تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (7)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم} [الأحزاب: 7] قال مجاهدٌ: في ظهر آدم.
وقال الكلبيّ: في صلب آدم أن يبلّغوا الرّسالة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/701]
قال: {ومنك ومن نوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} [الأحزاب: 7] بتبليغ الرّسالة.
وبعضهم يقول: وأن يعلموا أنّ محمّدًا رسول اللّه، وتصديق ذلك عنده في قوله: {واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا} [الزخرف: 45] سل جبريل فإنّه هو كان يأتيهم بالرّسالة: هل أرسلنا من رسولٍ إلا بشهادة أن لا إله إلا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه.
وتفسير الحسن في هذه الآية في آل عمران مثل هذه الآية: {وإذ أخذ اللّه ميثاق النّبيّين لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم} [آل عمران: 81] قال: أخذ اللّه على النّبيّين أن يعلموا أمر محمّدٍ، ما خلا محمّدًا من النّبيّين فإنّه لا نبيّ بعده، ولكنّه قد أخذ عليه أن يصدّق بالأنبياء كلّهم، ففعل صلّى اللّه عليه وسلّم.
وذكر يحيى، عن بعض أصحابه، عن قتادة أنّه كان إذا تلا هذه الآية: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوحٍ} [الأحزاب: 7]، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «كنت أوّل النّبيّين في الخلق وآخرهم في البعث».
- عمّارٌ، عن أبي هلالٍ، عن داود بن أبي هندٍ، عن مطرّف بن عبد اللّه، قال: قال رجلٌ: يا نبيّ اللّه، متى كتبت نبوّتك؟ قال: بين الطّين، وبين الرّوح من خلق آدم). [تفسير القرآن العظيم: 2/702]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وإذ أخذنا من النّبيّين ميثاقهم ومنك ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ابن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا (7)}
موضع " إذ " نصب المعنى : اذكر إذ أخذنا، فذكره اللّه صلى الله عليه وسلم في أخذ الميثاق قبل نوح.
وجاء في التفسير: إني خلقت قبل الأنبياء، وبعثت بعدهم.
فعلى هذا القول : لا تقديم في هذا الكلام , ولا تأخير, هو على نسقه، وأخذ الميثاق حيث أخرجوا من صلب آدم صلى اللّه عليه وسلم كالذّرّ.
ومذهب أهل اللغة : أن الواو معناها الاجتماع، وليس فيها دليل أن المذكور أولا لا يستقيم أن يكون معناه التأخير.
فالمعنى على مذهب أهل اللّغة: ومن نوح , وإبراهيم , وموسى, وعيسى ابن مريم ومنك, ومثله قوله: {واسجدي واركعي مع الراكعين}.). [معاني القرآن: 4/216-217]
تفسير قوله تعالى: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا (8) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ليسأل}، أي: ليسأل اللّه.
{الصّادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8] تفسير الحسن: يعني: النّبيّين كقوله: {ولنسألنّ المرسلين} [الأعراف: 6].
وقال في آيةٍ أخرى: {يوم يجمع اللّه الرّسل فيقول ماذا أجبتم} [المائدة: 109]
[تفسير القرآن العظيم: 2/702]
وقال مجاهدٌ: {ليسأل الصّادقين عن صدقهم} [الأحزاب: 8] قال: المبلّغين المؤدّين، هم الرّسل في حديث عاصم بن حكيمٍ.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: المبلّغين المؤدّين من الرّسل.
وقال السّدّيّ: {ليسأل الصّادقين} [الأحزاب: 8]، يعني: النّبيّين {عن صدقهم} [الأحزاب: 8] أنّهم بلّغوا الرّسالة إلى قومهم من اللّه.
قال: {وأعدّ للكافرين عذابًا أليمًا} [الأحزاب: 8] موجعًا). [تفسير القرآن العظيم: 2/703]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله:{ليسأل الصّادقين عن صدقهم وأعدّ للكافرين عذابا أليما (8)}
معناه : ليسأل المبلّغين من الرسل عن صدقهم في تبليغهم.
وتأويل مسألة الرسل - واللّه يعلم - : أنهم صادقون التبكيت للذين كفروا بهم، كما قال اللّه عزّ وجلّ : {وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه}
فأجاب فقال: {سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته}.
ثم قال : {ما قلت لهم إلّا ما أمرتني به},فتأويله التبكيت للمكذبين.
فعلى هذا : {ليسأل الصّادقين عن صدقهم وأعدّ للكافرين عذابا أليما (8)}
أي : للكافرين بالرسل.) [معاني القرآن: 4/217]