التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولمّا توجّه تلقاء مدين} [القصص: 22] نحو مدين.
قال قتادة: ومدين ماءٍ كان عليه قوم شعيبٍ.
{قال عسى ربّي أن يهديني} [القصص: 22] أن يرشدني.
{سواء السّبيل} [القصص: 22] قال قتادة والسّدّيّ، يعني: قصد الطّريق إلى مدين.
وكان خرج لا يدري أين يذهب ولا يهتدي طريق مدين فقال: {عسى ربّي أن يهديني سواء السّبيل} [القصص: 22] الطّريق، قال مجاهدٌ: إلى مدين). [تفسير القرآن العظيم: 2/585]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولمّا توجّه تلقاء مدين...}
يريد: قصد ماء مدين, ومدين لم تصرف؛ لأنها اسم لتلك البلدة, وقال الشاعر:
رهبان مدين لو رأوك تنزّلوا = والعصم من شعف العقول الفادر.
وقوله: {أن يهديني سواء السّبيل}: الطريق إلى مدين, ولم يكن هادياً لطريقها.). [معاني القرآن: 2/304]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولمّا توجّه تلقاء مدين }: مجازه: نحو مدين ولا تنصرف مدين ؛ لأنها اسم مؤنثة، ويقال: فعل ذلك من تلقاء نفسه , ودار فلان تلقاء دار فلان.
{سواء السّبيل }: مجازه: قصد السبيل، ووسطه، قال :
=تى أغيّب في سواء الملحد
وهو مفتوح ممدود). [مجاز القرآن: 2/101]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({تلقاء مدين} :أي : تجاه مدين ونحوها، وأصله: «اللّقاء»، زيدت فيه التاء، قال الشاعر:
= فاليوم قصر عن تلقائه الأمل
أي: عن لقائه.
{سواء السّبيل}: أي: قصده.). [تفسير غريب القرآن: 331-332]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( الهدى
أصل هدى أرشد، كقوله: {عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ}.
وقوله: {وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}، أي أرشدنا). [تأويل مشكل القرآن: 444]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولمّا توجّه تلقاء مدين قال عسى ربّي أن يهديني سواء السّبيل }
" مدين " : ماء كان لقوم شعيب, يقال: إن بينه وبين مصر مسيرة ثمانية أيام، كما بين البصرة والكوفة، وكان موسى عليه السلام خرج من مصر ومعنى تلقاء مدين، أي سلك في الطريق التي تلقاء مدين فيها.
{قال عسى ربّي أن يهديني سواء السّبيل}:السبيل: الطريق، وسواء السبيل : قصد الطريق في الاستواء.). [معاني القرآن: 4/138]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولما توجه تلقاء مدين}
قال أبو عبيدة :أي: نحو مدين.
وقوله جل وعز: {قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}
قال مجاهد : أي: طريق مدين.
قال أبو مالك : فوجه فرعون في طلبه, وقال لهم: اطلبوه في بنيات الطرق ؛ فإن موسى لا يعرف الطريق .
فجاء ملك راكب فرساً ومعه عنزة، فقال لموسى : اتبعني؛ فاتبعه فهداه إلى الطريق ). [معاني القرآن: 5/171]
تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّةً من النّاس} [القصص: 23] جماعةً من النّاس.
{يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان} [القصص: 23]
[تفسير القرآن العظيم: 2/585]
قال قتادة: تذودان النّاس عن شائهما.
وفي بعض الحروف: تذودان النّاس عن شائهما: أي: حابستين شاءهما تذودان النّاس عنها، في تفسير قتادة.
وقال بعضهم يمنعان غنمهما أن تختلط بأغنام النّاس.
قال لهما موسى: {ما خطبكما} [القصص: 23] : ما أمركما؟ {قالتا لا نسقي حتّى يصدر الرّعاء} [القصص: 23] قال قتادة: أي: حتّى يسقي النّاس ثمّ نتتبّع فضالتهم في تفسير الحسن.
{وأبونا شيخٌ كبيرٌ} [القصص: 23] قال السّدّيّ، يعني: كبيرًا في السّنّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/586]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ووجد من دونهم امرأتين تذودان...}:تحبسان غنمهما, ولا يجوز أن تقول: ذدت الرجل: حبسته, وإنما كان الذّياد حبساً للغنم ؛ لأن الغنم والإبل إذا أراد شيء منها أن يشذّ ويذهب، فرددته، فذلك ذود، وهو الحبس، وفي قراءة عبد الله : (ودونهم امرأتان حابستان)، فسألهما عن حبسهما فقالتا: لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا, فأتى أهل الماء فاستوهبهم دلواً , فقالوا: استق إن قويت، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم.
فاستقى هو وحده، فسقى غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين: {إنّ خير من استأجرت القوي الأمين}, فقوّته: إخراجه الدلو وحده، وأمانته: أنّ إحدى الجاريتين قالت: إن أبي يدعوك، فقام معها فمرّت بين يديه، فطارت الريح بثيابها، فألصقتها بجسدها، فقال لها: تأخّري فإن ضللت , فدلّيني, فمشت خلفه، فتلك أمانته ). [معاني القرآن: 2/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( { وجد عليه أمّةً من النّاس يسقون }: أي: جماعة.
{تذودان }: مجازه: تمنعان , وتردان, وتطردان, قال جرير:
وقد سلبت عصاك بنو تميم= فما تدري بأي عصاً تذود
وقال سعيد بن كراع:
أبيت على باب القوافي كأنما= أذود بها سرباً من الوحش نزّعا
ويروى الحوش، والحوش إبل الجنّ يزعمون أنها تضربه في المهربة, والعمانية , فمن ثم هي هكذا.
{ قال ما خطبكما}: أي: ما أمركما , وحالكما , وشأنكما؟.
قال:يا عجباً, ما خطبه, وخطبي.). [مجاز القرآن: 2/102]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أمة من الناس}: جماعة.
[غريب القرآن وتفسيره: 290]
{تذودان}: تطردان وتمنعان. وقالوا تحبسان غنمهما). [غريب القرآن وتفسيره: 291]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وجد من دونهم امرأتين تذودان} :أي: تكفّان غنمهما, وحذف «الغنم» اختصارا.
وفي تفسير أبي صالح: «تحبس إحداهما الغنم على الأخرى».
{قال ما خطبكما}: أي: ما أمركما؟ وما شأنكما؟.
{يصدر الرّعاء}: أي: يرجع الرعاء, ومن قرأ: {يصدر الرّعاء}، أراد: يردّ الرعاء أغنامهم عن الماء.). [تفسير غريب القرآن: 332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله: {ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من النّاس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتّى يصدر الرّعاء وأبونا شيخ كبير }: مدين في موضع خفض، ولكنه لا ينصرف لأنه اسم للبقعة.
{ولمّا ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من النّاس يسقون}:أمة : جماعة.
{ووجد من دونهم امرأتين تذودان}:أي: تذودان غنمهما عن أن يقرب موضع الماء، لأنها يطردها عن الماء من هو على السّقي أقوى منهما.
{قال ما خطبكما}:أي: ما أمركما؟, معناه: ما تخطبان؟, أي: ما تريدان بذودكما غنمكما عن الماء؟.
{قالتا لا نسقي حتّى يصدرالرّعاء}:وقرئت : {حتّى يصدر الرّعاء} - بضم الياء وكسر الدال - أي: لا نقدر أن نسقي حتى تردّ الرعاة غنمهم , وقد شربت, فيخلو الموضع ، فنسقي.
فمن قرأ : {يصدر} بضم الدال, فمعناه : حتى يرجع الرعاء، والرعاء جمع راع، كما يقال: صاحب وصحاب.
وقوله: {وأبونا شيخ كبير}:الفائدة في قوله: {وأبونا شيخ كبير}, أي: لا يمكنه أن يرد، ويسقي, فلذلك احتجنا -ونحن نساء- أن نسقي.). [معاني القرآن: 4/139]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون}: أي:جماعة .
{ووجد من دونهم امرأتين تذودان}: وفي قراءة عبد الله:{ ودونهم امرأتان حابستان}: فسألهما عن حبسهما, فقالتا: لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا.
ومعنى :{تذودان} فيما روى علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس :تحبسان.
وروى سفيان بن أبي الهيثم , عن سعيد بن جبير :{تذودان}, قال حابستان.
وروى هشيم, عن حصين , عن أبي مالك:{ ووجد من دونهم امرأتين تذودان }, قال: تحبسان غنمهما حتى يفرغ الناس , فتخلو لهم البئر .
قال أبو جعفر : وهذا قول بين, يقال: ذاد يذود؛ إذا حبس.
وذدت الشيء : حبسته , ثم يحذف المفعول, إما إيهاماً على المخاطب , وإما استغناء ًبعلمه .
ومذهب قتادة: أنهما كانتا تذودان الناس عن غنمهما .
والأول أولى ؛ لأن بعده :{قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء}
ولو كانتا تذودان عن غنمهما الناس , لم تخبرا عن سبب تأخر سقيهما إلى أن يصدر الرعاء .
{قال ما خطبكما}:أي : ما حالكما, وما أمركما؟.
{ قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء }: ومن قرأ بضم الياء {يصدر} حذف المفعول , أي: حتى يصدروا غنمهم .
{وأبونا شيخ كبير }:والفائدة في هذا أنه لا يقدر على السقي ؛ لكبره , فلذلك خرجنا , ونحن نساء.). [معاني القرآن: 5/171-173]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {أُمَّةً}: جماعة
{تَذُودَانِ}: تطردان.). [العمدة في غريب القرآن: 233]
تفسير قوله تعالى: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {فسقى لهما} [القصص: 24] موسى، فلم يلبث أن أروى غنمهما.
{ثمّ تولّى} [القصص: 24]، يعني: انصرف، وهو تفسير قتادة والسّدّيّ.
{إلى الظّلّ فقال ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خيرٍ فقيرٌ} [القصص: 24]، يعني: الطّعام.
وهو تفسير قتادة والسّدّيّ.
وقال قتادة: وكان بجهدٍ.
الحسن بن دينارٍ، عن كلثوم بن جبرٍ أو غيره، عن سعيد بن جبيرٍ قال: كان
[تفسير القرآن العظيم: 2/586]
فقيرًا إلى شقّ تمرةٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/587]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فسقى لهما ثمّ تولّى إلى الظّلّ فقال ربّ إنّي لما أنزلت إليّ من خير فقير }
أي : فسقى لهما من قبل الوقت الذي كانتا تسقيان فيه، ويقال: إنّه رفع حجرا عن البئر , كان لا يرفعه إلا عشرة أنفس.
وقيل : إن موسى كان في ذلك الوقت من الفقر لا يقدر على شقّ تمرة.). [معاني القرآن: 4/139-140]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فسقى لهما ثم تولى إلى الظل}
روى عمرو بن ميمون , عن عمر بن الخطاب أنه قال: لما استقى الرعاء , غطوا على البئر صخرة لا يقلها إلا عشرة رجال , فجاء موسى صلى الله عليه وسلم , فاقتلعها , وسقى ذنوبا واحدا, لم يحتج إلى غيره, فسقى لهما .
وقوله جل وعز: {ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}
روى عكرمة , عن ابن عباس قال : ما سأل إلا الطعام.
وقال مجاهد : لم يكن له ما يأكل .
ثم قال جل وعز: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء}
المعنى: فذهبتا إلى أبيهما قبل وقتهما , فخبرتاه بخبر موسى وسقيه , فأرسل إحداهما , فجاءت تمشي على استحياء
قال عمرو بن ميمون قال : تمشي , ويدها على وجهها حياء , ليست بسلفع خراجة ولاجة.). [معاني القرآن: 5/174-175]
تفسير قوله تعالى:{فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ(25)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياءٍ} [القصص: 25] واضعةٌ يديها على وجهها.
قرّة بن خالدٍ، عن الحسن، قال: بعيدةٌ واللّه من البذاء قال: ويقولون شعيبٌ وليس بشعيبٍ، ولكنّه كان سيّد أهل الماء يومئذٍ.
- حمّاد بن سلمة، عن أبي حمزة، عن ابن عبّاسٍ، قال: اسم ختن موسى: يثرى.
{قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلمّا جاءه} [القصص: 25] موسى.
{وقصّ عليه القصص} [القصص: 25] خبره.
قال الشّيخ.
{لا تخف نجوت من القوم الظّالمين {25}). [تفسير القرآن العظيم: 2/587]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظّالمين}
المعنى : فلما شربت غنمهما , رجعتا إلى أبيهما, فأخبرتاه خبر موسى وسقيه غنمهما، وجاءتاه قبل وقتهما شاربة غنمهما، فوجّه بإحداهما تدعو موسى , فجاءته {تمشي على استحياء}.
جاء في التفسير : أنها ليست بخرّاجة من النّساء , ولا ولّاجة، أي: تمشي مشي من لم تعتد الدخول والخروج , متخفّرة , مستحيية.
{قالت إنّ أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا}: المعنى: فأجابها , فمضى معها إلى أبيها.
{فلمّا جاءه وقصّ عليه القصص}:أي: قصّ عليه قصته في قتله الرجل، , وأنهم يطلبونه ليقتلوه.
{قال لا تخف نجوت من القوم الظّالمين}: وذلك أنّ القوم لم يكونوا في مملكة فرعون، فأعلم شعيب موسى أنّه قد تخلّص من الخوف، وأنه لا يقدر عليه , أعني : بالقوم قوم مدين الذين كان فيهم أبو المرأتين.
وقال في التفسير : إنه كان ابن أخي شعيب النبيّ عليه السلام.). [معاني القرآن: 4/139-143]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {فلما جاءه وقص عليه القصص}:أي: قص عليه خبره , وعرفه بقتله النفس وخوفه , قال:{ لا تخف نجوت من القوم الظالمين }:لأن مدين لم تكن في ملكة فرعون.). [معاني القرآن: 5/175]
تفسير قوله تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قالت إحداهما} [القصص: 26] إحدى المرأتين {يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين} [القصص: 26] قال قتادة: القويّ في الضّيعة، الأمين فيما ولي.
وتفسير مجاهدٍ الأمين غضّ طرفه عنهما حين سقى لهما فصدرتا.
[تفسير القرآن العظيم: 2/587]
وكان الّذي رأت من قوّته في تفسير الحسن أنّه لم تلبث ماشيتهما أن أرواها، وأنّ الأمانة الّتي رأت منه أنّها حين جاءته تدعوه قال لها: كوني ورائي، وكره أن يستدبرها، وبعضهم يقول: في قولها: {القويّ} [القصص: 26] أنّه كان على تلك البئر الّتي سقى منها صخرةٌ لا يرفعها إلا أربعون رجلا، فرفعها موسى وحده، وذلك أنّه سألهما: هل هاهنا بئرٌ غير هذه؟ فقالتا: نعم، ولكن
عليها صخرةٌ لا يرفعها إلا أربعون رجلا). [تفسير القرآن العظيم: 2/588]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ووجد من دونهم امرأتين تذودان...}:: تحبسان غنمهما, ولا يجوز أن تقول ذدت الرجل: حبسه, وإنما كان الذّياد حبساً للغنم ؛ لأن الغنم والإبل إذا أراد شيء منها أن يشذّ ويذهب , فرددته , فذلك ذود، وهو : الحبس, وفي قراءة عبد الله : (ودونهم امرأتان حابستان), فسألهما عن حبسهما , فقالتا: لا نقوى على السقي مع الناس حتى يصدروا, فأتى أهل الماء , فاستوهبهم دلواً فقالوا: استق إن قويت، وكانت الدلو يحملها الأربعون ونحوهم, فاستقى هو وحده، فسقى غنمهما، فذلك قول إحدى الجاريتين : {إنّ خير من استأجرت القوي الأمين} , فقوّته : إخراجه الدلو وحده، وأمانته : أنّ إحدى الجاريتين قالت: إن أبي يدعوك، فقام معها فمرّت بين يديه، فطارت الريح بثيابها , فألصقتها بجسدها.
فقال لها: تأخّري فإن ضللت فدلّيني, فمشت خلفه , فتلك أمانته.). [معاني القرآن: 2/305] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قالت إحداهما يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين}: أي: اتخذه أجيراً.
{إنّ خير من استأجرت القويّ الأمين}:أي: إن خير من استعملت من قوي على عملك, وأدى الأمانة فيه.
وإنما قالت :{القويّ الأمين}, فوصفته بالقوة , لسقيه غنمها بقوة وشدة.
وقيل : لقوته على رفع الحجر الذي كان لا يقلّه أقل من عشرة أنفس.
وقد قيل : إنه كان لا يقله أقل من أربعين نفسا.
فأما وصفها له بالأمانة , فقيل : إن موسى لما صار معها إلى أبيها تقدم أمامها , وأمرها أن تكون خلفه، وتدلّه على الطريق، وخاف إذا كانت بين يديه , أن تصيب ملحفتها الريح , فيتبيّن وصفها، فذلك ما عرفته من أمانته.). [معاني القرآن: 4/140-141]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين}
روى عمرو بن ميمون , عن عمر قال : فقال لها : من أين عرفت قوته , وأمانته ؟.
قالت : أما قوته , فإنه أقل حجرا لا يحمله إلا عشرة
وأما أمانته : فإنه لما جاء معي, مررت بين يديه , فقال لي : كوني خلفي , ودليني على الطريق , لئلا تصفك الريح لي.).[معاني القرآن: 5/175-176]
تفسير قوله تعالى:{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قال} الشّيخ لموسى: {إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني} [القصص: 27]، أي: على أن تؤاجرني نفسك.
{ثماني حججٍ فإن أتممت عشرًا فمن عندك وما أريد أن أشقّ عليك ستجدني إن شاء اللّه من الصّالحين} [القصص: 27]، أي: في الرّفق بك.
فقال لموسى في آخر ذلك: كلّ سخلةٍ تخرج على غير شبه أمّها في هذا البطن فهي لك، فأوحى اللّه إلى موسى: إذا ملأت الحياض وقربتها لتشرب، فألق عصاك في الحياض، ففعل ذلك، فولدن كلّهنّ خلاف شبه أمّها، فذهب موسى بأولاد غنمه في تلك السّنة.
وقال بعضهم: كلّ بلقاء تولد فهي لك، فولدن بلقًا كلّهنّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/588]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {على أن تأجرني ثماني حججٍ...}
يقول: أن تجعل ثوابي أن ترعى عليّ غنمي : ثماني حجج , {فإن أتممت عشراً فمن عندك} يقول: فهو تطوّع, فذكر ابن عباس : أنه قضى أكثر الأجلين , وأطيبهما.).
[معاني القرآن: 2/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ على أن تأجرني ثماني حججٍ}: مجازه من الإجارة , وهي أجر العمل , يقال: أجرت أجبري , أي : أعطيته أجره , ويفعل منها: "يأجر" : تقديره أكل يأكل , ومنه قول الناس: أجرك الله وهو يأجرك , أي : أثباك الله.).[مجاز القرآن: 2/102]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({قال إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حججٍ فإن أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشقّ عليك ستجدني إن شاء اللّه من الصّالحين}
وقال: {تأجرني} : في لغة العرب منهم من يقول "أجر غلامي" فـ"هو مأجورٌ", و"أجرته" فـ"هو مؤجر" , يريد: أفعلته" فـ"هو مفعلٌ" , وقال بعضهم: "آجرته" فـ"هو مؤاجر" أراد" "فاعلته".). [معاني القرآن: 3/23]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أن تأجرني}: من الإجارة). [غريب القرآن وتفسيره: 291]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({على أن تأجرني} : أي : تجازيني : عن التّزويج، والأجر من اللّه , إنّما هو: الجزاء على العمل.). [تفسير غريب القرآن: 332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال إنّي أريد أن أنكحك إحدى ابنتيّ هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشقّ عليك ستجدني إن شاء اللّه من الصّالحين}
معنى : أنكحك: أزوّجك.
{على أن تأجرني ثماني حجج}: أي : تكون أجيراً لي ثماني سنين.
{فإن أتممت عشرا ًفمن عندك}:أي : فذلك بفضل منك , ليس بواجب عليك.). [معاني القرآن: 4/141]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين}
وفي الحديث : (( أنه أنكحه الصغيرة منهما ,واسمها طوريا .)).
ثم قال : {على أن تأجرني ثماني حجج} : أي : تكون لي أجيراً, {فإن أتممت عشرا فمن عندك} : أي: فذلك تفضل منك.). [معاني القرآن: 5/176]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ({أن تَأْجُرَنِي}: من الإجارة). [العمدة في غريب القرآن: 233]
تفسير قوله تعالى:{قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال موسى {ذلك بيني وبينك أيّما الأجلين قضيت} [القصص: 28]، أيّ الأجلين قضيت فيما حدّثني قرّة بن خالدٍ، عن قتادة.
[تفسير القرآن العظيم: 2/588]
قال: وقال قتادة: وهي بلسان كلبٍ.
وقوله: {قضيت} [القصص: 28]، يعني: أتممت، وهو تفسير السّدّيّ.
قال: {فلا عدوان عليّ} [القصص: 28] يقول: فلا سبيل عليّ، تفسير السّدّيّ.
{واللّه على ما نقول وكيلٌ} [القصص: 28] تفسير مجاهدٍ، وهو تفسير السّدّيّ: شهيدٌ). [تفسير القرآن العظيم: 2/589]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {أيّما الأجلين قضيت...}
فجعل (ما) وهي صلة من صلات الجزاء مع (أي) , وهي في قراءة عبد الله : {أيّ الأجلين ما قضيت فلا عدوان عليّ} , وهذا أكثر في كلام العرب من الأوّل.
وقال الشاعر:
وأيّهما ما أتبعنّ فإنني = حريصٌ على إثر الذي أنا تابع
وسمع الكسائيّ أعرابيّاً يقول: فأيّهم ما أخذها ركب على أيّهم، يريد في لعبة لهم, ذلك جائز , أيضاً حسن.). [معاني القرآن: 2/305]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({أيّما الأجلين قضيت}: أي : الغايتين والشرطين , ومجازه : أي الأجلين , و " ما " من حروف الزوائد في كلام العرب , قال عباس بن مرداس:
فأبىّ ما وأيك كان شرّاً= فقيد إلى المقامة لا يراها.
{فلا عدوان عليّ }: وهو من العدا , والتعدي, والعدو واحد كله , وهو الظلم.). [مجاز القرآن: 2/102]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ}.
قال المفسرون: لا سبيل عليّ, والأصل من «التّعدّي»، وهو: الظلم, كأنه قال: أي الأجلين قضيت، فلا تعتد عليّ بأن تلزمني أكثر منه). [تفسير غريب القرآن: 332]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({قال ذلك بيني وبينك أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ واللّه على ما نقول وكيل }
أي : ذلك الذي وصفت لي بيني وبينك، ومعناه: ما شرطت علي, فلك , وما شرطت لي , فلي، كذلك الأمر بيننا، ثم قال:
{أيّما الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ}: والعدوان:المجاوزة في الظلم، وعدوان منصوب بـ (لا) , ولو قرئت :{فلا عدوان في }لجاز من جهتين إحداهما أن تكون (لا) رافعة كليس , كما قال الشاعر:
من صدّ عن نيراننها= فأنا ابن قيس لا براح
ويجوز أن يكون " عدوان " رفعا بالابتداء , و" عليّ " الخبر.
و " لا " نافية غير عاملة، كما تقول: لا زيد أخوك , ولا عمرو.
و {أي} هي في موضع الجزاء منصوبة بـ (قضيت), وجواب الجزاء {فلا عدوان},و" ما " زائدة مؤكدة.
والمعنى : أي الأجلين قضيت فلا عدوان عليّ.
وقوله: {واللّه على ما نقول وكيل}: أي : واللّه عز وجل شاهدنا على ما عقد بعضنا على بعض.). [معاني القرآن: 4/142]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( {قال ذلك بيني وبينك} :أي : لك ما شرطت , ولي مثله , {أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي} : العدوان: المجاوزة في الظلم.). [معاني القرآن: 5/176]