تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ أَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آَخَرِينَ (31) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ أنشأنا من بعدهم قرنًا آخرين (31) فأرسلنا فيهم رسولاً منهم أن اعبدوا اللّه ما لكم من إلهٍ غيره أفلا تتّقون}.
يقول تعالى ذكره: ثمّ أحدثنا من بعد مهلك قوم نوحٍ قرنًا آخرين فأوجدناهم). [جامع البيان: 17/39]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ثم أنشأنا من بعدهم قرنا آخرين * فأرسلنا فيهم رسولا منهم أن اعبدوا الله ما لكم من إله غيره أفلا تتقون * وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدنيا ما هذا إلا بشر مثلكم يأكل مما تأكلون منه ويشرب مما تشربون * ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون * أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما إنكم مخرجون.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله {قرنا} قال: أمة). [الدر المنثور: 10/570]
تفسير قوله تعالى: (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {فأرسلنا فيهم رسولاً منهم} داعيًا لهم، {أن اعبدوا اللّه} يا قوم، وأطيعوه دون الآلهة والأصنام، فإنّ العبادة لا تنبغي إلاّ له. {ما لكم من إلهٍ غيره} يقول: ما لكم من معبودٍ يصلح أن تعبدوا سواه. {أفلا تتّقون} أفلا تخافون عقاب اللّه بعبادتكم شيئًا دونه، وهو الإله الّذي لا إله لكم سواه). [جامع البيان: 17/39]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الْآَخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (33) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أترفناهم} [المؤمنون: 33] : «وسّعناهم»). [صحيح البخاري: 6/98]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أترفناهم وسّعناهم كذا وقع هنا عندهم وهذه الكلمة من السّورة الّتي تليها وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى وأترفناهم في الحياة الدّنيا مجازه وسّعنا عليهم وأترفوا بغوا وكفروا). [فتح الباري: 8/443]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أترافناهم وسّعناهم
هذه من السّورة الّتي تليها، وهو قوله تعالى: {وقال الملأ من قومه الّذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدّنيا} (المؤمنون: 33) ولم يكن موضعه هنا). [عمدة القاري: 19/69]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الملأ من قومه الّذين كفروا وكذّبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم في الحياة الدّنيا ما هذا إلاّ بشرٌ مثلكم يأكل ممّا تأكلون منه ويشرب ممّا تشربون}.
يقول تعالى ذكره: وقالت الأشراف من قوم الرّسول الّذي أرسلنا بعد نوحٍ. وعني بالرّسول في هذا الموضع: صالحًا، وبقومه: ثمود. {الّذين كفروا وكذّبوا بلقاء الآخرة} يقول: الّذين جحدوا توحيد اللّه. {وكذّبوا بلقاء الآخرة} يعني: كذّبوا بلقاء اللّه في الآخرة.
وقوله: {وأترفناهم في الحياة الدّنيا} يقول: ونعّمناهم في حياتهم الدّنيا بما وسّعنا عليهم من المعاش وبسطنا لهم من الرّزق، حتّى بطروا وعتوا على ربّهم وكفروا؛ ومنه قول الرّاجز:
وقد أراني بالدّيار مترفا
وقوله: ما هذا إلاّ بشرٌ مثلكم يقول: قالوا: بعث اللّه صالحًا إلينا رسولاً من بيننا، وخصّه بالرّسالة دوننا، وهو إنسانٌ مثلنا يأكل ممّا نأكل منه من الطّعام ويشرب ممّا نشرب، وكيف لم يرسل ملكًا من عنده يبلّغنا رسالته؟
قال: {ويشرب ممّا تشربون} معناه: ممّا تشربون منه، فحذف من الكلام (منه)، لأنّ معنى الكلام: ويشرب من شرابكم، وذلك أنّ العرب تقول: شربت من شرابك). [جامع البيان: 17/39-40]
تفسير قوله تعالى: (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (34) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولئن أطعتم بشرًا مثلكم إنّكم إذًا لخاسرون (34) أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابًا وعظامًا أنّكم مخرجون}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل الملأ من قوم صالحٍ لقومهم: {ولئن أطعتم بشرًا مثلكم} فاتّبعتموه وقبلتم ما يقول وصدّقتموه. {إنّكم} أيّها القوم {إذًا لخاسرون} يقول: قالوا: إنّكم إذن لمغبونون حظوظكم من الشّرف والرّفعة في الدّنيا، باتّباعكم إيّاه). [جامع البيان: 17/40]
تفسير قوله تعالى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (35) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابًا وعظامًا} الآية يقول تعالى ذكره: قالوا لهم: أيعدكم صالحٌ أنّكم إذا متّم وكنتم ترابًا في قبوركم وعظامًا قد ذهبت لحوم أجسادكم، وبقيت عظامها، أنّكم مخرجون من قبوركم أحياءً كما كنتم قبل مماتكم؟
وأعيدت {أنّكم} مرّتين، والمعنى: أيعدكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابًا وعظامًا مخرجون مرّةً واحدةً، لمّا فرّق بين {أنّكم} الأولى وبين خبرها بـ (إذا)، وكذلك تفعل العرب بكلّ اسمٍ أوقعت عليه الظّنّ وأخواته، ثمّ اعترضت بالجزاء دون خبره، فتكرّر اسمه مرّةً، وتحذفه أخرى، فتقول: أظنّ أنّك إن جالستنا أنّك محسنٌ، فإن حذفت (أنّك) الأولى أو الثّانية صلح، وإن أثبتّهما صلح، وإن لم تعترض بينهما بشيءٍ لم يجز، خطأٌ أن يقال: أظنّ أنّك أنّك جالسٌ. وذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: أيعدكم إذا متّم وكنتم ترابًا وعظامًا أنّكم مخرجون). [جامع البيان: 17/41]
تفسير قوله تعالى: (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى هيهات هيهات لما توعدون قال يعني البعث). [تفسير عبد الرزاق: 2/45]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(قال ابن عبّاسٍ: {هيهات هيهات} [المؤمنون: 36] : «بعيدٌ بعيدٌ»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال بن عبّاسٍ هيهات هيهات بعيدٍ بعيدٍ وصله الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ مثله وروى عبد بن حميدٍ عن سعيدٍ عن قتادة قال تباعد ذلك في أنفسهم وقال الفراء إنّما دخلت اللّام في لمّا توعدون لأنّ هيهات أداةً ليست بمأخوذةٍ من فعلٍ بمنزلة قريبٍ وبعيدٍ كما تقول هلمّ لك فإذا قلت أقبل لم تقل لك). [فتح الباري: 8/445]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح ثنا معاوية عن علّي عن ابن عبّاس في قوله 36 المؤمنون {هيهات هيهات} قال بعيد بعيد
وبه في قوله 113 المؤمنون {فاسأل العادين} قال الملائكة وفي قوله 74 المؤمنون {لناكبون} قال لعادلون
وبه في قوله 104 المؤمنون {كالحون} قال عابسون). [تغليق التعليق: 4/263]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ هيهات هيهات بعيدٌ بعيدٌ
فسر ابن عبّاس قوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون} (المؤمنون: 36) بقوله: (بعيد بعيد) ورواه هكذا الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس، قرأ السّبعة بفتح التّاء فيهما في الوصل وبإسكانها في الوقف، ويقال: من وقف على هيهات وقف بالهاء). [عمدة القاري: 19/71]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عباس) فيما وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة (هيهات هيهات) بالفتح من غير تنوين لغة الحجازين بني لوقوعه أي (بعيد بعيد).
قال في المصابيح: المعروف عند النحاة أنها اسم فعل أي سمي بها الفعل الذي هو بعد وهذا تحقيق لكونه اسمًا مع أن مدلوله وقوع البعد في الزمن الماضي والمعنى أن دلالته على معنى بعد ليست من حيث إنه موضوع لذلك المعنى ليكون فعلًا بل من حيث إنه موضوع لفعل دال على بعد يقترن بالزمان الماضي وهو بعد كوضع سائر الأسماء لمدلولاتها. اهـ.
وفسره الزجاج في ظاهر عبارته بالمصدر فقال: البعد لما توعدون أو بعد لما توعدون فظاهرها أنه مصدر بدليل عطف الفعل عليه ويمكن أن يكون فسر المعنى فقط وجمهور القرّاء على فتح التاء من غير تنوين فيهما وهي لغة الحجازيين وإنما بنوه لشبهه بالحرف وفيه لغات تزيد على الأربعين وكرر للتوكيد وليست المسألة من التنازع قال جرير:
فهيهات هيهات العقيق وأهله = وهيهات خل بالعقيق نواصله). [إرشاد الساري: 7/248]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هيهات هيهات لما توعدون (36) إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين}.
وهذا خبرٌ من اللّه جلّ ثناؤه عن قول الملأ من ثمود أنّهم قالوا: {هيهات هيهات} أي بعيدٌ ما توعدون أيّها القوم، من أنّكم بعد موتكم ومصيركم ترابًا وعظامًا مخرجون أحياءً من قبوركم، يقولون: ذلك غير كائنٍ.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: هيهات هيهات يقول: بعيدٌ بعيدٌ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {هيهات هيهات لما توعدون} قال: يعني البعث.
والعرب تدخل اللاّم مع (هيهات) في الاسم الّذي يصحبها، وتنزعها منه، تقول: هيهات لك هيهات، وهيهات ما تبتغي هيهات؛ وإذا أسقطت اللاّم رفعت الاسم، بمعنى هيهات، كأنّه قال: بعيدٌ ما ينبغي لك؛ كما قال جريرٌ:
فهيهات هيهات العقيق ومن به = وأيهات وصلٌ بالعقيق نواصله
كأنّه قال: العقيق وأهله.
وإنّما دخلت اللاّم مع هيهات في الاسم لأنّهم قالوا: (هيهات) أداةٌ غير مأخوذةٍ من فعلٍ، فأدخلوا معها في الاسم اللاّم. كما أدخلوها مع هلمّ لك. إذ لم تكن مأخوذةً من فعلٍ. فإذا قالوا أقبل. لم يقولوا لك. لاحتمال الفعل ضمير الاسم.
واختلف أهل العربيّة في كيفيّة الوقف على هيهات، فكان الكسائيّ يختار الوقوف فيها بالهاء. لأنّها منصوبةٌ، وكان الفرّاء يختار الوقوف عليها بالتّاء. ويقول: من العرب من يخفض التّاء، فدلّ على أنّها ليست بهاء التّأنيث. فصارت بمنزلة: دراك، ونظار؛ وأمّا نصب التّاء فيهما. فلأنّهما أداتان. فصارتا بمنزلة خمسة عشر. وكان الفرّاء يقول: إن قيل: إنّ كلّ واحدةٍ مستغنيةٌ بنفسها يجوز الوقوف عليها. وإنّ نصبها كنصب قوله: ثمّت جلست؛ وبمنزلة قول الشّاعر:
ماويّ يا ربّتما غارةٍ = شعواء كاللّذعة بالميسم
قال: فنصب (هيهات) بمنزلة هذه الهاء الّتي في (ربّت) لأنّها دخلت على حرفٍ، على (ربّ) وعلى (ثمّ)، وكانا أداتين، فلم تغيّرها عن أداتهما فنصبا.
واختلف القرّاء في قراءة ذلك. فقرأته قرّاء الأمصار غير أبي جعفرٍ: {هيهات هيهات} بفتح التّاء فيهما. وقرأ ذلك أبو جعفرٍ: (هيهات هيهات) بكسر التّاء فيهما. والفتح فيهما هو القراءة عندنا، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه). [جامع البيان: 17/41-44]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: هيهات هيهات لما توعدون * إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين * إن هو إلا رجل افترى على الله كذبا وما نحن له بمؤمنين * قال رب انصرني بما كذبون * قال عما قليل ليصبحن نادمين.
أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {هيهات هيهات} قال: بعيد بعيد). [الدر المنثور: 10/570]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {هيهات لما توعدون} قال: تباعد ذلك في أنفسهم يعني، البعث بعد الموت). [الدر المنثور: 10/570]
تفسير قوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا} يقول: ما حياةٌ إلاّ حياتنا الدّنيا الّتي نحن فيها {نموت ونحيا} يقول: تموت الأحياء منّا، فلا تحيا، ويحدث آخرون منّا فيولدون أحياءً. {وما نحن بمبعوثين} يقول: قالوا: وما نحن بمبعوثين بعد الممات.
- كما حدّثني يونس، قال: أحبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: إن هي إلاّ حياتنا الدّنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين قال: يقول: ليس آخرةٌ ولا بعثٌ، يكفرون بالبعث، يقولون: إنّما هي حياتنا هذه، ثمّ نموت ولا نحيا، يموت هؤلاء، ويحيا هؤلاء، يقولون: إنّما النّاس كالزّرع، يحصد هذا، وينبت هذا: يقولون: يموت هؤلاء، ويأتي آخرون. وقرأ: {وقال الّذين كفروا هل ندلّكم على رجلٍ ينبّئكم إذا مزّقتم كلّ ممزّقٍ إنّكم لفي خلقٍ جديدٍ}، وقرأ: {لا تأتينا السّاعة قل بلى وربّي لتأتينّكم} ). [جامع البيان: 17/44]
تفسير قوله تعالى: (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (38) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إن هو إلاّ رجلٌ افترى على اللّه كذبًا وما نحن له بمؤمنين (38) قال ربّ انصرني بما كذّبون (39) قال عمّا قليلٍ ليصبحنّ نادمين}
يقول تعالى ذكره: قالوا ما صالحٌ إلاّ رجلٌ اختلق على اللّه كذبًا في قوله ما لكم من إلهٍ غير اللّه، وفي وعده إيّاكم أنّكم إذا متّم وكنتم ترابًا وعظامًا أنّكم مخرجون.
وقوله: {هو} من ذكر الرّسول، وهو صالحٌ {وما نحن له بمؤمنين} فيما يقول أنّه لا إله لنا غير اللّه، وفيما يعدنا من البعث بعد الممات). [جامع البيان: 17/45]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (39) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قال ربّ انصرني بما كذّبون} يقول: قال صالحٌ لمّا أيس من إيمان قومه باللّه ومن تصديقهم إيّاه بقولهم {وما نحن له بمؤمنين} ربّ انصرني على هؤلاء {بما كذّبون} يقول: بتكذيبهم إيّاي فيما دعوتهم إليه من الحقّ. فاستغاث صلوات اللّه عليه بربّه من أذاهم إيّاه، وتكذيبهم له). [جامع البيان: 17/45]
تفسير قوله تعالى: (قَالَ عَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (فقال اللّه له مجيبًا في مسألته إيّاه ما سأل: عن قليلٍ يا صالح ليصبحنّ مكذّبوك من قومك على تكذيبهم إيّاك نادمين، وذلك حين تنزل بهم نقمتنا فلا ينفعهم النّدم). [جامع البيان: 17/45]
تفسير قوله تعالى: (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (41) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى فجعلناهم غثاء قال الشيء البالي). [تفسير عبد الرزاق: 2/45]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(والغثاء الزّبد، وما ارتفع عن الماء، وما لا ينتفع به»). [صحيح البخاري: 6/99]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله والغثاء الزّبد وما ارتفع عن الماء وما لا ينتفع به قال أبو عبيدة في قوله تعالى فجعلناهم غثاء الغثاء الزّبد وما ارتفع على الماء من الجيف ممّا لا ينتفع به وفي روايةٍ عنه وما أشبه ذلك ممّا لا ينتفع به في شيءٍ وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله غثاءً قال هو الشّيء البالي). [فتح الباري: 8/446]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (والغثاء الزّبد وما ارتفع عن الماء ينتفع به
أشار به إلى قوله عز وجل: {فجعلناهم غثاء} (المؤمنون: 41) وفسره بقوله: (الزّبد)
إلى آخره، وروى عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة. قال: الغثاء الشّيء البالي). [عمدة القاري: 19/71]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (والغثاء) في قوله: {فجعلناهم غثاء} هو (الزبد وما ارتفع عن الماء وما لا ينتفع به) وهو من غثا الوادي يغثو غثوًا بالواو وأما غثت نفسه تغثي غثيانًا أي خبثت فهو قريب من معناه ولكنه من مادّة الياء). [إرشاد الساري: 7/249]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأخذتهم الصّيحة بالحقّ فجعلناهم غثاءً فبعدًا للقوم الظّالمين}.
يقول تعالى ذكره: فانتقمنا منهم، فأرسلنا عليهم الصّيحة فأخذتهم بالحقّ؛ وذلك أنّ اللّه عاقبهم باستحقاقهم العقاب منه بكفرهم به، وتكذيبهم رسوله. {فجعلناهم غثاءً} يقول: فصيّرناهم بمنزلة الغثاء، وهو ما ارتفع على السّيل ونحوه، كما لا ينتفع به في شيءٍ. فإنّما هذا مثلٌ، والمعنى: فأهلكناهم فجعلناهم كالشّيء الّذي لا منفعة فيه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فجعلناهم غثاءً فبعدًا للقوم الظّالمين} يقول: جعلوا كالشّيء الميّت البالي من الشّجر.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {غثاءً} كالرّميم الهامد، الّذي يحتمل السّيل.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {فجعلناهم غثاءً} قال: كالرّميم الهامد الّذي يحتمل السّيل.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فجعلناهم غثاءً} قال: هو الشّيء البالي.
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فجعلناهم غثاءً} قال: هذا مثلٌ ضربه اللّه.
وقوله: {فبعدًا للقوم الظّالمين} يقول: فأبعد اللّه القوم الكافرين بهلاكهم، إذ كفروا بربّهم، وعصوا رسله، وظلموا أنفسهم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: أولئك ثمود، يعني قوله: {فجعلناهم غثاءً فبعدًا للقوم الظّالمين} ). [جامع البيان: 17/45-47]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فجعلناهم غثاء يعني كالرميم الهامد الذي يحمله السيل يعني به ثمود). [تفسير مجاهد: 431]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: فأخذتهم الصيحة بالحق فجعلناهم غثاء فبعدا للقوم الظالمين * ثم أنشأنا من بعدهم قرونا آخرين * ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {فجعلناهم غثاء} قال: جعلوا كالشيء الميت البالي من الشجر). [الدر المنثور: 10/570-571]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير عن قتادة {فجعلناهم غثاء} قال: هو الشيء البالي). [الدر المنثور: 10/571]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه {فجعلناهم غثاء} قال: كالرميم الهامد الذي يحتمل السيل ثمود احتملوا كذلك). [الدر المنثور: 10/571]