العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة سبأ

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الأولى 1434هـ/18-03-2013م, 12:24 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير سورة سبأ [ من الآية (15) إلى الآية (19) ]

تفسير سورة سبأ
[ من الآية (15) إلى الآية (19) ]

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 جمادى الأولى 1434هـ/25-03-2013م, 08:36 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) )
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أبو كريبٍ، وعبد بن حميدٍ، قالا: أخبرنا أبو أسامة، عن الحسن بن الحكم النّخعيّ، قال: حدّثنا أبو سبرة النّخعيّ، عن فروة بن مسيكٍ المراديّ، قال: أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمّرني، فلمّا خرجت من عنده سأل عنّي، ما فعل الغطيفيّ؟ فأخبر أنّي قد سرت، قال: فأرسل في أثري فردّني فأتيته وهو في نفرٍ من أصحابه، فقال: ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتّى أحدث إليك قال: وأنزل في سبإٍ ما أنزل، فقال رجلٌ: يا رسول الله، وما سبأٌ، أرضٌ أو امرأةٌ؟ قال: ليس بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولكنّه رجلٌ ولد عشرةً من العرب فتيامن منهم ستّةٌ، وتشاءم منهم أربعةٌ. فأمّا الّذين تشاءموا فلخمٌ، وجذام، وغسّان، وعاملة، وأمّا الّذين تيامنوا: فالأزد، والأشعريّون، وحميرٌ، ومذحجٌ، وأنمارٌ، وكندة. فقال رجلٌ: يا رسول الله، وما أنمارٌ؟ قال: الّذين منهم خثعم، وبجيلة.
هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/214] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: يقول تعالى ذكره: {لقد كان لسبإٍ} أي لولد سبإٍ في مساكنهم علامةٌ بيّنةٌ، وحجّةٌ واضحةٌ، على أنّه لا ربّ لهم إلاّ الّذي أنعم عليهم النّعم الّتي كانوا فيها.
وسبأٌ فيما روي عن رسول اللّه اسم أبي اليمن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن أبي جنابٍ الكلبيّ، عن يحيى بن هانئٍ بن عروة المراديّ، عن رجلٍ منهم يقال له: فروة بن مسيكٍ، قال: قلت: يا رسول اللّه أخبرني عن سبإٍ، ما كان؟ رجلاً كان أو امرأةً، أو جبلاً، أو واديًا؟ فقال: لا، كان رجلاً من العرب وله عشرة أولادٍ، فتيمّن منهم ستّةٌ، وتشاءم أربعةٌ، فأمّا الّذين تيمّنوا منهم فكندة، وحمير، والأزد، والأشعريّون، ومذحج، وأنمار الّذين منها خثعمٌ وبجيلة وأمّا الّذين تشاءموا: فعاملة، وجذام، ولخم، وغسّان.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثني الحسن بن الحكم، قال: حدّثنا أبو سبرة النّخعيّ، عن فروة بن مسيكٍ القطيعيّ، قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه أخبرني عن سبإٍ ما هو؟ أرضٌ أو امرأةٌ؟ قال: ليس بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولكن رجلٌ ولد عشرةً من الولد، فتيامن ستّةٌ، وتشاءم أربعةٌ، فأمّا الّذين تشاءموا: فلخم، وجذام، وعاملة، وغسّان؛ وأمّا الّذين تيامنوا: فكندة، والأشعريّون، والأزد، ومذحج، وحمير، وأنمار؛ فقال رجلٌ: ما أنمار؟ قال: الّذين منهم خثعمٌ وبجيلة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا العنقزيّ، قال: أخبرني أسباط بن نصرٍ، عن يحيى بن هانئٍ المراديّ، عن أبيه، أو عن عمّه أسباطٍ شكّ قال: قدم فروة بن مسيكٍ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أخبرني عن سبإٍ، أجبلاً كان أو أرضًا؟ فقال: لم يكن جبلاً ولا أرضًا، ولكنّه كان رجلاً من العرب ولد عشرة قبائل، ثمّ ذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: وأنمار الّذين يقولون منهم بجيلة وخثعمٌ.
فإذ كان الأمر كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، من أنّ سبأً رجلٌ، كان الإجراء فيه وغير الإجراء معتدلين أمّا الإجراء فعلى أنّه اسم رجلٍ معروفٍ، وأمّا ترك الإجراء فعلى أنّه اسم قبيلةٍ أو أرضٍ. وقد قرأ بكلّ واحدةٍ منهما علماء من القرّاء.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: في مساكنهم فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين: (في مساكنهم) على الجماع بمعنى منازل آل سبأٍ. وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين في (مسكنهم) على التّوحيد وبكسر الكاف، وهي لغةٌ لأهل اليمن فيما ذكر لي وقرأ حمزة: {مسكنهم} على التّوحيد وفتح الكاف.
والصّواب من القول في ذلك عندنا: أنّ كلّ ذلك قراءاتٌ مشهوراتٌ متقاربات المعنى، فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيبٌ.
وقوله: {آيةٌ} قد بيّنّا معناها قبل.
وأمّا قوله: {جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ} فإنّه يعني: بستانان كانا بين جبلين، عن يمين من أتاهما وشماله.
وكان من صنفهما فيما ذكر لنا ما:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا سليمان، قال: حدّثنا أبو هلالٍ، قال: سمعت قتادة، في قوله: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ} قال: كانت جنّتان بين جبلين، فكانت المرأة تخرج، مكتلها على رأسها، فتمشي بين جبلين، فيمتلئ مكتلها، وما مسّت بيدها، فلمّا طغوا بعث اللّه عليهم دابّةٌ، يقال لها جرذٌ، فنقّبت عليهم، فغرّقتهم، فما بقي لهم إلاّ أثلٌ، وشيءٌ من سدرٍ قليلٌ.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ} إلى قوله: {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم} قال: ولم يكن يرى في قريتهم بعوضةٌ قطّ، ولا ذبابٌ، ولا برغوثٌ، ولا عقربٌ، ولا حيّةٌ، وإن كان الرّكب ليأتون وفي ثيابهم القمل والدّوابّ، فما هم إلاّ أن ينظروا إلى بيوتهم، فتموت الدّوابّ، قال: وإن كان الإنسان ليدخل الجنّتين، فيمسك القفّة على رأسه، فيخرج حين يخرج وقد امتلأت تلك القفّة من أنواع الفاكهة ولم يتناول منها شيئًا بيده؛ قال: والسّدّ يسقيها.
ورفعت الجنّتان في قوله: {جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ} ترجمةً عن الآية، لأنّ معنى الكلام: لقد كان لسبأٍ في مسكنهم آيةٌ هي جنّتان عن أيمانهم وشمائلهم.
وقوله: {كلوا من رزق ربّكم} يقول: وقيل لهم: كلوا من رزق ربّكم الّذي يرزقكم من هاتين الجنّتين من زروعهما وأثمارهما، {واشكروا له} على ما أنعم به عليكم من رزقه ذلك؛ والى هذا منتهى الخبر، ثمّ ابتدأ الخبر عن البلدة، فقال: هذه بلدةٌ طيبةٌ: أي ليست بسبخةٍ، ولكنّها كما ذكرنا من صفتها عن عبد الرّحمن بن زيدٍ أن كانت كما وصفها به ابن زيدٍ، من أنّه لم يكن فيها شيءٌ مؤذٍ، الهمج والدّبيب والهوامّ {وربٌّ غفورٌ} يقول: وربّكم غفورٌ لذنوبكم إن أنتم أطعتموه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {بلدةٌ طيبةٌ} قال: هذه بلدةٌ طيبةٌ، {وربٌّ غفورٌ} وربّكم غفورٌ لذنوبكم، قومٌ أعطاهم اللّه نعمةً، وأمرهم بطاعته، ونهاهم عن معصيته). [جامع البيان: 19/244-248]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا محمّد بن صالح بن هانئٍ، ثنا أبو عبد اللّه محمّد بن أحمد بن أنسٍ القرشيّ، ثنا عبد اللّه بن يزيد المقرئ، ثنا عبد اللّه بن عيّاشٍ، عن عبد اللّه بن هبيرة السّبائيّ، عن عبد الرّحمن بن وعلة، قال: سمعت ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، يقول: إنّ رجلًا سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن سبأٍ ما هو رجلٌ أو امرأةٌ أو أرضٌ؟ فقال: «هو رجلٌ ولد عشرةً من الولد ستّةً من ولده باليمن وأربعةٌ بالشّام، فأمّا اليمانيّون فمذحجٌ، وكندة، والأزد، والأشعريّون، وأنمار، وحمير خيرٌ كلّها، وأمّا الشّاميّون فلخمٌ، وجذام، وعاملة، وغسّان» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه «وشاهده حديث فروة بن مسيكٍ المراديّ»). [المستدرك: 2/459]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثناه أبو بكر بن إسحاق، وعليّ بن حمشاذٍ، قالا: أنبأ بشر بن موسى، ثنا الحميديّ، ثنا فرج بن سعيد بن علقمة، عن سعيد بن أبيض بن حمّالٍ المأربيّ، حدّثني عمّ أبي ثابت بن سعيد بن أبيض، عن أبيه فروة بن مسيكٍ المراديّ، حدّثه أنّه سأل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن سبأٍ فقال: يا رسول اللّه، سبأٌ رجلٌ أو جبلٌ أم وادٍ؟ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «بل رجلٌ ولد عشرةً فتشاءم أربعةٌ وتيامن ستّةٌ فتشاءم لخم، وجذام، وعاملة، وغسّان، وتيامن حمير ومذحجٌ، والأزد، وكندة، والأشعريّون، والأنمار الّتي منها بجيلة»). [المستدرك: 2/460]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت د) - (فروة بن مسيكٍ المرادي - رضي الله عنه -: قال: أتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم؟ فأذن لي في قتالهم وأمّرني، فلما خرجت من عنده، سأل عني، ما فعل الغطيفيّ؟ فأخبر أني سرت، فأرسل في إثري فردّني، فأتيته - وهو في نفرٍ من أصحابه - فقال: ادع القوم، فمن أسلم منهم فاقبل منه، ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدّث إليك، قال: وأنزل في سبأٍ ما أنزل، فقال رجل: يا رسول الله، وما سبأ؟ أرضٌ، أو امرأة؟ قال: «ليس بأرضٍ، ولا امرأة، ولكنه رجلٌ ولد عشرة من العرب، فتيامن منهم ستةٌ وتشاءم منهم أربعةٌ، فأما الذين تشاءموا: فلخمٌ، وجذامٌ، وغسان، وعاملة. وأما الذين تيامنوا: فالأزد، والأشعريون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار». فقال رجلٌ: وما أنمار؟ قال: «الذين منهم خثعم وبجيلة». هذه رواية الترمذي.
وأخرجه أبو داود مختصراً في كتاب الحروف، وهذا لفظه، قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث، ولم يذكر لفظه - فقال رجل من القوم: يا رسول الله، أخبرنا عن سبأٍ، ما هو: أرضٌ، أو امرأةٌ؟ قال: «ليس بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولكنه رجلٌ ولد عشرة من العرب، فتيامن ستةٌ، وتشاءم أربعةٌ».
[شرح الغريب]
(فتيامن وتشاءم) تيامن، أي: قصد جهة اليمن، وتشاءم، أي: قصد جهة الشام). [جامع الأصول: 2/326-327]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وهذه السّورة سمّيت بقوله فيها {لقد كان لسبأ في مساكنهم} الآية قال بن إسحاق وغيره هو سبإ بن يشجب بن يعرب بن قحطان ووقع عند التّرمذيّ وحسّنه من حديث فروة بن مسيكٍ قال أنزل في سبأٍ ما أنزل فقال رجلٌ يا رسول اللّه وما سبأٌ أرضٌ أو امرأةٌ قال ليس بأرضٍ ولا امرأةٍ ولكنّه رجلٌ ولد عشرةً من العرب فتيامن ستّةٌ وتشاءم أربعة الحديث قال وفي الباب عن بن عبّاس قلت حديث بن عبّاس وفروة صححهما الحاكم وأخرج بن أبي حاتمٍ في حديث فروة زيادةً أنّه قال يا رسول اللّه إنّ سبأ قومٌ كان لهم عزٌّ في الجاهليّة وإنّي أخشى أن يرتدّوا فأقاتلهم قال ما أمرت فيهم بشيء فنزلت لقد كان لسبأ في مساكنهم الآيات فقال له رجلٌ يا رسول اللّه وما سبأ فذكره وأخرج بن عبد البرّ في الأنساب له شاهدًا من حديث تميمٍ الدّاريّ وأصله قصّة سبأٍ وقد ذكرها بن إسحاق مطوّلةً في أوّل السّيرة النّبويّة وأخرج بعضها بن أبي حاتمٍ من طريق حبيب بن الشّهيد عن عكرمة وأخرجها أيضًا من طريق السّدّيّ مطوّلًا). [فتح الباري: 8/535] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وروى التّرمذيّ من حديث فروة بن مسيك المرادي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر حديثا فيه، فقال رجل: وما سبأ أرض أم امرأة؟ قال: ليس بأرض ولا امرأة، ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستّة وتشاءم منهم أربعة، فأما الّذين تشاءموا: فلخم وجذام وغسان وعاملة، وأما الّذين تيامنوا: فالأزد والأشعرون وحمير وكنده ومذحج وأنمار. فقال الرجل: وما أنمار؟ قال: الّذين منهم خثعم وبجيلة، وقال: حديث حسن غريب. وقال ابن إسحاق: سبأ اسمه عبد شمس بن يشخب بن يعرب بن قحطان من يقظان بن عامر وهو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السّلام، وهو أول من سبى من العرب فلقب بذلك، وفي: (أدب الخواص) : هذا اشتقاق غير صحيح لأن سبأ مهموز، والسبي غير مهموز، والصّواب: أن يكون من سبأت النّار الجلد، أي: أحرقته، ومن سبأ الحمر إذا اشتريتها. وقال أبو العلاء: لو كان الأمر كما يقولون لوجب أن لا يهمز ولا يمتنع أن يكون أصل السّبي الهمزة إلّا أنهم فرقوا بين سبيت المرأة وسبأت الحمر، والأصل واحد، وفي (التيجان) : وهو أول متوج وبنى السد المذكور في القرآن، وهو سد فيه سبعون نهرا، ونقل إليه الشّجر مسيرة ثلاثة أشهر في ثلاثة أشهر وبلغ من العمر خمسمائة سنة). [عمدة القاري: 19/127-128] (م)
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {لقد كان لسبإٍ} [سبأ: 15].
- عن ابن عبّاسٍ «أنّ رجلًا سأل النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - عن سبأٍ، ما هو أرجلٌ أم امرأةٌ أم أرضٌ؟ قال: " بل هو رجلٌ ولد عشرةً، فسكن اليمن منهم ستّةٌ، وسكن الشّام منهم أربعةٌ، فأمّا اليمانيّون فمذحجٌ وكندة والأزد والأشعريّون وأنمارٌ وحميرٌ عربًا كلّها، وأمّا الشّاميّة فلخمٌ وجذام وعاملة وغسّان» ".
رواه أحمد والطّبرانيّ، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعفٌ، وبقيّة رجالهما ثقاتٌ.
- وعن يزيد بن حصينٍ السّلميّ «أنّ رجلًا قال: يا رسول اللّه ما سبأٌ؟ نبيٌّ كان أو امرأةٌ؟ قال: " كان رجلًا من العرب "، فقال: ما ولد؟ قال: " ولد عشرةً، سكن اليمن ستّةٌ والشّام أربعةٌ، فالّذين باليمن كندة ومذحجٌ والأزد والأشعريّون وأنمارٌ وحميرٌ، وبالشّام لخمٌ وجذام وعاملة وغسّان» ".
رواه الطّبرانيّ، ورجاله رجال الصّحيح غير شيخ الطّبرانيّ عليّ بن الحسن بن صالحٍ الصّائغ ولم أعرفه). [مجمع الزوائد: 7/94]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط واثل وشيء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور * وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور.
أخرج أحمد، وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه والترمذي وحسنه، وابن المنذر والحاكم وصححه، وابن مردويه عن فروة بن مسيك المرادي رضي الله عنه قال: أتيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله ألا أقاتل من أدبر من قومي بمن أقبل منهم فاذن لي في قتالهم وأمرني فلما خرجت من عنده أرسل في أثري فردني فقال ادع القوم فمن أسلم منهم فاقبل منه ومن لم يسلم فلا تعجل حتى أحدث اليك وأنزل في سبأ ما أنزل فقال رجل: يا رسول الله وما سبأ أرض أم امرأة قال: ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم
ستة وتشاءم منهم أربعة فاما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة.
وأمّا الذين تيامنوا فالازد والاشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار، فقال رجل: يا رسول الله وما أنمار قال: الذين منهم خثعم وبجيلة). [الدر المنثور: 12/186-187]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد والطبراني، وابن أبي حاتم، وابن عدي والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلا سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن سبأ أرجل هو أو امرأة أم أرض فقال: بل هو رجل ولد عشرة فسكن اليمن منهم ستة وبالشام منهم أربعة فأما اليمانيون فمذحج وكندة والأزد والأشعريون وأنمار وحمير.
وأمّا الشاميون فلخم وجذام وعاملة وغسان). [الدر المنثور: 12/187-188]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {لقد كان لسبإ في مسكنهم} ). [الدر المنثور: 12/188]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه أنه قرأ (لقد كان لسبأ) بالخفض منونة مهموزة (في مساكنهم) على الجماع بالألف). [الدر المنثور: 12/188]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي عن يحيى بن وثاب أنه يقرأها {لقد كان لسبإ في مسكنهم} ). [الدر المنثور: 12/189]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: كان لسأ جنتان بين جبلين فكانت المرأة تمر ومكتلها على رأسها فتمشي بين جبلين فتمتليء فاكهة وما مسته بيدها فلما طغوا بعث الله عليهم دابة يقال لها: الجرذ فنقب عليهم فغرقهم فما بقي منهم إلا أثل وشيء من سدر قليل). [الدر المنثور: 12/189]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {لقد كان لسبإ في مسكنهم}، قال لم يكن يرى في قريتهم بعوضة قط ولا ذباب ولا برغوث ولا عقرب ولا حية وان الركب ليأتون في ثيابهم القمل والدواب فما هو إلا أن ينظروا إلى بيوتها فتموت تلك الدواب وان كان الانسان ليدخل الجنتين فيمسك القفة على رأسه ويخرج حين يخرج وقد امتلأت تلك القفة من أنواع الفاكهة ولم يتناول منها شيئا بيده). [الدر المنثور: 12/189-190]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {بلدة طيبة ورب غفور} قال: هذه البلد طيبة وربكم غفور لذنوبكم، وفي قوله {فأعرضوا} قال: بطر القوم أمر الله وكفروا نعمته). [الدر المنثور: 12/190]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: كان أهل سبأ أعطوا ما لم يعطه أحد من أهل زمانهم فكانت المرأة تخرج على رأسها المكتل فتريد حاجتها فلا تبلغ مكانها الذي تريد حتى يمتليء مكتلها من أنواع الفاكهة فأجمعوا ذلك فكذبوا رسلهم وقد كان السيل يأتيهم من مسيرة عشرة أيام حتى يستقر في واديهم فيجمع الماء من تلك السيول والجبال في ذلك الوادي وكانوا قد حفروه بمسناة - وهم يسمون المسناة العرم - وكانوا يفتحون اذا شاؤا من ذلك الماء فيسقون جنانهم اذا شاءوا فلما غضب الله عليهم وأذن في هلاكهم دخل رجل إلى جنته - وهو عمرو بن عامر فيما بلغنا وكان كاهنا - فنظر إلى جرذة تنقل أولادها من بطن الوادي إلى أعلى الجبل فقال: ما نقلت هذه أولادها من ههنا إلا وقد حضر أهل هذه البلاد عذاب ويقدر أنها خرقت ذلك العرم فنقبت نقبا فسال ذلك النقب ماء إلى جنته فأمر عمرو بن عامر بذلك النقب فسد فأصبح وقد انفجر بأعظم ما كان فأمر به أيضا فسد ثم انفجر بأعظم ما كان فلما رأى ذلك دعا ابن أخيه فقال: اذا أنا جلست العشية في نادي قومي فائتني فقل: علام تحبس علي مالي فاني سأقول ليس لك عندي مال ولا ترك أبوك شيئا وانك لكاذب، فاذا أنا كذبتك فكذبني وأردد على مثل ما قلت لك فاذا فعلت ذلك فاني سأشتمك فاشتمني، فاذا أنت شتمتني لطمتك فاذا أنا لطمتك فقم فالطمني، قال: ما كنت لاستقبلك بذلك يا عم قال: بلى، فافعل فاني أريد بها صلاحك وصلاح أهل بيتك فقال الفتى فلطمه فقال الشيخ: يا معشر بني فلان الطم فيكم لا سكنت في بلد لطمني فيه فلان أبدا من يبتاع مني، فلما عرف القوم منه الجد أعطوه فنظر إلى أفضلهم عطية فأوجب له البيع فدعا بالمال فنقده وتحمل هو وبنوه من ليلته فتفرقوا). [الدر المنثور: 12/190-192]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان في سبأ كهنة وكانت الشياطين يسترقون السمع فأخبروا الكهنة بشيء من أخبار السماء وكان فيهم رجل كاهن شريف كثير المال أنه أخبر ان زوال أمرهم قد دنا وان العذاب قد أظلهم فلم يدر كيف يصنع لأنه كان له مال كثير من عقر فقال لرجل من بنيه وهو أعزهم أخوالا: اذا كان غدا وأمرتك بأمر فلا تفعله فاذا نهرتك فانتهرني فاذا تناولتك فالطمني قال: يا أبت لا تفعل ان هذا أمر عظيم وأمر شديد قال: يا بني قد حدث أمر لا بد منه فلم يزل حتى هيأه على ذلك فلما أصبحوا واجتمع الناس قال: يا بني افعل كذا وكذا، فأبى فأنتهره أبوه فأجابه فلم يزل ذلك بينهما حتى تناوله أبوه فوثب على أبيه فلطمه فقال: ابني يلطمني علي بالشفرة قالوا: وما تصنع بالشفرة قال: اذبحه قالوا: تذبح ابنك الطمه واصنع ما بدا لك فأبى إلا أن يذبحه فأرسلوا إلى أخواله فاعلموهم بذلك فجاء أخواله فقالوا: خذ منا ما بدا لك فأبى إلا أن يذبحه قالوا: فلتموتن قبل أن تدعوه قال: اشتروا مني دوري اشتروا مني أرضي فلم يزل حتى باع دوره وأرضه وعقاره، فلما صار الثمن في يده وأحرزه قال: أي قوم ان العذاب قد أظلكم وزوال أمركم قد دنا فمن أراد منكم دارا جديدا وجملا شديدا وسفرا فليلحق بعمان ومن أراد منكم الخمر والخمير والعصير فليلحق ببصرى، ومن أراد منكم الراسخات في الوحل المطعمات في المحل المقيمات في الضحل فليلحق بيثرب ذات نخل فأطاعه قوم فخرج أهل عمان إلى عمان وخرجت غسان إلى بصرى وخرجت الاوس والخزرج وبنو كعب بن عمرو إلى يثرب فلما كانوا ببطن نخل قال بنو كعب: هذا مكان صالح لا نبتغي به بدلا فأقاموا فلذلك سموا خزاعة لأنهم انخزعوا عن أصحابهم وأقبلت الأوس والخزرج حتى نزلوا بيثرب). [الدر المنثور: 12/192-193]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عكرمة رضي الله عنه في قوله {لقد كان لسبإ}، قال: كان لهم مجلس مشيد بالمرمر فأتاهم ناس من النصارى فقالوا: أشكروا الله الذي أعطاكم هذا قالوا: ومن أعطاناه إنما كان لآبائنا فورثناه فسمع ذلك ذو يزن فعرف انه سيكون لكلمتهم تلك خبر فقال لابنه: كلامك علي حرام ذلك ذو يزن فعرف انه سيكون لكلمتهم تلك خبر فقال لابنه: كلامك علي حرام ان لم تأت غدا وأنا في مجلس قومي فتصك وجهي ففعل ذلك فقال: لا أقيم بأرض فعل هذا ابني بي فيها إلا من بيتاع مني مالي فابتدره الناس فابتاعوه فبعث الله جرذا أعمى يقال له الخلد من جرذان عمى فلم يزل يحفر السد حتى خرقه فانهدم وذهب الماء بالجنتين). [الدر المنثور: 12/193-194]

تفسير قوله تعالى: (فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فأرسلنا عليهم سيل العرم قال بلغنا أن هلاكهم كان في جرذ خرق عرمهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/128]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ذواتي أكل خمط قال الخمط الأراك وأكله بريره). [تفسير عبد الرزاق: 2/128-129]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (يقال الأكل: الثّمر). [صحيح البخاري: 6/121]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يقال الأكل الثّمرة قال أبو عبيدة في قوله تعالى ذواتي أكلٍ خمط وأثل قال الخمط هو كلّ شجرٍ ذي شوكٍ والأكل الجنى أي بفتح الجيم مقصورٌ وهو بمعنى الثّمرة). [فتح الباري: 8/536]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الأكل: الثّمر
أشار به إلى قوله تعالى: {ذواتي أكل خمط أثل} (سبإ: 16) وفسّر (الأكل بالثمر) ، أراد أن الأكل الجني بفتح الجيم بمعنى الثّمرة، وفي التّفسير: الأكل الثّمر والخمط الأراك، قاله أكثر المفسّرين، وقيل: هو كل شجر ذات شوك. وقيل: شجرة العضاه، والأثل الطرفاء، قاله ابن عبّاس). [عمدة القاري: 19/128]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الأكل) بضم الكاف في قوله تعالى: {ذواتى أكل خمط} [سبأ: 16] هو (الثمر) ولأبي ذر يقال الأكل الثمرة قال أبو عبيدة: الأكل الجنى بفتح الجيم مقصورًا وهو بمعنى الثمرة). [إرشاد الساري: 7/308]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {سيل العرم} [سبأ: 16] : " السّدّ: ماءٌ أحمر أرسله اللّه في السّدّ، فشقّه وهدمه، وحفر الوادي، فارتفعتا عن الجنبين، وغاب عنهما الماء فيبستا، ولم يكن الماء الأحمر من السّدّ، ولكن كان عذابًا أرسله اللّه عليهم من حيث شاء " وقال عمرو بن شرحبيل: {العرم} [سبأ: 16] : «المسنّاة بلحن أهل اليمن» وقال غيره: " العرم: الوادي). [صحيح البخاري: 6/121]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله سيل العرم السّدّ كذا للأكثر بضمّ المهملة وتشديد الدّال ولأبي ذرٍّ عن الحمويّ الشّديد بمعجمةٍ وزن عظيمٍ قوله فشقّه كذا للأكثر بمعجمةٍ قبل القاف الثّقيلة وذكر عياضٌ أنّ في رواية أبي ذرٍّ فبثقه بموحّدةٍ ثمّ مثلّثةٍ قبل القاف الخفيفة قال وهو الوجه تقول بثقت النّهر إذا كسرته لتصرفه عن مجراه قوله فارتفعتا عن الجنبتين كذا للأكثر بفتح الجيم والنّون الخفيفة بعدها موحّدةٌ ثمّ مثنّاةٌ فوقانيّةٌ ثمّ تحتانيّةٌ ثمّ نونٌ ولأبي ذرٍّ عن الحمويّ بتشديد النّون بغير موحّدة تثنية جنّةٍ واستشكل هذا التّرتيب لأنّ السّياق يقتضي أن يقول ارتفع الماء على الجنّتين وارتفعت الجنّتان عن الماء وأجيب بأنّ المراد من الارتفاع الزّوال أي ارتفع اسم الجنّة منهما فالتّقدير فارتفعت الجنّتان عن كونهما جنّتين وتسمية ما بدّلوا به جنّتين على سبيل المشاكلة قوله ولم يكن الماء الأحمر من السّدّ كذا للأكثر بضمّ المهملة وتشديد الدّال وللمستمليّ من السّيل وعند الإسماعيليّ من السّيول وهذا الأثر عن مجاهدٍ وصله الفريابيّ أيضًا وقال السّدّ في الموضعين فقال فشقّه بالمعجمة والقاف الثّقيلة وقال على الجنّتين تثنية جنّةٍ كما للأكثر في المواضع كلّها قوله وقال عمرو بن شرحبيل العرم المسنّاة بلحن أهل اليمن وقال غيره العرم الوادي أمّا قول عمرٍو فوصله سعيد بن منصورٍ عن شريكٍ عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة وهو عمرو بن شرحبيل فذكره سواءً واللّحن اللّغة والمسنّاة بضمّ الميم وفتح المهملة وتشديد النّون وضبط في أصل الأصيليّ بفتح الميم وسكون المهملة قال بن التّين المراد بها ما يبنى في عرض الوادي ليرتفع السّيل ويفيض على الأرض وكأنّه أخذ من عرامة الماء وهو ذهابه كلّ مذهبٍ وقال الفرّاء العرم المسنّاة وهي مسنّاةٌ كانت تحبس الماء على ثلاثة أبوابٍ منها فيسيّبون من ذلك الماء من الباب الأوّل ثمّ الثّاني ثمّ الآخر ولا ينفذ حتّى يرجع الماء السّنة المقبلة وكانوا أنعم قومٍ فلمّا أعرضوا عن تصديق الرّسل وكفروا بثق اللّه عليهم تلك المسنّاة فغرقت أرضهم ودقّت الرّمل بيوتهم ومزّقوا كلّ ممزّقٍ حتّى صار تمزيقهم عند العرب مثلًا يقولون تفرّقوا أيدي سبأٍ وأمّا قول غيره فأخرجه بن أبي حاتمٍ من طريق عثمان بن عطاءٍ عن أبيه قال العرم اسم الوادي وقيل العرم اسم الجرذ الّذي خرّب السّدّ وقيل هو صفة السّيل مأخوذٌ من العرامة وقيل اسم المطر الكثير وقال أبو حاتمٍ هو جمعٌ لا واحد له من لفظه وقال أبو عبيدة سيل العرم واحدتها عرمةٌ وهو بناءٌ يحبس به الماء يبنى فيشرف به على الماء في وسط الأرض ويترك فيه سبيلٌ للسّفينة فتلك العرمات واحدتها عرمةٌ). [فتح الباري: 8/536-537]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال مجاهد {لا يعزب} لا يغيب {العرم} السد ماء أحمر أرسله الله في السد فشقه وهدمه وحفر الوادي فارتفعتا عن الجنبتين وغاب عنهما الماء فيبستا ولم يكن الماء الأحمر من السد ولكنه كان عذبا أرسله الله عليهم من حيث شاء
وقال عمرو بن شرحبيل العرم المسناة بلحن أهل اليمن
أما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 3 سبأ {لا يعزب عنه مثقال ذرة} قال لا يغيب عنه
وبه في قوله 16 سبأ {سيل العرم} قال سد ماء أحمر أرسله الله في السد إلى آخره لكن قال في آخره أرسل عليهم ولم يقل من حيث شاء
وأما قول عمرو بن شرحبيل فقال سعيد بن منصور في السّنن ثنا شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة وهو عمرو بن شرحبيل قال العرم المسناة بلحن أهل اليمن). [تغليق التعليق: 4/287-288]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (العرم السّدّ ماءٌ أحمر أرسله الله في السّدّ فشقّه وهدمه وحفر الوادي فارتفعتا عن الجنتين وغاب عنهما الماء فيبستا ولم يكن الماء الأحمر من السّدّ ولاكن كان عذاباً أرسله الله عليهم من حيث شاء: وقال عمرو بن شرحبيل. العرم المسنّاة بلحن أهل اليمن: وقال غيره العرم الوادي.
أشار به إلى قوله تعالى: {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم} (سبإ: 16) . وفسّر: (العرم) بقوله: (السد)
إلى آخره، صاحب (التّلويح) : هل وجدناه منقولًا عن مجاهد؟ قال ابن أبي حاتم: حدثنا حجاج بن حمزة أخبرنا أخبرنا شبابة أخبرنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، فذكره، فلا أدري أهو من قول البخاريّ أو هو معطوف على ما علقه عن مجاهد قبل؟ والله أعلم. وبيّن السّهيلي أنه من كلام البخاريّ لا من كلام غيره. قلت: رواية ابن أبي حاتم توضح أنه من قول مجاهد لأن البخاريّ مسبوق به، فافهم. والله أعلم. (والسد) بضم السّين وتشديد الدّال، كذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية أبي ذر عن الحمويّ الشّديد، بالشين المعجمة على وزن عظيم. قوله: (فشقه) ، من الشق بالشين المعجمة والقاف، هكذا في رواية الأكثرين، وذكر عياض أن في رواية أبي ذر: فبثقه، بفتح الباء الموحدة والتّاء المثلّثة، قال: وهو الوجه، تقول: بثقت النّهر إذا كسرته لتصرفه عن مجراه. قوله: (فارتفعتا عن الجنتين) ، كان القياس أن يقال: ارتفعت الجنتان عن الماء ولكن المراد من الارتفاع الانتفاء، والزوال يعني ارتفع إسم الجنّة عنهما فتقديره: ارتفعت الجنتان عن كونهما جنّة. وقال الزّمخشريّ: وتسمية البدل جنتين على سبيل المشاكلة، هذا كله في رواية أبي ذر عن الحمويّ، وفي رواية الأكثرين: فارتفعت على الجنتين، بفتح الجيم والنّون والباء الموحدة والتّاء المثنّاة من فوق والياء آخر الحروف ثمّ النّون قوله: (ولم يكن الماء الأحمر من السد) ، بضم السّين المهملة وتشديد الدّال، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية المستملي من السّيل، وعند الإسماعيليّ: من السّيول. قوله: (وقال عمرو بن شرحبيل) ، بضم الشين المعجمة وفتح الرّاء وسكون الحاء المهملة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وباللام: الهمداني الكوفي، يكنى أبا ميسرة. قوله: (المسناة) ، بضم الميم وفتح السّين المهملة وتشديد النّون، كذا هو مضبوط في أكثر الرّوايات وكذا هو في أكثر كتب أهل اللّغة، وضبط في رواية الأصيليّ بفتح الميم وسكون السّين وتخفيف النّون، وقال ابن التّين: معنى المسناة ما يبنى في عرض الوادي ليرتفع السّيل ويفيض على الأرض، قال: إنّها عند أهل العراق كالزريبة تبنى على سيف البحر ليمنع الماء. قوله: (بلحن أهل اليمن) ، أي: بلغة أهل اليمن، وهذا أسنده عبد بن حميد عن يحيى بن عبد الحميد عن شريك عن أبي إسحاق عنه، وقال بلسان اليمن بدل بلحن. قوله: (وقال غيره) ، أي: غير عمرو بن شرحبيل (العرم الوادي) ، وهو قول عطاء، وقيل: هو اسم الجرد الّذي أرسل إليهم (وحرب السد) وقيل: هو الماء، وقيل: المطر الكثير، وقيل: إنّه صفة السّيل من العرامة وهو ذهابه كل مذهب، وقال أبو حاتم: هو جمع لا واحد له من لفظه، وفي كتاب: (مفايض الجواهر) : قال ابن شربة: في زمن إياس بن رحيعم بن سليمان بن داود عليهما السّلام، بعث الله رجلا من الأزد يقال له عمرو بن الحجر وآخر يقال له حنظلة بن صفوان، وفي زمنه كان خراب السد، وذلك أن الرّسل دعت أهله إلى الله فقالوا: ما نعرف لله علينا من نعمة، فإن كنتم صادقين فادعوا الله علينا وعلى سدنا، فدعوا عليهم، فأرسل الله عليهم مطرا جردا أحمر كأن فيه النّار أمامه فارس، فلمّا خالط الفارس السد انهدم ودفن بيوتهم الرمل وفرقوا ومزقوا حتّى صاروا مثلا عند العرب، فقالت: تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ). [عمدة القاري: 19/129]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({العرم}) في قوله تعالى: {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم} [سبأ: 16] هو (السدّ) بضم السين وفتحها وتشديد الدال المهملتين الذي يحبس الماء بنته بلقيس وذلك أنهم كانوا يقتتلون على ماء واديهم فمرت به فسدّ، ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني سيل العرم السدّ وله عن الحموي الشديد بشين معجمة بوزن عظيم السيل (ماء أحمر أرسله في السدّ) ولأبي ذر أرسله الله في السدّ بفتح سين السد فيهما في اليونينية (فشقه وهدمه وحفر الوادي فارتفعتا عن الجنبين) بفتح الجيم والموحدة بينهما نون ساكنة، ولأبي ذر عن الحموي بفتح الجنبتين بفتح الجيم والنون والموحدة
والفوقية وسكون التحتية وفي نسخة نسبها في الفتح للأكثرين الجنتين بتشديد النون بغير موحدة تثنية جنة.
قال الكرماني: فإن قلت: القياس أن يقال ارتفعت الجنتان عن الماء. وأجاب: بأن المراد من الارتفاع الانتقال والزوال يعني ارتفع اسم الجنة عنهما فتقديره ارتفعت الجنتان عن كونهما جنة. قال في الكشاف وتبعه في الأنوار وتسمية البدل جنتين على سبيل المشاكلة.
(وغاب عنهما) عن الجنتين (الماء فيبستا) لطغيانهم وكفرهم وإعراضهم عن الشكر (ولم يكن الماء الأحمر من السد) وللمستملي من السيل. (ولكن) ولأبي ذر ولكنه (كان عذابًا أرسله الله عليهم من حيث شاء) قاله مجاهد فيما وصله الفريابي.
(وقال عمرو بن شرحبيل): بفتح العين وسكون الميم وشرحبيل بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فلام الهمداني الكوفي فيما وصله سعيد بن منصور ({العرم} المسناة) بضم الميم وفتح السين المهملة وتشديد النون وضبطه في اليونينية بضم الميم والهاء من غير ضبط على السين ولا نقط على الهاء وفي آل ملك المسناة بضم الميم وسكون السين ونقط الهاء وضبط في أصل الأصيلي كما قال في الفتح المسناة بفتح الميم وسكون المهملة (بلحن أهل اليمن) بسكون الحاء في الفرع، وقال في المصابيح بفتحها أي بلغتهم وكانت هذه المسناة تحبس على ثلاثة أبواب بعضها فوق بعض ومن دونها بركة ضخمة فيها اثنا عشر مخرجًا على عدّة أنهارهم يفتحونها إذا احتاجوا إلى الماء وإذا استغنوا سدّوها، فإذا جاء المطر اجتمع إليه ماء أودية اليمن فاحتبس السيل من وراء السد فتأمر بلقيس بالباب الأعلى فيفتح فيجري ماؤه في البركة فكانوا يستقون من الأول ثم من الثاني ثم من الثالث الأسفل فلا ينفد الماء حتى يثوب الماء من السنة المقبلة فكانت تقسمه بينهم على ذلك فبقوا على ذلك بعدها مدة فلما طغوا وكفروا سلّط الله عليهم جرذًا يسمى الخلد فثقب السدّ من أسفله فغرّق الماء جنانهم وخرب أرضهم.
(وقال غيره): غير ابن شرحبيل ({العرم}) هو (الوادي) الذي فيه الماء وهذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه). [إرشاد الساري: 7/308-309]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (الخمط: الأراك، والأثل: الطّرفاء "، العرم: «الشّديد»). [صحيح البخاري: 6/121]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الخمط الأراك والأثل الطّرفاء العرم الشّديد سقط الكلام الأخير للنسفي وقد وصله بن أبي حاتمٍ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ بهذا كلّه مفرّقًا). [فتح الباري: 8/537]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {نجازي} نعاقب {أعظكم بواحدة} بطاعة الله {مثنى وفرادى} واحد واثنين {التناوش} الرّد من الآخرة إلى الدّنيا وبين ما يشتهون من مال أو ولد أو زهرة {بأشياعهم} بأمثالهم وقال ابن عبّاس كالجوابي وكالجوبة من الأرض الخمط الأراك والأثل الطرفاء والعرم الشّديد
أما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله 17 سبأ {وهل نجازي إلّا الكفور} قال هل نعاقب
وفي قوله 46 سبأ {إنّما أعظكم بواحدة} قال بطاعة الله
وفي قوله 46 سبأ {أن تقوموا لله مثنى وفرادى} قال اثنين وواحد
وبه في قوله 52 سبأ {وأنى لهم التناوش من مكان بعيد} قال الرّد من مكان بعيد قال من الآخرة إلى الدّنيا
وفي قوله 54 سبأ {وحيل بينهم وبين ما يشتهون} قال من مال أو ولد كما فعل بأشياعهم من قبل قال الكفّار من قبلهم
وأما قول ابن عبّاس فتقدم ذكر الجوبة في أحاديث الأنبياء
وقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية بن صالح حدثني علّي ابن أبي طلحة عن ابن عبّاس في قوله 16 سبأ {أكل خمط} يقول الأراك
وبه قال {وأثل} الطرفاء
وبه قال {العرم} الشّديد). [تغليق التعليق: 4/288-289]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (الخمط الأراك والأثل: الطّرفاء
أشار به إلى قوله تعالى: {ذواتي أكل وخمط واثل وشى من سدر قليل} (سبأ: 16) وفسّر الخمط بالأراك وهو الشّجر الّذي يستعمل منه المساويك، وهو قول مجاهد والضّحّاك، وقال أبو عبيدة: الخمط كل شجرة فيها مرارة ذات شوك، وقال ابن فارس: كل شجر لا شوك له.
العرم: الشّديد
أشار به إلى قوله تعالى: {سيل العرم} (سبأ: 16) وفسره بالشديد، وقد مر فيما مضى). [عمدة القاري: 19/130]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (الخمط) هو (الأراك) أي الشجر الذي يستاك بقضبانه (والأثل) هو (الطرفاء) قاله ابن عباس فيما وصله ابن أبي حاتم (العرم) أي (الشديد) من العرامة وهي الشراسة والصعوبة وقد مرّ). [إرشاد الساري: 7/310]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله: {سيل العرم} قال: سيل الوادي). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 90]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني في قوله عز وجل: {أكل خمطٍ} قال: الأراك). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 90]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ (16) ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلاّ الكفور}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: يقول تعالى ذكره: فأعرضت سبأٌ عن طاعة ربّها وصدّت عن اتّباع ما دعتها إليه رسلها من أنّه خالقها.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، قال: لقد بعث اللّه إلى سبإٍ، ثلاثة عشر نبيًّا، فكذّبوهم.
{فأرسلنا عليهم سيل العرم} يقول تعالى ذكره: فثقبنا عليهم حين اعرضوا عن تصديق رسلنا سدّهم الّذي كان يحبس عنهم السّيول.
والعرم: المسنّاة الّتي تحبس الماء، واحدها: عرمةٌ، وإيّاه عنى الأعشى بقوله:
ففي ذاك للمؤتسي أسوةٌ = ومأربٌ قفّى عليه العرم
رجامٌ بنته لهم حميرٌ = إذا جاء ماؤهم لم يرم
وكان العرم فيما ذكر ممّا بنته بلقيس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن إبراهيم الدّورقيّ، قال: حدّثني وهب بن جريرٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: سمعت المغيرة بن حكيمٍ، قال: لمّا ملكت بلقيس، جعل قومها يقتتلون على ماء واديهم؛ قال: فجعلت تنهاهم فلا يطيعونها فتركت ملكها، وانطلقت إلى قصرٍ لها، وتركتهم؛ فلمّا كثر الشّرّ بينهم، وندموا أتوها، فأرادوها على أن ترجع إلى ملكها، فأبت، فقالوا: لترجعنّ أو لنقتلنّك، فقالت: إنّكم لا تطيعونني، وليست لكم عقولٌ، قالوا: فإنّا نطيعك، وإنّا لم نجد فينا خيرًا بعدك، فجاءت فأمرت بواديهم، فسدّ بالعرم.
قال أحمد: قال وهبٌ، قال أبي: فسألت المغيرة بن حكيمٍ عن العرم، فقال: هو بكلام حمير المسنّاة؛ فسدت ما بين الجبلين، فحبست الماء من وراء السّدّ، وجعلت له أبوابًا بعضها فوق بعضٍ، وبنت من دونه بركةً ضخمةً، فجعلت فيها أثنى عشر مخرجًا على عدّة أنهارهم؛ فلمّا جاء المطر احتبس السّيل من وراء السّدّ، فأمرت بالباب الأعلى ففتح، فجرى ماؤه في البركة، وأمرت بالبعر فألقي فيها، فجعل بعض البعر يخرج أسرع من بعضٍ، فلم تزل تضيّق تلك الأنهار، وترسل البعر في الماء، حتّى خرج جميعًا معًا، فكانت تقسمه بينهم على ذلك، حتّى كان من شأنها وشأن سليمان ما كان.
- حدّثنا أحمد بن عمر البصريّ، قال: حدّثنا صالح بن زريقٍ، قال: أخبرنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة، في قوله {فأرسلنا عليهم سيل العرم} قال: المسنّاة بلحن اليمن.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {سيل العرم} قال: سدٍّ.
وقيل: إنّ العرم اسم وادٍ كان لهؤلاء القوم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثنّى أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فأرسلنا عليهم سيل العرم} قال: وادٍ كان باليمن، كان يسيل إلى مكّة، وكانوا يسقون وينتهي سيلهم إليه.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {فأرسلنا عليهم سيل العرم} ذكر لنا أنّ سيل العرم واد سبأ كانت تجتمع إليه مسايل من أوديةٍ شتّى، فعمدوا فسدّوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة، وجعلوا عليه أبوابًا، وكانوا يأخذون من مائه ما احتاجوا إليه، ويسدّون عنهم ما لم يعنوا به من مائه شيئًا.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: {فأرسلنا عليهم سيل العرم} وادٍ في سبأ يدعى العرم، وكان إذا مطر سالت أودية اليمن إلى العرم، واجتمع إليه الماء، فعمدت سبأٌ إلى العرم، فسدّوا ما بين الجبلين، فحجزوه بالصّخر والقار، فانسدّ زمانًا من الدّهر، لا يرجون الماء، يقول: لا يخافون.
وقال آخرون: العرم: صفةٌ للمسنّاة الّتي كانت لهم وليس باسمٍ لها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {سيل العرم} يقول: الشّديد، وكان السّبب الّذي سبّب اللّه لإرسال ذلك السّيل عليهم فيما ذكر لي جرذًا ابتعثه اللّه على سدّهم، فنقب فيه نقبًا.
ثمّ اختلف أهل العلم في صفة ما حدث عن ذلك الثّقب ممّا كان فيه خراب جنّتيهم فقال بعضهم: كان صفة ذلك أنّ السيل لمّا وجد عملاً في السّدّ عمل فيه فخرّبه، ثمّ فاض الماء على جنّاتهم، فغرّقها وخرّب أرضهم وديارهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن وهب بن منبّهٍ اليمانيّ، قال: كان لهم، يعني لسبأٍ سدٌّ، قد كانوا بنوه بنيانًا أيّدًا، وهو الّذي كان يردّ عنهم السيل إذا جاء أن يغشي أموالهم وكان فيما يزعمون في علمهم من كهانتهم، أنّه إنّما يخرّب عليهم سدّهم ذلك فأرةٌ، فلم يتركوا فرجةً بين حجرين، إلاّ ربطوا عندها هرّةً؛ فلمّا جاء زمانه، وما أراد اللّه بهم من التّغريق، أقبلت فيما يذكرون فأرةٌ حمراء إلى هرّةٍ من تلك الهرر، فساورتها، حتّى استأخرت عنها أي الهرّة، فدخلت في الفرجة الّتي كانت عندها، فغلغلت في السّدّ، فحفرت فيه حتّى وهنته للسّيل وهم لا يدرون؛ فلمّا جاء السّيل وجد خللاً، فدخل فيه حتّى قلع السّدّ، وفاض على الأموال، فاحتملها فلم يبق منها إلاّ ما ذكره اللّه؛ فلمّا تفرّقوا نزلوا على كهانة عمران بن عامرٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: لمّا نزل بالقوم أمر اللّه، بعث اللّه عليهم جرذًا يسمّى الخلد، فثقبه من أسفله حتّى غرّق به جنّاتهم، وخرّب به أرضهم عقوبةً بأعمالهم.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: لمّا طغوا وبغوا، يعني سبأً، بعث اللّه عليهم جرذًا، فخرق عليهم السّدّ، فأغرقهم اللّه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: بعث اللّه عليهم جرذًا، وسلّطه على الّذي كان يحبس الماء الّذي يسقيهما، فأخرب في أجواف تلك الحجارة، وكلّ شيءٍ منها من رصاصٍ وغيره، حتّى تركها حجارةً، ثمّ بعث اللّه سيل العرم، فاقتلع ذلك السّدّ، وما كان يحبس، واقتلع تلك الجنّتين، فذهب بهما وقرأ: {فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين} قال: ذهب بتلك القرى والجنّتين.
وقال آخرون: كانت صفة ذلك أنّ الماء الّذي كانوا يعمرون به جنّاتهم سال إلى موضعٍ غير الموضع الّذي كانوا ينتفعون به، فبذلك خربت جنّاتهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: بعث اللّه عليه يعني على العرم دابّةً من الأرض، فثقبت فيه ثقبًا، فسال ذلك الماء إلى موضعٍ غير الموضع الّذي كانوا ينتفعون به، وأبدلهم اللّه مكان جنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ، وذلك حين عصوا، وبطروا المعيشة.
والقول الأوّل أشبه بما دلّ عليه ظاهر التّنزيل، وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّه أرسل عليهم سيل العرم، ولا يكون إرسال ذلك عليهم إلاّ بإسالته عليهم، أو على جنّاتهم وأرضهم، لا بصرفه عنهم.
وقوله: {وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ} يقول تعالى ذكره: وجعلنا لهم مكان بساتينهم من الفواكه والثّمار، بساتين من جنى ثمر الأراك، والأراك: هو الخمط.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أكلٍ خمطٍ} يقول: الأراك.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: أبدلهم اللّه مكان جنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ، والخمط: الأراك.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سمعت الحسن، يقول في قوله: {ذواتي أكلٍ خمطٍ} قال: أراه قال: الخمط: الأراك.
- حدّثني محمّد بن عمارة، قال: حدّثني عبيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيل، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، {أكلٍ خمطٍ} قال: الخمط: الأراك.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {ذواتي أكلٍ خمطٍ} قال: الأراك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ذواتي أكلٍ خمطٍ} والخمط: الأراك، وأكله: بريره.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: {وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ} قال: بدّلهم اللّه بجنان الفواكه والأعناب، إذ أصبحت جنّاتهم خمطًا، وهو الأراك.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين} قال: أذهب تلك القرى والجنّتين، وأبدلهم الّذي أخبرك ذواتي أكلٍ خمطٍ؛ قال: فالخمط: الأراك، قال: جعل مكان العنب أراكًا، والفاكهة أثلاً، وبقي لهم شيءٍ من سدرٍ قليلٍ.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار بتنوين أكلٍ غير أبي عمرٍو، فإنّه يضيفها إلى الخمط، بمعنى: ذواتي ثمر خمطٍ وأمّا الّذين لم يضيفوا ذلك إلى الخمط، وينوّنون الأكل، فإنّهم جعلوا الخمط هو الأكل، فردّوه عليه في إعرابه وبضمّ الألف والكاف من الأكل قرأت قرّاء الأمصار، غير نافعٍ، فإنّه كان يخفّف منها.
والصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأه: {ذواتي أكلٍ} بضمّ الألف والكاف لإجماع الحجّة من القرّاء عليه، وبتنوين أكلٍ لاستفاضة القراءة بذلك في قرّاء الأمصار، من غير أن أرى خطأ قراءة من قرأ ذلك بإضافته إلى الخمط؛ وذلك في إضافته وترك إضافته، نظير قول العرب: في بستان فلانٍ أعناب كرمٍ وأعناب كرمٍ، فتضيف أحيانًا الأعناب إلى الكرم، لأنّها منه، وتنوّن أحيانًا، ثمّ تترجم بالكرم عنها، إذ كانت الأعناب ثمر الكرم، وأمّا (الأثل) فإنّه يقال له الطّرفاء؛ وقيل: شجرٌ شبيهٌ بالطّرفاء، غير أنّه أعظم منها وقيل: إنّها السّمر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ {وأثلٍ}، قال: الأثل: الطّرفاء.
وقوله: {وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ} يقول: ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ.
وكان قتادة يقول في ذلك ما:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثني سعيدٌ، عن قتادة {ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ} قال: بينما شجر القوم خير الشّجر، إذ صيّره اللّه من شرّ الشّجر بأعمالهم). [جامع البيان: 19/248-258]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فأرسلنا عليهم سيل العرم وهو السيل ماء أحمر أرسله الله في السد فشقه وهدمه وحفر الوادي فارتفعتا عن الجنتين وغار عنهما الماء فيبستا ولم يكن الماء الأحمر في السد ولكنه كان عذابا أرسله الله عليهم من حيث يشاء). [تفسير مجاهد: 524-525]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: لقد بعث الله إلى سبأ ثلاثة عشر نبيا فكذبوهم وكان لهم سد كانوا قد بنوه بنيانا أبدا وهو الذي كان يرد عنهم السيل اذا جاء أن يغشى أموالهم وكان فيما يزعمون في علمهم من كهانتهم انه إنما يخرب سدهم ذلك فارة فلم يتركوا فرجة بين حجرين إلا ربطو عندها هرة فلما جاء زمانه وما أراد الله بهم من التفريق أقبلت فيما يذكرون فأرة حمراء إلى هرة من تلك الهرر فساورنها حتى استأخرت عنها الهرة فدخلت في الفرجة التي كانت عندها فتغلغلت بالسد فحفرت فيه حتى رققته للسيل وهم لا يدرون فلما ان جاء السيل وجد عللا فدخل فيه حتى قلع السد وفاض على الأموال فاحتملها فلم يبق منها إلا ما ذكر عن الله تبارك وتعالى). [الدر المنثور: 12/194-195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك رضي الله عنه في الآية قال: كانت أودية اليمن تسيل إلى وادي سبأ وهو واد بين جبلين فعمد أهل سبأ فسدوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة وتركوا ما شاءوا لجناتهم فعاشوا بذلك زمانا من الدهر ثم انهم عتوا وعملوا بالمعاصي فبعث الله على ذلك السد جرذا فنقبه عليهم فعرض الله مساكنهم وجناتهم وبدلهم بمكان جنتهم جنتين خمط والخمط الاراك وائل الاثل القصير من الشجر الذي يصنعون منه الأقداح). [الدر المنثور: 12/195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {سيل العرم} قال: الشديد). [الدر المنثور: 12/195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه {سيل العرم} قال: المنساة بلحن اليمن). [الدر المنثور: 12/195]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {سيل العرم} قال: {العرم} بالحبشة وهي المنساة التي يجتمع فيها الماء ثم ينشف). [الدر المنثور: 12/195-196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء رضي الله عنه قال {العرم} اسم الوادي). [الدر المنثور: 12/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما {سيل العرم} قال: واد كان باليمن كان يسيل إلى مكة). [الدر المنثور: 12/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك رضي الله عنه قال: وادي سبأ يدعى {العرم} ). [الدر المنثور: 12/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {سيل العرم} السد ماء أحمر أرسله الله في السد فشقه وهمه وحفر الوادي عن الجنتين فارتفعا وغار عنهما الماء فيبستا ولم يكن الماء الاحمر من السد كان شيئا أرسله الله عليهم، وفي قوله {أكل خمط} قال: الخمط الاراك). [الدر المنثور: 12/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أرسله الله عليهم، وفي قوله (أكل خمط) قال: (الخمط) الاراك). [الدر المنثور: 12/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {أكل خمط} قال: الاراك {وأثل} قال: الطرفاء). [الدر المنثور: 12/196]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما ان نافع بن الازرق قال له: أخبرني عن قوله {أكل خمط} قال: الاراك قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
ما معول فود تراعى بعينها * أغن غضيض الطرف من خلل الخمط). [الدر المنثور: 12/197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عمرو بن شرحبيل رضي الله عنه في قوله {وأثل} قال الاثل شجر لا يأكلها شيء وانما هي حطب). [الدر المنثور: 12/197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال الخمط الاراك والاثل النضار والسدر النبق). [الدر المنثور: 12/197]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {لقد كان لسبإ في مسكنهم}، قال: قوم أعطاهم الله نعمة وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته قال الله {فأعرضوا} قال: ترك القوم أمر الله {فأرسلنا عليهم سيل العرم} ذكر لنا {العرم} وادي سبأ كانت تجتمع اليه مسايل من أودية شتى فعمدوا فسدوا ما بين الجبلين بالقير والحجارة وجعلوا عليه أبوابا وكانوا يأخذون من مائة ما احتاجوا اليه ويسدون عنهم ما لم يعبؤا به من مائة فلما تركوا أمر الله بعث الله عليهم جرذا فنقبه من أسفله فاتسع حتى غرق الله به حروثهم وخرب به أراضيهم عقوبة بأعمالهم قال الله {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط} والخمط الاراك و{أكل} بربرة و{وأثل وشيء من سدر قليل} بينما شجر القوم من خير الشجر اذ صيره الله من شر الشجر عقوبة بأعمالهم قال الله {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} ان الله اذا أراد بعبد كرامة أو خيرا تقبل حسناته واذا أراد بعبد هوانا أمسك عليه بذنبه). [الدر المنثور: 12/197-198]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة رضي الله عنه قال: الخمط هو الاراك.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وأبي مالك، مثله). [الدر المنثور: 12/198]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في قوله تعالى وهل نجازي إلا الكفور قال هي المناقشة يعني الحساب يقول من حوسب عذب وهو الكافر لا يغفر له). [تفسير عبد الرزاق: 2/129]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: قال مجاهد: {هل يجازى إلّا الكفور} هل يعاقب إلّا الكفور [الآية: 17]). [تفسير الثوري: 243]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال مجاهدٌ: (يجازى) : «يعاقب»). [صحيح البخاري: 6/121]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهدٌ يجازي يعاقب وصله بن أبي حاتم من طريق بن أبي نجيحٍ عنه ومن طريق طاوسٍ قال هو المناقشة في الحساب ومن نوقش الحساب عذّب وهو الكافر لا يغفر له تنبيهٌ قيل إنّ هذه الآية أرجى آيةٍ في كتاب اللّه من جهة الحصر في الكفر فمفهومه أنّ غير الكفر بخلاف ذلك ومثله ان العذاب على من كذب وتولّى وقيل ولسوف يعطيك ربك فترضى وقيل فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثيرٍ وقيل كل يعمل على شاكلته وقيل
- {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} الآية وقيل آية الدّين وقيل ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة وهذا الأخير نقله مسلمٌ في صحيحه عن عبد اللّه بن المبارك عقب حديث الإفك وفي كتاب الإيمان من مستدرك الحاكم عن بن عبّاس قوله تعالى ولكن ليطمئن قلبي). [فتح الباري: 8/537]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {نجازي} نعاقب {أعظكم بواحدة} بطاعة الله {مثنى وفرادى} واحد واثنين {التناوش} الرّد من الآخرة إلى الدّنيا وبين ما يشتهون من مال أو ولد أو زهرة {بأشياعهم} بأمثالهم وقال ابن عبّاس كالجوابي وكالجوبة من الأرض الخمط الأراك والأثل الطرفاء والعرم الشّديد
أما قول مجاهد فقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله 17 سبأ {وهل نجازي إلّا الكفور} قال هل نعاقب). [تغليق التعليق: 4/288] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال مجاهدٌ: يجازي: يعاقب
أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {وهل نجازي إلاّ الكفور} (سبأ: 17) وفسّر: (يجازي) بقوله: (يعاقب) وكذا رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه). [عمدة القاري: 19/130]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال مجاهد) في قوله تعالى: ({وهل يجازى}) أي (يعاقب) يقال في العقوبة يجازى وفي المثوبة يجزي. قال الفراء المؤمن يجزى ولا يجازى أي يجزى الثواب بعمله ولا يكافأ بسيئاته كذا نقل). [إرشاد الساري: 7/309]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ذلك جزيناهم بما كفروا} يقول تعالى ذكره: هذا الّذي فعلنا بهؤلاء القوم من سبأٍ من إرسالنا عليهم سيل العرم، حتّى هلكت أموالهم، وخربت جنّاتهم، جزاءً منّا على كفرهم بنا، وتكذيبهم رسلنا، و{ذلك} من قوله: {ذلك جزيناهم} في موضع نصبٍ بوقوع جزيناهم عليه؛ ومعنى الكلام: جزيناهم ذلك بما كفروا.
وقوله: {وهل نجازي إلاّ الكفور} اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وهل يجازى) بالياء وبفتح الزّاي على وجه ما لم يسمّ فاعله إلاّ الكفور، رفعا، وقرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: {وهل نجازي} بالنّون وبكسر الزّاي {إلاّ الكفور} بالنّصب.
والصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار، متقاربتا المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيبٌ ومعنى الكلام: كذلك كافأناهم على كفرهم باللّه، وهل يكافأ إلاّ الكفور لنعمة اللّه؟
فإن قال قائلٌ: أوما يجزي اللّه أهل الإيمان به على أعمالهم الصّالحة، فيخصّ أهل الكفر بالجزاء، فيقال: وهل يجازى إلاّ الكفور؟
قيل: إنّ المجازاة في هذا الموضع: المكافأة، واللّه تعالى ذكره وعد أهل الإيمان به التّفضّل عليهم، وأن يجعل لهم بالواحدة من أعمالهم الصّالحة عشر أمثالها إلى ما لا نهاية له من التّضعيف، ووعد المسيء من عباده أن يجعل بالواحدة من سيّئاته مثلها مكافأةً به على جرمه، والمكافأة لأهل الكبائر والكفر، والجزاء لأهل الإيمان مع التّفضّل، فلذلك قال جلّ ثناؤه في هذا الموضع: (وهل يجازى إلاّ الكفور)؟ لأنّه كما قال جلّ جلاله لا يكافأ على عمله إلاّ الكفور، إذا كانت المكافأة مثل المكافأ عليه، وأنّه لا يغفر له من ذنوبه شيئًا، ولا يمحّص من شيءٌ منها في الدّنيا. وأمّا المؤمن فإنّه يتفضّل عليه على ما وصفت.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ (وهل يجازى) قال: يعاقب.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: (ذلك جزيناهم بما كفروا وهل يجازى إلاّ الكفور} إنّ اللّه تعالى إذا أراد بعبده كرامةً تقبّل حسناته، وإذا أراد بعبده هوانًا أمسك عليه ذنوبه حتّى يوافى بها يوم القيامة.
قال: وذكر لنا أنّ رجلاً بينما هو في طريقٍ من طريق المدينة، إذا مرّت به امرأةٌ، فأتبعها بصره، حتّى أتى على حائطٍ، فشّج وجهه، فأتى نبيّ اللّه ووجهه يسيل دمًا، فقال: يا نبيّ اللّه فعلت كذا وكذا، فقال له نبيّ اللّه: إنّ اللّه إذا أراد بعبدٍ كرامةً، عجل له عقوبة ذنبه في الدّنيا، وإذا أراد اللّه بعبدٍ هوانًا أمسك عليه ذنبه حتّى يوافى به يوم القيامة، كأنّه عير أبتر). [جامع البيان: 19/258-260]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيمنا آدم ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وهل نجازي إلا الكفور يقول هل نعاقب إلا الكفور). [تفسير مجاهد: 525]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله {وهل نجازي إلا الكفور} قال: تلك المناقشة). [الدر المنثور: 12/198]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن طاووس {وهل نجازي إلا الكفور} قال: هو المناقشة في الحساب ومن نوقش الحساب عذب وهو الكافر لا يغفر له). [الدر المنثور: 12/198]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد: (وهل يجازى) قال: هل يعاقب إلا الكفور). [الدر المنثور: 12/198-199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي حيوة وكان من أصحاب علي قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة والضيق في المعيشة والمنغص في اللذة قيل: وما المنغص قال: لا يصادف لذة حلال إلا جاءه من ينغصه إياها). [الدر المنثور: 12/199]

تفسير قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى قرى ظاهرة قال كل يوم هم على ماء). [تفسير عبد الرزاق: 2/129]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال هي قرى عربية وهي القرى التي بين مأرب والشام). [تفسير عبد الرزاق: 2/129]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ابن أبي نجيح أن ناسا يقولون هي السراة ظاهرة). [تفسير عبد الرزاق: 2/130]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله قرى ظاهرة قال متواصلة آمنين لا يخافون جوعا ولا ظمأ إنما يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية أهل جنة حتى لقد ذكر لنا أن المرأة كانت تضع مكتلها على رأسها فيمتلئ قبل أن ترجع إلى أهلها من غير أن تحترف بيدها شيئا وكان الرجل يسافر لا يحمل معه زادا ولا سقاء من ماء مما بسط للقوم قال فبطر القوم نعمة الله فقالوا ربنا بعد بين أسفارنا فمزقوا كل ممزق وجعلوا أحاديث). [تفسير عبد الرزاق: 2/130]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر وقال قتادة فقال الشعبي فحلت الأنصار بيثرب وغسان بالشام وخزاعة بتهامة والأزد بعمان
قال معمر وقال قتادة ظاهرة متواصلة على ظهر طريق). [تفسير عبد الرزاق: 2/130]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرًى ظاهرةً وقدّرنا فيها السّير سيروا فيها ليالي وأيّامًا آمنين}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن نعمته الّتي كان أنعمها على هؤلاء القوم الّذين ظلموا أنفسهم وجعلنا بين بلدهم وبين القرى الّتي باركنا فيها وهي الشّام، قرًى ظاهرةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبى نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {القرى الّتي باركنا فيها} قال: الشّام.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها} يعني الشّام.
- حدّثني عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ {القرى الّتي باركنا فيها} قال: الشّام.
وقيل: عني بالقرى الّتي بورك فيها بيت المقدس.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرًى ظاهرةً} قال: الأرض الّتي باركنا فيها: هي الأرض المقدّسة.
وقوله: {قرًى ظاهرةً} يعني: قرًى متّصلةٌ، وهي قرًى عربيّةٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سمعت الحسن، في قوله: {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرًى ظاهرةً} قال: قرًى متواصلةٌ، قال: كان أحدهم يغدو فيقيل في قريةٍ ويروح، فيأوي إلى قريةٍ أخرى قال: وكانت المرأة تضع زنبيلها على رأسها، ثمّ تمتّهنّ بمغزلها، فلا تأتي بيتها حتّى يمتلئ من كلّ الثّمار.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {قرًى ظاهرةً} أي متواصلةٌ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: ثنّى أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: ثنّى أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قرًى ظاهرةً} يعني: قرًى عربيّةً، بين المدينة والشّام.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: ثنّى أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {قرًى ظاهرةً} قال: السّروات.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {قرًى ظاهرةً} يعني: قرًى عربيّةً، وهي بين المدينة والشّام.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرًى ظاهرةً} قال: كان بين قريتهم وبين الشّام قرًى ظاهرةً، قال: إن كانت المرأة لتخرج معها مغزلها ومكتلها على رأسها، تروح من قريةٍ وتغدو، وتبيت في قريةٍ لا تحمل زادًا ولا ماءً، لما بينها وبين الشّام.
وقوله: {وقدّرنا فيها السّير} يقول تعالى ذكره: وجعلنا بين قراهم والقرى الّتي باركنا فيها سيرًا مقدّرًا من منزلٍ إلى منزلٍ، وقريةٍ إلى قريةٍ، لا ينزلون إلاّ في قريةٍ، ولا يغدون إلاّ من قريةٍ.
وقوله: {سيروا فيها ليالي وأيّامًا آمنين} يقول: وقلنا لهم سيروا في هذه القرى ما بين قراكم والقرى الّتي باركنا فيها ليالي وأيّامًا، آمنين لا تخافون جوعًا ولا عطشًا، ولا من أحدٍ ظلمًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {سيروا فيها ليالي وأيّامًا آمنين} لا يخافون ظلمًا ولا جوعًا، وإنّما يغدون فيقيلون، ويروحون فيبيّتون في قرية أهل جنّةٍ ونهرٍ، حتّى لقد ذكر لنا أنّ المرأة كانت تضع مكتلها على رأسها، وتمتهن بيدها، فيمتلئ مكتلها من الثّمر قبل أن ترجع إلى أهلها من غير أن تخترف بيدها شيئًا، وكان الرّجل يسافر لا يحمل معه زادًا ولا سقاءً ممّا بسط للقوم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأيّامًا آمنين} قال: ليس فيها خوفٌ). [جامع البيان: 19/260-264]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها يعني قرى الشام قرى ظاهرة يعني الشراة). [تفسير مجاهد: 525]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد {القرى التي باركنا فيها} قال: الشام). [الدر المنثور: 12/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها} قال: هي قرى الشام.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن سعيد بن جبير، مثله). [الدر المنثور: 12/199]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة} قال: كان فيما بين اليمن إلى الشام قرى متواصلة و{القرى التي باركنا فيها} الشام، كان الرجل يغدو فيقبل في القرية ثم يروح فيبيت في القرية الاخرى وكانت المرأة تخرج وزنبيلها على رأسها فما تبلغ حتى يمتلى ء من كل الثمار). [الدر المنثور: 12/199-200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن أبي ملكية في قوله {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة} قال: كانت قراهم متصلة ينظر بعضهم إلى بعض وثمرهم متدل فبطروا). [الدر المنثور: 12/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله {وقدرنا فيها السير} قال: دانينا فيها السير). [الدر المنثور: 12/200]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج إسحاق بن بشر، وابن عساكر عن ابن عباس في قوله {وجعلنا بينهم} يعني بين مساكنهم {وبين القرى التي باركنا فيها} يعني الأرض المقدسة {قرى} فيما بين منازلهم مساكنهم وبين أرض الشام {سيروا فيها} يعني اذا ظعنوا من منازلهم إلى أرض الشام من الأرض المقدسة). [الدر المنثور: 12/200-201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن زيد بن أسلم في قوله {ظاهرة} قال: قرى بالشام). [الدر المنثور: 12/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {سيروا فيها ليالي وأياما آمنين} قال: لا يخافون جوعا ولا ظمأ انما يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية أهل جنة ونهر حتى ذكر لنا: أن المرأة كانت تضع مكتلها على رأسها فيمتلئ قبل أن ترجع إلى أهلها وكان الرجل يسافر لا يحمل معه زادا فبطروا النعمة {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} فمزقوا {كل ممزق} وجعلوا أحاديث). [الدر المنثور: 12/201]

تفسير قوله تعالى: (فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {باعد} [سبأ: 19] : وبعّد واحدٌ). [صحيح البخاري: 6/121]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باعد وبعّد واحدٌ قال أبو عبيدة في قوله تعالى قالوا ربنا باعد بين أسفارنا مجازه مجاز الدّعاء وقرأه قومٌ بعّد يعني بالتّشديد قلت قراءة باعد للجمهور وقرأه بعّد أبو عمرو وبن كثيرٍ وهشامٌ). [فتح الباري: 8/536]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (باعد وبعّد واحدٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} (سبإ: 19) ، وقال: إن معنى باعد وبعد واحد، وباعد قراءة الأكثرين، وبعد بالتّشديد قراءة أبي عمرو وابن كثير). [عمدة القاري: 19/128]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({باعد}) بالألف وكسر العين في قوله تعالى: {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} [سبأ: 19] (وبعّد) بدون ألف وتشديد العين وهذه قراءة أبي عمرو وابن كثير وهشام (واحد) في المعنى إذ كل منهما فعل طلب ومعنى الآية أنهم لما بطروا نعمة ربهم وسألوا انتعالها جازاهم جزاء من كفر نعمه إلى أن صاروا مثلًا فقيل تفرّقوا أيادي سبأ كما قال تعالى: {فجعلناهم أحاديث} [سبأ: 19] ). [إرشاد الساري: 7/308]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ إنّ في ذلك لآياتٍ لكلّ صبّارٍ شكورٍ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه اللّه: اختلف القرّاء في قراءة قوله: {ربّنا باعد بين أسفارنا} فقرأته عامّة قرّاء المدينة والكوفة: {ربّنا باعد بين أسفارنا} على وجه الدّعاء والمسألة بالألف؛ وقرأ ذلك بعض أهل مكّة والبصرة: (بعّد) بتشديد العين على الدّعاء أيضًا وذكر عن المتقدّمين أنّه كان يقرؤه: (ربّنا باعد بين أسفارنا) على وجه الخبر عن اللّه أنّ اللّه فعل ذلك بهم. وحكي عن آخر أنّه قرأه: (ربّنا بعّد) على وجه الخبر أيضًا غير أنّ الرّبّ منادًى.
والصّواب من القراءة في ذلك عندنا: {ربّنا باعد} و(بعّد) لأنّهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار وما عداهما فغير معروفٍ فيهم؛ على أنّ التّأويل من أهل التّأويل أيضًا يحقّق قراءة من قرأه على وجه الدّعاء والمسألة، وذلك أيضًا ممّا يزيد القراءة الأخرى بعدًا من الصّواب.
فإذا كان هو الصّواب من القراءة، فتأويل الكلام: فقالوا: يا ربّنا باعد بين أسفارنا، فاجعل بيننا وبين الشّام فلواتٍ ومفاوزٍ، لنركب فيها الرّواحل، ونتزوّد معنا فيها الأزواد؛ وهذا من الدّلالة على بطر القوم نعمة اللّه عليهم وإحسانه إليهم، وجهلهم بمقدار العافية؛ ولقد عجّل لهم ربّهم الإجابة، كما عجّل للقائلين: {إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} أعطاهم ما رغبوا إليه فيه وطلبوا من المسألة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني أبو حصينٍ عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدّثنا عبثرٌ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، في هذه الآية: {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا} قال: كانت لهم قرًى متّصلةٌ باليمن، كان بعضها ينظر إلى بعضٍ، فبطروا ذلك، وقالوا: ربّنا باعد بين أسفارنا، قال: فأرسل اللّه عليهم سيل العرم، وجعل طعامهم أثلاً وخمطًا وشيئًا من سدرٍ قليلٍ.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم} قال: فإنّهم بطروا عيشهم، وقالوا: لو كان جنى جنّاتنا أبعد ممّا هي كان أجدر أن نشتهيه، فمزّقوا بين الشّام وسبأٍ، وبدّلوا بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ، وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا} بطر القوم نعمة اللّه، وغمطوا كرامة اللّه، قال اللّه {وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا} حتّى نبيت في الفلوات والصّحاري {وظلموا أنفسهم}.
وقوله {وظلموا أنفسهم} وكان ظلمهم إيّاها عملهم بما يسخط اللّه عليهم من معاصيه، ممّا يوجب لهم عذاب اللّه، {فجعلناهم أحاديث} يقول: صيّرناهم أحاديث للنّاس يضربون بهم المثل في التّشتيت، فيقال: تمزّق القوم أيادي سبًّا، وأيدي سبًّا، إذا تفرّقوا وتقطّعوا.
وقوله {ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ} يقول: وقطّعناهم في البلاد كلّ مقطعٍ.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة {وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ} قال قتادة: قال عامرٌ الشّعبيّ: أمّا غسّان فقد لحقوا بالشّام، وأمّا الأنصار فلحقوا بيثرب، وأمّا خزاعة فلحقوا بتهامة، وأمّا الأزد فلحقوا بعمان.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: يزعمون أنّ عمرو بن عامرٍ، وهو عمّ القوم كان كاهنًا فرأى في كهانته أنّ قومه سيمزّقون، ويباعد بين أسفارهم، فقال لهم: إنّي قد علمت أنّكم ستمزّقون، فمن كان منكم ذا همٍّ بعيدٍ، وجملٍ شديدٍ، ومزادٍ جديدٍ، فليلحق بكأسٍ أو كرودٍ، قال: فكانت وادعة بن عمرٍو؛ ومن كان منكم ذا همٍّ مدنٍ، وأمرٍ ذعرٍ، فليلحق بأرضٍ شنّ، فكانت عوف بن عمرٍو، وهم الّذين يقال لهم بارقٌ؛ ومن كان منكم يريد عيشًا آينًا، وحرمًا آمنًا، فليلحق بالأرزين، فكانت خزاعة؛ ومن كان يريد الرّاسيات في الوحل، المطعمات في المحلّ، فليلحق بيثرب ذات النّخل، فكانت الأوس والخزرج فهما هذان الحيّان من الأنصار؛ ومن كان يريد خمرًا وخميرًا، وذهبًا وحريرًا، وملكًا وتأميرًا فليلحق بكوثى وبصرى، فكانت غسّان بنو جفنة ملوك الشّام، ومن كان منهم بالعراق.
قال ابن إسحاق: قد سمعت بعض أهل العلم يقول: إنّما قالت هذه المقالة طريفة امرأة عمران بن عامرٍ، وكانت كاهنةً، فرأت في كهانتها ذلك، واللّه أعلم أيّ ذلك كان؛ قال: فلمّا تفرّقوا، نزلوا على كهانة عمران بن عامرٍ.
وقوله: {إنّ في ذلك لآياتٍ لكلّ صبّارٍ شكورٍ} يقول تعالى ذكره: إنّ في تمزيقناهم كلّ ممزّقٍ {لآياتٍ} يقول: لعظةً وعبرةً ودلالةً على واجب حقّ اللّه على عبده من الشّكر على نعمه إذا أنعم عليه، وحقّه من الصّبر على محنته إذا امتحنه ببلاءٍ {لكلّ صبّارٍ} على محنه {شكورٍ} على نعمه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {إنّ في ذلك لآياتٍ لكلّ صبّارٍ شكورٍ} كان مطرّفٌ يقول: نعم العبد الصّبّار الشّكور، الّذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر). [جامع البيان: 19/264-268]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {سيروا فيها ليالي وأياما آمنين} قال: لا يخافون جوعا ولا ظمأ انما يغدون فيقيلون في قرية ويروحون فيبيتون في قرية أهل جنة ونهر حتى ذكر لنا: أن المرأة كانت تضع مكتلها على رأسها فيمتلئ قبل أن ترجع إلى أهلها وكان الرجل يسافر لا يحمل معه زادا فبطروا النعمة {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} فمزقوا {كل ممزق} وجعلوا أحاديث). [الدر المنثور: 12/201] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن الضحاك في قوله {فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا} قال: قالوا يا ليت هذه القرى يبعد بعضها عن بعض فنسير على نجائبنا). [الدر المنثور: 12/201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن يعمر رضي الله عنه انه قرأ (قالوا ربنا بعد بين أسفارنا) مثقلة قال: لم يدعوا على أنفسهم ولكن شكوا ما أصابهم). [الدر المنثور: 12/201-202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الكلبي رضي الله عنه انه قرأ (قالوا ربنا بعد بين أسفارنا) مثقلة على معنى فعل). [الدر المنثور: 12/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن أبي الحسن رضي الله عنه انه قرأ (بعد بين أسفارنا) بنصب الباء ورفع العين). [الدر المنثور: 12/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم رضي الله عنه انه قرأ (ربنا) بالنصب (باعد) بنصب الباء وكسر العين على الدعاء). [الدر المنثور: 12/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الشعبي رضي الله عنه في قوله {ومزقناهم كل ممزق} قال: أما غسان فلحقوا بالشام وأما الانصار فلحقوا بيثرب وأما خزاعة فلحقوا بتهامة وأما الازد فلحقوا بعمان، فمزقهم الله كل ممزق). [الدر المنثور: 12/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} قال: مطرف في قوله {إن في ذلك لآيات} نعم العبد الصبار الشكور الذي إذا أعطي شكر واذا ابتلي صبر). [الدر المنثور: 12/202]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي في قوله: (لكل صبار شكور) قال: صبار في الكريهة، شكور عند الحسنة). [الدر المنثور: 12/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن جرير والبيهقي في شعب الايمان عن عامر رضي الله عنه قال: الشكر نصف الايمان والصبر نصف الايمان واليقين الايمان كله). [الدر المنثور: 12/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي عن أبي الدرداء قال: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: ان الله قال: يا عيسى بن مريم اني باعث بعدك أمة ان أصابهم ما يحبون حمدوا وشكروا وان أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا ولا حلم ولا علم، قال: يا رب كيف يكون هذا لهم ولا حلم ولا علم قال: أعطيهم من حلمي وعلمي). [الدر المنثور: 12/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد ومسلم والبيهقي في شعب الايمان والدارمي، وابن حبان عن صهيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبا لأمر المؤمن أمر المؤمن كله خير ان أصابته سراء شكر كان خيرا وان أصابته ضراء صبر كان خيرا). [الدر المنثور: 12/203]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبيهقي عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عجبت للمؤمن ان أعطي قال الحمد لله فشكر وان ابتلي قال الحمد لله فصبر فالمؤمن يؤجر على كل حال حتى اللقمة يرفعها إلى فيه). [الدر المنثور: 12/203-204]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الشعب وابو نعيم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من نظر في الدين إلى من هو فوقه وفي الدنيا إلى من هو تحته كتبه الله صابرا وشاكرا ومن نظر في الدين إلى من هو تحته ونظر في الدنيا إلى من هو فوقه لم يكتبه الله صابرا ولا شاكرا والله سبحانه وتعالى أعلم). [الدر المنثور: 12/204]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 10:08 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم} [سبأ: 15] كانوا باليمن، وهي في تفسير الحسن وقتادة أرضٌ.
وقال الحسن: لقد تبيّن لأهل سبإٍ كقوله: {واسأل القرية} [يوسف: 82]، أي: أهل القرية.
- وحدّثني ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة، عن علقمة بن وعلة أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقول: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن سبإٍ أرضٌ، أم امرأةٌ، أم رجلٌ؟ فقال: " بل هو رجلٌ ولد عشرةً، فباليمن منهم ستّةٌ، وبالشّام أربعةٌ، فأمّا اليمانيّون: فمذحجٌ، وحمير، وكندة، وأنمارٌ، والأزد والأشعريّون، وأمّا الشّاميّون: فلخمٌ، وجذامٌ، وعاملة، وغسّان ".
قال: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ} [سبأ: 15] ثمّ أخبر بتلك الآية فقال: {جنّتان} [سبأ: 15] وتفسير الحسن: فيها تقديمٌ: لقد كان لسبإٍ في مساكنهم جنّتان فوصفهما ثمّ قال: {آيةٌ}.
[تفسير القرآن العظيم: 2/752]
قوله عزّ وجلّ: {عن يمينٍ وشمالٍ} [سبأ: 15] جنّةٌ عن يمينٍ وجنّةٌ عن شمالٍ.
{كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ} [سبأ: 15]، أي: هذه بلدةٌ طيّبةٌ.
{وربٌّ غفورٌ} [سبأ: 15] لمن آمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/753]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقرأ قوله: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم...}

يحيى : {في مسكنهم}, وهي لغة يمانيّة فصيحة, وقرأ حمزة : {في مسكنهم}, وقراءة العوامّ : ({مساكنهم}: يريدون: منازلهم, وكلّ صواب.
والفراء يقرأ قراءة يحيى.
وقوله: {آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ} : والمعنى: عن أيمانهم وشمائلهم, والجنتان مرفوعتان , لأنهما تفسير للآية, ولو كان أحد الحرفين منصوباً بكان , لكان صواباً.
وقوله: {واشكروا له}: انقطع ها هنا الكلام , {بلدةٌ طيّبةٌ} : هذه بلدة طيّبة ليست بسبخة.). [معاني القرآن: 2/357-358]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ لقد كان لسبأٍ في مساكنهم }: ينون " سبأ " بعضهم , لأنه يجعله اسم أبٍ , ويهمزه، وبعضهم لا ينون فيه , يجعله اسم أرض.). [مجاز القرآن: 2/146]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ كلوا من رّزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ}
وقال: {بلدةٌ طيّبةٌ} : أي : على هذه بلدةٌ طيّبةٌ.). [معاني القرآن: 3/33]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنّتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدة طيّبة وربّ غفور (15)}
ويقرأ { مسكنهم }: بفتح الكاف وكسرها، ويقرأ : مساكنهم , ويقرأ : لسبأ - بالفتح وترك الصرف - , ولسبأ. فمن فتح وترك الصرف , فلأنه جعل سبأ اسم قبيلة، ومن صرف وكسر ونوّن , جعل سبأ اسما للرجل , واسما للحيّ , وكل جائز حسن.
{آية جنّتان}:{آية}: رفع اسم كان، و{جنّتان}: رفع على نوعين، على أنه بدل من آية , وعلى إضمار كأنّه لما قيل آية، قيل الآية : جنّتان، والجنتان : البستانان.
فكان لهم بستانان، بستان يمنة، وبستان يسرة.
{كلوا من رزق ربّكم واشكروا له}
المعنى قيل لهم: كلوا من رزق ربّكم , واشكروا له.
وقوله عزّ وجلّ: {بلدة طيّبة}:على معنى : هذه بلدة طيبة, {وربّ غفور}:على معنى : واللّه ربّ غفور.). [معاني القرآن: 4/248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال}
يروى : أن سبأ : اسم رجل , فيكون على هذا اسما للقبيلة فيمن لم يصرف , وقيل :هو اسم موضع .
ثم قال تعالى: {جنتان عن يمين وشمال}
أي: جنة عن اليمين , وجنة عن اليسار , وقوله جل وعز: {بلدة طيبة ورب غفور}
والمعنى : هذه بلدة طيبة , والله رب غفور.). [معاني القرآن: 5/405-406]

تفسير قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فأعرضوا} [سبأ: 16] عمّا جاءت به الرّسل.
{فأرسلنا عليهم سيل العرم} [سبأ: 16]
حدّثني شريكٌ، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن عمرو بن شرحبيل قال: والعرم بلسان العرب: المسنّاة.
قال يحيى: هذا الّذي يسمّونه الجسر يحبس به الماء، وكان سدًّا قد جعل في موضع الوادي تجتمع فيه المياه.
وذكروا أنّه إنّما نقبه دابّةٌ يقال له الخلد، ليس له عينان، له نابان يحفر بهما الأرض.
وفي تفسير مجاهدٍ أنّ ذلك السّيل الّذي أرسل عليهم من العرم كان ماءً أحمر أتى اللّه به من حيث شاء هو شقّ السّدّ وهدمه، وحفر بطن الوادي عن الجنّتين، فارتفعتا وغار عنهما الماء فيبستا.
وفي تفسير عمّارٍ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن قتادة أنّه كان لهم وادٍ
[تفسير القرآن العظيم: 2/753]
يمتلئ كلّ عامٍ لسقي جنّاتهم فلمّا أعرضوا أرسل اللّه عليهم دابّةً يقال لها الجرذ، فحفر السّدّ فسال الماء، فغرقت جنّاتهم وأراضيهم.
قال عزّ وجلّ: {وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ} [سبأ: 16] والأكل الثّمرة.
{ذواتي أكلٍ خمطٍ} [سبأ: 16] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: والخمط هو الأراك، وأكله البرير.
قال: {وأثلٍ وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ {16}} [سبأ: 16] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/754]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {سيل العرم...}

كانت مسنّاة : كانت تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها، فيسقون من ذلك الماء من الباب الأول، ثم الثاني، ثم الآخر، فلا ينفد حتى يثوب الماء من السّنة المقبلة, وكانوا أنعم قوم عيشاً, فلمّا أعرضوا , وجحدوا الرسل , بثق الله عليهم المسنّاة، فغرّقت أرضهم , ودفن بيوتهم الرمل، ومزّقوا كل ممزّقٍ، حتى صاروا مثلا عند العرب, والعرب تقول: تفرقوا أيادي سبا , وأيدي سباً .
قال الشاعر:
عيناً ترى النّاس إليها نيسبا = من صادرٍ وواردٍ أيدي سبا
يتركون همزها لكثرة ما جرى على ألسنتهم , ويجرون سبا، ولا يجرون: من لم يجر ذهب إلى البدلة, ومن أجرى جعل سبا رجلاً , أو جبلاً، ويهمز. وهو في القراءة كثير بالهمز , لا أعلم أحداً ترك همزه, أنشدني:
الواردون وتيم في ذرى سبأ = قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
وقوله: {ذواتي أكلٍ} : يثقّل الأكل, وخفّفه بعض أهل الحجاز, وقد يقرأ بالإضافة , وغير الإضافة.
فأمّا الأعمش وعاصم بن أبي النجود فثقّلا ولم يضيفا فنوّنا.
وذكروا في التفسير : أنه البرير , وهو ثمر الأراك, وأمّا الأثل فهو الذي يعرف، شبيه بالطرفاء، إلا أنه أعظم طولاً.
وقوله: {وشيءٍ مّن سدرٍ قليلٍ}
قال الفراء: ذكروا أنه السّمر , واحدته : سمرة.). [معاني القرآن: 2/358-359]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سيل العرم }: واحدها عرمة , وهو بناء مثل المشار : يحبس به الماء ببناء, فيشرف به على الماء في وسط الأرض , ويترك فيه سبيل للسفينة , فتلك العرمات , واحدها عرمة , والمسار بلسان العجم , قال الأعشى:
وفي ذاك للمؤتسى إسوةٌ= ومأرب قفًّى عليها العرم
رخامٌ بناه لهم حميرٌ= إذا جاش دفّاعه لم يرم
أي: حبسه , وقال آخر:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ= يبنون من دون سيله العرما.
{ أكلٍ خمطٍ }: والخمط كل شجرة ذي شوك , والأكل : هو الجنني.). [مجاز القرآن: 2/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({سيل العرم}: واحدها عرمة وهي السكر للأرض المرتفعة حتى يعلوها الماء. وهي المسناة.
{الأكل}: كل ما اجتنى.
{الخمط}: كل شجرة ذات شوكة). [غريب القرآن وتفسيره: 307]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ العرم}: المسناة, واحدها: عرمة , قال الشاعر:
من سبأ الحاضرين مأرب، إذ = يبنون من دون سيله العرما
{الأكل}: الثمر.
{الخمط}: شجر العضاه, وهي: كل شجرة ذات شوك.
وقال قتادة: الخمط: الأراك، وبريره: أكله.
و{الأثل}: شبيه بالطرفاء ، إلا أنه أعظم منها.). [تفسير غريب القرآن: 355-356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل (16)}: المعنى: أعرضوا عن أمر الله.
{فأرسلنا عليهم سيل العرم}: والعرم فيه أقوال , قال أبو عبيدة : جمع عرمة، وهي السّكر , والمسنّاة .
وقيل : العرم: اسم الوادي، وقيل : العرم : ههنا : اسم الجرذ الذي ثقب السّكر عليهم، وهو الذي يقال ل: ه الخلد.
وقيل: العرم : المطر الشديد، وكانوا في نعمة , وكانت لهم جنان يمنة ويسرة، وكانت المرأة تخرج على رأسها الزّبيل , فتعمل بيديها , وتسير بين ذلك الشجر , فيسقط في زبيلها ما تحتاج إليه من ثمار ذلك الشجر، فلم يشكروا, فبعث اللّه عليهم جرذا، وكان لهم سكر فيه أبواب، يفتحون ما يحتاجون إليه من الماء، فثقب ذلك الجرذ حتى نقب عليهم , فغرّق تينك الجنتين.
{وبدّلناهم بجنّتيهم}:آي : بهاتين الجنتين الموصوفتين.
{جنّتين ذواتي أكل خمط}:وأكل خمط الضمّ والإسكان في الكاف جائزان، ويقرأ : ذواتي أكل خمط , وذواتي أكل خمط.
ومعنى خمط: يقال الكل نبت قد أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله خمط.
وفي كتاب الخليل : الخمط شجر الأراك , وقد جاء في التفسير : أن الخمط الأراك , وأكله ثمره.
قال الله عزّ وجلّ: {تؤتي أكلها كلّ حين}.). [معاني القرآن: 4/248-249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم}
أي: فأعرضوا عن أمر الله جل وعز , وشكره , فأرسلنا عليهم سيل العرم.
قال عطاء : (العرم : اسم الوادي).
وقيل : هو الجرذ الذي أرسل عليهم .
روى علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : (العرم : الشديد).
وقيل : هو المطر العرم , أي : الشديد.
وقال قتادة : (أرسل الله عليهم جرذا , فهدم عرمهم , يريد بالعرم : السكر , قال : فغرق جناتهم , وخرب أرضهم عقوبة لهم).
وهذا أعرف ما قيل في معنى : العرم .
يقال للسكر : عرمة , وجمعه عرم , سمي بذلك لشدته , ومنه قيل فلان عارم , قال الشاعر:
= إذ يبنون من دون سيله العرما =
وقوله جل وعز: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط}
الأكل : الثمر
قال أبو مالك , ومجاهد , وقتادة , والضحاك : (الخمط : الأراك) , وكذا قال الخليل .
قال أبو عبيدة : الخمط : كل شجرة فيها مرارة : ذات شوك .
وقال القتبي في أدب الكاتب يقال : للحامضة : خمطة , ويقال الخمطة التي أخذت شيئا من الريح , وأنشد:
عقار كماء النيء ليست بخمطة = ولا خلة يكوي الشروب شهابها.). [معاني القرآن: 5/406-409]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْعَرِمِ}: المسناة، واحدها عرمة.
{والأُكُل}: الثمر.
{والخمط}: شجر العضاة، وهي : ذات الشوكة. وقيل: هو الأراك شبيه بالطرفاء.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْعَرِمِ}: الوادي , {الخَمْطٍ}: شجر فيه الشوك , {الأُكُلٍ}: كل ما اجتنى.). [العمدة في غريب القرآن: 246]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي} [سبأ: 17]، أي: يعاقب.
{إلا الكفور} [سبأ: 17] تفسير مجاهدٍ أنّهم لمّا أعرضوا عمّا جاءت به الرّسل، ابتلاهم اللّه فغيّر ما بهم ثمّ أهلكهم اللّه بعد ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/754]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وهل نجازي إلاّ الكفور...}

هكذا قرأه يحيى , وأبو عبد الرحمن أيضاً, والعوامّ: {وهل يجازى إلاّ الكفور}
وقوله: {ذلك جزيناهم} , موضع (ذلك) نصب بـ : {جزيناهم}.
يقول القائل: كيف خصّ الكفور بالمجازاة , والمجازاة للكافر وللمسلم , وكلّ واحد؟ .
فيقال: إن جازيناه بمنزلة كافأناه، والسّيئة للكافر بمثلها، وأمّا المؤمن فيجزى لأنه يزاد , ويتفضّل عليه , ولا يجازى.
وقد يقال: جازيت : في معنى جزيت، إلا أنّ المعنى في أبين الكلام على ما وصفت لك؛ ألا ترى أنه قد قال: {ذلك جزيناهم}, ولم يقل {جازيناهم} , وقد سمعت جازيت في معنى جزيت , وهي مثل عاقبت , وعقبت، الفعل : منك وحدك, وبناؤهايعني: فاعلت على أن تفعل , ويفعل بك.). [معاني القرآن: 2/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهل نجازي إلّا الكفور} قال طاوس: يجازي , ولا يغفر له، والمؤمن لا يناقش الحساب.). [تفسير غريب القرآن: 356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلّا الكفور (17)}
" ذلك " في موضع نصب، المعنى : جزيناهم ذلك بكفرهم.
{وهل نجازي إلّا الكفور}:وتقرأ : وهل يجازى، ويجوز: وهل يجازي إلّا الكفور، وهذا مما يسال عنه.
يقال: اللّه عز وجل يجازي الكفور , وغير الكفور.
والمعنى: في هذه الآية أن المؤمن تكفر عنه السيئات، والكافر يحبط عمله , فيجازى بكل سوء يعمله , قال اللّه عز وجل:{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل
اللّه أضلّ أعمالهم}
وقال: {ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (28)}: فأعلم جلّ وعزّ أنه يحبط عمل الكافر، وأعلمنا أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن المؤمن تكفر عنه سيّئاته حسناته.). [معاني القرآن: 4/249-250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور}
قال طاووس : هو المناقشة في الحساب , (( من نوقش عذب .)).
قال أبو جعفر : ويبين لك صحة هذا ما رواه أيوب , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من حوسب عذب .))
قالت : قلت : فإن الله يقول :{فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيراً.}
فقال: (( إنما ذاك العرض , ولكن من نوقش الحساب عذب.)).
قال أبو جعفر : المعنى : أن المؤمن يكفر عنه سيئاته , والكافر يحبط عمله , ويجازى , كما قال جل وعز: {أضل أعمالهم} .). [معاني القرآن: 5/409-410]

تفسير قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وجعلنا بينهم وبين القرى} [سبأ: 18] رجع إلى قصّة ما كانوا فيه من حسن عيشهم قبل أن يهلكهم، فقال: {وجعلنا بينهم} [سبأ: 18]، أي: وكنّا {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها} [سبأ: 18]، يعني: أرض الشّام.
{قرًى ظاهرةً} [سبأ: 18]، أي: متّصلةً ينظر بعضها إلى بعضٍ.
{وقدّرنا فيها السّير} [سبأ: 18] يصبحون في منزلٍ وقريةٍ وماءٍ، ويمسون في
[تفسير القرآن العظيم: 2/754]
منزلٍ وقريةٍ وماءٍ في تفسير الحسن.
وفي تفسير الكلبيّ: {وقدّرنا فيها السّير} [سبأ: 18] المقيل والمبيت {سيروا فيها ليالي وأيّامًا آمنين} [سبأ: 18] وكانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهرٍ في أمانٍ لا يحرّك بعضهم بعضًا ولو لقي الرّجل قاتل أبيه لم يحرّكه.
أبو سهلٍ، عن أبي هلالٍ، عن قتادة، قال: وكانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها، وهي تغزل بيديها، وإنّ مكتلها ليمتلئ من الثّمار من غير أن تجنيه). [تفسير القرآن العظيم: 2/755]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وقدّرنا فيها السّير...}

جعل ما بين القرية إلى القري: ة نصف يومٍ، فذلك : تقديره للسير.).[معاني القرآن: 2/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقدّرنا فيها السّير}: أي: جعلنا ما بين القرية , والقرية مقدارا واحدا). [تفسير غريب القرآن: 356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدّرنا فيها السّير سيروا فيها ليالي وأيّاما آمنين (18)}
هذا عطف على قوله: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنّتان}
{وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرى ظاهرة}: فكانوا لا يحتاجون من وادي سبأ إلى الشام إلى زاد.
وقيل : القرى التي باركنا فيها بيت المقدس، وقيل : أيضا الشام, فكانت القرى إلى كل هذه المواضع من وادي سبأ متصلة.
{وقدّرنا فيها السّير}: جعلنا مسيرهم بمقدار , حيث أرادوا أن يقيموا حلّوا بقرية آمنين). [معاني القرآن: 4/250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة}
قال الحسن : بين اليمن والشام , قال: القرى التي باركنا فيها : الشام .
قال قتادة: قرى ظاهرة على الطريق متصلة.
وقال مجاهد : يردون كل يوم على ماء , ثم قال جل وعز: {وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين}
قال قتادة : يغدون, ويقيلون في قرية, ويروحون ويبيتون في قرية , يسيرون غير خائفين , ولا جياع , ولا ظماء , وإن كانت المرأة لتمر , وعلى رأسها مكتلها , فلا ترجع إلا وهو ملآن ثمرا من غير اجتناء , قال : فبطروا النعمة : فقالوا : ربنا باعد بين أسفارنا.). [معاني القرآن: 5/411]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا} [سبأ: 19] تفسير الحسن: إنّهم ملّوا النّعمة كما ملّت بنو إسرائيل المنّ والسّلوى.
وفي تفسير الكلبيّ: إنّهم قالوا لرسلهم حين ابتلوا حين كذّبوهم: قد كنّا نأتي عليكم وأرضنا عامرةٌ، خير أرضٍ، فكيف اليوم وأرضنا خرابٌ.
وبعضهم يقرأها: ربّنا باعد، وبعضهم يقرأها: بعّد وبعضهم يقرأها: بعد قال اللّه: {وظلموا أنفسهم} [سبأ: 19] بشركهم.
{فجعلناهم أحاديث} [سبأ: 19] لمن بعدهم.
{ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ} [سبأ: 19] بدّدنا عظامهم وأوصالهم فأكلهم التّراب.
{إنّ في ذلك}، أي: في إهلاك القرية، ومن فيها من أهلها.
[تفسير القرآن العظيم: 2/755]
{لآياتٍ لكلّ صبّارٍ} [سبأ: 19] على أمر اللّه.
{شكورٍ} لنعمة اللّه وهو المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/756]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ربّنا باعد بين أسفارنا...}: قراءة العوامّ.

وتقرأ على الخبر : {ربّنا بعّد بين أسفارنا} , و{باعد} , وتقرأ على الدعاء : {ربّنا بعّد} , وتقرأ : {ربّنا بعد بين أسفارنا} : تكون {بين} في موضع رفعٍ, وهي منصوبة, فمن رفعها جعلها بمنزلة قوله: {لقد تقطّع بينكم} .). [معاني القرآن: 2/359-360]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ربّنا باعد بين أسفارنا}, مجازه : مجاز الدّعاء , وقرأه قوم:{ربنا بّعّد بين أسفارنا}, {ومزّقناهم كلّ ممّزّقٍ}: أي : قطعناهم , وفرقناهم.). [مجاز القرآن: 2/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فجعلناهم أحاديث}: أي عظة , ومعتبراً, {ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ} : أي: فرقناهم في كل وجه, ولذلك , قالت العرب للقوم إذا أخذوا في وجوه مختلفة: تفرقوا أيدي سبأ, «وأيدي»: بمعنى: مذاهب وطرق.). [تفسير غريب القرآن: 356]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: وأين قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} من قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
ولم يرد الله في هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصة، وإنما أراد: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن. والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير، فذكره الله عز وجل في هذا الموضع بأفضل صفاته.
وقال في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وفي موضع آخر: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} يعني: المؤمنين.
ومثله قوله تعالى في قصة سبإ: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. وهذا كما تقول: أن في ذلك لآية لكل موحّد مصلّ، ولكلّ فاصل تقيّ. وإنما تريد المسلمين). [تأويل مشكل القرآن: 75] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزّق إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبّار شكور (19)}
{ربّنا بعّد بين أسفارنا}:ويقرأ : {ربّنا باعد بين أسفارنا}, ويقرأ :{ ربّنا بعّد بين أسفارنا} ويقرأ ربنا بالنصب, بعد بين أسفارنا , برفع بين , ويقرأ: بين أسفارنا، ويقرأ: ربّنا باعد بين أسفارنا.
{وظلموا أنفسهم)}:فمن قرأ : بعد بين أسفارنا , برفع بين، فالمعنى : بعد ما يتصل بسفرنا.
ومن قرأ : بعد بين أسفارنا , فالمعنى : بعد ما بين أسفارنا، وبعد سيرنا بين أسفارنا، ومن قرأ : باعد , فعلى وجه المسألة، ويكون المعنى : أنهم سئموا الرّاحة , وبطروا النعمة، كما قال قوم موسى: {ادع لنا ربّك يخرج لنا ممّا تنبت الأرض }, إلى قوله: {الذي هو أدنى بالّذي هو خير.}

{ومزّقناهم كلّ ممزّق}: أي : فرقناهم في البلاد ؛ لأنهم لما أذهب الله بجنتيهم , وغرق مكانهم , تبدّدوا في البلاد , فصارت العرب تتمثل بهم في الفرقة , فتقول: تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ , قال الشاعر:
= من صادر أو وارد أيدي سبا=
وقال كثير:
أيادي سبا يا عز ما كنت بعدكم= فلم يحل للعينين بعدك منظر.). [معاني القرآن: 4/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال الله جل وعز: {وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث}
وقرأ عبد الله بن عباس , وابن الحنفية : {ربنا باعد بين أسفارنا} , قال ابن عباس : (شكوا ربهم جل وعز) .
وقرأ يحيى بن يعمر , وعيسى : {ربنا بعد بين أسفارنا }.
وقرأ سعيد بن أبي الحسن أخو الحسين :{ربنا بعد بين أسفارنا }
والقراءة الأولى أبين , وأهل التفسير : يقولون بطروا النعمة , وأخبر الله جل وعز أنه عاقبهم على ذلك إلا أنه يجوز أن يكونوا .
قالوا : هذا بعدما باعد الله جل وعز بين أسفارهم , أو يكونوا لبطرهم , استبعدوا القريب.
وكانت العرب تضرب بهم المثل , فتقول تفرقوا أيدي سبأ , وأيادي سبأ , أي : مذاهب سبأ , وطرقها.). [معاني القرآن: 5/412]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَزَّقْنَاهُمْ}: فرقناهم.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 24 جمادى الأولى 1434هـ/4-04-2013م, 10:09 PM
أم حذيفة أم حذيفة غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 1,054
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (فأما ثمود وسبأ فهما مرةً للقبيلتين ومرةً للحيين وكثرتهما سواءٌ وقال تعالى: {وعاداً وثموداً} وقال تعالى: {ألا
إن ثموداً كفروا ربهم} وقال: {وآتينا ثمود الناقة مبصرةً} وقال: {وأما ثمود فهديناهم} وقال: {لقد كان لسبأٍ في مساكنهم} وقال: {من سبأٍ بنبأٍ يقينٍ}.
وكان أبو عمرو لا يصرف سبأ يجعله اسماً للقبيلة وقال الشاعر:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ = يبنون من دون سيله العرما
وقال في الصرف للنابغة الجعدي:
أضحت ينفّرها الولدان من سبأٍ = كأنّهم تحت دفّيها دحاريج).
[الكتاب: 3/252-253] (م)

تفسير قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) }
قال عبدُ الملكِ بنُ قُرَيبٍ الأصمعيُّ (ت: 216هـ) : (ومن شجر الحجاز: الغرقد والسدر). [النبات والشجر: 33]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ولو سمّينا رجلا ذو لقلنا: هذا ذوا قد جاء؛ لأنه لا يكون اسم على حرفين أحدهما حرف لين؛ لأن التنوين يذهبه فيبقى على حرف، فإنما رددت ما ذهب، وأصله فعَل، يدلك على ذلك {ذواتا أفنان} و{ذواتى أكلٍ خمطٍ} ). [المقتضب: 1/369] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (والعرمة كالسكر، وجمعها عرم، وفي القرآن المجيد {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ}، وقل النابغة الجعدي:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ = يبنون من دون سيله العرما).
[الكامل: 3/1214-1215]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): ( {ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ} قال: نبت يعرفونه). [مجالس ثعلب: 175]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (واللحن أيضا يكون بمعنى اللغة، وقال شريك عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة، في قول الله عز وجل: {سيل العرم} العرم: المسناة بلحن اليمن، أي بلغتهم). [كتاب الأضداد: 240] (م)
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (فاللحن: اللغة وروى شريك عن أبى إسحاق عن ميسرة أنّه قال في قوله عز وجل: {فأرسلنا عليهم سيل العرم} [سبأ: 16] : العرم: المسناة بلحن اليمن، أي بلغة اليمن). [الأمالي: 1/5] (م)

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) }

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) }

تفسير قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) }
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وكقولهم فيمن رمى الناس بالسهام، أو البنادق، أو حذفهم، أو قذفهم بالحجارة: إنه يذكرهم ويغتابهم؛ لما جرى على ألسنة الناس من قولهم: رميت فلانا بالفاحشة، وقذفته وقذفت أباه.
وقال الله عز وجل: {والذين يرمون المحصنات} {والذين يرمون أزواجهم}.
وقال لبيد:

فرميت القوم رشقا صائبا = ليس بالعصل ولا بالمقثعل
وانتضلنا وابن سلمى قاعد = كعتيق الطير يغضي ويجل
ويريد أنهم تخاصموا وتسابوا واحتجوا.
وكقولهم فيمن رأي أنه قطع أعضاءه: إنه يسافر ويتغرب من عشيرته وولده في البلاد؛ من قول الله في قوم سبأ: {ومزقناهم كل ممزق}. وقال أيضا: {وقطعناهم في الأرض أمما} ). [تعبير الرؤيا: 41-42] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:12 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:13 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:16 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل * ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور}
هذا مثل لقريش بقوم أنعم الله عليهم وأرسل إليهم الرسل فكفروا وأعرضوا فانتقم الله منهم، أي: فأنتم أيها القوم مثلهم. وسبإ: هنا أراد به القبيل، واختلف، لم سمي القبيل بذلك؟ فقالت فرقة: هو اسم امرأة كانت أم القبيل، وقال الحسن بن أبي الحسن في كتاب الرماني: هو اسم موضع، فسمي القبيل به، وقال الجمهور: هو اسم رجل كان هو أبا للقبيل كلهم، قيل: هو ابن يشجب بن يعرب، وروي في هذا القول حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله فروة بن مسيك عن سبإ، ما هو؟ فقال: "هو اسم رجل منه تناسلت قبائل اليمن".
وقرأ نافع، وعاصم، وأبو جعفر وشيبة، والأعرج: "لسبإ" بهمزة منونة مكسورة، على معنى الحي، وقرأ أبو عمرو، والحسن: "لسبأ" بهمزة مفتوحة غير مصروف، على معنى القبيلة.
وقرأ جمهور القراء: "مساكنهم"; لأن كل أحد له مسكن، وقرأ الكسائي وحده: "في مسكنهم" بكسر الكاف، أي: في موضع سكناهم، وهي قراءة الأعمش، وعلقمة، قال أبو علي: والفتح حسن أيضا، لكن هذا كما قالوا: "مسجد"، وإن كان سيبويه يرى هذا اسم البيت، وليس موضع السجود، قال: هي لغة الناس اليوم، والفتح هي لغة الحجاز، وهي اليوم قليلة، وقرأ حمزة، وحفص: "مسكنهم" بفتح الكاف، على المصدر، وهو اسم جنس يراد به الجمع، وهي قراءة إبراهيم النخعي، وهذا الإفراد هو كما قال الشاعر:
كلوا في بعض بطنكم تخفوا
وكما قال الآخر:
قد عض أعناقهم جلد الجواميس
و"آية" معناها: عبرة وعلامة على فضل الله وقدرته، و"جنتان" ابتداء، وخبره في قوله سبحانه: {عن يمين وشمال}، أو خبر ابتداء تقديره: هي جنتان، وهي جملة بمعنى: هذه حالهم، والبدل من "آية" ضعيف، وقد قاله مكي وغيره، وقرأ ابن أبي عبلة: ["آية جنتين"] بالنصب، وروي أنه كان في ناحية اليمن واد عظيم بين جبلين، وكانت حقتا الوادي عند أول الجبلين جسر عظيم من حجارة من الجبل فارتدع الماء فيه وصار بحيرة عظيمة، وأخذ الماء من جنبتيها فمشى مرتفعا يسقي جنات جنبتي الوادي، قيل: بنته بلقيس، وقيل: بناه حمير أبو القبائل اليمنية كلها، وكانوا بهذه الحال في أرغد نعم، وكانت لهم بعد ذلك قرى ظاهرة متصلة من اليمن إلى الشام، وكانوا أرباب تلك البلاد في ذلك الزمان.
وقوله تعالى: ["كلوا"] فيه حذف، كأنه قال: قيل لهم: كلوا، و["طيبة"] معناه: كريمة التربة، حسنة الهواء، رغدة من النعم، سليمة من الهوام والمضار، هذه عبارات المفسرين، وكان ذلك الوادي - فيما روي عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه - لا يدخله برغوث ولا قملة ولا بعوضة ولا عقرب ولا شيء من الحيوان الضار، وإذا جاء به أحد من سفر سقط عند أول الوادي، وروي أن الماشي بمكتل فوق رأسه بين أشجاره كان يمتلئ مكتله دون أن يمد يدا، وروي أن هذه المقالة من الأمر بالأكل والشرب والتوقيف على طيب البلد والغفران من الرب مع الإيمان هي من قول الأنبياء لهم. وقرأ رويس عن يعقوب: ["بلدة طيبة وربا غفورا"] بالنصب في الكل، وبعث إليهم - فيما روي - ثلاثة عشر نبيا فكفروا بهم وأعرضوا، فبعث الله تعالى على ذلك السد جرادا أعمى توالد فيه وخرقه شيئا بعد شيء، وأرسل سيلا في ذلك الوادي فحمل ذلك السد، فيروى أنه كان من العظم وكثرة الماء بحيث ملأ ما بين الجبلين، وحمل الجنات وكثيرا من الناس ممن لم يمكنه الفرار، ويروى أنه لما خرق السد كان ذلك سبب يبس الجنات فهلكت بهذا الوجه، وروي أنه صرف الماء من موضعه الذي كان فيه أولا فتعطل سقي الجنات.
واختلف الناس في لفظة ["العرم"]، فقال المغيرة بن حكيم، وأبو ميسرة: العرم في لغة اليمن جمع عرمة، وهو كل ما بني أو سنم ليمسك الماء، ويقال ذلك بلغة أهل الحجاز: المسناة. كأنها الجسور والسداد ونحوها، ومن هذا المعنى قول الأعشى:
وفي ذلك للمؤتسي أسوة ... ومأرب عض عليها العرم
رخام بناه لهم حمير ... إذا جاء مواره لم يرم
ومنه قول الآخر:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ ... يبنون من دون سيلها العرما
وقال ابن عباس، وقتادة، والضحاك: اسم وادي ذلك الماء بعينه الذي كان السد يبنى له، وقال ابن عباس رضي الله عنهما أيضا: إن سيل ذلك الوادي أبدا كان يصل إلى مكة وينتفع به، وقال ابن عباس: العرم: الشديد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وكأنه صفة للسيل، من العرامة، والإضافة إلى الصفة مبالغة، وهي كثير في كلام العرب.
وقالت فرقة: العرم: اسم الجرذ، وهذا ضعيف. وقيل: العرم: صفة للمطر الشديد الذي كان عند ذلك السيل.
وقوله تعالى: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين} قول فيه تجوز واستعارة; وذلك أن البدل من الخمط والأثل لم يكن جنات، لكن هذا كما تقول لمن جرد ثوبا جيدا وضرب ظهره: "هذا الضرب ثوب صالح لك"، ونحو هذا. وقوله: "ذواتي" تثنية "ذات". و"الخمط": شجر الأراك، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، وقيل: "الخمط" كل شجر له شوك وثمرته كريهة الطعم بمرارة، أو حمصة، أو نحوه، ومنه: تخمط اللبن: إذا تغير طعمه. و"الأثل" ضرب من الطرفاء، هذا هو الصحيح، وكذا قال أبو حنيفة في كتاب النبات، قال الطبري: وقيل: هو شجر شبيه بالطرفاء، وقيل: إنه السمر. و"السدر" معروف، وله نبق شبيه العناب، لكنه دونه في الطعم بكثير. و"للخمط" ثمر غث هو البرير، و"للأثل" ثمر قليل الغناء غير حسن الطعم.
وقرأ ابن كثير، ونافع: "أكل" بضم الهمزة وسكون الكاف. وقرأ الباقون بضم الهمزة وضم الكاف، وروي أيضا عن أبي عمرو سكون الكاف، وهما بمعنى الجنى والثمرة، ومنه قوله تعالى: {تؤتي أكلها} أي: جناها. وقرأ جمهور القراء بتنوين "أكل" وصفته "خمط" وما بعده، قال أبو علي: البدل هذا لا يحسن; لأن "الخمط" ليس بالأكل، و"الأكل" ليس بالخمط نفسه، والصفة أيضا كذلك; لأن الخمط اسم لا صفة، وأحسن ما فيه عطف البيان، كأنه بين أن "الأكل" هذه الشجرة ومنها، ويحسن قراءة الجمهور أن هذا الاسم قد جاء مجيء الصفة في قول الهذلي:
عقار كماء النيء ليست بخمطة ... ولا خلة يكوي الشروب شهابها
وقرأ أبو عمرو بإضافة "أكل" إلى "خمط" وبضم الكاف، أي: "أكل خمط"، ورجح أبو علي القراءة أبو علي). [المحرر الوجيز: 7/ 172-177]

تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ): (وقوله تعالى: "ذلك" إشارة إلى ما أجراه عليهم، وقوله: {وهل نجازي}، أي: يناقش ويعارض بمثل فعله، قدرا بقدر; لأن جزاء المؤمن إنما هو بتفضل وتضعيف، وأما الذي لا يزاد ولا ينقص فهو الكفور، قاله الحسن بن أبي الحسن، وقال طاوس: هي المناقشة، وكذلك إن كان المؤمن ذا ذنوب فقد يغفر له ولا يجازى، والكافر يجازى ولا بد، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "من نوقش الحساب عذب"، وقرأ جمهور القراء: "يجازى" بالياء وفتح الزاي، وقرأ حمزة، والكسائي: "نجازي" بالنون وكسر الزاي "الكفور" بالنصب، وقرأ مسلم بن جندب: "وهل يجزى"، وحكى عنه أبو عمرو الداني أنه قرأ "يجزي" بضم الياء وكسر الزاي. قال الزجاج: يقال: جزيت في الخير، وجازيت في الشر. فترجح هذه قراءة الجمهور).[المحرر الوجيز: 7/ 177-178]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين * فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور}
هذه الآية وما بعدها وصف لحالهم قبل مجيء السيل، وهي أن الله تبارك وتعالى - مع ما كان منهم - منحهم من الجنتين والنعمة الخاصة بهم، كان قد أصلح لهم البلاد المتصلة بهم وعمرها، وجعلهم أربابها، وقدر فيها السير بأن قرب القرى بعضها من بعض، حتى كان المسافر من مأرب إلى الشام ليبيت في قرية ويقيل في قرية، أخرى، فلا يحتاج إلى حمل زاد، و"القرى": المدن، ويقال للجمع الصغير قرية أيضا، وكلها من: قريت، أي جمعت، والقرى التي بورك فيها هي قرى الشام بإجماع من المفسرين، والقرى الظاهرة هي التي بين الشام ومأرب، وهي الصغار التي هي البوادي. قال ابن عباس رضي الله عنهما: هي قرى عربية بين المدينة والشام، وقاله الضحاك، واختلف في معنى "ظاهرة"، فقالت فرقة: معناه: مستعلية مرتفعة في الإكام والظراب، وهي أشرف القرى، وقالت فرقة: يظهر بعضها من بعض، فهي أبدا في قبضة عين المسافر، لا يخلو من رؤية شيء منها بهذا الوجه. والذي يظهر لي أن معنى "ظاهرة": خارجة عن المدن، فهي عبارة عن القرى الصغار التي هي في ظواهر المدن، فإنما فصل بهذه الصفة بين القرى الصغار وبين القرى المطلقة التي هي المدن; لأن ظواهر المدن ما خرج عنها في الفيافي والفحوص، ومنه قولهم: نزلنا بظاهر فلانة، أي: خارجا عنها. وقوله: "ظاهرة" نظير تسمية الناس إياها البادية والضاحية، ومن هذا قول الشاعر:
فلو شهدتني من قريش عصابة ... قريش البطاح لا قريش الظواهر
يعني الخارجين عن بطحاء مكة، وفي حديث الاستسقاء: "وجاء أهل الضواحي يشتكون: الغرق الغرق".
وقوله تعالى: {وقدرنا فيها السير}، هو ما ذكرناه من أن المسافر فيها كان يبيت في قرية ويقيل في أخرى على أي طريق سلك، لا يعوزه ذلك. وقوله تعالى: {سيروا فيها} معناه: قلنا لهم. و[آمنين] معناه: من الخوف من الناس المفسدين، وآمنين من الجوع والعطش وآفات المسافر). [المحرر الوجيز: 7/ 178-179]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم حكى عنهم مقالة قالوها على جهة البطر والأشر، وهي طلب البعد بين الأسفار، والإخبار بأنها بعيدة على القراءات الأخرى، وذلك أن نافعا، وعاصما، وحمزة، والكسائي قرؤوا: "باعد بين أسفارنا" بكسر العين على معنى الطلب أيضا، فهاتان معناهما الأشر بأنهم ملوا النعمة بالقرب، وطلبوا استبدال الذي هو أدنى بالذي هو خير. وفي كتاب الرماني أنهم قالوا: لو كان جني ثمارنا أبعد لكان أشهر وأكثر قيمة، وقرأ ابن السميفع، وسفيان بن حسين، وسعيد بن أبي الحسن - أخو الحسن - وابن الحنفية: "ربنا" بالنصب "بعد بين أسفارنا" بفتح الباء وضم العين، ونصب "بين" أيضا. وقرأ سعيد بن أبي الحسن - من هذه الفرقة -: "بين" بالرفع وإضافته إلى الأسفار، وقرأ ابن عباس، وأبو رجاء، والحسن البصري، وابن الحنفية: أيضا "ربنا" بالرفع "باعد" بفتح العين والدال، وقرأ ابن عباس، وابن الحنفية أيضا، وعمرو بن فايد، ويحيى بن يعمر: "ربنا" بالرفع "بعد" بفتح العين وشدها وفتح الدال. فهذه القراءة معناها الإخبار بأنهم استبعدوا القريب، ورأوا أن ذلك غير مقنع لهم، حتى كأنهم أرادوها متصلة بالدور، وفي هذا تعسف وتسخط على أقدار الله تعالى وإرادته، وقلة شكر على نعمته، بل هي مقابلة النعمة بالتشكي. وفي هذا المعنى ونحوه مما اقترن بكفرهم ظلموا أنفسهم ففرقهم الله تعالى، وخرب بلادهم، وجعلهم أحاديث، ومنه المثل السائر: "تفرقوا أيادي سبأ"، و"أيدي سبأ" ويقال المثل بالوجهين، وهذا هو تمزقهم كل ممزق، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن سبأ أبو عشر قبائل"، فلما جاء السيل على مأرب وهو اسم بلدهم تيامن منهم ستة قبائل، أي: إذ تبددت في بلاد اليمن، وتشاءمت منها أربعة، فالمتيامنة كندة والأزد وأشعر ومذحج وأنمار التي منها بجيلة وخثعم، وطائفة قيل لها: حمير، بقي عليها اسم الأب الأول، والتي تشاءمت لخم وجذام وغسان وخزاعة، نزلت تهامة، ومن هذه المتشائمة أولاد قيلة، وهم الأوس والخزرج، ومنها عاملة وغير ذلك.
ثم أخبر تعالى محمدا عليه الصلاة والسلام وأمته - على جهة التنبيه - أن هذه القصص فيها آيات وعبر لكل مؤمن على الكمال، ومن اتصف بالصبر والشكر فهو المؤمن الذي لا تنقصه خلة جميلة بوجه). [المحرر الوجيز: 7/ 179-180]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 04:04 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 04:08 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ (15) فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثلٍ وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ (16) ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلّا الكفور (17) }
كانت سبأٌ ملوك اليمن وأهلها، وكانت التّبابعة منهم، وبلقيس -صاحبة سليمان-منهم، وكانوا في نعمةٍ وغبطةٍ في بلادهم، وعيشهم واتّساع أرزاقهم وزروعهم وثمارهم. وبعث اللّه إليهم الرّسل تأمرهم أن يأكلوا من رزقه، ويشكروه بتوحيده وعبادته، فكانوا كذلك ما شاء اللّه ثمّ أعرضوا عمّا أمروا به، فعوقبوا بإرسال السّيل والتّفرّق في البلاد أيدي سبأٍ، شذر مذر، كما يأتي تفصيله وبيانه قريبًا إن شاء اللّه تعالى وبه الثّقة.
قال الإمام أحمد، رحمه اللّه: حدّثنا أبو عبد الرّحمن، حدّثنا ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة، عن عبد الرّحمن بن وعلة قال: سمعت ابن عبّاسٍ يقول: أنّ رجلًا سأل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن سبأٍ: ما هو؟ رجلٌ أم امرأةٌ أم أرضٌ؟ قال: "بل هو رجلٌ، ولد عشرة، فسكن اليمن منهم ستّةٌ، وبالشّام منهم أربعةٌ، فأمّا اليمانيّون: فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريّون، وأنمارٌ، وحمير. وأمّا الشّاميّة فلخم، وجذام، وعاملة، وغسّان.
ورواه عبد، عن الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، به. وهذا إسنادٌ حسنٌ، ولم يخرّجوه، [وقد روي من طرقٍ متعدّدةٍ]. وقد رواه الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ في كتاب "القصد والأمم، بمعرفة أصول أنساب العرب والعجم"، من حديث ابن لهيعة، عن علقمة بن وعلة، عن ابن عبّاسٍ فذكر نحوه. وقد روي نحوه من وجهٍ آخر.
وقال [الإمام] أحمد أيضًا وعبد بن حميدٍ: حدّثنا يزيد بن هارون، حدّثنا أبو جناب يحيى بن أبي حيّة الكلبيّ، عن يحيى بن هانئ بن عروة، عن فروة بن مسيك قال: أتيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلت: يا رسول اللّه، أقاتل بمقبل قومي مدبرهم؟ قال: "نعم، فقاتل بمقبل قومك مدبرهم". فلمّا ولّيت دعاني فقال: "لا تقاتلهم حتّى تدعوهم إلى الإسلام". فقلت: يا رسول اللّه، أرأيت سبأً؛ أوادٍ هو، أو رجلٌ، أو ما هو؟ قال: " [لا]، بل رجلٌ من العرب، ولد له عشرةٌ فتيامن ستّةٌ وتشاءم أربعةٌ، تيامن الأزد، والأشعريّون، وحمير، وكندة، ومذحج، وأنمار الّذين يقال لهم: بجيلة وخثعم. وتشاءم لخمٌ، وجذامٌ، وعاملة، وغسّان".
وهذا أيضًا إسنادٌ جيّدٌ وإن كان فيه أبو جناب الكلبيّ، وقد تكلّموا فيه. لكن رواه ابن جريرٍ عن أبي كريب، عن العنقزي، عن أسباط بن نصرٍ، عن يحيى بن هانئٍ المراديّ، عن عمّه أو عن أبيه -يشكّ أسباطٌ-قال: قدم فروة بن مسيك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فذكره.
طريقٌ أخرى لهذا الحديث: قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، حدثنا ابن وهبٍ، حدّثني ابن لهيعة، عن توبة بن نمر، عن عبد العزيز بن يحيى أنّه أخبره قال: كنا عند عبيدة بن عبد الرّحمن بأفريقيّة فقال يومًا: ما أظنّ قومًا بأرضٍ إلّا وهم من أهلها. فقال عليّ بن رباحٍ: كلّا قد حدّثني فلانٌ أنّ فروة بن مسيك الغطيفي قدم على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه، إنّ سبأً قومٌ كان لهم عزٌّ في الجاهليّة، وإنّي أخشى أن يرتدّوا عن الإسلام، أفأقاتلهم؟ فقال: "ما أمرت فيهم بشيءٍ بعد". فأنزلت هذه الآية: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ} الآيات، فقال له رجلٌ: يا رسول اللّه، ما سبأٌ؟ فذكر مثل هذا الحديث الّذي قبله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن سبأٍ: ما هو؟ أبلدٌ، أم رجلٌ، أم امرأةٌ؟ قال: "بل رجلٌ، ولد له عشرة فسكن اليمن منهم ستّةٌ، والشّام أربعةٌ، أمّا اليمانيّون: فمذحج، وكندة، والأزد، والأشعريّون، وأنمار، وحمير غير ما حلّها. وأمّا الشّام: فلخم، وجذام، وغسّان، وعاملة".
فيه غرابةٌ من حيث ذكر [نزول] الآية بالمدينة، والسّورة مكّيّةٌ كلّها، واللّه أعلم.
طريقٌ أخرى: قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا أبو أسامة، حدّثني الحسن بن الحكم، حدّثنا أبو سبرة النّخعي، عن فروة بن مسيك الغطيفي قال: قال رجلٌ: يا رسول اللّه، أخبرني عن سبأٍ: ما هو؟ أرضٌ، أم امرأةٌ؟ قال: "ليس بأرضٍ ولا امرأةٍ، ولكنّه رجلٌ ولد له عشرةٌ من الولد، فتيامن ستّةٌ وتشاءم أربعةٌ، فأمّا الّذين تشاءموا: فلخمٌ وجذامٌ وعاملة وغسّان، وأمّا الّذين تيامنوا: فكندة، والأشعريّون، والأزد، ومذحج، وحمير، وأنمار". فقال رجلٌ: ما أنمار؟ قال: "الّذين منهم خثعم وبجيلة".
ورواه التّرمذيّ في جامعه، عن أبي كريب وعبد بن حميدٍ قالا حدّثنا أبو أسامة، فذكره أبسط من هذا، ثمّ قال: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ.
وقال أبو عمر بن عبد البرّ: حدّثنا عبد الوارث بن سفيان، حدّثنا قاسم بن أصبغ، حدّثنا أحمد بن زهيرٍ، حدّثنا عبد الوهّاب بن نجدة الحوطيّ، حدّثنا ابن كثيرٍ -هو عثمان بن كثيرٍ-عن اللّيث بن سعدٍ، عن موسى بن عليٍّ، عن يزيد بن حصينٍ، عن تميمٍ الدّاريّ؛ أنّ رجلًا أتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فسأله عن سبأٍ، فذكر مثله، فقوي هذا الحديث وحسّن.
قال علماء النّسب، منهم محمّد بن إسحاق: اسم سبأٍ: عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان.
وإنّما سمّي سبأً لأنّه أوّل من سبأ في العرب، وكان يقال له: الرّائش؛ لأنّه أوّل من غنم في الغزو فأعطى قومه، فسمّي الرّائش، والعرب تسمّي المال: ريشًا ورياشًا. وذكروا أنّه بشّر برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في زمانه المتقدّم، وقال في ذلك شعرًا:
سيملك بعدنا ملكًا عظيمًا = نبيّ لا يرخّص في الحرام...
ويملك بعده منهم ملوك = يدينوه العباد بغير ذامٍ...
ويملك بعدهم منّا ملوك = يصير الملك فينا باقتسام...
ويملك بعد قحطان نبي = تقي خبتة خير الأنام...
وسمي أحمدًا يا ليت أنّي = أعمّر بعد مبعثه بعامٍ...
فأعضده وأحبوه بنصري = بكل مدجّج وبكل رامٍ...
متى يظهر فكونوا ناصريه = ومن يلقاه يبلغه سلامي...
ذكر ذلك الهمدانيّ في كتاب "الإكليل".
واختلفوا في قحطان على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّه من سلالة إرم بن سام بن نوحٍ، واختلفوا في كيفيّة اتّصال نسبه به على ثلاث طرائق.
والثّاني: أنّه من سلالة عابر، وهو هودٌ، عليه الصّلاة والسّلام، واختلفوا في كيفيّة اتّصال نسبه به على ثلاث طرائق أيضًا.
والثّالث: أنّه من سلالة إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهما السّلام، واختلفوا في كيفيّة اتّصال نسبه به على ثلاث طرائق أيضًا. وقد ذكر ذلك مستقصًى الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ النّمري، رحمه اللّه، في كتابه [المسمّى]: "الإنباه على ذكر أصول القبائل الرّواة".
ومعنى قوله عليه السّلام: "كان رجلًا من العرب" يعني: العرب العاربة الّذين كانوا قبل الخليل، عليه السّلام، من سلالة سام بن نوحٍ. وعلى القول الثّالث: كان من سلالة الخليل، عليه السّلام، وليس هذا بالمشهور عندهم، واللّه أعلم. ولكن في صحيح البخاريّ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرّ بنفرٍ من "أسلم" ينتضلون، فقال: "ارموا بني إسماعيل، فإنّ أباكم كان راميًا". فأسلم قبيلةٌ من الأنصار، والأنصار أوسها وخزرجها من غسّان من عرب اليمن من سبأٍ، نزلوا بيثرب لمّا تفرّقت سبأٌ في البلاد، حين بعث اللّه عليهم سيل العرم، ونزلت طائفةٌ منهم بالشّام، وإنّما قيل لهم: غسّان بماءٍ نزلوا عليه قيل: باليمن. وقيل: إنّه قريبٌ من المشلّل، كما قال حسّان بن ثابتٍ:
إمّا سألت فإنّا معشرٌ نجبٌ = الأزد نسبتنا، والماء غسّان
ومعنى قوله: "ولد له عشرةٌ من العرب" أي: كان من نسله هؤلاء العشرة الذين يرجع إليهم أصول القبائل من عرب اليمن، لا أنّهم ولدوا من صلبه، بل منهم من بينه وبينه الأبوان والثّلاثة والأقلّ والأكثر، كما هو مقرّرٌ مبينٌ في مواضعه من كتب النّسب.
ومعنى قوله: "فتيامن منهم ستّةٌ، وتشاءم منهم أربعةٌ" أي: بعد ما أرسل اللّه عليهم سيل العرم، منهم من أقام ببلادهم، ومنهم من نزح عنها إلى غيرها، وكان من أمر السّدّ أنّه كان الماء يأتيهم من بين جبلين وتجتمع إليه أيضًا سيول أمطارهم وأوديتهم، فعمد ملوكهم الأقادم، فبنوا بينهما سدًا عظيمًا محكمًا حتّى ارتفع الماء، وحكم على حافات ذينك الجبلين، فغرسوا الأشجار واستغلّوا الثّمار في غاية ما يكون من الكثرة والحسن، كما ذكر غير واحدٍ من السّلف، منهم قتادة: أنّ المرأة كانت تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتلٌ أو زنبيلٌ، وهو الّذي تخترف فيه الثّمار، فيتساقط من الأشجار في ذلك ما يملؤه من غير أنّ يحتاج إلى كلفةٍ ولا قطّاف، لكثرته ونضجه واستوائه، وكان هذا السّدّ بمأرب: بلدةٌ بينها وبين صنعاء ثلاث مراحل، ويعرف بسدّ مأرب.
وذكر آخرون أنّه لم يكن ببلدهم شيءٌ من الذّباب ولا البعوض ولا البراغيث، ولا شيءٌ من الهوامّ، وذلك لاعتدال الهواء وصحّة المزاج وعناية اللّه بهم، ليوحّدوه ويعبدوه، كما قال تعالى: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ}، ثمّ فسّرها بقوله: {جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ} أي: من ناحيتي الجبلين والبلدة بين ذلك، {كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ} أي: غفورٌ لكم إن استمررتم على التّوحيد). [تفسير ابن كثير: 6/ 503-507]

تفسير قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فأعرضوا} أي: عن توحيد اللّه وعبادته وشكره على ما أنعم به عليهم، وعدلوا إلى عبادة الشّمس، كما قال هدهد سليمان: {وجئتك من سبإٍ بنبإٍ يقينٍ. إنّي وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كلّ شيءٍ ولها عرشٌ عظيمٌ. وجدتها وقومها يسجدون للشّمس من دون اللّه وزيّن لهم الشّيطان أعمالهم فصدّهم عن السّبيل فهم لا يهتدون} [النّمل: 22، 24].
وقال محمّد بن إسحاق، عن وهب بن منبّه: بعث اللّه إليهم ثلاثة عشر نبيًّا.
وقال السّدّي: أرسل اللّه إليهم اثني عشر ألف نبيٍّ، واللّه أعلم.
وقوله: {فأرسلنا عليهم سيل العرم}: قيل: المراد بالعرم المياه. وقيل: الوادي. وقيل: الجرذ. وقيل: الماء الغزير. فيكون من باب إضافة الاسم إلى صفته، مثل: "مسجد الجامع". و"سعيد كرز" حكى ذلك السّهيليّ.
وذكر غير واحدٍ منهم ابن عبّاسٍ، ووهب بن منبّهٍ، وقتادة، والضّحّاك؛ أنّ اللّه، عزّ وجلّ، لمّا أراد عقوبتهم بإرسال العرم عليهم، بعث على السّدّ دابّةً من الأرض، يقال لها: "الجرذ" نقبته -قال وهب بن منبّهٍ: وقد كانوا يجدون في كتبهم أنّ سبب خراب هذا السّدّ هو الجرذ فكانوا يرصدون عنده السّنانير برهةً من الزّمان، فلمّا جاء القدر غلبت الفأر السّنانير، وولجت إلى السّدّ فنقبته، فانهار عليهم.
وقال قتادة وغيره: الجرذ: هو الخلد، نقبت أسافله حتّى إذا ضعف ووهى، وجاءت أيّام السّيول، صدم الماء البناء فسقط، فانساب الماء في أسفل الوادي، وخرّب ما بين يديه من الأبنية والأشجار وغير ذلك، ونضب الماء عن الأشجار الّتي في الجبلين عن يمينٍ وشمالٍ، فيبست وتحطّمت، وتبدّلت تلك الأشجار المثمرة الأنيقة النّضرة، كما قال اللّه وتعالى: {وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ خمطٍ}.
قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وعكرمة، وعطاءٌ الخراساني، والحسن، وقتادة، والسّدّي: وهو الأراك، وأكلة البرير.
{وأثل}: قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: هو الطّرفاء.
وقال غيره: هو شجرٌ يشبه الطّرفاء. وقيل: هو السّمر. فاللّه أعلم.
وقوله: {وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ}: لمّا كان أجود هذه الأشجار المبدل بها هو السّدر قال: {وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ}، فهذا الّذي صار أمر تينك الجنّتين إليه، بعد الثّمار النّضيجة والمناظر الحسنة، والظّلال العميقة والأنهار الجارية، تبدّلت إلى شجر الأراك والطّرفاء والسّدر ذي الشّوك الكثير والثّمر القليل. وذلك بسبب كفرهم وشركهم باللّه، وتكذيبهم الحقّ وعدولهم عنه إلى الباطل؛ ولهذا قال: {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور} أي: عاقبناهم بكفرهم.
قال مجاهدٌ: ولا يعاقب إلّا الكفور.
وقال الحسن البصريّ: صدق اللّه العظيم. لا يعاقب بمثل فعله إلّا الكفور. وقال طاوسٌ: لا يناقش إلّا الكفور.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا أبو عمر بن النّحّاس الرّمليّ، حدّثنا حجّاج بن محمّدٍ، حدّثنا أبو البيداء، عن هشام بن صالحٍ التّغلبيّ، عن ابن خيرة -وكان من أصحاب عليٍّ، رضي اللّه عنه-قال: جزاء المعصية الوهن في العبادة، والضّيق في المعيشة، والتّعسّر في اللّذّة. قيل: وما التّعسّر في اللّذّة؟ قال: لا يصادف لذّةً حلالًا إلّا جاءه من ينغّصه إيّاها). [تفسير ابن كثير: 6/ 507-508]

تفسير قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرًى ظاهرةً وقدّرنا فيها السّير سيروا فيها ليالي وأيّامًا آمنين (18) فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ إنّ في ذلك لآياتٍ لكلّ صبّارٍ شكورٍ (19) }
يذكر تعالى ما كانوا فيه من الغبطة والنّعمة، والعيش الهنيّ الرّغيد، والبلاد الرّخيّة، والأماكن الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة، بعضها من بعضٍ، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث إنّ مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زادٍ ولا ماءٍ، بل حيث نزل وجد ماءً وثمرًا، ويقيل في قريةٍ ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجون إليه في سيرهم؛ ولهذا قال تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها}، قال وهب بن منبّهٍ: هي قرًى بصنعاء. وكذا قال أبو مالكٍ.
وقال مجاهدٌ، والحسن، وسعيد بن جبيرٍ، ومالكٌ عن زيد بن أسلم، وقتادة، والضّحّاك، والسّدّي، وابن زيدٍ وغيرهم: يعني: قرى الشّام. يعنون أنّهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشّام في قرًى ظاهرةٍ متواصلةٍ.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: القرى الّتي باركنا فيها: بيت المقدس.
وقال العوفيّ، عنه أيضًا: هي قرًى عربيّةٌ بين المدينة والشّام.
{قرًى ظاهرةً} أي: بيّنةً واضحةً، يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدةٍ، ويبيتون في أخرى؛ ولهذا قال: {وقدّرنا فيها السّير} أي: جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، {سيروا فيها ليالي وأيّامًا آمنين} أي: الأمن حاصلٌ لهم في سيرهم ليلًا ونهارًا). [تفسير ابن كثير: 6/ 508-509]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم}، وقرأ آخرون: "بعّد بين أسفارنا "، وذلك أنّهم بطروا هذه النّعمة -كما قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، والحسن، وغير واحدٍ- وأحبّوا مفاوز ومهامه يحتاجون في قطعها إلى الزّاد والرّواحل والسّير في الحرور والمخاوف، كما طلب بنو إسرائيل من موسى أن يخرج اللّه لهم ممّا تنبت الأرض، من بقلها وقثّائها وفومها وعدسها وبصلها، مع أنّهم كانوا في عيشٍ رغيدٍ في منّ وسلوى وما يشتهون من مآكل ومشارب وملابس مرتفعةٍ؛ ولهذا قال لهم: {أتستبدلون الّذي هو أدنى بالّذي هو خيرٌ اهبطوا مصرًا فإنّ لكم ما سألتم وضربت عليهم الذّلّة والمسكنة وباءوا بغضبٍ من اللّه} [البقرة: 61]، وقال تعالى: {وكم أهلكنا من قريةٍ بطرت معيشتها} [القصص: 58]، وقال تعالى: {وضرب اللّه مثلا قريةً كانت آمنةً مطمئنّةً يأتيها رزقها رغدًا من كلّ مكانٍ فكفرت بأنعم اللّه فأذاقها اللّه لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون} [النّحل: 112]. وقال في حقّ هؤلاء: {وظلموا أنفسهم} أي: بكفرهم، {فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ} أي: جعلناهم حديثًا للنّاس، وسمرًا يتحدّثون به من خبرهم، وكيف مكر اللّه بهم، وفرّق شملهم بعد الاجتماع والألفة والعيش الهنيء تفرّقوا في البلاد هاهنا وهاهنا؛ ولهذا تقول العرب في القوم إذا تفرّقوا: "تفرّقوا أيدي سبأٍ" "وأيادي سبأٍ" و "تفرّقوا شذر مذر".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا إبراهيم بن حبيب بن الشّهيد، سمعت أبي يقول: سمعت عكرمة يحدّث بحديث أهل سبأٍ، قال: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جنّتان [عن يمينٍ وشمالٍ]} إلى قوله: {فأرسلنا عليهم سيل العرم} وكانت فيهم كهنةٌ، وكانت الشّياطين يسترقون السّمع، فأخبروا الكهنة بشيءٍ من أخبار السّماء، فكان فيهم رجلٌ كاهنٌ شريفٌ كثير المال، وإنّه خبّر أنّ زوال أمرهم قد دنا، وأنّ العذاب قد أظلّهم. فلم يدر كيف يصنع؛ لأنّه كان له مالٌ كثيرٌ من عقارٍ، فقال لرجلٍ من بنيه -وهو أعزّهم أخوالًا-: إذا كان غدًا وأمرتك بأمرٍ فلا تفعل، فإذا انتهرتك فانتهرني، فإذا تناولتك فالطمني. فقال: يا أبت، لا تفعل، إنّ هذا أمرٌ عظيمٌ، وأمرٌ شديدٌ، قال: يا بنيّ، قد حدث أمرٌ لا بدّ منه. فلم يزل به حتّى وافاه على ذلك. فلمّا أصبحوا واجتمع النّاس، قال: يا بنيّ، افعل كذا وكذا. فأبى، فانتهره أبوه، فأجابه، فلم يزل ذلك بينهما حتّى تناوله أبوه، فوثب على أبيه فلطمه، فقال: ابني يلطمني؟ عليّ بالشّفرة. قالوا: وما تصنع بالشّفرة؟ قال: أذبحه. قالوا: تذبح ابنك. الطمه أو اصنع ما بدا لك. قال: فأبى، قال: فأرسلوا إلى أخواله فأعلموهم ذلك، فجاء أخواله فقالوا: خذ منّا ما بدا لك. فأبى إلّا أن يذبحه. قالوا: فلتموتنّ قبل أن تذبحه. قال: فإذا كان الحديث هكذا فإنّي لا أرى أن أقيم ببلدٍ يحال بيني وبين ولدي فيه، اشتروا منّي دوري، اشتروا منّي أرضي، فلم يزل حتّى باع دوره وأرضيه وعقاره، فلمّا صار الثّمن في يده وأحرزه، قال: أي قوم، إنّ العذاب قد أظلّكم، وزوال أمركم قد دنا، فمن أراد منكم دارًا جديدًا، وجملًا شديدًا، وسفرًا بعيدًا، فليلحق بعمّان. ومن أراد منكم الخمر والخمير والعصير -وكلمةً، قال إبراهيم: لم أحفظها-فليلحق ببصرى، ومن أراد الرّاسخات في الوحل، المطعمات في المحل، المقيمات في الضّحل، فليلحق بيثرب ذات نخلٍ. فأطاعه قومه فخرج أهل عمان إلى عمان. وخرجت غسّان إلى بصرى. وخرجت الأوس والخزرج وبنو عثمان إلى يثرب ذات النّخل. قال: فأتوا على بطن مرٍّ فقال بنو عثمان: هذا مكانٌ صالحٌ، لا نبغي به بدلًا. فأقاموا به، فسمّوا لذلك خزاعة، لأنّهم انخزعوا من أصحابهم، واستقامت الأوس والخزرج حتّى نزلوا المدينة، وتوجّه أهل عمان إلى عمان، وتوجّهت غسّان إلى بصرى.
هذا أثرٌ غريبٌ عجيبٌ، وهذا الكاهن هو عمرو بن عامرٍ أحد رؤساء اليمن وكبراء سبأٍ وكهّانهم.
وقد ذكر محمّد بن إسحاق بن يسارٍ في أوّل السّيرة ما كان من أمر عمرو بن عامرٍ الّذي كان أوّل من خرج من بلاد اليمن، بسبب استشعاره بإرسال العرم فقال: وكان سبب خروج عمرو بن عامرٍ من اليمن -فيما حدّثني أبو زيدٍ الأنصاريّ-: أنّه رأى جرذًا يحفر في سدّ مأرب، الّذي كان يحبس عنهم الماء فيصرفونه حيث شاؤوا من أرضهم. فعلم أنّه لا بقاء للسّدّ على ذلك، فاعتزم على النّقلة عن اليمن فكاد قومه، فأمر أصغر أولاده إذا أغلظ له ولطمه أن يقوم إليه فيلطمه، ففعل ابنه ما أمره به، فقال عمرٌو: لا أقيم ببلدٍ لطم وجهي فيها أصغر ولدي. وعرض أمواله، فقال أشرافٌ من أشراف اليمن: اغتنموا غضبة عمرٍو. فاشتروا منه أمواله، وانتقل هو في ولده وولد ولده. وقالت الأزد: لا نتخلّف عن عمرو بن عامرٍ. فباعوا أموالهم، وخرجوا معه فساروا حتّى نزلوا بلاد "عكّ" مجتازين يرتادون البلدان، فحاربتهم عكّ، وكانت حربهم سجالا. ففي ذلك يقول عبّاس بن مرداس السّلميّ:
وعك بن عدنان الذين تغلّبوا = بغسّان، حتّى طرّدوا كلّ مطرد...
وهذا البيت من قصيدةٍ له.
قال: ثمّ ارتحلوا عنهم فتفرّقوا في البلاد، فنزل آل جفنة بن عمرو بن عامرٍ الشّام، ونزلت الأوس والخزرج يثرب، ونزلت خزاعة مرّا. ونزلت أزد السّراة السّراة، ونزلت أزد عمان عمان، ثمّ أرسل اللّه على السّدّ السّيل فهدمه، وفي ذلك أنزل اللّه عزّ وجلّ هذه الآيات.
وقد ذكر السّدّيّ قصّة عمرو بن عامرٍ بنحوٍ ممّا ذكر محمّد بن إسحاق، إلّا أنّه قال: "فأمر ابن أخيه"، مكان "ابنه"، إلى قوله: "فباع ماله وارتحل بأهله، فتفرّقوا". رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، أخبرنا [سلمة]، عن ابن إسحاق قال: يزعمون أنّ عمرو بن عامرٍ -وهو عمّ القوم-كان كاهنًا، فرأى في كهانته أنّ قومه سيمزّقون ويباعد بين أسفارهم. فقال لهم: إنّي قد علمت أنّكم ستمزّقون، فمن كان منكم ذا همٍّ بعيدٍ وجملٍ شديدٍ، ومزاد جديد -فليلحق بكاسٍ أو كرود. قال: فكانت وادعة بن عمرٍو. ومن كان منكم ذا همّ مدن، وأمرٍ دعن، فليلحق بأرض شن. فكانت عوف بن عمرٍو، وهم الّذين يقال لهم: بارق. ومن كان منكم يريد عيشًا آنيًا، وحرمًا آمنًا، فليلحق بالأرزين. فكانت خزاعة. ومن كان منكم يريد الرّاسيات في الوحل، المطعمات في المحل، فليلحق بيثرب ذات النّخل. فكانت الأوس والخزرج، وهما هذان الحيّان من الأنصار. ومن كان منكم يريد خمرًا وخميرا، وذهبًا وحريرًا، وملكًا وتأميرًا، فليلحق بكوثي وبصرى، فكانت غسان بنو جفنة ملوك الشّام. ومن كان منهم بالعراق. قال ابن إسحاق: وقد سمعت بعض أهل العلم يقول: إنّما قالت هذه المقالة طريفة امرأة عمرو بن عامرٍ، وكانت كاهنةً، فرأت في كهانتها ذلك، فاللّه أعلم أيّ ذلك كان.
وقال سعيدٌ، عن قتادة، عن الشّعبيّ: أمّا غسّان فلحقوا بالشّام، وأمّا الأنصار فلحقوا بيثرب، وأمّا خزاعة فلحقوا بتهامة، وأمّا الأزد فلحقوا بعمان، فمزّقهم اللّه كلّ ممزّقٍ. رواه ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ.
ثمّ قال محمّد بن إسحاق: حدّثني أبو عبيدة قال: قال الأعشى -أعشى بني قيس بن ثعلبة-واسمه: ميمون بن قيس:
وفي ذاك للمؤتسي أسوةٌ = ومأرب عفّى عليها العرم...
رخام بنته لهم حمير = إذا جاء مواره لم يرم...
فأروى الزّروع وأعنابها = على سعة ماؤهم إذ قسم...
فصاروا أيادي ما يقدرو = ن منه على شرب طفل فطم
وقوله تعالى: {إنّ في ذلك لآياتٍ لكلّ صبّارٍ شكورٍ} أي: إنّ في هذا الّذي حلّ بهؤلاء من النّقمة والعذاب، وتبديل النّعمة وتحويل العافية، عقوبة على ما ارتكبوه من الكفر والآثام -لعبرةً ودلالةً لكلّ عبدٍ صبّارٍ على المصائب، شكورٍ على النّعم.
قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّحمن وعبد الرّزّاق المعنيّ، قالا أخبرنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن العيزار بن حريث عن عمر بن سعدٍ، عن أبيه -هو سعد بن أبي وقّاصٍ، رضي اللّه عنه-قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عجبت من قضاء اللّه تعالى للمؤمن، إن أصابه خيرٌ حمد ربّه وشكر، وإن أصابته مصيبةٌ حمد ربّه وصبر، يؤجر المؤمن في كلّ شيءٍ، حتّى في اللّقمة يرفعها إلى في امرأته".
وقد رواه النّسائيّ في "اليوم واللّيلة"، من حديث أبي إسحاق السّبيعي، به -وهو حديثٌ عزيزٌ-من رواية عمر بن سعدٍ، عن أبيه. ولكن له شاهدٌ في الصّحيحين من حديث أبي هريرة: "عجبًا للمؤمن لا يقضي اللّه له قضاءً إلّا كان خيرًا، إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له. وليس ذلك لأحدٍ إلّا للمؤمن".
قال عبدٌ: حدّثنا يونس، عن شيبان، عن قتادة {إنّ في ذلك لآياتٍ لكلّ صبّارٍ شكورٍ} قال: كان مطرّفٌ يقول: نعم العبد الصّبّار الشّكور، الّذي إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر). [تفسير ابن كثير: 6/ 509-512]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:27 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة