التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا} [العنكبوت: 14] يقول: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا} [العنكبوت: 14] أبو سهلٍ، عن الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: كان جميع عمره ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، يقول: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه فلبث فيهم}
[العنكبوت: 14] من يوم ولد إلى يوم مات {ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا} [العنكبوت: 14] قال: وحدّثني عن الحسن بن دينارٍ، عن حميد بن هلالٍ، أنّ كعبًا قال: لبث نوحٌ في قومه ألف سنةٍ إلا خمسين عامًا، ثمّ لبث بعد الطّوفان ستّ مائة عامٍ.
قال: {فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون} [العنكبوت: 14] والطّوفان الماء، فأغرقهم به.
{وهم ظالمون} [العنكبوت: 14]، أي: مشركون، ظالمون لأنفسهم وبظلمهم ضرّوا أنفسهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/621]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الطّوفان}, مجازه: كل ما طام فاشٍ من سبيل كان, أو من غيره وهو كذلك من للوت إذا كان جارفاً فاشياً كثيراً، قال:أفناهم طوفانُ موتٍ جارف.). [مجاز القرآن: 2/114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {الطّوفان}: المطر الشديد.). [تفسير غريب القرآن: 337]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون (14)}
{فلبث فيهم ألف سنة إلّا خمسين عاما}: فالاستثناء مستعمل في كلام العرب، وتأويله عند النحويين توكيد العدد , وتحصيله, وكماله؛ لأنك قد تذكر الجملة , ويكون الحاصل أكثرها، فإذا أردت التوكيد في تمامها , قلت: كلها، وإذا أردت التوكيد في نقصانها , أدخلت فيها الاستثناء، تقول: جاءني إخوتك , يعني : أن جميعهم جاءك.
وجائز أن تعني: أن أكثرهم جاءك، فإذا قلت: جاءني إخوتك كلّهم , أكّدت معنى الجماعة، وأعلمت : أنه لم يتخلّف منهم أحد.
وتقول أيضا: جاءني إخوتك إلا زيدا , فتؤكد : أن الجماعة تنقص زيدا.
وكذلك رءوس الأعداد مشبّهة بالجماعات، تقول: عندي عشرة، فتكون ناقصة، وجائز أن تكون تامّة، فإذا قلت: عشرة إلا نصفا , أو عشرة كاملة حقّقت، وكذلك إذا قلت: ألف إلّا خمسين , فهو كقولك عشرة إلا نصفا ؛ لأنك إنّما استعملت الاستثناء فيما كان أملك بالعشرة من التسعة، لأن النصف قد دخل في باب العشرة، ولو قلت عشرة إلا واحدا, أو إلا اثنين كان جائزا , وفيه قبح؛ لأن تسعة وثمانية يؤدي عن ذلك العدد، ولكنه جائز من جهة التوكيد أن هذه التسعة لا تزيد ولا تنقص، لأنّ قولك عشرة إلا واحدا قد أخبرت أفيه، بحقيقة العدد , واستثنيت ما يكون نقصانا من رأس العدد, والاختيار في الاستثناء في الأعداد التي هي عقود الكسور والصحاح جائز أن يستثنى, فأما استثناء نصف الشيء , فقبيح جدّا، لا يتكلم به الجرب، فإذا قلت عشرة إلا خمسة فليس تطور العشرة بالخمسة ؛ لأنها ليست تقرب منها، وإنما تتكلم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، فتقول: عندي درهم ينقص قيراطاً.
ولو قلت عندي درهم ينقص خمسة دوانيق , أو تنقص نصفه كان الأولى بذلك: عندي نصف درهم, ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إلا قليل من كثير, فهذه جملة كافية.
وقوله: {فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون}
الطوفان من كل شيء ما كان كثيرا مطيفا بالجماعة كلها كالغرق الذي يشتمل على المدن الكبيرة, يقال فيه : طوفان, وكذلك القتل الذريع , والموت الجارف طوفان.). [معاني القرآن: 4/163-164]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فأخذهم الطوفان وهم ظالمون}
يقال : لكل كثير مطيف بالجميع من مطر , أو قتل , أو موت طوفان .
وقوله جل وعز: {وتخلقون إفكا} : أي : وتنحتون .
والمعنى على هذا : إنما تعبدون من دون الله أوثانا , وأنتم تصنعونها
وقال مجاهد : إفكا , أي: كذبا.
والمعنى على هذا : ويختلقون الكذب , وقرأ أبو عبد الرحمن : {وتخلقون إفكا }, والمعنى واحد.). [معاني القرآن: 5/217-218]
تفسير قوله تعالى: {فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال اللّه: {فأنجيناه} [العنكبوت: 15]، يعني: نوحًا.
{وأصحاب السّفينة} [العنكبوت: 15]، يعني: من كان مع نوحٍ في السّفينة.
قال: {وجعلناها آيةً} [العنكبوت: 15]، يعني: عبرةً.
[تفسير القرآن العظيم: 2/621]
{للعالمين} [العنكبوت: 15] وهو تفسير السّدّيّ.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: أبقاها اللّه تبارك وتعالى بباقردى من أرض الجزيرة حتّى أدركها أوائل هذه الأمّة، وكم من سفينةٍ كانت بعدها، فصارت رمددًا.
قال يحيى: بلغني أنّهم كانوا يجدون من مساميرها بعدما بعث النّبيّ عليه السّلام). [تفسير القرآن العظيم: 2/622]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فأنجيناه وأصحاب السّفينة وجعلناها آية للعالمين (15)}
قد بين في غير هذه الآية من أصحاب السفينة - في قوله:{قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلّا من سبق عليه القول} ). [معاني القرآن: 4/164]
تفسير قوله تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإبراهيم} [العنكبوت: 16]، أي: وأرسلنا إبراهيم إلى قومه، وهذا تبعٌ للكلام الأوّل لقوله في نوحٍ: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} [العنكبوت: 14] قال: {إذ قال لقومه اعبدوا اللّه} [العنكبوت: 16]، يعني: وحّدوا اللّه.
{واتّقوه} [العنكبوت: 16] يقول: واخشوه وهو تفسير السّدّيّ.
{ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون {16}). [تفسير القرآن العظيم: 2/622]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)
: (وقوله: {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اللّه واتّقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون (16)}
المعنى : وأرسلنا إبراهيم عطفا على نوح.). [معاني القرآن: 4/164]
تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({إنّما تعبدون من دون اللّه أوثانًا وتخلقون} [العنكبوت: 17]، أي: وتصنعون.
{إفكًا} [العنكبوت: 17]، يعني: كذبًا كقوله: {أتعبدون ما تنحتون} [الصافات: 95] وقال مجاهدٌ: قال: {وتخلقون إفكًا} [العنكبوت: 17] يقول كذبًا.
وقال السّدّيّ: {وتخلقون إفكًا} [العنكبوت: 17]، يعني: تخرصون كذبًا.
قال: {إنّ الّذين تعبدون من دون اللّه لا يملكون لكم رزقًا فابتغوا عند اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 2/622]
الرّزق} [العنكبوت: 17] فإنّ هذه الأوثان لا تملك لكم رزقًا.
{واعبدوه واشكروا له} [العنكبوت: 17]، أي: فابتغوا عند اللّه الرّزق بأن تعبدوه وتشكروه يرزقكم.
قال: {إليه ترجعون} [العنكبوت: 17] يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 2/623]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {إنّما تعبدون من دون اللّه أوثاناً وتخلقون إفكاً...}
{إنّما} في هذا الموضع حرفٌ واحدٌ، وليست على معنى (الذي) , {وتخلقون إفكاً} مردودة على (إنّما) , كقولك: إنما تفعلون كذا، وإنما تفعلون كذا, وقد اجتمعوا على تخفيف {تخلقون} إلاّ أبا عبد الرحمن السلمي ؛ فإنه قرأ : {وتخلّقون إفكاً} ينصب التاء ويشدّد اللام , وهما في المعنى سواء.). [معاني القرآن: 2/315]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ أوثاناً}: الوثن من حجارة , أو من جص.
{ وتخلقون إفكاً }, مجازه: تختلقون , وتفترون.
{واشكروا له}: واشكروه واحد.). [مجاز القرآن: 2/114]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({تخلقون إفكا}: تخلقون وتفترون واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 295]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( الأوثان : واحدها: وثن, وهو: ما كان من حجارة أو جصّ.
{وتخلقون إفكاً}: أي : تختلقون كذباً.). [تفسير غريب القرآن: 337]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (الخلق: التّخرّص، قال الله تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ} أي: خرصهم للكذب.
وقال تعالى: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا}، أي تخرصون كذبا.
وقال تعالى: {إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ} أي: افتعال للكذب.
والعرب تقول للخرافات: أحاديث الخلق). [تأويل مشكل القرآن: 506] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {إنّما تعبدون من دون اللّه أوثانا وتخلقون إفكا إنّ الّذين تعبدون من دون اللّه لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند اللّه الرّزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون (17)}
وقرئت :{وتخلّقون إفكاً}: أوثاناً , أصناماً.
وتخلقون إفكا فيه قولان: تخلقون كذبا، وقيل : تعملون الأصنام، ويكون التأويل على هذا القول: إنما تعبدون من دون الله أوثانًا , وأنتم تصنعونها.). [معاني القرآن: 4/164-165]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وتخلقون إِفْكًا}: تختلقون كذباً.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 185]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({تَخْلُقُونَ}: تكذبون.). [العمدة في غريب القرآن: 237]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وإن تكذّبوا فقد كذّب أممٌ من قبلكم} [العنكبوت: 18]، أي: فأهلكهم اللّه، يحذّرهم أن ينزل بهم ما نزل بهم إن لم يؤمنوا.
قال: {وما على الرّسول إلا البلاغ المبين} [العنكبوت: 18] قال: ليس عليه أن يكره النّاس على الإيمان كقوله: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا أفأنت} [يونس: 99] يقوله على الاستفهام: {تكره النّاس حتّى يكونوا مؤمنين} [يونس: 99]، أي: أنّك لا تستطيع أن تكرههم وإنّما يؤمن من أراد اللّه أن يؤمن وكقوله: {إنّك لا تهدي من أحببت ولكنّ اللّه يهدي من يشاء} [القصص: 56] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/623]