التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى:{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ (45) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واذكر عبادنا...}
قرأت القراء : {عبادنا} يريدون: إبراهيم , وولده .
وقرأ ابن عباس: {واذكر عبدنا إبراهيم} , وقال: (إنما ذكر إبراهيم, ثم ذكرت ذريّته من بعده, ومثله: {قالوا نعبد إلهك وإله أبيك}) , على هذا المذهب في قراءة ابن عباس, والعامّة : {آبائك} , وكلّ صواب.
وقوله: {أولي الأيدي والأبصار} : يريد: أولي القوّة والبصر في أمر الله, وهي في قراءة عبد الله:{أولي الأيد} بغير ياء، فقد يكون له وجهان, إن أراد: الأيدي , وحذف الياء , فهو صواب؛ مثل: {الجوار} و{المناد}، وأشباه ذاك, وقد يكون في قراءة عبد الله : من القوّة , من التأييد).[معاني القرآن: 2/406-407]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أولي الأيدي والأبصار}: قالوا: أولي النعم والبصائر.
يقال: لي عندك يد أي نعمة.
ومن قرأ {الأيد} بغير ياء فزعموا أنه بمعنى القوة {والأبصار}: قالوا العقول أيضا).[غريب القرآن وتفسيره: 323-324]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار (45)}
{واذكر عبدنا},{وعبادنا}, من قال :{عبادنا} : جعل إبراهيم , وإسحاق , ويعقوب بدلا من عبادنا.
ومن قرأ : {عبدنا }: جعل إبراهيم وحده البدل، وجعل إسحاق , ويعقوب عطفا على قوله :{عبدنا}.
وقوله: {أولي الأيدي} : وقرئت الأيد بغير ياء , ومعنى أولي الأيدي : أولي القوة في العبادة.
(والأبصار): أي : هم ذوو بصيرة فيما يقرب إلى اللّه, وقد يقول للقوم: لهم أيدي بهؤلاء , أي: هم قادرون عليهم.
قال الشاعر:
اعمد لما تعلو فما لك بالذي = لا تستطيع من الأمور يدان
أي : أعمد لما تقهر , ولا تعمد لما تقهر فيه، أي: فما لك قوة.
من قرأ :{أولي الأيد }: بغير ياء , فمعناه من التأييد , والتقوية على الشيء.).[معاني القرآن: 4/336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار}
روى علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس : {أولي الأيدي }, قال: (القوة , والعبادة , والأبصار, قال: (الفقه في دين الله جل وعز) .
قال أبو جعفر : واحد الأيدي: يد , واليد: تقع للقوة .
وفي قراءة عبد الله بن مسعود : (أولي الأيد , بلا ياء) .
وهذا بين من قولهم : أيده إذا قواه). [معاني القرآن: 6/122-123]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْأَيْدِي}: النعم , {الْأَبْصَارِ}: البصائر.).[العمدة في غريب القرآن: 260]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ (46) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدّار...}
فردّ {ذكرى الدّار}, وهي معرفة على (خالصةٍ) وهي نكرة, وهي كقراءة مسروق : {بزينةٍ الكواكب}, ومثله قوله: {هذا وإنّ للطّاغين لشرّ مآبٍ جهنّم يصلونها}: فردّ جهنّم , وهي معرفة على:{شرّ مآبٍ} وهي نكرة, وكذلك قوله: {وإنّ للمتّقين لحسن مآبٍ جنّات عدنٍ مفتّحة} , والرفع في المعرفة كلّها جائز على الابتداء, أنشدني بعض العرب:
لعمرك ما نخلى بدار مضيعةٍ = ولا ربّها إن غاب عنها بخائف
وإن لها جارين لن يغدرا بها = ربيب النبي وابن خير الخلائف
فرفع على الابتداء.
وقد قرأ أهل الحجاز {بخالصة ذكرى الدار} أضافوها, وهو وجه حسنٌ, ومنه: {كذلك يطبع الله على كلّ قلب متكبّرٍ جبّارٍ} .
ومن قال:{قلبٍ متكبّرٍ}: جعل القلب : هو المتكبر.). [معاني القرآن: 2/407]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إنا أخلصناهم بخالصةٍ ذكرى الدّار}: تنوين خالصةٍ عمل في { ذكرى}.). [مجاز القرآن: 2/185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {إنّا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدّار (46)}
ويقرأ : بخالصة ذكرى الدار : على إضافة خالصة إلى ذكرى , ومن قرأ بالتنوين جعل : ذكرى الدار بدلا من خالصة.
ويكون المعنى : إنا أخلصناهم بذكرى الدّار.
ومعنى الدار ههنا : الدار الآخرة.
وتأويله يحتمل وجهين:
أحدهما: إنا أخلصناهم جعلناهم لنا خالصين، بأن جعلناهم يذكرون بالدار الآخرة، ويزهّدون في الدنيا، وكذلك شأن الأنبياء صلوات اللّه عليهم.
ويجوز: أن يكون بأنهم يكثرون ذكر الآخرة , والرجوع إلى الله جلّ وعزّ.). [معاني القرآن: 4/336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار}
قال قتادة : (أي: يذكرون بالآخرة , وبطاعة الله جل وعز) .
قال أبو جعفر: وهذا قول بين , أي: إنهم يزهدون في الدنيا , ويرغبون في الآخرة, وكذا الأنبياء صلى الله عليهم وسلم .
وقال الضحاك: (أي : بخوف الآخرة) .
قال أبو جعفر : والمعنى على هذا القول : أنهم يذكرون الآخرة , ويرغبون فيها , ويزهدون في الدنيا .
وهذا القول : ظاهر معنى الكلمة , وقد يكون من صفتهم أيضا : الترغيب في الآخرة.
وهذان التأويلان على قراءة من قرأ بالتنوين , ومن أضاف , قال معناه : أخلصناهم بأفضل ما في الآخرة , هذا قول ابن زيد.
والمعنى على هذا القول: أنهم يذكرون بالآخرة , ويرغبون فيها , ويزهدون في الدنيا .
وفي القراءة بالإضافة قول آخر , وهو قول مجاهد : (يكون المعنى : إنا أخلصناهم بأن ذكرنا الجنة لهم).).[معاني القرآن: 6/124]
تفسير قوله تعالى:{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ (47) }
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ الأخيار }: والخيار واحد , مثل: الشرار , والأشرار.).[مجاز القرآن: 2/185]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار (47)}
أي : الذين اتخذهم اللّه صفوة، صفاهم من الأدناس كلّها , وأخلصهم منها.).[معاني القرآن: 4/336]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار}
أي: هم مصطفون من الذنوب , والأدناس.).[معاني القرآن: 6/124-125]
تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ (48)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {واذكر إسماعيل واليسع...}
قرأه أصحاب عبد الله بالتشديد, وقرأه العوامّ {اليسع} بالتخفيف, والأوّل أشبه بالصّواب, وبأسماء الأنبياء من بني إسرائيل...
- حدثني محمد بن عبد العزيز التيمي , عن مغيرة , عن إبراهيم أنه قرأ{واللّيسع} بالتشديد, وأما قولهم: {واليسع} , فإن العرب لا تدخل على يفعل إذا كان في معنى فلانٍ ألفاً ولاماً, يقولون: هذا يسع، وهذا يعمر، وهذا يزيد, فهكذا الفصيح من الكلام, وقد أنشدني بعضهم:
وجدنا الوليد بن اليزيد مباركاً = شديداً بأحناء الخلافة كاهله
فلمّا ذكر الوليد في أول الكلمة بالألف , واللام , أتبعه يزيد بالألف , واللام , وكلّ صواب.
وقوله: {وذا الكفل} , يقال: إنه سمّي ذا الكفل : أن مائة من بني إسرائيل انفلتوا من القتل , فآواهم وكفلهم.
ويقال: إنه كفل لله بشيء فوفى به.
والكفل في كلام العرب: الجدّ , والحظّ , فلو مدح بذلك كان وجهاً على غير المذهبين الأوّلين.). [معاني القرآن: 2/408]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكلّ من الأخيار (48)}
ويقرأ : واللّيسع , وذا الكفل, وكان تكفل بعمل رجل صالح.
يقال: إنه كان يصلي ذلك الرجل في كل يوم مائة صلاة , فتوفّي الرجل الصالح , فتكفل ذو الكفل بعمله، فكان يعمل عمله.
ويقال : إن ذا الكفل تكفّل بأمر أنبياء , فخلّصهم من القتل , فسمّي ذا الكفل.
{وكلّ من الأخيار}:المعنى : وكل هؤلاء المذكورين من الأخيار.
والأخيار : جمع خيّر , وأخيار , مثل: ميّت , وأموات.). [معاني القرآن: 4/337]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفيل وكل من الأخيار}
قال الأشعري : قيل: ذو الكفل ؛ لأنه كفل بعمل رجل صالح كان يصلي في كل يوم مائة صلاة , فأثنى الله جل وعز عليه بحسن كفالته , ولم يكن نبيا .
وقيل : كفل لبعض الملوك بالجنة , وكتب له كتابا بذلك
والكفل في اللغة: النصيب , والحظ.). [معاني القرآن: 6/125-126]