التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين آذوا موسى فبرّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيهًا} [الأحزاب: 69]
- حدّثني حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ، قال: كان موسى أراد أن يغتسل، فدخل الماء يومًا ووضع ثوبه على صخرةٍ، وكانت بنو إسرائيل تقول: إنّ موسى آدر، فلمّا أراد أن يخرج يتناول ثوبه تدهدهت الصّخرة، فتبعها وهو يقول: ثوبي، ثوبي، فمرّ بملإٍ من بني إسرائيل، فرأوه {فبرّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيهًا} [الأحزاب: 69] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/741]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين آذوا موسى فبرّأه اللّه ممّا قالوا وكان عند اللّه وجيها (69)} أي : لا تؤذوا النبي عليه السلام كما آذى أصحاب موسى موسى، عليه السلام، فينزل بكم ما نزل بهم.
وكان أذاهم لموسى فيما جاء في التفسير : أنهم عابوه بشيء في بدنه , فاغتسل يوما , ووضع ثوبه على حجر , فذهب الحجر بثوبه ,فاتبعه موسى , فرآه بنو إسرائيل, ولم يروا ذلك العيب الذي آذوه بذكره.
{وكان عند اللّه وجيها}: كلمه اللّه تكليما , وبرأه من العيب الذي رموه به بآية معجزة.).[معاني القرآن: 4/237]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها}
حدثنا محمد بن إدريس , قال: حدثنا إبراهيم بن مرزوق , قال: حدثنا روح بن عبادة , قال: حدثنا عوف , عن محمد بن سيرين , عن أبي هريرة في هذه الآية :{لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا }, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن موسى صلى الله عليه وسلم كان رجلا حييا ستيرا , لا يكاد يرى من جلده شيء استحياء منه , فآذاه من آذاه من بني إسرائيل , وقالوا: ما يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص , وإما أدرة , وإما آفة , وإن الله عز وجل أراد أن يبرئه مما قالوا , وإن موسى خلا يوما وحده , فوضع ثوبه على حجر , ثم اغتسل , فلما فرغ من غسله , أقبل إلى ثوبه , ليأخذه , وإن الحجر عدا بثوبه , فأخذ موسى عصاه , وطلب الحجر , وجعل يقول: ثوبي حجر , ثوبي حجر , حتى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل , فرأوه عريانا كأحسن الرجال خلقا , فبرأوه مما قالوا له ,ثم إن الحجر قام, فأخذ ثوبه فلبسه.
قال : فطفق بالحجر ضربا , قال : فوالله إن في الحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا , أو أربعا , أو خمسا.)).).
وروى سفيان بن حسين , عن الحكم , عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس , عن علي عليه السلام في قوله جل وعز: {لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا} .
قال: (صعد موسى , وهارون صلى الله عليهما وسلم إلى الجبل , فمات هارون عليه السلام , فقالت بنو إسرائيل لموسى : أنت قتلته, كان ألين لنا منك , وأشد حبا فأوذي في ذلك , فأمر الله جل وعز الملائكة فحملته , فمروا به على مجالس بني إسرائيل , فتكلمت الملائكة بموته حتى علمت بنو إسرائيل أنه مات, فدفنوه , فلم يعلم موضع قبره إلا الرخم فإن الله قد جعله أصم أبكم) .
قال أبو جعفر : والمعنى لا تؤذوا محمدا صلى الله عليه وسلم كما آذى قوم موسى موسى , {فبرأه الله مما قالوا} : مما رموه به من الأمرين جميعا , {وكان عند الله وجيها} , أي : كلمه تكليما.). [معاني القرآن: 5/380-382]
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه} [الأحزاب: 70]، يعني: وحّدوا اللّه، وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {وقولوا قولا سديدًا} [الأحزاب: 70] عدلا، وهو لا إله إلا اللّه). [تفسير القرآن العظيم: 2/741]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ وقولوا قولاً سديداً }: قصداً، قال أوس بن حجر: وما جبنوا إني أسدّ عليهم= ولكن لقواً ناراً تحسّ وتسفع
ويروى: ناراً تخش توقد، وتحس: تستأصل؛ أسد أقول عليهم السداد، يقال: أسددت بالقوم إذا قلت عليهم حقاً وسدداً.). [مجاز القرآن: 2/141]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({سديدا}: قصدا). [غريب القرآن وتفسيره: 304] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قولًا سديداً} أي:قصدا.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا}
قال مجاهد: {وقولوا قولا سديدا}: (أي: سدادا)
وقال الحسن : (أي : صدقاً)). [معاني القرآن: 5/382] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سَدِيدًا}: صواباً). [العمدة في غريب القرآن: 244]
تفسير قوله تعالى: (يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({يصلح لكم أعمالكم} [الأحزاب: 71] لا يقبل العمل إلا ممّن قال: لا إله إلا اللّه مخلصًا من قلبه.
خالدٌ، عن الحسن، قال: إنّ اللّه لا يقبل عمل عبدٍ حتّى يرضى قوله.
قوله عزّ وجلّ: {يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع اللّه ورسوله فقد فاز فوزًا عظيمًا} [الأحزاب: 71] وهي النّجاة العظيمة من النّار إلى الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/741]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها} [الأحزاب: 72]
[تفسير القرآن العظيم: 2/741]
حدّثني الخليل بن مرّة، قال سمعت قتادة يقول، وحدّثني به إسرائيل، عن قتادة، قال: عرض عليهنّ الثّواب، والعقاب، والطّاعة، والمعصية.
وتفسير الكلبيّ: عرض العبادة على السّموات، والأرض، والجبال أيأخذنها بما فيها؟ قلن: وما فيها؟ قيل: إن أحسنتنّ جوزيتنّ، وإن أسأتنّ عوقبتنّ.
{فأبين أن يحملنها} [الأحزاب: 72] وعرضها على الإنسان، والإنسان آدم فقبلها.
- وحدّثني إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوءمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: الأمانة الّتي حملها الإنسان: الصّلاة، والصّوم، والغسل من الجنابة.
- وحدّثني أبو الأشهب والمبارك والحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " قال اللّه: ثلاثٌ من حفظهنّ فهو عبدي حقًّا، ومن ضيّعهنّ فهو عدوّي حقًّا، ائتمن اللّه ابن آدم على ثلاثٍ على الصّلاة، ولو شاء قال قد صلّيت، وعلى الصّوم ولو شاء قال قد صمت، وعلى الغسل من الجنابة ولو شاء قال قد اغتسلت "، ثمّ تلا هذه الآية {يوم تبلى السّرائر} [الطارق: 9].
قال: {إنّه كان ظلومًا} [الأحزاب: 72] لنفسه.
{جهولا} [الأحزاب: 72] بربّه وهذا المشرك). [تفسير القرآن العظيم: 2/742]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {إنّا عرضنا الأمانة}:يعني: الفرائض، {على السّماوات والأرض والجبال} : بما فيها من الثواب والعقاب، {فأبين أن يحملنها}، وعرضت على الإنسان - بما فيها من الثواب والعقاب - فحملها. وقال بعض المفسرين: إن آدم لمّا حضرته الوفاة، قال: يا ربّ! من استخلف بعدي؟ فقيل له: اعرض خلافتك على جميع الخلق، فعرضها، فكلّ أباها غير ولده.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.
إن الله، جلّ ذكره، لما استخلف آدم على ذرّيته، وسلّطه على جميع ما في الأرض من الأنعام والطير والوحش- عهد إليه عهدا أمره فيه ونهاه، وحرّم عليه وأحلّ له، فقبله، ولم يزل عاملا به إلى أن حضرته الوفاة، فما حضرته، صلّى الله عليه وسلم، سأل الله أن يعلمه من يستخلف بعده، ويقلّده من الأمانة ما قلّده. فأمره أن يعرض ذلك على السموات بالشّرط الذي أخذ عليه من الثّواب إن أطاع، ومن العقاب إن عصى. فأبين أن يقبلنه شفقا من عقاب الله.
ثم أمره أن يعرض ذلك على الأرض والجبال، فكلّها أباه.
ثم أمره أن يعرضه على ولده، فعرضه عليه فقبله بالشّرط، ولم يتهيّب منه ما تهيبته السماء والأرض والجبال.
إنّه كان ظلوماً لنفسه جهولًا بعاقبة ما تقلّد لربّه.
ثم قال: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}
أي عرضنا ذلك عليه ليتقلّده، فإذا تقلّده ظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فعذّبه الله به، وظهر إيمان المؤمن فتاب الله عليه. وكان الله غفوراً للمؤمنين رحيماً.
هذا قول على مذهب بعض المفسرين.
وفيه قول آخر:
قالوا: الأمانة: الفرائض، عرضت على السموات والأرض والجبال بما فيها من الثواب والعقاب، فأبين أن يحملنها، وعرضت على الإنسان بما فيها من الثواب والعقاب، فحملها.
والمعنيان في التفسيرين متقاربان). [تأويل مشكل القرآن: 436-437]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ(ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {إنّا عرضنا الأمانة على السّماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنّه كان ظلوما جهولا (72)}
روي عن ابن عبّاس , وسعيد بن جبير أنهما قالا: (الأمانة ههنا : الفرائض التي افترضها اللّه على عبادة).
وقال ابن عمر: (عرضت على آدم الطاعة , والمعصية , وعرف ثواب الطاعة, وعقاب المعصية).
وحقيقة هذه الآية واللّه أعلم، وهو موافق للتفسير : أن اللّه عزّ وجلّ ائتمن بني آدم على ما افترضه عليهم من طاعته، وائتمن السّماوات والأرض والجبال على طاعته , والخضوع له، فأعلمنا الله أنه قال:{ثمّ استوى إلى السّماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين (11)} وأعلمنا أن من الحجارة ما يهبط من خشية اللّه , وأن الشمس , والقمر , والنجوم , والملائكة , وكثيرا من الناس يسجدون للّه.
فأعلمنا اللّه أن السّماوات , والأرض , والجبال لم تحتمل الأمانة، أي : أدّتها، وكل من خان الأمانة , فقد احتملها، وكذلك كل من أثم , فقد احتمل الإثم، قال اللّه عزّ جل: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم}, فأعلم اللّه أن من باء بالإثم , يسمّى: حاملاً للإثم.
فالسّماوات والأرض , والجبال أبين أن يحملن الأمانة , وأدّينها, وأداؤها طاعة اللّه فيما أمر به، والعمل به , وترك المعصية.
{وحملها الإنسان}، قال الحسن: (الكافر , والمنافق حملا الأمانة , ولم يطيعا), فهذا المعنى , والله أعلم.
ومن أطاع من الأنبياء والصديقين والمؤمنين فلا , قال: كان ظلوما جهولا، وتصديق ذلك ما يتلو هذه الآية من قوله: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفورا رحيما (73) }.). [معاني القرآن: 4/237-238]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها}
في هذه الآية أقوال
منها : أن المعنى : على أهل السموات , ويكون معنى : عرضنا : أظهرنا , كما تقول عرضت المتاع ويكون: فأبين على لفظ الأول ؛ لأنهم لم يحملوها كلهم , ويكون المعنى : فأبوا أن يقبلوها .
وحملها الإنسان : أي تكلفها , وكلهم قد كلفها.
وقيل : لما حضرت آدم صلى الله عليه وسلم الوفاة , أمر أن يعرض الأمانة على الخلق , فعرضها , فلم يقبلها إلا بنوه .
وقول ثالث : هو الذي عليه أهل التفسير :-
حدثنا بكر بن سهل , قال : حدثنا أبو صالح , عن معاوية بن صالح , عن علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس قال: قوله تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال} , قال : (الأمانة الفرائض عرضها الله على السموات , والأرض, والجبال إن أدوها أثابهم , إن ضيعوها عذبهم , فكرهوا ذلك , وأشفقوا من غير معصية , ولكن تعظيما لدين الله جل وعز ألا يقوموا به , ثم عرضها على آدم , فقبلها بما فيها , وهو قوله تعالى: {وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا} , غرا بأمر الله جل وعز).
وقال مجاهد : (عرض الله الثواب , والعقاب على السموات , والأرض , والجبال , فأبين ذلك , وأشفقن منه, وقيل لأدم : فقبله , فما أقام في الجنة إلا ساعتين ).
وقال سعيد بن جبير : (عرضت الفرائض على السموات , والأرض , والجبال , فأشفقن منها, وامتنعن , وقبلها آدم صلى الله عليه وسلم) .
وقال عبد الله بن عمر : (عرض على آدم الثواب والعقاب) .
وقال الضحاك : (الأمانة : الطاعة عرضت على السموات , والأرض , والجبال , إن خالفنها عذبن, فأبين , وحملها الإنسان).
وقال قتادة : (عرضت الفرائض على الخلق , فأبين إلا آدم صلى الله عليه وسلم).
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال, وهي أقوال الأئمة من أهل التفسير, تتأول على معنيين :-
أحدهما : أن الله جل وعز جعل في هذه الأشياء ما تميز به , ثم عرض عليها الفرائض , والطاعة ,والمعصية .
والمعنى الآخر : أن الله جل وعز ائتمن ابن آدم على الطاعة , وائتمن هذه الأشياء على الطاعة , والخضوع, فخبرنا أن هذه الأشياء لم تحتمل الأمانة , أي: لم تخنها , يقال : حمل الأمانة , واحتملها, أي : خانها , وحمل إثمها .
وقيل المعنى : وحملها الإنسان , ولم يقم بها , فحذف لعلم المخاطب بذلك , فقال جل وعز: {قالتا أتينا طائعين} , وقال: {وإن منها لما يهبط من خشية الله}
وحملها الإنسان : أي: خانها , وحمل إثمها.
قال الحسن : (وحملها الإنسان , أي : الكافر , والمنافق).
قال أبو جعفر : وقول الحسن يدل على التأويل الثاني , ويدل عليه أيضاً قوله: {ليعذب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما} ). [معاني القرآن: 5/382-387]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ}: أي: عمل الفرائض , والجزاء عليها.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
تفسير قوله تعالى: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الأحزاب: 73]
حدّثني أبو الأشهب، عن الحسن أنّه قرأ هذه الآية: {إنّا عرضنا الأمانة على السّموات والأرض} [الأحزاب: 72] إلى قوله: {وحملها الإنسان إنّه كان ظلومًا جهولا} [الأحزاب: 72].
{ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} [الأحزاب: 73] فقال: هما اللّذان ظلماها، هما اللّذان خاناها، المنافق والمشرك، قال: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفورًا} [الأحزاب: 73] لمن تاب من شركه.
{رحيمًا} للمؤمنين، فبرحمته يدخلهم الجنّة). [تفسير القرآن العظيم: 2/743]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّيعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب...} بالنصب على الإتباع ,وإن نويت به الاستئناف رفعته، كما قال: {لنبيّن لكم ونقرّ في الأرحام} إلا إن القراءة : {ويتوب}بالنصب.). [معاني القرآن: 2/351]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ}
أي عرضنا ذلك عليه ليتقلّده، فإذا تقلّده ظهر نفاق المنافق وشرك المشرك، فعذّبه الله به، وظهر إيمان المؤمن فتاب الله عليه. وكان الله غفوراً للمؤمنين رحيماً.
هذا قول على مذهب بعض المفسرين). [تأويل مشكل القرآن: 436-437] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (ومن أطاع من الأنبياء والصديقين والمؤمنين فلا , قال: كان ظلوما جهولا، وتصديق ذلك ما يتلو هذه الآية من قوله: {ليعذّب اللّه المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات ويتوب اللّه على المؤمنين والمؤمنات وكان اللّه غفورا رحيما (73)}). [معاني القرآن: 4/238] (م)