التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {ألَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ألم يروا أنّا جعلنا اللّيل ليسكنوا فيه والنّهار مبصرًا} [النمل: 86] منيرًا.
{إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يؤمنون} [النمل: 86] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/569]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {والنّهار مبصراً }: مجازه : مجاز ما كان العمل، والفعل فيه لغيره، أي يبصر فيه، ألا ترى أن البصر إنما هو في النهار والنهار لا يبصر، كما أن النوم في الليل ولا ينام الليل، فإذا نيم فيه، قالوا: ليله قائم، ونهاره صائم .
قال جرير:
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السّرى= ونمت وما ليل المطيّ بنائم).
[مجاز القرآن: 2/96]
تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ويوم ينفخ في الصّور} [النمل: 87] والصّور قرنٌ.
قال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: قرنٌ كهيئة البوق.
{ففزع من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه} [النمل: 87] قال: وهذه النّفخة الأولى.
وتفسير الحسن في قوله: {إلا من شاء اللّه} [النمل: 87] قال: استثنى اللّه طوائف من أهل السّماء يموتون بين النّفختين.
- وعن خالدٍ، عن عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن عمارة بن غرابٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {إلا من شاء اللّه} [النمل: 87]، الشّهداء، يقولون: ما أحسن هذا الصّوت.
{ثمّ نفخ فيه أخرى فإذا هم قيامٌ ينظرون} [الزمر: 68] قال: يقولون: سبحان اللّه ما أحسن هذا الصّوت، كأنّه الأذان في الدّنيا، فلم يفزعوا ولم يموتوا إلا الموتة الأولى.
[تفسير القرآن العظيم: 2/569]
- وعن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أصعق فيمن صعق أم أجزته الصّعقة الأولى».
- وعن عثمان، عن نعيم بن عبد اللّه، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أصعق فيمن صعق أم أجزته الصّعقة الأولى».
- وعن أبي الأشهب، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أوّل شافعٍ، وأوّل من تنشقّ عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أحوسب بالصّعقة الأولى أم خرج قبلي».
قوله: {وكلٌّ أتوه داخرين} [النمل: 87] صاغرين، تفسير سعيدٍ عن قتادة، يعني: النّفخة الآخرة.
- وعن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: لطم رجلٌ من المسلمين عين رجلٍ من اليهود، فشكاه اليهوديّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: لم لطمته؟ قال: قلت: والّذي اصطفى محمّدًا على البشر، فقال: ما اصطفى اللّه محمّدًا إنّما اصطفى اللّه موسى، فأثنى رسول اللّه
[تفسير القرآن العظيم: 2/570]
صلّى اللّه عليه وسلّم على موسى ثمّ قال: «غير أنّي سيّد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من تنشقّ
عنه الأرض، فأجد موسى متعلّقًا بالعرش، فلا أدري أصعق فيمن صعق أو أجزته الصّعقة الأولى».
قوله عزّ وجلّ: {وكلٌّ أتوه داخرين} [النمل: 87] قال قتادة: صاغرين، يعني: النّفخة الآخرة.
- عن أبيه، عن المبارك بن فضالة، عن الحسن، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بين النّفختين أربعون، الأولى يميت اللّه بها كلّ حيٍّ، والأخرى يحيي اللّه بها كلّ ميّتٍ».
الحسن بن دينارٍ، عن أبي مسعودٍ الجزريّ، عن عكرمة قال: النّفخة الأولى من الدّنيا، والثّانية عن الآخرة.
- وعن عاصم بن حكيمٍ، عن سليمان التّيميّ، عن أسلم العجليّ، عن مراية العجليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: النّافخان في السّماء الدّنيا اثنان، رأس أحدهما بالمشرق ورجلاه في المغرب، ورأس أحدهما بالمغرب ورجلاه بالمشرق.
قال يحيى: وبلغني عن الشّعبيّ أنّه بلغه أنّ رجلا كان يقول: إنّ للّه صورين، فقال: كذب، قال اللّه: {ونفخ في الصّور فصعق من في السّموات ومن في الأرض إلا من شاء اللّه ثمّ نفخ فيه أخرى} [الزمر: 68] إنّما هو صورٌ واحدٌ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/571]
قال يحيى: وبلغني عن ابن مسعودٍ قال: يقوم ملكٌ بين السّماء والأرض فينفخ فيه.
وتفسير سعيدٍ، عن قتادة أنّ المنادي، وهو صاحب الصّور، ينادي من الصّخرة من بيت المقدس). [تفسير القرآن العظيم: 2/572]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله:{ويوم ينفخ في الصّور ففزع...}: ولم يقل فيفزع، فجعل فعل مردودة على يفعل.
وذلك أنه في المعنى: وإذا نفخ في الصّور ففزع؛ ألا ترى أن قولك: أقوم يوم تقوم، كقولك: أقوم إذا تقوم، فأجيبت بفعل، لأن فعل ويفعل تصلحان مع إذا.
فإن قلت : فأين جواب قوله: {ويوم ينفخ في الصّور}؟ قلت: قد يكون في فعل مضمر مع الواو، كأنه قال: وذلك يوم ينفخ في الصور، وإن شئت قلت: جوابه متروك، كما قال: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت}، وقوله: {ولو يرى الذين ظلموا} قد ترك جوابه، والله أعلم.
وقوله: {وكلٌّ أتوه داخرين}، القرّاء على تطويل الألف يريدون: فاعلوه، وقصرها حمزة .
... حدثني عدة منهم : المفضل الضبي , وقيسٌ وأبو بكر، وكلهم، عن جحش بن زياد الضبي، عن تميم بن حذلمٍ قال:
قرأت على عبد الله بن مسعود : {وكلٌّ آتوه داخرين} بتطويل الألف، فقال: {وكلٌّ أتوه} بغير تطويل الألف، وهو وجه حسن مردود على قوله: {ففزع}، كما تقول في الكلام:
رآني ففزّ وعاد وهو صاغر، فكان ردّ فعل على مثلها أعجب إليّ مع قراءة عبد الله.
... وحدثني عبد الله بن إدريس، عن الأعمش، عن تميم، عن عبد الله بمثل حديث أبي بكرٍ، وأصحابه ).
[معاني القرآن: 2/300-301]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {وكلٌّ أتوه داخرين}: أي : صاغرين خاضعين، {كل ٌ} لفظه لفظ واحد، ومعناه جميع، فهذه الآية في موضع جميع،
وقد يجوز في الكلام أن تجعله في موضع واحد فتقول: كل آتيه ذاخراً ). [مجاز القرآن: 2/96]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وكلّ أتوه داخرين} وأتاه داخرين، من وحّد فللفظ كل، ومن جمع فلمعناها ). [معاني القرآن: 4/130]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله}
حدثنا أحمد بن محمد البراثي، قال: حدثنا علي بن الجعد، عن مقاتل بن حيان في قوله تعالى: {إلا من شاء الله} قال : جبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت.
وحدثنا الحسين بن عمر الكوفي قال : حدثنا هناد بن السري، قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن عمارة بن أبي حفصة، عن حجر الهجرين عن سعيد بن جبير في قوله
{إلا من شاء لله} قال: هم الشهداء، هم ثنية الله جل وعز متقلدو السيوف حول العرش؛ ثم قال جل وعز: {وكل أتوه داخرين}، قال قتادة: أي: صاغرين). [معاني القرآن: 5/149]
تفسير قوله تعالى: ({وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وترى الجبال تحسبها جامدةً} [النمل: 88] ساكنةً.
{وهي تمرّ مرّ السّحاب} تكون {كالعهن المنفوش} [القارعة: 5] كالصّوف المنفوش وتكون {كثيبًا مهيلا} [المزمل: 14] وتبسّ بسًّا كما يبسّ السّويق، وتكون سرابًا، ثمّ تكون {هباءً منبثًّا} [الواقعة: 6] فذلك حين تذهب من أصولها فلا يرى منها شيءٌ، فتصير الأرض كلّها مستويةً.
{صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيءٍ} [النمل: 88] أحكم كلّ شيءٍ.
المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: أحسن كلّ شيءٍ.
قرّة بن خالدٍ، عن الحسن أنّه قرأ هذه الآية، فقال: ألم تر إلى كلّ دابّةٍ كيف تتّقي على نفسها.
قال يحيى: ليس، يعني: الحسن أتقن تتقي، ولكن من الإتقان أن جعل كلّ دابّةٍ تتّقي على نفسها.
قال: {إنّه خبيرٌ بما تفعلون} [النمل: 88] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/572]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وترى الجبال تحسبها جامدةً} أي : واقفة، {وهي تمرّ مرّ}: تسير سير السّحاب هذا إذا نفخ في الصّور،
يريد: أنها تجمع وتسيّر، فهي لكثرتها كأنها جامدة، وهي تسير، وقد بينا هذا في كتاب «تأويل المشكل» ). [تفسير غريب القرآن: 327]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : (قوله تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ}
يريد: أنها تجمع وتُسَيّر، فهي لكثرتها كأنها جامدة واقفة في رأي العين، وهي تسير سير السحاب.
وكل جيش غصّ الفضاء به، لكثرته وَبُعْدِ ما بين أطرافه، فقصر عنه البصر؛ فكأَنَّه في حسبان الناظر واقف وهو يسير.
وإلى هذا المعنى ذهب الجعديّ في وصف جيش فقال:
بأرعنَ مثل الطّودِ تحسب أنهم = وقوف لِحَاجٍ والرّكاب تُهَمْلِجُ).
[تأويل مشكل القرآن: 6]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء إنّه خبير بما تفعلون}
{صنع اللّه الّذي أتقن كلّ شيء}: القراءة النصب، ويجوز الرفع: صنع، فمن نصب فعلى معنى المصدر، لأن قوله: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السّحاب}،
دليل على الصنعة، كأنّه قيل صنع اللّه ذلك صنعاً.
ومن قال: {صنع الله} بالرفع، فالمعنى: ذلك صنع اللّه). [معاني القرآن: 4/130]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب} : لأنها قد بست، وجمعت ). [معاني القرآن: 5/149]