تفسير قوله تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ (71) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الكلبي في قوله تعالى ولو اتبع الحق أهواءهم قال يقول لو اتبع الله أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/47-48]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة بل أتيناهم بذكرهم قال القرآن). [تفسير عبد الرزاق: 2/48]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله: {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم} قال: الحقّ اللّه جلّ وعزّ [الآية: 71]). [تفسير الثوري: 218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم لفسدت السّموات والأرض ومن فيهنّ بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون}.
يقول تعالى ذكره: ولو عمل الرّبّ تعالى ذكره بما يهوى هؤلاء المشركون، وأجرى التّدبير على مشيئتهم وإرادتهم، وترك الحقّ الّذي هم له كارهون، لفسدت السّموات والأرض ومن فيهنّ؛ وذلك أنّهم لا يعرفون عواقب الأمور، والصّحيح من التّدبير والفاسد. فلو كانت الأمور جاريةً على مشيئتهم وأهوائهم مع إيثار أكثرهم الباطل على الحقّ، لم تقرّ السّماوات والأرض ومن فيهنّ من خلق اللّه، لأنّ ذلك قام بالحقّ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا السّدّيّ، عن أبي صالحٍ: {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم} قال: اللّه.
- قال: حدّثنا أبو معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن أبي صالحٍ: {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم} قال: الحقّ: هو اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ولو اتّبع الحقّ أهواءهم} قال: الحقّ: اللّه.
وقوله: {بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون} اختلف أهل التّأويل في تأويل الذّكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو بيان الحقّ لهم بما أنزل على رجلٍ منهم من هذا القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {بل أتيناهم بذكرهم} يقول: بيّنّا لهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل أتيناهم بشرفهم؛ وذلك أنّ هذا القرآن كان شرفًا لهم، لأنّه نزل على رجلٍ منهم، فأعرضوا عنه، وكفروا به. وقالوا: ذلك نظير قوله {وإنّه لذكرٌ لك ولقومك}.
وهذان القولان متقاربا المعنى. وذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه أنزل هذا القرآن بيانًا بيّن فيه ما لخلقه إليه الحاجة من أمر دينهم، وهو مع ذلك ذكرٌ لرسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وقومه، وشرفٌ لهم). [جامع البيان: 17/88-89]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين * أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون * أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون * أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين * وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم * وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون * ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {أفلم يدبروا القول} قال: إذا والله كانوا يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه، ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله {أم لم يعرفوا رسولهم} قال: عرفوه ولكن حسدوه وفي قوله {ولو اتبع الحق أهواءهم} قال: الحق الله عز وجل). [الدر المنثور: 10/592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بل أتيناهم بذكرهم} قال: بينا لهم). [الدر المنثور: 10/592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {بل أتيناهم بذكرهم} قال: هذا القرآن وفي قوله {أم تسألهم أجرا} يقول: أم تسألهم على ما أتيناهم به جعلا). [الدر المنثور: 10/592]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (72) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الحسن في قوله تعالى تسألهم خرجا قال أجرا). [تفسير عبد الرزاق: 2/48]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] قال: كان ابن مسعود يقرؤها: (أم تسألهم خرجا فخراج ربك) [الآية: 72]). [تفسير الثوري: 218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم تسألهم خرجًا فخراج ربّك خيرٌ وهو خير الرّازقين (72) وإنّك لتدعوهم إلى صراطٍ مّستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: أم تسأل هؤلاء المشركين يا محمّد من قومك (خراجًا)، يعني أجرًا على ما جئتهم به من عند اللّه من النّصيحة والحقّ؛ {فخراج ربّك خيرٌ} فأجر ربّك على نفاذك لأمره، وابتغاء مرضاته خيرٌ لك من ذلك، ولم يسألهم صلّى اللّه عليه وسلّم على ما أتاهم به من عند اللّه أجرًا، قال لهم كما قال اللّه له، وأمره بقيله لهم: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلاّ المودّة في القربى}، وإنّما معنى الكلام: أم تسألهم على ما جئتهم به أجرًا، فنكصوا على أعقابهم إذا تلوته عليهم، مستكبرين بالحرم، فخراج ربّك خيرٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن الحسن: {أم تسألهم خرجا فخراج ربّك خيرٌ} قال: أجرًا.
- حدّثنا الحسن قال: حدّثنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن الحسن، مثله وأصل الخراج والخرج: مصدران لا يجمعان.
وقوله: {وهو خير الرّازقين} يقول: واللّه خير من أعطى عوضًا على عملٍ ورزق رزقًا). [جامع البيان: 17/90-91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {بل أتيناهم بذكرهم} قال: هذا القرآن وفي قوله {أم تسألهم أجرا} يقول: أم تسألهم على ما أتيناهم به جعلا). [الدر المنثور: 10/592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله {خرجا} قال: أجرا). [الدر المنثور: 10/592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد قال: الخرج وما قبلها من القصة لكفار قريش). [الدر المنثور: 10/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن الحميد عن عاصم انه قرأ {أم تسألهم خرجا} بغير ألف {فخراج ربك} بالألف). [الدر المنثور: 10/593]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن الحسن أنه قرأ {أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير} ). [الدر المنثور: 10/593]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (73) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وإنّك لتدعوهم إلى صراطٍ مستقيمٍ} يقول تعالى ذكره: وإنّك يا محمّد لتدعو هؤلاء المشركين من قومك إلى دين الإسلام، وهو الطّريق القاصد والصّراط المستقيم الّذي لا اعوجاج فيه). [جامع البيان: 17/91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن الحميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم} قال: ما فيه: عوج، ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم لقي رجلا فقال له أسلم، فتصعب له ذلك وكبر عليه، فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أرأيت لو كنت في طريق وعر وعث فلقيت رجلا تعرف وجهه وتعرف نسبه فدعاك إلى طريق واسع سهل أكنت تتبعه قال: نعم، قال: فوالذي نفس محمد بيده انك لفي أوعر من ذلك الطريق لو كنت فيه، واني لادعوك إلى أسهل من ذلك الطريق لو دعيت إليه، وذكر لنا أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم لقي رجلا فقال له: أسلم، فصعده ذلك فقال له نبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت فتييك أحدهما إن حدث صدقك وإن أمنته أدى إليك والآخر إن حدث كذبك وان ائتمنته خانك قال: بلى، فتاي الذي إذا حدثني صدقني وإذا أمنته أدى إلي، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: كذاكم أنتم عند ربكم). [الدر المنثور: 10/593-594]
تفسير قوله تعالى: (وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ (74) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :({لناكبون} [المؤمنون: 74] : «لعادلون»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لناكبون لعادلون في رواية أبي ذر وقال بن عبّاسٍ لناكبون إلخ ووصله الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عنه وفي كلام أبي عبيدة مثله زاد ويقال نكب عن الطّريق أي عدل عنه). [فتح الباري: 8/445]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله 36 المؤمنون {هيهات هيهات} قال بعيد بعيد
وبه في قوله 113 المؤمنون {فاسأل العادين} قال الملائكة وفي قوله 74 المؤمنون {لناكبون} قال لعادلون
وبه في قوله 104 المؤمنون {كالحون} قال عابسون). [تغليق التعليق: 4/263] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (لناكبون لعادلون
أشار به إلى قوله تعالى: {وإن الّذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصّراط لناكبون} (المؤمنون: 74) وفسره بقوله: (لعادلون) وكذا روى عن ابن عبّاس، يقال: نكب إذا مال وأعرض، ومنه الرّيح النكباء، وهذا ثبت في رواية أبي ذر). [عمدة القاري: 19/71]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (لناكبون) ولأبي ذر قال ابن عباس لناكبون (لعادلون) عن الصراط السويّ). [إرشاد الساري: 7/248]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصّراط لناكبون (74) ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرٍّ للجّوا في طغيانهم يعمهون}.
يقول تعالى ذكره: الّذين لا يصدّقون بالبعث بعد الممات، وقيام السّاعة، ومجازاة اللّه عباده في الدّار الآخرة؛ {عن الصّراط لناكبون} يقول: عن محجّة الحقّ، وقصد السّبيل، وذلك دين اللّه الّذي ارتضاه لعباده؛ لعادلون، يقال منه: قد نكب فلانٌ عن كذا: إذا عدل عنه، ونكب عنه: أي عدل عنه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {عن الصّراط، لناكبون} قال: لعادلون.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصّراط لناكبون} يقول: عن الحقّ عادلون). [جامع البيان: 17/91-92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن الحميد عن مجاهد في قوله {وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون} قال: عن الحق عادلون). [الدر المنثور: 10/594]
تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (75) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرٍّ} يقول تعالى: ولو رحمنا هؤلاء الّذين لا يؤمنون بالآخرة، ورفعنا عنهم ما بهم من القحط والجدب وضرّ الجوع والهزال؛ {للجّوا في طغيانهم} يعني في عتوّهم وجرأتهم على ربّهم. {يعمهون} يعني: يتردّدون.
- كما حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضرٍّ} قال: لجوع). [جامع البيان: 17/92]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير في قوله {ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر} قال: الجوع). [الدر المنثور: 10/594]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ (76) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن عقيلٍ، أخبرنا عليّ بن الحسين، أخبرنا أبي، أنبأني يزيد، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " جاء أبو سفيان إلى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا محمّد، أنشدك الله والرّحم، فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدّم - فأنزل الله عزّ وجلّ {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون} [المؤمنون: 76]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/194]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد أخذنا هؤلاء المشركين بعذابنا، وأنزلنا بهم بأسنا، وسخطنا، وضيّقنا عليهم معايشهم، وأجدبنا بلادهم، وقتلنا سراتهم بالسّيف {فما استكانوا لربّهم} يقول: فما خضعوا لربّهم فينقادوا لأمره ونهيه، وينيبوا إلى طاعته. {وما يتضرّعون} يقول: وما يتذلّلون له.
وذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين أخذ اللّه قريشًا بسنيّ الجدب، ودعا عليهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو تميلة، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: جاء أبو سفيان إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا محمّد، أنشدك اللّه والرّحم، فقد أكلنا العلهز يعني الوبر والدّم. فأنزل اللّه: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، عن علباء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ ابن أثالٍ الحنفيّ لمّا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وهو أسيرٌ، فخلّى سبيله، فلحق بمكّة، فحال بين أهل مكّة وبين الميرة من اليمامة، حتّى أكلت قريشٌ العلهز، فجاء أبو سفيان إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: أليس تزعم بأنّك بعثت رحمةً للعالمين؟ فقال: بلى فقال: قد قتلت الآباء بالسّيف والأبناء بالجوع فأنزل اللّه: {ولقد أخذناهم بالعذاب} الآية
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: أخبرنا عمرٌو، قال: قال الحسن: إذا أصاب النّاس من قبل الشّيطان بلاءٌ فإنّما هي نقمةٌ، فلا تستقبلوا نقمة اللّه بالحميّة ولكن استقبلوها بالاستغفار، وتضرّعوا إلى اللّه. وقرأ هذه الآية: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {ولقد أخذناهم بالعذاب} قال: الجوع والجدب. {فما استكانوا لربّهم} فصبروا. {فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون} ). [جامع البيان: 17/92-94]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو العبّاس السّيّاريّ، ثنا محمّد بن موسى بن حليمٍ، ثنا عليّ بن الحسن بن شقيقٍ، أنبأ الحسين بن واقدٍ، حدّثني يزيد النّحويّ، أنّ عكرمة، حدّثه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: جاء أبو سفيان إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، فقال: " يا محمّد أنشدك اللّه والرّحم قد أكلنا العلهز يعني الوبر والدّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون} [المؤمنون: 76] «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/428]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم} [المؤمنون: 76].
- عن ابن عبّاسٍ - رضي اللّه عنهما - قال: «جاء أبو سفيان بن حربٍ إلى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال: يا محمّد، نشدتك باللّه، قد أكلنا العلهز - يعني الوبر والدّم - فأنزل اللّه - جلّ ذكره - {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون} [المؤمنون: 76]».
رواه الطّبرانيّ، وفيه عليّ بن الحسين بن واقدٍ وثّقه النّسائيّ وغيره وضعّفه أبو حاتمٍ). [مجمع الزوائد: 7/73]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا محمّد بن عبد الرّحمن الدّغوليّ حدّثنا عبد الرّحمن بن بشر بن الحكم قال حدّثنا عليّ بن الحسين بن واقدٍ حدثنا أبي حدثنا يزيد النّحويّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال جاء أبو سفيان بن حربٍ إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال يا محمّد أنشدك اللّه والرّحم فقد أكلنا العلهز يعني الوبر والدّم فأنزل اللّه {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربّهم وما يتضرّعون} ). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون * حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد إذا هم فيه مبلسون * وهو الذي أنشأ لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون * وهو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون * وهو الذي يحيي ويميت وله أختلاف الليل والنهار أفلا تعقلون * بل قالوا مثل ما قال الأولون * قالوا أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون * لقد وعدنا نحن وآباؤنا هذا من قبل إن هذا إلا أساطير الأولين.
أخرج النسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال: جاء أبو سفيان إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أنشدك الله والرحم فقد أكلنا العلهز - يعني الوبر - بالدم، فأنزل الله {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} ). [الدر المنثور: 10/594-595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير وأبو نعيم في المعرفة والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس، أن ثمامة بن أنال الحنفي لما أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأسلم وهو أسير فخلى سبيله لحق باليمامة فحال بين أهل مكة وبين الميرة من اليمامة حتى أكلت قريش العلهز فجاء أبو سفيان إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أليس تزعم أنك بعثت رحمة للعالمين قال: بلى، قال: فقد قتلت الآباء بالسيف والأبناء بالجوع، فأنزل الله {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} ). [الدر المنثور: 10/595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله {ولقد أخذناهم بالعذاب} قال: بالسنة والجوع). [الدر المنثور: 10/595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج العسكري في المواعظ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله {فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} أي: لم يتواضعوا في الدعاء ولم يخضعوا ولو خضعوا لله لاستجاب لهم). [الدر المنثور: 10/595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: إذا أصاب الناس من قبل السلطان بلاء فإنما هي نقمة فلا تستقبلوا نقمة الله بالحمية ولكن استقبلوها بالاستغفار واستكينوا وتضرعوا إلى الله وقرأ هذه الآية {ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون} ). [الدر المنثور: 10/596]
تفسير قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (77) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ إذا هم فيه مبلسون}.
اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه: حتّى إذا فتحنا عليهم باب القتال؛ فقتلوا يوم بدرٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني إسحاق بن شاهين، قال: حدّثنا خالد بن عبد اللّه، عن داود بن أبي هندٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ} قد مضى، كان يوم بدرٍ.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثني عبد الأعلى قال: حدّثنا داود، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ} قال: يوم بدرٍ.
وقال آخرون: معناه: حتّى إذا فتحنا عليهم باب المجاعة والضّرّ، وهو الباب ذو العذاب الشّديد.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {حتّى إذا فتحنا عليهم بابًا ذا عذابٍ شديدٍ} قال: لكفّار قريشٍ الجوع، وما قبلها من القصّة لهم أيضًا.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه، إلاّ أنّه قال: وما قبلها أيضًا.
وهذا القول الّذي قاله مجاهدٌ: أولى بتأويل الآية، لصحّة الخبر الّذي ذكرناه قبل عن ابن عبّاسٍ، أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قصّة المجاعة الّتي أصابت قريشًا بدعاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليهم، وأمر ثمامة بن أثالٍ؛ وذلك لا شكّ أنّه كان بعد وقعة بدرٍ.
وقوله: {إذا هم فيه مبلسون} يقول: إذا هؤلاء المشركون فيما فتحنا عليهم من العذاب حزانى نادمون على ما سلف منهم في تكذيبهم بآيات اللّه، في حين لا ينفعهم النّدم والحزن). [جامع البيان: 17/94-95]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد يعني كفار قريش من الجوع وما قبله مما كان ابتلاهم به). [تفسير مجاهد: 2/433-434]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد} قال: قد مضى كان يوم بدر). [الدر المنثور: 10/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد} قال: يوم بدر). [الدر المنثور: 10/596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد {حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد} قال: لكفار قريش الجوع وما قبلها من القصة لهم أيضا). [الدر المنثور: 10/596]