التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ (8)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {نسي ما كان يدعو إليه من قبل...}
يقول: ترك الذي كان يدعوه إذا مسّه، الضر يريد الله تعالى, فإن قلت: فهلاّ , قيل: نسي من كان يدعو؟ .
قلت: إن (ما) قد تكون في موضع (من) , قال الله : {قل يأيّها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد} : يعني : الله, وقال : {فانكحوا ما طاب لكم من النّساء} : فهذا وجه. وبه جاء التفسير، ومثله: {أن تسجد لما خلقت بيديّ} , وقد تكون : {نسي ما كان يدعو إليه} يراد: نسي دعاءه إلى الله من قبل, فإن شئت جعلت الهاء التي في (إليه) لما , وإن شئت جعلتها لله وكلّ مستقيم.
وقوله: {قل تمتّع بكفرك قليلاً} : فهذا تهدّد , وليس بأمر محض, وكذلك قوله: {فتمتّعوا فسوف تعلمون} , وما أشبهه.). [معاني القرآن: 2/416]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ثمّ إذا خوّله نعمةً منه }: كل مالك , وكل شيء أعطيته فقد خولته , قال أبو النجم:
أعطى فلم يبخل ولم يبخّل= كوم الذّرى من خول المخوّل
يريد الله تبارك وتعالى: وسمعت أبا عمرو يقول في بيت زهير:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا = وإن يسئلوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
قال يونس: إنما سمعنا:
= هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا
: وهي معناها). [مجاز القرآن: 2/189]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وحّد وهو يريد الجمع، كما قال: {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
و{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ}.
وقال: {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ}.
ولم يرد في جميع هذا إنسانا بعينه، إنما هو لجماعة الناس.
ومثله قول الشاعر:
إذا كنتَ متّخذا صاحبا = فلا تصحبنّ فتى دارميّا
لم يرد بالخطاب رجلا بعينه، إنما أراد: من كان متّخذا صاحبا فلا يجعله من دارم). [تأويل مشكل القرآن: 273] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({خوله نعمة}: ملكه). [غريب القرآن وتفسيره: 325]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله جلّ وعزّ: {وإذا مسّ الإنسان ضرّ دعا ربّه منيبا إليه ثمّ إذا خوّله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله قل تمتّع بكفرك قليلا إنّك من أصحاب النّار (8)}
{منيبا إليه} : أي: تائبا إليه.
{ثمّ إذا خوّله نعمة منه} : أي: أذهب الضّرّ عنه , وأنعم عليه.
{نسي ما كان يدعو إليه من قبل} : يقول: نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى اللّه - جلّ وعزّ - , وجائز أن يكون معناه : نسي اللّه الذي كان يتضرع إليه من قبل.
ومثله: {ولا أنا عابد ما عبدتم (4) ولا أنتم عابدون ما أعبد (5)}: فكانت (ما) تدل على اللّه، و " من " عبارة عن كل مميّز.
و(ما) يكون لكل نوع، تقول: ما عندك؟ فيكون الجواب : رجل , أو فرس , أو ما شئت من الأجناس، فيدخل المميز في (ما) من جهة دخولها على الأجناس.
{قل تمتّع بكفرك قليلا} : لفظ هذا لفظ أمر، ومعناه - التهديد والوعيد.
ومثله : {فتمتّعوا فسوف تعلمون} , ومثله: {فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}, ومثله قوله لمن يتهدده: عد لما أكره وحسبك، فأنت لست تأمره في المعنى , وإنّما تتوعده وتتهدده.). [معاني القرآن: 4/346-347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه}
روى سعيد , عن قتادة قال : (مخلصا) .
قال أبو جعفر : يقال: أناب إذا رجع , وتاب .
وقوله جل وعز: {ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعو إليه من قبل}
أي: أعطاه , وأباحه , وكان أبو عمرو بن العلاء ينشد:
هنالك إن يستخولوا المال يخولوا = وإن يسالوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا
ثم قال: {نسي ما كان يدعو إليه من قبل} :أي: نسي الذي كان يدعو الله جل وعز به من قبل , ويجوز أن يكون المعنى : نسي الله الذي كان يدعوه كما قال تعالى: {ولا أنتم عابدون ما أعبد}
وفي قوله تعالى: {قل تمتع بكفرك قليلا }: معنى التهديد .
وقوله جل وعز: {وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}
قال السدي : (الأنداد من الرجال : يطيعهم في المعاصي , وقيل : عبد الأوثان).
وهذا أولى بالصواب ؛ لأن ذلك في سياق عتاب الله عز وجل إياهم على عبادتها). [معاني القرآن: 6/154-156]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {خوله}: أعطاه , ورزقه.). [ياقوتة الصراط: 444]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({خَوَّلَهُ}: ملكه). [العمدة في غريب القرآن: 261]
تفسير قوله تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل...}
قرأها يحيى بن وثّاب بالتخفيف, وذكر ذلك , عن نافع , وحمزة , وفسّروها يريد: يا من هو قانت؟, وهو وجه حسن، العرب تدعو بألف، كما يدعون بيا, فيقولون: يا زيد أقبل، وأزيد أقبل. قال الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ = إلاّ يدٍ ليست لها عضد
وقال الآخر:
أضمر بن ضمرة ماذا ذكر = ت من صرمة أخذت بالمرار
وهو كثير في الشعر فيكون المعنى مردوداً بالدعاء كالمنسوق، لأنه ذكر الناسي الكافر، ثم
قصّ قصة الصالح بالنداء، كما تقول في الكلام: فلان لا يصلّي , ولا يصوم, فيا من يصلّي , ويصوم , أبشر , فهذا هو معناه, والله أعلم.
وقد تكون الألف استفهاماً بتأويل أم؛ لأن العرب قد تضع (أم) في موضع الألف إذا سبقها كلام، قد وصفت من ذلك ما يكتفى به, فيكون المعنى أمن هو قانت (خفيف) كالأوّل الذي ذكر بالنسيان , والكفر.
ومن قرأها بالتشديد فإنه يريد معنى الألف, وهو الوجه: أن تجعل أم إذا كانت مردودة على معنىً قد سبق قلتها بأم, وقد قرأ بها الحسن , وعاصم , وأبو جعفر المدنيّ يريدون: أم من, والعرب تقول: كان هذا حين قلت: أأخوك أم الذئب؟, تقال هذه الكلمة بعد المغرب إذا رأيت الشخص , فلم تدر ما هو, ومنه قولك: أفتلك أم وحشيّة؟, وقولك: أذلك أم جأب يطارد أتنا؟.
فإن قال قائل فأين جواب (أمّن هو) ؟: فقد تبيّن في الكلام أنه مضمر، وقد جرى معناه في أوّل الكلمة، إذ ذكر الضالّ ثم ذكر المهتدى بالاستفهام ؛ فهو دليل على أنه يريد: أهذا مثل هذا أو أهذا أفضل أم هذا؟. ومن لم يعرف مذاهب العرب , ويتبيّن له المعنى في هذا , وشبهه لم يكتف ولم يشتف؛ ألا ترى قول الشاعر:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أنّ معناه: لو أتانا رسول غيرك لدفعناه، فعلم المعنى ولم يظهر, وجرى قوله: {أفمن شرح الله صدره للإسلام} على مثل هذا.
وقوله: {آناء اللّيل ساجداً وقائماً} نصب على قوله: يقنت ساجداً مرّةً , وقائماً مرّةً، أي: مطيع في الحالين, ولو رفع كما رفع القانت كان صواباً, والقنوت: الطاعة). [معاني القرآن: 2/417]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أمّن هو قانتٌ} :أي : مصل, وأصل القنوت: الطاعة , {آناء اللّيل} : أي: ساعاته.). [تفسير غريب القرآن: 382]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقال: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} ولم يذكر ضدّ هذا؛ لأن في قوله: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ} دليلا على ما أراد.
وقال الشاعر:
أراك فما أدري أهمٌّ هممتُه = وذو الهمِّ قدمًا خاشعٌ متضائل
ولم يأت بالأمر الآخر.
وقال أبو ذؤيب:
عصيت إليها القلب إنّي لأمرِهِ = سميعٌ، فما أدري أَرُشْدٌ طِلابُها؟
أراد: أرشد هو أم غيّ؟ فحذف). [تأويل مشكل القرآن: 215]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ}.
هذا كلام مردود إلى ما قبله، محذوف منه الجواب للاختصار، على ما بيّنا في (باب المجاز).
وإنما ذكر الله تعالى قبل هذا الكلام قوما ركنوا إلى الدنيا ورضوا بها عوضا من الآخرة فقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ} .
أي نؤتيهم ثواب أعمالهم في الدنيا، إذ كان عملهم لها وطلبهم ثوابها، وليس لهم في الآخرة إلا النار.
وحبط ما صنعوا فيها أي ذهب وبطل، لأنهم لم يريدوا الله بشيء منه.
ثم قايس بين هؤلاء وبين النبي صلّى الله عليه وسلم وصحابته فقال: أفمن كان على بيّنةٍ من ربّه يعني محمدا، صلّى الله عليه وسلم. ويتلوه شاهدٌ منه أي من ربّه. (الهاء) مردودة إلى الله تعالى.
والشاهد من الله تعالى للنبي، صلّى الله عليه وسلم: جبريل عليه السلام، يريد أنه يتبعه ويؤيّده ويسدّده ويشهده.
ويقال: الشاهد: (القرآن) يتلوه يكون بعده تاليا شاهدا له.
وهذا أعجب إليّ؛ لأنّه يقول: ومن قبله كتاب موسى يعني التوراة.
إماماً ورحمةً قبل القرآن يشهد له بما قدّم الله فيها من ذكره.
والجواب هاهنا محذوف. أراد أفمن كانت هذه حاله كهذا الذي يريد الحياة الدنيا وزينتها؟ فاكتفى من الجواب بما تقدم، إذ كان فيه دليل عليه.
ومثله قوله: { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، ولم يذكر الذي هو ضده؟ لأنه قال بعد: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.
فالقانتون آناء الليل والنهار هم الذين يعلمون، وأضدادهم، هم الذين لا يعلمون، فاكتفى من الجواب بما تأخّر من القول، إذ كان فيه دليل عليه). [تأويل مشكل القرآن: 394-395] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (القنوت: القيام.
وسئل صلّى الله عليه وسلم: أيّ الصلاة أفضل؟ فقال: «طول القنوت»
أي طول القيام.
وقال تعالى: {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا}، أي أمن هو مصلّ، فسميت الصلاة قنوتا: لأنها بالقيام تكون.
وروي عنه، عليه السلام، أنه قال: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القانت الصائم»، يعني المصلّي الصّائم.
ثم قيل للدعاء: قنوت؛ لأنّه إنما يدعو به قائما في الصلاة قبل الركوع أو بعده.
وقيل، الإمساك عن الكلام في الصلاة قنوت، لأن الإمساك عن الكلام يكون في القيام، لا يجوز لأحد أن يأتي فيه بشيء غير القرآن.
قال زيد بن أرقم: (كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فنهينا عن الكلام وأمرنا بالسكوت).
ويقال: إن قانتين في هذا الوضع: مطيعين.
والقنوت: الإقرار بالعبوديّة، كقوله: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ}، أي مقرّون بعبوديته.
والقنوت: الطاعة، كقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ}، أي: المطيعين والمطيعات.
وقوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}، أي مطيعا لله.
ولا أرى أصل هذا الحرف إلا الطاعة؛ لأنّ جميع هذه الخلال: من الصلاة، والقيام فيها، والدعاء وغير ذلك- يكون عنها). [تأويل مشكل القرآن: 451-452]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {أمّن هو قانت آناء اللّيل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب (9)}
{أمّن هو قانت آناء اللّيل} : ساعات الليل، وأكثر القراءة بتشديد الميم على معنى : بل أم من هو قانت , والقانت المقيم على الطاعة، ودعاء القنوت الدعاء في القيام، فالقانت القائم بما يجب عليه من أمر اللّه، ويقرأ {أمن هو قانت} بتخفيف الميم، وتأويله: أمن هو قانت كهذا الذي ذكرنا ممن جعل للّه أندادا، وكذلك (أمّن) معناه بل أمن هو قانت كغيره، أي أمن هو مطيع كمن هو عاص.
{يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه} : معناه يحذر عذاب الآخرة.
{قل هل يستوي الّذين يعلمون}: أي: لا يستوي العالم والجاهل، وكذلك لا يستوي المطيع والعاصي , و{أولوا الألباب} : ذوو العقول، وواحد الألباب لب , وهي العقول.). [معاني القرآن: 4/347]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أم من هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما}
أي: مصل , والقنوت: الطاعة.
قال الحسن , وقتادة : (آناء الليل ساعاته أوله , وأوسطه ,وآخره).
قال أبو جعفر : قال الأخفش : قراءة من قرأ :{أمن هو} , بالتخفيف ضعيفة في العربية ؛ لأن ألف الاستفهام لا يعتمد على ما قبلها.
قال أبو جعفر : الذي قاله الأخفش حسن , يدل عليه: أن الذي في سورة النمل , لم يقرأ إلا مثقلا , ومعنى كلامه : أن الكلام معتمد على ما قبله ليس له خبر , وإنما دل عليه ما قبله ؛ لأنه قال جل وعز: {وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله}
فحذف الخبر ؛ لأن المعنى أمن هو مطيع كهذا؟! , أو أمن هو مطيع أفضل أم هذا ؟!
وهذا موضع أم التي بمعنى بل , كما قال:
أفتلك أم وحشية مسبوعة = خذلت وهادية الصوار قوامها
وقوله:
أذلك أم جاب يطارد آتنا = حملن فأدنى حملهن دروص
ومن قرأ بالتخفيف , فالخبر أيضا عنده محذوف , وهو شيء غامض في العربية , لا يأنس به إلا من درب بها كما قال:
فأقسم لو شيء أتانا رسوله = سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
أي : لدفعناه , فعلى هذا يقع الحذف
وقيل هو نداء : أي : يا من هو قائم آناء الليل .
وقوله جل وعز: {يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه}
قرأ سعيد بن جبير : {يحذر عذاب الآخرة } , والمعنى واحد.
وقوله جل وعز: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب}
أي: كما لا يستوي العالم والجاهل كذا لا يستوي المطيع والعاصي , وقيل : الذين يعلمون ما لهم في الطاعة , وما عليهم في المعصية , ثم قال:{ إنما يتذكر أولو الألباب }:أي: العقول , ولب كل شيء : خالصه.). [معاني القرآن: 6/156-160]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَانِتٌ}: قانت, {آناء الليل}: ساعاته). [العمدة في غريب القرآن: 261]
تفسير قوله تعالى: { قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قل يا عباد الّذين آمنوا اتّقوا ربّكم للّذين أحسنوا في هذه الدّنيا حسنة وأرض اللّه واسعة إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب (10)}
ذكر سعة الأرض ههنا : لمن كان يعبد الأصنام, وأمرنا بالمهاجرة عن البلد الذي يكره فيه على عبادتها، كما قال: {ألم تكن أرض اللّه واسعة فتهاجروا فيها}: وقد جرى ذكر الأوثان في قوله: {وجعل للّه أندادا ليضلّ عن سبيله}
{إنّما يوفّى الصّابرون أجرهم بغير حساب}: أي : من صبر على البلاء في طاعة اللّه , أعطي أجره بغير حساب.
جاء في التفسير : بغير مكيال , وغير ميزان.
يغرف له غرفا، وهذا وإن كان الثواب لا يقع على بعضه كيل , ولا وزن , مما يتنغم به الإنسان من اللذة , والسرور , والرّاحة، فإنه يمثل ما يعلم بحاسّة القلب بما يدرك بالنظر، فيعرف مقدار القلّة من الكثرة.). [معاني القرآن: 4/347-348]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة}
قيل: الحسنة : الجنة .
وقيل : المعنى لهم حسنة في الدنيا , أي : ثناء حسن , وطمأنينة بما لهم
وقوله جل وعز: {وأرض الله واسعة} , قال مجاهد : أي: فهاجروا , واعتزلوا الأوثان.). [معاني القرآن: 6/160]