تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آَيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (52) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى في أمنيته أن النبي كان يتمنى أن يعيب الله آلهة المشركين فألقى الشيطان في أمنيته فقال إن الآلهة التي تدعا إن شفاعتها لترجى وإنها لبالغرانيق العلى فنسخ الله ذلك وأحكم آياته فقال أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى حتى بلغ من سلطن). [تفسير عبد الرزاق: 2/40]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(وقال ابن عبّاسٍ: " في {إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته}، إذا حدّث ألقى الشّيطان في حديثه، فيبطل اللّه ما يلقي الشّيطان ويحكم آياته، ويقال: أمنيّته قراءته "، {إلّا أمانيّ} [البقرة: 78]: «يقرءون ولا يكتبون»). [صحيح البخاري: 6/97]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال بن عبّاسٍ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته إذا حدّث ألقى الشّيطان في حديثه فيبطل اللّه ما يلقي الشّيطان ويحكم آياته وصله الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ مقطّعًا قوله ويقال أمنيته قراءته إلّا أماني يقرؤون ولا يكتبون هو قول الفرّاء قال التّمنّي التّلاوة قال وقوله لا يعلمون الكتاب إلّا أماني قال الأمانيّ أن يفتعل الأحاديث وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم وليست من كتاب اللّه قال ومن شواهد ذلك قول الشّاعر تمنّى كتاب اللّه أوّل ليلةٍ تمنّي داود الزّبور على رسلٍ قال الفرّاء والتّمنّي أيضًا حديث النّفس انتهى قال أبو جعفرٍ النّحّاس في كتاب معاني القرآن له بعد أن ساق رواية عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ في تأويل الآية هذا من أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجلّه ثمّ أسند عن أحمد بن حنبلٍ قال بمصر صحيفةٌ في التّفسير رواها عليّ بن أبي طلحة لو رحل رجلٌ فيها إلى مصر قاصدًا ما كان كثيرًا انتهى وهذه النّسخة كانت عند أبي صالحٍ كاتب اللّيث رواها عن معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاسٍ وهي عند البخاريّ عن أبي صالحٍ وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرًا على ما بيّنّاه في أماكنه وهي عند الطّبريّ وبن أبي حاتم وبن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالحٍ انتهى وعلى تأويل بن عبّاسٍ هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير وقد أخرجه بن أبي حاتم والطبري وبن المنذر من طرقٍ عن شعبة عن أبي بشرٍ عنه قال قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة والنّجم فلمّا بلغ أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثّالثة الأخرى ألقى الشّيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخيرٍ قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الآية وأخرجه البزّار وبن مردويه من طريق أميّة بن خالدٍ عن شعبة فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن بن عبّاسٍ فيما أحسب ثمّ ساق الحديث وقال البزّار لا يروى متّصلًا إلّا بهذا الإسناد تفرّد بوصله أميّة بن خالدٍ وهو ثقةٌ مشهورٌ قال وإنّما يروى هذا من طريق الكلبيّ عن أبي صالحٍ عن بن عبّاسٍ انتهى والكلبيّ متروكٌ ولا يعتمد عليه وكذا أخرجه النّحّاس بسندٍ آخر فيه الواقديّ وذكره بن إسحاق في السّيرة مطوّلًا وأسندها عن محمّد بن كعبٍ وكذلك موسى بن عقبة في المغازي عن بن شهابٍ الزّهريّ وكذا ذكره أبو معشرٍ في السّيرة له عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ ومحمّد بن قيسٍ وأورده من طريقه الطّبريّ وأورده بن أبي حاتمٍ من طريق أسباطٍ عن السّدّيّ ورواه بن مردويه من طريق عبّاد بن صهيبٍ عن يحيى بن كثيرٍ عن الكلبيّ عن أبي صالحٍ وعن أبي بكرٍ الهذليّ وأيّوب عن عكرمة وسليمان التّيميّ عمّن حدّثه ثلاثتهم عن بن عبّاسٍ وأوردها الطّبريّ أيضًا من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ ومعناهم كلّهم في ذلك واحدٌ وكلّها سوى طريق سعيد بن جبيرٍ إمّا ضعيفٌ وإلّا منقطعٌ لكن كثرة الطّرق تدلّ على أنّ للقصّة أصلًا مع أنّ لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصّحيحين أحدهما ما أخرجه الطّبريّ من طريق يونس بن يزيد عن بن شهابٍ حدّثني أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث بن هشامٍ فذكر نحوه والثّاني ما أخرجه أيضًا من طريق المعتمر بن سليمان وحمّاد بن سلمة فرّقهما عن داود بن أبي هندٍ عن أبي العالية وقد تجرّأ أبو بكر بن العربيّ كعادته فقال ذكر الطّبريّ في ذلك رواياتٌ كثيرةٌ باطلةٌ لا أصل لها وهو إطلاقٌ مردودٌ عليه وكذا قول عياضٍ هذا الحديث لم يخرّجه أحدٌ من أهل الصّحّة ولا رواه ثقةٌ بسندٍ سليمٍ متّصلٍ مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده وكذا قوله ومن حملت عنه هذه القصّة من التّابعين والمفسّرين لم يسندها أحدٌ منهم ولا رفعها إلى صاحبٍ وأكثر الطّرق عنهم في ذلك ضعيفةٌ واهيةٌ قال وقد بيّن البزّار أنّه لا يعرف من طريقٍ يجوز ذكره إلّا طريق أبي بشرٍ عن سعيد بن جبيرٍ مع الشّكّ الّذي وقع في وصله وأمّا الكلبيّ فلا تجوز الرّواية عنه لقوّة ضعفه ثمّ ردّه من طريق النّظر بأنّ ذلك لو وقع لارتدّ كثيرٌ ممّن أسلم قال ولم ينقل ذلك انتهى وجميع ذلك لا يتمشّى على القواعد فإنّ الطّرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلّ ذلك على أنّ لها أصلًا وقد ذكرت أنّ ثلاثة أسانيد منها على شرط الصّحيح وهي مراسيل يحتجّ بمثلها من يحتجّ بالمرسل وكذا من لا يحتجّ به لاعتضاد بعضها ببعضٍ وإذا تقرّر ذلك تعيّن تأويل ما وقع فيها ممّا يستنكر وهو قوله ألقى الشّيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى فإنّ ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنّه يستحيل عليه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يزيد في القرآن عمدًا ما ليس منه وكذا سهوًا إذا كان مغايرًا لما جاء به من التّوحيد لمكان عصمته وقد سلك العلماء في ذلك مسالك فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنةٌ وهو لا يشعر فلمّا علم بذلك أحكم اللّه آياته وهذا أخرجه الطّبريّ عن قتادة وردّه عياضٌ بأنّه لا يصحّ لكونه لا يجوز على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك ولا ولايةٌ للشّيطان عليه في النّوم وقيل إنّ الشّيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره ورده بن العربيّ بقوله تعالى حكايةً عن الشّيطان وما كان لي عليكم من سلطان الآية قال فلو كان للشّيطان قوّةٌ على ذلك لما بقي لأحدٍ قوّةٌ في طاعةٍ وقيل إنّ المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك فعلّق ذلك بحفظه صلّى اللّه عليه وسلّم فجرى على لسانه لمّا ذكرهم سهوًا وقد ردّ ذلك عياضٌ فأجاد وقيل لعلّه قالها توبيخًا للكفّار قال عياضٌ وهذا جائزٌ إذا كانت هناك قرينةٌ تدلّ على المراد ولا سيّما وقد كان الكلام في ذلك الوقت في الصّلاة جائزًا وإلى هذا نحا الباقلّانيّ وقيل إنّه لمّا وصل إلى قوله ومناة الثّالثة الأخرى خشي المشركون أن يأتي بعدها بشيءٍ يذمّ آلهتهم به فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على عادتهم في قولهم لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه ونسب ذلك للشّيطان لكونه الحامل لهم على ذلك أو المراد بالشّيطان شيطان الإنس وقيل المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفّار يقولون الملائكة بنات اللّه ويعبدونها فسيق ذكر الكلّ ليردّ عليهم بقوله تعالى ألكم الذّكر وله الأنثى فلمّا سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا قد عظّم آلهتنا ورضوا بذلك فنسخ اللّه تلك الكلمتين وأحكم آياته وقيل كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يرتّل القرآن فارتصده الشّيطان في سكتةٍ من السّكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيًا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنّها من قوله وأشاعها قال وهذا أحسن الوجوه ويؤيّده ما تقدّم في صدر الكلام عن بن عبّاسٍ من تفسير تمنّى بتلا وكذا استحسن بن العربيّ هذا التّأويل وقال قبله إنّ هذه الآية نصٌّ في مذهبنا في براءة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ممّا نسب إليه قال ومعنى قوله في أمنيته أي في تلاوته فأخبر تعالى في هذه الآية أنّ سنّته في رسله إذا قالوا قولًا زاد الشّيطان فيه من قبل نفسه فهذا نصٌّ في أنّ الشّيطان زاده في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم لا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قاله قال وقد سبق إلى ذلك الطّبريّ لجلالة قدره وسعة علمه وشدّة ساعده في النّظر فصوّب على هذا المعنى وحوّم عليه تنبيهٌ هذه القصّة وقعت بمكّة قبل الهجرة اتّفاقًا فتمسّك بذلك من قال إنّ سورة الحجّ مكّيّةٌ لكن تعقّب بأنّ فيها أيضًا ما يدلّ على أنّها مدنيّةٌ كما في حديث على وأبي ذر في هذان خصمان فإنّها نزلت في أهل بدرٍ وكذا قوله أذن الّذين يقاتلون الآية وبعدها الّذين أخرجوا من ديارهم بغير حق فإنّها نزلت في الّذين هاجروا من مكّة إلى المدينة فالّذي يظهر أنّ أصلها مكّيٌّ ونزل منها آياتٌ بالمدينة ولها نظائر واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/438-440]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عيينة {المخبتين} 34 الحج المطمئنين
وقال ابن عبّاس في {إذا تمنى ألقى الشّيطان في أمنيته} 52 الحج إذا حدث ألقى الشّيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشّيطان ويحكم الله آياته
أما قول ابن عيينة فكذا رويناه في التّفسير ورواية سعيد بن عبد الرّحمن المخزومي عن ابن عيينة بالسند المتقدّم
وأما قول ابن عبّاس فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا أبو صالح عن معاوية عن علّي عن ابن عبّاس). [تغليق التعليق: 4/259-260]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عبّاس في: {إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} (الحج: 52) إذا حدّث ألقى الشّيطان في حديثه فيبطل الله ما يلقي الشّيطان ويحكم آياته.
أي: قال ابن عبّاس في قوله عز وجل: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنى ألقى الشّيطان في أمنيته} ... الآية، وهذا التّعليق رواه أبو محمّد الرّازيّ عن أبيه: حدثنا أبو صالح حدثني معاوية عن عليّ بن أبي طلحة عنه، وقد تكلم المفسّرون في هذه الآية أشياء كثيرة، والأحسن منها ما قاله أبو الحسن بن عليّ الطّبريّ: ليس هذا التّمنّي من القرآن والوحي في شيء وإنّما هو أن النّبي صلى الله عليه وسلم، كان إذا صفرت يده من المال ورأى ما بأصحابه من سوء الحال تمنى الدّنيا بقلبه ووسوسة الشّيطان، وأحسن من هذا أيضا ما قاله بعضهم: كان النّبي صلى الله عليه وسلم، يرتل القرآن فارتصده الشّيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكياً نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها. قلت: تلك الكلمات هي ما أخرجه ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس، قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكّة النّجم فلمّا بلغ: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثّالثة الأخرى} (النّجم: 19) ألقى الشّيطان على لسانه.
(تلك الغرانيق العلى ... وإن شفاعتهن لترتجى)
فقال المشركون: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا، فنزلت هذه الآية وروي هذا أيضا من طرق كثيرة، وقال ابن العربيّ: ذكر الطّبريّ في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وقال عياض: هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصّحّة ولا رواه ثقة بسند سليم متّصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وكذا من تكلم بهذه القصّة من التّابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحبه، وأكثر الطّرق عنهم في ذلك ضعيفة. وقال بعضهم: هذا الّذي ذكره ابن العربيّ وعياض لا يمضي على القواعد، فإن الطّرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دلّ ذلك على أن لها أصلا. انتهى.
قلت: الّذي ذكراه هو اللّائق بجلالة قدر النّبي صلى الله عليه وسلم فإنّه قد قامت الحجّة واجتمعت الأمة على عصمته صلى الله عليه وسلم ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، وحاشاه عن أن يجري على قلبه أو لسانه شيء من ذلك لا عمدا ولا سهوا. أو يكون للشّيطان عليه سبيل أو أن يتقول على الله عز وجل لا عمدا ولا سهوا. والنّظر والعرف أيضا يحيلان ذلك ولو وقع لارتد كثير ممّن أسلم، ولم ينقل ذلك ولا كان يخفى على من كان بحضرته من المسلمين. قوله: (من رسول ولا نبي) الرّسول هو الّذي يأتيه جبريل عليه الصّلاة والسّلام، بالوحي عيانًا وشفاهاً، والنّبيّ هو الّذي تكون نبوته إلهاماً أو كلاما، فكل رسول نبي بغير عكس. قوله: (إذا تمنى) أي: إذا أحب واشتهى، وحدثت به نفسه ممّا لم يؤمر به. قوله: (في أمنيته) ، أي: مراده، وقال ابن العربيّ: أي في قراءته، فأخبر الله تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشّيطان فيه من قبل نفسه، فهذا نص في أن الشّيطان زاده في قول النّبي صلى الله عليه وسلم لا أن النّبي صلى الله عليه وسلم قاله.
ويقال أمنيّته قراءته إلاّ أمانيّ يقرؤون ولا يكتبون
هو قول الفراء فإنّه قال: معنى قوله: (إلّا إذا تمنى) ، إلاّ إذا تلى قال الشّاعر:
(تمنى كتاب الله أول ليلة ... تمني داود الزبور على رسل)
قوله: (إلّا أماني) ، إشارة إلى قوله تعالى: {ومنهم أمّيّون لا يعلمون الكتاب إلّا أماني} (البقرة: 78) أورده استشهادًا بأن: تمنى، بمعنى تلا، لأن معنى قوله: إلّا أماني إلاّ ما يقرأون). [عمدة القاري: 19/66-67]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عباس): فيما وصله الطبري (في) قوله تعالى: ({إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}) [الحج: 52]. أي (إذا حدث) أي إذا تلا النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- شيئًا من الآيات المنزلة عليه من الله (ألقى الشيطان في حديثه) في تلاوته عند سكتة من السكتات بمثل نغمة ذلك النبي ما يوافق رأي أهل الشرك من الباطل فيسمعونه فيتوهمون أنه مما تلاه النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو منزه عنه لا يخلط حقًّا بباطل حاشاه الله من ذلك (فيبطل الله ما يلقي) ولأبي ذر عن الكشميهني ما ألقى (الشيطان ويحكم آياته) أي يثبتها (ويقال) إن (أمنيته) هي (قراءته) وفي اليونينية أمنيته قراءته بالرفع فيهما وفي بعض الأصول وكثير من النسخ أمنيته قراءته بجرهما على ما لا يخفى.
({إلا أماني}) بالبقرة أي (يقرؤون ولا يكتبون) وهذا أورده المؤلّف -رحمه الله- استشهادًا على أن تمنى في قوله تعالى في هذه السورة {إلا إذا تمنى} بمعنى قرأ وهو خلاف ما فسره به صاحب الأنوار حيث قال: إذا تمنى إذا زوّر في نفسه ما يهواه ألقى الشيطان في أمنيته في نشهيه ما يوجب اشتغاله بالدنيا كما قال عليه السلام: إنه ليغان على قلبي فاستغفر الله في اليوم سبعين مرة فينسخ الله ما يلقى الشيطان فيبطله الله ويذهب به بعصمته عن الركون إليه والإرشاد إلى ما يزيحه ثم يحكم الله آياته ثم يثبت آياته الداعية إلى الاستغراق في أمر الآخرة قيل إنه حدّث نفسه يعني النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- بزوال المسكنة فنزلت انتهى.
والحامل له على هذا التفسير كغيره ما في ظاهر هذه القصة من البشاعة وقد رواها ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- بمكة النجم فلما بلغ: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} [النجم: 19، 20] ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلا وأن شفاعتهن لترتجى. فقال المشركون ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا فنزلت هذه الآية. ورواها البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فيما أحسب ثم ساق الحديث، وقال البزار: لا يروى متصلًا إلا بهذا الإسناد تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور قال: وإنما يروى هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى.
والكلبي متروك لا يعتمد عليه، ورواها أيضًا ابن إسحاق في سيرته وموسى بن عقبة في مغازيه وأبو معشر في آخرين وكلها مراسيل وقد طعن فيها غير واحد من الأئمة حتى قال ابن إسحاق: وقد سئل عنها هي من وضع الزنادقة وقال البيهقي غير ثابتة نقلًا ورواتها مطعونون، وأطنب القاضي عياض في الشفاء في توهين أصلها فشفى وكفى إذ سدّ هذا الباب هو الصواب، وأربح للثواب، وإن كانت كثرة الطرق تدل على أن لها أصلًا لا سيما وقد رواها الطبري من طريقين مرسلين رجالهما على شرط الصحيح. أولهما: طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر نحوه، وثانيهما: طريق المعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي العالية وكذا طريق سعيد بن جبير السابقة وحينئذ فردّها لا يتمشى على القواعد الحديثية بل ينبغي أن يحتج بهذه الثلاثة من يحتج بالمرسل ومن لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض كما قرره شيخ الصنعة وإمامها الحافظ أبو الفضل بن حجر.
وإذا سلمنا أن لها أصلًا وجب تأويلها وأحسن ما قيل في ذلك أن الشيطان نطق بتلك الكلمات أثناء قراءة النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- عند سكتة من السكتات محاكيًا نغمته فسمعها القريب منه فظها من قوله وأشاعها.
وفي كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية زيادات على ما ذكرته هنا، وقد قال مجاهد أنه عليه السلام كان يتمنى إنزال الوحي عليه بسرعة دون تأخير فنسخ الله ذلك بأن عرّفه أن إنزال ذلك بحسب المصالح في الحوارث والنوازل، وقيل إنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- كان يتفكّر عند نزول الوحي في تأويله إذا كان مجملًا فيلقي الشيطان في جملته ما لم يرده فبين تعالى أنه ينسخ ذلك بالإبطال ويحكم ما أراد بأدلته وآياته، وقيل إذا تمنى أي إذا أراد فعلًا مقربًا إلى الله ألقى الشيطان في فكره ما يخالفه فرجع إلى الله في ذلك وهو كقوله: {وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله} [الأعراف: 200] لكن قال بعضهم لا يجوز حمل الأمنية على تمني القلب لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر بباله عليه السلام فتنة للكفار وذلك يبطله قوله تعالى: {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} [الحج: 53]. وأجيب: بأنه لا يبعد أنه إذا قوي التمني يشتغل الخاطر فيحصل السهو في الأفعال الظاهرة بسببه فيصير ذلك فتنة لهم). [إرشاد الساري: 7/242-243]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ}.
قيل: إنّ السّبب الّذي من أجله أنزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ الشّيطان كان ألقى على لسانه في بعض ما يتلوه ممّا أنزل اللّه عليه من القرآن ما لم ينزله اللّه عليه، فاشتدّ ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واغتمّ به، فسلاّه اللّه ممّا به من ذلك بهذه الآيات.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، ومحمّد بن قيسٍ، قالا: " جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في نادٍ من أندية قريشٍ كثيرٍ أهله، فتمنّى يومئذٍ أن لا يأتيه من اللّه شيءٌ فينفروا عنه، فأنزل اللّه عليه: {والنّجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى}، فقرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، حتّى إذا بلغ: {أفرأيتم اللاّت والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى} ألقى عليه الشّيطان كلمتين: " تلك الغرانقة العلى، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى "، فتكلّم بها. ثمّ مضى فقرأ السّورة كلّها. فسجد في آخر السّورة، وسجد القوم جميعًا معه، ورفع الوليد بن المغيرة ترابًا إلى جبهته فسجد عليه، وكان شيخًا كبيرًا لا يقدر على السّجود. فرضوا بما تكلّم به، وقالوا: قد عرفنا أنّ اللّه يحيي ويميت، وهو الّذي يخلق ويرزق، ولكنّ آلهتنا هذه تشفع لنا عنده، إذ جعلت لها نصيبًا، فنحن معك قالا: فلمّا أمسى أتاه جبرائيل عليهما السّلام، فعرض عليه السّورة؛ فلمّا بلغ الكلمتين اللّتين ألقى الشّيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: افتريت على اللّه وقلت على اللّه ما لم يقل: " فأوحى اللّه إليه: {وإن كادوا ليفتنونك عن الّذي أوحينا إليك، لتفتري علينا غيره}. إلى قوله: {ثمّ لا تجد لك علينا نصيرًا}.
فما زال مغمومًا مهمومًا حتّى نزلت: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ}. قال: فسمع من كان من المهاجرين بأرض الحبشة أنّ أهل مكّة قد أسلموا كلّهم، فرجعوا إلى عشائرهم وقالوا: هم أحبّ إلينا فوجدوا القوم قد ارتكسوا حين نسخ اللّه ما ألقى الشّيطان ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن يزيد بن زيادٍ المدنيّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، قال: " لمّا رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تولّي قومه عنه، وشقّ عليه ما يرى من مباعدتهم ما جاءهم به من عند اللّه، تمنّى في نفسه أن يأتيه من اللّه ما يقارب به بينه وبين قومه. وكان يسرّه، مع حبّه وحرصه عليهم، أن يلين له بعض ما غلظ عليه من أمرهم، حين حدّث بذلك نفسه وتمنّى وأحبّه، فأنزل اللّه: {والنّجم إذا هوى ما ضلّ صاحبكم وما غوى} فلمّا انتهى إلى قول اللّه: {أفرأيتم اللاّت والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى}، ألقى الشّيطان على لسانه، لمّا كان يحدّث به نفسه ويتمنّى أن يأتي به قومه: " تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنّ ترتضى ". فلمّا سمعت قريشٌ ذلك فرحوا وسرّهم، وأعجبهم ما ذكر به آلهتهم، فأصاخوا له، والمؤمنون مصدّقون نبيّهم فيما جاءهم به عن ربّهم، ولا يتّهمونه على خطإٍ، ولا وهمٍ ولا زللٍ. فلمّا انتهى إلى السّجدة منها وختم السّورة، سجد فيها. فسجد المسلمون بسجود نبيّهم، تصديقًا لما جاء به واتّباعًا لأمره، وسجد من في المسجد من المشركين من قريشٍ وغيرهم لما سمعوا من ذكر آلهتهم، فلم يبق في المسجد مؤمنٌ ولا كافرٌ إلاّ سجد إلاّ الوليد بن المغيرة، فإنّه كان شيخًا كبيرًا فلم يستطع، فأخذ بيده حفنةً من البطحاء فسجد عليها. ثمّ تفرّق النّاس من المسجد، وخرجت قريشٌ وقد سرّهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم، يقولون: قد ذكر محمّدٌ آلهتنا بأحسن الذّكر، وقد زعم فيما يتلو أنّها الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهنّ ترتضى وبلغت السّجدة من بأرض الحبشة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقيل: أسلمت قريشٌ. فنهضت منهم رجالٌ، وتخلّف آخرون. وأتى جبرائيل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: يا محمّد، ماذا صنعت؟ لقد تلوت على النّاس ما لم آتك به عن اللّه، وقلت ما لم يقل لك فحزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عند ذلك، وخاف من اللّه خوفًا كثيرًا، فأنزل اللّه تبارك وتعالى عليه وكان به رحيمًا يعزّيه ويخفّض عليه الأمر، ويخبره أنّه لم يكن قبله رسولٌ ولا نبيّ تمنّى كما تمنّى ولا أحبّ كما أحبّ إلاّ والشّيطان قد ألقى في أمنيّته كما ألقى على لسانه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنسخ اللّه ما ألقى الشّيطان، وأحكم آياته، أي: فأنت كبعض الأنبياء والرّسل؛ فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته}. الآية. فأذهب اللّه عن نبيّه الحزن، وأمّنه من الّذي كان يخاف، ونسخ ما ألقى الشّيطان على لسانه من ذكر آلهتهم أنّها الغرانيق العلى وأنّ شفاعتهنّ ترتضى. يقول اللّه حين ذكر اللاّت والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى، إلى قوله: {وكم من ملكٍ في السّموات لا تغني شفاعتهم شيئًا إلاّ من بعد أن يأذن اللّه لمن يشاء ويرضى} أي: فكيف تمنع شفاعة آلهتكم عنده. فلمّا جاءه من اللّه ما نسخ ما كان الشّيطان ألقى على لسان نبيّه قالت قريشٌ: ندم محمّدٌ على ما كان من منزلة آلهتكم عند اللّه، فغيّر ذلك وجاء بغيره وكان ذانك الحرفان اللّذان ألقى الشّيطان على لسان رسوله قد وقعا في فم كلّ مشركٍ، فازدادوا شرًّا إلى ما كانوا عليه ".
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، قال: سمعت داود، عن أبي العالية، قال: " قالت قريشٌ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما جلساؤك عبد بني فلانٍ، ومولى بني فلانٍ، فلو ذكرت آلهتنا بشيءٍ جالسناك، فإنّه يأتيك أشراف العرب، فإذا رأوا جلساءك أشراف قومك كان أرغب لهم فيك قال: فألقى الشّيطان في أمنيّته، فنزلت هذه الآية: {أفرأيتم اللاّت والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى}، قال: فأجرى الشّيطان على لسانه. " تلك الغرانيق العلى، وشفاعتهنّ ترجى، مثلهنّ لا ينسى ". قال: فسجد النّبيّ حين قرأها، وسجد معه المسلمون والمشركون. فلمّا علم الّذي أجري على لسانه، كبر ذلك عليه، فأنزل اللّه. {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته}. إلى قوله: {واللّه عليمٌ حكيمٌ} ".
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا أبو الوليد قال: حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن داود بن أبي هندٍ، عن أبي العالية قال: " قالت قريشٌ: يا محمّد، إنّما يجالسك الفقراء والمساكين وضعفاء النّاس، فلو ذكرت آلهتنا بخيرٍ لجالسناك فإنّ النّاس يأتونك من الآفاق فقرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورة النّجم؛ فلمّا أتى على هذه الآية {أفرأيتم اللاّت والعزّى ومنّاة الثّالثة الأخرى}، فألقى الشّيطان على لسانه: " وهي الغرانقة العلى، وشفاعتهنّ ترتجى ". فلمّا فرغ منها سجد رسول اللّه والمسلمون والمشركون، إلاّ أبا أحيحة سعيد بن العاص، أخذ كفًّا من ترابٍ وسجد عليه؛ وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخيرٍ، حتّى بلغ الّذين بالحبشة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من المسلمين أنّ قريشًا قد أسلمت، فاشتدّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما ألقى الشّيطان على لسانه، فأنزل اللّه. {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} إلى آخر الآية ".
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: " لمّا نزلت هذه الآية: {أفرأيتم اللاّت والعزّى} قرأها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: " تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى ". فسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال المشركون: إنّه لم يذكر آلهتكم قبل اليوم بخيرٍ فسجد المشركون معه، فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته}. إلى قوله: {عذاب يومٍ عقيمٍ} ".
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثني عبد الصّمد قال: حدّثنا شعبة قال: حدّثنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قال: لمّا نزلت: {أفرأيتم اللاّت والعزّى}، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} إلى قوله: {واللّه عليمٌ حكيمٌ} " وذلك أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بينما هو يصلّي، إذ نزلت عليه قصّة آلهة العرب، فجعل يتلوها؛ فسمعه المشركون فقالوا: إنّا نسمعه يذكر آلهتنا بخيرٍ فدنوا منه، فبينما هو يتلوها وهو يقول: {أفرأيتم اللاّت والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى} ألقى الشّيطان: " إنّ تلك الغرانيق العلى، منها الشّفاعة ترتجى ". فعلق يتلوها، فنزل جبرائيل عليه السّلام فنسخها، ثمّ قال له: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته}. إلى قوله: {واللّه عليمٌ حكيمٌ} ".
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ} الآية؛ " أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بمكّة، أنزل اللّه عليه في آلهة العرب، فجعل يتلو اللاّت والعزّى، ويكثر ترديدها. فسمع أهل مكّة نبيّ اللّه يذكر آلهتهم، ففرحوا بذلك، ودنوا يستمعون، فألقى الشّيطان في تلاوة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " تلك الغرانيق العلى، منها الشّفاعة ترتجى ". فقرأها النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كذلك، فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ}. إلى: {واللّه عليمٌ حكيمٌ} ".
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهابٍ، " أنّه سئل عن قوله: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ}. الآية، قال ابن شهابٍ: حدّثني أبو بكر بن عبد الرّحمن بن الحارث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو بمكّة قرأ عليهم: {والنّجم إذا هوى}، فلمّا بلغ: {أفرأيتم اللاّت والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى} قال: " إنّ شفاعتهنّ ترتجى ". وسها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فلقيه المشركون الّذين في قلوبهم مرضٌ، فسلّموا عليه، وفرحوا بذلك، فقال لهم: " إنّما ذلك من الشّيطان ". فأنزل اللّه: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ}. حتّى بلغ: {فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان} ".
فتأويل الكلام: ولم يرسل يا محمّد من قبلك من رسولٍ إلى أمّةٍ من الأمم ولا نبيٍّ محدّثٍ ليس بمرسلٍ، إلاّ إذا تمنّى.
واختلف أهل التّأويل في معنى قوله {تمنّى} في هذا الموضع، وقد ذكرت قول جماعةٍ ممّن قال: ذلك التّمنّي من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ما حدّثته نفسه من محبّته مقاربة قومه في ذكر آلهتهم ببعض ما يحبّون، ومن قال: ذلك محبّةٌ منه في بعض الأحوال أن لا تذكر بسوءٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: إذا قرأ وتلا أو حدّث.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته} يقول: " إذا حدّث ألقى الشّيطان في حديثه ".
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {إذا تمنّى} قال: " إذا قال ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {إلاّ إذا تمنّى} " يعني بالتّمنّي: التّلاوة والقراءة ".
وهذا القول أشبه بتأويل الكلام، بدلالة قوله: {فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته} على ذلك؛ لأنّ الآيات الّتي أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّه يحكمها، لا شكّ أنّها آيات تنزيله، فمعلومٌ أنّ الّذي ألقى فيه الشّيطان هو ما أخبر اللّه تعالى ذكره أنّه نسخ ذلك منه وأبطله ثمّ أحكمه بنسخه ذلك منه.
فتأويل الكلام إذن: وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلاّ إذا تلا كتاب اللّه، وقرأ، أو حدّث وتكلّم، ألقى الشّيطان في كتاب اللّه الّذي تلاه وقرأه أو في حديثه الّذي حدّث وتكلّم. يقول تعالى: فيذهب اللّه ما يلقي الشّيطان من ذلك على لسان نبيّه ويبطله.
- كما: حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان} " فيبطل اللّه ما ألقى الشّيطان ".
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان} " نسخ جبريل بأمر اللّه ما ألقى الشّيطان على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأحكم اللّه آياته ".
وقوله: {ثمّ يحكم اللّه آياته} يقول: ثمّ يخلّص اللّه آيات كتابه من الباطل الّذي ألقى الشّيطان على لسان نبيّه. {واللّه عليمٌ} بما يحدث في خلقه من حدثٍ، لا يخفى عليه منه شيءٌ. {حكيمٌ} في تدبيره إيّاهم وصرفه لهم فيما شاء وأحبّ). [جامع البيان: 16/602-611]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد إذا تمنى قال يعني إذا قال). [تفسير مجاهد: 427]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى} [الحج: 52].
- عن عروة - يعني ابن الزّبير - «في تسمية الّذين خرجوا إلى أرض الحبشة المرّة الأولى قبل خروج جعفرٍ وأصحابه: عثمان بن مظعونٍ وعثمان بن عفّان ومعه امرأته رقيّة بنت رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم -، وعبد اللّه بن مسعودٍ وعبد الرّحمن بن عوفٍ وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ومعه امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرٍو وولدت له بأرض الحبشة محمّد بن أبي حذيفة، والزّبير بن العوّام ومصعب بن عميرٍ أحد بني عبد الدّار وعامر بن ربيعة وأبو سلمة ابن عبد الأسد وامرأته أمّ سلمة، وأبو سبرة بن أبي رهمٍ ومعه أمّ كلثومٍ بنت سهيل بن عمرٍو، وسهيل بن بيضاء قال: ثمّ رجع هؤلاء الّذين ذهبوا المرّة الأولى قبل جعفر بن أبي طالبٍ وأصحابه حين أنزل اللّه السّورة الّتي يذكر فيها {والنّجم إذا هوى} [النجم: 1] فقال المشركون: لو كان هذا الرّجل يذكر آلهتنا بخيرٍ أقررناه وأصحابه فإنّه لا يذكر أحدًا ممّن خالف دينه من اليهود والنّصارى بمثل الّذي يذكر به آلهتنا من الشّتم والشّرّ. فلمّا أنزل اللّه السّورة الّتي يذكر فيها والنّجم وقرأ أفرأيتم اللّات والعزّى ومناة الثّالثة الأخرى ألقى الشّيطان فيها عند ذلك ذكر الطّواغيت، فقال: وإنّهم من الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهم لترتجى، وذلك من سجع الشّيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كلّ مشركٍ، وذلّت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا: إنّ محمّدًا قد رجع إلى دينه الأوّل ودين قومه. فلمّا بلغ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - آخر السّورة الّتي فيها النّجم سجد وسجد معه كلّ من حضره من مسلمٍ ومشركٍ، غير أنّ الوليد بن المغيرة كان رجلًا كبيرًا فرفع ملء كفّه ترابًا فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السّجود لسجود رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم. فأمّا المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمانٍ ولا يقينٍ، ولم يكن المسلمون سمعوا الّذي ألقى الشّيطان على ألسنة المشركين، وأمّا المشركون فاطمأنّت أنفسهم إلى النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - وحدّثهم الشّيطان أنّ النّبيّ - صلّى اللّه عليه وسلّم - قد قرأها في السّجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم. ففشت تلك الكلمة في النّاس، وأظهرها الشّيطان حتّى بلغت الحبشة. فلمّا سمع عثمان بن مظعونٍ وعبد اللّه بن مسعودٍ ومن كان معهم من أهل مكّة أنّ النّاس أسلموا وصاروا مع رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة على التّراب على كفّه، أقبلوا سراعًا، فكبر ذلك على رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم. فلمّا أمسى أتاه جبريل - عليه السّلام - فشكا إليه، فأمره فقرأ عليه، فلمّا بلغها تبرّأ منها جبريل وقال: معاذ اللّه من هاتين، ما أنزلهما ربّي، ولا أمرني بهما ربّك. فلمّا رأى ذلك رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - شقّ عليه وقال: " أطعت الشّيطان وتكلّمت بكلامه وشركني في أمر اللّه ". فنسخ اللّه ما يلقي الشّيطان وأنزل عليه {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان ثمّ يحكم اللّه آياته واللّه عليمٌ حكيمٌ - ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم وإنّ الظّالمين لفي شقاقٍ بعيدٍ} [الحج: 52 - 53] فلمّا برّأه اللّه - عزّ وجلّ - من سجع الشّيطان وفتنته انقلب المشركون بضلالهم» وعداوتهم. فذكر الحديث، وقد تقدّم في الهجرة إلى الحبشة.
رواه الطّبرانيّ مرسلًا، وفيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة). [مجمع الزوائد: 7/70-72]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم * ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد * وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخيت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم * ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم * الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين.
أخرج عبد بن حميد، وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس رضي الله عنه يقرأ (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي ولا محدث) ). [الدر المنثور: 10/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: إن فيما أنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} ولا محدث فنسخت محدث والمحدثون: صاحب يس ولقمان وهو من آل فرعون وصاحب موسى). [الدر المنثور: 10/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: النّبيّ وحده الذي يكلم وينزل عليه ولا يرسل). [الدر المنثور: 10/509]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد من طريق السدي عن أبي صالح قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال المشركون: إن ذكر آلهتنا بخير ذكرنا آلهته بخير ف {ألقى الشيطان في أمنيته} {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} النجم آية 19 إنهن لفي الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى، قال: فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته}، فقال ابن عباس: إن أمنيته أن يسلم قومه). [الدر المنثور: 10/509-510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البزار والطبراني، وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا فجاءه جبريل فقال: اقرأ علي ما جئتك به فقرأ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى، فقال: ما أتيتك بهذا هذا من الشيطان، فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى} إلى آخر الآية). [الدر المنثور: 10/510]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة النجم فلما بلغ هذا الموضع {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان على لسانه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، قالوا: ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم فسجد وسجدوا ثم جاءه جبريل بعد ذلك قال: اعرض علي ما جئتك به، فلما بلغ: تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى، قال له جبريل: لم آتك بهذا هذا من الشيطان فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} ). [الدر المنثور: 10/510-511]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس: أن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بينما هو يصلي إذ نزلت عليه قصة آلهة العرب فجعل يتلوها فسمعه المشركون فقالوا: إنا نسمعه يذكر آلهتنا بخير فدنوا منه فبينما هو يتلوها وهو يقول: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان: إن تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى، فعلق يتلوها فنزل جبريل فنسخها ثم قال: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} إلى قوله {حكيم} ). [الدر المنثور: 10/511]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس ومن طريق أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه ومن طريق سليمان التيمي عمن حدثه عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النجم وهو بمكة فأتى على هذه الآية {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فألقى الشيطان على لسانه: إنهن الغرانيق العلى، فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك} ). [الدر المنثور: 10/511-512]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير من طريق يونس عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قرأ سورة النجم فلما بلغ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} قال: إن شفاعتهن ترتجى وسها رسول الله صلى الله عليه وسلم - ففرح المشركون بذلك فقال: إلا إنما كان ذلك من الشيطان فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} حتى بلغ {عذاب يوم عقيم} مرسل صحيح الإسناد). [الدر المنثور: 10/512]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون: لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقرنناه وأصحابه ولكن لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنته ضلالتهم فكان يتمنى كف أذاهم فلما أنزل الله سورة النجم قال: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} ألقى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الطواغيت فقال: وأنهن لهن الغرانيق العلى وان شفاعتهن لهي التي ترتجى، فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنه فوقعت هاتان الكلمتان في قلب مشرك بمكة وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا: إن محمد قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة، فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي}، فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم للمسلمين واشتدوا عليه، وأخرجه البيهقي في الدلائل عن موسى بن عقبة ولم يذكر ابن شهاب.
وأخرج الطبراني عن عروة مثله سواء). [الدر المنثور: 10/512-513]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس قالا: جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ناد من أندية قريش كثير أهله فتمنى يومئذ أن لا يأتيه من الله شيء فيتفرقون عنه، فأنزل الله عليه (والنجم إذا هوى) (النجم آية 1) فقرأها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى بلغ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} النجم آية 19، ألقى الشيطان كلمتين: تلك الغرانيق العلى وان شفاعتهن لترتجى، فتكلم بها ثم مضى فقرأ السورة كلها ثم سجد في آخر السورة وسجد القوم جميعا معه ورضوا بما تكلم به فلما أمسى أتاه جبريل فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين اللتين ألقى الشيطان عليه قال: ما جئتك بهاتين الكلمتين، فقال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - افتريت على الله وقلت ما لم يقل، فأوحى الله إليه {وإن كادوا ليفتنونك} إلى قوله (نصيرا) (الإسراء آية 73 - 75) فما زال مغموما مهموما من شأن الكلمتين حتى نزلت {وما أرسلنا من قبلك}، فسري عنه وطابت نفسه). [الدر المنثور: 10/513-514]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن الضحاك: إن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو بمكة أنزل عليه في آلهة العرب فجعل يتلو اللات والعزى ويكثر ترديدها فسمعه أهل مكة وهو يذكر آلهتهم ففرحوا بذلك ودنوا يسمعون فألقى الشيطان في تلاوته: تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجى فقرأها النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - كذلك فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك} إلى قوله {حكيم} ). [الدر المنثور: 10/514]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم بسند صحيح عن أبي العالية قال: قال المشركون لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو ذكرت آلهتنا في قولك قعدنا معك فانه ليس معك إلا أراذل الناس وضعفاؤهم فكانوا إذا رأونا عندك تحدث الناس بذلك فأتوك، فقام يصلي فقرأ {والنجم} حتى بلغ {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} تلك الغرانيق العلى وشفاعتهن ترتجى ومثلهن لا ينسى فلما فرغ من ختم السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون، فبلغ الحبشة: ان الناس قد أسلموا فشق ذلك على النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك} إلى قوله {عذاب يوم عقيم} ). [الدر المنثور: 10/514-515]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: نزلت سورة النجم بمكة فقالت قريش: يا محمد إنه يجالسك الفقراء والمساكين ويأتيك الناس من أقطار الأرض فإن ذكرت آلهتنا بخير جالسناك فقرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سورة {النجم} فلما أتى على هذه الآية {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} النجم آية 19 ألقى الشيطان على لسانه: وهي الغرانيق العلى شفاعتهن ترتجى، فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص فانه أخذ كفا من تراب فسجد عليها وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة: إن قريشا قد أسلمت فأرادوا أن يقبلوا واشتد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى أصحابه ما ألقى الشيطان على لسانه فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي} ). [الدر المنثور: 10/515]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي عند المقام إذ نعس فألقى الشيطان على لسانه كلمة فتكلم بها وتعلق بها المشركون عليه فقال {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فألقى الشيطان على لسانه ونعس وان شفاعتهم لترتجى وإنها لمع الغرانيق العلى فحفظها المشركون وأخبرهم الشيطان: إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قد قرأها فذلت بها ألسنتهم فأنزل الله {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي}، فدحر الله الشيطان ولقن نبيه حجته). [الدر المنثور: 10/515-516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم قرأ النجم فألقى الشيطان على فيه أحكم آياته). [الدر المنثور: 10/516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى} النجم آية 19 - 23 فألقى الشيطان على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك إذن في الغرانيق العلى تلك إذن شفاعة ترتجى ففزع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجزع فأوحى الله إليه {وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا} النجم آية 26 ثم أوحى إليه ففرج عنه {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} إلى قوله {حكيم} ). [الدر المنثور: 10/516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: خرج النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلى المسجد ليصلي فبينما هو يقرأ إذ قال: {أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} فألقى الشيطان على لسانه فقال: تلك الغرانقة العلى وان شفاعتهن ترتجى حتى إذا بلغ آخر السورة سجد وسجد أصحابه وسجد المشركون لذكره آلهتهم فلما رفع رأسه حملوه فاشتدوا به بين قطري مكة يقولون: نبي بني عبد مناف حتى إذا جاءه جبريل عرض عليه فقرأ ذينك الحرفين فقال جبريل معاذ الله أن أكون أقرأتك هذا فاشتد عليه فأنزل الله يطيب نفسه {وما أرسلنا من قبلك} ). [الدر المنثور: 10/516-517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} يقول: إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه). [الدر المنثور: 10/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله {إذا تمنى} يعني بالتمني التلاوة والقراءة {ألقى الشيطان في أمنيته} في تلاوة النّبيّ {فينسخ الله} ينسخ جبريل بأمر الله {ما يلقي الشيطان} على لسان النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -). [الدر المنثور: 10/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد {إذا تمنى} قال: تكلم في أمنيته قال: كلامه). [الدر المنثور: 10/517]
تفسير قوله تعالى: (لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (53) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال لما ألقى الشيطان ما ألقى قال المشركون قد ذكر الله آلهتكم بخير ففرحوا بذلك فذلك قوله ليجعل ما يلقى الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض
معمر عن قتادة في قوله عذاب يوم عقيم قال هذا يوم بدر ذكره عن أبي بن كعب). [تفسير عبد الرزاق: 2/40-41]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم وإنّ الظّالمين لفي شقاقٍ بعيدٍ}.
يقول تعالى ذكره: فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان، ثمّ يحكم اللّه آياته، كي يجعل ما يلقي الشّيطان في أمنيّة نبيّه من الباطل، كقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى ". {فتنةً} يقول: اختبارًا يختبر به الّذين في قلوبهم مرضٌ من النّفاق؛ وذلك الشّكّ في صدق رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وحقيقة ما يخبرهم به.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: " أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم كان يتمنّى أن لا يعيب اللّه آلهة المشركين، فألقى الشّيطان في أمنيّته، فقال: " إنّ الآلهة الّتي تدّعي أنّ شفاعتها لترتجى وإنّها للغرانيق العلى ". فنسخ اللّه ذلك، وأحكم اللّه آياته: {أفرأيتم اللاّت والعزّى} حتّى بلغ: {من سلطانٍ} قال قتادة: لمّا ألقى الشّيطان ما ألقى قال المشركون: قد ذكر اللّه آلهتكم بخيرٍ ففرحوا بذلك، فذلك قوله: {ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم مرضٌ} ".
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، بنحوه.
حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ليجعل ما يلقي الشّيطان فتنةً للّذين في قلوبهم مرضٌ} قال: المنافقون.
وقوله: {والقاسية قلوبهم} يقول: " وللّذين قست قلوبهم عن الإيمان باللّه، فلا تلين ولا ترعوي، وهم المشركون باللّه ".
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {والقاسية قلوبهم} قال: " المشركون ".
وقوله: {وإنّ الظّالمين لفي شقاقٍ بعيدٍ} يقول تعالى ذكره: وإنّ مشركي قومك يا محمّد لفي خلاف اللّه في أمره، بعيدٍ من الحقّ). [جامع البيان: 16/611-613]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} قال: المنافقون {والقاسية قلوبهم} يعني المشركين: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق} قال: القرآن {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} قال: من القرآن {عذاب يوم عقيم} قال: ليس معه ليلة). [الدر المنثور: 10/517-518]
تفسير قوله تعالى: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (54) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وليعلم الّذين أوتوا العلم أنّه الحقّ من ربّك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: وكي يعلم أهل العلم باللّه أنّ الّذي أنزله اللّه من آياته الّتي أحكمها لرسوله ونسخ ما ألقى الشّيطان فيه، أنّه الحقّ من عند ربّك يا محمّد {فيؤمنوا به} يقول: فيصدّقوا به. {فتخبت له قلوبهم} يقول: فتخضع للقرآن قلوبهم، وتذعن بالتّصديق به، والإقرار بما فيه. {وإنّ اللّه لهاد الّذين آمنوا إلى صراطٍ مستقيمٍ} وإنّ اللّه لمرشد الّذين آمنوا باللّه ورسوله إلى الحقّ القاصد، والحقّ الواضح، بنسخ ما ألقى الشّيطان في أمنيّة رسوله، فلا يضرّهم كيد الشّيطان وإلقاؤه الباطل على لسان نبيّهم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {وليعلم الّذين أوتوا العلم أنّه الحقّ من ربّك} قال: " يعني القرآن "). [جامع البيان: 16/613]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} قال: المنافقون {والقاسية قلوبهم} يعني المشركين: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق} قال: القرآن {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} قال: من القرآن {عذاب يوم عقيم} قال: ليس معه ليلة). [الدر المنثور: 10/517-518] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة قال بلغني أن أبي بن كعب كان يقول أربع آيات أنزلت في يوم بدر هذه إحداهن {يوم عقيم} يوم بدر واللزام القتل يوم بدر {البطشة الكبرى} يوم بدر {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون} يوم بدر). [تفسير عبد الرزاق: 2/41]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {عذاب يوم عقيم} يوم بدر [الآية: 55]). [تفسير الثوري: 215]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه حتّى تأتيهم السّاعة بغتةً أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: ولا يزال الّذين كفروا باللّه في شكٍّ.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في الهاء الّتي في قوله: {منه} من ذكر ما هي؟ فقال بعضهم: هي من ذكر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: " تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنّ لترتجى ".
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن أبي بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: " {ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه} من قوله: " تلك الغرانيق العلى، وإنّ شفاعتهنّ ترتجى ".
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه} قال: " ممّا جاء به إبليس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالةً ".
وقال آخرون: بل هي من ذكر سجود النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في النّجم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا عبد الصّمد، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا أبو بشرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ: {ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه} قال: " في مريةٍ من سجودك ".
وقال آخرون: بل هي من ذكر القرآن.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه} قال: " من القرآن ".
وأولى هذه الأقوال في ذلك بالصّواب، قول من قال: هي كنايةٌ من ذكر القرآن الّذي أحكم اللّه آياته؛ وذلك أنّ ذلك من ذكر قوله: {وليعلم الّذين أوتوا العلم أنّه الحقّ من ربّك} أقرب منه من ذكر قوله: {فينسخ اللّه ما يلقي الشّيطان} والهاء من قوله {أنّه} من ذكر القرآن، فإلحاق الهاء في قوله: {في مريةٍ منه} بالهاء من قوله: {أنّه الحقّ من ربّك} أولى من إلحاقها بـ ( ما ) الّتي في قوله {ما يلقي الشّيطان} مع بعد ما بينهما.
وقوله: {حتّى تأتيهم السّاعة} يقول: لا يزال هؤلاء الكفّار في شكٍّ من أمر هذا القرآن إلى أن تأتيهم السّاعة {بغتةً} وهي ساعة حشر النّاس لموقف الحساب بغتةً، يقول: فجأةً. {أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ}.
اختلف أهل التّأويل في هذا اليوم، أيّ يومٍ هو؟ فقال بعضهم: هو يوم القيامة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: حدّثنا شيخٌ من أهل خراسان من الأزد يكنى أبا ساسان قال: سألت الضّحّاك، عن قوله: {عذاب يومٍ عقيمٍ} قال: " عذاب يومٍ لا ليلة له ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة عن جابرٍ، عن عكرمة " أنّ يوم القيامة لا ليلة له ".
وقال آخرون: بل عني به يوم بدرٍ. وقالوا: إنّما قيل له يومٌ عقيمٌ، أنّهم لم ينظروا إلى اللّيل، فكان لهم عقيمًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ، قال: {عذاب يومٍ عقيمٍ} " يوم بدرٍ ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ} قال ابن جريجٍ: " يومٌ ليس فيه ليلةٌ، لم ينظروا إلى اللّيل. قال مجاهدٌ: عذاب يومٍ عظيمٍ ".
- قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا أبو تميلة، عن أبي حمزة عن جابرٍ قال: قال مجاهدٌ: " يوم بدرٍ ".
- حدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا الأعمش، عن رجلٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، في قوله: {عذاب يومٍ عقيمٍ} قال: " يوم بدرٍ ".
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة قوله: {عذاب يومٍ عقيمٍ} قال: هو " يوم بدرٍ " ذكره عن أبيّ بن كعبٍ ".
- حدّثنا الحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {عذاب يومٍ عقيمٍ} قال: " هو يوم بدرٍ عن أبيّ بن كعبٍ.
وهذا القول الثّاني أولى بتأويل الآية؛ لأنّه لا وجه لأن يقال: لا يزالون في مريةٍ منه حتّى تأتيهم السّاعة بغتةً، أو تأتيهم السّاعة؛ وذلك أنّ السّاعة هي يوم القيامة، فإن كان اليوم العقيم أيضًا هو يوم القيامة فإنّما معناه ما قلنا من تكرير ذكر السّاعة مرّتين باختلاف الألفاظ، وذلك ما لا معنى له. فإذ كان ذلك كذلك، فأولى التّأويلين به أصحّهما معنًى، وأشبههما بالمعروف في الخطاب، وهو ما ذكرنا في معناه.
فتأويل الكلام إذن: ولا يزال الّذين كفروا في مريةٍ منه، حتّى تأتيهم السّاعة بغتةً فيصيروا إلى العذاب العقيم، أو يأتيهم عذاب يومٍ عقيمٍ له، فلا ينظروا فيه إلى اللّيل، ولا يؤخّروا فيه إلى المساء، لكنّهم يقتلون قبل المساء). [جامع البيان: 16/614-618]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج {ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض} قال: المنافقون {والقاسية قلوبهم} يعني المشركين: {وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق} قال: القرآن {ولا يزال الذين كفروا في مرية منه} قال: من القرآن {عذاب يوم عقيم} قال: ليس معه ليلة). [الدر المنثور: 10/517-518] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في {مرية منه} قال: مما جاء به الخبيث إبليس لا يخرج من قلوبهم زادهم ضلالة). [الدر المنثور: 10/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: {عذاب يوم عقيم} قال: يوم بدر). [الدر المنثور: 10/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي بن كعب قال: أربع كن يوم بدر {أو يأتيهم عذاب يوم عقيم} ذاك يوم بدر {فسوف يكون لزاما} الفرقان آية 77 ذاك يوم بدر {يوم نبطش البطشة الكبرى} الدخان آية 16 ذاك يوم بدر {ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر} السجدة آية 21 ذاك يوم بدر). [الدر المنثور: 10/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير {عذاب يوم عقيم} قال: يوم بدر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله). [الدر المنثور: 10/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد عذاب {يوم عقيم} قال: يوم القيامة لا ليلة له.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن سعيد بن جبير مثله.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن الضحاك مثله). [الدر المنثور: 10/518-519]
تفسير قوله تعالى: (الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (56) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الملك يومئذٍ للّه يحكم بينهم فالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات في جنّات النّعيم (56) والّذين كفروا وكذّبوا بآياتنا فأولئك لهم عذابٌ مهينٌ}.
يقول تعالى ذكره: السّلطان والملك إذا جاءت السّاعة للّه وحده لا شريك له، ولا ينازعه يومئذٍ منازعٌ، وقد كان في الدّنيا ملوكٌ يدعون بهذا الاسم، ولا أحد يومئذٍ يدعى ملكًا سواه. {يحكم بينهم} يقول: يفصل بين خلقه المشركين به والمؤمنين. {فالّذين آمنوا} بهذا القرآن، وبمن أنزله، ومن جاء به، وعملوا بما فيه من حلاله، وحرامه، وحدوده وفرائضه {في جنّات النّعيم} يومئذٍ). [جامع البيان: 16/618]
تفسير قوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (57) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({والّذين كفروا} باللّه ورسوله، {وكذّبوا} بآيات كتابه وتنزيله، وقالوا: ليس ذلك من عند اللّه، إنّما هو إفكٌ افتراه محمّدٌ، وأعانه عليه قومٌ آخرون {فأولئك لهم عذابٌ مهينٌ}. يقول: فالّذين هذه صفتهم لهم عند اللّه يوم القيامة عذابٌ مهينٌ، يعني عذابٌ مذلٌّ في جهنّم). [جامع البيان: 16/618]