التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلا أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا} [الأحزاب: 53]، يعني: فتفرّقوا، وهو تفسير السّدّيّ.
{ولا مستأنسين لحديثٍ} [الأحزاب: 53] تفسير ابن مجاهدٍ، عن أبيه، وهو تفسير السّدّيّ: بعد أن تأكلوا.
{إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم واللّه لا يستحيي من الحقّ وإذا سألتموهنّ متاعًا فاسألوهنّ من وراء حجابٍ} [الأحزاب: 53]
- حدّثني أشعث، عن عبد العزيز بن صهيبٍ، عن أنس بن مالكٍ قال: لمّا تزوّج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم زينب بنت جحشٍ أولم عليها ما لم يولم على امرأةٍ من نسائه، قال أنسٌ: كنت أدعو النّاس على الخبز واللّحم، فيأكلون حتّى يشبعوا، فجاء رجلان، فقعدا مع زينب في جوف البيت ينتظران، أظنّه، يعني: الطّعام، فخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حجرة
عائشة، فقال: السّلام عليكم يا أهل البيت، فقالت عائشة: السّلام عليك ورحمة اللّه وبركاته، كيف وجدت أهلك؟ بارك اللّه لك فيهم؟ قال: فاستقرى نساءه كلّهنّ فقلن بمقالتها، ثمّ جاء فوجد الرّجلين في البيت، فاستحيى، فرجع، وأنزل اللّه آية الحجاب، فقرأها عليهما فخرجا، ودخل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأرخى السّتر.
- حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ أنّ عمر بن الخطّاب قال: قلت: يا رسول اللّه، إنّه قد يدخل عليكم البرّ والفاجر، فلو أمرت نساءك يحتجبن، فأنزل اللّه آية الحجاب.
وقوله عزّ وجلّ: {غير ناظرين إناه} [الأحزاب: 53] صنعته.
وقال مجاهدٌ: متحيّنين حينه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/733]
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه لا يستحيي من الحقّ} [الأحزاب: 53] يخبركم أنّ هذا يؤذي النّبيّ عليه السّلام.
قوله عزّ وجلّ: {ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ} [الأحزاب: 53]، يعني: من الرّيبة والدّنس.
تفسير السّدّيّ: أن يكون ذلك من وراء حجابٍ.
قال: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدًا إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيمًا} [الأحزاب: 53] قال ناسٌ من المنافقين: لو قد مات محمّدٌ تزوّجنا نساءه، فأنزل اللّه هذه الآية). [تفسير القرآن العظيم: 2/734]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه} , فغير منصوبة لأنها نعت للقوم، وهم معرفة , و(غير) نكرة فنصبت على الفعل؛ كقوله: {أحلّت لكم بهيمة الأنعام إلاّ ما يتلى عليكم غير محلّي الصّيد} ., ولو خفضت {غير ناظرين} كان صواباً؛ لأنّ قبلها {طعامٍ} , وهو نكرة، فتجعل فعلهم تابعاً للطعام؛ لرجوع ذكر الطعام في (إناه) , كما تقول العرب: رأيت زيداً مع امرأة محسنٍ إليها، ومحسناً إليها, فمن قال: {محسناً} جعله من صفة زيد، ومن خفضه فكأنه قال: رأيت زيداً مع التي يحسن إليها. فإذا صارت الصلة للنكرة أتبعتها، وإن كان فعلاً لغيرها. وقد قال الأعشى:
فقلت له هذه هاتها = فجاء بأدماء مقتادها
فجعل المقتاد تابعا لإعراب الأدماء؛ لأنه بمنزلة قولك: لأدماء يقتادها؛ فخفضته لأنه صلة لها, وقد ينشد بأدماء مقتادها , تخفض الأدماء لإضافتها إلى المقتاد, ومعناه: بملء يدي من اقتادها , ومثله في العربية أن تقول: إذا دعوت زيداً , فقد استغثت بزيد مستغيثه, فمعنى زيد مدح , أي: أنه كافي مستغيثه, ولا يجوز أن تخفض على مثل قولك: مررت على رجل حسن وجهه؛ لأن هذا لا يصلح حتى تسقط راجع ذكر الأول , فتقول: حسن الوجه, وخطأ أن تقول: مررت على امرأة حسنة وجهها , وحسنة الوجه صواب.
وقوله: {ولا مستأنسين}, في موضع خفض تتبعه الناظرين؛ كما تقول: كنت غير قائم ولا قاعدٍ؛ وكقولك للوصيّ: كل من مال اليتيم بالمعروف غير متأثّل مالا، ولا واقٍ مالك بماله. ولو جعلت المستأنسين في موضع نصب تتوهّم أن تتبعه بغير لمّا أن حلت بينهما بكلام. وكذلك كلّ معنىً احتمل وجهين ثم فرّقت بينهما بكلام جاز أن يكون الآخر معرباً بخلاف الأوّل.
من ذلك قولك: ما أنت بمحسن إلى من أحسن إليك لا مجملاً، تنصب المجمل وتخفضه: الخفض على إتباعه المحسن, والنصب أن تتوهم أنك قلت: ما أنت محسناً, وأنشدني بعض العرب:
ولست بذي نيربٍ في الصديق = ومنّاع خيرٍ وسبّابها
ولا من إذا كان في جانب = أضاع العشيرة واغتابها
وأنشدني أبو القماقم:
أجدّك لست الدهر رائي رامةٍ = ولا عاقل إلاّ وأنت جنيب
ولا مصعدٍ في المصعدين لمنعجٍ * ولا هابطاً ما عشت هضب شطيب
وينشد هذا البيت:
معاوي إننا بشرٌ فأسجح = فلسنا بالجبال ولا الحديدا
وينشد (الحديدا) : خفضاً , ونصباً, وأكثر ما سمعته بالخفض, ويكون نصب المستأنسين على فعلٍ مضمرٍ، كأنه قال: فادخلوا غير مستأنسين. ويكون مع الواو ضمير دخولٍ؛ كما تقول: قم ومطيعاً لأبيك.
والمعنى في تفسير الآية : أنّ المسلمين كانوا يدخلون على النبي عليه السلام في وقت الغداء، فإذا طعموا , أطالوا الجلوس، وسألوا أزواجه الحوائج, فاشتدّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى أنزل الله هذه الآية، فتكلّم في ذلك بعض الناس، وقال: أننهى أن ندخل على بنات عمّنا إلاّ بإذنٍ، أو من وراء حجاب. لئن مات محمد لأتزوّجنّ بعضهنّ.
فقام الآباء أبو بكرٍ وذووه، فقالوا: (يا رسول الله، ونحن أيضاً لا ندخل عليهنّ إلاّ بإذنٍ، ولا نسألهنّ الحوائج إلاّ من وراء حجاب، فأنزل الله{لا جناح عليهنّ في آبائهنّ}) إلى آخر الآي, وأنزل في التزويج : {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً}). [معاني القرآن: 2/347-349]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({إلى طعامٍ غير ناظرين إناه }: أي : إدراكه وبلوغه, ويقال: أنى لك أن تفعل، يأني أنياً، والاسم إني, وأنى أبلغ أدرك , قال:
تمخّضت المنون له بيوم= أنى ولكلّ حاملةٍ تمام.). [مجاز القرآن: 2/140]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): {وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً }: مجازه: ما كان لكم أن تفعلوا شيئاً منذ لك , وكان من حروف الزوائد , قال:
فكيف إذا رأيت ديار قومٍ.= وجيرانٍ لهم كانوا كرام
القافية مجرورة , والقصيدة لأنه جعل " كانوا زائدة للتوكيد , ولو أعمل " كان " لنصب القافية , وقال العجاج:
= إلى كناسٍ كان مستعيده=
وقال الفزاري:
=لم يوجد كان مثل بني زياد=
فرفع مثل بني زياد ؛ لأنه ألقى " كان " , وأعمل " يوجد ".). [مجاز القرآن: 2/140-141]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديثٍ إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم واللّه لا يستحيي من الحقّ وإذا سألتموهنّ متاعاً فاسألوهنّ من وراء حجابٍ ذالكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً إنّ ذالكم كان عند اللّه عظيماً}
وقال: {ولا مستأنسين} , فعطفه على {غير} فجعله نصبا , أو على ما بعد {غير} , فجعله جرا.
وقال: {لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعامٍ غير ناظرين إناه}: نصب على الحال : أي: إلاّ أن يؤذن لكم غير ناظرين, ولا يكون جرا على الطعام إلا أن تقول "أنتم" , ألا ترى أنك لو قلت: "ائذن" لعبد الله على امرأة مبغضا لها" لم يكن فيه إلا النصب إلا أن تقول "مبغض لها هو" لأنك إذا اجريت صفته عليها ,ولم تظهر الضمير الذي يدل على أن الصفة له لم يكن كلاما, لو قلت: "هذا رجلٌ مع امرأةٍ ملازمها" كان لحنا حتى تقول "ملازمها" فترفعأو و تقول "ملازمها هو" فتجر.). [معاني القرآن: 3/31-32]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({إناء}: إدراكه). [غريب القرآن وتفسيره: 304]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({غير ناظرين إناه} : أي : منتظرين وقت إدراكه.). [تفسير غريب القرآن: 352]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه ولكن إذا دعيتم فادخلوا فإذا طعمتم فانتشروا ولا مستأنسين لحديث إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم واللّه لا يستحيي من الحقّ وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهنّ وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيما (53)}
{يا أيّها الّذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النّبيّ}:بضم الباء , وقد رويت عن عاصم " بيوت " بكسر الباء , وعن جماعة من أهل الكوفة.
وليس يروي البصريون بيوت بكسر الباء، بل يقولون: إن الضم بعد الكسر ليس موجودا في كلام العرب , ولا في أشعارها, والذين كسروا ؛ فكأنهم ذهبوا إلى اتباع الياء، والاختيار عند الكوفيين الضّم في {بيوت}.
وقوله: {إلّا أن يؤذن لكم إلى طعام}: في موضع نصب, المعنى : إلا بأن يؤذن لكم، أو لأن يؤذن لكم.
وقوله: {إلى طعام غير ناظرين إناه}:(إناه) : نضجه , وبلوغه، يقال : أنى يأني إناء إذا نضج, وبلغ, و " غير " منصوبة على الحال، المعنى : إلا أن يؤذن لكم غير منتظرين, ولا يجوز الخفض في " غير " لأنها إذا كانت نعتا للطعام لم يكن بدّ من إظهار الفاعل لا يجوز إلا غير ناظرين إناه أنتم.
وقوله عزّ وجلّ: {ولا مستأنسين لحديث إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحيي منكم}
ويجوز {فيستحي} منكم بياء واحدة، وكذلك قوله: {واللّه لا يستحيي من الحق}, ويستحي بالتخفيف على استحييت , واستحيت، والحذف لثقل الياءين.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل إطالتهم كرما منه , فيصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله من يحضره الأدب , فصار أدبا لهم ولمن بعدهم.
وقوله: {وإذا سألتموهنّ متاعا فاسألوهنّ من وراء حجاب}:أي : إذا أردتم أن تخاطبوا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في أمر , فخاطبوهن من وراء حجاب، فنزل الأمر بالاستتار.
وقوله:{وما كان لكم أن تؤذوا رسول اللّه}:أي : ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء.
{ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا}:موضع " أن " رفع, المعنى: وما كان لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده، وذلك أنه ذكر أن رجلا قال: إذا توفّي محمد تزوّجت امرأته فلانة، فأعلم الله أن ذلك محرّم بقوله: {إنّ ذلكم كان عند اللّه عظيما}: أي : كان ذنبا عظيما.).[معاني القرآن: 4/234-235]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم}
قال أنس بن مالك: (أنا أعلم الناس بهذه الآية : لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم زينب ابنة جحش , أمرني أن أدعو كل من لقيت , ودعا النبي صلى الله عليه وسلم , فجعل الله جل وعز في الطعام البركة , فأكل قوم , وانصرفوا , وبقيت طائفة , وكانت زينب في البيت , فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وخرج , وهم جلوس , فأنزل الله جل وعز:{يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم} إلى آخر الآية , فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجاب , وانصرفوا).
قال مجاهد في قوله تعالى: {إلى طعام غير ناظرين إناه} : غير متحينين نضجه, {ولا مستأنسين لحديث }, قال: بعد الأكل.
وقوله جل وعز: {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب}
فكان لا يحل لأحد أن يسألهن طعاما , ولا غيره , ولا ينظر إليهن متنقبات , ولا غير متنقبات إلا من وراء حجاب , وكانت عائشة : إذا طافت بالبيت , سترت .
وفي الحديث : (لما ماتت زينب , قال عمر : لا يخرج في جنازتها إلا ذو محرم منها , فوصف له النعش فاستحسنه , وأمر به , وقال : اخرجوا , فصلوا على أمكم).
قال أنس : (كنت أدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم , فلما نزلت هذه الآية , جئت لأدخل , فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : ((وراءك , يا بني.))) .
وقوله عز وجل: {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا}
قال قتادة : (قال رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن مات رسول الله صلى الله عليه وسلم , تزوجت فلانة , قال معمر , قال هذا : طلحة لعائشة)). [معاني القرآن: 5/370-373]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {غير ناظرين إناه}:أي: منتظرين إناه، أي: بلوغه وإنضاجه, {قولا سديداً}:أي: مستويا.). [ياقوتة الصراط: 411]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ناظرين إِنَاهُ}: حينه.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({إِنَاهُ}: إدراكه.). [العمدة في غريب القرآن: 244]
تفسير قوله تعالى: (إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وقال: {إن تبدوا شيئًا أو تخفوه} [الأحزاب: 54]، يعني: ما قالوا: لو قد مات محمّدٌ تزوّجنا نساءه.
{فإنّ اللّه كان بكلّ شيءٍ عليمًا} [الأحزاب: 54] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/734]
تفسير قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (ثمّ استثنى من يدخل على أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الحجاب فقال: {لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ ولا إخوانهنّ ولا أبناء إخوانهنّ ولا أبناء أخواتهنّ ولا نسائهنّ} [الأحزاب: 55] المسلمات.
{ولا ما ملكت أيمانهنّ} [الأحزاب: 55] وكذلك الرّضاع بمنزلة الّذي ذكر ممّن يدخل على أزواج النّبيّ عليه السّلام في الحجاب.
- المعلّى، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قوله: {لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ} [الأحزاب: 55] إلى آخر الآية، فقال: هو الجلباب، رخّص لهنّ في وضعه عند هؤلاء.
[تفسير القرآن العظيم: 2/734]
- حدّثني زيد بن عياضٍ المدنيّ، عن الزّهريّ، عن نبهان مولى أمّ سلمة قال: كنت أساير أمّ سلمة بين مكّة والمدينة إذ قالت لي: يا نبهان، كم بقي لي عليك من كتابتك؟ قلت: ألفان، قالت: قطّ؟ قلت: قطّ، قالت: أهما عندك؟ قال: قلت: نعم، قالت: ادفعهما إلى محمّد بن عبد اللّه فإنّي قد أعنته بهما في نكاحه، ثمّ أرخت الحجاب دوني، فبكيت فقلت: واللّه لا أدفعهما
إليه أبدًا، فقالت: يا بنيّ إنّك واللّه لن تراني أبدًا، إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد إلينا أيّما مكاتب إحداكنّ كان عنده ما يؤدّي فاضربن دونه الحجاب.
- بحرٌ السّقّاء، عن الزّهريّ قال: سافرت أمّ سلمة مع مكاتبٍ لها فقالت: يا فلان عندك ما تؤدّي لي؟ قال: نعم وزيادةٌ، فاحتجبت منه، وقالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إذا كان مع المكاتب ما يؤدّي فاحتجبن منه».
قال: {واتّقين اللّه إنّ اللّه كان على كلّ شيءٍ شهيدًا} [الأحزاب: 55] شاهدًا لكلّ شيءٍ، وشاهدًا على كلّ شيءٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/735]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (والمعنى في تفسير الآية : أنّ المسلمين كانوا يدخلون على النبي عليه السلام في وقت الغداء، فإذا طعموا , أطالوا الجلوس، وسألوا أزواجه الحوائج, فاشتدّ ذلك على النبيّ صلى الله عليه وسلم، حتّى أنزل الله هذه الآية، فتكلّم في ذلك بعض الناس، وقال: أننهى أن ندخل على بنات عمّنا إلاّ بإذنٍ، أو من وراء حجاب, لئن مات محمد لأتزوّجنّ بعضهنّ.
فقام الآباء أبو بكرٍ , وذووه، فقالوا: (يا رسول الله، ونحن أيضاً لا ندخل عليهنّ إلاّ بإذنٍ، ولا نسألهنّ الحوائج إلاّ من وراء حجاب، فأنزل الله : {لا جناح عليهنّ في آبائهنّ}) إلى آخر الآية, وأنزل في التزويج : {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبداً} .). [معاني القرآن: 2/348-349] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله:{لا جناح عليهنّ في آبائهنّ ولا أبنائهنّ ولا إخوانهنّ ولا أبناء إخوانهنّ ولا أبناء أخواتهنّ ولا نسائهنّ ولا ما ملكت أيمانهنّ واتّقين اللّه إنّ اللّه كان على كلّ شيء شهيدا (55)}
ولم يرد في هذه القصة أعمامهنّ , ولا أخوالهنّ.
فجاء في التفسير : أنه لم يذكر العمّ والخال، لأنّ كل واحد منهما يحل لابنة المرأة، فتحل لابن عمها , وابن خالها, فقيل كره ذلك لأنهما يصفانها لأبنائهما.
وهذه الآية نزلت في الحجاب , فيمن يحل للمرأة البروز له، فذكر الأب , والابن إلى آخر الآية.
المعنى : لا جناح عليهن في رؤية آبائهن لهنّ، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين في الرؤية.
وقد جاء في القرآن تسمية العم أبا ًفي قوله: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحداً}, فجعل العمّ أباً.). [معاني القرآن: 4/235-236]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لا جناح عليهن في آبائهن ولا أبنائهن ولا إخوانهن ولا أبناء إخوانهن ولا أبناء أخواتهن ولا نسائهن ولا ما ملكت أيمانهن}
يعني : في الاستئذان , وقيل معنى : ولا نسائهن : ولا أهل دينهن.
وقد قيل : بل هو لجميع النساء , أي: اللواتي من جنسهن
وقيل : ولا ما ملكت أيمانهن من النساء خاصة , وقيل : عام إذا لم تعرف ريبة.). [معاني القرآن: 5/373-373]