تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (63) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً فتصبح الأرض مخضرّةً إنّ اللّه لطيفٌ خبيرٌ}.
يقول تعالى ذكره: {ألم تر} يا محمّد {أنّ اللّه أنزل من السّماء ماءً} يعني مطرًا، {فتصبح الأرض مخضرّةً} بما ينبت فيها من النّبات {إنّ اللّه لطيفٌ} باستخراج النّبات من الأرض بذلك الماء وغير ذلك من ابتداع ما شاء أن يبتدعه. {خبيرٌ} بما يحدث عن ذلك النّبت من الحبّ وبه.
وقال: {فتصبح الأرض} فرفعه، وقد تقدّمه قوله: {ألم تر} وإنّما قيل ذلك كذلك لأنّ معنى الكلام الخبر، كأنّه قيل: اعلم يا محمّد أنّ اللّه ينزّل من السّماء ماءً فتصبح الأرض؛ ونظير ذلك قول الشّاعر:
ألم تسأل الرّبع القديم فينطق؟ = وهل تخبرنك اليوم بيداء سملق؟
لأنّ معناه: قد سألته فنطق). [جامع البيان: 16/623]
تفسير قوله تعالى: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (64) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {له ما في السّموات وما في الأرض وإنّ اللّه لهو الغنيّ الحميد}.
يقول تعالى ذكره: له ملك ما في السّماوات وما في الأرض من شيءٍ، هم عبيده ومماليكه وخلقه، لا شريك له في ذلك ولا في شيءٍ منه، وأنّ اللّه هو الغنيّ عن كلّ ما في السّماوات وما في الأرض من خلقه، وهم المحتاجون إليه، الحميد عند عباده في إفضاله عليهم، وأياديه عندهم). [جامع البيان: 16/623]
تفسير قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (65) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ألم تر أنّ اللّه سخّر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ألم تر أنّ اللّه سخّر لكم أيّها النّاس ما في الأرض من الدّوابّ والبهائم، جعل ذلك كلّه لكم، تصرّفونه فيما أردتم من حوائجكم. {والفلك تجري في البحر بأمره} يقول: وسخّر لكم السّفن تجري في البحر بأمره، يعني بقدرته، وتذليله إيّاها لكم كذلك.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {والفلك تجري} فقرأته عامّة قرّاء الأمصار: ( والفلك ) نصبًا، بمعنى سخّر لكم ما في الأرض، والفلك عطفًا على ( ما )، وعلى تكرير ( أنّ ) وأنّ الفلك تجري. وروي عن الأعرج أنّه قرأ ذلك رفعًا على الابتداء. والنّصب هو القراءة عندنا في ذلك لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.
{ويمسك السّماء أن تقع على الأرض} يقول: ويمسك السّماء بقدرته كي لا تقع على الأرض إلاّ بإذنه.
ومعنى قوله: {أن تقع}.
أن لا تقع. {إنّ اللّه بالنّاس لرءوفٌ رحيمٌ} بمعنى: أنّه بهم لذو رأفةٍ ورحمةٍ؛ فمن رأفته بهم، ورحمته لهم، أمسك السّماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه، وسخّر لكم ما وصف في هذه الآية تفضّلاً منه عليكم بذلك). [جامع البيان: 16/624-625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ألم تر أن الله سخر لكم ما في الأرض والفلك تجري في البحر بأمره ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه إن الله بالناس لرؤوف رحيم * وهو الذي أحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم إن الإنسان لكفور.
أخرج الطبراني عن ابن عباس قال: إذا أتيت سلطانا مهيبا تخاف أن يسطو بك فقل: الله أكبر الله أكبر من خلقه جميعا الله أعز ممن أخاف وأحذر أعوذ بالله الذي لا اله إلا هو الممسك السموات السبع أن يقعن على الأرض إلا بإذنه من شر عبدك فلان وجنوده وأشياعه من الجن والإنس إلهي كن لي جارا من شرهم جل شأنك وعز جارك وتبارك اسمك ولا اله غيرك ثلاث مرات). [الدر المنثور: 10/520-521]
تفسير قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ (66) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وهو الّذي أحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم إنّ الإنسان لكفورٌ (66) لكلّ أمّةٍ جعلنا منسكًا هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدًى مستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: واللّه الّذي أنعم عليكم هذه النّعم، هو الّذي جعلكم أجسامًا أحياءً، بحياةٍ أحدثها فيكم، ولم تكونوا شيئًا، ثمّ هو يميتكم من بعد حياتكم فيفنيكم عند مجيء آجالكم، ثمّ يحييكم بعد مماتكم عند بعثكم لقيام السّاعة {إنّ الإنسان لكفورٌ} يقول: إنّ ابن آدم لجحودٌ لنعم اللّه الّتي أنعم بها عليه من حسن خلقه إيّاه، وتسخيره له ما سخّر ممّا في الأرض والبرّ والبحر، وتركه إهلاكه بإمساكه السّماء أن تقع على الأرض بعبادته غيره من الآلهة والأنداد، وتركه إفراده بالعبادة، وإخلاص التّوحيد له). [جامع البيان: 16/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: {إن الإنسان لكفور} قال: يعد المصيبات وينسى النعم). [الدر المنثور: 10/521]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: كل شيء في القرآن {إن الإنسان لكفور} يعني به الكفار والله أعلم). [الدر المنثور: 10/521]