تفسير قوله تعالى: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ تسوّروا المحراب...}
{إذ دخلوا...}
قد يجاء بإذ مرّتين، (وقد) يكون معناهما كالواحد؛ كقولك: ضربتك إذ دخلت عليّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعل أحدهما على مذهب لمّا، فكأنه قال: {إذ تسوّروا المحراب لمّا دخلوا}. إن شئت جعلت لمّا في الأوّل. فإذا كانت لمّا أوّلاً وآخراً فهي بعد صاحبتها؛ كما تقول: أعطيته لمّا سألني. فالسؤال. قبل الإعطاء في تقدّمه وتأخّره). [معاني القرآن: 2/401]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" إذ تسوّروا المحراب " أشرف كل مجلس وبيت ومقدمه هو محرابه، وقال الشاعر:
ربّة محرابٍ إذا جئتها=لم ألقها أو ارتقي سلّما
" نبؤا الخصم " الخصم يقع لفظه على الواحد والجميع قال لبيد:
وخصم يعدّون الذحول كأنهم=قرومٌ غيارى كلّ أزهر مصعب). [مجاز القرآن: 2/180]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تسوّروا المحراب} أي صعدوا). [تفسير غريب القرآن: 378]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (هل: تكون للاستفهام...، والمفسّرون يجعلونها في بعض المواضع بمعنى: «قد»، كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}، أي قد أتى وقوله: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} و: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى}، : {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}، و: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ}؟ .
هذا كله عندهم بمعنى: (قد) ). [تأويل مشكل القرآن: 538] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( (وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوّروا المحراب (21)
والمحراب أرفع بيت في الدار، وكذلك هو أرفع مكان في المسجد، والمحراب ههنا كالغرفة.
قال الشاعر:
ربّة محراب إذا جئتها=م ألقها أو أرتقي سلّما
و (تسوّروا) يدلّ على علوّ.
وقال: (الخصم) ولفظه لفظ الواحد، و (تسوّروا)
لفظ الجماعة؛ لأن قولك خصم يصلح للواحد والاثنين والجماعة والذكر والأنثى، يقال: هذا خصم وهي خصم وهما خصم وهم خصم.
وإنما صلح لجميع ذلك لأنه مصدر، تقول خصمته أخصمه خصما.
المعنى هما: ذوا خصم وهم ذوو خصم، وإن قلت خصوم جاز كما تقول هما عدل وهما ذوا عدل، وقال اللّه تعالى، (وأشهدوا ذوي عدل منكم).
فمعنى هما: عدل هما ذوا عدل.
فما كان من المصادر قد وصفت به الأسماء فتوحيده جائز، وإن وصفت به الجماعة، وتذكيره جائز وإن وصفت به الأنثى، تقول هو رضى وهما رضى، وكذلك هذه رضى). [معاني القرآن: 4/325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب}
تسوروا أي علو والمحراب كل مكان مرتفع
وقيل: محراب للذي يصلى إليه على التمثيل أي هو أرفع موضع في المسجد.
وخصم يقع للواحد والاثنين والجميع بلفظ واحد على معنى ذو خصم.
ولا اختلاف بين أهل التفسير انه يراد به ههنا ملكان). [معاني القرآن: 6/94]
تفسير قوله تعالى: (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (22) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إذ تسوّروا المحراب...}
{إذ دخلوا...}
قد يجاء بإذ مرّتين، (وقد) يكون معناهما كالواحد؛ كقولك: ضربتك إذ دخلت عليّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعل أحدهما على مذهب لمّا، فكأنه قال: {إذ تسوّروا المحراب لمّا دخلوا}. إن شئت جعلت لمّا في الأوّل. فإذا كانت لمّا أوّلاً وآخراً فهي بعد صاحبتها؛ كما تقول: أعطيته لمّا سألني. فالسؤال. قبل الإعطاء في تقدّمه وتأخّره). [معاني القرآن: 2/401]
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ):(وقوله: {خصمان} رفعته بإضمار (نحن خصمان) والعرب تضمر للمتكلّم والمكلّم المخاطب ما يرفع فعله. ولا يكادون يفعلون ذلك بغير المخاطب أوالمتكلّم. من ذلك أن تقول للرّجل: أذاهب، أو أن يقول المتكلم: واصلكم إن شاء الله ومحسن إليكم. وذلك أن المتكلّم والمكلّم حاضران، فتعرف معنى أسمائهما إذا تركت. وأكثره في الاستفهام؛ يقولون: أجادّ، أمنطلق. وقد يكون في غير الاستفهام. فقوله (خصمان) من ذلك. وقال الشاعر:
وقولا إذا جاوزتما أرض عامرٍ = وجاوزتما الحيّين نهداً وخثعما
نزيعان من جرم بن زبّان إنهم = أبوا أن يميروا في الهزاهز محجما
وقال الآخر:
تقول ابنة الكعبيّ يوم لقيتها = أمنطلق في الجيش أم متثاقل
وقد جاء في الآثار للراجع من سفر: تائبون ائبون، لربنا حامدون. وقال: من أمثال العرب: محسنة فهيلي.
قال الفراء: جاء ضيف إلى امرأة ومعه جراب دقيق، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسها، فلما أقبل أخذت من جرابها إلى جرابه. فقال: ما تصنعين؟ قالت: أزيدك من دقيقي. قال: محسنة فهيلي. أي ألقي. وجاء في الآثار: من أعان على قتل مؤمنٍ بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه: يائس من رحمة الله. وكلّ هذا بضمير ما أنباتك به.
ولو جاء في الكتاب: خصمين بغى بعضنا لكان صواباً بضمير أتيناك خصمين، جئناك خصمين فلا تخفنا. ومثله قول الشاعر:
وقالت ألا يا اسمع نعظك بخطّةٍ = فقلت سميعاً فانطقي وأصيبي
أي سميعاً أسمع منك، أو سميعاً وعظت. والرفع فيه جائز على الوجوه الأول.
وقوله: {ولا تشطط} يقول: ولا تجر: وقد يقول بعض العرب: شططت عليّ في السّوم، وأكثر الكلام أشططت. فلو قرأ قارئ {ولا تشطط} كأنه يذهب له إلى معنى التباعد و{تشطط} أيضاً. العرب تقول: شطّت الدار فهي تشطّ وتشطّ.
وقوله: {واهدنا إلى سواء الصّراط} إلى قصد الصراط. وهذا ممّا تدخل فيه (إلى) وتخرج منه.
قال الله {اهدنا الصراط المستقيم} وقال {وهديناه النّجدين} وقال {إنّا هديناه السّبيل} ولم يقل (إلى) فحذفت إلى من كل هذا. ثم قال في موضع آخر {أفمن يهدي إلى الحقّ} وقال {يهدي إلى الحقّ وإلى طريقٍ مستقيمٍ} ويقال: هديتك للحق وإليه قال الله {الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي} وكأن قوله: {اهدنا الصراط} أعلمنا الصراط، وكأن قوله: {اهدنا إلى الصّراط} أرشدنا إليه والله أعلم بذلك). [معاني القرآن للفراء: 2/4011-403]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" قالوا لا تخف خصمان " رجع إلى معنى الواحد منه.
" ولا تشطط " أي لا تسرف قال الحوص:
ألا يا لقومٍ قد أشطّت عواذلي=ويزعمن أن أودى بحقي باطلي
ويقال: كلفتني شططاً، منه أيضاً: وشطت الدار بعدت وقال الشاعر وهو عمر بن أبي ربيعة:
تشطّ غداً دار جيراننا=وللدار بعد غدٍ أبعد). [مجاز القرآن: 2/180-181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لا تشطط}: لا تسرف).[غريب القرآن وتفسيره: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تشطط} أي لا تجر علينا. يقال: أشططت، إذا جرت. وشطت الدار: إذا بعدت: فهي تشطّ وتشطّ. {واهدنا إلى سواء الصّراط} أي قصد الطريق). [تفسير غريب القرآن: 378]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( الهدى
أصل هدى أرشد، كقوله: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} .
وقوله: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}، أي أرشدنا). [تأويل مشكل القرآن: 444] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصّراط (22)}
لأنهم أتوه من غير مأتى الخصوم، وفي غير وقتهم، وفي وقت لم يكن داود يأذن فيه أن يدخل عليه أحد، فأنكر ذلك وفزع.
وإنّما بعث إليه ملكان فتصورا في صورة رجلين متخاصمين.
(قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض).
القراءة - الرفع، والرافع لخصمان نحن، والمعنى نحن خصمان ولو كان في الكلام لا تخف خصمين بغى بعضنا على بعض لجاز، على معنى أتيناك خصمين لأنه أنكر إتيانهم، وإتيان الخصوم قد كان يعتاده كثيرا.
(فاحكم بيننا بالحقّ ولا تشطط).
أي لا تجر، يقال أشط يشط إذا جار، ويقرأ لا تشطط بمعنى لا تبعد عن الحق، وكذلك لا تشطط - بكسر الطاء وفتح التاء - معناه كمعنى الأول قال الشاعر:
تشطّ غدا دار جيراننا=وللدّار بعد غد
(واهدنا إلى سواء الصّراط).
إلى قصد الطريق - أي طريق الحق). [معاني القرآن: 4/325-326]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إذ دخلوا على داود ففزع منهم}
قيل: دخلا عليه ليلا في غير وقت الخصومة، فلذلك قال: ففزع منهم.
وقيل: فزع منهما لدخول هما من غير الباب الذي كان منه المدخل.
وقوله جل وعز: {قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض}
على جهة المسألة كما تقول رجل يقول لامرأته كذا ما يجب عليه.
ثم قال جل وعز: {فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط} فاحكم بيننا بالحق أي بالعدل ولا تشطط أي ولا تجر.
يقال: أشط يشط إذا جار وشط يشط إذا بعد.
وقد قرى: ولا تشطط أي لا تبعد في الحكم.
كما قال الشاعر:
شطت مزار العاشقين فأصبحت=عسرا علي طلابها ابنة مخرم
واهدنا إلى سواء الصراط أي إلى قصد السبيل
وقال تعالى: {اهدنا الصراط المستقيم} بغير إلى والعرب تحذف حرف الخفض مما يتعدى إلى مفعولين.
كما قال الشاعر:
ومنا الذي اختير الرجال سماحة=وبرا إذا هب الرياح الزعازع
وقيل: معنى اهدنا الصراط أعلمنا الصراط ومعنى اهدنا إلى الصراط أرشدنا إلى الصراط). [معاني القرآن: 6/95-97]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ({تُشْطِطْ}: تسرف). [العمدة في غريب القرآن: 259]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (23) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ هذا أخي له تسعٌ وتسعون نعجةً...}
وفي قراءة عبد الله (كان له) وربّما أدخلت العرب (كان) على الخبر الدائم الذي لا ينقطع. ومنه قول الله في غير موضع {وكان ربّك قديراً} {وكان الله غفوراً رحيماً} فهذا دائم. والمعنى البيّن أن تدخل (كان) على كل خبر قد كان ثم انقطع؛ كما تقول للرجل: قد كنت موسرا، فمعنى هذا: فأنت الآن معدم.
وفي قراءة عبد الله (نعجةً أنثى) والعرب تؤكّد التأنيث بأنثاه، والتذكير بمثل ذلك، فيكون كالفضل في الكلام فهذا من ذلك.
ومنه قولك للرجل: هذا والله رجل ذكر.
وإنما يدخل هذا في المؤنّث الذي تأنيثه في نفسه؛ مثل المرأة والرجل والجمل والناقة. فإذا عدوت ذلك لم يجز.
فخطأ أن تقول: هذه دارٌ أنثى، وملحفة أنثى؛ لأنّ تأنيثها في اسمها لا في معناها. فابن على هذا.
وقوله: {وعزّني في الخطاب} أي غلبني. ولو قرئت {وعازّني} يريد: غالبني كان وجهاً). [معاني القرآن: 2/403-404]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" فقال أكفلنيها " مجازه مجاز " كفّلها زكريّا " أي ضمها إليه وكفلت بالمال والنفس أي ضمنت.
" وعزّني في الخطاب " أي صار أعز مني فيه.
" ولي نعجة واحدةٌ " مجازها مجاز امرأة. قال الأعشى:
فرميت غفلة عينه عن شاته=فأصبت حبّة قلبها وطحالها
يعني امرأة الرجل). [مجاز القرآن: 2/181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {وعزني في الخطاب}:غلبني أي صار أعز مني).[غريب القرآن وتفسيره: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({فقال أكفلنيها} أي ضمها إلى واجعلني كافلها {وعزّني في الخطاب} أي غلبني في القول.
ويقال: صار أعز مني. عاززته فعززته، وعزّني). [تفسير غريب القرآن: 379]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقد جاء في القرآن التعريض؛ فمن ذلك ما خبّر الله سبحانه من نبإ الخصم {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ}. ثم قال: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ}.
إنما هو مثل ضربه الله سبحانه له، ونبهه على خطيئته به.
وورّى عن النساء بذكر النّعاج، كما كنى الشاعر عن جارية بشاة، وكنى الآخر عن النساء بالقلص). [تأويل مشكل القرآن: 266-267]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {إنّ هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزّني في الخطاب (23)}
كنى بالنعجة عن المرأة.
قال الأعشى:
فرميت غفلة عينه عن شاته=فأصبت حبّة قلبها وطحالها
عنى بالشاة ههنا المرأة.
(فقال أكفلنيها).
أي اجعلني أنا أكفلها، وانزل أنت عنها.
(وعزّني في الخطاب).
غلبني في الخصومة، أي كان أقوى على الاحتجاج منّي). [معاني القرآن: 4/326-327]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال عز وجل: {إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة}
قال وهب: إن هذا أخي أي على ديني له تسع وتسعون نعجة والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة.
كما قال الشاعر:
فرميت غفلة عينه عن شاته=فأصبت حبة قلبها وطحالها
وفي قراءة ابن مسعود: (إن هذا أخي كان له تسع وتسعون نعجة أنثى) وكان ههنا مثل قوله: {وكان الله غفورا رحيما}، فأما قوله: (أنثى)، فقيل: هو على جهة التوكيد.
وقيل: لما كان يقال: هذه مائة نعجة، وإن كان فيها من الذكور شيء يسير جاز أن يقال: أنثى ليعلم أنه لا ذكر فيها.
ثم قال جل وعز: {ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها}
قد جاءت أخبار وقصص في أمر داود وأوريا وأكثرها لا يصح ولا يتصل إسناده ولا ينبغي أن يجترأ على مثلها إلا بعد المعرفة بصحتها.
وأصح ما روي في ذلك ما رواه مسروق عن عبد الله بن مسعود قال: (ما زاد داود على أن قال: أكفلنيها أي انزل لي عنها)
وروى المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: (ما زاد داود على أن قال: أكفلنيها أي تحول لي عنها وضمها إلي)
قال أبو جعفر: فهذا أجل ما روي في هذا.
والمعنى عليه أن داود عليه السلام سأل أوريا أن يطلق له امرأته كما يسأل الرجل الرجل أن يبيعه جاريته، فنبهه الله جل وعز على ذلك وعاتبه لما كان نبيا وكان له تسع وتسعون أنكر عليه أن يتشاغل بالدنيا وبالتزيد منها. فأما غير هذا فلا ينبغي الاجتراء عليه.
ومعنى أكفلنيها: انزل لي عنها واجعلني كافلها.
قال الضحاك: (وعزني في الخطاب أي قهرني)
وفي قراءة عبد الله: (وعازني).
قال أبو جعفر: يقال: عازه أي غالبه وعزه أي غلبه.
قال الحسن: (أي قهره في المحاورة).
قال أبو جعفر: ومنه قولهم: من عز بز.
ومنه قول زهير:
=فعزته يداه وكاهله). [معاني القرآن: 6/97-102]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَعَزَّنِي}: أي غلبني). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 210]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ({وعَزَّنِي}: غلبني). [العمدة في غريب القرآن: 259]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (24) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه...}
المعنى فيه: بسؤاله نعجتك، فإذا ألقيت الهاء من السؤال أضفت الفعل إلى النعجة. ومثله قوله: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير} ومعناه من دعائه بالخير: فلمّا ألقى الهاء أضاف الفعل إلى الخير وألقى من الخير الباء، كقول الشاعر:
ولست مسلّماً ما دمت حيّاً=على زيدٍ بتسليم الأمير
إنما معناه: بتسليمي على الأمير. ولا يصلح أن تذكر الفاعل بعد المفعول به فيما ألقيت منه الصفة.
فمن قال: عجبت من سؤال نعجتك صاحبك لم يجز له أن يقول: عجبت من دعاء الخير الناس، لأنك إذا أظهرت الآخر مرفوعاً فإنما رفعه بنيّة أن فعل أو أن يفعل، فلا بدّ من ظهور الباء وما أشبهها من الصّفات.
فالقول في ذلك أن تقول: عجبت من دعاء بالخير زيدٌ، وعجبت من تسليمٍ على الأمير زيدٌ. وجاز في النعجة؛ لأنّ الفعل يقع عليها بلا صفة؛ فتقول: سألتك نعجة، ولا تقول: سألتك بنعجة. فابن على هذا.
وقوله: {وظنّ داوود أنّما فتنّاه} أي علم. وكلّ ظنٍّ أدخلته على خبرٍ فجائز أن تجعله علماً؛ إلاّ إنه علم ما لا يعاين). [معاني القرآن: 2/404]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" بسؤال نعجتك " مصدر " سألت " استعطيت.
" الخلطاء " الشركاء.
" وظنّ داود " أي أيقن). [مجاز القرآن: 2/181]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من الخلطاء}: الشركاء.
{وظن داوود}: أيقن).[غريب القرآن وتفسيره: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بسؤال نعجتك إلى نعاجه} أي مضمومة إلى نعاجه، فاختصر.
ويقال: «إلى» بمعنى «مع».
و{الخلطاء}: الشركاء). [تفسير غريب القرآن: 379]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإنّ كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلّا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وقليل ما هم وظنّ داوود أنّما فتنّاه فاستغفر ربّه وخرّ راكعا وأناب (24)}
المعنى بسؤاله نعجتك ليضمها إلى نعاجه.
(وإنّ كثيرا من الخلطاء).
من الشركاء، تقول: فلان خليطي وشريكي في معنى واحد.
(إلا الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات وقليل ما هم).
أي قليل هم.
وقوله: (وظنّ داوود أنّما فتنّاه) الآية.
ويقرأ بالتخفيف - فتناه - يعنى به الملكان.
ومعنى ظن أيقن، ألا أنه ليس بيقين عيان، أما العيان فلا يقال فيه إلا علم.
(فاستغفر ربّه وخرّ راكعا وأناب).
مكث أربعين يوما ساجدا لا يرفع رأسه يستغفر اللّه من ذنبه، إلا لصلاة مكتوبة وما لا بدّ له منه، ولا ترقأ دمعته.
ويروى في التفسير - أن قصة داود والملكين سببها أن إبليس - غضب اللّه عليه - تمثل له في صورة طير من ذهب فسقط بقربه، فأوى إليه ليأخذه فتنحّى وطلبه حتى إذا قارب أن يتناوله تنحى فبصر داود في اتباع الطير بامرأة تغتسل، وبصرت به فتجلّلت بشعرها حتى سترها ويقال: إنها امرأة أوريّا بن حنّا.
ويروى أنه: كتب إلى صاحب جنده أن يقدم أوريّا في حرب كانت، فقدّمه فقتل فتزوجها داود.
ويروى أن عليّا عليه السلام قال: (من قال: أن داود عليه السلام قارف من هذه المرأة ريبة جلدته مائة وستين جلدة؛ لأن من قذف غير النبي جلد ثمانين جلدة، ومن قذف نبيا جلد مائة وستين جلدة).
وكان في التفسير أن داود أحب أن يتلف أوريّا حتى يتزوج داود بامرأته.
وهذا - واللّه أعلم - إنما كان من داود على جهة محبّة أن يتفق له ذلك من غير أن يتعمد أو يسعى في دم الرجل، فجعله اللّه له ذنبا لما أحبه.
ويجوز أن يكون كتب في أن يقدّم أمام التابوت هذا الرجل لبأسه ونجدته في الحرب ورجا كفايته فاتفق مع ذلك أن أصيب وبه حلت له امرأته فعوتب على محبة امرأة رجل ليس له غيرها، ولداود تسع وتسعون امرأة، فكان ذلك من ذنوب الأنبياء، فلما بالغ في التوبة وجهد نفسه في الرغبة إلى اللّه في العفو حتى كاد أن يتلف نفسه تائبا ومتنصّلا إلى اللّه من ذنبه، واللّه عز وجل قد وصف ذلك فقال: (واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنّه أوّاب).
وقول عليّ عليه السلام - صلى اللّه على داود ورحمه - يدل على صحة هذا التأويل، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 4/327-328]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه}
المعنى بسؤاله نعجتك كما قال تعالى: {لا يسأم الإنسان من دعاء الخير}
ومعنى إلى نعاجه أي مضمومة إلى نعاجه.
{وإن كثيرا من الخلطاء} أي الشركاء والخليط الشريك.
ثم قال جل وعز: {وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب} أي أيقن.
وقرأ قتادة: (أنما فتناه) بتخفيف النون يعني الملكين وقال: (معناه صمدا له)
(فاستغفر ربه وخر راكعا) قال أبو الأحوص والحسن: (خر ساجدا)
وقال مجاهد: (سجد أربعين يوما من قبل أن يسأل ربه شيئا).
قال سفيان: (يروى أنه أقام أربعين يوما لا يرفع رأسه إلا لصلاة أو حاجة لابد منها)
قال قتادة: (وأناب أي تاب)). [معاني القرآن: 6/102-104]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ({الْخُلَطَاء}: الشركاء). [العمدة في غريب القرآن: 259]
تفسير قوله تعالى: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ (25) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإنّ له عندنا لزلفى} تقدما وقربة). [تفسير غريب القرآن: 379]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب}
قال الضحاك: (لزلفى أي منزلة رفيعة)
قال أبو جعفر: الزلفى في اللغة القربة ومنه قوله تعالى: {وأزلفنا ثم الآخرين} ومنه قوله:
مر الليالي زلفا فزلفا=سماوة الهلال حتى احقوقفا
أي ساعة تقرب من أخرى
ثم قال: وحسن مآب.
قال الضحاك: (أي وحسن مرجع)). [معاني القرآن: 6/104-105]
تفسير قوله تعالى: (يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {يا داوود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين النّاس بالحقّ ولا تتّبع الهوى فيضلّك عن سبيل اللّه إنّ الّذين يضلّون عن سبيل اللّه لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب (26)}
بهذا جاز أن يقال للخلفاء خلفاء الله في الأرض.
(فاحكم بين النّاس بالحقّ).
أي بحكم اللّه إذ كنت خليفته.
وقوله: (بما نسوا يوم الحساب).
أي بتركهم العمل لهذا اليوم صاروا بمنزلة الناسين، وإن كانوا ينذرون ويذكّرون). [معاني القرآن: 4/328-329]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض}
يقال إنه من هذا جاز أن يقال: خلفاء
وقوله جل وعز: {إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب}
بما نسوا يوم الحساب، أي تركوا العمل له وكانوا ناسين له هذا مذهب السدي.
وقال عكرمة: (هذا من التقديم والتأخير أي لهم يوم الحساب عذاب شديد بما نسوا أي بما تركوا أمر الله عز وجل والقضاء بالعدل)
ثم قال جل وعز: {وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا}
أي لما قالوا: إنه لا حساب ولا جنة ولا نار قيل لهم هذا). [معاني القرآن: 6/105-106]