التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ذا الأيد...}
يريد: ذا القوّة.). [معاني القرآن: 2/401]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ذا الأيد}: ذا القوة , وبعض العرب تقول : آد.
قال العجاج:
= من أن تبدّلت بآدي آدا
{ أوّابٌ }: الأواب: الرجاع , وهو التواب مخرجها، من آب إلى أهله , أي: رجع، قال يزيد بن ضبة الثقفي: والبيت لعبيد بن الأبرص:
وكل ذي غيبة يؤوب= وغائب الموت لا يؤوب
أي : لا يرجع.). [مجاز القرآن: 2/180]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({ذا الأيد}: ذا القوة وقوله {والسماء بنيناها بأيد}{وأيدناه بروح القدس} و{ويؤيد بنصره}.
{الأواب}: التواب وهو الرجاع). [غريب القرآن وتفسيره: 322]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (وروي في التفسير: أنهم قالوا ذلك حين أنزل عليه: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه}, و{بشماله} : يستهزئون, أي : عجل لنا هذا الكتاب قبل يوم الحساب, فقال اللّه: {اصبر على ما يقولون}.
{إنّه أوّابٌ} : رجاع تواب.). [تفسير غريب القرآن: 378]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داوود ذا الأيد إنّه أوّاب (17)}
{واذكر عبدنا داوود ذا الأيد}: ذا القوة، وكانت قوته على العبادة أتم قوة، كان يصوم يوما , ويفطر يوما, وذلك أشدّ الصوم، وكان يصلّي نصف الليل.
{إنّه أوّاب}: رجاع إلى اللّه كثيرا، الآيب : الراجع، والأوّاب: الكثير الرّجوع.). [معاني القرآن: 4/323-324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب}
قال سعيد بن جبير , ومجاهد , وقتادة : (أي : ذا القوة في طاعة الله جل وعز).
قال أبو جعفر :الأيد , والآد في اللغة : القوة , وأيده قواه فانآد , كما قال:
=لم يك يناد فأمسى =
ثم قال تعالى: {إنه أواب} , قال مجاهد: (أي: راجع عن الذنوب).
وقال قتادة: أي: (مطيع).
قال أبو جعفر : يقال آب يؤوب, فهو آيب إذا رجع , وأواب على التكثير.). [معاني القرآن: 6/88-90]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( (أواب): تواب، وأواب: مسبح). [ياقوتة الصراط: 438]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْأَيْدِ}: القوة , {الأَوَّابٌ}: التواب.). [العمدة في غريب القرآن: 259]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) }
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({إنّا سخّرنا الجبال معه يسبّحن بالعشيّ والإشراق (18)}
الإشراق: طلوع الشمس وإضاءتها، يقال: شرقت الشمس إذا طلعت, وأشرقت إذا أضاءت.
وقد قيل: شرقت , وأشرقت إذا طلعت في معنى واحد, والأول أكثر.). [معاني القرآن: 4/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق} : إشراق الشمس ضوءها , وصفاؤها.). [معاني القرآن: 6/90]
تفسير قوله تعالى: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) }
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {والطّير محشورةً...}
ذكروا : أنه كان إذا سبّح , أجابته الجبال بالتسبيح، واجتمعت إليه الطير فسبّحت, فذلك حشرها .
ولو كانت: والطير محشورةٌ بالرفع لمّا يظهر الفعل معها كان صواباً. تكون مثل قوله: {ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوةٌ}, وقال الشاعر:
ورأيتم لمجاشعٍ نعماً = وبني أبيه جامل رغب
ولم يقل: جاملاً رغباً , والمعنى: ورأيتم لهم جاملاً رغباً, فلمّا لم يظهر الفعل جاز رفعه.). [معاني القرآن: 2/401]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( وروي في التفسير: أنهم قالوا ذلك - حين أنزل عليه: {فأمّا من أوتي كتابه بيمينه} , و{بشماله}:يستهزئون, أي: عجل لنا هذا الكتاب قبل يوم الحساب, فقال اللّه: {اصبر على ما يقولون}.
{إنّه أوّابٌ}: رجاع تواب.). [تفسير غريب القرآن: 378]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (فقال: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} وقال: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} أي سبّحن معه. وقال: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}). [تأويل مشكل القرآن: 113]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {والطّير محشورة كلّ له أوّاب (19)}: كانت الجبال ترجع التسبيح، وكانت الطير كذلك، فيجوز أن تكون الهاء للّه - جلّ وعزّ - أي : كل للّه مسبح، الطير , والجبال , وداود يسبحون للّه عز وجل، ويرجعون التسبيح.
ويجوز - واللّه أعلم - أن يكون {كلّ له أوّاب}:كل يرجعن التسبيح مع داود، يجبنه، كلما سبح سبحت الجبال , والطير معه.). [معاني القرآن: 4/324]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {والطير محشورة كل له أواب}
يجوز أن يكون المعنى : كل لله جل وعز أواب: عن داود , والجبال , والطير .
ويجوز أن يكون المعنى في كل للجبال والطير , أي: ترجع مع داود التسبيح.). [معاني القرآن: 6/90]
تفسير قوله تعالى: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ (20) }
قالَ مُحمدُ بنُ الجَهْمِ السُّمَّرِيُّ (ت: 277هـ): (وقوله: {وشددنا ملكه...}
اجتمعت القراء على تخفيفها ولو قرأ قارئ {وشدّدنا} بالتشديد كان وجهاً حسناً. ومعنى التشديد أنّ محرابه كان يحرسه ثلاثة وثلاثون ألفاً.
وقوله: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب...}
قال الفراء:حدثني عمرو بن أبي المقدام , عن الحكم بن عتيبة , عن مجاهدٍ في قوله: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب} , قال: الشهود والأيمان.
وقال بعض المفسّرين: فصل الخطاب : أمّا بعد).[معاني القرآن للفراء: 2/401]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({وفصل الخطاب}
يقال: أما بعد, ويقال: الشهود والأيمان؛ لأن القطع في الحكم بهم). [تفسير غريب القرآن: 378]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب (20)}, ويجوز وشدّدنا، ولا أعلم أحدا قرأ بها.
معناه : قوينا ملكه , فكان من تقوية ملكه أنه كان يحرس محرابه في كل ليلة ثلاثة وثلاثون ألفا من الرجال.
وقيل أيضا: إنّ رجلا استعدى إليه على رجل، فادعى عليه أنه أخذ منه بقرة, فأنكر المدعى عليه , فسأل داود المدعي البينة فلم يقمها، فرأى داود في منامه : أن اللّه يأمره أن يقتل المدعى عليه، فتثبت داود، وقال هو منام، فأتاه الوحي بعد ذلك أن يقتله , فأحضره ثم أعلمه أن الله أمره بقتله، فقال المدّعى عليه: إن اللّه - جلّ وعزّ - ما أخذني بهذا الذنب، وإني قتلت أبا هذا غيلة , فقتله داود، فذلك مما كان عظم الله، وشدّد ملكه به.
{وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}
قيل في ذلك: أن يحكم بالبينة واليمين، وقيل : في فصل الخطاب، أن يفصل بين الحق والباطل.
وقيل : (أما بعد)، وهو أول من قال : أمّا بعد.). [معاني القرآن: 4/324-325]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}
قال مجاهد: (لم يكن في الأرض سلطان أعز من سلطانه)
قال السدي : (كان يحرسه في كل ليلة أربعة آلاف)
وقيل : شددنا ملكه : بأن الوحي كان يأتيه , وهذا عن ابن عباس .
وقد روى عكرمة , عن ابن عباس : (أن رجلين اختصما إلى داود , ففال المستعدي: إن هذا اغتصبني بقرة, فجحده الآخر , فأوحى الله إلى داود أن يقتلا الذي استعدى عليه
فأرسل داود إلى الرجل : إن الله قد أوحى إلي أن أقتلك .
فقال الرجل : أتقتلني بغير بينة .
فقال : لا يرد أمر الله فيك .
فلما عرف الرجل أنه قاتله , قال : والله ما أخذت بهذا الذنب, ولكن كنت اغتلت والد هذا , فقتلته .
فأمر به داود فقتل , فاشتدت هيبة بني إسرائيل عند ذلك له .
وهو قول الله عز وجل: {وشددنا ملكه})
ثم قال جل وعز: {وآتيناه الحكمة}
قال أبو العالية : أي : المعرفة بكتاب الله جل وعز .
و قال السدي : (النبوة) .
وقال مجاهد : (هو عدله)
قال جل وعز: {وفصل الخطاب}
قال الحسن : (أي : الفهم في القضاء) .
وقال أبو عبد الرحمن وقتادة : (أي : وفصل القضاء) .
وقال شريح , والشعبي , وكعب: (الشهود والأيمان), وكذلك روى الحكم, عن مجاهد .
وروى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال : (ما قال أنفذ) .
وقال الشعبي : (فصل الخطاب : أما بعد).
قال أبو جعفر : الخطاب في اللغة , والمخاطبة واحد .
فالمعنى على حقيقة اللغة: أنه يفصل , أي : يقطع المخاطبة واحد بالحكم الذي آتاه الله إياه, ويقطع أيضا فصلها في الشهود والأيمان .
وقيل : وفصل الخطاب : البيان الفاصل بين الحق والباطل.). [معاني القرآن: 6/90-93]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَفَصْلَ الْخِطَابِ}: قيل: أما بعد , وقيل: شاهد ويمين). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 210]