تفسير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ (8) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ومن النّاس من يجادل في اللّه بغير علمٍ ولا هدًى ولا كتابٍ منيرٍ}.
يقول تعالى ذكره: ومن النّاس من يخاصم في توحيد اللّه، وإفراده بالألوهة بغير علمٍ منه بما يخاصم به. {ولا هدًى} يقول: وبغير بيانٍ معه لما يقول ولا برهانٍ. {ولا كتابٍ منيرٍ} يقول: وبغير كتابٍ من اللّه أتاه لصحّة ما يقول. {منيرٍ} يقول ينير عن حجّته، وإنّما يقول ما يقول من الجهل ظنًّا منه وحسبانًا.
وذكر أنّه عني بهذه الآية والّتي بعدها النّضر بن الحارث من بني عبد الدّار). [جامع البيان: 16/468]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ومن الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير * ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق * ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد.
أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير} قال: يضاعف الشيء وهو واحد). [الدر المنثور: 10/410]
تفسير قوله تعالى: (ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ (9) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله ثاني عطفه يقول لاوي عنقه). [تفسير عبد الرزاق: 2/33]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :({ثاني عطفه} [الحج: 9] : «مستكبرٌ» ). [صحيح البخاري: 6/97]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله ثاني عطفه مستكبرٌ ثبت هذا للنّسفيّ وسقط للباقين وقد وصله بن المنذر من طريق عليّ بن أبي طلحة عن بن عبّاس في قوله ثاني عطفه قال مستكبرٌ في نفسه). [فتح الباري: 8/441]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل اللّه له في الدّنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق (9) ذلك بما قدّمت يداك وأنّ اللّه ليس بظلاّمٍ للعبيد}.
يقول تعالى ذكره: يجادل هذا الّذي يجادل في اللّه بغير علمٍ {ثاني عطفه}.
واختلف أهل التّأويل في المعنى الّذي من أجله وصف بأنّه يثني عطفه، وما المراد من وصفه إيّاه بذلك، فقال بعضهم: وصفه بذلك لتكبّره وتبختره. وذكر عن العرب أنّها تقول: جاءني فلانٌ ثاني عطفه: إذا جاء متبخترًا من الكبر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ثاني عطفه} يقول: " مستكبرًا في نفسه ".
وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا ورقبته.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ثاني عطفه} قال: " رقبته ".
- حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ثاني عطفه} قال: " لاو عنقه ".
- حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، مثله.
وقال آخرون: معنى ذلك أنّه يعرض عمّا يدعى إليه، فلا يسمع له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثاني عطفه} يقول: " يعرض عن ذكري ".
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ثاني عطفه ليضلّ عن سبيل اللّه،} قال: " لاويًا رأسه، معرضًا مولّيًا، لا يريد أن يسمع ما قيل له. وقرأ: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول اللّه لوّوا رءوسهم ورأيتهم يصدّون وهم مستكبرون}، {وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبرًا} ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ثاني عطفه} قال: " يعرض عن الحقّ ".
قال أبو جعفرٍ: وهذه الأقوال الثّلاثة متقاربات المعنى، وذلك أنّ من كان ذا استكبارٍ فمن شأنه الإعراض عمّا هو مستكبرٌ عنه، وليّ عنقه عنه، والإعراض.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه وصف هذا المخاصم في اللّه بغير علمٍ أنّه من كبره إذا دعي إلى اللّه أعرض عن داعيه، ولوى عنقه عنه، ولم يسمع ما يقال له استكبارًا.
وقوله: {ليضلّ عن سبيل اللّه} يقول تعالى ذكره: يجادل هذا المشرك في اللّه بغير علمٍ، معرضًا عن الحقّ استكبارًا، ليصدّ المؤمنين باللّه عن دينهم الّذي هداهم له، ويستزلّهم عنه {له في الدّنيا خزي} يقول جلّ ثناؤه: لهذا المجادل في اللّه بغير علمٍ في الدّنيا خزي، وهو القتل والذّلّ والمهانة بأيدي المؤمنين، فقتله اللّه بأيديهم يوم بدرٍ كما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {في الدّنيا خزي} قال: " قتل يوم بدرٍ ".
وقوله: {ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق} يقول تعالى ذكره: ونحرّقه يوم القيامة بالنّار). [جامع البيان: 16/468-471]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ثاني عطفه يعني رقبته). [تفسير مجاهد: 419]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ثاني عطفه} قال: هو المعرض من العظمة إنما ينظر في جانب واحد). [الدر المنثور: 10/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن زيد رضي الله عنه في قوله {ثاني عطفه} قال: لاوي رأسه معرضا موليا لا يريد أن يسمع ما قيل له). [الدر المنثور: 10/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ثاني عطفه} قال: لاوي عنقه). [الدر المنثور: 10/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله {ثاني عطفه} قال: يعرض عن الحق {له في الدنيا خزي} قال: قتل يوم بدر). [الدر المنثور: 10/411]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله {ثاني عطفه} أنزلت في النضر بن الحارث). [الدر المنثور: 10/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله {ثاني عطفه} قال: هو رجل من بني عبد الدار، قلت: شيبة قال: لا). [الدر المنثور: 10/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثاني عطفه} يقول: يعرض عن ذكري). [الدر المنثور: 10/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما {ثاني عطفه} قال: متكبرا في نفسه). [الدر المنثور: 10/412]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: بلغني أن أحدهم يحرق في اليوم سبعين ألف مرة). [الدر المنثور: 10/412]
تفسير قوله تعالى: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ذلك بما قدّمت يداك} يقول جلّ ثناؤه: ويقال له إذا أذيق عذاب النّار يوم القيامة: هذا العذاب الّذي نذيقكه اليوم بما قدّمت يداك في الدّنيا من الذّنوب والآثام، واكتسبته فيها من الإجرام. {وأنّ اللّه ليس بظلاّمٍ للعبيد}
يقول: وفعلنا ذلك لأنّ اللّه ليس بظلاّمٍ للعبيد فيعاقب بعض عبيده على جرمٍ وهو يعفو مثله عن آخر غيره، أو يحمل ذنب مذنبٍ على غير مذنبٍ فيعاقبه به، ويعفو عن صاحب الذّنب، ولكنّه لا يعاقب أحدًا إلاّ على جرمه، ولا يعذّب أحدًا على ذنبٍ يغفر مثله لآخر إلاّ بسببٍ استحقّ به منه مغفرته). [جامع البيان: 16/471-472]