تفسير قوله تعالى: {فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فتولّى فرعون فجمع كيده} [طه: 60] يعني: ما جمع من سحرةٍ.
{ثمّ أتى} [طه: 60] قال: ثمّ جاء). [تفسير القرآن العظيم: 1/265]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فجمع كيده} أي حيله). [تفسير غريب القرآن: 280]
تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لَا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبًا فيسحتكم بعذابٍ} [طه: 61] حدّثني الحسن بن دينارٍ، عن الحسن قال: فيستأصلكم بعذابٍ.
{وقد خاب من افترى} [طه: 61] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/265]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فيسحتكم...}
وسحت أكثر وهو الاستئصال: يستأصلكم بعذاب. وقال الفرزدق:
والعرب تقول سحت وأسحت بمعنى واحد. قال: قيل للفراء: إن بعض الرواة يقول: ما به من المال إلا مسحت أو مجلّف:
قال ليس هذا بشيء ... حدثني. أبو جعفر الرؤاسيّ عن أبي عمرو بن العلاء قال: مرّ الفرزدق بعبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ النحويّ فأنشده هذه القصيدة.
عزفت بأعشاش وما كدت تعزف =حتى انتهى على هذا البيت
وعضّ زمان يابن مروان لم يدع =من المال إلاّ مسحت أو مجلّف
فقال عبد الله للفرزدق: علام رفعت؟ فقال له الفرزدق: على ما يسوءك). [معاني القرآن: 2/183،182]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فيسحتكم بعذابٍ} مجازه: فيهلككم، وفيه لغتان سحت الدهر، والجدب بني فلانٍ، وقوم يقولون: أسحته بالألف
وقال الفرزدق:
وعضّ زمانٍ يا بن مروان لم يدع=من المال إلاّ مسحتٌ أو مجلّف
والمسحت المهلك، والمجلف: الذي قد بقي منه بقيةٌ، ولم يدع، أي لم يبق وقال سويد بن أبي كاهل:
أرّق العين خيالٌ لم يدع=من سليمى ففوادي منتذع
لم يدع أي لم يستقر). [مجاز القرآن: 2/21,20]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {فيسحتكم بعذاب}: يهلككم وبعضهم يقول فيسحتكم بعذاب بضم التاء والمعنى واحد). [غريب القرآن وتفسيره: 247]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فيسحتكم بعذابٍ} أي يهلككم ويستأصلكم. يقال: سحته اللّه وأسحته.
{وقد خاب من افترى} أي كذب). [تفسير غريب القرآن: 280]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على اللّه كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من افترى}
{ويلكم} منصوب على أن ألزمهم اللّه ويلا، ويجوز أن يكون منصوبا على النداء كما قال تعالى: {يا ويلتى أألد وأنا عجوز}
و{يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}.
وقوله: {فيسحتكم بعذاب}.
ويقرأ {فيسحتكم} - بضم الياء وكسر الحاء، يقال سحته، وأسحته إذا استأصله وأهلكه،
قال الفرزدق:
وعضّ زمان يا ابن مروان لم يدع=من المال إلاّ مسحتا أو مجلّف
معنى لم يدع لم يستقر - من الدعة من المال، وأكثر الرواية إلاّ مسحتا.
فهذا على أسحت فهو مسحت). [معاني القرآن: 3/361،360]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {فيسحتكم} أي: يستأصلكم). [ياقوتة الصراط: 347]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَيُسْحِتَكُمْ بعذاب}: أي يهلككم).[تفسير المشكل من غريب القرآن: 153]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {فَيُسْحِتَكم}: يستأصلـكم). [العمدة في غريب القرآن: 202]
تفسير قوله تعالى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسرّوا النّجوى} [طه: 62] سعيدٌ، عن قتادة قال: قالت السّحرة عند ذلك: إن كان هذا الرّجل ساحرًا فإنّا سنغلبه، وإن يكن من السّماء كما زعم فله أمره). [تفسير القرآن العظيم: 1/265]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فتنازعوا أمرهم بينهم...}
يعني السحرة قال بعضهم لبعض: إن غلبنا موسى اتّبعناه وأسرّوها من فرعون وأصحابه). [معاني القرآن: 2/183]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فتنازعوا أمرهم بينهم} أي تناظروا.
{وأسرّوا النّجوى} أي تراجعوا الكلام). [تفسير غريب القرآن: 280]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {فتنازعوا أمرهم بينهم وأسرّوا النّجوى}
يعنى به السحرة، قالوا بينهم: إن غلبنا موسى آمنا به، وكان الأمر له). [معاني القرآن: 3/361]
تفسير قوله تعالى: {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {قالوا إن هذان لساحران} [طه: 63] سعيدٌ، عن قتادة قال: يعنون موسى وهارون.
{يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} [طه: 63] سعيدٌ، عن قتادة قال: كانت طريقتهم المثلى يومئذٍ بنو إسرائيل.
كانوا أكثر
[تفسير القرآن العظيم: 1/265]
القوم عددًا وأموالًا، فقال فرعون: إنّما يريدان أن يذهبا بهم لأنفسهما.
وقال الحسن: ويذهبا بعيشكم الأمثل يعني بني إسرائيل.
وكان بنو إسرائيل في القبط بمنزلة أهل الجزية فينا، يأخذون منهم الخراج ويستعبدونهم). [تفسير القرآن العظيم: 1/266]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {إن هذان لساحران...}
قد اختلف فيه القراء فقال بعضهم: هو لحن ولكنا نمضي عليه لئلاّ نخالف الكتاب. ... حدثني أبو معاوية الضرير،
عن هاشم بن عروة بن الزبير، عن أبيه، عن عائشة أنها سئلت عن قوله في النساء {لكن الراسخون في العلم منهم .... والمقيمين الصلاة} وعن قوله في المائدة {إن الذين آمنوا والّذين هادوا والصّابئون} وعن قوله: {إنّ هذان لساحران} فقالت: يا بن أخي هذا كان خطأ من الكاتب. وقرأ أبو عمرو {إنّ هذين لساحران} واحتجّ أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب.
... ولست أشتهي على (أن أخالف الكتاب وقرأ بعضهم {إن هذان لساحران}
خفيفة وفي قراءة عبد الله: (وأسروا النجوى أن هذان ساحران) وفي قراءة أبيّ (إن ذان إلاّ ساحران) فقراءتنا بتشديد (إنّ) وبالألف على جهتين.
إحداهما على لغة بني الحارث بن كعب: يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف وأنشدني رجل من الأسد عنهم. يريد بني الحارث:
فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى =مساغاً لناباه الشجاع لصمّما
قال: وما رأيت أفصح من هذا الأسديّ وحكى هذا الرجل عنهم: هذا خطّ يدا أخي بعينه. وذلك - وإن كان قليلاً - أقيس؛ لأنّ العرب قالوا: مسلمون فجعلوا الواو تابعة للضمّة (لأن الواو لا تعرب) ثم قالوا: رأيت المسلمين فجعلوا الياء تابعة لكسرة الميم. فلمّا رأوا أن الياء من الاثنين لا يمكنهم كسر ما قبلها، وثبت مفتوحاً: تركوا الألف تتبعه،
فقالوا: رجلان في كل حال. وقد اجتمعت العرب على إثبات الألف في كلا الرجلين في الرفع والنصب والخفض وهما اثنان، إلاّ بني كنانة فإنهم يقولون: رأيت كلى الرجلين ومررت بكلى الرجلين. وهي قبيحة قليلة، مضوا على القياس.
والوجه الآخر أن تقول: وجدت الألف (من هذا دعامة وليست بلام فعل، فلمّا ثنيت زدت عليها نوناً ثم تركت الألف) ثابتة على حالها لا تزول على كلّ حال؛ كما قالت العرب (الذي) ثم زادوا نوناً تدلّ على الجماع، فقالوا: الذين في رفعهم ونصبهم وخفضهم كما تركوا (هذان) في رفعه ونصبه وخفضه. وكنانة يقولون (اللّذون) ). [معاني القرآن: 2/184،183]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ويذهبا بطريقتكم المثلى...}
الطريقة: الرجال الأشراف وقوله (المثلى) يريد الأمثل يذهبون بأشرافكم فقال المثلى ولم يقل المثل مثل (الأسماء الحسنى) وإن شئت جعلت (المثلى) مؤنّثة لتأنيث الطريقة. والعرب تقول للقوم: هؤلاء طريقة قومهم وطرائق قومهم: أشرافهم، وقوله: {كنّا طرائق قدداً} من ذلك. ويقولون للواحد أيضاً: هذا طريقة قومه ونظورة قومه وبعضهم: ونظيرة قومه، ويقولون للجمع بالتوحيد والجمع: هؤلاء نظورة قومهم ونظائر قومهم). [معاني القرآن: 2/185]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {إنّ هذان لساحران} قال أبو عمرو وعيسى ويونس " إنّ هذين لساحران " في اللفظ وكتب " هذان " كما يزيدون وينقصون في الكتاب واللفظ صواب، وزعم أبو الخطاب أنه سمع قوماً من بني كنانة وغيرهم يرفعون الاثنين في موضع الجر والنصب، قال بشر بن هلال " إنّ " بمعنى الابتداء والإيجاب، ألا ترى أنها تعمل فيما يليها ولا تعمل فيما بعد الذي بعدها فترفع الخبر ولا تنصبه كما تنصب الاسم فكان مجازه " إنّ [مجاز القرآن: 2/21]
{هذان لساحران} مجاز كلامين، مخرجه: إنه أي نعم، ثم قلت: هذان ساحران، ألا ترى أنهم يرفعون المشرك كقوله:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله=فإنيّ وقيّارٌ بها لغريب
وقوله:
إنّ شرخ الشّباب والشّعر الأسود=ما لم يعاص كان جنونا
وقوله:
إنّ السيوف غدوّها ورواحها=تركت هوزان مثل قرن الأعضب
ويقول بعضهم " إنّ الله وملائكته يصلون على النّبي " فيرفعون ملائكته على شركة الابتداء ولا يعملون فيها " إن "، وقال سمعت الفصحاء من المحرمين يقولون: إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك له.
وقرأها قومٌ على تخفيف نون " إن " وإسكانها وهو يجوز لأنهم قد أدخلوا اللام في الابتداء وهي فضل، قال:
أم الحليس لعجوزٌ شهربه وزعم قومٌ أنه لا يجوز لأنه إذا خفف نون " إن " فلا بد له من أن يدخل إلا فيقول: إن هذان إلا ساحران). [مجاز القرآن: 2/23،22]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بطريقتكم} مجازه بسنتكم ودينكم وما أنتم عليه، ويقال فلان حسن الطريقة). [مجاز القرآن: 2/23]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {المثلى} تأنيث الأمثل، يقال: خذ المثلى منهما، للأنثى، وخذ الأمثل منهما، إذا كان ذكراً). [مجاز القرآن: 2/23]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم مّن أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
وقال: {إن هذان لساحران} خفيفة في معنى ثقيلة. وهي لغة لقوم يرفعون ويدخلون اللام ليفرقوا بينها وبين التي تكون في معنى "ما" ونقرؤها ثقيلة وهي لغة لبني الحارث بن كعب.
وقال: {المثلى} تأنيث "الأمثل" مثل: "القصوى" و"ألأقصى"). [معاني القرآن: 3/5،4]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {المثلى}: تأنيث الأمثل. يقال: خذ الأمثل والمثلى، ويقال قد مثل الرجل إذا صار فاضلا). [غريب القرآن وتفسيره: 247]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بطريقتكم المثلى} يعني الأشراف. يقال: هؤلاء طريقة قومهم، أي أشرافهم. ويقال: أراد سنتكم ودينكم. والمثلي مؤنث أمثل، مثل كبرى وأكبر). [تفسير غريب القرآن: 280]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (باب ما ادّعي على القرآن من اللحن، وأما ما تعلَّقوا به من حديث عائشة رضي الله عنها في غَلَطِ الكاتب، وحديث عثمان رضي الله عنه: أرى فيه لَحْناً- فقد تكلم النحويون في هذه الحروف، واعتلُّوا لكلِّ حرف منها، واستشهدوا الشعرَ: فقالوا: في قوله سبحانه: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} وهي لغة بلحرث بن كعب يقولون: مررت برجلان، وقبضت منه درهمان، وجلست بين يداه، وركبت علاه. وأنشدوا:
تزوّد منَّا بين أذناه ضربة = دعته إلى هابي التراب عقيم
أي موضع كثير التراب لا ينبت.
وأنشدوا:
أيَّ قلوصِ راكبِ تراها = طارُوا علاهنَّ فَطِرْ عَلاها
على أنَّ القراءَ قد اختلفوا في قراءة هذا الحرف: فقرأه أبو عمرو بن العلاء، وعيسى بن عمر: «إنّ هذين لساحران» وذهبا إلى أنه غلط من الكاتب كما قالت عائشة.
وكان عاصم الجحدريّ يكتب هذه الأحرف الثلاثة في مصحفه على مثالها في الإمام، فإذا قرأها، قرأ: «إنَّ هذين لساحران»، وقرأ {المقيمون الصلاة}،
وقرأ {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ}.
وكان يقرأ أيضا في سورة البقرة: {والصابرون فى البأساء والضراء} ويكتبها: الصابرين.
وإنما فرق بين القراءة والكتاب لقول عثمان رحمة الله: أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها فأقامه بلسانه، وترك الرسم على حاله.
وكان الحجَّاجُ وكَّلَ عاصماً وناجِيَةَ بنَ رُمْحٍ وعليَّ بنَ أصمعَ بتَتَبُّعِ المصاحفِ، وأمرهم أن يقطعوا كل مصحف وجدوه مخالفاً لمصحف عثمان، ويعطوا صاحبه ستين درهماً.
خبّرني بذلك أبو حاتم عن الأصمعيِّ قال: وفي ذلك يقول الشاعر:
وإلا رسومُ الدّار قفراً كأنّها = كتابٌ مَحَاهُ البَاهليُّ بنُ أَصْمَعَا
وقرأ بعضهم: {إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} اعتباراً بقراءة أُبيّ لأنها في مصحفه: «إن ذان إلا ساحران» وفي مصحف عبد الله: (وأسرّوا النّجوى أن هذان ساحران) منصوبة بالألف يجعل (أن هذان) تبيينا للنجوى). [تأويل مشكل القرآن: 50-52]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {قالوا إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى}
{إن هذان لساحران}.
يعنون موسى وهارون. وهذا الحرف من كتاب اللّه عزّ وجلّ مشكل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللّه أعلم، وقبل شرح إعرابه نخبر بقراءة القراء أما قراءة أهل المدينة والأكمه في القراءة فبتشديد (إنّ) والرفع في (هذان) وكذلك قرأ أهل العراق حمزة وعاصم - في رواية أبي بكر بن عياش والمدنيون.
وروي عن عاصم: إن هذان بتخفيف (إن)، ويصدّق ما قرأه عاصم في هذه القراءة ما يروى عن أبيّ فإنه قرأ: ما هذان إلّا ساحران، وروي أيضا عنه أنه قرأ: إن هذان إلا ساحران، ورويت عن الخليل أيضا: إن هذان لساحران - بالتخفيف -.
والإجماع أنه لم يكن أحد بالنحو أعلم من الخليل.
وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إنّ هذين لساحران، بتشديد " إنّ " ونصب هذين.
فهذه الرواية فيه.
فأما احتجاج النحويين فاحتجاج أبي عمرو في مخالفته المصحف في هذا أنه روي أنه من غلط الكاتب، وأن في الكتاب غلطا ستقيمه العرب بألسنتها، يروى ذلك عن عثمان بن عفان وعن عائشة - رحمهما اللّه -.
وأما الاحتجاج في أنّ هذان بتشديد أن ورفع هذان فحكى أبو عبيدة عن أبي الخطاب وهو رأس من رؤساء الرواة، أنها لغة لكنانة، يجعلون ألف الاثنين في الرفع والنصب والخفض على لفظ واحد، يقولون أتاني الزيدان.
ورأيت الزيدان، ومررت بالزيدان، وهؤلاء ينشدون:
فأطرق إطراق الشّجاع ولو رأى=مساغا لناباه الشّجاع لصمّما
وهؤلاء أيضا يقولون: ضربته بين أذناه، ومن يشتري مني الخفّان وكذلك روى أهل الكوفة أنها لغة لبني الحرث بن كعب.
قال النحويون القدماء: ههنا هاء مضمرة، المعنى إنه هذان لساحران،
وقالوا أيضا أن معنى (إن) معنى (نعم)، المعنى نعم هذان لساحران.
وينشدون:
ويقلن شيب قد علّا=ك وقد كبرت فقلت إنّه
ويحتجون بأن هذه اللام - أصلها - أن تقع في الابتداء، وأن وقوعها في الخبر جائز، وينشدون في ذلك:
خالي لأنت ومن جرير خاله=ينل العلاء ويكرم الأخوالا
وأنشدوا أيضا:
أمّ الحليس لعجوز شهربه=ترضى من الشاة بعظم الرّقبه
قالوا: المعنى لأنت خالي، والمعنى لأم الحليس عجوز.
وقال الفراء في هذا: إنهم زادوا فيها النون في التثنية وتركوا الألف على حالها في الرفع والنصب والجر كما فعلوا في الذي، فقالوا الّذين في الرفع والنصب والجر.
فهذا جميع ما احتج به النحويون.
والذي عندي - واللّه أعلم - وكنت عرضته على عالمينا - محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقبلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو " أنّ) قد وقعت موقع " نعم "، وأن اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران.
والذي يلي هذه في الجودة مذهب بني كنانة في ترك ألف التثنية على هيئة واحدة، لأن حق الألف أن تدل على الاثنين، وكان حقها ألا تتغيّر كما لم تتغير ألف رحى وعضى، ولكن كان نقلها إلى الياء في النصب والخفض أبين وأفضل للتمييز بين المرفوع والمنصوب والمجرور.
فأمّا قراءة عيسى بن عمر وأبي عمرو بن العلاء فلا أجيزها لأنها خلاف المصحف، وكل ما وجدته إلى موافقة المصحف أقرب لم أجز مخالفته، لأن اتباعه سنة.
وما عليه أكثر القراء، ولكني أستحسن {إن هذان لساحران} بتخفيف (إن) وفيه إمامان: عاصم والخليل، وموافقة أبيّ في المعنى وأن خالفه اللفظ، ويستحسن أيضا (إنّ هذان) بالتشديد، لأنه مذهب أكثر القراء، وبه يقرأ وهو قوي في العربية.
قوله تعالى: {ويذهبا بطريقتكم المثلى}.
معناه في قول النحويين بجماعتكم الأشراف. والمثلى تأنيث الأمثل.
ومعنى الأمثل والمثلى معنى " ذو الفضل " الذي يستحق أن يقال فيه هذا أمثل قومه.
وفي التفسير: {بطريقتكم المثلى} بأشرافكم، والعرب تقول للرجل الفاضل هذا طريقة قومه، ونظيرة قومه، ونظورة قومه.
كل هذا للرجل الفاضل.
وإنما تأويله هذا الذي ينبغي أن يجعله قومه قدوة ويسلكوا طريقته.
والذي قال أيضا: هذا نظورة قومه ونظيرة قومه، معناه هذا الذي ينبغي أن ينظر إليه قومه وأن يتبعوه.
والذي عندي - واللّه أعلم - أن في الكلام محذوفا يدل عليه ما بقي.
إنما المعنى يذهبا بأهل طريقتكم المثلى، كما قال اللّه عزّ وجلّ:
{واسأل القرية الّتي كنّا فيها}، معناه واسأل أهل القرية، وكذلك قول العرب: هذا طريقة قومه معناه هذا صاحب طريقة قومه.
وقوله عزّ وجلّ: {واصطنعتك لنفسي} تأويله اخترتك لإقامة حجتي، وجعلتك بيني وبين خلقي حتى صرت في الخطاب عني والتبليغ عني بالمنزلة التي أكون بها لو خاطبتهم واحتججت عليهم). [معاني القرآن: 3/365-361]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {المثلى} أي: الفضلى). [ياقوتة الصراط: 347]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {المُثْلى}: تأنيث الأمثل). [العمدة في غريب القرآن: 202]
تفسير قوله تعالى: {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {فأجمعوا كيدكم} [طه: 64] يعني: سحركم، يقوله بعضهم لبعضٍ.
{ثمّ ائتوا صفًّا} [طه: 64] أي: تعالوا جميعًا.
{وقد أفلح اليوم من استعلى} [طه: 64] من ظهر في تفسير قتادة.
وقال الكلبيّ: من غلب). [تفسير القرآن العظيم: 1/266]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فأجمعوا كيدكم...}
الإجماع: الإحكام والعزيمة على الشيء. تقول أجمعت الخروج وعلى الخروج مثل أزمعت قال الشاعر:
يا ليت شعري والمنى لا تنفع =هل أغدون يوماً وأمري مجمع
يريد قد أحكم وعزم عليه. ومن قرأ {فأجمعوا} يقول: لا تتركوا من كيدكم شيئاً إلاّ جئتم به.
وقوله: {من استعلى} من غلب). [معاني القرآن: 2/185]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {ثمّ ائتوا صفّاً} أي صفوفاً وله موضع آخر من قولهم: هل أتيت الصفّ اليوم يعني المصلى الذي يصلي فيه.
قال أبو عبيدة، قال أبو العرب الكليبي، ما استطعت أن آتي الصف أمس يعني المصلى). [مجاز القرآن: 2/23]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فأجمعوا كيدكم} أي حيلكم.
{ثمّ ائتوا صفًّا} أي جميعا. وقال أبو عبيدة: الصفّ: المصلي.
وحكي عن بعضهم أنه قال: ما استطعت أن آتي الصفّ اليوم، أي المصلّي). [تفسير غريب القرآن: 280]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {فأجمعوا كيدكم ثمّ ائتوا صفّا وقد أفلح اليوم من استعلى}
وقرئت {فاجمعوا كيدكم}، فمن قرأ فأجمعوا بقطع الألف، فمعناه ليكن عزمكم - كلكم على الكيد مجمعا عليه أي لا تختلفوا فتختلوا.
ومن قرأ (فاجمعوا) فمعناه جيئوا بكل كيد تقدرون عليه، ولا تبقوا منه شيئا.
وقوله: {ثمّ ائتوا صفّا}.
معناه ائتوا الموضع الذي تجتمعون فيه لعيدكم وصلاتكم، يقال: أتيت صفّا بمعنى أتيت المصلّى، ويجوز أن يكون {ثمّ ائتوا صفّا} ثم ائتوا مصطفين مجتمعين ليكون أنظم لأموركم،
وأشد لهيئتكم.
{وقد أفلح اليوم من استعلى}.
ومعنى {من استعلى} من علا بالغلبة). [معاني القرآن: 3/365]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {وقد أفلح} أي: قد ظفر). [ياقوتة الصراط: 348]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من استعلى} أي: من غلب). [ياقوتة الصراط: 348]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ثم ائتوا صَفًّا}: أي جميعاً، قيل: الصف: المصلى). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 153]