تفسير قوله تعالى: (قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى (71) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({في جذوع} [طه: 71] : «أي على جذوع النّخل»). [صحيح البخاري: 6/95]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقوله في جذوع النّخل وخطبك ومساس ولننسفنه في اليم نسفا وكلّه كلام أبي عبيدة). [فتح الباري: 8/433]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (في جذوع أي على جذوع
أشار به إلى قوله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النّخل} (طه: 71) وأشار به إلى أن كلمة: في، بمعنى: على، كما في قوله تعالى: {أم لهم سلّم يستمعون فيه} (الطّور: 38) أي: عليه). [عمدة القاري: 19/57]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({في جذوع} أي على جذوع النخل) وضع حرفًا موضع آخر ومن تعدي صلب بفي قوله:
وقد صلبوا العبديّ في جذع نخلة = فلا عطشت شيبان إلا بأجدعا
وهو مذهب كوفي وقال البصريون ليست في بمعنى على ولكن شبه تمكنهم تمكن من حواه الجذع واشتمل عليه بتمكن الشيء الموعى في وعائه ولذا قيل في جذوع وهذا على طريق المجاز أي استعمال في موضع على وهو أول من صلب وسقط قوله النخل لغير أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/236]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {قال آمنتم له قبل أن آذن لكم} يقول جلّ ثناؤه: وقال فرعون للسّحرة: أصدّقتم وأقررتم لموسى بما دعاكم إليه من قبل أن أطلق ذلك لكم {إنّه لكبيركم} يقول: إنّ موسى لعظيمكم {الّذي علّمكم السّحر}.
- كما حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق،
قال: حدّثت عن وهب بن منبّهٍ، قال: لمّا قالت السّحرة: {آمنّا بربّ هارون وموسى} قال لهم فرعون، وأسف ورأى الغلبة والبيّنة: {آمنتم له قبل أن آذن لكم إنّه لكبيركم الّذي علّمكم السّحر} أي لعظيمٌ السّحّار الّذي علّمكم.
وقوله: {فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلافٍ} يقول: فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم مخالفًا بين قطع ذلك، وذلك أن يقطع يمنى اليدين ويسرى الرّجلين، أو يسرى اليدين، ويمنى الرّجلين، فيكون ذلك قطعًا من خلافٍ، وكان فيما ذكر أوّل من فعل ذلك فرعون، وقد ذكرنا الرّواية بذلك.
وقوله: {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل} يقول: ولأصلّبنّكم على جذوع النّخل، كما قال الشّاعر:
هم صلبوا العبديّ في جذع نخلةٍ = فلا عطست شيبان إلاّ بأجدعا
يعني على جذع نخلةٍ، وإنّما قيل: في جذوع، لأنّ المصلوب على الخشبة يرفع في طولها، ثمّ يصير عليها، فيقال: صلب عليها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل} لمّا رأى السّحرة ما جاء به عرفوا أنّه من اللّه فخرّوا سجّدًا، وآمنوا عند ذلك، قال عدوّ اللّه: {فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلافٍ} الآية.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال فرعون: {فلأقطّعنّ أيديكم وأرجلكم من خلافٍ ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل}.
فقتلهم وقطّعهم كما قال عبد اللّه بن عبّاسٍ حين قالوا: {ربّنا أفرغ علينا صبرًا وتوفّنا مسلمين} وقال: كانوا في أوّل النّهار سحرةً، وفي آخر النّهار شهداء.
وقوله: {ولتعلمنّ أيّنا أشدّ عذابًا وأبقى} يقول: ولتعلمنّ أيّها السّحرة أيّنا أشدّ عذابًا لكم، وأدوم، أنا أو موسى). [جامع البيان: 16/114-116]
تفسير قوله تعالى: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والّذي فطرنا فاقض ما أنت قاضٍ إنّما تقضي هذه الحياة الدّنيا (72) إنّا آمنّا بربّنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السّحر واللّه خيرٌ وأبقى}.
يقول تعالى ذكره: قالت السّحرة لفرعون لمّا توعّدهم بما توعّدهم به: {لن نؤثرك} فنتّبعك ونكذّب من أجلك موسى {على ما جاءنا من البيّنات} يعني من الحجج والأدلّة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى {والّذي فطرنا} يقول: قالوا: لن نؤثرك على الّذي جاءنا من البيّنات، وعلى الّذي فطرنا. ويعني بقوله: {فطرنا} خلقنا، فالّذي من قوله: {والّذي فطرنا} خفض عطفاً على قوله: {ما جاءنا} وقد يحتمل أن يكون قوله: {والّذي فطرنا} خفضًا على القسم، فيكون معنى الكلام: لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات واللّه.
وقوله: {فاقض ما أنت قاضٍ} يقول: قالوا: فاصنع ما أنت صانعٌ، واعمل بنا ما بدا لك {إنّما تقضي هذه الحياة الدّنيا} يقول: إنّما تقدر أن تعذّبنا في هذه الحياة الدّنيا الّتي تفنى.
ونصب الحياة الدّنيا على الوقت وجعلت إنّما حرفًا واحدًا.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: حدّثت عن وهب بن منبّهٍ، {لن نؤثرك على ما جاءنا من البيّنات والّذي فطرنا} أي على اللّه على ما جاءنا من الحجج مع نبيةٍ {فاقض ما أنت قاضٍ} أي اصنع ما بدا لك {إنّما تقضي هذه الحياة الدّنيا} التى ليس سلطانٌ إلاّ فيها، ثمّ لا سلطان لك بعده). [جامع البيان: 16/116-117]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 72 - 76.
أخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة: أن سحرة فرعون كانوا تسعمائة فقالوا لفرعون: إن يكونا هذان ساحران فإنا نغلبهم فإنه لا أسحر منا وإن كان من رب العالمين فلما كان من أمرهم {خروا سجدا} أراهم الله في سجودهم منازلهم التي إليها يصيرون فعندها قالوا: {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} إلى قوله: {والله خير وأبقى} ). [الدر المنثور: 10/219-220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن القاسم بن أبي بزة قال: لما وقعوا سجدا رأوا أهل النار وأهل الجنة وثواب أهليهما فقالوا: {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} ). [الدر المنثور: 10/220]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {إنّا آمنّا بربّنا ليغفر لنا خطايانا} يقول تعالى ذكره: إنّا أقررنا بتوحيد ربّنا، وصدّقنا بوعده ووعيده. وأنّ ما جاء به موسى حقٌّ {ليغفر لنا خطايانا} يقول: ليعفو لنا عن ذنوبنا فيسترها علينا. {وما أكرهتنا عليه من السّحر} يقول: ليغفر لنا ذنوبنا، وتعلّمنا ما تعلّمناه من السّحر، وعملنا به الّذي أكرهتنا على تعلّمه والعمل به.
وذكر أنّ فرعون كان أخذهم بتعليم السّحر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني موسى بن سهلٍ، قال: حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن أبي سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى: {وما أكرهتنا عليه من السّحر} قال: غلمانٌ دفعهم فرعون إلى السّحرة، تعلّمهم السّحر بالفرما.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وما أكرهتنا عليه من السّحر} قال: أمرهم بتعلّم السّحر، قال: تركوا كتاب اللّه، وأمروا قومهم بتعلم السّحر {وما أكرهتنا عليه من السّحر} قال: أمرتنا أن نتعلّمه.
وقوله: {واللّه خيرٌ وأبقى} يقول: واللّه خيرٌ منك يا فرعون جزاءً لمن أطاعه، وأبقى عذابًا لمن عصاه وخالف أمره.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {واللّه خيرٌ وأبقى} خيرٌ منك ثوابًا، وأبقى عقابًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، ومحمّد بن قيسٍ، في قول اللّه: {واللّه خيرٌ وأبقى} قالا: خير منك إن أطيع، وأبقى منك عذابًا إن عصي). [جامع البيان: 16/117-118]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وما أكرهتنا عليه من السحر} قال: أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يعلموا السحر بالعوماء وقال: علموهم تعليما لا يغلبهم أحد في الأرض، قال ابن عباس: فهم من الذين قالوا: {إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر} ). [الدر المنثور: 10/220]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي في قوله: {والله خير وأبقى} قال: خير منك أن أطيع وأبقى منك عذابا إن عصي). [الدر المنثور: 10/220]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا (74) )
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {إنّه من يأت ربّه مجرمًا، فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيى}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا خالدٌ، حدّثنا عثمان: أنّ أبا نضرة، حدّثهم، عن أبي سعيدٍ الخدريّ: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " يجمع النّاس عند جسر جهنّم، وإنّ عليه حسكًا وكلاليب، ويمرّ النّاس، قال: فيمرّ منهم مثل البرق، وبعضهم مثل الفرس المضمّر، وبعضهم يسعى، وبعضهم يمشي، وبعضهم يزحف، والكلاليب تخطفهم، والملائكة بجنبتيه: اللهمّ سلّم سلّم، والكلاليب تخطفهم، قال: فأمّا أهلها الّذين هم أهلها فلا يموتون ولا يحيون، وأمّا أناسٌ يؤخذون بذنوبٍ وخطايا يحترقون فيكونون فحمًا، فيؤخذون ضباراتٍ ضباراتٍ، فيقذفون على نهرٍ من الجنّة، فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل " قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «هل رأيتم الصّبغاء؟ بعد يؤذن لهم فيدخلون الجنّة»). [السنن الكبرى للنسائي: 10/184]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّه من يأت ربّه مجرمًا فإنّ له جهنّم لا يموت فيها ولا يحيى (74) ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصّالحات فأولئك لهم الدّرجات العلى}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل السّحرة لفرعون: {إنّه من يأت ربّه} من خلقه {مجرمًا} يقول: مكتسبًا الكفر به {فإنّ له جهنّم} يقول: فإنّ له جهنّم مأوًى ومسكنًا، جزاءً له على كفره {لا يموت فيها} فتخرج نفسه {ولا يحيا} فتستقرّ نفسه في مقرّها فتطمئنّ، ولكنّها تتعلّق بالحناجر منهم). [جامع البيان: 16/119]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج مسلم وأحمد، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فأتى على هذه الآية {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أهلها الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون وأما الذين ليسوا بأهلها فإن النار تميتهم إماتة ثم يقوم الشفعاء فيشفعون فيؤتى بهم ضبائر على نهر يقال له الحياة أو الحيوان فينبتون كما ينبت القثاء في حميل السيل والله أعلم). [الدر المنثور: 10/221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث من كن فيه لم ينل الدرجات العلى: من تكهن أو استقسم أو رده من سفره طيرة). [الدر المنثور: 10/221]
تفسير قوله تعالى: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا (75) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( {ومن يأته مؤمنًا} يقول: ومن يقدم على ربه موحّدًا لا يشرك به {قد عمل الصّالحات} يقول: قد عمل ما أمره به ربّه، وانتهى عمّا نهاه عنه {فأولئك لهم الدّرجات العلى} يقول: فأولئك الّذين تلك صفتهم لهم درجات الجنّة العلى). [جامع البيان: 16/119]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الأصبهاني في الترغيب عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان وصلة لأخيه إلى سلطان في مبلغ بر أو مدفع مكروه رفعه الله في الدرجات). [الدر المنثور: 10/221]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المبارك في الزهد وأبو نعيم في الحلية عن عون بن عبد الله قال: إن الله ليدخل خلقا الجنة فيعطيهم حتى يملوا وفوقهم ناس في {الدرجات العلى} فإذا نظروا إليهم عرفوهم فيقول: يا ربنا إخواننا كنا معهم فبم فضلتهم علينا فيقال: هيهات، إنهم كانوا يجوعون حين تشبعون ويظمؤون حين تروون ويقومون حين تنامون ويستحصون حين تختصون فيه قال: {يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري قالوا لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى} فأقام هرون فيمن معه من المسلمين مخافة أن يقول له موسى: {فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي} وكان له سامعا مطيعا). [الدر المنثور: 10/221-222]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن ابن عمير قال: إن الرجل وعبده يدخلان الجنة فيكون عبده أرفع درجة منه فيقول: يا رب هذا كان عبدي في الدنيا فيقال: إنه كان أكثر ذكرا لله تعالى منك.
وأخرج أبو داود، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهل الدرجات العلى ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الذري في أفق السماء وأن أبا بكر وعمر منهم وأنعما). [الدر المنثور: 10/222]
تفسير قوله تعالى: (جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى (76) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {جنّات عدنٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكّى}.
يقول تعالى ذكره: {ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصّالحات فأولئك لهم الدّرجات العلى} ثمّ بيّن تلك الدّرجات العلى ما هي، فقال: هنّ {جنّات عدنٍ} يعني: جنّات إقامةٍ لا ظعن عنها ولا نفاد لها ولا فناء {تجري من تحتها الأنهار} يقول: تجري من تحت أشجارها الأنهار {خالدين فيها} يقول: ماكثين فيها إلى غير غايةٍ محدودةٍ، فالجنّات من قوله {جنّات عدنٍ} مرفوعةٌ بالرّدّ على الدّرجات.
- كما: حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، في قوله: {ومن يأته مؤمنًا قد عمل الصّالحات فأولئك لهم الدّرجات العلى} قال: عدنٌ.
وقوله: {وذلك جزاء من تزكّى} يقول: وهذه الدّرجات العلى الّتي هي جنّات عدنٍ على ما وصف جلّ جلاله ثواب من تزكّى، يعني: من تطهّر من الذّنوب، فأطاع اللّه فيما أمره، ولم يدنّس نفسه بمعصيته فيما نهاه عنه). [جامع البيان: 16/119-120]