تفسير قوله تعالى: (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمِْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ (37) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى {ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون} قال اجتمع بنو إسرائيل فأخرجوا منهم أربعة نفر أخرج كل قوم عالمهم فامتروا في عيسى حين رفع فقال أحدهم هو الله هبط إلى الأرض فأحيا من أحيا وأمات من أمات ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية قال فقال الثلاثة كذبت ثم قال اثنان منهم للثالث قل فقال هو ابن الله وهم النسطورية فقال اثنان كذبت ثم قال أحد الاثنين للآخر قل فيه قال هو ثالث ثلاثة الله وهو إله وأمه إله وهم الإسرائيلية وهم ملوك النصارى قال الرابع كذبت هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته وهم المسلمون فكانت لكل رجل منهم أتباع على ما قال فاقتتلوا فظهر على المسلمين وذلك قول الله {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس} قال قتادة وهم الذين قال الله فيهم {فاختلف الأحزاب من بينهم} فاختلفوا فيه فصاروا أحزابا). [تفسير عبد الرزاق: 2/8] (م)
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن موسى بن عبيدة عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ في قوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم} قال: في عيسى فمنهم من قال: ولد ومنهم من قال: بغية يعني الفرية [الآية: 37]). [تفسير الثوري: 185]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاختلف الأحزاب من بينهم فويلٌ للّذين كفروا من مشهد يومٍ عظيمٍ}.
يقول تعالى ذكره: فاختلف المختلفون في عيسى، فصاروا أحزابًا متفرّقين من بين قومه، كما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثني الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم} قال: أهل الكتاب.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم} ذكر لنا أنّه لمّا رفع ابن مريم، انتخبت بنو إسرائيل أربعةً من فقهائهم، فقالوا للأوّل: ما تقول في عيسى؟ قال: هو اللّه هبط إلى الأرض، فخلق ما خلق، وأحيا ما أحيا، ثمّ صعد إلى السّماء، فتابعه على ذلك ناسٌ من النّاس، فكانت اليعقوبيّة من النّصارى، وقال الثّلاثة الآخرون: نشهد أنّك كاذبٌ، فقالوا للثّاني: ما تقول في عيسى؟ قال: هو ابن اللّه، فتابعه على ذلك ناسٌ من النّاس، فكانت النّسطوريّة من النّصارى، وقال الاثنان الآخران: نشهد أنّك كاذبٌ، فقالوا للثّالث: ما تقول في عيسى؟ قال: هو إلهٌ، وأمّه إلهٌ، واللّه إلهٌ، فتابعه على ذلك ناسٌ من النّاس، فكانت الإسرائيليّة من النّصارى، فقال الرّابع: أشهد أنّك كاذبٌ، ولكنّه عبد اللّه ورسوله، هو كلمة اللّه وروحه، فاختصم القوم، فقال المرء المسلم: أنشدكم اللّه ما تعلمون أنّ عيسى كان يطعم الطّعام، وأنّ اللّه تبارك وتعالى: لا يطعم الطّعام قالوا: اللّهمّ نعم، قال: هل تعلمون أنّ عيسى كان ينام؟ قالوا: اللّهمّ نعم، قال فخصمهم المسلم، قال: فاقتتل القوم. قال: فذكر لنا أنّ اليعقوبيّة ظهرت يومئذٍ وأصيب المسلمون، فأنزل اللّه في ذلك القرآن: {إنّ الّذين يكفرون بآيات اللّه ويقتلون النّبيّين بغير حقٍّ ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس فبشّرهم بعذابٍ أليمٍ}
- وحدّثنا الحسن، قال: أخبرنا إسحاق، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة {فاختلف الأحزاب من بينهم} اختلفوا فيه فصاروا أحزابًا.
وقوله: {فويلٌ للّذين كفروا من مشهد يومٍ عظيمٍ} يقول: فوادي جهنّم الّذي يدعى ويلاً للّذين كفروا باللّه، من الزّاعمين أنّ عيسى للّه ولدٌ، وغيرهم من أهل الكفر به من شهودهم يومًا عظيمًا شأنه، وذلك يوم القيامة.
وكان قتادة يقول في تأويل ذلك ما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال اللّه: {فويلٌ للّذين كفروا من مشهد يومٍ عظيمٍ} شهدوا هولاً إذًا عظيمًا). [جامع البيان: 15/541-542]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فاختلف الأحزاب من بينهم قال الأحزاب أهل الكتاب). [تفسير مجاهد: 386]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فاختلف الأحزاب من بينهم} قال: هم أهل الكتاب). [الدر المنثور: 10/72]
تفسير قوله تعالى: (أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنَا لَكِنِ الظَّالِمُونَ الْيَوْمَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (38) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أسمع بهم وأبصر قال أسمع قوم وأبصرهم يوم يأتوننا يوم القيامة). [تفسير عبد الرزاق: 2/8]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: {أسمع بهم وأبصر} [مريم: 38] «اللّه يقوله، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون»، {في ضلالٍ مبينٍ} [مريم: 38] : " يعني قوله: {أسمع بهم وأبصر} [مريم: 38] : الكفّار يومئذٍ أسمع شيءٍ وأبصره "). [صحيح البخاري: 6/93]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عبّاس أسمع بهم وأبصر الله يقوله وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون في ضلال مبين يعني قوله أسمع بهم وأبصر الكفّار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ وعند عبد الرّزّاق عن قتادة أسمع بهم وأبصر يعني يوم القيامة زاد الطّبريّ من وجهٍ آخر عن قتادة سمعوا حين لا ينفعهم السّمع وأبصروا حين لا ينفعهم البصر). [فتح الباري: 8/427]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس {أسمع بهم وأبصر} الله يقوله وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون {في ضلال مبين} يعني قوله {أسمع بهم وأبصر} الكفّار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره {لأرجمنك} لأشتمنك {ورئيا} منظرًا
قال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى ثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله 28 مريم {أسمع بهم وأبصر} يقول الكفّار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون {في ضلال مبين}
وبه في قوله 46 مريم {لأرجمنك} قال لأشتمنك). [تغليق التعليق: 4/248]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قال ابن عبّاسٍ أسمع بهم وأبصر الله يقوله وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون في ضلالٍ مبينٍ يعني قوله أسمع بهم وأبصر الكفّار يومئذٍ أسمع شيءٍ وأبصره.
أي: قال ابن عبّاس: في قوله تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظّالمون اليوم في ضلال مبين} (مريم: 38) . قوله: أسمع بهم وأبصر لفظه لفظ الأمر ومعناه الخبر، أي: ما اسمعهم وأبصرهم يوم القيامة حين لا ينفعهم ذلك، وقيل: سمع بحديثهم وأبصر كيف يسمع بهم يوم يأتوننا، يعني: يوم القيامة. قوله: (الله يقوله) ، جملة إسمية. قوله: (وهم) أي: الكفّار اليوم لا يسمعون ولا يبصرون، واليوم نصب على الظّرف. قوله: (الكفّار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره لكنهم اليوم) ، يعني في الدّنيا في ضلال مبين لا يسمعون ولا يبصرون، ثمّ تعليق ابن عبّاس هذا وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس). [عمدة القاري: 19/50]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({أسمع بهم وأبصر}) [مريم: 38] ولأبي ذر أبصر بهم وأسمع على التقديم والتأخير والأوّل هو الموافق للفظ التنزيل (الله يقوله) جملة اسمية (وهم) أي الكفار ({اليوم}) نصب على الظرفية ولأبي ذر عن الحموي والمستملي القوم بالقاف (لا يسمعون ولا يبصرون {وفي ضلال مبين}) هو معنى قوله: {لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين} قال في الأنوار أوقع الظالمين موقع الضمير أي لكنهم اليوم إشعارًا بأنهم ظلموا أنفسهم حيث أغفلوا الاستماع والنظر حين ينفعهم (يعني قوله {أسمع بهم وأبصر} الكفار يومئذٍ) أي يوم القيامة (أسمع شيء وأبصره) حين لا ينفعهم ذلك كما قال تعالى: {ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا} [السجدة: 12] وقول الزركشي في التنقيح يريد أن قوله: {أسمع بهم وأبصر} أمر بمعنى الخبر كما قال تعالى: {صم بكم عمي فهم لا يرجعون) تعقبه، في المصابيح فقال أظنه لم يفهم كلام ابن عباس ولذلك ساقه على هذا الوجه وكونه أمر بمعنى الخبر لا يقتضي انتفاء سماعهم وأبصارهم بل يقتضي ثبوته ثم هو ليس أمرًا بمعنى الخبر بل هو لإنشاء التعجب أي ما أسمعهم وما أبصرهم والأمر المفهوم منه بحسب الظاهر غير مراد بل انمحى الأمر فيه وصار متمحضًا لإنشاء التعجب، ومراد ابن عباس أن المعنى ما أسمع الكفار وأبصرهم في الدار الآخرة وإن كانوا في دار الدنيا لا يسمعون ولا يبصرون، ولذا قال الكفار يومئذٍ أسمع شيء وأبصره انتهى.
وأصح الأعاريب فيه كما في الدر أن فاعله هو المجرور بالباء والباء زائدة وزيادتها لازمة إصلاحًا للفظ لأن أفعل أمرًا لا يكون فاعله إلا ضميرًا مستترًا ولا يجوز حذف هذه الباء إلا مع أن وإن فالمجرور مرفوع المحل ولا ضمير في أفعل وقيل بل هو أمر حقيقة والمأمور هو رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- والمعنى أسمع الناس وأبصر بهم وبحديثهم ماذا يصنع بهم من العذاب وهو منقول عن أبي العالية). [إرشاد الساري: 7/231-232]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظّالمون اليوم في ضلالٍ مبينٍ}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن حال الكافرين به، الجاعلين له أندادًا، والزّاعمين أنّ له ولدًا يوم ورودهم عليه في الآخرة: لئن كانوا في الدّنيا عميًا عن إبصار الحقّ، والنّظر إلى حجج اللّه الّتي تدلّ على وحدانيّته، صمًّا عن سماع آي كتابه، وما دعتهم إليه رسل اللّه فيها من الإقرار بتوحيده، وما بعث به أنبياءه، فما أسمعهم يوم قدومهم على ربّهم في الآخرة، وأبصرهم يومئذٍ حين لا ينفعهم الإبصار والسّماع.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أسمع بهم وأبصر} ذاك واللّه يوم القيامة، سمعوا حين لم ينفعهم السّمع، وأبصروا حين لم ينفعهم البصر.
- حدّثنا الحسن، قال أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {أسمع بهم وأبصر} قال: أسمع قومٍ وأبصره.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، قال أسمع قوم وأبصر {يوم يأتوننا} يوم القيامة.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، قال: {أسمع} بحديثهم اليوم {وأبصر} كيف يصنع بهم {يوم يأتوننا}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا} قال: هذا يوم القيامة، فأمّا الدّنيا فلا، كانت على أبصارهم غشاوةٌ، وفي آذانهم وقرٌ في الدّنيا، فلمّا كان يوم القيامة أبصروا وسمعوا فلم ينتفعوا، وقرأ: {ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنّا موقنون}.
وقوله: {لكن الظّالمون اليوم في ضلالٍ مبينٍ} يقول تعالى ذكره: لكن الكافرون الّذين أضافوا إليه ما ليس من صفته، وافتروا عليه الكذب اليوم في الدّنيا، في ضلالٍ مبينٍ يقول: في ذهابٍ عن سبيل الحقّ، وأخذٍ على غير استقامةٍ، مبينٌ أنّه جائرٌ عن طريق الرّشد والهدى، لمن تأمّله وفكّر فيه، فهدي لرشده). [جامع البيان: 15/543-544]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 38 - 40.
أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس {أسمع بهم وأبصر} يقول الكفار يومئذ: أسمع شيء وأبصره وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون). [الدر المنثور: 10/72]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن قتادة في قوله: {أسمع بهم وأبصر} قال: أسمع قوم وأبصر قوم {يوم يأتوننا} قال: ذلك والله يوم القيامة). [الدر المنثور: 10/72]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم في قوله: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا} قال: والله ذلك يوم القيامة سمعوا حين لم ينفعهم السمع وأبصروا حين لم ينفعهم البصر). [الدر المنثور: 10/72]
تفسير قوله تعالى: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39]
- حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا أبو صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنّة، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلّهم قد رآه، ثمّ ينادي: يا أهل النّار، فيشرئبّون وينظرون، فيقول: وهل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، وكلّهم قد رآه، فيذبح ثمّ يقول: يا أهل الجنّة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النّار خلودٌ فلا موت، ثمّ قرأ: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ} [مريم: 39] ، وهؤلاء في غفلةٍ أهل الدّنيا {وهم لا يؤمنون} [مريم: 39] "). [صحيح البخاري: 6/93-94]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله عز وجل وأنذرهم يوم الحسرة)
ذكر فيه حديث أبي سعيدٍ في ذبح الموت وسيأتي في الرّقاق مشروحًا وقوله فيه فيشرئبّون بمعجمةٍ وراء مفتوحةٍ ثمّ همزةٍ مكسورةٍ ثمّ موحّدةٍ ثقيلةٍ مضمومةٍ أي يمدّون أعناقهم ينظرون وقوله أملح قال القرطبيّ الحكمة في ذلك أن يجمع بين صفتي أهل الجنّة والنّار السّواد والبياض قوله ثمّ قرأ وأنذرهم في رواية سعيد بن منصورٍ عن أبي معاوية عن الأعمش في آخر الحديث ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيستفاد منه انتفاء الإدراج وللتّرمذيّ من وجهٍ آخر عن الأعمش في أوّل الحديث قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنذرهم يوم الحسرة فقال يؤتى بالموت الخ). [فتح الباري: 8/428]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} (مريم: 39)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون} أي: أنذر كفار مكّة يوم الحسرة يوم القيامة يوم يتحسر المسيء هلا أحسن العمل، والمحسن هلا ازداد من الإحسان، وأكثر المفسّرين يوم الحسرة حين يذبح الموت. قوله: (إذ قضى الأمر) ، أي: فرغ من الحساب، وقيل: ذبح الموت وهم في غفلة في الدّنيا وهم لا يؤمنون بما يكون في الآخرة، وكلمة: إذ، بدل من الحسرة، أو منصوب بالحسرة.
- حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدّثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح فينادي منادٍ يا أهل الجنّة فيشرئبّون وينظرون فيقول هل تعرفون هاذا فيقولون نعم هاذا الموت وكلّهم قد رآه ثمّ ينادي يا أهل النّار فيشرئبّون وينظرون فيقول هل تعرفون هاذا فيقولون نعم هاذا الموت وكلّهم قد رآه فيذبح ثمّ يقول يا أهل الجنّة خلودٌ فلا موت ويا أهل النّار خلودٌ فلا موت ثمّ قرأ: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ وهاؤلاء في غفلةٍ أهل الدّنيا وهم لا يؤمنون} (مريم: 39).
مطابقته للتّرجمة ظاهرة، والأعمش هو سليمان، وأبو صالح هو ذكوان السمان، وأبو سعيد اسمه سعد بن مالك.
والحديث أخرجه مسلم في صفة النّار عن عثمان بن أبي شيبة وغيره. وأخرجه التّرمذيّ في التّفسير عن أحمد بن المنيع. وأخرجه النّسائيّ في التّفسير عن هناد بن العوسى.
قوله: (يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح) ، والأملح الّذي فيه بياض كثير سواد، قاله الكسائي، وقال ابن الأعرابي: هو الأبيض الخالص، والحكمة في كونه على هيئة كبش أبيض لأنّه جاء: أن ملك الموت أتى آدم عليه الصّلاة والسّلام، في صورة كبش أملح قد نشر من أجنحته أربعة آلاف جناح، والحكمة في كون الكبش أملح أبيض وأسود، أن البياض من جهة الجنّة والسواد من جهة النّار، قاله عليّ بن حمزة. قوله: (فيشرئبّون) ، من الإشريباب، يقال: اشرأب إذا مد عنقه لينظر، وقال الأصمعي: إذا رفع رأسه. قوله: (فيقولون نعم) فإن قلت: من أين عرفوا ذلك حتّى يقولون نعم؟ قلت: لأنهم يعاينون ملك الموت في هذه الصّورة عند قبض أرواحهم. قوله: (فيذبح) ، أي: بين الجنّة والنّار، فيذبح، الحديث. وقيل: يذبح على الصّراط على ما رواه ابن ماجه عن أبي هريرة بلفظ: يجاء بالموت فيوقف على الصّراط، فيقال: يا أهل الجنّة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم، ثمّ يقال: يا أهل النّار فيطلعون مستبشرين فرحين أن يخرجوا من النّار، هذا الموت فيؤمر به فيذبح على الصّراط، وقيل: يذبح على السّور الّذي بين الجنّة والنّار، وأخرج التّرمذيّ هذا، فيقولون: نعم هذا الموت، ثمّ قال: حسن صحيح. فإن قلت: الموت عرض بنا في الحياة أو هو عدم الحياة، فكيف يذبح؟ قلت: يجعله الله مجسماً حيوانا مثل الكبش أو المقصود منه التّمثيل، وعن ابن عبّاس ومقاتل والكلبي، أن الموت والحياة جسمان، فالموت في هيئة كبش لا يمر بشيء ولا يجد ريحه شيء إلاّ مات، وخلق الحياة على صورة فرس أنثى بلقاء وهي الّتي كان جبريل والأنبياء عليهم الصّلاة والسّلام، يركبونها خطوها مد البصر فوق الحمار ودون البغل لا يمر بشيء ولا يجدر ريحها إلاّ حيى، وهو الّذي أخذ السامري من أثرها فألقاه على العجل، فإن قلت: من الذّابح للموت؟ قلت: يذبحه يحيى بن زكريّا عليه الصّلاة والسّلام، بين يدي النّبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: الّذي يذبحه جبريل عليه الصّلاة والسّلام، ذكره القرطبيّ في (التّذكرة) . قوله: (خلود لا موت) ، لفظ: خلود إمّا مصدر، وإمّا جمع خالد. قال الكرماني: ولم يبين ما وراء ذلك. قلت: إذا كان مصدرا يكون تقديره: أنتم خلود وصف بالمصدر للمبالغة، كما تقول: رجل عدل وإذا كان جمعا يكون تقديره: أنتم خالدون، وهذا أيضا يدل على الخلود لأهل الدّارين لا إلى أمد وغاية، ومن قال: إنّهم يخرجون منها وإن النّار تبقى خالية وإنّها تفنى وتزول فقد خرج عن مقتضى العقول وخالف ما جاء به الرّسول وما أجمع عليه أهل السّنة والعدول، وإنّما تخلى جهنّم وهي الطّبقة العليا الّتي فيها عصاة أهل التّوحيد، وهي الّتي ينبت على شفيرها الجرجير، وقد بين ذلك موقوفا عبد الله بن عمرو بن العاص: يأتي على النّار زمان تخفق الرّياح أبوابها ليس فيها أحد من الموحّدين، وهذا، وإن كان موقوفا فإن مثله لا يقال بالرّأي قوله: (وهم في غفلة) ، فسر بهؤلاء ليشير إليهم بيانا لكونهم أهل الدّنيا إذ الآخرة ليست دار غفلة). [عمدة القاري: 19/51-52]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39]
(وأنذرهم) ولأبي ذر باب قوله عز وجل: ({وأنذرهم يوم الحسرة}) [مريم: 39] هو من أسماء يوم القيامة كما قاله ابن عباس وغيره.
- حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ حدّثنا أبي، حدّثنا الأعمش، حدّثنا أبو صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ -رضي الله عنه- قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «يؤتى بالموت كهيئة كبشٍ أملح فينادي منادٍ يا أهل الجنّة فيشرئبّون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت وكلّهم قد رآه ثمّ ينادي يا أهل النّار فيشرئبّون وينظرون فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت وكلّهم قد رآه ثمّ ينادي يا أهل النّار فيشرئبّون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم. هذا الموت وكلّهم قد رآه فيذبح، ثمّ يقول: يا أهل الجنّة خلودٌ فلا موت ويا أهل النّار خلودٌ فلا موت" ثمّ قرأ: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ} وهؤلاء في غفلةٍ أهل الدّنيا وهم لا يؤمنون".
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بالغين المعجمة والمثلثة آخره النخعي الكوفي قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق بن معاوية قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح) ذكوان السمان (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وفي نسخة قال النبي (-صلّى اللّه عليه وسلّم-): (يؤتى بالموت) الذي هو عرض من الأعراض جسمًا (كهيئة كبش أملح) بالحاء المهملة فيه بياض وسواد لكن سواده أقل (فينادي مناد) لم يسم (يا أهل الجنة فيشرئبون) بفتح التحتية وسكون الشين المعجمة وفتح الراء وبعد الهمزة المكسورة موحدة مشدّدة فواو ساكنة فنون آخره أي يمدون أعناقهم ويرفعون رؤوسهم (وينظرون) وعند ابن حبان في صحيحه وابن ماجه عن أبي هريرة فيطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه (فيقول هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه) أي وعرفه بما يلقيه الله في قلوبهم أنه الموت (ثم ينادي) أي المنادي (يا أهل النار فيشرئبون وينظرون) وعند ابن حبان وابن ماجة فيطلعون فرحين مستبشرين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه (فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيذبح).
وفي باب صفة الجنة والنار من كتاب الرقاق جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار ثم يذبح، وعند ابن ماجه فيذبح على الصراط، وعند الترمذي في باب خلود أهل الجنة من حديث أبي هريرة فيضجع فيذبح ذبحًا على السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار وفي تفسير إسماعيل بن أبي زياد الشامي أحد الضعفاء في آخر حديث السور الطويل أن الذابح له جبريل عليه السلام كما نقله عنه الحافظ ابن حجر، وذكر صاحب خلع النعلين فيما نقله في التذكرة أن الذابح له يحيى بن زكريا بين يدي النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وقال قوم: المذبوح متولي الموت وكلهم يعرفه لأنه الذي تولى قبض أرواحهم في الدنيا.
فإن قلت: ما الحكمة في مجيء الموت في صورة الكبش دون غيره؟ أجيب: بأن ذلك إشارة إلى حصول الفداء لهم به كما فدى ولد الخليل بالكبش وفي الأملح إشارة إلى صفتي أهل الجنة والنار.
(ثم يقول) ذلك المنادي: (يا أهل الجنة خلود) أبد الآبدين (فلا موت ويا أهل النار خلود) أبد الآددين (فلا موت) وخلود إما مصدر أي أنتم خلود ووصف بالمصدر للمبالغة كرجل عدل أو جمع أي أنتم خالدون زاد في الرقاق فيزداد أهل الجنة فرحًا إلى فرحهم ويزداد، أهل النار حزنًا إلى حزنهم وعند الترمذي فلو أن أحدًا مات فرحًا لمات أهل الجنة ولو أن أحدًا مات حزنًا لمات أهل النار (ثم قرأ) النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أو أبو سعيد ({وأنذرهم يوم الحسرة}) الخطاب للنبي-صلّى اللّه عليه وسلّم- أي أنذر جميع الناس (إذ قضي الأمر) أي فصل بين أهل الجنة والنار ودخل كل إلى ما صار إليه مخلدًا فيه ({وهم في غفلة}) - أي ({وهؤلاء في غفلة}) أي ({أهل الدنيا}) إذ الآخرة ليست دار غفلة ({وهم لا يؤمنون}) نفى عنهم الإيمان على سبيل الدوام مع الاستمرار في الأزمنة الماضية والآتية على سبيل التأكيد والمبالغة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صفة النار والترمذي والنسائي في التفسير). [إرشاد الساري: 7/232-233]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا أحمد بن منيعٍ، قال: حدّثنا النّضر بن إسماعيل أبو المغيرة، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قرأ رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم {وأنذرهم يوم الحسرة} قال: يؤتى بالموت كأنّه كبشٌ أملح حتّى يوقف على السّور بين الجنّة والنّار، فيقال: يا أهل الجنّة فيشرئبّون، ويقال: يا أهل النّار فيشرئبّون، فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت، فيضجع فيذبح، فلولا أنّ اللّه قضى لأهل الجنّة الحياة والبقاء، لماتوا فرحًا، ولولا أنّ اللّه قضى لأهل النّار الحياة فيها والبقاء، لماتوا ترحًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي: 5/166]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة}
- أخبرنا هنّاد بن السّريّ، عن محمّدٍ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " إذا دخل أهل النّار النّار، وأدخل أهل الجنّة الجنّة، يجاء بالموت كأنّه كبشٌ أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنّة، تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبّون وينظرون، وكلٌّ قد رأوه، فيقولون: نعم، هذا الموت، ثمّ ينادي: يا أهل النّار، تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون، وكلّهم قد رأوه فيقولون: نعم، هذا الموت، فيؤخذ فيذبح، ثمّ ينادي: يا أهل الجنّة، خلودٌ ولا موت، ويا أهل النّار، خلودٌ ولا موت، فذلك قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ} [مريم: 39] قال: أهل الدّنيا في غفلةٍ "
- أخبرنا محمّد بن عبيد بن محمّدٍ، حدّثنا أسباطٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآية {وأنذرهم يوم الحسرة} [مريم: 39] قال: " ينادي: يا أهل الجنّة، فيشرئبّون فينظرون، وينادي: يا أهل النّار، فيشرئبّون فينظرون، فيقال: هل تعرفون الموت؟ فيقولون: نعم، فيجاء بالموت في صورة كبشٍ أملح، فيقال: هذا الموت، فيقدّم فيذبح، قال: يا أهل الجنّة، خلودٌ ولا موت، ويقال: يا أهل النّار، خلودٌ لا موت " قال ثمّ قرأ {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} [مريم: 39]). [السنن الكبرى للنسائي: 10/168]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ وهم لا يؤمنون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وأنذر يا محمّد هؤلاء المشركين باللّه يوم حسرتهم وندمهم، على ما فرّطوا في جنب اللّه، وأورثت مساكنهم من الجنّة أهل الإيمان باللّه والطّاعة له، وأدخلوهم مساكن أهل الإيمان باللّه من النّار، وأيقن الفريقان بالخلود الدّائم، والحياة الّتي لا موت بعدها، فيا لها حسرةً وندامةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن بن مهديٍّ، قال: حدّثنا سفيان، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: حدّثنا أبو الزّعراء، عن عبد اللّه، في قصّةٍ ذكرها، قال: فليس نفسٍ إلاّ وهي تنظر إلى بيتٍ في الجنّة، وبيتٍ في النّار، وهو يوم الحسرة، فيرى أهل النّار البيت الّذي فى الجنه، فيقال لهم: لو عملتم فتأخذهم الحسرة، ويرى أهل الجنّة البيت الّذي في النّار، فيقال: لولا أن منّ اللّه عليكم.
- وحدّثني أبو السّائب، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " يجاء بالموت يوم القيامة فيوقف بين الجنّة والنّار كأنّه كبشٌ أملح " قال: " فيقال: يا أهل الجنّة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون، فيقولون: نعم، هذا الموت، فيقال: يا أهل النّار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبّون وينظرون، فيقولون: نعم هذا الموت، ثمّ يؤمر به فيذبح " قال: " فيقول: يا أهل الجنّة خلودٌ فلا موت، ويا أهل النّار خلودٌ فلا موت " قال: ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ وهم لا يؤمنون} وأشار بيده في الدّنيا.
- حدّثني عبيد بن أسباط بن محمّدٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في هذه الآية {وأنذرهم يوم الحسرة} قال: " ينادى: يا أهل الجنّة، فيشرئبّون، فينظرون، ثمّ ينادى: يا أهل النّار فيشرئبّون فينظرون، فيقال: هل تعرفون الموت؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيجاء بالموت في صورة كبشٍ أملح، فيقال: هذا الموت، ثمّ يؤخذ فيذبح، قال: ثمّ ينادى يا أهل النّار خلودٌ فلا موت، ويا أهل الجنّة خلودٌ فلا موت " قال: ثمّ قرأ {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ وهم لا يؤمنون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} قال: يصوّر اللّه الموت في صورة كبشٍ أملح، فيذبح، قال: فييأس أهل النّار من الموت، فلا يرجونه، فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النّار، وفيها أيضًا الفزع الأكبر، ويأمن أهل الجنّة الموت، فلا يخشونه، وأمنوا الموت، وهو الفزع الأكبر، لأنّهم يخلّدون في الجنّة.
قال ابن جريجٍ: يحشر أهل النّار حين يذبح الموت والفريقان ينظرون، فذلك قوله: {إذ قضي الأمر} قال: ذبح الموت {وهم في غفلةٍ}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن أبيه، أنّه أخبره أنّه سمع عبيد بن عميرٍ، في قصصه يقول: يؤتى بالموت كأنّه دابّةٌ، فيذبح والنّاس ينظرون.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} قال: يوم القيامة، وقرأ {أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه}.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {وأنذرهم يوم الحسرة} من أسماء يوم القيامة، عظّمه اللّه، وحذّره عباده.
وقوله: {إذ قضي الأمر} يقول: إذ فرغ من الحكم لأهل النّار بالخلود فيها، ولأهل الجنّة بمقام الأبد فيها، بذبح الموت.
وقوله: {وهم في غفلةٍ} يقول: وهؤلاء المشركون في غفلةٍ عمّا اللّه فاعلٌ بهم يوم يأتونه خارجين إليه من قبورهم، من تخليده إيّاهم في جهنّم، وتوريثه مساكنهم من الجنّة غيرهم {وهم لا يؤمنون} يقول تعالى ذكره: وهم لا يصدّقون بالقيامة والبعث، ومجازاة اللّه إيّاهم على سيّئ أعمالهم، بما أخبر أنّه مجازيهم به). [جامع البيان: 15/544-547]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (أخبرنا أبو يعلى حدثنا إسحاق بن إبراهيم المروزي حدّثنا محمّد بن خازمٍ حدّثنا الأعمش عن أبي صالحٍ عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم {إذ قضي الأمر وهم في غفلةٍ} قال: "في الدّنيا"). [موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان: 1/433]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وأحمد، وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو يعلى، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يجاء بالموت كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا فيشرفون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه ثم يقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا فيشرفون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت وكلهم قد رآه فيؤمر به فيذبح فيقال: يا أهل الجنة خلود بلا موت ويا أهل النار خلود بلا موت ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة} وأشار بيده وقال: أهل الدنيا في غفلة). [الدر المنثور: 10/73]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج النسائي، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} قال: ينادى يا أهل الجنة فيشرفون وينادى يا أهل النار فيشرفون وينظرون فيقال: ما تعرفون هذا فيقولون: نعم فيجاء بالموت في صورة كبش أملح فيقال: هذا الموت فيقرب ويذبح ثم يقال: يا أهل الجنة خلود لا موت ويا أهل النار خلود ولا موت ثم قرأ {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} ). [الدر المنثور: 10/73-74]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة} قال: يصور الله الموت في صورة كبش أملح فيذبح فييأس أهل النار من الموت فيما يرجونه فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النار). [الدر المنثور: 10/74]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يأتي الموت بصورة كبش أملح حتى يوقف بين الجنة والنار ثم ينادي مناد يا أهل الجنة هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا ولا يبقى أحد في عليين ولا في أسفل درجة من الجنة إلا نظر إليه ثم ينادي يا أهل النار هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا فلا يبقى أحد في ضحضاح من النار ولا أسفل درك من جهنم إلا نظر إليه ثم يذبح بين الجنة والنار ثم ينادي يا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدين، ويا أهل النار هو الخلود أبد الآبدين فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتا من فرحة ماتوا ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحدا ميتا من شهقة ماتوا فذلك قوله: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر} يقول: إذا ذبح الموت). [الدر المنثور: 10/74-75]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق علي عن ابن عباس يوم الحسرة هو من أسماء يوم القيامة، وقرأ (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله) (الزمر آية 56) ). [الدر المنثور: 10/75]
تفسير قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون}
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا يحزنك تكذيب هؤلاء المشركين لك يا محمّد فيما أتيتهم به من الحقّ، فإنّ إلينا مرجعهم ومصيرهم ومرجع جميع الخلق غيرهم، ونحن وارثو الأرض ومن عليها من النّاس، بفنائهم منها، وبقائها لا مالك لها غيرنا، ثمّ علينا جزاء كلّ عاملٍ منهم بعمله، عند مرجعه إلينا، المحسن منهم بإحسانه، والمسيء بإساءته). [جامع البيان: 15/548]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن عبد العزيز: أنه كتب إلى عامله بالكوفة أما بعد: فإن الله كتب على خلقه حين خلقهم الموت فجعل مصيرهم إليه فقال: فيما أنزل في كتابه الصادق الذي أنزله بعلمه وأشهد ملائكته على خلقه أنه يرث الأرض ومن عليها وإليه يرجعون). [الدر المنثور: 10/75]