التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (36) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أليس اللّه بكافٍ عبده...}
قرأها يحيى بن وثّاب , وأبو جعفر المدني {أليس الله بكافٍ عباده} على الجمع, وقرأها لناس {عبده} , وذلك أن قريشاً , قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم: أما تخاف أن تخبلك آلهتنا لعيبك إيّاها! , فأنزل الله: {أليس اللّه بكافٍ عبده} : محمّدا صلى الله عليه وسلم، فكيف يخوّفونك بمن دونه,والذين قالوا {عباده} قالوا: قد همّت أمم الأنبياء بهم، ووعدوهم مثل هذا، فقالوا لشعيب {إن نقول إلاّ اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ} , فقال الله {أليس اللّه بكافٍ عباده} : أي: محمداً عليه الصلاة والسلام , والأنبياء قبله, وكلّ صواب). [معاني القرآن: 2/419-420]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {أليس اللّه بكاف عبده ويخوّفونك بالّذين من دونه ومن يضلل اللّه فما له من هاد (36)}
(أليس اللّه بكاف عبده): ويقرأ (عباده)، ولو قرئت " كافي عبده " , و " كافي عباده " لجازت، ولكن القراءة سنة لا تخالف.
ومعنى بكاف عبده : يدل على النصر، وعلى أنه كقوله:{ليظهره على الدّين كلّه} ، وهو مثل: {إنّا كفيناك المستهزئين (95)}
{ويخوّفونك بالّذين من دونه}:أي: يخوفون بآلهتهم , وأوثانهم.
ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خالد بن الوليد إلى العزى ليكسرها، فلما جاء خالد قال له سادنها: أحذركها يا خالد , إن لها شدة , لا يقوم لها شيء, فعمد خالد إلى العزى فهشم أنفها، فهذا معنى {ويخوّفونك بالّذين من دونه}؛ لأن تخويفهم خالدا , هو تخويفهم النبي صلى الله عليه وسلم لأنه وجهه). [معاني القرآن: 4/354-355]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله عز وجل: {أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه} : هذا يدل على النصر , وأكثر الكوفيين يقرأ بكاف عباده.
والتوحيد أحسن , لأنه يروى : أنه يراد به النبي صلى الله عليه وسلم , ويدل عليه :{ويخوفونك بالذين من دونه} .
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد , قال: (الأوثان) .
قال قتادة: (أخذها خالد بن الوليد فأسا , فجاء إلى العزى ليكسرها , فقال له قيمها : إن سبلها لا يطاق , فخف منها , فجاء حتى كسر أنفها) .
ويروى : أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : لئن لم تنته عن سبها , لنأمرنها فلتخبلنك .
قال مجاهد : (نزلت هذه الآية : حين قرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم عند باب الكعبة)). [معاني القرآن: 6/176-178]
تفسير قوله تعالى:{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (38) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هل هنّ كاشفات ضرّه...}
{ممسكات رحمته...} : نوّن فيهما عاصم , والحسن , وشيبة المدنيّ, وأضاف يحيى بن وثّاب, وكلّ صواب, ومثله {إنّ الله بالغ أمره} , و{بالغٌ أمره} , و{موهن كيد الكافرين} , و{موهنٌ كيد الكافرين} , وللإضافة معنى مضّى من الفعل, فإذا رأيت الفعل قد مضى في المعنى فآثر الإضافة فيه، تقول أخوك أخذ حقه، فتقول ها هنا: أخوك آخذ حقّه, ويقبح أن تقول: آخذٌ حقّه. فإذا كان مستقبلاً لم يقع بعد قلت: أخوك آخذٌ حقّه عن قليل، وآخذ حقّه عن قليل: ألا ترى أنك لا تقول: هذا قاتلٌ حمزة مبغّضاً؛ لأن معناه ماضٍ , فقبح التنوين؛ لأنه اسم). [معاني القرآن: 2/420]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ قل أفرايتم ما تدعون من دون اللّه إن أرادني اللّه بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه }: ما ها هنا في موضع الجميع مجازها مجاز الذي مثل بيت الأشهب هذا , وقوله { هل هن كاشفات ضره }: يعني ما تعبدون من حجر ووثن، وأنت لأنهن موات, كما قال { إن يدعون من دونه إلاّ إناثاً }: إلا مواتاً). [مجاز القرآن: 2/190]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم أعلم - مع عبادتهم العزى والأوثان - أنهم مقرون بأن اللّه خالقهم فقال: {ولئن سألتهم من خلق السّماوات والأرض ليقولنّ اللّه قل أفرأيتم ما تدعون من دون اللّه إن أرادني اللّه بضرّ هل هنّ كاشفات ضرّه أو أرادني برحمة هل هنّ ممسكات رحمته قل حسبي اللّه عليه يتوكّل المتوكّلون (38)}
ويقرأ كاشفات ضره , بترك التنوين , والخفض في ضره ورحمته, فمن قرأ بالتنوين , فلأنه غير واقع في معنى : هل يكشفن ضره , أو يمسكن رحمته , ومن أضاف وخفض , فعلى الاستخفاف , وحذف التنوين.
, وكلا الوجهين حسن قرئ بهما). [معاني القرآن: 4/355]