تفسير قوله تعالى: (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (62) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا نكلّف نفسًا إلاّ وسعها ولدينا كتابٌ ينطق بالحقّ وهم لا يظلمون}.
يقول تعالى ذكره: ولا نكلّف نفسًا إلاّ ما يسعها ويصلح لها من العبادة؛ ولذلك كلّفناها ما كلّفناها من معرفة وحدانيّة اللّه، وشرعنا لها ما شرعنا من الشّرائع. {ولدينا كتابٌ ينطق بالحقّ} يقول: وعندنا كتاب أعمال الخلق بما عملوا من خيرٍ وشرٍّ؛ {ينطق بالحقّ وهم لا يظلمون} يقول: يبيّن بالصّدق عمّا عملوا من عملٍ في الدّنيا، لا زيادة عليه، ولا نقصان. ونحن موفّو جميعهم أجورهم، المحسن منهم بإحسانه والمسيء بإساءته. {وهم لا يظلمون} يقول: وهم لا يظلمون، بأن يزاد على سيّئات المسيء منهم ما لم يعمله فيعاقب على غير جرمه، وينقص المحسن عمّا عمل من إحسانه فينقص عمّا له من الثّواب). [جامع البيان: 17/73]
تفسير قوله تعالى: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ (63) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن العلاء بن عبد الكريم عن مجاهد في قوله تعالى ولهم أعمال من دون ذلك قال أعمال لا بد لهم أن يعملوها). [تفسير عبد الرزاق: 2/46]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن العلاء بن عبد الكريم عن مجاهدٍ في قوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} قال: أعمال لا بد أن يعملوها [الآية: 63]). [تفسير الثوري: 217]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {بل قلوبهم في غمرةٍ من هذا ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون}.
يقول تعالى ذكره: ما الأمر كما يحسب هؤلاء المشركون، من أنّ إمدادناهم بما نمدّهم به من مالٍ وبنين، بخيرٍ نسوقه بذلك إليهم، والرّضا منّا عنهم؛ ولكنّ قلوبهم في غمرة عمًى عن هذا القرآن.
وعني بالغمرة: ما غمر قلوبهم فغطّاها عن فهم ما أودع اللّه كتابه من المواعظ والعبر والحجج.
وعنى بقوله: {من هذا} من القرآن.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {في غمرةٍ من هذا} قال: في عمًى من هذا القرآن.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {في غمرةٍ من هذا} قال: من القرآن.
وقوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء الكفّار أعمالٌ لا يرضاها اللّه من المعاصي {من دون ذلك} يقول: من دون أعمال أهل الإيمان باللّه، وأهل التّقوى والخشية له.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} قال: الخطايا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك} قال: الحقّ.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك} قال: خطايا من دون ذلك الحقّ.
- قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك}. الآية، قال: أعمالٌ دون الحقّ.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: ذكر اللّه الّذين هم من خشية ربّهم مشفقون والّذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلةٌ، ثمّ قال للكفّار: {بل قلوبهم في غمرةٍ من هذا ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} قال: من دون الأعمال الّتي منها قوله: {من خشية ربّهم مشفقون}، {والّذين}، {والّذين}.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا عيسى بن يونس، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهدٍ، قال: أعمالٌ لا بدّ لهم من أن يعملوها.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ قال: حدّثنا زيد بن أبي الزّرقاء، عن حمّاد بن سلمة، عن حميدٍ، قال: سألت الحسن عن قول اللّه: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} قال: أعمالٌ لم يعملوها سيعملونها.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} قال: لم يكن له بدٌّ من أن يستوفي بقيّة عمله، ويصلّي به.
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن الثّوريّ، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهدٍ في قوله: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون} قال: أعمالٌ لا بدّ لهم من أن يعملوها.
- حدّثنا عمرٌو قال: حدّثنا مروان بن معاوية، عن العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى: {ولهم أعمالٌ من دون ذلك} قال: أعمالٌ لا بدّ لهم من أن يعملوها). [جامع البيان: 17/73-76]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله بل قلوبهم في غمرة من هذا يعني في عمى من هذا القرآن). [تفسير مجاهد: 432]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولهم أعمال من دون ذلك يعني خطايا من دون ذلك لا بد لهم أن يعملوها). [تفسير مجاهد: 433]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون.
أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {بل قلوبهم في غمرة من هذا} قال: يعني بالغمرة الكفر والشك {ولهم أعمال من دون ذلك} يقول: أعمال سيئة دون الشرك {هم لها عاملون} قال: لا بد لهم من أن يعملوها). [الدر المنثور: 10/587]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {بل قلوبهم في غمرة من هذا} قال: في عمى من هذا القرآن {ولهم أعمال} قال: خطايا {من دون ذلك هم لها عاملون} قال: لا بد لهم أن يعملوها). [الدر المنثور: 10/587]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {بل قلوبهم في غمرة من هذا} قال: في غفلة من أعمال المؤمنين {ولهم أعمال من دون ذلك} قال: هي شر من أعمال المؤمنين ذكر الله {الذين هم من خشية ربهم مشفقون} المؤمنون الآية 57 والذين والذين ثم قال للكافرين {بل قلوبهم في غمرة من هذا ولهم أعمال} من دون الأعمال التي سمى الذين والذين والذين). [الدر المنثور: 10/587]
تفسير قوله تعالى: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ (64) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون قال نزلت في يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 2/47]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن علقمة بن مرثدٍ عن مجاهد في قوله: {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} قال: أخذوا يوم بدرٍ بالسّيوف [الآية: 64]). [تفسير الثوري: 217]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :({يجأرون} [المؤمنون: 64] : «يرفعون أصواتهم كما تجأر البقرة»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يجأرون يرفعون أصواتهم كما تجأر البقرة ثبت هذا هنا للنّسفيّ وتقدّم في أواخر الزّكاة وسيأتي في كتاب الأحكام لغيره مثله). [فتح الباري: 8/446]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (يجأرون) أي (يرفعون أصواتهم) بالاستغاثة والضجيج (كما تجأر البقرة) لشدة ما نالهم). [إرشاد الساري: 7/249]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون (64) لا تجأروا اليوم إنّكم منّا لا تنصرون}.
يقول تعالى ذكره: ولهؤلاء الكفّار من قريشٍ أعمالٌ من دون ذلك هم لها عاملون، إلى أن يؤخذ أهل النّعمة والبطر منهم بالعذاب.
- كما حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} قال: المترفون: العظماء.
{إذا هم يجأرون} يقول: فإذا أخذناهم به جأروا، يقول: ضجّوا واستغاثوا ممّا حلّ بهم من عذابنا.
ولعلّ الجؤار: رفع الصّوت، كما يجأر الثّور؛ ومنه قول الأعشى:
يراوح من صلوات المليك = طورًا سجودًا وطورًا جؤارا
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {إذا هم يجأرون} يقول: يستغيثون.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا سفيان، عن علقمة بن قرددٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجأرون} قال: بالسّيوف يوم بدرٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، في قوله: {إذا هم يجأرون} قال: يجزعون.
- قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} قال: عذاب يوم بدرٍ. {إذا هم يجأرون} قال: الّذين بمكّة.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {حتّى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} يعني أهل بدرٍ، أخذهم اللّه بالعذاب يوم بدرٍ.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ، يقول في قوله: {إذا هم يجأرون} قال: يجزعون). [جامع البيان: 17/76-78]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذ هم يجأرون * لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون * قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون * مستكبرين به سامرا تهجرون.
أخرج النسائي عن ابن عباس في قوله {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} الآية، قال: هم أهل بدر). [الدر المنثور: 10/588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} قال: ذكر لنا أنها نزلت في الذي قتل الله يوم بدر). [الدر المنثور: 10/588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} قال: بالسيوف يوم بدر {إذا هم يجأرون} قال: الذين بمكة). [الدر المنثور: 10/588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير {حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب} قال: بالسيف يوم بدر). [الدر المنثور: 10/588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله {حتى إذا أخذنا مترفيهم} قال: مستكبريهم). [الدر المنثور: 10/588]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إذا هم يجأرون} قال: يستغيثون، وفي قوله: {فكنتم على أعقابكم تنكصون} قال: تدبرون، وفي قوله {سامرا تهجرون} قال: تسمرون حول البيت وتقولون هجرا). [الدر المنثور: 10/588-589]
تفسير قوله تعالى: (لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ (65) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن جعفر بن محمّدٍ، حدّثنا عليّ بن المدينيّ، حدّثنا بشّار بن عيسى، عن عبد الله بن المبارك، قال: حدّثني موسى بن عقبة، قال: سمعت عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {بالعذاب إذا هم يجأرون (64) لا تجأروا اليوم إنّكم منّا لا تنصرون} [المؤمنون: 65]، قال: «هم أهل بدرٍ»، قال حمزة بن محمّدٍ، حدّثنا محمّد بن جعفر بن الإمام، قال: حدّثني عليّ بن المدينيّ، بإسناده مثله). [السنن الكبرى للنسائي: 10/194]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {لا تجأروا اليوم} يقول: لا تضجّوا وتستغيثوا اليوم وقد نزل بكم العذاب الّذي لا يدفع عن الّذين ظلموا أنفسهم، فإنّ ضجيجكم غير نافعكم، ولا دافعٍ عنكم شيئًا ممّا قد نزل بكم من سخط اللّه. {إنّكم منّا لا تنصرون} يقول: إنّكم من عذابنا الّذي قد حلّ بكم لا تستنقذون، ولا يخلّصكم منه شيءٌ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ: {لا تجأروا اليوم} لا تجزعوا اليوم.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا الرّبيع بن أنسٍ: {لا تجأروا اليوم} لا تجزعوا الآن حين نزل بكم العذاب، إنّه لا ينفعكم، فلو كان هذا الجزع قبل نفعكم). [جامع البيان: 17/78-79]
تفسير قوله تعالى: (قَدْ كَانَتْ آَيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ (66) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :({على أعقابكم} [المؤمنون: 66] : «رجع على عقبيه»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تنكصون تستأخرون ثبت عند النّسفي وحدّه ووصله الطّبري من طريق مجاهدٍ). [فتح الباري: 8/445]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله على أعقابكم رجع على عقبيه هو قول أبي عبيدة). [فتح الباري: 8/446]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تنكصون تستأخرون
أشار به إلى قوله عز وجل: {وكنتم على أعقابكم تنكصون} (المؤمنون: 66) وفسره بقوله: (تستأخرون) وكذا ذكره الطّبريّ عن مجاهد وقيل: أي ترجعون القهقرى، وهذا لم يثبت إلاّ عند النّسفيّ). [عمدة القاري: 19/71]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({على أعقابكم}) [المؤمنون: 66] يقال (رجع على عقبيه) أي أدبر يعني أنهم مدبرون عن سماع الآيات). [إرشاد الساري: 7/249]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون (66) مستكبرين به سامرًا تهجرون}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريشٍ: لا تضجّوا اليوم وقد نزل بكم سخط اللّه وعذابه، بما كسبت أيديكم واستوجبتموه بكفركم بآيات ربّكم. {قد كانت آياتي تتلى عليكم} يعني: آيات كتاب اللّه، يقول: كانت آيات كتابي تقرأ عليكم فتكذّبون بها، وترجعون مولّين عنها إذا سمعتموها، كراهيةً منكم لسماعها. وكذلك يقال لكلّ من رجع من حيث جاء: نكص فلانٌ على عقبه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {فكنتم على أعقابكم تنكصون} قال: تستأخرون.
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فكنتم على أعقابكم تنكصون} يقول: تدبرون.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون} يعني أهل مكّة.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى؛ وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن. قال: حدّثنا ورقاء جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {تنكصون} قال: تستأخرون). [جامع البيان: 17/79-80]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تنكصون قال تستأخرون). [تفسير مجاهد: 433]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إذا هم يجأرون} قال: يستغيثون، وفي قوله: {فكنتم على أعقابكم تنكصون} قال: تدبرون، وفي قوله {سامرا تهجرون} قال: تسمرون حول البيت وتقولون هجرا). [الدر المنثور: 10/588-589] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {تنكصون} قال: تستأخرون). [الدر المنثور: 10/589]
تفسير قوله تعالى: (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ (67) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى مستكبرين به قال مستكبرين بالحرم سمرا يقول سامروا أهل الحرم أمنا لا يخافون كانوا يقولون نحن أهل الحرم فلا نخاف تهجرون تقولون سوآ). [تفسير عبد الرزاق: 2/47]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الحسن تهجرون رسول الله وكتاب الله
قال معمر وقال الكلبي تهجرون أي يقولون هجرا). [تفسير عبد الرزاق: 2/47]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن حصينٍ عن سعيد بن جبيرٍ في قوله: {مستكبرين به} قال: مستكبرين بالحرم [الآية: 67]). [تفسير الثوري: 217]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن حصينٍ عن سعيد بن جبير في قوله: {سامرا نهجرون} وتقولون غير الحق [الآية: 66] تدبرون [الآية: 67]). [تفسير الثوري: 217]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :({سامرًا} [المؤمنون: 67] : «من السّمر، والجميع السّمّار، والسّامر ها هنا في موضع الجمع»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله سامرا من السمر والجمع السّمّار والسّامر ها هنا في موضع الجمع ثبت هنا للنّسفيّ وقد تقدّم في أواخر المواقيت). [فتح الباري: 8/446]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (سامرًا) نصب على الحال من فاعل تنكصون أو من الضمير في مستكبرين مأخوذ (من السمر) وهو سهر الليل مأخوذ وهو ما يقع على الشجر من ضوء القمر فيجلسون إليه يتحدثون مستأنسين به قال:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا = أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وقال الراغب السامر الليل المظلم (والجميع السمار) بوزن الجمار (والسامر ها هنا في موضع الجمع) وهو الأفصح تقول قوم سامر ونظيره نخرجكم طفلًا). [إرشاد الساري: 7/249]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا أحمد بن سليمان، حدّثنا عبيد الله، عن إسرائيل، عن عبد الأعلى، أنّه سمع سعيد بن جبيرٍ يحدّث عن ابن عبّاسٍ، قال: " إنّما كره السّمر حين نزلت هذه الآية {مستكبرين به سامرًا تهجرون} [المؤمنون: 67]، فقال: " مستكبرين بالبيت يقولون: نحن أهله، {سامرًا} [المؤمنون: 67] قال: كانوا يتكبّرون ويسمرون فيه ولا يعمرونه، ويهجرونه "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/194]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {مستكبرين به} يقول: مستكبرين بحرم اللّه، يقولون: لا يظهر علينا فيه أحدٌ، لأنّا أهل الحرم.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {مستكبرين به} يقول: مستكبرين بحرم البيت أنّه لا يظهر علينا فيه أحدٌ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {مستكبرين به} قال: بمكّة بالبلد.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، نحوه.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن: {مستكبرين به} قال: مستكبرين بحرمي.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {مستكبرين به} بالحرم.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {مستكبرين به} قال: مستكبرين بالحرم.
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، مثله.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {مستكبرين به} قال: بالحرم.
وقوله: {سامرًا} يقول: تسمرون باللّيل.
ووحّد قوله: {سامرًا} وهو بمعنى السّمّار، لأنّه وضع موضع الوقت. ومعنى الكلام: وتهجرون ليلاً، فوضع السّامر موضع اللّيل، فوحّد لذلك.
وقد كان بعض البصريّين يقول: وحّد ومعناه الجمع، كما قيل: طفلٌ في موضع أطفالٍ.
وممّا يبيّن عن صحّة ما قلنا في أنّه وضع موضع الوقت فوحّد لذلك، قول الشّاعر:
من دونهم إن جئتهم سمرًا = عزف القيان ومجلسٌ غمر
فقال: سمرًا، لأنّ معناه: إن جئتهم ليلاً وهم يسمرون، وكذلك قوله: {سامرًا}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {سامرًا} يقول: يسمرون حول البيت.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {سامرًا} قال: مجلسًا باللّيل.
- حدّثني القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {سامرًا} قال: مجالس.
- حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا يحيى قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {سامرًا} قال: تسمرون باللّيل.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {سامرًا} قال: كانوا يسمرون ليلتهم ويلعبون: يتكلّمون بالشّعر والكهانة وبما لا يدرون.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {سامرًا} قال: يعني سمر اللّيل.
وقال بعضهم في ذلك ما:
- حدّثنا به ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {سامرًا} يقول: سامرًا من أهل الحرم آمنًا لا يخاف، كانوا يقولون: نحن أهل الحرم؛ لا يخافون.
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة: {سامرًا} يقول: سامرًا من أهل مكّة آمنًا لا يخاف قال: كانوا يقولون: نحن أهل الحرم لا نخاف.
وقوله: {تهجرون} اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: {تهجرون} بفتح التّاء وضمّ الجيم.
ولقراءة من قرأ ذلك كذلك وجهان من المعنى: أحدهما أن يكون عنى أنّه وصفهم بالإعراض عن القرآن أو البيت، أو رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ورفضه. والآخر: أن يكون عنى أنّهم يقولون شيئًا من القول كما يهجر الرّجل في منامه، وذلك إذا هذى؛ فكأنّه وصفهم بأنّهم يقولون في القرآن ما لا معنى له من القول، وذلك أن يقولوا فيه باطلاً من القول الّذي لا يضرّه.
وقد جاء بكلا القولين التّأويل من أهل التّأويل.
ذكر من قال: كانوا يعرضون عن ذكر اللّه والحقّ ويهجرونه:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {تهجرون} قال: يهجرون ذكر اللّه والحقّ.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، عن السّدّيّ، عن أبي صالحٍ في قوله: {سامرًا تهجرون} قال: السّبّ.
ذكر من قال: كانوا يقولون الباطل والسّيّئ من القول في القرآن:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى، قال: حدّثنا سفيان، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {تهجرون} قال: يهجرون في الباطل.
- قال: حدّثنا يحيى، عن سفيان، عن حصينٍ، عن سعيد بن جبير: {سامرًا تهجرون} قال: يسمرون باللّيل يخوضون في الباطل.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {تهجرون} قال: بالقول السّيّئ في القرآن.
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {تهجرون} قال: الهذيان؛ الّذي يتكلّم بما لا يريد، ولا يعقل كالمريض الّذي يتكلّم بما لا يدري قال: كان أبيّ يقرؤها: {سامرًا تهجرون}.
وقرأ ذلك آخرون: سامرًا تهجرون بضمّ التّاء، وكسر الجيم. وممّن قرأ ذلك كذلك من قرّاء الأمصار نافع بن أبي نعيمٍ، بمعنى: يفحشون في المنطق، ويقولون الخنا، من قولهم: أهجر الرّجل: إذا أفحش في القول.
وذكر أنّهم كانوا يسبّون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: (تهجرون) قال: تقولون هجرًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ، قال: حدّثنا عبد المؤمن، عن أبي نهيكٍ، عن عكرمة، أنّه قرأ: سامرًا تهجرون: أي تسبّون.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا هوذة، قال: حدّثنا عوفٌ، عن الحسن، في قوله: سامرًا تهجرون. رسولي.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قال: قال الحسن: تهجرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، تهجرون يقول: يقولون سوءًا.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: قال الحسن: تهجرون. كتاب اللّه ورسوله.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: تهجرون يقول: يقولون المنكر والخنا من القول، كذلك هجر القول.
وأولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندنا القراءة الّتي عليها قرّاء الأمصار، وهي فتح التّاء وضمّ الجيم، لإجماع الحجّة من القرّاء). [جامع البيان: 17/80-86]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله مستكبرين به يعني بمكة بالبلد سامرا يعني بالليل). [تفسير مجاهد: 433]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن إسحاق الصّفّار، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة، أنبأ إسرائيل، عن عبد الأعلى، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: إنّما كره السّمر حين نزلت هذه الآية {مستكبرين به سامرًا تهجرون} [المؤمنون: 67] قال: " مستكبرين بالبيت يقولون: نحن أهله {تهجرون} [المؤمنون: 67] قال: كانوا يهجرونه ولا يعمّرونه «هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/427]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {مستكبرين به سامرًا} [المؤمنون: 67].
- عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقرأ هذا الحرف: {مستكبرين به سامرًا تهجرون} [المؤمنون: 67] قال: كان المشركون يهجرون برسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - في شعرهم.
رواه الطّبرانيّ، وفيه يحيى بن سلمة بن كهيلٍ وهو ضعيفٌ، وقد ذكره ابن حبّان في الثّقات وقال: في رواية ابنه إبراهيم عنه مناكير، قلت: وهذا منها). [مجمع الزوائد: 7/73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {إذا هم يجأرون} قال: يستغيثون، وفي قوله: {فكنتم على أعقابكم تنكصون} قال: تدبرون، وفي قوله {سامرا تهجرون} قال: تسمرون حول البيت وتقولون هجرا). [الدر المنثور: 10/588-589] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {مستكبرين به} قال: بالبيت والحرام {سامرا} قال: كان سامرهم لا يخاف مما أعطوا من الأمن وكانت العرب تخاف سامرهم ويغزو بعضهم بعضا وكان أهل مكة لا يخافون ذلك بما أعطوا من الأمن {تهجرون} قال: يتكلمون بالشرك والبهتان في حرم الله وعند بيته قال: وكان الحسن يقول {سامرا تهجرون} كتاب الله ونبي الله). [الدر المنثور: 10/589]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الحسن {مستكبرين به} قال: بحرمي {سامرا تهجرون} قال: القرآن وذكري ورسولي). [الدر المنثور: 10/589-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {مستكبرين به} قال: مستكبرين بحرمي {سامرا} فيه مما لا ينبغي من القول، واخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد {مستكبرين به} قال: بمكة بالبلد (سامرا) قال: مجالسا {تهجرون} بالقول السيئ في القرآن). [الدر المنثور: 10/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد ابن حميد، وابن أبي حاتم عن أبي صالح {مستكبرين به} قال: بالقرآن). [الدر المنثور: 10/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {سامرا تهجرون} قال: كانوا يهجرون على اللهو والباطل قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
وباتوا بشعب لهم سامرا * إذا خب نيرانهم أوقدوا). [الدر المنثور: 10/590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانت قريش تسمر حول البيت ولا تطوف به ويفتخرون به فأنزل الله {مستكبرين به سامرا تهجرون} ). [الدر المنثور: 10/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {سامرا تهجرون} قال: كانت قريش يستحلقون حلقا يتحدثون حول البيت). [الدر المنثور: 10/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ {مستكبرين به سامرا تهجرون} قال: كان المشركون يهجرون رسول الله صلى الله عليه وسلم في القول في سمرهم). [الدر المنثور: 10/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {سامرا تهجرون} بنصب التاء ورفع الجيم). [الدر المنثور: 10/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة انه قرأ {سامرا تهجرون} وكانوا إذا سمروا هجروا في القول). [الدر المنثور: 10/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {سامرا تهجرون} قال: تهجرون الحق). [الدر المنثور: 10/591]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: إنما كره السمر حين نزلت هذه الآية {مستكبرين به سامرا تهجرون} قال: مستكبرين بالبيت تقولون: نحن أهله {تهجرون} قال: كانوا يهجرونه ولا يعمرونه). [الدر المنثور: 10/591-592]
تفسير قوله تعالى: (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آَبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ (68) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفلم يدّبّروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين (68) أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون (69) أم يقولون به جنّةٌ بل جاءهم بالحقّ وأكثرهم للحقّ كارهون}.
يقول تعالى ذكره: أفلم يتدبّر هؤلاء المشركون تنزيل اللّه وكلامه، فيعلموا ما فيه من العبر، ويعترفوا بحجج اللّه الّتي احتجّ بها عليه فيه؟ {أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين} يقول: أم جاءهم أمر ما لم يأت من قبلهم من أسلافهم، فاستكبروا ذلك وأعرضوا، فقد جاءت الرّسل من قبلهم، وأنزلت معهم الكتب.
وقد يحتمل أن تكون أم في هذا الموضع بمعنى: بل، فيكون تأويل الكلام: أفلم يدّبّروا القول؟ بل جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين، فتركوا لذلك التّدبّر وأعرضوا عنه، إذ لم يكن فيمن سلف من آبائهم ذلك.
وقد ذكر عن ابن عبّاسٍ في نحو هذا القول.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {أفلم يدّبّروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين} قال: لعمري لقد جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين، ولكن أو لم يأتهم ما لم يأت آباءهم الأوّلين). [جامع البيان: 17/86-87]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين * أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون * أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون * أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين * وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم * وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون * ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {أفلم يدبروا القول} قال: إذا والله كانوا يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه، ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله {أم لم يعرفوا رسولهم} قال: عرفوه ولكن حسدوه وفي قوله {ولو اتبع الحق أهواءهم} قال: الحق الله عز وجل). [الدر المنثور: 10/592]
تفسير قوله تعالى: (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69) )
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن رجلٍ عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى في قوله: {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} قال: قد عرفوه ولكنّهم حسدوه [الآية: 69]). [تفسير الثوري: 217-218]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أم لم يعرفوا رسولهم} يقول تعالى ذكره: أم لم يعرف هؤلاء المكذّبون محمّدًا، وأنّه من أهل الصّدق والأمانة؟، {فهم له منكرون} يقول: فينكروا قوله، أو لم يعرفوه بالصّدق، ويحتجّوا بأنّهم لا يعرفونه. يقول جلّ ثناؤه: فكيف يكذّبونه وهم يعرفونه فيهم بالصّدق والأمانة). [جامع البيان: 17/87]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين * أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون * أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون * ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السموات والأرض ومن فيهن بل آتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون * أم تسألهم خرجا فخراج ربك خير وهو خير الرازقين * وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم * وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون * ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة {أفلم يدبروا القول} قال: إذا والله كانوا يجدون في القرآن زاجرا عن معصية الله لو تدبره القوم وعقلوه، ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي صالح في قوله {أم لم يعرفوا رسولهم} قال: عرفوه ولكن حسدوه وفي قوله {ولو اتبع الحق أهواءهم} قال: الحق الله عز وجل). [الدر المنثور: 10/592] (م)
تفسير قوله تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ (70) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(والجنّة والجنون واحدٌ). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله والجنّة والجنون واحدٌ هو قول أبي عبيدة أيضًا). [فتح الباري: 8/446]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (والجنّة والجنون واحدٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {أم يقولون به جنّة} (المؤمنون: 70) أي: جنون، وكلاهما بمعنى واحد). [عمدة القاري: 19/71]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (والجنة) في قوله {أم يقولون به جنة} (والجنون واحد) في المعنى وقيل كانوا يعملون بالضرورة أنه أرجحهم عقلًا وأثقبهم نظرًا فالمجنون كيف يمكنه أن يأتي بمثل ما أوتي به من الدلائل القاطعة والشراع الكاملة الجامعة). [إرشاد الساري: 7/249]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {أم يقولون به جنّةٌ}. يقول: أيقولون بمحمّدٍ جنونٌ، فهو يتكلّم بما لا معنى له، ولا يفهم ولا يدري ما يقول. {بل جاءهم بالحقّ} يقول تعالى ذكره: فإن يقولوا ذلك فكذبهم في قيلهم ذلك واضحٌ بيّنٌ؛ وذلك أنّ المجنون يهذي فيأتي من الكلام بما لا معنى له، ولا يعقل ولا يفهم، والّذي جاءهم به محمّدٌ هو الحكمة الّتي لا أحكم منها، والحقّ الّذي لا تخفى صحّته على ذي فطرةٍ صحيحةٍ، فكيف يجوز أن يقال: هو كلام مجنونٍ؟
وقوله: {وأكثرهم للحقّ كارهون} يقول تعالى ذكره: ما بهؤلاء الكفرة أنّهم لم يعرفوا محمّدًا بالصّدق، ولا أنّ محمّدًا عندهم مجنونٌ، بل قد علموه صادقًا محقًّا فيما يقول وفيما يدعوهم إليه، ولكنّ أكثرهم للإذعان للحقّ كارهون، ولاتّباع محمّدٍ ساخطون، حسدًا منهم له، وبغيًا عليه واستكبارًا في الأرض). [جامع البيان: 17/88]