التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ (82)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {وإذا وقع القول عليهم} [النمل: 82] قال قتادة: أي: حقّ القول عليهم، والقول الغضب.
{أخرجنا لهم دابّةً من الأرض تكلّمهم} [النمل: 82] وفي بعض القراءة: تحدّثهم.
{أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82]
- عن أبيه، عن سعيدٍ، عن قتادة، أنّ ابن عبّاسٍ كان يقول: إنّها دابّةٌ ذات زغبٍ وريشٍ، لها أربع قوائم، تخرج من بعض أودية تهامة.
وعن عاصم بن حكيمٍ، عن داود بن يزيد الأوديّ، عن الشّعبيّ قال: دابّة الأرض زبّاء ذات وبرٍ، ربّاء تناغي السّماء.
- وعن إبراهيم بن محمّدٍ، عن صالحٍ مولى التّوأمة قال: سمعت
[تفسير القرآن العظيم: 2/565]
عبد اللّه بن عمرٍو يقول: تخرج الدّابّة من مكّة من صخرةٍ بشعب أجيادٍ.
- عن أبيه، قال: وحدّثني حمّاد بن سلمة، عن طلحة بن عبد اللّه بن كريزٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: إذا خرجت الدّابّة فزع النّاس إلى الصّلاة، فتأتي الرّجل وهو يصلّي فتقول: طوّل ما أنت مطوّلٌ فواللّه لأخطمنّك، قال حمّادٌ: يومئذٍ يعرف المنافق من المؤمن، قال عبد اللّه بن عمرٍو: ولو أشاء أن أضع قدمي على مكانها الّذي تخرج منه لفعلت.
وعن عاصم بن حكيمٍ، عن هشامٍ، عن الحسن أنّ موسى سأل ربّه أن يريه دابّة الأرض، قال: فخرجت ثلاثة أيّامٍ ولياليها لا يرى واحدٌ من طرفيها، أو لا يرى طرفاها، قال: فرأى منظرًا كريهًا، فقال: ربّ ردّها، فرجعت.
- وعن عاصم بن حكيمٍ، عن هشامٍ، عن قيس بن سعدٍ، عن أبي الطّفيل قال: كنّا جلوسًا عند حذيفة، فذكروا الدّابّة، فقال حذيفة: إنّها تخرج ثلاث خرجاتٍ: مرّةً في بعض الوادي، ثمّ تكمن، ثمّ تخرج في بعض القرى حتّى تذكر ويهريق فيها الأمراء الدّماء، فبينما النّاس على أعظم المساجد، وأفضلها، وأشرفها، يعني: المسجد الحرام، إذ ترفع الأرض، فيهرب النّاس وتبقى عصابةٌ من
المؤمنين يقولون: إنّه لن ينجينا من أمر اللّه شيءٌ، فتخرج، فتجلوا وجوههم فتجعلها على أضوإ كوكبٍ درّيٍّ في السّماء، وتتّبع النّاس، فتجلو وجه المؤمن وتخطم الكافر، لا يدركها طالبٌ ولا ينجو منها هاربٌ، قالوا: وما النّاس يومئذٍ يا حذيفة؟ قال: جيرانٌ في الرّباع، شركاء في
[تفسير القرآن العظيم: 2/566]
الأموال، أصحابٌ في الأسفار.
- وعن عاصم بن حكيمٍ، عن الوليد بن عبد اللّه الزّهريّ، عن عبد الملك بن المغيرة الثّقفيّ أنّه سمع عبد الرّحمن بن البيلمانيّ قال: سمعت عبد اللّه بن عمرٍو يقول: يبيت النّاس يسيرون إلى جمعٍ، وتبيت دابّة الأرض تسري إليهم، فيصبحون قد جعلتهم بين رأسها وأذنيها، فما من مؤمنٍ إلا تمسحه، ولا كافرٍ ولا منافقٍ إلا تخطمه، وإنّ التّوبة لمفتوحةٌ.
- وعن سعيدٍ، عن قتادة، عن العلاء بن زيادٍ أنّ عبد اللّه بن عمرٍو، قال: لا تقوم السّاعة حتّى يجتمع أهل البيت على الإناء الواحد، يعرفون مؤمنيهم من كفّارهم، قالوا: كيف ذلك؟ قال: تخرج دابّة الأرض فتمسح كلّ إنسانٍ على مسجده، فأمّا المؤمن فتكون نكتةً بيضاء فتفشو في وجهه حتّى يبيضّ لها وجهه، وأمّا الكافر فتكون نكتةً سوداء فتقشو في وجهه حتّى يسودّ
لها وجهه، حتّى إنّهم ليتبايعون في أسواقهم، يقول هذا: كيف تبيع هذا يا مؤمن؟ ويقول هذا: كيف تأخذ هذا يا كافر؟ فما يردّ بعضهم على بعضٍ.
قوله عزّ وجلّ: {تكلّمهم أنّ النّاس} [النمل: 82] قال السّدّيّ: يعني: أهل مكّة خاصّةً.
[تفسير القرآن العظيم: 2/567]
قال يحيى: وهم مشركو أهل مكّة.
{كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82] تفسير الحسن: تكلّمهم بهذا الكلام.
وقال بعضهم: تقول: إنّ النّاس كانوا بي لا يوقنون.
وعن سعيدٍ، عن قتادة، قال: في بعض القراءة: تحدّثهم {أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون} [النمل: 82] لا يؤمنون.
وبعضهم يقرأها: تكلمهم، أي: تسمهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/568]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وإذا وقع القول عليهم...}
معناه : إذا وجب السّخط عليهم , هو كقوله: {حقّ عليهم القول} في موضع آخر, وقوله: {أخرجنا لهم دآبّةً مّن الأرض تكلّمهم} اجتمع القراء على تشديد : {تكلّمهم} , وهو من الكلام, وحدثني بعض المحدّثين أنه قال : {تكلّمهم}, و{تكلمهم} , وقوله {أنّ النّاس}تفتح , وتكسر, فمن فتحها , أوقع عليها الكلام: {تكلّمهم بأنّ النّاس}, وموضعها نصب, وفي حرف عبد الله : {بأن الناس}, وفي حرف أبيّ :{تنبّئهم أنّ الناس}, وهما حجّة لمن فتح , وأهل المدينة {تكلّمهم إنّ النّاس} , فتكون (إنّ) خبراً مستأنفاً , ولكنه معنى وقوع الكلام, ومثله: {فلينظر الإنسان إلى طعامه} , من قال (أنّا) جعله مخفوضاً مردوداً على الطعام إلى أنا صببنا الماء , ومن كسره قال: إنّا أخبر بسبب الطعام , كيف قدّره الله).[معاني القرآن: 2/300]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دآبّةً مّن الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون}
وقال: {أنّ النّاس}: أي: بأنّ النّاس، وبعضهم يقول: {إنّ النّاس} , كما قال: {والّذين اتّخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم}، إنما معناه يقولون: "ما نعبدهم" ). [معاني القرآن: 3/22]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {دابة من الأرض تكلمهم}: من الكلام.
وقرئت {تكلمهم} من الكلم وهو الجراح). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وإذا وقع القول عليهم} : أي: وجبت الحجّة.). [تفسير غريب القرآن: 327]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم أنّ النّاس كانوا بآياتنا لا يوقنون}أي : إذا وجب.
{أخرجنا لهم دابّة من الأرض تكلّمهم}: وتكلمهم، ويروى: أن أول أشراط الساعة خروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وأكثر ما جاء في التفسير أنها تخرج بتهامة،
تخرج من بين الصفا والمروة.
وقد جاء في التفسير : أنها تخرج ثلاث مرات، في ثلاثة أمكنة.
وجاء في التفسير : تنكت في وجه الكافر نكتة سوداء، وفي وجه المؤمن نكتة بيضاء، فتفشو نكتة الكافر حتى يسودّ منها , وجهه أجمع، وتفشو نكتة المؤمن حتى يبيضّ منها وجهه، فتجتمع الجماعة على المائدة، فيعرف المؤمن من الكافر.
فمن قرأ :{تكلّمهم} فهو من الكلام، ومن قرأ :{تكلمهم} فهو من الكلم، وهو الأثر والجرح.). [معاني القرآن: 4/129]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وإذا وقع القول عليهم}: أي: وجب .
قال الفراء : أي : وقع السخط عليهم.
وقوله جل وعز: {أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم}
وقرأ ابن عباس: {تكلمهم}
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جرير: {تكلمهم }، وقرأ أبي :{تنبئهم}
قال إبراهيم : تخرج الدابة من مكة .
وروى أبو الطفيل، عن حذيفة بن اليمان قال : تخرج الدابة ثلاث خرجات خرجة بالبوادي، ثم تنكمي , وخرجت بالقرى يتقاتل فيها الأمراء حتى تكثر الدماء، وخرجت من أفضل المساجد، وأشرفها، وأعظمها حتى ظننا أنه يسمى المسجد الحرام، ولم يسمه، فيتهارب الناس، وتبقى جميعة من المسلمين، فتخرج، فتجلو وجوههم، ثم لا ينجو منها هارب، ولا يلحقها طالب وإنها لتأتي الرجل، وهو يصلي، فتقول له : أتمتنع بالصلاة، فتخطه، وتخطم وجه الكافر، وتجلو وجه المؤمن ). [معاني القرآن: 5/147-148]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {تُكَلِّمُهُمْ}: من الكلام، {تُكَلِّمُهُمْ}: تجرحهم ). [العمدة في غريب القرآن: 231]
تفسير قوله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآَيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجًا} [النمل: 83]، يعني: كفّار كلّ أمّةٍ.
{ممّن يكذّب بآياتنا فهم يوزعون} [النمل: 83] قال قتادة: وزعةٌ تردّ أولاهم على أخراهم.
وقال السّدّيّ: {يوزعون} [النمل: 83]، يعني: يساقون). [تفسير القرآن العظيم: 2/568]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجاً}: أمة كل نبي الذين آمنوا به، ومن كل أمة , أي: من كل قرن فوجاً : جماعة،
ويقال جاءوني أفواجاً، أي : جماعات، وفي آية أخرى: { ورأيت النّاس يدخلون في دين الله أفواجاً } أي: جماعات ).[مجاز القرآن: 2/96]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( (الفوج): الجماعة). [غريب القرآن وتفسيره: 288]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فهم يوزعون} أي: يحبس أولهم على آخرهم ). [تفسير غريب القرآن: 327]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( {فَهُمْ يُوزَعُونَ} يحبس أولهم على آخرهم ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : ( (الفَوْج) : الجماعة ). [العمدة في غريب القرآن: 231]
تفسير قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآَيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمْ مَاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (84)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {حتّى إذا جاءوا قال} [النمل: 84] اللّه.
{أكذّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علمًا} [النمل: 84]، أي: لم تحيطوا بها علمًا بأنّ ما عبدتم من دوني ما خلقوا معي شيئًا، ولا رزقوا معي شيئًا، وأنّ عبادتكم إيّاهم لم تكن منهم بإحاطة علمٍ علمتموه، وإنّما كان ذلك منكم على الظّنّ.
[تفسير القرآن العظيم: 2/568]
{أمّاذا كنتم تعملون} [النمل: 84] يستفهمهم وهو أعلم بذلك منهم يحتجّ عليهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/569]
تفسير قوله تعالى: {وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنْطِقُونَ (85)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ووقع القول عليهم} [النمل: 85]، أي: وحقّ القول عليهم، والقول، الغضب، وهو تفسير ابن مجاهدٍ عن أبيه.
قال: {بما ظلموا} [النمل: 52] بما أشركوا.
{فهم لا ينطقون} [النمل: 85] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/569]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ووقع القول عليهم بما ظلموا } مجازه: وجب العقاب عليهم بما كفروا ). [مجاز القرآن: 2/96]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ووقع القول عليهم بما ظلموا فهم لا ينطقون}
روى عطية، عن ابن عمر قال: ذلك إذا لم يأمروا بالمعروف، ولم ينهوا عن المنكر ). [معاني القرآن: 5/149]