تفسير قوله تعالى: (قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين (27) اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون}.
يقول تعالى ذكره: {قال} سليمان للهدهد: {سننظر} فيما اعتذرت به من العذر، واحتججت به من الحجّة لغيبتك عنّا، وفيما جئتنا به من الخير {أصدقت} في ذلك كلّه {أم كنت من الكاذبين} فيه). [جامع البيان: 18/44]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين (27)
قوله تعالى: قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ قال: قال سليمان سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين). [تفسير القرآن العظيم: 9/2870]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين} قال: لم يصدقه ولم يكذبه). [الدر المنثور: 11/357]
تفسير قوله تعالى: (اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون}.
فاختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك؛ فقال بعضهم: معناه: اذهب بكتابي هذا، فألقه إليهم، فانظر ماذا يرجعون، ثمّ تولّ عنهم منصرفًا إليّ، فقال: هو من المؤخّر الّذي معناه التّقديم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: فأجابه سليمان، يعني أجاب الهدهد لمّا فرغ: {قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين (27) اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} وانظر ماذا يرجعون، ثمّ تولّ عنهم منصرفًا إليّ. وقال: وكانت لها كوّةٌ مستقبلة الشّمس ساعة تطلع الشّمس تطلع فيها فتسجد لها، فجاء الهدهد حتّى وقع فيها فسدّها، واستبطأت الشّمس، فقامت تنظر، فرمى بالصّحيفة إليها من تحت جناحه، وطار حتّى قامت تنظر الشّمس.
قال أبو جعفرٍ: فهذا القول من قول ابن زيدٍ يدلّ على أنّ الهدهد تولّى إلى سليمان راجعًا، بعد إلقائه الكتاب، وأنّ نظره إلى المرأة ما الّذي ترجع وتفعل كان قبل إلقائه كتاب سليمان إليها.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ثمّ تولّ عنهم، فكن قريبًا منهم، وانظر ماذا يرجعون؛ قالوا: وفعل الهدهد، وسمع مراجعة المرأة أهل مملكتها، وقولها لهم: {إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ (29) إنّه من سليمان، وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} وما بعد ذلك من مراجعة بعضهم بعضًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قوله: {فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم} أي كن قريبًا {فانظر ماذا يرجعون}.
وهذا القول أشبه بتأويل الآية، لأنّ مراجعة المرأة قومها، كانت بعد أن ألقي إليها الكتاب، ولم يكن الهدهد لينصرف وقد أمر بأن ينظر إلى مراجعة القوم بينهم ما يتراجعونه قبل أن يفعل ما أمره به سليمان). [جامع البيان: 18/44-46]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم
- حدّثنا أبي، ثنا موسى بن إسماعيل، قال: قال حمّاد بن سلمة، فحدّثني عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ قال: فذكر ما ذكر الله في كتابه فكتب سليمان الكتاب، فأخذ بمنقاره فأتى بهوها فجعل يدور فيه فقالت: ما رأيت حينًا منذ رأيت هذا الطّير في بهوي، فألقى الكتاب إليها فأخذته فإذا فيه إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ أصدقت أم كنت من الكاذبين اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم وكتب معه بكتابٍ فقال: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فانطلق بالكتاب، حتّى إذا توسّط عرشها ألقى الكتاب إليها.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ النّحويّ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك قوله: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم فمضى الهدهد بالكتاب حتّى إذا حاذى بالملكة وهي على عرشها ألقى إليها بالكتاب.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم قال: ذكر لنا أنّها امرأةٌ من أهل اليمن كانت في بيت مملكةٍ يقال لها بلقيس بنت شرحبيل، فهلك قومها فملكت، وأنّها كانت إذا رقدت غلّقت الأبواب وأوت إلى فراشها، أتاها الهدهد حتّى دخل كوّة بيتها فقذف الصّحيفة على بطنها وبين ثدييها، فأخذت الصّحيفة فقرأتها
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثمّ توّل عنهم قال: فأخذ الهدهد الكتاب برجله، فانطلق به حتّى أتاها، وكانت لها كوّةٌ في بيتها إذا طلعت الشّمس نظرت إليها فسجدت لها، فأتى الهدهد الكوّة فسدّها بجناحيه حتّى إذا ارتفعت الشّمس ولم تعلم ألقى الكتاب من الكوّة فوقع عليها في مكانها الّذي هي فيه، فأخذته وكانت امرأةً لبيبةً أديبةً ببيتٍ لملكٍ لم يملك إلا لبقايا ملك من مضى، من أهلها قد سست وحسنت حتّى أحكمها ذلك، وكانت ودينها ودين قومها فيما ذكر لي الزّنديقيّة.
قوله تعالى: ثمّ تولّ عنهم فانظر ماذا يرجعون
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ ثمّ تولّ عنهم يقول: كن قريبًا منهم فانظر ماذا يرجعون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ في قول اللّه: فألقه إليهم ثمّ تولّ عنهم يقول: تنحّ عنهم ناحيةً). [تفسير القرآن العظيم: 9/2870-2871]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {اذهب بكتابي هذا} قال: كتب معه بكتاب فقال {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم} يقول: كن قريبا منهم {فانظر ماذا يرجعون} فانطلق بالكتاب حتى إذا توسط عرشها ألقى الكتاب إليها فقرأه عليها فإذا فيه {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ). [الدر المنثور: 11/357-358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبه في المصنف، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن شداد قال: كان سليمان عليه السلام إذا أراد أن يسير وضع كرسيه فيأتي من أراد من الإنس والجن ثم يأمر الريح فتحملهم ثم يأمر الطير فتظلهم، فبينا هو يسير اذ عطشوا فقال: ما ترون بعد الماء قالوا: لا ندري، فتفقد الهدهد وكان له منه منزلة ليس بها طير غيره فقال {ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين (20) لأعذبنه عذابا شديدا} وكان عذابه إذا عذب الطير نتفه ثم يجففه في الشمس {أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين} يعني بعذر بين، فلما جاء الهدهد استقبلته الطير فقالت له: قد أوعدك سليمان فقال لهم: هل استثنى فقالوا له: نعم، قد قال: إلا أن يجيء بعذر بين، فجاء بخبر صاحبة سبأ فكتب معه إليها (بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلوا علي وائتوني مسلمين) فأقبلت بلقيس فلما كانت على قدر فرسخ قال سليمان {أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين قال عفريت من الجن أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك} فقال سليمان: أريد أعجل من ذلك، فقال الذي عنده علم من الكتاب {أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك} فأتى بالعرش في نفق في الأرض يعني سرب في الأرض قال سليمان: غيروه، فلما جاءت {قيل أهكذا عرشك} فاستنكرت السرعة ورأت العرش {قالت كأنه هو}، قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته {لجة} ماء {وكشفت عن ساقيها} فإذا هي امرأة شعراء فقال سليمان: ما يذهب هذا فقال بعض الجن: أنا أذهبه، وصنعت له النورة، وكان أول ما صنعت النورة وكان اسمها بلقيس). [الدر المنثور: 11/383-384] (م)
تفسير قوله تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالت يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ (29) إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم (30) ألاّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين}.
يقول تعالى ذكره: فذهب الهدهد بكتاب سليمان إليها، فألقاه إليها؛ فلمّا قرأته قالت لقومها: {يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض، أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: كتب سليمان؛ يعني مع الهدهد: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، من سليمان بن داود، إلى بلقيس بنت ذي سرحٍ وقومها، أمّا بعد، فلا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين، قال: فأخذ الهدهد الكتاب برجله، فانطلق به حتّى أتاها، وكانت لها كوّةٌ في بيتها إذا طلعت الشّمس نظرت إليها، فسجدت لها، فأتى الهدهد الكوّة فسدّها بجناحيه حتّى ارتفعت الشّمس ولم تعلم، ثمّ ألقى الكتاب من الكوّة، فوقع عليها في مكانها الّذي هي فيه، فأخذته.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: بلغني أنّها امرأةٌ يقال لها بلقيس، أحسبه قال: ابنة شراحيل، أحد أبويها من الجنّ، مؤخّر أحد قدميها كحافر الدّابّة، وكانت في بيت مملكةٍ، وكان أولو مشورتها ثلاث مائةٍ واثني عشر كلّ رجلٍ منهم على عشرة آلافٍ، وكانت بأرضٍ يقال لها مأرب، من صنعاء على ثلاثة أيّامٍ؛ فلمّا جاء الهدهد بخبرها إلى سليمان بن داود، كتب الكتاب وبعث به مع الهدهد، فجاء الهدهد وقد غلّقت الأبواب، وكانت تغلق أبوابها وتضع مفاتيحها تحت رأسها، فجاء الهدهد فدخل من كوّةٍ، فألقى الصّحيفة عليها، فقرأتها، فإذا فيها: {إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. ألاّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين} وكذلك كانت تكتب الأنبياء لا تطنب، إنّما تكتب جملاً.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: لم يزد سليمان على ما قصّ اللّه في كتابه: {إنّه}، و{إنّه}.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم} فمضى الهدهد بالكتاب، حتّى إذا حاذى الملكة وهي على عرشها ألقى إليها الكتاب.
وقوله: {قالت يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ} والملأ: أشراف قومها. يقول تعالى ذكره: قالت ملكة سبأ لأشراف قومها: {يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ}.
واختلف أهل العلم في سبب وصفها الكتاب بالكريم، فقال بعضهم: وصفته بذلك لأنّه كان مختومًا.
وقال آخرون: وصفته بذلك لأنّه كان من ملكٍ فوصفته بالكرم لكرم صاحبه. وممّن قال ذلك ابن زيدٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ} قال: هو كتاب سليمان حيث كتب إليها). [جامع البيان: 18/46-48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالت يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ (29)
قوله تعالى: يا أيّها الملأ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يحيى بن سعيدٍ القطّان، عن سفيان الثّوريّ، عن عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ في صاحبة سليمان وكان تحتها ألف قيلٍ كلّ قيلٍ على مائة ألفٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ قال: ثمّ قالت يا أيّها الملأ تريد قومها.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان، قال: فلمّا قرأت سمعت كتابًا ليس من كتب الملوك الّتي كانت قبلها، فبعثت إلى المقاولة من أهل اليمن.
قوله تعالى: إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فانطلق بالكتاب حتّى إذا توسّط عرشها، ألقى الكتاب إليها فقرئ عليها فإذا فيه إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرحمن الرحيم
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ فانطلق الهدهد، فارتفع حتّى تغيّب في السّماء حذاها، ثمّ أرسل الكتاب فوقع في حجرها، فلمّا رأته ظنّت أنّه من عند اللّه ودلّت قبل أن تقرأه فقالت: إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ
- ذكر أبي، ثنا القاسم بن محمّد بن الحارث المروزيّ، ثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، عن ابن عباس يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ قال: فلمّا ألقى الكتاب إليها سقط في خلدها أنّه كتابٌ كريمٌ أشفقت منه فقالت لملأها يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريم
قوله تعالى: كريم
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبى، ثنا الحمّانيّ، ثنا عمرو بن محمّد بن العنقزيّ، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ في قوله: إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ قال: مختومٌ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ في قول اللّه: إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ أشفقت منه تريد مختوم، وكذلك الملوك تختم كتبها لا تجيز بينها كتابًا إلا بخاتمٍ.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا موسى بن هارون الطّوسيّ فيما كتب إليّ، ثنا الحسين بن محمّدٍ المروزيّ، ثنا شيبان، عن قتادة في قوله: إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ قال: يقول حسنٌ ما فيه). [تفسير القرآن العظيم: 9/2871-2872]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: كانت صاحبة سبأ إذا رقدت غلقت الابواب وأخذت المفاتيح فوضعتها تحت رأسها، فلما غلقت الابواب وآوت إلى فراشها جاءها الهدهد حتى دخل من كوة بيتها فقذف الصحيفة على بطنها بين فخذيها فأخذت الصحيفة فقرأتها فقالت {يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم} تقول: حسن ما فيه). [الدر المنثور: 11/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس {إني ألقي إلي كتاب كريم} قال: مختوم). [الدر المنثور: 11/358]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله {كتاب كريم} قال: تريد مختوم، وكذلك الملوك تختم كتبها، لا تجيز بينها كتابا إلا بخاتم). [الدر المنثور: 11/358]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة قال لم يكن الناس يكتبون إلا باسمك اللهم حتى نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/81]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن الثوري عن غير واحد عن الشعبي أن النبي كتب أول ما كتب باسمك اللهم حتى نزلت بسم الله مجراها ومرساها فكتب بسم الله ثم نزلت ادعوا الله أو ادعوا الرحمن فكتب بسم الله الرحمن حتى نزلت إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم فكتب بسم الله الرحمن الرحيم). [تفسير عبد الرزاق: 2/81]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله {إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} كسرت (إنّ) الأولى والثّانية على الرّدّ على {إنّي} من قوله: {إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ}. ومعنى الكلام: قالت: يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ من سليمان وإنّه). [جامع البيان: 18/48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم (30)
قوله تعالى: إنّه من سليمان
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليّ بن مهران، ثنا عامر، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ إنّه من سليمان فلمّا فتحته وجدته من سليمان، فقالت: هو من عند سليمان وفيه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قال كتب معه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم من سليمان بن داود إلى بلقيس بن ذي شرحٍ وقومها.
قوله تعالى: وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا عمر بن أيّوب الموصليّ، عن جعفر بن برقان، عن ميمون بن مهران أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يكتب باسمك اللّهمّ حتّى نزلت إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فقالت العرب: وما الرّحمن الرّحيم فأنزل اللّه عزّ وجلّ قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا مسدّدٌ، ثنا ابن أبي عديٍّ، عن داود بن أبي هند، عن الشّعبيّ قال: كان أهل الجاهليّة يكتبون باسمك اللّهمّ فكتب النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم- ولم يسمّ اللّه فلمّا نزلت قل ادعوا اللّه أو ادعوا الرّحمن كتب بسم اللّه الرّحمن الرّحيم فكتبها النّبيّ- صلّى اللّه عليه وسلّم-.
- حدّثنا أبو هارون الخرّاز، ثنا عبد اللّه بن الجهم، ثنا عمرو بن أبي قيسٍ، عن حصين بن عبد الرّحمن السّلميّ، عن مجاهدٍ قال: لم يكن في كتاب سليمان إلى صاحبة سبأٍ إلا ما روي في القرآن إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
- حدّثنا أبي، ثنا هارون بن الفضل أبو يعلى الحنّاط، ثنا أبو يوسف، عن سلمة بن صالحٍ، عن عبد الكريم أبو أميّة، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: كنت أمشي مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: إنّي أعلم آيةً لم تنزل على نبيٍّ قبلي بعد سليمان بن داود قال: فقلت يا رسول اللّه أيّ آيةٍ قال: سأعلّمكها قبل أن أخرج من المسجد قال: فانتهى إلى الباب فأخرج إحدى قدميه فقلت: نسي ثمّ التفت إليّ فقال: إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم). [تفسير القرآن العظيم: 9/2872-2873]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} [النمل: 30].
- عن بريدة قال: «قال رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -: " لا تخرج من المسجد حتّى أعلّمك آيةً من سورةٍ لم تنزل على أحدٍ قبلي غير سليمان بن داود ". فخرج النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - حتّى بلغ أسكفّة الباب قال: " بأيّ شيءٍ تستفتح صلاتك وقراءتك؟ "، قلت: ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم، قال: " هي هي "، ثمّ أخرج رجله الأخرى».
رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه عبد الكريم أبو أميّة وهو ضعيفٌ، وفيه من لم أعرفهم). [مجمع الزوائد: 7/86-87]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} قال: لم يزد زعموا على هذا الكتاب على ما قص الله). [الدر المنثور: 11/358-359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يزيد بن رومان قال: كتب بسم الله الرحمن الرحيم، من سليمان بن داود إلى بلقيس بنت ذي شرح وقومها). [الدر المنثور: 11/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد: إن سليمان بن داود كتب إلى ملكة سبأ، بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ السلام على من أتبع الهدى، اما بعد: فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين). [الدر المنثور: 11/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لم يكن في كتاب سليمان إلى صاحبة سبأ إلا ما تقرأون في القرآن {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ). [الدر المنثور: 11/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم (30) ألا تعلوا علي} يقول: لا تخالفوا علي {وأتوني مسلمين} قال: وكذلك كانت الأنبياء تكتب جميلا، يطلبون ولا يكثرون). [الدر المنثور: 11/359]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم من طريق سفيان بن منصور قال: كان يقال كان سليمان بن داود أبلغ الناس في كتاب وأقله كلاما، ثم قرأ {إنه من سليمان} ). [الدر المنثور: 11/360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن سعد، وابن أبي شيبه، وابن أبي حاتم عن الشعبي قال: كان أهل الجاهلية يكتبون باسمك اللهم، فكتب النّبيّ صلى الله عليه وسلم أول ما كتب: باسمك اللهم، حتى نزلت {بسم الله مجراها ومرساها} فكتب {بسم الله} ثم نزلت {ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} الرحمن الآية 110 فكتب {بسم الله الرحمن} ثم أنزلت الآية التي في {طس} {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} فكتب {بسم الله الرحمن الرحيم} ). [الدر المنثور: 11/360]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد في فضائله عن الحرث العكلي قال: قال لي الشعبي: كيف كان كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إليكم قلت: باسمك اللهم فقال: ذاك الكتاب الاول كتب النّبيّ صلى الله عليه وسلم (باسمك اللهم) فجرت بذلك ما شاء الله ان تجري ثم نزلت {بسم الله مجراها ومرساها} فكتب (بسم الله) فجرت بذلك ما شاء الله ان تجري ثم نزلت {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن} فكتب (بسم الله الرحمن) فجرت بذلك ما شاء الله أن تجري ثم نزلت {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} فكتب بذلك). [الدر المنثور: 11/360-361]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران، أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يكتب (باسمك اللهم) حتى نزلت {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ). [الدر المنثور: 11/361]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة قال: لم يكن الناس يكتبون إلا (باسمك اللهم) حتى نزلت {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} ). [الدر المنثور: 11/361]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو داود في مراسيله عن أبي مالك قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يكتب (باسمك اللهم) فلما نزلت {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم} كتب (بسم الله الرحمن الرحيم) ). [الدر المنثور: 11/361]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد في فضائله، وابن أبي شيبه عن سعيد بن المسيب قال: كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى كسرى وقيصر والنجاشي أما بعد: فتعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ان لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فان تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) فلما أتى كتاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم إلى قيصر فقرأه قال: إن هذا الكتاب لم أره بعد سليمان بن داود (بسم الله الرحمن الرحيم) ). [الدر المنثور: 11/361-362]
تفسير قوله تعالى: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله {ألاّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين} يقول: ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ ألاّ تعلوا عليّ.
ففي (أن) وجهان من العربيّة: إن جعلت بدلاً من (الكتاب) كانت رفعًا بما رفع به (الكتاب) وبدلاً منه؛ وإن جعل معنى الكلام: إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ أن لا تعلو عليّ كانت نصبًا بتعلّق الكتاب بها.
وعني بقوله: {ألاّ تعلوا عليّ} أن لا تتكبّروا ولا تتعاظموا عمّا دعوتكم إليه.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ألاّ تعلوا عليّ} أن لا تتمنّعوا من الّذي دعوتكم إليه؛ إن امتنعتم جاهدتكم. فقلت لابن زيدٍ: {ألاّ تعلوا عليّ} أن لا تتكبّروا عليّ؟ قال: نعم؛
قال: وقال ابن زيدٍ: {ألاّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين} ذلك في كتاب سليمان إليها.
وقوله: {وأتوني مسلمين} يقول: وأقبلوا إليّ مذعنين للّه بالوحدانيّة والطّاعة). [جامع البيان: 18/48-49]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ألّا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين (31)
قوله تعالى: ألا تعلوا عليّ
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد بن زريعٍ، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ألّا تعلوا عليّ ألا تخالفوا عليّ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان، ثنا الحسين بن عليٍّ، ثنا عامرٌ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ ألا تعلوا عليّ يقول: لا تجرئوا علي وأتوني مسلمين.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سفيان ألا تعلوا عليّ يقول: لا تأبوا عليّ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ في قول اللّه: ألا تعلوا عليّ يقول: لا تعصوني.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قول اللّه: ألا تعلوا قال: تمتنعوا من الّذي دعوتكم إليه إن امتنعتم جاهدتكم قيل له: ألا تعلوا عليّ ألا تتكبّروا عليّ، قال: نعم.
قوله تعالى: وأتوني مسلمين
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ مسلمين يقول: موحّدين.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ وأتوني مسلمين يقول: مخلصين.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن أبي حمّادٍ، ثنا مهران، عن سفيان في قوله: وأتوني مسلمين قال: طائعين.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد، ثنا يزيد، ثنا سعيدٌ، عن قتادة قوله: ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين قال: وكذلك كان يكتب الأنبياء جملا لا يسهبون، ولا يكثرون.
- حدّثنا أحمد بن عصامٍ الأنصاريّ، ثنا مؤمّلٌ، ثنا سفيان، عن منصورٍ قال كان يقال: كان سليمان بن داود أبلغ النّاس في كتابٍ، وأقلّه إملاءً ثمّ قرأ: إنّه من سليمان وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، ألا تعلوا عليّ وأتوني مسلمين). [تفسير القرآن العظيم: 9/2873-2874]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم (30) ألا تعلوا علي} يقول: لا تخالفوا علي {وأتوني مسلمين} قال: وكذلك كانت الأنبياء تكتب جميلا، يطلبون ولا يكثرون). [الدر المنثور: 11/359] (م)
تفسير قوله تعالى: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالت يا أيّها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمرًا حتّى تشهدون (32) قالوا نحن أولو قوّةٍ وأولو بأسٍ شديدٍ والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين}.
يقول تعالى ذكره: قالت ملكة سبأ لأشراف قومها: {يا أيّها الملأ أفتوني في أمري} تقول: أشيروا عليّ في أمري الّذي قد حضرني من أمر صاحب هذا الكتاب الّذي ألقي إليّ، فجعلت المشورة فتيا.
وقوله: {ما كنت قاطعةً أمرًا حتّى تشهدون} تقول: ما كنت قاضيةً أمرًا في ذلك حتّى تشهدون، فأشاوركم فيه.
- كما حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: دعت قومها فتشاورتهم: أيّها الملأ {أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمرًا حتّى تشهدون} يقول في الكلام: ما كنت لأقطع أمرًا دونك ولا كنت لأقضي أمرًا، فلذلك قالت: {ما كنت قاطعةً أمرًا} بمعنى: قاضيةً). [جامع البيان: 18/49-50]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالت يا أيّها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمرًا حتّى تشهدون (32)
قوله تعالى: قالت يا أيّها الملأ أفتوني في أمري
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قالت يا أيّها الملأ أفتوني في أمري قال: فجمعت رؤوس مملكتها فشاورتهم فقالت إنه ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ لأنّها شاورتهم في أمرها فأجمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ في قوله: أفتوني في أمري تقول: أشيروا برأيكم.
قوله تعالى: ما كنت قاطعةً أمرًا حتّى تشهدون
- وبه عن زهير بن محمّدٍ في قوله: ما كنت قاطعةً أمرًا حتّى تشهدون تريد حتّى تشيرون). [تفسير القرآن العظيم: 9/2875]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} قال: جمعت رؤوس مملكتها فشاورتهم في أمرها فاجتمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه، فسارت حتى إذا كانت قريبه قالت: أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله وان ردها تابعته فهو نبي، فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم فأمر الشياطين فهيئوا له ألف قصر من ذهب وفضة، فلما رأت رسلها قصور ذهب قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا وقصوره ذهب وفضة فلما دخلوا بهديتها قال: أتهدونني بمال ثم قال سليمان {أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} فقال كاتب سليمان: ارفع بصرك، فرفع بصره، فلما رجع إليه طرفه إذا هو بسريرها {قال نكروا لها عرشها} فنزع عنه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شيء فقيل لها {أهكذا عرشك قالت كأنه هو} وأمر الشياطين: فجعلوا لها صرحا من قوارير ممردا وجعل فيها تماثيل السمك فقيل لها {ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها} فإذا فيها الشعر، فعند ذلك أمر بصنعة النورة فقيل لها {إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} ). [الدر المنثور: 11/362-363]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله {أفتوني في أمري} تقول: أشيروا علي برأيكم {ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون} تريد: حتى تشيروا). [الدر المنثور: 11/363]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قالوا نحن أولو قوّةٍ وأولو بأسٍ شديدٍ} يقول تعالى ذكره: قال الملأ من قوم ملكة سبأ، إذ شاورتهم في أمرها وأمر سليمان: نحن ذوو القوّة على القتال، والبأس الشّديد في الحرب، والأمر أيّتها الملكة إليك في القتال وفي تركه، فانظري من الرّأي ما ترين، فمرينا نأتمر لأمرك.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {قالوا نحن أولو قوّةٍ وأولو بأسٍ شديدٍ} عرضوا لها القتال، يقاتلون لها، والأمر إليك بعد هذا، {فانظري ماذا تأمرين}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، قال: كان مع ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيولٍ، مع كلّ قيولٍ مائة ألفٍ.
- حدّثنا عمرو بن عليٍّ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عطاء بن السّائب، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: كان مع بلقيس مائة ألف قيلٍ، مع كلّ قيلٍ مائة ألفٍ.
- قال: حدّثنا وكيعٌ، قال: حدّثنا الأعمش، قال: سمعت مجاهدًا يقول: كانت تحت يد ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيولٍ؛ والقيول بلسانهم: الملك تحت يد كلّ ملكٍ مائة ألف مقاتلٍ). [جامع البيان: 18/50-51]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله تعالى: قالوا نحن أولوا قوّةٍ
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: نحن أولوا قوة قال فاجمع رأيهم ورأيها على أن تغزوه فخرجت وتركت سريرها في بيوتٍ بعضها في أثر بعضٍ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ في قول اللّه: قالوا نحن أولوا قوّةٍ قالوا: نحن اثنا عشر ألف ملكٍ مع كلّ ملكٍ اثنا عشر ألف مستلمٍ في السّلاح.
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن رافعٍ، ثنا عبد الرّحمن بن مفرا، عن الأعمش، عن مجاهدٍ قال: كان تحت يدي ملكة سبأٍ اثنا عشر ألف قيولٍ تحت يدي كلّ قيولٍ مائه ألف مقاتلٍ، وهم الّذين قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد
قوله تعالى: وأولوا بأسٍ شديدٍ
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، أنبأ أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قول اللّه وأولوا بأسٍ شديدٍ عرضوا لها القتال يقاتلون لها.
- حدّثنا العبّاس بن الوليد، أخبرني أبي، قال: بلغني في قول اللّه: نحن أولوا قوّةٍ وأولوا باسٍ شديدٍ نحن اثنا عشر ألف أسوارٍ، مع كلّ واحدٍ من الأسوار اثنا عشر ألف مستلمٍ، والمستلم صاحب السّلاح، فمن يحصي جيش هؤلاء كم كانوا. قال العبّاس، فذهبت أحصي كم كانوا فإذا هم ألف ألف ومائتي ألفٍ قال أبي: وقد كان، ثمّ أعجب من هذا بلغني أنّ ذا القرنين كان إذا خرج غازيًا تبعه من كلّ صنف الفعال سبعون ألف، وخرج نحو هذا الجبل فنزل فعسكره عرض هذا الجبل، قال: ومن ورائه ملكه فبلغها مقيمةً، فخرجت في عسكرها فأحاطت بالجبل وبعسكر ذي القرنين.
قوله تعالى: والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين
- حدّثنا أبي، ثنا أبو الرّبيعٍ الزّهرانيّ، ثنا حمّاد بن زيدٍ قال:، ثنا أيّوب قال: سمعت الحسن يقول: وسئل عن هذه الآية: والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين قال: ولو أمرهم علجةً تضطرب ثدياها). [تفسير القرآن العظيم: 9/2875-2876]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} قال: جمعت رؤوس مملكتها فشاورتهم في أمرها فاجتمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه، فسارت حتى إذا كانت قريبه قالت: أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله وان ردها تابعته فهو نبي، فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم فأمر الشياطين فهيئوا له ألف قصر من ذهب وفضة، فلما رأت رسلها قصور ذهب قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا وقصوره ذهب وفضة فلما دخلوا بهديتها قال: أتهدونني بمال ثم قال سليمان {أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} فقال كاتب سليمان: ارفع بصرك، فرفع بصره، فلما رجع إليه طرفه إذا هو بسريرها {قال نكروا لها عرشها} فنزع عنه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شيء فقيل لها {أهكذا عرشك قالت كأنه هو} وأمر الشياطين: فجعلوا لها صرحا من قوارير ممردا وجعل فيها تماثيل السمك فقيل لها {ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها} فإذا فيها الشعر، فعند ذلك أمر بصنعة النورة فقيل لها {إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} ). [الدر المنثور: 11/362-363] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كان تحت يدي ملكة سبأ اثنا عشر ألف قيول تحت يدي كل قيول مائة ألف مقاتل وهم الذين قالوا {نحن أولوا قوة وأولو بأس شديد} ). [الدر المنثور: 11/363]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: ذكر لنا أنه كان أولو مشورتها ثلاثمائة واثنى عشر رجلا، كل رجل منهم على عشرة آلاف من الرجال). [الدر المنثور: 11/363-364]
تفسير قوله تعالى: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] لمّا جاء الرّسل إلى لوطٍ تبعهم أهل قريته وكان لهم جمال فلم يقولوا لهم شيئا فلمّا دخلوا على لوطٍ ورأوا موجدة لوطٍ عليهم وما قد دخله من خشيتهم قالوا: {إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك} فلمّا دنوا أخذوا التّراب فرموهم به ففقئوا أعينهم فذلك قوله: {فطمسنا أعينهم} فرجعوا إلى أصحابهم وهم يقولون: سحر سحرونا فقال لوطٌ للرّسل الآن، الآن يعني هلاكهم فقالوا: {إنّ موعدهم الصّبح} فقال ابن عباس ثلاثة أحرفٍ في القرآن لا يحفظون ألا ترى أنّه قول اللّه: {أليس الصبح بقريب} والحرفان الآخران ثمّ أتبعهم {إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذله} قال الله: {وكذلك يفعلون} وقولٌ ليوسف: {ليعلم أنّي لم أخنه بالغيب وأنّ اللّه لا يهدي كيد الخائنين} فقال له ملكٌ من الملائكة ولا حين هممت قال: {وما أبرئ نفسي} فرجع فرفع جبريل عليه السّلام القرية بجناحه فدحدها وما فيها حتّى أسمع أهل السّماء الدّنيا أصواتهم ثمّ قلبها ثمّ تتبّع من شذّ منهم بالحجارة [الآية: 81]). [تفسير الثوري: 131-132] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً، وكذلك يفعلون}.
يقول تعالى ذكره: قالت صاحبة سبأ للملأ من قومها، إذ عرضوا عليها أنفسهم لقتال سليمان، إن أمرتهم بذلك: {إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً} عنوةً وغلبةً {أفسدوها} يقول: خرّبوها {وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً} وذلك باستعبادهم الأحرار، واسترقاقهم إيّاهم؛ وتناهى الخبر منها عن الملوك في هذا الموضع، فقال اللّه: {وكذلك يفعلون} يقول تعالى ذكره: وكما قالت صاحبة سبأ تفعل الملوك، إذا دخلوا قريةً عنوةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، في قوله: {وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً} قال أبو بكرٍ: هذا عنوةً.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ، قال: حدّثنا الأعمش، عن مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها} قال: إذا دخلوها عنوةً خرّبوها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: {قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً} قال ابن عبّاسٍ: يقول اللّه: {وكذلك يفعلون} ). [جامع البيان: 18/51-52]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً وكذلك يفعلون (34)
قوله تعالى: قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً
- حدّثنا سهل بن بحرٍ العسكريّ، ثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، ثنا الأعمش، عن مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً قال: إذا أخذوها عنوةً.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بني هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان قالت إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أي عنوةً.
قوله تعالى: أفسدوها
- حدّثنا سهل بن بحرٍ، ثنا أبو هشامٍ، ثنا أبو بكر بن عيّاشٍ، ثنا الأعمش، عن مسلمٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: أفسدوها قال: أخربوها.
قوله تعالى: وجعلوا أعزّة أهلها
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان بن صالحٍ، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً قال: بالسيف.
قوله تعالى: وكذلك يفعلون
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن الدّشتكيّ، حدّثني أبي، عن أبيه، عن أشعث بن إسحاق، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قالت بلقيس إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها وجعلوا أعزّة أهلها أذلّةً قال: يقول الرّبّ تبارك وتعالى: وكذلك يفعلون). [تفسير القرآن العظيم: 9/2876-2877]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها} قال: إذا أخذوها عنوة أخربوها). [الدر المنثور: 11/364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في قوله {وجعلوا أعزة أهلها أذلة} قال: بالسيف). [الدر المنثور: 11/364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: قالت بلقيس {إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلة} قال: يقول الرب تبارك وتعالى {وكذلك يفعلون} ). [الدر المنثور: 11/364]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن ثابت البناني في قوله تعالى وإني مرسلة إليهم بهدية قال أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فألقي في الطريق فلما جاءوا رأوه ملقى في الطريق وفي كل مكان قالوا قد جئنا نحمل شيئا نراه هاهنا ملقى ما يلتفت إليه فصغر في أعينهم ما جاءوا به). [تفسير عبد الرزاق: 2/81]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون (35) فلمّا جاء سليمان قال أتمدّونن بمالٍ فما آتاني اللّه خيرٌ مّمّا آتاكم بل أنتم بهديّتكم تفرحون (36) ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنودٍ لاّ قبل لهم بها ولنخرجنّهم منها أذلّةً وهم صاغرون}.
ذكر أنّها قالت: إنّي مرسلةٌ إلى سليمان، لتختبره بذلك وتعرفه به، أملكٌ هو، أم نبيّ؟ وقالت: إن يكن نبيًّا لم يقبل الهديّة، ولم يرضه منّا إلاّ أن نتّبعه على دينه، وإن يكن ملكًا قبل الهديّة وانصرف.
ذكر الرّواية عمّن قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قالت: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون} قال: وبعثت إليه بوصائف ووصفاء، وألبستهم لباسًا واحدًا حتّى لا يعرف ذكرٌ من أنثى، فقالت: إن زيّل بينهم حتّى يعرف الذّكر من الأنثى، ثمّ ردّ الهديّة فإنّه نبيّ، وينبغي لنا أن نترك ملكنا، ونتّبع دينه، ونلحق به.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ} قال: بجوارٍ لباسهم لباس الغلمان، وغلمانٌ لباسهم لباس الجواري.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قولها: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ} قال: مائتي غلامٍ ومائتي جاريةٍ.
- قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: قوله: {بهديّةٍ} قال: جوارٍ ألبستهنّ لباس الغلمان، وغلمانٌ ألبستهم لباس الجواري.
- قال ابن جريجٍ: قال: قالت: فإن خلّص الجواري من الغلمان، وردّ الهديّة فإنّه نبيّ، وينبغي لنا أن نتّبعه.
- قال ابن جريجٍ، قال مجاهدٌ: فخلّص سليمان بعضهم من بعضٍ، ولم يقبل هديّتها.
- قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا سفيان، عن معمرٍ، عن ثابتٍ البنانيّ، قال: أهدت له صفائح الذّهب في أوعية الدّيباج؛ فلمّا بلغ ذلك سليمان أمر الجنّ فموّهوا له الآجرّ بالذّهب، ثمّ أمر به فألقي في الطّرق؛ فلمّا جاءوا فرأوه ملقًى ما يلتفت إليه، صغر في أعينهم ما جاءوا به.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {إنّ الملوك إذا دخلوا قريةً أفسدوها} الآية، وقالت: إنّ هذا الرّجل إن كان إنّما همّته الدّنيا فسنرضيه، وإن كان إنّما يريد الدّين فلن يقبل غيره {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن بعض أهل العلم، عن وهب بن منبّهٍ، قال: كانت بلقيس امرأةً لبيبةً أديبةً في بيت ملكٍ، لم تملك إلاّ لبقايا من مضى من أهلها، إنّه قد سيّست وساست حتّى أحكمها ذلك، وكان دينها ودين قومها فيما ذكر الزّنديقيّة؛ فلمّا قرأت الكتاب سمعت كتابًا ليس من كتب الملوك الّتي كانت قبلها، فبعثت إلى المقاولة من أهل اليمن، فقالت لهم: {يا أيّها الملأ إنّي ألقي إليّ كتابٌ كريمٌ. إنّه من سليمان، وإنّه بسم اللّه الرّحمن الرّحيم. ألاّ تعلوا عليّ وأتوني مسلمين} إلى قوله {بم يرجع المرسلون} ثمّ قالت: إنّه قد جاءني كتابٌ لم يأتني مثله من ملكٍ من الملوك قبله، فإن يكن الرّجل نبيًّا مرسلاً فلا طاقة لنا به ولا قوّة، وإن يكن الرّجل ملكًا يكاثر، فليس بأعزّ منّا ولا أعدّ. فهيّأت هدايا ممّا يهدى للملوك، ممّا يضنّون به، فقالت: إن يكن ملكًا فسيقبل الهديّة ويرغب في المال، وإن يكن نبيًّا فليس له في الدّنيا حاجةٌ، وليس إيّاها يريد، إنّما يريد أن ندخل معه في دينه، ونتّبعه على أمره، أو كما قالت.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ} بعثت بوصائف ووصفاء، لباسهم لباسٌ واحدٌ، فقالت: إن زيّل بينهم حتّى يعرف الذّكر من الأنثى، ثمّ ردّ الهديّة فهو نبيٌّ، وينبغي لنا أن نتّبعه، وندخل في دينه؛ فزيّل سليمان بين الغلمان والجواري، وردّ الهديّة، فقال {أتمدّونن بمالٍ، فما آتاني اللّه خيرٌ ممّا آتاكم}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: كان في الهدايا الّتي بعثت بها وصائف ووصفاء يختلفون في ثيابهم لتمييز الغلمان من الجواري، قال: فدعا بماءٍ، فجعل الجواري يتوضّأن من المرفق إلى أسفل، وجعل الغلمان يتوضّئون من المرفق إلى فوقٍ. قال: وكان أبي يحدّثنا هذا الحديث
- حدّثنا عبد الأعلى، قال: حدّثنا مروان بن معاوية، قال: حدّثنا إسماعيل، عن أبي صالحٍ: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ} قال: أرسلت بلبنةٍ من ذهبٍ، وقالت: إن كان يريد الدّنيا علمته، وإن كان يريد الآخرة علمته.
وقوله: {فناظرةٌ بم يرجع المرسلون} تقول: فأنظر بأيّ شيءٍ من خبره وفعله في هديّتي الّتي أرسلها إليه ترجع رسلي، أبقبولٍ وانصرافٍ عنّا، أم بردّ الهديّة والثّبات على مطالبتنا باتّباعه على دينه؟
وأسقطت الألف من ما في قوله {بم} وأصله: (بما)، لأنّ العرب إذا كانت ما بمعنى أيٍّ، ثمّ وصلوها بحرفٍ خافضٍ أسقطوا ألفها تفريقًا بين الاستفهام وغيره، كما قال جلّ ثناؤه {عمّ يتساءلون}، و{قالوا فيم كنتم}، وربّما أثبتوا فيها الألف، كما قال الشّاعر:
علاما قام يشتمنا لئيمٌ = كخنزيرٍ تمرّغ في رماد
وقالت: {وإنّي مرسلةٌ إليهم} وإنّما أرسلت إلى سليمان وحده على النّحو الّذي بيّنّا في قوله: {على خوفٍ من فرعون وملئهم} ). [جامع البيان: 18/52-56]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون (35)
قوله تعالى: وإني مرسلة إليهم بهدية
[الوجه الأول]
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ العبّاس بن الوليد النّرسيّ، ثنا يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قوله: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ قال: قالت إنّي باعثةٌ إليهم بهديّةٍ فمصانعتهم بها، عن ملكي إن كانوا أهل دنيا، قال: فبعثت إليهم بلبنةٍ من ذهبٍ في حريرةٍ وديباجٍ، وروي، عن سعيد بن جبيرٍ وأبي صالحٍ نحو حديث ابن عبّاسٍ.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا شبابة حدّثني ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: وإنّي مرسلة إليهم بهدية قال: جواري لباسهنّ الغلمان، وغلمانٌ لباسهنّ الجواري.
- حدّثنا زيد بن إسماعيل الصّائغ، ثنا سعيد بن سليمان، ثنا عبّادٌ، عن سفيان بن حسينٍ، عن يعلى بن مسلمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قوله: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ قال: أرسلت إليهم ثمانين من وصيفٍ ووصيفةٍ، وحلقت رؤوسهم كلّهم وقالت: إن عرف الغلمان من الجواري فهو نبيّ، وإن لم يعرف الغلمان من الجواري فليس بنبيٍّ، فدعا بوضوءٍ فقال: توضّئوا فجعل الغلام يأخذ من مرفقيه إلى كفّه وجعلت الجارية تأخذ من كفّها إلى مرفقيها فقال: هؤلاء جوارٍي وهؤلاء غلمانٌ.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا زهير بن محمّدٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فإن يكن هذا الرّجل نبيًّا لم يقبل هديّتي ولا طاقة لكم بقتاله، وإن يكن ملكًا من الملوك قبل هديّتكم وقويتم على قتاله، فبعثت بثمانين غلامًا، ومائتي جاريةٍ لبّست الغلمان لباس الجواري وحلقت رؤوس الجواري، ولبّستهم لباس الغلمان.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة، وعليّ بن زنجة قالا، ثنا عليّ بن الحسين، عن الحسين، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة قوله: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ قال: الهديّة وصفًا ووصائف ولبنةٌ من ذهبٍ.
- حدّثنا عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، ثنا الحسين بن عليّ بن مهران، ثنا عامر بن الفرات، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون وقالت: إن هو قبل الهديّة فهو ملكٌ فقاتلوه دون ملككم، وإن لم يقبل الهرية فهو نبيّ لا طاقة لكم بقتاله فبعثت إليه بهديّةٍ غلمانٍ في هيئة الجواري وحليتهم وجواري في هيئة الغلمان ولباسهم، وبعثت إليه بلبناتٍ من ذهبٍ وبخرزةٍ مثقوبةٍ مختلفةٍ، وبعثت إليه بقدحٍ، فلمّا جاء سليمان الهديّة أمر الشّياطين فموّهوا لبن المدينة وحيطانها ذهبًا وفضّةً، فلمّا رأى ذلك رسلها قالوا: أين نذهب اللّبنات في أرض هؤلاء وحيطانهم ذهبٌ وفضّةٌ، فحبسوا اللّبنات وأدخلوا عليه ما سوى ذلك وقالوا: أخرج لنا الغلمان من الجواري فأمرهم فتوضؤوا، فأخرج من الجواري الغلمان.
أمّا الجارية فأفرغت على يدها، وأمّا الغلام فاغترف وقالوا أدخل لنا في هذه الخرزة خيطًا، فدعا بالدّسّاس فربط فيه خيطًا، فأدخله فيها، فجال فيها، واضطرب حتّى خرج من جانبه الآخر وقالوا، املأ لنا هذا القدح ماءً ليس من الأرض ولا من السّماء فأمر بالخيل، فأجريت حتّى أزبدت مسح عرقها، فجعلوه فيه حتّى ملأه وخرجت حين بعثت الهديّة تريد القتال.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، عن عليّ بن رنجة، ثنا عليّ بن الحسين، عن الحسين بن واقدٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ قال: كانت الهديّة جوهرًا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة إن الهديّة هذه لمّا جاءت سليمان ميّز بين الغلمان والجواري وفضلهم بالوضوء، فغسل الغلمان ظهور السّواعد قبل بطونها، وغسلت الجواري بطون السّواعد قبل ظهورها.
- أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن حمّادٍ الطّهرانيّ فيما كتب إليّ، أنبأ عبد الرّزّاق ، أنبأ معمرٌ، عن ثابتٍ البنانيّ في قوله: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ قال: أهدت له صحائف الذّهب في أوعية الدّيباج، فلمّا بلغ ذلك سليمان أمر الجنّ فموّهوا له الآجرّ بالذّهب، ثمّ أمر به فألقي في الطّريق، فلمّا جاءوا رأوه ملقًى في الطّريق في كلّ مكانٍ، فقالوا جئنا نحمل شيئًا نراه ملقًى هاهنا، فالتّفت إليه فصغر في أعينهم ما جاءوا به.
- حدّثنا أبي، ثنا نصر بن عليٍّ، أخبرنا أبي، عن خالد بن قيسٍ، عن قتادة في قوله: وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ قال: رحمها اللّه إن كانت لعاقلةً في إسلامها وشركها، قد علمت أنّ الهديّة تقع موقعًا من النّاس.
قوله تعالى: فناظرةٌ بم يرجع المرسلون
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا سويد بن سعيدٍ، ثنا عليّ بن مسهرٍ، عن الأعمش، عن المنهال، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فصارت حتّى إذا كانت قريبة قالت: أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملكا أقاتله، وإن ردّها تابعته فهو نبيّ، فلمّا دنت رسلها من سليمان خرّبها، فأمر الشّياطين فموّهوا له ألف قصرٍ من ذهبٍ وفضّةٍ فلمّا رأت رسلها قصور ذهبٍ وفضّةٍ، قالوا: ما يصنع هذا بهديّتنا، وقصوره ذهبٌ وفضّةٌ
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ ابن أبي زائدة، أنبأ ابن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ قال: أهدي له آنيةٌ أو لبنةٌ أو قال: آنيةٌ من ذهبٍ تجربةً، قالت: إن كان يريد علمت فقال سليمان: أتمدّونن بمالٍ
- حدّثنا محمّد بن العبّاس مولى بن هاشمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن سلمة، ثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون. ثمّ قالت: إنّه قد جاءني كتابٌ لم يأتني مثله من ملكٍ من الملوك قبله فإن يكن الرّجل نبيًّا مرسلا فلا طاقة لنا به ولا قوّة لنا به، وإن يكن الرّجل ملكًا يكابر فليس بأعزّ منّا، ولا أعدّ فهيّأت له هدايا ممّا تهدي للملوك ممّا يضنّون به فقالت: إن يكن ملكًا فسيقبل الهديّة ويرغب في المال، وإن يكن نبيًّا فليس له في الدّنيا حاجةً وليس إيّاها يريد إنّما يريد أن يدخل معه في دينه ويتبع على أمره). [تفسير القرآن العظيم: 9/2877-2880]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم نا آدم نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله وإني مرسلة إليهم بهدية قال أرسلت بجوار لباسهن لباس الغلمان وبغلمان لباسهم لباس الجواري). [تفسير مجاهد: 471]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري} قال: جمعت رؤوس مملكتها فشاورتهم في أمرها فاجتمع رأيهم ورأيها على أن يغزوه، فسارت حتى إذا كانت قريبه قالت: أرسل إليه بهدية فإن قبلها فهو ملك أقاتله وان ردها تابعته فهو نبي، فلما دنت رسلها من سليمان علم خبرهم فأمر الشياطين فهيئوا له ألف قصر من ذهب وفضة، فلما رأت رسلها قصور ذهب قالوا: ما يصنع هذا بهديتنا وقصوره ذهب وفضة فلما دخلوا بهديتها قال: أتهدونني بمال ثم قال سليمان {أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} فقال كاتب سليمان: ارفع بصرك، فرفع بصره، فلما رجع إليه طرفه إذا هو بسريرها {قال نكروا لها عرشها} فنزع عنه فصوصه ومرافقه وما كان عليه من شيء فقيل لها {أهكذا عرشك قالت كأنه هو} وأمر الشياطين: فجعلوا لها صرحا من قوارير ممردا وجعل فيها تماثيل السمك فقيل لها {ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجة وكشفت عن ساقيها} فإذا فيها الشعر، فعند ذلك أمر بصنعة النورة فقيل لها {إنه صرح ممرد من قوارير قالت رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} ). [الدر المنثور: 11/362-363] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه في المصنف، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وإني مرسلة إليهم بهدية} قال: أرسلت بلبنة من ذهب فلما قدموا إذا حيطان المدينة من ذهب فذلك قوله {أتمدونن بمال} ). [الدر المنثور: 11/364]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: قالت اني باعثة إليهم بهدية فمصانعتهم بها عن ملكي أن كانوا أهل دنيا، فبعثت إليهم بلبنة من ذهب في حرير وديباج فبلغ ذلك سليمان فأمر بلبنة من ذهب فصنعت ثم قذفت تحت أرجل الدواب على طريقهم تبول عليها وتروث فلما جاء رسلها واللبنة تحت أرجل الدواب صغر في أعينهم الذي جاؤا به). [الدر المنثور: 11/364-365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ثابت البناني قال: أهدت له صفائح الذهب في أوعية الديباج، فلما بلغ ذلك سليمان أمر الجن فموهوا له الآجر بالذهب ثم أمر به فالقى في الطريق، فلما جاؤا ورأوه ملقى في الطريق وفي كل مكان قالوا: جئنا نحمل شيئا نراه ههنا ملقى ما يلتفت إليه، فصغر في أعينهم ما جاؤا به). [الدر المنثور: 11/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {وإني مرسلة إليهم بهدية} قال: جوار لباسهن لباس الغلمان وغلمان لباسهن لباس الجواري). [الدر المنثور: 11/365]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: أرسلت بثمانين من وصيف ووصيفة وحلقت رؤوسهم كلهم وقالت: إن عرف الغلمان من الجواري فهو نبي وان لم يعرف الغلمان من الجواري فليس بنبي.
فدعا بوضوء فقال: توضؤا، فجعل الغلام يأخذ من مرفقيه إلى كفيه وجعلت الجارية تأخذ من كفها إلى مرفقها فقال: هؤلاء جوار وهؤلاء غلمان). [الدر المنثور: 11/365-366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن عكرمة قال: كانت هدية بلقيس لسليمان مائتي فرس على كل فرس غلام وجارية، الغلمان والجواري على هيئة واحدة لا يعرف الجواري من الغلمان ولا الغلمان من الجواري، على كل فرس لون ليس على الآخر، وكانت أو هديتهم عند سليمان وآخرها عندها). [الدر المنثور: 11/366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: الهدية، وصفان ووصائف ولبنة من ذهب). [الدر المنثور: 11/366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانت الهدية، جواهر). [الدر المنثور: 11/366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: إن الهدية لما جاءت سليمان بين الغلمان والجواري امتحنهم بالوضوء، فغسل الغلمان ظهور السواعد قبل بطونها وغسلت الجواري بطون السواعد قبل ظهورها). [الدر المنثور: 11/366]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه عن السدي قال: قالت: إن هو قبل الهدية فهو ملك فقاتلوه دون ملككم وان لم يقبل الهدية فهو نبي لا طاقة لكم بقتاله، فبعثت إليه بهدية، غلمان في هيئة الجواري وحليهم وجوار في هيئة الغلمان ولباسهم وبعثت إليه بلبنات من ذهب وبخرزة مثقوبة مختلفة وبعثت إليه بقدح وبعثت إليه تعلمه، فلما جاء سليمان الهدية أمر الشياطين فموهوا لبن المدينة وحيطانها ذهبا وفضة فلما رأى ذلك رسلها قالوا: أين نذهب باللبنات في أرض هؤلاء وحيطانهم ذهب وفضة فحسبوا اللبنات وأدخلوا عليه ما سوى ذلك وقالوا: أخرج لنا الغلمان من الجواري، فأمرهم فتوضأوا.
وأخرج الغلمان من الجواري، اما الجارية فافرغت على يدها وأما الغلام فاغترف وقالوا: ادخل لنا في هذه الخرزة خيطا، فدعا بالدساس فربط فيه خيطا فأدخله فيها فجال فيها واضطرب حتى خرج من الجانب الآخر، وقالوا: املأ لنا هذا القدح بماء ليس من الأرض ولا من السماء ابن عباس فأمر بالخيل فأجريت حتى إذا اربدت مسح عرقها فجعله فيه حتى ملأه، فلما رجعت رسلها فأخبروها: إن سليمان رد الهدية، وفدت إليه وأمرت بعرشها فجعل في سبعة أبيات وغلقت عليها فأخذت المفاتيح، فلما بلغ سليمان ما صنعت بعرشها {قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين} ). [الدر المنثور: 11/366-367]