تفسير قوله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({أمّتكم أمّةً واحدةً} [الأنبياء: 92] : " قال: دينكم دينٌ واحدٌ "). [صحيح البخاري: 6/96]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أمّتكم أمةً واحدةً دينكم دينٌ واحدٌ قال قتادة في هذه الآية ان هذه أمتكم قال دينكم أخرجه الطّبريّ وبن المنذر من طريقه). [فتح الباري: 8/436]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (أمّتكم أمّةً واحدةً قال دينكم دينٌ واحدٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} وفسّر الأمة بالدّين، وعن قتادة، قال: إن هذه أمتكم، أي: دينكم. قوله: قال: (دينكم) أي قال ابن عبّاس: وليس في بعض النّسخ: قال، ونصب: أمتكم، على القطع). [عمدة القاري: 19/63]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (أمتكم أمة واحدة قال): أي ابن عباس أي (دينكم دين واحد) وأصل الأمة الجماعة التي هي على مقصد واحد فجعلت الشريعة أمة لاجتماع أهلها على مقصد واحد). [إرشاد الساري: 7/241]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً وأنا ربّكم فاعبدون}.
يقول تعالى ذكره: إنّ هذه ملّتكم ملّةً واحدةً، وأنا ربّكم أيّها النّاس فاعبدون دون الآلهة والأوثان وسائر ما تعبدون من دوني.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أمّتكم أمّةً واحدةً} يقول: " دينكم دينٌ واحدٌ ".
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ، في قوله: {إنّ هذه أمّتكم أمّةً واحدةً} قال: " دينكم دينٌ واحدٌ ".
ونصبت الأمّة الثّانية على القطع، وبالنّصب قرأه جماعة قرّاء الأمصار، وهو الصّواب عندنا، لأنّ الأمّة الثّانية نكرةٌ، والأولى معرفةٌ، وإذ كان ذلك كذلك، وكان الخبر قبل مجيء النّكرة مستغنيًا عنها، كان وجه الكلام النّصب، هذا مع إجماع الحجّة من القرّاء عليه، وقد ذكر عن عبد اللّه بن أبي إسحاق رفع ذلك، أنّه قرأه: ( أمّةٌ واحدةٌ ) بنيّة تكرير الكلام، كأنّه أراد: إنّ هذه أمّتكم هذه أمّةٌ واحدةٌ). [جامع البيان: 16/392-393]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 92 - 95
أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إن هذه أمتكم أمة واحدة} قال: إن هذا دينكم دينا واحدا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد مثله). [الدر المنثور: 10/369-370]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة {إن هذه أمتكم أمة واحدة} أي دينكم دين واحد وربكم واحد والشريعة مختلفة). [الدر المنثور: 10/370]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميدعن الكلبي {إن هذه أمتكم أمة واحدة} قال: لسانكم لسان واحد). [الدر المنثور: 10/370]
تفسير قوله تعالى: (وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ (93) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({تقطّعوا أمرهم} [الأنبياء: 93] : «اختلفوا). [صحيح البخاري: 6/97]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله تقطّعوا أمرهم اختلفوا هو قول أبي عبيدة وزاد وتفرّقوا وروى الطّبريّ من طريق زيد بن أسلم مثله وزاد في الدّين). [فتح الباري: 8/437]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (تقطّعوا أمرهم اختلفوا
أشار به إلى قوله تعالى: {وتقطعوا أمرهم بينهم كل إلينا راجعون} (الأنبياء: 93) وفسره بقوله: اختلفوا، وكذا فسره أبو عبيدة، وزاد: وتفرّقوا، وفي التّفسير: أي اختلفوا في الدّين وصاروا فيه فرقا وأحزاباً، فقد قال عز وجل: {كل إلينا راجعون} فيجزيهم بأعمالهم، ويقال: اختلفوا فصاروا يهود ونصارى ومجوس ومشركين). [عمدة القاري: 19/64]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (تقطعوا أمرهم) أي (اختلفوا) أي في الدين فصاروا فرقًا أحزابًا والأصل وتقطعتم إلا أنه صرف إلى الغيبة على طريق الالتفات كأنه ينعى عليهم ما أفسدوه إلى آخرين ويقبح عندهم فعلهم ويقول لهم: ألا ترون إلى عظيم ما ارتكب هؤلاء في دين الله والمعنى اختلفوا في الذين فصاروا فرقًا وأحزابًا قاله في الكشاف). [إرشاد الساري: 7/241]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وتقطّعوا أمرهم بينهم كلٌّ إلينا راجعون}.
يقول تعالى ذكره: وتفرّق النّاس في دينهم الّذي أمرهم اللّه به، ودعاهم إليه، فصاروا فيه أحزابًا، فتهوّدت اليهود، وتنصّرت النّصارى، وعبدت الأوثان. ثمّ أخبر جلّ ثناؤه عمّا هم إليه صائرون، وأنّ مرجع جميع أهل الأديان إليه، متوعّدًا بذلك أهل الزّيغ منهم والضّلال، ومعلمهم أنّه لهم بالمرصاد، وأنّه مجازٍ جميعهم جزاءه المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله: {وتقطّعوا أمرهم بينهم} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وتقطّعوا أمرهم بينهم} قال: " تقطّعوا: اختلفوا في الدّين "). [جامع البيان: 16/393]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {وتقطعوا أمرهم بينهم} قال: {وتقطعوا} اختلفوا في الدين). [الدر المنثور: 10/370]
تفسير قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ (94) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فمن يعمل من الصّالحات وهو مؤمنٌ فلا كفران لسعيه وإنّا له كاتبون}.
يقول تعالى ذكره: فمن عمل من هؤلاء الّذين تفرّقوا في دينهم بما أمره اللّه به من العمل الصّالح، وأطاعه في أمره ونهيه، وهو مقرٌّ بوحدانيّة اللّه، مصدّقٌ بوعده ووعيده، متبرّئٌ من الأنداد والآلهة {فلا كفران لسعيه}. يقول: فإنّ اللّه يشكر عمله الّذي عمل له، مطيعًا له، وهو به مؤمنٌ، فيثيبه في الآخرة ثوابه الّذي وعد أهل طاعته أن يثيبهموه، ولا يكفر ذلك له، فيجحده، ويحرمه ثوابه على عمله الصّالح {وإنّا له كاتبون} يقول ونحن نكتب أعماله الصّالحة كلّها فلا نترك منها شيئًا لنجزيه على صغير ذلك وكبيره وقليله وكثيره.
قال أبو جعفرٍ: والكفران مصدرٌ من قول القائل: كفرت فلانًا نعمته، فأنا أكفره كفرًا، وكفرانًا، ومنه قول الشّاعر:
من النّاس ناسٌ ما تنام خدودهم = وخدّي ولا كفران للّه نائم). [جامع البيان: 16/394]