التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِأُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) )
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {إنّ قارون كان من قوم موسى} [القصص: 76] كان ابن عمّه أخي أبيه.
{فبغى عليهم} [القصص: 76] وكان عاملا لفرعون فتعدّى عليهم وظلمهم.
قال: {وآتيناه} [القصص: 76]، يعني: قارون، أي: أعطيناه.
{من الكنوز} [القصص: 76]، أي: من الأموال.
{ما إنّ مفاتحه} [القصص: 76] قال بعضهم: خزائنه، يعني: أمواله.
وقال بعضهم: مفاتح خزائنه.
{لتنوء بالعصبة} [القصص: 76] لتثقل العصبة، الجماعة.
{أولي القوّة} [القصص: 76] من الرّجال.
وقال السّدّيّ: {أولي القوّة} [القصص: 76]، يعني: أولي الشّدّة، والعصبة، الجماعة.
وهم هاهنا أربعون رجلا.
قال: {إذ قال له قومه} [القصص: 76] قال له موسى والمؤمنون بنو إسرائيل.
{لا تفرح} [القصص: 76] لا تبطر.
{إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين} [القصص: 76]
[تفسير القرآن العظيم: 2/608]
وقال السّدّيّ: {لا تفرح إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين} [القصص: 76]، يعني: لا تبطر و{لا تفرح إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين} [القصص: 76] المرحين البطرين المشركين، أي: الّذين يفرحون بالدّنيا لا يفرحون بالآخرة، لا يؤمنون بها، ولا يرجونها.
وقال في آيةٍ أخرى: {وفرحوا بالحياة الدّنيا} [الرعد: 26] وهم المشركون.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: الأشرّين، البطرين الّذين لا يشكرون فيما أعطاهم وهو واحدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/609]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم...}
وكان ابن عمّه {فبغى عليهم}, وبغيه عليهم: أنه قال: إذا كانت النبوّة لموسى، وكان المذبح , والقربان الذي يقرّب في يد هارون فمالي؟.
وقوله: {وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة} : نوؤها بالعصبة , أن: تثقلهم، والعصبة ها هنا: أربعون رجلاً ومفاتحه: خزائنه, والمعنى: ما إن مفاتحه لتنيء العصبة , أي: تميلهم من ثقلها , فإذا أدخلت الباء قلت: تنوء بهم , وتنيء بهم، كما قال: {آتوني أفرغ عليه قطراً}, والمعنى: ائتونى بقطرٍ أفرغ عليه، فإذا حذفت الباء , زدت في الفعل ألفاً في أوّله, ومثله: {فأجاءها المخاض} : معناه: فجاء بها المخاض, وقد قال رجل من أهل العربية: إن المعنى: ما إن العصبة لتنوء بمفاتحه , فحوّل الفعل إلى المفاتح , كما قال الشاعر:
إن سراجاً لكريم مفخره = تحلى به العين إذا ما تجهره
وهو الذي يحلى بالعين,فإن كان سمع بهذا أثراً فهو وجه؛ وإلاّ فإنّ الرجل جهل المعنى, ولقد أنشدني بعض العرب:
حتى إذا ما التأمت مواصله = وناء في شقٍّ الثّمال كاهله
يعني الرامي لمّا أخذ القوس , ونزع مال على شقّه, فذلك نوؤه عليها.
ونرى أن قول العرب: ما ساءك وناءك من ذلك، ومعناه : ما ساءك وأناءك، إلا أنّه ألقى الألف؛ لأنه متبع لساءك، كما قالت العرب: أكلت طعاماً فهنأني ومرأني، ومعناه، إذا أفردت: وأمرأني، فحذفت منه الألف لمّا أن أتبع ما لا ألف فيه.
وقوله: {إذ قال له قومه لا تفرح} , ذكروا أن موسى الذي قال له ذلك؛ لأنه من قومه وإن كان على غير دينه. وجمعه ها هنا وهو واحد , كقول الله : {الّذين قال لهم الناس إنّ الناس قد جمعوا لكم}, وإنما كان رجلاً من أشجع .
وقوله: {الفرحين} , ولو قيل: الفارحين كان صواباً، كأنّ الفارحين: الذين يفرحون فيما يستقبلون، والفرحين الذين هم فيه السّاعة، مثل الطامع والطمع، والمائت والميّت، والسّالس والسّلس, أنشدني بعض بني دبير، وهم فصحاء بني أسدٍ:
ممكورةٌ غرثي الوشاح السّالس = تضحك عن ذي أشر عضارس
العضارس البارد , وهو مأخوذ من العضرس , وهو البرد, يقال: سالس وسلس ). [معاني القرآن: 2/311]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوّة}: أي: مفاتح خزائته، ومجازه: ما إن العصبة ذوى القوة لتنوء بمفاتح نعمه ؛
ويقال في الكلام: إنها لتنوء بها عجيزتها، وإنما هي تنوء بعجيزتها كما ينوء البعير بحمله، , والعرب قد تفعل مثل هذا،
قال الشاعر:
فديت بنفسه نفسي ومالي= ولا ألوك إلّا ما أطيق
والمعنى فديت بنفسي وبمالي نفسه وقال:
وتركب خيلٌ لا هوادة بينها= وتشقى الرماح بالضّياطرة الحمر
الخيل: هاهنا الرجال، وإنما تشقى الضياطرة بالرماح، وقال أبو زبيد:والصّدر منه في عاملٍ مقصود
وإنما الرمح في الصدر، ويقال: أعرض الناقةً على الحوض , وإنما يعرض من الحوض على الناقة.
{لا تفرح}:أي : لا تأشر , ولا تمرح، قال هدبة:
ولست بمفراحٍ إذا الدهر سرّني= ولا جازعٍ من صرفه المتقلّب
وقال ابن أحمر:
ولا ينسيني الحدثان عرضي= ولا ألقى من الفرح إلازارا
أي: لا أبدي عورتي للناس.). [مجاز القرآن: 2/110-111]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة إذ قال له قومه لا تفرح إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين}
وقال: {ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة}: يريد: إنّ الذي مفاتحه. وهذا موضع لا يبتدئ فيه "أنّ" وقد قال: {قل إنّ الموت الّذي تفرّون منه فإنّه ملاقيكم} ,
وقوله: {تنوء بالعصبة} : إنّما العصبة تنوء بها.
وفي الشعر:
تنوء بها فتثقلها = عجيزتها............
وليست العجيزة تنوء بها , ولكنها هي تنوء بالعجيزة, وقال:
ما كنت في الحرب العوان مغمّراً = إذ شبّ حرّ وقودها أجزالها.).
[معاني القرآن: 3/24]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {لتنوء بالعصبة}: لتثقلهم وتميلهم، ويقال نؤت بالحمل وناء بي إذا أثقلني، ويقال ناء بي الحمل وأناء بي كقولك:
ذهبت ببصره وأذهبت به وأتيته وأتيت به. وقال بعضهم: معناه لتنوء العصبة به، إن العصبة لتنوء بمفاتحه وهذا هو الكلام المنكوس.
وقال الشاعر:
إن سراجا لكريم مفخره = تحلا به العين إذا ما تجهره
{لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين}: الأشرين البطرين). [غريب القرآن وتفسيره: 293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ما إنّ مفاتحه لتنوأ بالعصبة} : أي: تميل بها العصبة - إذا حملتها - من ثقلها, يقال: ناءت بالعصبة، أي: مالت بها, وأناءت العصبة: أمالتها, ونحوه في المعنى قوله: {ولا يؤده حفظهما} : أي : لا يثقله حتى يؤوده، أي : يميله, و«العصبة»: ما بين العشرة إلى الأربعين, وفي تفسير أبي صالح: {ما إنّ مفاتحه} يعني: الكنز نفسه» وقد تكون «المفاتح»: مكان الخزائن, قال في موضع آخر: {أو ما ملكتم مفاتحه} ، أي ما ملكتموه: من المخزون, وقال: {وعنده مفاتح الغيب} ،
نرى: أنها خزائنه.
{لا تفرح}: لا تأشر، ولا تبطر. قال الشاعر:
ولست بمفراح إذا الدهر سرّني = ولا جازع من صرفه المتحوّل
أي : لست بأشر, فأمّا السرور , فليس بمكروه). [تفسير غريب القرآن: 334-335]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والفرح: البطر والأشر، لأن ذلك عن إفراط السرور، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}
وقال: {إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} وقال: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ}.
وقد تبدل (الحاء) في هذا المعنى (هاء) فيقال: فره أي بطر، قال الله تعالى: {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} أي: أشرين بطرين. و(الهاء) تبدل من (الحاء)
لقرب مخرجيهما، تقول: (مدحته) و(مدهته)، بمعنى واحد). [تأويل مشكل القرآن: 491]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {إنّ قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة إذ قال له قومه لا تفرح إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين}
قارون : اسم أعجمي لا ينصرف، ولو كان فاعولا من العربيّة، من قرنت الشّيء لا يصرف فلذلك لم ينوّن.
وجاء في التفسير : أن قارون كان ابن عمّ موسى، وكان من العلماء بالتوراة, فبغى على موسى , وقصد إلى الإفساد عليه, وتكذيبه, وكان من طلبه للإفساد عليه : أن بغيّا كانت مشهورة في بني إسرائيل, فوجّه إليها قارون - وكان أيسر أهل زمانه - يأمرها أن تصير إليه، وهو في ملأ من أصحابه , لتتكذّب على موسى وتقول: إنه طلبني للفساد والرّيبة، وضمن لها قارون إن فعلت ذلك أن يخلطها بنسائه، وأن يعطيها على ذلك عطاء كبيراً، فجاءت المرأة - وقارون جالس مع أصحابه - ورزقها اللّه التوبة فقالت في نفسها : مالي مقام توبة مثل هذا، فأقبلت على أهل المجلس وقارون حاضر، فقالت لهم : إن قارون هذا وجّه إليّ يأمرني ويسألني أن أتكذّب على موسى، وأن أقول إنه أرادني للفساد، وإنّ قارون كاذب في ذلك، فلما سمع قارون كلامها تحيّر و أبلس, واتصل الخبر بموسى عليه السلام , فجعل اللّه أمر قارون إلى موسى , وأمر الأرض أن تطيعه فيه، فورد موسى على قارون، فأحس قارون بالبلاء، فقال: يا موسى ارحمني؟
فقال: يا أرض خذيه، فخسف به، وبداره إلى ركبتيه.
فقال: يا موسى ارحمني؟.
فقال: يا أرض خذيه، فخسف به إلى سرته.
ثم قال: يا أرض خذيه، فخسف به إلى عنقه، واسترحم موسى، فقال: يا أرض خذيه، فخسف به حتى ساخت الأرض به وبداره، قال الله عزّ وجلّ: {فخسفنا به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اللّه وما كان من المنتصرين}
وقوله تعالى: {وآتيناه من الكنوز ما إنّ مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوّة}
روي في التفسير : أن مفاتحه كانت من جلود على مقدار الإصبع، وكانت تحمل على سبعين بغلاً أو ستين بغلًا، وجاء أيضا ً: أن مفاتحه
: خزائنه، وقيل : إن العصبة ههنا سبعون رجلاً، وقيل: أربعون، وقيل: ما بين الخمسة عشر إلى الأربعين، وقيل: ما بين الثلاث إلى العشرة.
والعصبة في اللغة : الجماعة الذين أمرهم واحد يتابع بعضهم بعضا في الفعل، ويتعصّب بعضهم لبعض.
والأشبه فيما جاء في التفسير : أن مفاتحه خزائنه، وأنها خزائن المال الذي يحمل على سبعين، أو على أربعين بغلًا - واللّه أعلم - لأن مفاتح جلود على مقدار الإصبع، تحمل على سبعين بغلاً للخزائن أمر عظيم - واللّه أعلم -.
ومعنى {لتنوء بالعصبة}: لتثقل العصبة.
قال أبو زيد: يقال نؤت بالحمل، أنوء به نوءا إذا نهضت به، وناء بي الحمل إذا أثقلني.
وقوله: {إذ قال له قومه لا تفرح إنّ اللّه لا يحبّ الفرحين}
جاء في التفسير : لا تأشر، إن اللّه لا يحبّ الأشرين.
{ولا تفرح } ههنا - واللّه أعلم - : أي : لا تفرح لكثرة المال في الدنيا ؛ لأن الذي يفرح بالمال، ويصرفه في غير أمر الآخرة مذموم فيه.
قال اللّه عز وجل: {لكيلا تأسوا على ما فاتكم}
والدليل على أنهم أرادوا لا تفرح بالمال في الدنيا : قولهم: {وابتغ فيما آتاك اللّه الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدّنيا وأحسن كما أحسن اللّه إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين} ). [معاني القرآن: 4/153-154]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم}
قال إبراهيم النخعي : كان ابن عمه.
وقوله جل وعز: {فبغى عليهم} : أي: تجاوز الحد في مساندة موسى صلى الله عليه وسلم، والتكذيب به، وقوله جل وعز: {وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة}
روى الأعمش , عن خيثمة قال: كانت مفاتحه من جلود، كل مفتاح منها على قدر الإصبع لخزانة يحملها ستون بغلا إذا ركب.
وقال مجاهد : كانت من جلود الإبل .
قال أبو صالح : كانت تحملها أربعون بغلاً.
وروى علي بن الحكم , عن الضحاك قال : كانت مفاتيح قارون يحملها أربعون رجلاً.
قال ابن عيينة: العصبة: أربعون رجلاً.
وقال مجاهد : العصبة من العشرة إلى الخمسة عشر .
قال أبو جعفر : العصبة في اللغة : الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض .
قال أبو عبيدة :{لتنوء بالعصبة }: تأويله أن العصبة لتنوء بها , كما قال:
= وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
الضياطرة : التباع , والأجراء.
قال أبو جعفر : يذهب أبو عبيدة إلى أن هذا من المقلوب وهذا غلط، والصحيح فيه ما قال أبو زيد قال: يقال نؤت بالحمل إذا نهضت به على ثقل، وناءني إذا أثقلني .
قال أبو العباس : سئل الأصمعي عن قوله: {وتشقى}, قال : نعم، هي تشقى بالرجال.
ثم قال جل وعز: {إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: الفرحين : البطرين الذين لا يشكرون الله جل وعز فيما أعطاهم.). [معاني القرآن: 5/197-199]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ}: أي: تميل بالعصبة من الثقل، والعصبة من العشرة إلى الأربعين, {لَا تَفْرَحْ}: أي : لا تبطر , ولا تأشر من الفرح , وليس السرور بمكروه.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 183]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {لَتَنُوءُ}: لتثقل, {الْفَرِحِينَ}: البطرين.). [العمدة في غريب القرآن: 236]
تفسير قوله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({وابتغ فيما آتاك اللّه} [القصص: 77] من هذه النّعم والخزائن.
{الدّار الآخرة} [القصص: 83] الجنّة.
{ولا تنس نصيبك من الدّنيا} [القصص: 77]، أي: اعمل في دنياك لآخرتك، في تفسير بعضهم.
قرّة بن خالدٍ، عن عون بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ قال: {ولا تنس نصيبك من الدّنيا} [القصص: 77]، أي: طاعة ربّك وعبادته.
{وأحسن} [القصص: 77] فيما افترض اللّه عليك.
{كما أحسن اللّه إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين} [القصص: 77] المشركين). [تفسير القرآن العظيم: 2/609]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولا تنس نصيبك من الدّنيا }: مجازه: لا تدع حظك, وطلب الرزق الحلال منها). [مجاز القرآن: 2/111]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولا تنس نصيبك من الدّنيا}:أي: لا تترك حظّك منها). [تفسير غريب القرآن: 335]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وابتغ فيما آتاك اللّه الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدّنيا وأحسن كما أحسن اللّه إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ اللّه لا يحبّ المفسدين}
{ولا تنس نصيبك من الدنيا}: أي : لا تنس أن تعمل به لآخرتك, لأن حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا الذي يعمل به لآخرته.). [معاني القرآن: 4/155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تنس نصيبك من الدنيا}
روى ابن أبي نجيح , عن مجاهد قال: نصيبه من الدنيا : العمل بطاعة الله جل وعز الذي يثاب عليه يوم القيامة .
وروى أشعث , عن الحسن قال : أمسك القوت , وقدم ما فضل.
وروى معمر , عن قتادة قال: ابتغ الحلال.
قال أبو جعفر : قول مجاهد حسن جدا ؛ لأن نصيب الإنسان في الدنيا على الحقيقة هو الذي يؤديه إلى الجنة.
وروى علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس :{ولا تنس نصيبك من الدنيا }, يقول: لا تترك أن تعمل لله جل وعز في الدنيا , وقد قيل المعنى: ولا تنس شكر نصيبك.).
[معاني القرآن: 5/199-200]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال قارون:
{إنّما أوتيته} [القصص: 78] أعطيته، يعني: ما أعطي من الدّنيا.
{على علمٍ عندي} [القصص: 78]، أي: بقوّتي وعلمي وهي مثل قوله: {ثمّ إذا خوّلناه نعمةً منّا قال إنّما أوتيته على علمٍ} [الزمر: 49] قال اللّه: {بل هي فتنةٌ} [الزمر: 49] بليّةٌ{ولكنّ أكثرهم لا يعلمون} [القصص: 57].
قال: {أولم يعلم} [القصص: 78] قارون، أي: بلى قد علم، وهذا على الاستفهام.
{أنّ اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّةً وأكثر جمعًا} [القصص: 78]
[تفسير القرآن العظيم: 2/609]
من الجبابر والرّجال.
قال اللّه: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} [القصص: 78] المشركون ليعلم ذنوبهم منهم، يعرفون بسواد وجوههم، وزرقة أعينهم مثل قوله: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ {39} فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان {40} يعرف المجرمون بسيماهم} [الرحمن: 39-41] بسواد وجوههم وزرقة أعينهم {فيؤخذ بالنّواصي والأقدام} [الرحمن: 41] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/610]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إنّما أوتيته على علمٍ عندي...}:
على فضلٍ عندي، أي: كنت أهله , ومستحقّا له، إذ أعطيته , لفضل علمي, ويقال: {أوتيته على علمٍ}, ثم قال: {عندي}: أي: كذاك أرى، كما قال: {إنّما أوتيته على علمٍ بل هي فتنةٌ}.
وقوله: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} , يقول: لا يسأل المجرم عن ذنبه, الهاء والميم للمجرمين, يقول: يعرفون بسيماهم, وهو كقوله: {فيومئذٍ لا يسأل عن ذنبه إنسٌ ولا جانٌّ} , ثم بيّن , فقال: {يعرف المجرمون بسيماهم}). [معاني القرآن: 2/311]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قال إنّما أوتيته على علمٍ عندي} أي : لفضل عندي, وروي في التفسير: أنه كان أقرأ بني إسرائيل للتوراة.
{ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}, قال قتادة: يدخلون النار بغير حساب, وقال غيره: يعرفون بسيماهم). [تفسير غريب القرآن: 335]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال إنّما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أنّ اللّه قد أهلك من قبله من القرون من هو أشدّ منه قوّة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}
ادّعى أن المال أعطية لعلمه بالتوراة، والذي روي: أنه كان يعمل الكيمياء، وهذا لا يصح ؛ لأن الكيمياء باطل لا حقيقة له.). [معاني القرآن: 4/155]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال إنما أوتيته على علم عندي}
يروى: أن قارون كان من قراء بني إسرائيل للتوراة , والمعنى : إنما أوتيته على علم فيما أرى.
فأما ما روي أنه كان يعمل الكيمياء , فلا يصح
وقيل : المعنى على علم بالوجوه التي تكسب منها الأموال , وترك الشكر .
وقال ابن زيد , قال: أي: قارون , لولا رضى الله عني , ومعرفته بفضلي , ما أعطاني هذا , وهذا أولاها , يدل عليه ما بعده .
وقوله جل وعز: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}
قال مجاهد : هو مثل قوله تعالى: {يعرف المجرمون بسيماهم} : زرقاً, سود الوجوه لا تسأل عنهم الملائكة ؛ لأنها تعرفهم .
وقال قتادة : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون, أي: يدخلون النار بغير حساب .
قال محمد بن كعب : {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون}: أي: لا يسأل الآخر لم هلك الأول , فيعتبر , وقيل : لا يسأل عنها سؤال استعلام.). [معاني القرآن: 5/201-202]