تفسير قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكر في الكتاب إدريس إنّه كان صدّيقًا نبيًّا (56) ورفعناه مكانًا عليًّا}.
يقول تعالى ذكره: واذكر يا محمّد في كتابنا هذا إدريس فاقصص خبره {إنّه كان صدّيقًا} لا يقول الكذب {نبيًّا} نوحي إليه من أمرنا ما نشاء). [جامع البيان: 15/562]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا ورفعناه مكانا عليا قال رفع كما رفع عيسى عليهما السلام لم يمت). [تفسير مجاهد: 387]
تفسير قوله تعالى: (وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدثني عمارة بن عيسى، عن يونس بن يزيد، عن من حدثه، عن ابن عباس أنه قال: لكعب: أخبرني عن ست آياتٍ في القرآن لم أكن علمتهن، ولا تخبرني عنهن إلا ما تجد في كتاب الله المنزل: ما {سجين}، وما {عليون}، وما {سدرة المنتهى}، وما {جنة المأوى}، وما بال {أصحاب الرس}، ذكرهم الله في الكتاب، وما بال {طالوت}، رغب عنه قومه، وما بال إدريس ذكره الله فقال: {رفعناه مكانا عليا}؛ قال: كعب: والذي نفسي بيده، لا أخبرك عنهن إلا بما أجد في كتاب الله المنزل؛ أما سجين، فإنها شجرةٌ سوداء تحت الأرضين السبع مكتوبٌ فيها اسم كل شيطان، فإذا قبضت نفس الكافر عرج بها إلى السماء فغلقت أبواب السماء دونها، ثم ترمى إلى سجين، فذلك سجين؛ وأما عليون، فإنه إذا قبضت نفس المرء المسلم عرج بها إلى السماء وفتحت لها أبواب السماء، حتى ينتهي إلى العرش فيكتب له نزله وكرامته، فذلك عليون، أما سدرة المنتهى، فإنها شجرةٌ عن يمين العرش انتهى إليها علم العلماء، فلا يعلم العلماء ما وراء تلك السدرة؛ أما جنة المأوى، فإنها جنةٌ يأوى إليها أرواح المؤمنين؛ وأما أصحاب الرس، فإنهم كانوا قوما مؤمنين يعبدون الله في ملك جبارٍ لا يعبد الله، فخيرهم في أن يكفروا أو يقتلهم، فاختاروا القتل على الكفر، فقتلهم، ثم رمى بهم في قليب، فبذلك سموا أصحاب الرس؛ وأما طالوت، فإنه كان من غير السبط الذي الملك فيه، فبذلك رغب قومه عنه؛ وأما إدريس، فإنه كان يعرج بعمله إلى السماء فيعدل عمله جميع عمل أهل الأرض، فاستأذن فيه ملكٌ من الملائكة أن يؤاخيه، فأذن الله له أن يؤاخيه، فسأله إدريس: أي أخي، هل بينك وبين ملك الموت إخاءٌ، فقال نعم، ذلك أخي دون الملائكة وهم يتآخون كما يتآخى بنو آدم، قال: هل لك أن تسأله لي كم بقي من أجلي لكي أزداد في العمل، قال: إن شئت سألته وأنت تسمع قال: فجعله الملك تحت جناحه حتى صعد به إلى السماء فسأل ملك الموت: أي أخي، كم بقى من أجل إدريس، قال: ما أدري حتى أنظر، قال: فنظر، قال: إنك تسألني عن رجلٍ ما بقى من أجله إلا طرف عينٍ؛ قال: فنظر الملك تحت جناحه، فإذا إدريس قد قبض وهو لا يشعر). [الجامع في علوم القرآن: 1/29-30] (م)
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني جرير بن حازم عن سليمان الأعمش عن شمر بن عطية عن هلال بن يساف قال: كنا جلوسا إلى كعب أنا وربيع بن خثيم وخالد بن عرعرة ورهطٌ من أصحابنا فأقبل ابن عباس رجلٌ جميلٌ حسن الشعرة، فقال القوم: هذا ابن عم نبيكم فأوسعوا له؛ فجلس إلى جنب كعب فقال: يا كعب، كل القرآن قد علمت فيما أنزل غير ثلاثة أمور، إن كان لك بها علمٌ فأخبرني عنها؛ أخبرني ما {سجينٌ}، وما {عليون}، وما {سدرة المنتهى}، وما قول الله لإدريس: {ورفعناه مكانا عليا}، قال كعب: أما [سجين فإنها] الأرض السابعة السفلى وفيها أرواح الكفار تحت حد إبليس، وأما [عليون فإنها] السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين، وأما إدريس فإن الله أوحى [إليه إني رافعٌ] لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم، فأحب أن تزداد عملا، فأتاه خليلٌ له [من الملائكة]، فقال له: إن الله أوحى إلي كذا وكذا، فكلم لي ملك الموت فليؤخرني حتى [أزداد عملا]؛ فحمل بين جناحيه، ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء [الرابعة تلقاهم ملك] الموت منحدرا فكلمه، فكلمه ملك الموت في الذي كلمه فيه إدريس، فقال: [أين إدريس]، فقال: ها هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: فالعجب بعثت قبل [أن] [أقبض روح إدريس] في السماء الرابعة وهو في الأرض؛ فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض، فقبض روحه هناك؛ فذلك قول الله {ورفعناه مكانا عليا}، وأما سدرة المنتهى، فإنها سدرة على رؤوس حملة العرش ينتهي إليها علم الخلائق، ثم ليس لأحد وراءها علمٌ، فلذلك سميت سدرة المنتهى لانتهاء العلم إليها). [الجامع في علوم القرآن: 2/79-81] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن منصورٍ عن مجاهدٍ في قوله: {ورفعناه مكانا عليا} قال: السماء الرابعة [الآية: 57]). [تفسير الثوري: 186]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا الحسين بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شيبان، عن قتادة، في قوله: {ورفعناه مكانًا عليًّا}، قال: حدّثنا أنس بن مالكٍ، أنّ نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا عرج بي رأيت إدريس في السّماء الرّابعة.
وفي الباب عن أبي سعيدٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
وهذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ وقد رواه سعيد بن أبي عروبة، وهمّامٌ، وغير واحدٍ، عن قتادة، عن أنسٍ، عن مالك بن صعصعة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حديث المعراج بطوله، وهذا عندي مختصرٌ من ذاك). [سنن الترمذي: 5/167]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({ورفعناه مكانًا عليًّا} ذكر أنّ اللّه رفعه وهو حيّ إلى السّماء الرّابعة، فذلك معنى قوله: {ورفعناه مكانًا عليًّا} يعني به إلى مكانٍ ذي علوٍّ وارتفاعٍ.
وقال بعضهم: رفع إلى السّماء السّادسة.
ذكر الرّواية بذلك.
- حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني جرير بن حازمٍ، عن سليمان الأعمش، عن شمر بن عطيّة، عن هلال بن يسافٍ، قال: سأل ابن عبّاسٍ كعبًا وأنا حاضرٌه، فقال له: ما قول اللّه تعالى لإدريس {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال كعبٌ: أمّا إدريس، فإنّ اللّه أوحى إليه: إنّي أرفعٌ لك كلّ يومٍ مثل عمل جميع بني آدم، فأحبّ أن تزداد عملاً، فأتاه خليلٌ له من الملائكة، فقال: إنّ اللّه أوحى إليّ كذا وكذا، فكلّم لي ملك الموت، فليؤخرني حتّى أزداد عملاً، فحمله بين جناحيه، ثمّ صعد به إلى السّماء، فلمّا كان في السّماء الرّابعة، تلقّاهم ملك الموت منحدرًا، فكلّمه وكلمه ملك الموت في الّذي كلّمه فيه إدريس، فقال: وأين إدريس؟ قال: هو ذا هو على ظهري، قال ملك الموت: فالعجب بعثت وقيل لى: أقبض روح إدريس في السّماء الرّابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السّماء الرّابعة وهو في الأرض؟ فقبض روحه هناك، فذلك قول اللّه تبارك وتعالى: {ورفعناه مكانًا عليًّا}
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: إدريس رفع فلم يمت، كما رفع عيسى.
- وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله، إلاّ أنّه قال: ولم يمت.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: رفع إلى السّماء السّادسة، فمات فيها.
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {ورفعناه مكانًا عليًّا} إدريس أدركه الموت في السّماء السّادسة.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: السّماء الرّابعة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، عن سفيان، عن أبي هارون العبديّ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: في السّماء الرّابعة.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية الرّياحيّ، عن أبي هريرة، أو غيره وشكّ أبو جعفرٍ الرّازيّ " قال: لمّا أسري بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم صعد به جبريل إلى السّماء الرّابعة، فاستفتح فقيل: من هذا؟ قال: جبرائيل، قالوا: ومن معك؟ قال: محمّدٌ، قالوا: أوقد أرسل إليه؟ قال: نعم، قالوا: حيّاه اللّه من أخٍ ومن خليفةٍ، فنعم الأخ ونعم الخليفة، ونعم المجيء جاء، قال: فدخل فإذا هو برجلٍ، قال: هذا إدريس رفعه اللّه مكانًا عليًّا.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله {ورفعناه مكانًا عليًّا} قال: حدّثنا أنس بن مالكٍ أنّ نبيّ اللّه حدّث أنّه لمّا عرج به إلى السّماء قال: أتيت على إدريس في السّماء الرّابعة). [جامع البيان: 15/562-565]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (ت) قتادة -رحمه الله -: في قوله تعالى {ورفعناه مكاناً عليّاً} [مريم: 57] قال: قال أنسٌ: إنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة». أخرجه الترمذي. وقال: هذا طرف من حديث المعراج.
وسيرد الحديث بطوله في كتاب النبوة: من حرف النون). [جامع الأصول: 2/237]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 56 - 57.
أخرج الحكم عن سمرة قال: كان إدريس أبيض طويلا ضخم البطن عريض الصدر قليل شعر الجسد كثير شعر الرأس وكانت إحدى عينيه أعظم من الأخرى وكانت في صدره نكتة بيضاء من غير برص فلما رأى الله من أهل الأرض ما رأى من جورهم واعتدائهم في أمر الله رفعه الله إلى السماء السادسة فهو حيث يقول {ورفعناه مكانا عليا}). [الدر المنثور: 10/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن إدريس أقدم من نوح بعثه الله إلى قومه فأمرهم الله أن يقولوا لا إله إلا الله ويعملوا بما شاء فأبوا فأهلكهم الله). [الدر المنثور: 10/83]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ورفعناه مكانا عليا} قال: كان إدريس خياطا، وكان لا يغرز إلا قال: سبحان الله، فكان يمسي حين يمسي وليس في الأرض أحد أفضل منه عملا فاستأذن ملك من الملائكة ربه فقال يا رب ائذن لي فأهبط إلى إدريس، فأذن له فأتى إدريس فسلم عليه وقال: إني جئتك لأحدثك فقال: كيف تحدثني وأنت ملك وأنا إنسان ثم قال إدريس هل بينك وبين ملك الموت شيء قال الملك: ذاك أخي من الملائكة فقال: هل يستطيع أن ينسئني عند الموت قال: أما أن يؤخر شيئا أو يقدمه فلا ولكن سأكلمه لك فيرفق بك عند الموت فقال: اركب على جناحي فركب إدريس فصعد إلى السماء العليا فلقي ملك الموت إدريس بين جناحيه فقال له الملك إن لي إليك حاجة قال: علمت حاجتك تكلمني في إدريس وقد محي اسمه من الصحيفة ولم يبق من أجله إلا نصف طرفة عين فمات إدريس بين جناحي الملك). [الدر المنثور: 10/83-84]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: سألت كعبا عن رفع إدريس {مكانا عليا} فقال: كان عبدا تقيا رفع له من العمل الصالح ما رفع لأهل الأرض في زمانه فعجب الملك الذي كان يصعد عليه عمله فاستأذن ربه قال: رب ائذن لي آتي عبدك هذا فأزوره فأذن له فنزل قال: يا إدريس أبشر فإنه رفع لك من العمل الصالح ما لا رفع لأهل الأرض قال: وما علمك قال إني ملك، قال: وإن كنت ملكا قال: فإني على الباب الذي يصعد عليه عملك، قال: أفلا تشفع إلى ملك الموت فيؤخر من أجلي لأزداد شكرا وعبادة قال الملك: (لن يؤخر الله نفسا غذا جاء أجلها) (المنافقون آية 11) قال: قد علمت ولكنه أطيب لنفسي فحمله الملك على جناحيه فصعد به إلى السماء فقال: يا ملك الموت هذا عبد تقي نبي رفع له من العمل الصالح ما لا يرفع لأهل الأرض وإني أعجبني ذلك فاستأذنت ربي عليه فلما بشرته بذلك سألني لأشفع له إليك لتؤخر له من أجله ليزداد شكرا وعبادة، قال: ومن هذا قال: إدريس فنظر في كتاب معه حتى مر باسمه فقال: والله ما بقي من أجل إدريس شيء فمحاه فمات مكانه). [الدر المنثور: 10/84-85]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {ورفعناه مكانا عليا} قال: رفع إلى السماء السادسة فمات فيها). [الدر المنثور: 10/85]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الترمذي وصححه، وابن المنذر، وابن مردويه عن قتادة في قوله: {ورفعناه مكانا عليا} قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: لما عرج بي رأيت إدريس في السماء الرابعة). [الدر المنثور: 10/86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم {ورفعناه مكانا عليا} قال: في السماء الرابعة.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد رضي الله عنه والربيع مثله). [الدر المنثور: 10/86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: رفع إدريس كما رفع عيسى ولم يمت). [الدر المنثور: 10/86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم بسند حسن عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إدريس هو إلياس). [الدر المنثور: 10/86]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن عمر مولى غفرة يرفع الحديث إلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إن إدريس كان نبيا تقيا زكيا وكان يقسم دهره على نصفين: ثلاثة ايام يعلم الناس الخير وأربعة أيام يسيح في الأرض ويعبد الله مجتهدا، وكان يصعد من عمله وحده إلى السماء من الخير مثل ما يصعد من جميع أعمال بني آدم وإن ملك الموت أحبه في الله فأتاه حين خرج للسياحة فقال له: يا نبي الله إني أريد أن تأذن لي في صحبتك، فقال له إدريس - وهو لا يعرفه -: إنك لن تقوى على صحبتي، قال: بلى إني أرجو أن يقويني الله على ذلك، فخرج معه يومه ذلك حتى إذا كان من آخر النهار مر براعي غنم فقال ملك الموت لإدريس: يا نبي الله إنا لا ندري حيث نمسي فلو أخذنا جفرة من هذه الغنم فأفطرنا عليها فقال له إدريس: لا تعد إلى مثل هذا تدعوني إلى أخذ ما ليس لنا من حيث نمسي يأتي الله برزق فلما أمسى أتاه الله بالرزق الذي كان يأتيه فقال لملك الموت: تقدم فكل، فقال ملك الموت: لا والذي أكرمك بالنبوة ما أشتهي، فأكل إدريس وقاما جميعا إلى الصلاة ففتر إدريس وكل ومل ونعس وملك الموت لا يفتر ولا يمل ولا ينعس فعجب منه وقال: قد كنت أظن أني أقوى الناس على العبادة فهذا أقوى مني فصغرت عنده عبادته عندما رأى منه، ثم أصبحا فساحا فلما كان آخر النهار مرا بحديقة عنب فقال ملك الموت لإدريس: يا نبي الله لو أخذنا قطفا من هذا العنب لأنا لا ندري حيث نمسي، فقال إدريس: ألم أنهك عن هذا وأنت حيث تمسي يأتينا الله برزق فلما أمسى أتاه الله الرزق الذي كان يأتيه فأكل إدريس فقال لملك الموت هلم فكل، فقال: لا والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله لا أشتهي، فعجب ثم قاما إلى الصلاة ففتر إدريس أيضا وكل ومل وملك الموت لا يكل ولا يفتر ولا ينعس، فقال له عند ذلك إدريس: لا والذي نفسي بيده ما أنت من بني آدم فقال له ملك الموت عنده ذلك: أجل لست من بني آدم، فقال له إدريس: فمن أنت قال: أنا ملك الموت، فقال له إدريس: أمرت في بأمر فقال له: لو أمرت فيك بأمر ما ناظرتك [ نظرتك ] ولكني أحبك في الله وصحبتك له، فقال له إدريس: يا ملك الموت إنك معي ثلاثة أيام بلياليها لم تقبض روح أحد من الخلق قال: بلى والذي أكرمك بالنبوة يا نبي الله إني معك من حين رأيت وإني أقبض نفس من أمرت بقبض نفسه في مشارق الأرض ومغاربها وما الدنيا عندي إلا بمنزلة المائدة بين يدي الرجل يمد يده ليتناول منها ما شاء، فقال له إدريس: يا ملك الموت أسألك بالذي أحببتني له وفيه ألا [ إلا ] قضيت لي حاجة أسألكها فقال له ملك الموت: سلني ما أحببت يا نبي الله، فقال: أحب أن تذيقني الموت وتفرق بين روحي وجسدي حتى أجد طعم الموت ثم ترد إلي روحي، فقال له ملك الموت - عليه السلام -: ما أقدر على ذلك إلا أن استأذن فيه ربي، فقال له إدريس عليه السلام: فاستأذنه في ذلك، فعرج ملك الموت إلى ربه فأذن له فقبض نفسه وفرق بين روحه وجسده فلما سقط إدريس عليه السلام ميتا رد إليه روحه وطفق يمسح وجهه وهو يقول: يا نبي الله ما كنت أريد أن يكون هذا حظك من صحبتي فلما أفاق قال له ملك الموت: يا نبي الله كيف وجدت قال: يا ملك الموت قد كنت أحدث وأسمع فإذا هو أعظم مما كنت أحدث وأسمع ثم قال: يا ملك الموت أريد منك حاجة أخرى قال: وما هي قال: تريني النار حتى أنظر إلى لمحة منها، فقال له ملك الموت: وما لك والنار إني لأرجو أن لا تراها ولا تكون من أهلها قال: بلى أريد ذلك ليكون أشد لرهبتني وخوفي منها فانطلق إلى باب من أبواب جهنم فنادى بعض خزنتها فأجابوه وقالوا: من هذا قال: أنا ملك الموت، فارتعدت فرائصهم - قالوا: أمرت فينا بأمر فقال: لو أمرت فيكم بأمر ما ناظرتكم ولكن نبي الله إدريس - عليه السلام - سألني أن تروه لمحة من النار، ففتحوا له قدر ثقب المخيط فأصابه من حرها ولهبها وزفيرها ما صعق [ ه ] فقال ملك الموت: أغلقوا فأغلقوا فمسح ملك الموت وجهه وهو يقول: يا نبي الله ما كنت أحب أن يكون هذا حظك من صحبتي، فلما أفاق قال له ملك الموت: يا نبي الله كيف رأيت قال: يا ملك الموت كنت أحدث وأسمع فإذا هو أعظم مما كنت أحدث وأسمع فقال له: يا ملك الموت قد بقيت لي حاجة أخرى لم يبق غيرها، قال: وما هي قال: تريني لمحة من الجنة، قال له ملك الموت - عليه السلام: يا نبي الله أبشر فإنك إن شاء الله من خيار أهلها وإنها إن شاء الله مقيلك ومصيرك، فقال: يا ملك الموت إني أحب أن أنظر إليها ولعل ذلك أن يكون أشد لشوقي وحرصي وطلبي فذهب به إلى باب من أبواب الجنة فنادى بعض خزنتها فأجابوه فقالوا: من هذا قال: ملك الموت، فارتعدت فرائصهم وقالوا: أمرت فينا بشيء فقال: لو أمرت فيكم بشيء ما ناظرتكم ولكن نبي الله إدريس - عليه السلام - سأل أن ينظر إلى لمحة من الجنة فافتحوا، فلما فتح أصابه من بردها وطيبها وريحانها ما أخذ بقلبه فقال: يا ملك الموت إني أحب أن أدخل الجنة فآكل أكلة من ثمارها وأشرب شربة من مائها فلعل ذلك أن يكون أشد لطلبتي ورغبتي وحرصي، فقال: ادخل، فدخل فأكل من ثمارها وشرب من مائها، فقال له ملك الموت: اخرج يا نبي الله قد أصبت حاجتك حتى يردك الله مع الأنبياء يوم القيامة، فاحتضن بساق شجرة من شجر الجنة وقال: ما أنا بخارج منها وإن شئت أن أخاصمك خاصمتك، فأوحى الله إلى ملك الموت: قاضه الخصومة، فقال له ملك الموت: ما الذي تخاصمني به يا نبي الله فقال إدريس: قال الله تعالى (كل نفس ذائقة الموت) (آل عمران الآية 185) فقد ذقت الموت الذي كتبه الله على خلقه مرة واحدة، وقال الله: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا} (مريم آية 76) وقد وردتها أفأردها مرة بعد مرة وإنما كتب الله ورودها على خلقه مرة واحدة وقال لأهل الجنة: (وما هم منها بمخرجين) (الحجر آية 48) أفأخرج من شيء ساقه الله إلي فأوحى الله إلى ملك الموت: خصمك عبدي إدريس وعزتي وجلالي: إن في سابق علمي قبل أن أخلقه أنه لا موت عليه إلا الموتة التي ماتها وإنه لا يرى جهنم غلا [ خلا ] الورد الذي وردها وأنه يدخل الجنة في الساعة التي دخلها وأنه ليس بخارج منها فدعه يا ملك الموت فقد خصمك وإنه احتج عليك بحجة قوية، فلما قر قرار إدريس في الجنة وألزمه الله دخولها قبل الخلائق عجت الملائكة إلى ربهم فقالوا: ربنا خلقت [ خلقتنا قبل ] إدريس بكذا وكذا ألف سنة - ولم نعصك طرفة عين وإنما خلقت إدريس منذ أيام قلائل فأدخلته الجنة قبلنا فأوحى الله إليهم: يا ملائكتي إنما خلقتكم لعبادتي وتسبيحي وذكري وجعلت فيها لذتكم ولم أجعل لكم لذة في مطعم ولا مشرب ولا في شيء سواها وقويتكم عليها وجعلت في الأرض الزينة والشهوات واللذات والمعاصي والمحارم وإنه اجتنب ذلك كله من أجلي وآثر هواي على هواه ورضاي ومحبتي على رضاه ومحبته فمن أراد منكم أن يدخل مدخل إدريس فليهبط إلى الأرض فليعبدني بعبادة إدريس ويعمل بعمل إدريس فإن عمل مثل إدريس أدخله مدخل إدريس وإن غير أو بدل استوجب مدخل الظالمين، فقالت الملائكة: ربنا لا نطلب ثوابا ولا تصيبنا بعقاب رضينا بمكاننا منك يا رب وفضيلتك إيانا.
وانتدب ثلاثة من الملائكة: هاروت وماروت وملك آخر رضوا به فأوحى الله إليهم: أما إذا اجتمعتم على هذا فاحذروا إن نفعكم الحذر فإني أنذركم اعلموا أن أكبر الكبائر عندي أربع: - فما عملتم سواها غفرته لكم وإن عملتموها لم أغفر لكم، قالوا وما هي قال: أن لا تعبدوا صنما ولا تسفكوا دما ولا تشربوا خمرا ولا تطؤوا محرما، فهبطوا إلى الأرض على ذلك فكانوا في الأرض على مثل ما كان عليه إدريس: يقيمون أربعة ايام في سياحتهم وثلاثة أيام يعلمون الناس الخير ويدعونهم إلى عبادة الله تعالى وطاعته، حتى ابتلاهم الله بالزهرة وكانت من أجمل النساء فلما نظروا إليها افتتنوا بها - [ لما ] أراد الله ولما سبق عليهم في علمه مع خذلان الله إياهم - فنسوا ما تقدم إليهم فسألوها نفسها، قالت لهم: نعم ولكن لي زوج لا أقدر على ما تريدون مني إلا أن تقتلوه وأكون لكم، فقال بعضهم لبعض: إنا قد أمرنا أن لا نسفك دما ولا نطأ محرما ولكن نفعل هذا مع هذا ثم نتوب من هذا كله، فلما أحس الثالث بالفتنة عصمه الله من ذلك كله بالسماء فدخلها فنجا وأقام هاروت وماروت لما كتب عليهما فنشدا على زوجها فقتلاه، فلما أراداها قال [ قالت ]: لي صنم أعبده وأنا أكره معصيته وخلافه فإن أردتما فاسجدا له سجدة واحدة، فدعتهما الفتنة إلى ذلك فقال أحدهما لصاحبه: إنا قد أمرنا أن لا نسفك دما ولا نطأ حرما ولكنا نفعله ثم نتوب من جميعه فسجدوا لذلك الصنم، فلما أراداها قالت لهما: قد بقيت لي حاجة أخرى، قالا: وما هي قالت: لي شراب لا يطيب لي من العيش إلا به، قالا: وما هو قالت: الخمر، فدعتهما الفتنة إلى ذلك فقال أحدهما لصاحبه: إنا قد أمرنا أن لا نشرب خمرا فقال الآخر: إنا قد أمرنا أن لا نسفك دما ولا نطأ محرما ولكنا نفعله ثم نتوب من جميعه، فشربا الخمر، فلما أراداها قالت: قد بقيت لي حاجة أخرى، قالا: وما هي قالت: تعلماني الكلام الذي تعرجان به إلى السماء، فعلماها إياه فلما تكلمت به عرجت إلى السماء فلما انتهت إلى السماء مسخت نجما فلما ابتليا بما ابتليا به عرجا إلى السماء فغلقت أبواب السماء دونهما وقيل لهما أن السماء لا يدخلها خطاء فلما منعا من دخول السماء وعلما أنهما قد افتتنا وابتليا عجا إلى الله بالدعاء والتضرع والإبتهال فأوحى الله إليهما: حل عليكما سخطي ووجبت فيما تعرضتما واستوجبتما وقد كنتما مع ملائكتي في طاعتي وعبادتي حتى عصيتما فصرتما بذلك إلى ما صرتما إليه من معصيتي وخلاف أمري فاختارا إن شئتما عذاب الدنيا وإن شئتما عذاب الآخرة، فعلما أن عذاب الدنيا وإن طال فمصيره إلى زوال وأن عذاب الآخرة ليس له زوال ولا إنقطاع فاختارا عذاب الدنيا فهما ببابل معلقين منكوسين مقرنين إلى يوم القيامة). [الدر المنثور: 10/86-93]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند عن بعض أصحابه قال: كان ملك الموت صديقا لإدريس عليه السلام فقال له إدريس يوما: يا ملك الموت قال: لبيك، قال: أمتني فأرني كيف الموت قال له ملك الموت: سبحان الله يا إدريس إنما يفر أهل السموات والأرض من الموت وتسألني أن أريك كيف الموت قال: إني أحب أن أراه فلما ألح عليه قال له: يا إدريس أنا عبد مملوك مثلك وليس إلي من الأمر شيء، قال: فصعد ملك الموت فقال: رب إن عبدك سألني أن أريه الموت كيف هو قال الله له: فأمته، فقال له ملك الموت: يا إدريس إنما يفر الخلق من الموت قال: فأرني، فلما مات بقي ملك الموت لا يستطيع أن يرد نفسه إليه فقال: يا رب قد ترى ما إدريس فيه فرد الله إليه روحه فمكث ما شاء حيا ثم قال يا ملك الموت: أدخلني الجنة فأنظر إليها قال له: يا إدريس إنما أنا عبد مملوك مثلك ليس إلي من الأمر شيء فألح عليه فقال ملك الموت: يا رب إن عبد إدريس قد ألح علي فسألني أن أدخله الجنة فيراها وقد قلت له: إنما أنا عبد مثلك وليس إلي من الأمر شيء، قال الله: فأدخله الجنة قال: إن الله علم من إدريس ما لا أعلم أنا فاحتمله ملك الموت فأدخله الجنة فكان فيها ما شاء الله فقال له ملك الموت: اخرج بنا، قال: لا، قال الله: (أفما نحن بميتين إلا موتنا الأولى) (الصافات آية 58) وقال الله: (وما هم منها بمخرجين) (الحجرات آية 48) وما أنا بخارج منها قال ملك الموت: يا رب قد تسمع ما يقول عبدك إدريس، قال الله له: صدق عبدي هو أعلم منك فاخرج منها ودعه فيها، فقال الله: {ورفعناه مكانا عليا} ). [الدر المنثور: 10/94-95]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا (56) ورفعناه مكانا عليا} مريم آية 57 - 58 قال: كان إدريس أول نبي بعثه الله في الأرض وإنه كان يعمل فيرفع عمله مثل نصف أعمال الناس ثم إن ملكا من الملائكة أحبه فسأل الله أن يأذن له فيأتيه فأذن له فأتاه فحدثته بكرامته على الله فقال: يا أيها الملك أخبرني كم بقي من أجلي لعلي أجتهد لله في العمل، قال: يا إدريس لا يعلم هذا إلا الله، قال: فهل تستطيع أن تصعد بي إلى السماء فأنظر في ملك الله فأجتهد لله في العمل، قال: لا إلا أن تشفع، فتشفع فأمر به، فحمله تحت جناحيه فصعد به حتى إذا بلغ السماء السادسة استقبل ملك الموت نازلا من عند الله فقال: يا ملك الموت أين تريد قال: أقبض نفس إدريس، قال: وأين أمرت أن تقبض نفسه قال: في السماء السادسة، فذهب الملك ينظر إلى إدريس فإذا هو برجليه يخفقان قد مات فوضعه في السماء السادسة). [الدر المنثور: 10/95]
تفسير قوله تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آَدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {بكيًّا} [مريم: 58] : «جماعة باكٍ» ). [صحيح البخاري: 6/93]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره بكيًّا جماعة باكٍ هو قول أبي عبيدة وتعقّب بأنّ قياس جمع باكٍ بكاةٌ مثل قاضٍ وقضاةٍ وأجاب الطّبريّ بأنّ أصله بكوًّا بالواو الثّقيلة مثل قاعدٍ وقعودٍ فقلبت الواو ياءً لمجيئها بعد كسرةٍ وقيل هو مصدرٌ على وزن فعولٍ مثل جلس جلوسًا ثمّ قال يجوز أن يكون المراد بالبكيّ نفس البكاء ثمّ أسند عن عمر أنّه قرأ هذه الآية فسجد ثمّ قال ويحك هذا السّجود فأين البكاء كذا قال وكلام عمر يحتمل أن يريد الجماعة أيضًا أي أين القوم البكيّ). [فتح الباري: 8/427-428]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (بكيا جماعة باكٍ
أشار به إلى قوله تعالى: {خروا سجدا وبكياً} (مريم: 58) وقال: (بكيا) جمع (باك) وكذا قاله أبو عبيدة قلت: أصله بكوى، على وزن فعول كقعود جمع قاعد اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسّكون فقلبت ياء ثمّ أدغمت الياء في الياء ثمّ أبدلت ضمة الكاف كسرة لأجل الياء، فافهم. وقال الثّعلبيّ: هذه الآية نزلت في مؤمني أهل الكتاب عبد الله بن سلام وأصحابه). [عمدة القاري: 19/51]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({بكيًّا}) في قوله تعالى: {خرّوا سجدًّا وبكيًّا} [مريم: 58] (جماعة باك) قاله أبو عبيدة وأصله بكوي على وزن فعول بواو وياء كقعود جمع قاعد فاجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء فصار بكيًّا هكذا ثم كسرت ضمة الكاف لمجانسة الياء بعدها وهذا ليس بقياسه بل قياس جمعه على فعلة كقاض وقضاة وغزاة ورماة وقيل ليس بجمع وإنما هو مصدر على فعول نحو: جلس جلوسًا وقعد فعودًا، والمعنى إذا سمعوا كلام الله خروا ساجدين لعظمته باكين من خشيته روى ابن ماجة من حديث سعيد مرفوعًا نزل القرآن بحزن فإذا قرأتموه فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا. وقال صالح المري بالراء المهملة المشددة بعد ضم الميم قرأت القرآن على رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- في المنام فقال لي: يا صالح هذه القراءة فأين البكاء ويروى أنه كان إذا قص قال هات جونة المسك والترياق المجرب يعني القرآن ولا يزال يقرأ ويدعو ويبكي حتى ينصرف). [إرشاد الساري: 7/232]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أولئك الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين من ذرّيّة آدم وممّن حملنا مع نوحٍ ومن ذرّيّة إبراهيم وإسرائيل وممّن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن خرّوا سجّدًا وبكيًّا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: هؤلاء الّذين اقتصصت عليك أنباءهم في هذه السّورة يا محمّد، الّذين أنعم اللّه عليهم بتوفيقه، فهداهم لطريق الرّشد من الأنبياء من ذرّيّة آدم، ومن ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ في الفلك، ومن ذرّيّة إبراهيم خليل الرّحمن، ومن ذرّيّة إسرائيل، وممّن هدينا للإيمان باللّه والعمل بطاعته واجتبينا، يقول: وممّن اصطفينا واخترنا لرسالتنا ووحينا، فالّذي عني به من ذرّيّة آدم إدريس، والّذي عني به من ذرّيّة من حملنا مع نوحٍ إبراهيم، والّذي عني به من ذرّيّة إبراهيم إسحاق ويعقوب وإسماعيل، والّذي عني به من ذرّيّة إسرائيل: موسى وهارون وزكريّا وعيسى وأمّه مريم، ولذلك فرّق تعالى ذكره أنسابهم وإن كان يجمع جميعهم آدم لأنّ فيهم من ليس من ولد من كان مع نوحٍ في السّفينة، وهو إدريس، وإدريس جدّ نوحٍ.
وقوله تعالى ذكره: {إذا تتلى عليهم آيات الرّحمن} يقول: إذا تتلى على هؤلاء الّذين أنعم اللّه عليهم من النّبيّين أدلّة اللّه وحججه الّتي أنزلها الله عليهم في كتبه، خرّوا للّه سجّدًا، استكانةً له وتذلّلاً وخضوعًا لأمره وانقيادًا له {وبكيًّا} يقول: خرّوا سجّدًا وهم باكون، والبكيّ: جمع باكٍ، كما العتيّ جمع عاتٍ والجثيّ: جمع جاثٍ، فجمع وهو فاعلٌ على فعولٍ، كما يجمع القاعد قعودًا، والجالس جلوسًا، وكان القياس أن يكون: بكوًّيا وعتوًّا، ولكن كرهت الواو بعد الضّمّة فقلبت الواو ياءً، كما قيل في جمع دلو أدلٍ. وفي جمع البهو أبهٍ، وأصل ذلك أفعل أدلو وأبهو، فقلبت الواو ياءً لمجيئها بعد الضّمّة استثقالاً، وفي ذلك لغتان مستفيضتان، قد قرأ بكلّ واحدةٍ علماء من القرّاء بالقرآن بكيًّا وعتوًّا بالضّمّ، وبكيًّا وعتيًّا بالكسر.
وقد يجوز أن يكون البكيّ هو البكاء بعينه.
- وقد: حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبى معمر، قال: قرأ عمر بن الخطّاب سورة مريم فسجد وقال: هذا السّجود، فأين البكيّ يريد: فأين البكاء). [جامع البيان: 15/565-566]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 58
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين} قال: هذه تسمية الأنبياء الذين ذكرهم، أما من ذرية آدم: فإدريس ونوح وأما من حمل مع نوح: فإبراهيم - وأما ذرية إبراهيم: فإسماعيل وإسحاق ويعقوب.
وأمّا بني اسرئيل: فموسى هارون وزكريا ويحيى وعيسى). [الدر المنثور: 10/96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {واجتبينا} قال خلصنا). [الدر المنثور: 10/96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قيس بن سعد قال: جاء ابن عباس حتى قام على عبيد بن عمير وهو يقص فقال: {واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا} مريم آية 42 {واذكر في الكتاب إسماعيل} مريم آية 54 {واذكر في الكتاب إدريس} الآية، حتى بلغ {أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين} قال ابن عباس: (ذكرهم بأيام الله) (إبراهيم آية 6) وأثن على من أثنى الله عليه). [الدر المنثور: 10/96]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي الدنيا في البكاء، وابن جرير، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عمر بن الخطاب: أنه قرأ سورة مريم فسجد ثم قال: هذا السجود فأين البكاء). [الدر المنثور: 10/96]