: 327]
وقرأ عاصم، وحمزة: بالجمع بين الاستفهامين بهمزتين، حيثُ وقعا.
وخالف حفص أصله في الأول من العنكبوت فقط، فجعله خبرًا بهمزة واحدة مكسورة.
وقرأ ابن عامر: بجعل الأول من الاستفهامين خبرًا، بهمزة واحدة مكسورة، والثاني استفهامًا بهمزتين.
وأدخل هشام بين الهمزتين ألفًا، ولم يدخلها ابن ذكوان، حيث وقعا، وخالف أصله في ثلاثة مواضع: في النمل، والواقعة، والنازعات. فقرأ في النمل، والنازعات: بجعل الأول استفهامًا، والثاني خبرًا، وزاد نونًا في الخبر في النمل، مثل الكسائي، وقرأ في الواقعة: بجعلهما جميعًا استفهامًا بهمزتين.
وهشام على أصله يدخل ألفًا بين الهمزتين). [التيسير في القراءات السبع: 328] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) : (واختلفوا في الاستفهامين إذا اجتمعا نحو قوله تعالى: (أئذا كنّا ترابا أننا لفي خلق جديد)، و(أئذا متنا وكنّا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون)، (وأئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي
[تحبير التيسير: 420]
خلق جديد) وشبهه وجملته أحد عشر موضعا في هذه السّورة موضع وفي سبحان موضعان. وفي المؤمنين موضع وفي النّمل موضع وفي العنكبوت موضع وفي ألم السّجدة موضع وفي الصافات موضعان وفي الواقعة موضع وفي [والنازعات] موضع، فكان نافع والكسائيّ ويعقوب يجعلون الأول منهما استفهاما والثّاني خبرا ونافع ورويس يجعلان الاستفهام بهمزة وياء بعدها أي بين بين ويدخل قالون بينهما ألفا، والكسائيّ يجعله بهمزتين وكذلك روح. وخالف نافع أصله هذا في النّمل والعنكبوت فجعل الأول منهما خبرا والثّاني استفهاما.
قلت: وخالف يعقوب أصله في النّمل فقرأهما بالاستفهام وفي العنكبوت فقرأ الأول بالخبر والثّاني بالاستفهام والله الموفق.
وخالف الكسائي أيضا أصله في العنكبوت خاصّة فجعلهما جميعًا استفهاما وزاد في النّمل نونا في الخبر وقرأ (إننا لمخرجون) بنونين. وقرا ابن كثير وأبو عمرو [بالجمع] بين الاستفهامين بهمزة وياء في جميع القرآن، وابن كثير لا يمد بعد الهمزة، وأبو عمرو يمد، وخالف ابن كثير أصله في موضع واحد في العنكبوت فجعل الأول منهما خبرا. وقرأ عاصم وحمزة وخلف بالجمع بين الاستفهامين بهمزتين حيث وقعا.
[تحبير التيسير: 421]
وخالف حفص أصله في الأول من العنكبوت فقط فجعله خبرا بهمزة واحدة مكسورة وقرأ ابن عامر وأبو جعفر بجعل الأول من الاستفهامين خبرا بهمزة واحدة مكسورة والثّاني استفهاما بهمزتين، وأدخل هشام بين الهمزتين ألفا ولم يدخلها ابن ذكوان حيث وقعا، وسهل أبو جعفر الثّانية منهما وأدخل بينهما ألفا، وخالف ابن عامر أصله في ثلاثة مواضع في النّمل والواقعة والنازعات، فقرأ في النّمل والنازعات بجعل الأول استفهاما والثّاني خبرا وزاد نونا في الخبر في النّمل مثل الكسائي وقرأ في الواقعة بجعلها جميعًا استفهاما بهمزتين، وهشام على أصله يدخل ألفا بين الهمزتين.
قلت: وخالف أبو جعفر اصله في موضعين في الأول من الصافات وفي الواقعة، فقرأ في الأول بالاستفهام وفي الثّاني بالخبر، وهو في الهمزتين على أصله والله الموفق). [تحبير التيسير: 422] (م)
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (789 - وَمَا كُرِّرَ اسْتِفْهَامُهُ نَحْوُ آئِذَا = أَئِنَّا فَذُو اسْتِفْهَامٍ الْكُلُّ أَوَّلاَ
790 - سِوَى نَافِعٍ فِي النَّمْلِ وَالشَّامِ مُخْبِرٌ = سِوَى النَّازِعَاتِ مَعْ إِذَا وَقَعَتْ وِلاَ
[الشاطبية: 62]
791 - وَدُونَ عِنَادٍ عَمَّفِي الْعَنْكَبُوتِ مُخْـ = ـبِرًا وَهْوَ في الثَّانِي أَتَى رَاشِدًا وَلاَ
792 - سِوَى الْعَنْكَبُوتِ وَهْوَ فِي الْنَّمْلِ كُنْ رِضَا = وَزَادَاهُ نُونًا إِنَّنَا عَنْهُمَا اعْتَلاَ
793 – وَعَمَّ رِضاً فِي النَّازِعَاتِ وَهُمْ عَلَى = أُصُولِهِمْ وَامْدُدْ لِوَى حَافِظٍ بَلاَ). [الشاطبية: 63]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ([789] وما كرر استفهامه نحو آئذا = أئنا فذو استفهام الكل أولا
[790] سوى (نافعٍ) في النمل و (الشام) مخبرٌ = سوى النازعات مع إذا وقعت ولا
[791] و(د)ون (عـ)نادٍ (عم) في العنكبوت مخـ = ـبرًا وهو في الثاني (أ)تى (ر)اشدًا ولا
[792] سوى العنكبوت وهو في النمل (كـ)ن (ر)ضًا = وزاده نونًا إننا عنهما اعتلى
[793] و(عم) (ر)ضًا في النازعات وهم على = أصولهم وامدد (لـ)وا (حـ)افظٍ (بـ)لا
الحجة في الجمع بين الاستفهامين أنه أعاد لفظ الاستفهام ثاني مؤكدا به المعنى الأول.
[فتح الوصيد: 2/1032]
ومن لم يجمع بينهما، استغنى بالاستفهام مرة، ولا فرق بين الخبر في الأول والاستفهام في الثاني، وعكس ذلك، لأن الدلالة واحدة.
وقوله: (سوى نافع في النمل)... البيت، التقدير: فذو استفهام الكل أولا في النمل سوى نافع.
وكان أصحاب أبي القاسم رحمه الله ذكروا أن هذا البيت مشكل اللفظ فغيره فقال:
سوى الشام غير النازعات وواقعـه = له نافع في النمل أخبر فاعتلا
ومعناهما يعود إلى شيء واحد، والأول أحسن، وعليه أعول.
ولو قال الشيخ رحمه الله:
وما كرر استفهامه نحو أئذا = أئنا فالاستفهام في النمل أولا
خصوص وبالأخبار شام بغيرها = سوى النازعات مغ إذا وقعت ولا
لارتفع الإشكال وظهر المراد.
والمعنى، أن نافعًا أخبر وحده في الأول في النمل، فيكون ابن عامر مع الباقين على الاستفهام.
ثم قال: (والشام مخبرٌ)؛ يريد في ما سوى النمل، لتقدم القول فيها، ثم استثنى النازعات والواقعة، أي أنه استفهم فيهما.
و(ولاء)، بالفتح. ونصبه على التمييز؛ أي أتی راشدًا، ولاؤه.
و(كن رضًی)، أي: كن ذا رضى، أو نفس الرضی، مبالغة؛ أي ذا رضى به، أو رضي فيه، وهم على أصولهم في التسهيل والتحقيق.
[فتح الوصيد: 2/1033]
(وامدد لواء حافظٍ)، أي في علو لواء الحافظ وشهرته.
و(بلا): اختبر، وهو صفة لـ: حافظ). [فتح الوصيد: 2/1034]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [789] وما كرر استفهامه نحو آئذا = أئنا فذو استفهامٍ الكل أولا
ح: (ما): موصولة متضمنة معنى الشرط وقعت مبتدأ، (نحو): نصب على الظرف، (الكل): مبتدأ ثانٍ، (ذو استفهامٍ): خبر، واللام: بدل العائد، أي: كل ما كرر، وأدخل الفاء على الخبر لتضمن (ما) معنى الشرط، والظاهر أن (الكل): كل القراء للاستثناء الآتي، والعائد محذوف، أي: ذو استفهام فيه، (أولا): نصب على الظرفية، أي: في أول الاستفهامين.
[كنز المعاني: 2/345]
ص: يعني: كل موضعٍ تكرر فيه لفظ الاستفهام من آيةٍ وكلام، نحو الذي في هذه السورة: {أئذا كنا ترابًا أءنا} [5]، فكل القراء – إلا من يستثنيه – يقرأ الأول بلفظ الاستفهام، أي: بهمزتين.
ومواضعه أحد عشر موضعًا: ما في هذه السورة [5]، وموضعان في الإسراء كلاهما: {أءذا كنا عظامًا ورفاتًا أءنا لمبعوثون} [49، 98]، وفي المؤمنون: {قالوا أءذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أءنا لمبعوثون} [82]، وفي النمل: {أءذا كنا ترابًا وءاباؤنا أئنا} [67]، وفي العنكبوت: {أئنكم لتأتون الفاحشة ... أئنكم لتأتون الرجال} [28-29]، وفي السجدة: {أءذا ضللنا في الأرض أءنا} [10]، وفي الصافات: {أءذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أءنا} في موضعين [16، 53]، وفي الواقعة: {أءذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أءنا} [47]، وفي النازعات: {أءنا لمردودون في الحافرة، أءذا كنا عظامًا نخرة} [10 – 11].
[790] سوى نافع في النمل والشام مخبر = سوى النازعات مع إذا وقعت ولا
[791] ودون عناد عم في العنكبوت مخـ = ـبرا وهو في الثاني أتى راشدا ولا
[792] سوى العنكبوت وهو في النمل كن رضا = وزاداه نونا إننا عنهما اعتلا
[793] وعم رضا في النازعات وهم على = أصولهم وامدد لوى حافظ بلا
ح: (سوى): استثناء من (الكل) على أنه للقراء، و(الشام مخبرٌ): مبتدأ وخبر، والأصل: (الشامي)، خفف ياء النسبة، ثم حذف الياء الساكنة
[كنز المعاني: 2/346]
أيضًا اكتفاءً بالكسر، (سوى النازعات): استثناء مفرغ، أي: في جميع المواضع سوى الموضعين، و(ولا)- بكسر الواو-: نصب على التمييز، أي: الشام مخبر متابعة، فاعل (عم): ضمير الأول من الاستفهامين، (دون): ظرفه، (عنادٍ): مضاف إليه، (مخبرًا): حال من الفاعل أسند الإخبار إليه لما فيه الإخبار، ضمير (هو) – عائد إلى الإخبار المدلول عليه في (مخبرًا)-: مبتدأ، (أتى): خبره، (راشدًا): مفعول به، (في الثاني): ظرفه، أي: الثاني من الاستفهامين، (ولا) - بالكسر-: مفعول له، أي: للموافقة، (سوى العنكبوت): استثناء من (الثاني)، أي: الإخبار في جميع ما وقع ثانيًا من الاستفهامين إلا في ثاني العنكبوت، و(هو في النمل): عائد أيضًا إلى الإخبار، ضمير التثنية في (زاداه) عائد إلى مدلول (كن رضًى)، و(رضًى) ههنا: خبر (كان)، أي: كن مرضيًا، وفي (عم رضًى): تمييز، وفاعل (عم): ضمير الإخبار، (هم): راجع إلى القراء، (لوا): ممدودة قصرت ضرورةً مفعول (امدد)، أضيفت إلى (حافظٍ)، (بلا): صفته، أي: اختبر.
ص: يعني: الأول من الاستفهامين لكل القراء بهمزتين إلا لنافع في النمل [67] فإنه يقرأ بالإخبار فيه، ويعلم ذلك من الضد.
ثم قال: (والشام مخبرٌ): أي: قرأ ابن عامر بالإخبار في أول جميع المواضع إلا في أول النازعات [10] والواقعة [47]، فإنه يقرأهما بالاستفهام أيضًا، فلزم أن الأول في النازعات [10] والواقعة [47]
[كنز المعاني: 2/347]
بالاستفهام اتفاقًا.
والإخبار في النمل لنافع وابن عامر، وما عداهما لابن عامر وحده، لكن النمل [67] على ما أورده صاحب التيسير مستثنًى لابن عامر أيضًا، فيكون الإخبار فيه لنافع وحده، وكذا شرح قول الناظم في شرح المشتهر بأبي شامة، لكن هذا المعنى لم يفهم من قوله، اللهم إلا أن يقال: إن التقدير والشام مخبر في كل المواضع سوى النمل وسوى النازعات.
ثم قال:
ودون عنادٍ عم في العنكبوت .............. = ..............
يعني: وافق ابن عامر ابن كثير وحفص ونافع بالإخبار في أول
[كنز المعاني: 2/348]
العنكبوت [38].
ثم نقل الخلاف في ثاني الاستفهامين من المواضع، فقال: (وهو في الثاني)، أي: الإخبار في كل الثاني من الاستفهامين لنافع والكسائي، إلا في ثاني العنكبوت [29]، فإنهما لم يقرءآ فيه بالإخبار، بل بالاستفهام، وإلا في ثاني النمل [67]، فإن نافعًا لم يقرأه بالإخبار أيضًا، يعرف ذلك من قوله:
.............. وهو في النمل كن رضى = ..............
يعني: الإخبار في ثاني النمل [67] لابن عامر والكسائي، فلزم أن تكون قراءة نافع فيه بالاستفهام.
وزاد ابن عامر والكسائي نونًا فقرءا: (إنا لمخرجون) [النمل: 67]، والباقون: بنون واحدة.
ثم قال:
وعم رضًى في النازعات .............. = ..............
يعني: قرأ نافع وابن عامر والكسائي في آخر النازعات بالإخبار،
[كنز المعاني: 2/349]
فلزم موافقة الكسائي لهما في هذا الموضع.
أما وجه الجمع بين الاستفهامين: التأكيد، لأن الأول صدر الكلام، والثاني موضع الاستفهام، إذ الاستفهام في المواضع عن الثاني لا عن الأول، لأنهم لم يشكوا، في الموت، بل في البعث، وأما الاستفهام في الثاني فقط، فعلى الأصل، إذ هو موضع الاستفهام، وأما الاستفهام في الأول والإخبار في الثاني: فلأن الأول صدر الكلام، ولما استفهم به استغنى عن الاستفهام بالثاني: كما في قوله تعالى: {أفإين مت فهم الخالدون} [الأنبياء: 34]، وإنما الاستفهام عن الخلود لا عن الموت.
ثم القراء في جمع الهمزتين على أصولهم المتقدمة من التسهيل والتحقيق والمد وتركه، فتذكر ما تقدم تكن على بصيرة منه: الكوفيون وابن عامر: يحققون الهمزة على مذهبهم، والحرميان وأبو عمرو: يسهلون الثانية، وهشام وأبو عمرو وقالون – المرموزون بقوله: (لوا حافظ بلا) -
[كنز المعاني: 2/350]
يمدون بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة). [كنز المعاني: 2/351]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (789- وَمَا كُرِّرَ اسْتِفْهَامُهُ نَحْوُ آئِذَا،.. أَئِنَّا فَذُو اسْتِفْهَامٍ الكُلُّ أَوَّلا
أي: كل موضع تكرر فيه لفظ الاستفهام على التعاقب في آية واحدة أكلام واحد نحو هذا الذي وقع في سورة الرعد وهو: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}، وهذا قد جاء في القرآن في أحد عشر موضعا هذا أولها، وفي سبحان موضعان كلاهما: {أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا}.
وفي {قَدْ أَفْلَحَ}:
"قالوا أءذا كنا وترابا وعظاما أئنا لمبعوثون".
وفي النمل: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُون}.
وفي العنكبوت: {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ}.
وفي "الم" السجدة:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/282]
{أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}.
وفي الصافات موضعان: {أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.
والثاني مثله: {أَإِنَّا لَمَدِينُونَ}.
وفي الواقعة: {وَكَانُوا يَقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ}.
وفي النازعات: {أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحَافِرَةِ، أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً}.
وقد جمعت ذلك في بيتين وقلت:
بواقعة قد أفلح النازعات سجـ،.. ـدة عنكبوت الرعد والنمل أولا
وسبحان فيها موضعان وفوق صا،.. د أيضا فإحدى عشرة الكل مجتلا
ونظمته على بحر البسيط فقلت:
رعد قدَ افلح نمل عنكبوت وسجـ،.. ـدة وواقعة والنازعات ولا
وموضعان بسبحان ومثلهما،.. فويق صاد فإحدى عشرة النملا
فالجميع واقع في أنه واحد على لفظ واحد، وما نظمه صاحب القصيدة "أءذا" أءنا إلا في موضعين في النازعات، فإنه في آيتين متجاورتين، ولفظه على عكس ما ذكره وهو "أإنا"، و"أإذا" والذي في العنكبوت في آيتين، ولكنه بلفظ آخر متَّحِدٌ، وهو "أإنكم"، "أإنكم" فما أراد الناظم بقوله: نحو "أإذا" "أإنا" إلا تشبيه تعاقب الاستفهامين على ما بيناه.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/283]
فإن قلتَ: قد تكرر في سورة والصافات يقول: {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ، أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَدِينُونَ}، فيأخذ الوسط مع الذي قبله أم الذي بعده؟ قلتُ: بل مع الذي بعده؛ فإنهما اللفظان، ونص عليهما الناظم فلا معدل عنهما إلا إذا لم يجدهما كما في العنكبوت كيف وإن أتتك قد تقدم ذكرها في باب الهمزتين من كلمة فإن لم يذكر ثَم شيئا من الاستفهامين، وإن كان الجميع لا خلف عن هشام في مده، وضابطه أن يتكرر الاستفهام وفي كل واحد همزتان وإلا فقد يوجد أحد الشرطين ولا يكونا من هذا الباب، بيانه أن المتكرر يوجد وليس في كل واحد همزتان، كالذي في قصة لوط في سورة الأعراف: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ}، {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ}، فهذا استفهام مكرر لكن الأول همزة واحد، ولثاني كذلك في قراءة نافع وحفص وفي قراءة غيرهما، ويوجد الهمزتان ولا يكرر وهذا كثير نحو: {أَإِنَّ لَنَا لَأَجْرًا}، {أَإِنَّكَ لَأَنْتَ يُوسُفُ}، {إِنَّا لَمُغْرَمُونَ}، كل ذلك يقرأ بالاستفهام والخبر، وليس من هذا الباب ومنه ما أجمع فيه على الاستفهام نحو: {أَإِذَا مَا مِتّ}، {أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا}، {أَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ}، {أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ}، ولفظ الناظم بقوله: "أئذا"، "أئنا" مد الأول وقصر الثاني لأجل الوزن وكلاهما قرئ به كما بينه ولكن لم يخص أحد بالمد الأول دون الثاني بل منهم من مدهما ومنهم من قصرهما
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/284]
في جميع هذه المواضع ثم بين النظام اختلاف القراء في هذا الاستفهام المكرر على الصفة المذكورة فقال فذو استفهام الكل أولا؛ أي: كل القراء يقرأ أول بلفظ الاستفهام؛ أي: بهمزتين والتحقيق والتسهيل يوجدان من أصولهم في ذلك ونصب قوله: أولا على الظرف؛ أي: أول الاستفهامين يدل على ذلك أنه قال بعد ذلك: وهو في الثاني؛ أي: والإخبار في اللفظ الثاني على ما سنبينه، ولو كان قال الأول بالألف واللام، ولو نصبه على أنه مفعول بالاستفهام؛ لأنه مصدر لكان جائزا، ويكون معنى استفهموه جعلوه بلفظ الاستفهام، فقوله: الكل مبتدأ، وذو استفهام خبره مقدم عليه، والجملة خبر وما كرر استفهامه والعائد إليه محذوف؛ أي: الكل ذو استفهام فيه أولا ويجوز أن يكون المعنى كله ذو استفهام على أن يكون الكل عبارة عن المواضع لا عن القراء والمعنى الأول لقوله: بعده سوى نافع، وعلى المعنى الثاني: نحتاج أن يقدر للقراء سوى نافع والله أعلم.
790- سِوَى نَافِعٍ فِي النَّمْلِ وَالشَّامِ مُخْبِرٌ،.. سِوَى النَّازِعَاتِ مَعْ إِذَا وَقَعَتْ وِلا
أي: استثنى نافع وحده الذي في النمل، فقرأ الأول فيه بالإخبار؛ أي: بهمزة واحدة: "أإذا كنا ترابا".
ووافق الجماعة كلهم في المواضع الباقية على الاستفهام في الأول، ثم ذكر قراء ابن عامر وهي أنه يقرأ بالإخبار في جميع المواضع ما عدا النمل واستثنى له أيضا من غير النمل الواقعة والنازعات، فلزم من ذلك أن الأول في النازعات والواقعة لم يقرأه أحد بالإخبار والذي في النمل الإخبار فيه لنافع وحده وما عدا ذلك الإخبار فيه لابن عامر وحده إلا الذي في العنكبوت فإنه وافقه على الإخبار في الأول جماعة كما يأتي في البيت الآتي فهذا معنى قوله: والشام مخبر؛ يعني: في غير النمل سوى كذا وكذا، وولا في آخر البيت بكسر الواو؛ أي: والشام مخبر متابعة
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/285]
فهو في موضع نصب على أنه مفعول من أجله، فكأن أصحاب الناظم -رحمه الله- قد استشكلوا استخراج ذلك؛ لأنهم قدروا قوله: فذوا استفهام الكل أولا سوى نافع فبذلك فسره الشيخ ونظم هذا المعنى في بيتين نذكرهما وإذا كان المعنى كذلك لزم أن يكون قد بين الخلاف في موضع واحد وليس هو في السورة التي النظم فيها ثم رام بيانه في جملة المواضع وعكس هذا أولى، فغير الشاطبي هذا البيت بما دل على أن مراده: فذو استفهام الكل في جميع المواضع فقال:
سوى الشام غير النازعات وواقعه،.. له نافع في النمل أخبر فاعتلا
أي: نافع وحده قرأ في النمل بالإخبار، ودل على أنه منفرد بذلك أنه لم يُعِدْ ذكر ابن عامر معه، وذلك لازم كما بيناه قوله: رمى صحبة، وفي غير ذلك قال الشيخ -رحمه الله: ومعنى البيتين يعود إلى شيء واحد والأول أحسن وعليه أعول.
قلتُ: في البيت الثاني تنكير لفظ "واقعة" وإسكانها وذلك وإن كان جائز للضرورة فاجتنابه مهما أمكن أولى، وقوله: "له" زيادة لا حاجة إليها، قال: ولو قال الناظم -رحمه الله: فالاستفهام في النمل أولا:
"خـ"ـصوص وبالإخبار شام بغيرها،.. سوى النازعات مع إذا وقعت ولا
لارتفع الإشكال وظهر المراد والخاء في خصوص رمز، والله أعلم.
791- وَ"دُ"ونَ "عِـ"ـنَادٍ "عَمَّ" فِي الْعَنْكَبُوتِ مُخْـ،.. ـبِرًا وَهْوَ في الثَّانِي "أَ"تَى "رَ"اشِدًا وَلا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/286]
أي: تابع ابن كثير وحفص ونافع وابن عامر في الإخبار في أول الذي في العنكبوت فقرءوا "إنكم" بهمزة إن المكسورة، وهذا أحد المواضع التي رمز فيها بعد الواو الفاصلة في كلمة واحدة ومخبرا حال من الضمير في عم وهو عائد على الأول من الاستفهامين جعله مخبرا؛ لأن الإخبار فيه كما يجعل ما فيه الخطاب مخاطبا في نحو: وخاطب عما تعلمون.
ثم قال: وهو "يعني الإخبار" في الثاني؛ أي: في الاستفهام الثاني في كل المواضع الأحد عشر المذكورة إلا ما يأتي استثناؤه وكل ما تقدم ذكره كان مختصا بالاختلاف في الأول.
وقوله: "أتى راشدا" رمز لنافع والكسائي فهما المخبران في الثاني، فقرأ "إنا" بهمزة واحدة مكسورة، وراشدا حال أو مفعول به؛ أي: أتى الإخبار قارئا راشدا، ووَلا بفتح الواو في موضع نصب على التمييز أي راشدًا ولاؤه، وهو وما قبله المكسور الواو ممدودان وإنما قصرا للوقف عن ما ذكرناه مرارا.
792- سِوَى العَنْكَبُوتِ وَهْوَ فِي النَّمْلِ "كُـ"ـنْ "رِ"ضَا،.. وَزَادَاهُ نُونًا إِنَّنَا عَنْهُمَا اعْتَلا
أي: لم يقرأ أحد في ثاني العنكبوت بالإخبار وهو؛ يعني: الإخبار في ثاني النمل لابن عامر والكسائي، أما نافع فاستفهم كالباقين؛ لأنه قرأ الأول بالخبر كما سبق وكذا فعل في العنكبوت لما أخبر في الأول استفهم في الثاني وابن عامر لما كان مستفهما في أول النمل على خلاف أصله أخبر في الثاني هنا على خلاف أصله أيضا ثم قال: وزاده نونا؛ أي: زاد ابن عامر والكسائي الثاني في النمل نونا فقراءة: "إئنا لمخرجون"، والباقون بنون واحدة والاستفهام "أئنا" ثم قال:
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/287]
793- وَ"عَمَّ" "رِ"ضًا فِي النَّازِعَاتِ وَهُمْ عَلَى،.. أُصُولِهِمُ وَامْدُدْ "لِـ"ـوَى "حَـ"ـافِظٍ "بَـ"ـلا
رضى في موضع نصب على التمييز؛ أي: عم رضا الإخبار في ثاني النازعات فقرئ: "إذا كنا" بهمزة واحدة فوافق ابن عامر نافعا والكسائي في أصلهما الذي هو الإخبار في الثاني؛ لأنه يقرأ الأول بالاستفهام فهو كما قرأ في النمل، وكان القياس أن يفعل في الواقعة كذلك لكنه استفهم في الموضعين كما أن الكسائي استفهم في موضعي العنكبوت فخالفا أصلهما فيهما، والباقون على الاستفهام مطلقا وهم على أصولهم في ذلك؛ لأنه اجتمع في قراءتهم بالاستفهام همزتان في الأول وهمزتان في الثاني.
فمَن مذهبه تحقيق الهمزتين وهم الكوفيون وابن عامر: حقق.
ومَن مذهبه تسهيل الثانية سهل وهم الحرميان وأبو عمرو على ما تمهد في باب الهمزتين من كلمة.
ومَن مذهبه المد بين الهمزتين سواء كانت الثانية محققة أو مسهلة مدَّ هنا، وهم أبو عمرو وقالون وهشام، وقد رمزهم هنا بقوله: وامدد لوى حافظ بلا وإنما اعتنى ببيان ذلك، ولم يكتفِ بما تقدم في باب الهمزتين من كلمة إعلاما بأن هشاما يمد هنا بغير خلاف عنه بخلاف ما تقدم في الباب المذكور وقد ذكر لهشام فيه سبعة مواضع لا خلف عنه في مدها فهذا الباب كذلك، وقوله: "وامدد لوى" أراد "لوا" الممدود فقصره ضرورة وهو مفعول امدد، وإذا مد اللواء ظهر واشتهر أمره؛ لأن مده نشره بعد طيه، فكأنه يقول: انشر علم الحفظة القراء وأشهر قراءاتهم، ومعنى ابتلا اختبر وهو صفة لحافظ، وأشار الشيخ إلى أن لوى في موضع نصب على الحال؛ أي: في علو لواء الحافظ وشهرته واعلم أن القراءة بالاستفهام في هذه المواضع في الأصل وهو استفهام الإنكار والتعجب، ومن قرأ بالخبر في الأول أو الثاني استغنى بأحد الاستفهامين عن الآخر وهو مراد فيه، ومن
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/288]
جمع بينهما فهو أقوى تأكيدا، والعامل في إذا من قوله: "إذا كنا" في أول المواضع التسع، وثاني النازعات فعل مضمر يدل عليه ما بعده في الأول وما قبله في الثاني، تقديره أنبعث إذا كنا ترابا أنرد إذا كنا عظاما نخرة، ومن قرأ بالإخبار في ثاني النازعات جاز أن يتعلق إذا بما قبله وهو: {لَمَرْدُودُونَ}، أما الإخبار في باقي المواضع فلفظه إنا فلا يعمل ما بعد إن فيما قبلها كما لا يعمل ما بعد الاستفهام فيما قبله نص عليه أبو علي، أما الموضع الحادي عشر وهو الذي في العنكبوت فليس فيه لفظ إذا فالأمر فيه ظاهر). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/289]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (789 - وما كرّر استفهامه نحو آئذا = أئنّا فذو استفهام الكلّ أوّلا
790 - سوى نافع في النّمل والشّام مخبر = سوى النّازعات مع إذا وقعت ولا
791 - ودون عناد عمّ في العنكبوت مخ = برا وهو في الثّاني أتى راشدا أوّلا
792 - سوى العنكبوت وهو في النّمل كن رضا = وزاداه نونا إنّنا عنهما اعتلا
793 - وعمّ رضا في النّازعات وهم على = أصولهم وامدد لوا حافظ بلا
تكرر لفظ الاستفهام في القرآن الكريم في أحد عشر موضعا في تسع سور:
الموضع الأول: في هذه السورة وهو: أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. الثاني والثالث: في سورة الإسراء: أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا* في الموضعين. الرابع: في المؤمنون: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا. الخامس: في النمل أَإِذا كُنَّا تُراباً وَآباؤُنا أَإِنَّا. السادس: في العنكبوت: إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ. السابع: في السجدة: أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ الثامن والتاسع: في
[الوافي في شرح الشاطبية: 298]
الصافات: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا*، في الموضعين. العاشر:
في الواقعة: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا الحادي عشر: في النازعات: أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً. وقد قرأ القراء السبعة بهمزتين على الاستفهام في اللفظ الأول من الاستفهامين في كل موضع من المواضع المذكورة؛ إلا نافعا في اللفظ الأول في النمل؛ فإنه قرأه بهمزة واحدة مكسورة على الخبر، وإلا ابن عامر الشامي؛ فإنه قرأ الأول من الاستفهامين بهمزة واحدة مكسورة على الخبر في كل المواضع إلا في أول النازعات، وأول الواقعة؛ فإنه قرأهما بالاستفهام، وإلا المشار إليهم (بدون عناد عم) وهم: ابن كثير وحفص ونافع والشامي في أول العنكبوت؛ فإنهم أخبروا فيه، وإلى هنا تم كلامه في الأول من الاستفهامين.
ثم انتقل إلى الكلام في الثاني؛ فأخبر أن نافعا والكسائي قرآ بالإخبار في الثاني في الجميع إلا ثاني العنكبوت فقرآه بالاستفهام، ثم أخبر أن ابن عامر والكسائي قرآ ثاني النمل بالإخبار مع زيادة نون فيه فقرءا إننا. ثم ذكر أن نافعا والشامي والكسائي قرءوا ثاني النازعات بالإخبار، فغيرهم بالاستفهام. هذا ما يستفاد من النظم، وأورد على الناظم في قوله: (والشام مخبر سوى النازعات مع إذا وقعت ولا) أن فيه قصورا؛ لأنه لم يذكر فيما استثناه للشامي موضع النمل وكان عليه أن يذكره؛ لأن الشامي يقرؤه بالاستفهام كما يقرأ في النازعات والواقعة، فكان يجب عليه أن يقول: سوى النازعات النمل مع وقعت ولا. وأجيب عن الناظم بأنه لما ذكر أن القراء يستفهمون في اللفظ الأول من الاستفهامين إلا نافعا في النمل؛ فإنه يقرأ اللفظ الأول فيه بالإخبار، فهم منه أن غير نافع من القراء ومنهم الشامي يقرءون بالاستفهام في أول النمل فاستغنى الناظم بهذا عن ضم النمل إلى الواقعة والنازعات.
وتلخيص ما تقدم: أن نافعا والكسائي يقرءان بالاستفهام في اللفظ الأول والإخبار في الثاني، غير أن نافعا خالف أصله في النمل والعنكبوت فأخبر فيهما في الأول واستفهم في الثاني، وخالف الكسائي أصله أيضا في العنكبوت فاستفهم فيها في الأول والثاني، وفي النمل فاستفهم فيه في الأول، وأخبر في الثاني وزاد فيه نونا، وأن ابن عامر يقرأ بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني غير أنه خالف أصله
[الوافي في شرح الشاطبية: 299]
في ثلاثة مواضع:
الأول: النمل فاستفهم فيها في الأول. وأخبر في الثاني وزاد فيه نونا. الثاني: النازعات فاستفهم فيها في الأول وأخبر في الثاني. والثالث: الواقعة فاستفهم فيها في الأول والثاني معا، وأن ابن كثير وحفصا يقرءان بالاستفهام في الأول والثاني وخالفا أصلهما في العنكبوت فأخبرا فيه في الأول واستفهما في الثاني، وأن أبا عمرو وشعبة وحمزة يقرءون بالاستفهام في الأول والثاني في جميع المواضع.
ويؤخذ مما تقدم أمور: الأول: أن القراء اتفقوا على الاستفهام في اللفظ الأول في الواقعة وفي اللفظ الثاني في العنكبوت. الثاني: أن الاستفهامين قد يكونان في آية واحدة كما في هذه السورة وسورة المؤمنين وقد يكونان في آيتين متجاورتين كما في سورتي العنكبوت والنازعات. الثالث:
ليس بلازم أن يكون الاستفهام الأول لفظ أَإِذا* والثاني لفظ أَإِنَّا* يعكسان فيكون الأول أَإِنَّا* والثاني أَإِذا* كما في النازعات، وقد يكونان لفظين آخرين كما في سورة العنكبوت: أَإِنَّكُمْ وبناء على هذا فقول الناظم: (أءذا، أئنا) ما قصد به إلا مجرد التمثيل لوجود استفهامين في مكان واحد ولم يقصد خصوص هذين اللفظين. الرابع: ضابط هذا الباب أن يجتمع لفظا الاستفهام ويكون كل منهما مشتملا على همزتين، سواء كان اللفظان في آية واحدة أم في آيتين متلاصقتين كما في سائر المواضع، فلا بد من تحقق الشرطين: اجتماع لفظي الاستفهام واشتمال كل على همزتين، فإذا تحقق الشرط الأول دون الثاني بأن اجتمع لفظا الاستفهام ولم يشتمل كل منهما على همزتين فلا يكونان من هذا الباب، كقوله تعالى في سورة النمل: وَلُوطاً إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ، أَإِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ. فلفظ الاستفهام أَتَأْتُونَ، أَإِنَّكُمْ. لكن الأول ليس مشتملا على همزتين، كذلك إذا تحقق الشرط الثاني وهو اجتماع همزتين ولم يتحقق الأول وهو اجتماع لفظين فلا يكون من هذا الباب أيضا نحو: أَأَنْذَرْتَهُمْ* أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ، أَإِنَّكَ*، أَأُنْزِلَ.
واعلم أن كل من يقرأ بالاستفهام في الموضع الأول أو في الثاني أو في كليهما فهو على أصله في تحقيق الهمزتين من كلمة أو تسهيل الثانية، وفي إدخال الألف بينهما أو تركه، وهذا معنى قوله (وهم على أصولهم). وقوله: (وامدد لوا حافظ بلا) معناه: أن قالون وأبا عمرو
[الوافي في شرح الشاطبية: 300]
وهشاما يدخلون ألفا بين الهمزتين في هذا الباب، وهذا الحكم معلوم من باب الهمزتين من كلمة، وإنما أعاده هنا لإفادة أن هشاما يدخل في هذا الباب قولا واحدا كما يدخل في المواضع السبعة بلا خلاف عنه). [الوافي في شرح الشاطبية: 301]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (وَتَقَدَّمَ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ فِي حُرُوفٍ قَرُبَتْ مَخَارِجُهَا). [النشر في القراءات العشر: 2/297]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (وَتَقَدَّمَ اخْتِلَافُهُمْ فِي أَئِذَا أَئِنَّا فِي بَابِ الْهَمْزَتَيْنِ مِنْ كَلِمَةٍ). [النشر في القراءات العشر: 2/297]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ({تعجب فعجبٌ} [5] ذكر في الإدغام الصغير). [تقريب النشر في القراءات العشر: 561]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ({أءذا كنا ترابًا أءنا} [5] ذكر في الهمزتين من كلمة). [تقريب النشر في القراءات العشر: 562]
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (تتمة:
تقدم أءذا [الرعد: 5]، أءنّا [الرعد: 5] في الهمزتين من كلمة، ووقف ابن كثير على هادي [الرعد: 7]، ووالي [الرعد: 11]، وواقي [الرعد: 34، 37] وأ فلم يأيئس [الرعد: 31] ). [شرح طيبة النشر للنويري: 2/400] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): ("وأدغم" باء "تعجب" في فاء "فعجب" أبو عمرو والكسائي وهشام وخلاد بخلف عنهما، ومر تفصيله في الإدغام الصغير، وأسقط ذكر الخلاف لهشام هنا في الأصل فليعلم). [إتحاف فضلاء البشر: 2/160]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وقرأ "أئذا كنا ترابا أئنا" [الآية: 5] بالاستفهام في الأول والإخبار في الثاني نافع والكسائي ويعقوب وكل على أصله، فقالون بالتسهيل والمد وورش ورويس بالتسهيل والقصر والكسائي وروح بالتخفيف والقصر، وقرأ ابن عامر وأبو جعفر بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني، وكل على أصله أيضا
[إتحاف فضلاء البشر: 2/160]
فابن عامر بالتحقيق، فلا فصل بالألف، غير أن أكثر الطرق عن هشام على الفصل، وأما أبو جعفر فبالتسهيل والمد، والباقون بالاستفهام فيهما، فابن كثير بالتسهيل بلا فصل، وأبو عمرو بالتسهيل والفصل، وأما عاصم وحمزة وخلف فبالتحقيق والقصر). [إتحاف فضلاء البشر: 2/161]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {أاذا كنا ترابًا إنا لفي} [5] قرأ نافع وعلي الأول وهو {أاذا} بهمزتين، الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة، على الاستفهام، والثاني وهو {إنا} بهمزة واحدة، على الخبر.
والشامي الأول بهمزة واحدة، على الخبر، والثاني بهمزتين، الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة، على الاستفهام، والباقون بالاستفهام فيهما.
وهم في التحقيق والتسهيل والإدخال على أصولهم في الهمزتين من كلمة، إلا هشامًا له في ذلك الإدخال وتركه، وليس له في هذا وأمثاله إلا الإدخال خاصة، وهو الذي
[غيث النفع: 755]
عليه سائر المغاربة، وأكثر المشارقة، وعليه اقتصر صاحب التيسير، وتبعه الشاطبي على ذلك، وهو المقروء به من طريقهما.
وذهب آخرون إلى أجراء الخلاف عنه في ذلك قال المحقق: «وهو الظاهر قياسًا» وهو المقروء به من طريق نشره، فصار:
- قالون بالاستفهام في الأول، مع تسهيل الثانية والمد، أي إدخال ألف بينهما، والإخبار في الثاني.
- وورش كذلك، إلا أنه لا يمد.
- والمكي بالاستفهام فيهما مع التسهيل والقصر.
- والبصري كذلك، إلا أنه يمد.
- والشامي بالإخبار في الأول والاستفهام في الثاني، وهشام يمد، وابن ذكوان يقصر.
- وعاصم وحمزة بالاستفهام فيهما معًا والتحقيق والقصر.
- وعلي بالاستفهام في الأول كذلك، والإخبار في الثاني.
كيفية قراءتها من {وإن تعجب} إلى {جديد} - والوقف عليه كاف -: أن تبدأ بقالون بتسكين ميم الجمع وما تقدم في {أاذا} و{إنا}.
ثم تأتي بهشام، وتعطف عليه ابن ذكوان بالقصر، ثم بعاصم، ويندرج معه حمزة على عدم السكت.
ثم تأتي بقالون بضم ميم الجمع من غير مد، وتعطف عليه المكي، ثم تأتي له بالمد، ثم بورش مع النقل، ثم بخلف مع السكت في الموضعين.
[غيث النفع: 756]
ثم تأتي بالبصري بإدغام ياء {تعجب} في فاء {فعجب} ثم بخلاد، ويندرج معه على، إلا أنه يتخلف في {إنا} فتعطفه منه بالخبر، والله الموفق). [غيث النفع: 757]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {خالدون} كاف وقيل تام فاصلة بلا خلاف، ومنتهى الربع عند كثير، و{يعقلون} قبله عند جماعة، وعليه أهل المغرب الأقصى جميعًا، وعليه اقتصر في اللطائف). [غيث النفع: 757]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (5)}
{وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ}
أدغم الباء في الفاء أبو عمرو والكسائي والدوري والداجوني وحمزة في رواية، وهشام وخلاد بخلاف عنهما.
وقراءة الباقين بالإظهار وهو الوجه الثاني لهشام وخلاد، وكذلك روي عن حمزة وخلف.
{أَئِذَا}
قرأ بتحقيق الهمزتين حفص وأبو بكر عن عاصم، وحمزة والكسائي ونافع وابن عامر وابن ذكوان عن يحيى الذماري ويعقوب وروح وخلف {أئذا}.
وقرأ أبو عمرو وقالون عن نافع وأبو جعفر وزيد عن يعقوب (آیذا) بتسهيل الهمزة الثانية وإدخال ألف بين الهمزتين: المحققة والمسهلة، وهي
[معجم القراءات: 4/383]
لغة أهل الحجاز، ذكر هذا ابن يعيش، وذكر أنه اختيار أبي عمرو.
قال ابن مجاهد: «أبو عمرو يتم الهمزة ثم يأتي بالياء الساكنة».
وقرأ ابن كثير وورش ورويس وإسماعيل عن نافع بتسهيل الهمزة الثانية من غير إدخال ألف بين الهمزتين: المحققة والمسهلة (أيذا).
قال ابن مجاهد: «ابن كثير يأتي بالياء ساكنة بعد الهمزة من غير مد».
وقرأ الكسائي وروح بالتخفيف والقصر.
وقرأ هشام بتحقيق الهمزتين مع إدخال ألف بينهما (آئذا) وهي عن بني تميم، ذكر هذا ابن يعيش في شرح المفصل.
وقرأ ابن عامر وأبو جعفر وابن عباس «إذا» بهمزة واحدة على الخبر.
قال ابن الأنباري: «ومن اكتفى بأحدهما استغنى بما أبقى عما ألقى».
أي بأحد الاستفهامين هنا وفي (أئنا).
{أَئِنَّا}
قرأ عاصم وحمزة وابن عامر وخلف وابن ذكوان وابن عباس (أئنا) بالتحقيق فيهما مع القصر.
وقرأ ابن كثير وورش ورويس وابن محيصن (أينا» بتحقيق الأولى وتسهيل الثانية مع القصر.
وقرأ أبو عمرو وأبو جعفر وقالون في رواية، وذكرها ابن مجاهد رواية عن ابن عامر، واليزيدي، وهي رواية عن نافع والأعمش (آينا) بتسهيل الهمزة الثانية مع الفصل بألف بين الهمزتين: المحققة والمسهلة، وهي لغة الحجاز.
وهشام يحقق الهمزتين ويدخل بينهما ألفًا بخلاف عنه، وهي رواية بعض أصحاب ابن عامر عنه (آإنا)، وهي لغة تميم.
وقرأ نافع والكسائي ويعقوب وقالون (إنا) بهمزة واحدة على الخبر.
[معجم القراءات: 4/384]
{أَصْحَابُ النَّارِ}
أمال (النار) أبو عمرو والدوري عن الكسائي وابن ذكوان من طريق الصوري، واليزيدي.
وبالتقليل قرأ الأزرق وورش.
والباقون بالفتح، وهي رواية الأخفش عن ابن ذكوان.
وتقدم هذا في مواضع، انظر الآية/39 من سورة البقرة، والآية/16 من سورة آل عمران). [معجم القراءات: 4/375]
قوله تعالى: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)}
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (الْمَثُلَاتُ) بضم الميم الحسن، وابن أبي عبلة، وَحُمَيْد، وأَبُو حَاتِمٍ عن أبي بكر، وعبد الوارث عن أَبِي عَمْرٍو، والباقون بفتحها، وهو الاختيار اتباعًا للجماعة، واختار الزَّعْفَرَانِيّ ضم الميم وإسكان الثاء، وهو الاختيار). [الكامل في القراءات العشر: 578]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): ("وكسر" الهاء والميم وصلا "من قبلهم المثلات" أبو عمرو ويعقوب وضمها حمزة والكسائي وخلف، وضم الميم فقط، والباقون ومثلها "لربهم الحسنى" ). [إتحاف فضلاء البشر: 2/161] (م)
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {ويستعجلونك بالسيئة}
{قبلهم المثلات} [6] لا يخفى). [غيث النفع: 759]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ (6)}
{بِالسَّيِّئَةِ}
قراءة حمزة في الوقفبإبدال الهمزة ياءً تخفيفًا.
{مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}
قرأ أبو عمرو ويعقوب واليزيدي والحسن (من قبلهم المثلات) بكسر الهاء والميم في الوصل.
وقرأ حمزة والكسائي وخلف والأعمش (من قبلهم المثلات) بضم الهاء والميم في الوصل.
وقراءة الباقين (من قبلهم المثلات) بكسر الهاء وضم الميم في الوصل، وهي لغة بني أسد وأهل الحرمین.
وأما في حالة الوقف فجميع القراء يكسرون الهاء ويسكنون الميم (من قبلهم...).
{الْمَثُلَاتُ}
قرأ أبو عمرو وابن عامر وابن كثير ونافع وحمزة والكسائي
[معجم القراءات: 4/385]
وعاصم والأعمش في رواية وأبو جعفر ويعقوب والحسن (المثلات) بفتح الميم وضم التاء المثلثة، وواحده مثلة مثل سمرة وسمرات، ومعناها: العقوبات، وهي لغة الحجاز، وفسره ابن عباس رضي الله
عنهما بالعقوبة المستأصلة للعضو.
وقرأ مجاهد والأعمش وعيسى بن عمر (المثلات) بفتح الميم والثاء.
وقرأ عيسى بن عمر في رواية الأعمش وأبو بكر بن عياش وقتادة، وأبو مجلز، وذكرها قطرب عن بعضهم، وأبو رزين وأبو مجلز وسعيد ابن جبير وعثمان والحسن وابن أبي عبلة وعبد الوارث والجهضمي عن أبي عمرو والأفطس عن ابن كثير (المثلات) بضم الميم والثاء.
وذكر القرطبي وغيره أنها لغة تميم، وواحدها على لغتهم ممثلة: مثل غرفة وغرفات، أو فيها لغة أخرى وهي ممثلة.
قال العكبري:
«وأما ضم الثاء، فيجوز أن يكون لغة في الواحد، وأن يكون إتباعًا في الجمع...» أي أتبع فيه العين للفاء.
وقرأ الأعمش وابن وثاب (المثلات)، بضم الميم وسكون الثاء،
[معجم القراءات: 4/386]
وهي لغة تميم، جمع مثلة.
قال ابن جني:
«ومن قال (المثلات) بضم الميم وسكون الثاء أحتمل عندنا أمرين: أحدهما، أن يكون أراد (المثلات)، ثم أثر إسكان الثاء استثقالًا للضمة ففعل ذلك، إلا أنه نقل الضمة إلى الميم فقال: المثلات، كما قالوا في عَضُد: عُضْد وفي عَجُز: عُجْز.
والآخر أن يكون خفف في الواحد فصار مَثُلة إلى مُثْلة، ثم جمع على ذلك فقال: المثلات...».
وقرأ طلحة بن سليمان ويحيى بن وثاب، وطلحة بن مصرف.
كذا عند الشهاب، والأعمش (المثلات) بفتح الميم وسكون الثاء، وهي لغة الحجاز.
قال العكبري:
«وفيه وجهان أحدهما: أنها مخففة من الجمع المضموم فرارًا من ثقل الضمة مع توالي الحركات.
والثاني: أن الواحد خفف ثم جمع على ذلك».
وقال ابن جني:
«وأما من قرأ (المثلات) بفتح الميم وسكون الثاء فإنه أسكن عين (المثلات) استثقالًا لها فأقر الميم المفتوحة.
[معجم القراءات: 4/387]
وإن شئت قلت: أسكن عين الواحد فقال (مثلة)، ثم جمع، وأقر السكون بحاله، ولم يفتح الشاء كما قالوا في جفنة وتمرة: جفنات وتمرات، لأنها ليست في الأصل فعلة وإنما هي مسكنة من فعلة..
وإن شئت قلت: أسكن الثاء تخفيفًا فلم يرجع تحريكها إلا بحركتها الأصلية لها...».
{مَغْفِرَةٍ}
ترقيق الراء عن الأزرق وورش.
{لِلنَّاسِ}
تقدمت الإمالة فيه وفي الآية الأولى من هذه السورة). [معجم القراءات: 4/388]
قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ ابن كثير (هاد وواق ووال وباق) بياء في الوقف حيث وقع، وهو المشهور عنه، وقد ذكرنا عنه الوقف بالياء في نظائره ولم أقرأ به، ووقف الباقون بغير ياء، ولا اختلاف في حذف الياء وإثبات التنوين في الوصل). [التبصرة: 245]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (ابن كثير: {هاد} (7، 33)، و: {وال} (11)، و: {واق} (34، 37)، و: {ما عند الله باق} (النحل: 96): بالتنوين في الوصل، فإذا وقف، وقف بالياء في هذه الأربعة الأحرف، حيث وقعت لا غير.
والباقون: يصلون بالتنوين، ويقفون بغير ياء). [التيسير في القراءات السبع: 328] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :( [قرأ] ابن كثير: (هاد ووال وواق ما عند اللّه باقٍ) بالتّنوين في الوصل فإذا وقف وقف بالياء في هذه الأربعة الأحرف حيث وقعت لا غير، والباقون يصلون بالتّنوين ويقفون بغير ياء). [تحبير التيسير: 422] (م)
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([7]، [33]- {هَادٍ}، و{وَالٍ} [11]، و{وَاقٍ} [34] حيث وقعن، {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: 69] منون في الوصل، وبياء في الوقف: ابن كثير، وقد ذكر). [الإقناع: 2/675] (م) قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (وَتَقَدَّمَ وَقْفُ ابْنِ كَثِيرٍ عَلَى هَادٍ وَوَالٍ وَوَاقٍ فِي بَابِ الْوَقْفِ عَلَى الْمَرْسُومِ). [النشر في القراءات العشر: 2/297] (م)
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ({هادٍ} [7]، و{والٍ} [11]، و{واقٍ} [34]، ذكر في الوقف لابن كثير). [تقريب النشر في القراءات العشر: 562] (م)
- قال محب الدين محمد بن محمد بن محمد النُّوَيْري (ت: 857هـ): (تتمة:
تقدم أءذا [الرعد: 5]، أءنّا [الرعد: 5] في الهمزتين من كلمة، ووقف ابن كثير على هادي [الرعد: 7]، ووالي [الرعد: 11]، وواقي [الرعد: 34، 37] وأ فلم يأيئس [الرعد: 31] ). [شرح طيبة النشر للنويري: 2/400] (م)
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): ("وأثبت" الياء وقفا من "هاد" كلاهما "ووال وواق" كلاهما ابن كثير على الأصل.
"وأثبتها" في الحالين في "المتعال" [الآية: 9] ابن كثير ويعقوب من غير خلاف، كما في النشر، وما ورد عن قنبل من حذفها في الحالين، أو في الوقف فغير مأخوذ به). [إتحاف فضلاء البشر: 2/161] (م)
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {هاد} قرأ المكي في الوقف بإثبات ياء بعد الدال، والباقون يحذفونها، ويقفون على الدال، ولا خلاف بينهم في الوصل في حذفها، وهو مما حذف فيه حرف العلة للتنوين.
ووقع في القرآن العظيم من ذلك ثلاثون حرفًا، في سبعة وأربعين موضعًا، وهي: {باغ} و{عاد} [البقرة: 173] و{موصي} [البقرة: 182] و{تراضي} [البقرة: 233] و{حام} [103] و{لأت} [العنكبوت: 5] و{غواش} [الأعراف: 41] و{أيد} [الأعراف: 195] و{لعال} يونس: 83] و{هار} [التوبة: 109] و{ناج} [يوسف: 42] و{هاد} [الرعد] و{واق} [الرعد] و{مستخف} [الرعد: 10] و{وال} [العرد] و{واد} [الشعراء: 225] و{باق} [النحل: 86] و{مفتر} [النحل: 101] و{ليال} [مريم: 10] و{قاض} [طه: 72] و{زان} [النور: 3] و{جاز} [لقمان: 33] و{كاف} [الزمر: 36] و{معتد} [ق: 25] و{فإن} [الرحمن و{ءان} [الرحمن] و{راق} [القيامة] و{مهتد} [الحديد: 26] و{ملاق} [الحاقة: 20] و{دان} [الرحمن].
فاتفقوا على حذف الياء من جميع ذلك وصلاً ووقفًا، إلا المكي فأثبت الياء وقفًا في أربعة أحرف وهي {هاد} و{واق} و{وال} و{باق} ووعت في عشرة مواضع، وستأتي في مواضعها). [غيث النفع: 759]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7)}
{عَلَيْهِ}
قراءة ابن كثير في الوصل (عليهي) بوصل الهاء بياء.
وقراءة الباقين بهاء مكسورة من غير وصل.
{مُنْذِرٌ}
ترقيق الراء عن الأزرق وورش بخلاف.
{هَادٍ}
قرأ ابن كثير في رواية القواس والبزي ويعقوب، وهي رواية ابن شنبوذ عن قنبل (هادي) بياء في الوقف.
وذكر الأزرق عن ورش أنه خيره في الوقف في جميع الباب بين أن يقف بالياء وبين أن يقف بحذفها.
[معجم القراءات: 4/388]
وقراءة باقي السبعة وأبي جعفر وغيرهم بغير ياء في الوقف، وروى هذا ابن فليح عن ابن كثير {هاد} وهو الموافق للرسم والحذف للتخفيف.
واتفق جميع القراء في الوصل على أنه بالتنوين، ولا يجوز غيره (هاد...).
قال أبو حيان:
«وفي الإقناع أبي جعفر بن الباذش عن ابن مجاهد الوقف على جميع الباب لابن كثير بالياء، وهذا لا يعرفه المكيون» ). [معجم القراءات: 4/389]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين