العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الكهف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 01:46 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي تفسير سورة الكهف [ من الآية (65) إلى الآية (70) ]

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (65) إلى الآية (70) ]

{فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}



رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 10:34 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن عباس قال لما اقتص موسى أثر الحوت انتهى إلى رجل راقد وقد سجى عليه ثوبه فسلم عليه موسى فكشف الرجل عن وجهه فرد عليه السلام ثم قال له من أنت قال أنا موسى قال صاحب بني إسرائيل قال نعم قال أو ما كان لك في بني إسرائيل شغل قال بلى ولكن أمرت أن آتيك وأصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} كما قص الله حتى بلغ {إذا ركبا في السفينة خرقها} قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} يقول نكرا {قال لا تأخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} {فانطلقا حتى إذا لقيا غلما فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} قال معمر قال الحسن تائبة قال أبو إسحاق في حديثه لقد جئت شيئا نكرا حتى بلغ {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا}). [تفسير عبد الرزاق: 1/406]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا يحيى بن موسى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن همّام بن منبّهٍ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّما سمّي الخضر لأنّه جلس على فروةٍ بيضاء فاهتزّت تحته خضراء.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ). [سنن الترمذي: 5/164]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا} يقول: فوجد موسى وفتاه عند الصخره حين رجعا إليها {عبدًا من عبادنا} ذكر أنه الخضر، {آتيناه رحمةً من عندنا} يقول: وهبنا له رحمةً من عندنا {وعلّمناه من لدنّا علمًا} يقول: وعلّمناه من عندنا أيضًا علمًا. كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {وعلّمناه من لدنّا علمًا} أي من عندنا علمًا.
وكان سبب سفر موسى وفاته، ولقائه هذا العالم الذي ذكره الله في هذا الموضوع، فيما ذكر، أن موسى سئل: هل في الأرض أحد أعلم منك؟ فقال: لا. أو حدثته نفسه بذلك، فكره ذلك له، فأراد الله تعريفه أن من عباده في الأرض من هو أعلم منه، وأنه لم يكن له أن يحتم على مالا علم له به، ولكن كان ينبغي له أن يكل ذلك إلى عالمه.
وقال آخرون: بل كان سبب ذلك أنه سأل الله جل ثناؤه أن يدله على عالم يزداد من علمه إلى علم نفسه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: سأل موسى ربّه وقال: ربّ أيّ عبادك أحبّ إليك؟ قال: الّذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأيّ عبادك أقضى؟ قال: الّذي يقضي بالحقّ ولا يتّبع الهوى، قال: أي ربّ أيّ عبادك أعلم؟ قال: الّذي يبتغي علم النّاس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمةً تهديه إلى هدًى، أو تردّه عن ردّي، قال: ربّ فهل في الأرض أحدٌ؟ قال: نعم، قال: ربّ، فمن هو؟
قال: الخضر، قال: وأين أطلبه؟ قال: على السّاحل عند الصّخرة الّتي ينفلت عندها الحوت، قال: فخرج موسى يطلبه، حتّى كان ما ذكر اللّه، وانتهى إليه موسى عند الصّخرة، فسلّم كلّ واحدٍ منهما على صاحبه، فقال له موسى: إنّي أريد أن تستصحبني، قال: إنّك لن تطيق صحبتي، قال: بلى، قال: فإن صحبتني {فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا فانطلقا حتّى إذا لقيا غلامًا فقتله قال أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا}. إلى قوله: {لاتّخذت عليه أجرًا} قال: فكان قول موسى في الجدار لنفسه، ولطلب شيءٍ من الدّنيا، وكان قوله في السّفينة وفي الغلام للّه {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} فأخبره بما قال، أمّا السّفينة وأمّا الغلام وأمّا الجدار، قال: فسار به في البحر حتّى انتهى إلى مجمع البحور، وليس في الأرض مكانٌ أكثر ماءً منه، قال: وبعث ربّك الخطّاف فجعل يستقي منه بمنقاره، فقيل لموسى: كم ترى هذا الخطّاف رزأ من هذا الماء؟ قال: ما أقلّ ما رزأ، قال: يا موسى فإنّ علمي وعلمك في علم اللّه كقدر ما استقى هذا الخطّاف من هذا الماء، وكان موسى قد حدّث نفسه أنّه ليس أحدٌ أعلم منه، أو تكلّم به، فمن ثمّ أمر أن يأتي الخضر.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: خطب موسى بني إسرائيل، فقال: ما أحدٌ أعلم باللّه وبأمره منّي، فأمر أن يلقى هذا الرّجل.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، أنّه قيل له: إنّ آية لقيك إيّاه أن تنسى بعض متاعك، فخرج هو وفتاه يوشع بن نونٍ، وتزوّدا حوتًا مملوحًا، حتّى إذا كانا حيث شاء اللّه، ردّ اللّه إلى الحوت روحه، فسرب في البحر، فاتّخذ الحوت طريقه سربًا في البحر، فسرب فيه {فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا}. حتّى بلغ {واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} فكان موسى اتّخذ سبيله في البحر عجبًا، فكان يعجب من سرب الحوت.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا اقتصّ موسى أثر الحوت انتهى إلى رجلٍ راقدٍ قد سجّى عليه ثوبه فسلّم عليه موسى فكشف الرّجل عن وجهه فردّ عليه السّلام وقال: من أنت؟ قال: موسى، قال: صاحب بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: أوما كان لك في بني إسرائيل شغلٌ؟ قال: بلى، ولكن أمرت أن آتيك وأصحبك، قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا، كما قصّ اللّه حتّى بلغ: {فلمّا ركبًا في السّفينة خرقها} صاحب موسى، {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا}، يقول: نكرًا، {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا، فانطلقا حتّى إذا لقيا غلامًا فقتله قال أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ}.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاس: إنّ نوفًا يزعم أنّ الخضر ليس بصاحب موسى، فقال: كذب عدوّ اللّه.
- حدّثنا أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ موسى قام في بني إسرائيل خطيبًا فقيل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا، فعتب اللّه عليه حين لم يردّ العلم إليه، فقال: بلى عبدٌ لي عند مجمع البحرين، فقال: يا ربّ كيف به؟ فقيل: تأخذ حوتًا، فتجعله في مكتلٍ، فحيث تفقده فهو هناك قال: فأخذ حوتا فجعله في مكتل. ثمّ قال لفتاه: إذا فقدت هذا الحوت فأخبرني، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر حتّى أتيا صخرةً، فرقد موسى، فاضطرب الحوت في المكتل، فخرج فوقع في البحر، فأمسك اللّه عنه جرية الماء، فصار مثل الطّاق، فصار للحوت سربًا وكان لهما عجبًا. ثمّ انطلقا، فلمّا كان حين الغداء، قال موسى لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا}، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز حيث أمره اللّه قال: فقال: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت، وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره، واتّخذ سبيله في البحر عجبًا}، قال: فقال: ذلك ما كنّا نبغ، فارتدّا على آثارهما قصصًا، قال: يقصّان آثارهما، قال: فأتيا الصّخرة، فإذا رجلٌ نائمٌ مسجًّى بثوبه فسلّم عليه موسى، فقال: وأنّى بأرضنا السّلام؟ فقال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى، إنّي على علمٍ من علم اللّه، علّمنيه اللّه لا تعلمه، وأنت على علمٍ من علمه علّمكه الله لا أعلمه، قال: فإنّي {أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا}، قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا، فانطلقا يمشيان على السّاحل، فعرف الخضر، فحمل بغير نولٍ، فجاء عصفورٌ، فوقع على حرفها فنقر، أو فنقد في الماء، فقال الخضر لموسى: ما ينتقص علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مقدار ما نقر أو نقص هذا العصفور من البحر " أبو جعفرٍ الطّبريّ يشكّ، وهو في كتابه نقر قال: " فبينما هم في السفينه إذ لم يفجأه موسى إلاّ وهو يتد وتدًا أو ينزع تحتًا منها، فقال له موسى: حملنا بغير نولٍ وتخرقها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئًا إمرًا، قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا، قال: لا تؤاخذني بما نسيت، قال: وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: ثمّ خرجا فانطلقا يمشيان، فأبصرا غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ برأسه فقتله، فقال له موسى: أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ؟ لقد جئت شيئًا نكرًا، قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا. قال: {فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها}، فلم يجدا أحدًا يطعمهم ولا يسقيهم، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ، فأقامه بيده، قال: مسحه بيده، فقال له موسى: لم يضيّفونا ولم ينزلونا، لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا، قال: هذا فراق بيني وبينك " فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " لوددت أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا قصصهم ".
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: جلست عند ابن عبّاسٍ وعنده نفرٌ من أهل الكتاب، فقال بعضهم: يا أبا العبّاس، إنّ نوفًا ابن امرأة كعبٍ يزعم عن كعبٍ، أنّ موسى النّبيّ الّذي طلب العالم، إنّما هو موسى بن منسا. قال سعيدٌ: قال ابن عبّاسٍ: أنوفٌ يقول هذا؟ قال سعيدٌ: فقلت له نعم، أنا سمعت نوفًا يقول ذلك، قال: أنت سمعته يا سعيد؟ قال: قلت: نعم، قال: كذب نوفٌ.
- ثمّ قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبي بن كعبٍ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّ موسى هو نبيّ بني إسرائيل سأل ربّه فقال: أي ربّ إن كان في عبادك أحدٌ هو أعلم منّي فادللني عليه، فقال له: نعم في عبادي من هو أعلم منك، ثمّ نعت له مكانه، وأذن له في لقيه، فخرج موسى معه فتاه ومعه حوتٌ مليحٌ، وقد قيل له: إذا حيي هذا الحوت في مكانٍ فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه، ومعه ذلك الحوت يحملانه، فسار حتّى جهده السّير، وانتهى إلى الصّخرة وإلى ذلك الماء وذلك الماء، ماء الحياة، من شرب منه خلد، ولا يقاربه شيءٌ ميّتٌ إلاّ حيي، فلمّا نزلاً، ومسّ الحوت الماء حيي، فاتّخذ سبيله في البحر سربًا فانطلقا، فلمّا جاوزا بمنقله قال موسى: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا. قال الفتى وذكر: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا ".
قال ابن عبّاسٍ: فظهر موسى على الصّخرة حين انتهيا إليها، فإذا رجلٌ متلفّفٌ في كساءٍ له، فسلّم موسى، فردّ عليه العالم، ثمّ قال له: ومن أنت؟ فقال: أنا موسى بن عمران. قال: صاحب بنى اسرائيل؟ قال: نعم. قال: وما جاء بك؟ إن كان لك في قومك لشغلٌ؟ قال له موسى: جئتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا {قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا} وكان رجلاً يعمل على الغيب، قد علّم ذلك، فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا} أي إنّما تعرف ظاهر ما ترى من العدل، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ} وإن أنكرته {حتّى أحدث لك منه ذكرًا} أى: خبرا. فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، يتعرّضان النّاس، يلتمسان من يحملهما، حتّى مرّت بهما سفينةٌ جديدةٌ وثيقةٌ لم يمرّ بهما من السّفن شيءٌ أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها، فسألا أهلها أن يحملوهما، فحملوهما، فلمّا اطمأنّا فيها، ولججت بهما مع أهلها، أخرج منقارًا له ومطرقةً، ثمّ عمد إلى ناحيةٍ منها فضرب فيها بالمنقار حتّى خرقها، ثمّ أخذ لوحًا فطبّقه عليها، ثمّ جلس عليها يرقّعها. قال له موسى ورأى أمرًا أفظع به: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا} حملونا وآوونا إلى سفينتهم، وليس في البحر سفبنة مثلها، فلم خرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئًا إمرًا {قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي ما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ فإذا غلمانٌ يلعبون خلفها، فيهم غلامٌ ليس في الغلمان غلم أظرف، ولا أثرى ولا أوضأ منه، فأخذ بيده، وأخذ حجرًا، قال: فضرب به رأسه حتّى دمغه فقتله، قال: فرأى موسى أمرًا فظيعًا لا صبر عليه، صبيّ صغيرٌ قتله لا ذنب له {قال أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} أي صغيرةً بغير نفسٍ {لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا} أي قد أعذرت في شأني {فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} فهدمه، ثمّ قعد يبنيه، فضجر موسى ممّا رآه يصنع من التّكلف لما ليس عليه صبرٌ، فقال: {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا، وضفناهم فلم يضيّفونا، ثمّ قعدت تعمل في غير ضيعه، ولو شئت لأعطيت عليه أجرًا في عمله {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها، وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} وفي قراءة أبيّ بن كعبٍ: " كلّ سفينةٍ صالحةٍ " وإنّما عبتها لأردّه عنها، فسلمت حين رأى العيب الّذي صنعت بها. {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنزٌ لهما وكان أبوهما صالحًا فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربّك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} فكان ابن عبّاسٍ يقول: ما كان الكنز إلاّ علمًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن أبيه، عن عكرمة، قال: قيل لابن عبّاس: لم نسمع لفتى موسى بذكرٍ من حديثٍ، وقد كان معه، فقال ابن عبّاسٍ فيما يذكر من حديث الفتى قال: شرب الفتى من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينةً، ثمّ أرسله في البحر، فإنّها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنّه لم يكن له أن يشرب منه فشرب.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبًا} قال: لمّا ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه مصر، فلمّا استقرّت بهم الدّار أنزل اللّه عليه أن {ذكّرهم بأيّام اللّه} فخطب قومه، فذكر ما آتاهم اللّه من الخير والنّعمة، وذكّرهم إذ أنجاهم اللّه من آل فرعون، وذكّرهم هلاك عدوّهم، وما استخلفهم اللّه في الأرض، وقال: كلّم اللّه نبيّكم تكليمًا، واصطفاني لنفسه، وأنزل عليّ محبّةً منه، وآتاكم اللّه من كلّ ما سألتموه، فنبيّكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرءون التّوراة، فلم يترك نعمةً أنعمها اللّه عليهم إلاّ ذكرها، وعرّفها إيّاهم فقال له رجلٌ من بني إسرائيل: هم كذلك يا نبيّ اللّه، قد عرفنا الّذي تقول، فهل على الأرض أحدٌ أعلم منك يا نبيّ اللّه؟ قال: لا فبعث اللّه جبرئيل إلى موسى عليهما السّلام، فقال: إنّ اللّه يقول: وما يدريك أين أضع علمي؟ بلى إنّ على شطّ البحر رجلاً أعلم منك، فقال ابن عبّاسٍ: هو الخضر، فسأل موسى ربّه أن يريه إيّاه، فأوحى اللّه إليه أن ائت البحر، فإنّك تجد على شطّ البحر حوتًا، فخذه فادفعه إلى فتاك، ثمّ الزم شطّ البحر، فإذا نسيت الحوت وهلك منك، فثمّ تجد العبد الصّالح الّذي تطلب، فلمّا طال سفر موسى نبيّ اللّه ونصب فيه، سأل فتاه عن الحوت، فقال له فتاه وهو غلامه {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره} قال الفتى: لقد رأيت الحوت حين اتّخذ سبيله في البحر سربًا، فأعجب ذلك موسى فرجع حتّى أتى الصّخرة، فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر، ويتبعه موسى، وجعل موسى يقدّم عصاه يفرّج بها عنه الماء يتبع الحوت، وجعل الحوت لا تمسّ شيئًا من البحر إلاّ يبس حتّى يكون صخرةً، فجعل نبيّ اللّه يعجب من ذلك حتّى انتهى به الحوت إلى جزيرةٍ من جزائر البحر. فلقي الخضر بها فسلّم عليه، فقال الخضر: وعليك السّلام، وأنّى يكون هذا السّلام بهذه الأرض، ومن أنت؟ قال: أنا موسى، فقال له الخضر: أصاحب بني إسرائيل؟ قال: نعم فرحّب به، وقال: ما جاء بك؟ قال: جئتك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا {قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: لا تطيق ذلك، قال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال: فانطلق به وقال له: لا تسألني عن شيءٍ أصنعه حتّى أبيّن لك شأنه، فذلك قوله: {أحدث لك منه ذكرًا} فركبا في السّفينة يريدان البرّ، فقام الخضر فخرق السّفينة، فقال له موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما} ذكر أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا قطع البحر وأنجاه اللّه من آل فرعون، جمع بني إسرائيل، فخطبهم فقال: أنتم خير أهل الأرض وأعلمه، قد أهلك اللّه عدوّكم، وأقطعكم البحر، وأنزل عليكم التّوراة، قال: فقيل له: إنّ ههنا رجلاً هو أعلم منك. قال: فانطلق هو وفتاه يوشع بن نونٍ يطلبانه، فتزوّدا مملوحةً في مكتلٍ لهما، وقيل لهما: إذا نسيتما ما معكما لقيتما رجلاً عالمًا يقال له الخضر، فلمّا أتيا ذلك المكان، ردّ اللّه إلى الحوت روحه، فسرب له من الجلد حتّى أفضى إلى البحر، ثمّ سلك فجعل لا يسلك فيه طريقًا إلاّ صار ماءً جامدًا. قال: ومضى موسى وفتاه، يقول اللّه عزّ وجلّ: {فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت}.. ثمّ تلا إلى قوله: {وعلّمناه من لدنّا علمًا} فلقيا رجلاً عالمًا يقال له الخضر، فذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: " إنّما سمّي الخضر خضرًا لأنّه قعد على فروةٍ بيضاء، فاهتزّت به خضراء ".
- حدّثني العبّاس بن الوليد، قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا الأوزاعيّ، قال: حدّثنا الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى، فقال ابن عبّاسٍ: هو خضرٌ، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عبّاسٍ، فقال: إنّي تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الّذي سأل السّبيل إلى لقيه، فهل سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يذكر شأنه؟ قال: نعم سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: " بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ فقال: تعلم مكان أحدٍ أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى اللّه إلى موسى: بلى عبدنا خضرٌ، فسأل موسى السّبيل إلى لقيّه، فجعل اللّه له الحوت آيةً، وقيل له: إذا افتقدت الحوت فارجع فإنّك ستلقاه، فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر، فقال فتًى موسى لموسى: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة، فإنّي نسيت الحوت، قال موسى: ذلك ما كنّا نبغ، فارتدّا على آثارهما قصصًا، فوجدا عبداً خضرًا، وكان من شأنهما ما قصّ اللّه في كتابه ".
- حدّثني محمّد بن مرزوقٍ، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا عبد اللّه بن عمر النّميريّ، عن يونس بن يزيد، قال: سمعت الزّهريّ يحدّث، قال: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ، عن ابن عبّاسٍ، أنّه تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى، ثمّ ذكر نحو حديث العبّاس، عن أبيه). [جامع البيان: 15/321-333]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو بكرٍ محمّد بن أحمد بن بالويه، ثنا أبو عمران موسى بن هارون بن عبد اللّه الحافظ، حدّثني أبي، ثنا أبو داود الطّيالسيّ، ثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: حدّثني أبيّ بن كعبٍ، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " لمّا لقي موسى الخضر عليهما السّلام جاء طيرٌ فألقى منقاره في الماء، فقال الخضر لموسى تدبّر ما يقول هذا الطّير، قال: وما يقول؟ قال: يقول: ما علمك وعلم موسى في علم اللّه إلّا كما أخذ منقاري من الماء «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه»). [المستدرك: 2/400]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 60 – 82
أخرج ابن عساكر من طريق ابن سمعان عن مجاهد قال: كان ابن عباس يقول في هذه الآية {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح} يقول: لا أنفك ولا أزال {حتى أبلغ مجمع البحرين} يقول: ملتقى البحرين {أو أمضي حقبا} يقول: أو أمضي سبعين خريفا {فلما بلغا مجمع بينهما} يقول: بين البحرين {نسيا حوتهما} يقول: ذهب منهما وأخطأهما وكان حوتا مليحا معهما يحملانه فوثب من المكتل إلى الماء فكان {سبيله في البحر سربا} فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره وكان فتى موسى يوشع بن نون {واتخذ سبيله في البحر عجبا} يقول: موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها {قال ذلك ما كنا نبغ} قول موسى: فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت {فارتدا على آثارهما قصصا} يقول: اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهم راجعان على ساحل البحر {فوجدا عبدا من عبادنا} يقول: فوجدا خضرا {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} قال الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم) (يوسف آية 76) فصحب موسى الخضر وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه). [الدر المنثور: 9/576-577] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، قال: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى، قيل: بلى، قال: أي رب فأين قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم به ذلك، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر، قال موسى {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: قد قطع الله عنك النصب فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكسف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام، من أنت قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال: فما شأنك قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} كانت الأولى نسيانا والوسطة والثالثة عمدا {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ووجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث، قال ابن عباس قرأها: {زكية} زاكية مسلمة كقولك: غلاما زكيا، {فانطلقا} {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: بيده هكذا ورفع يده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال: أجر تأكله {وكان وراءهم ملك} قرأها ابن عباس وكان أمامهم ملك يزعمون مدد بن ندد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور {ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بالقار (فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر، وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية). [الدر المنثور: 9/580-583] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الدارقطني في الأفراد، وابن عساكر من طريق مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الخضر ابن آدم لصلبه ونسئ له في أجله حتى يكذب الدجال). [الدر المنثور: 9/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري وأحمد والترمذي، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء). [الدر المنثور: 9/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: إنما سمي الخضر خضرا لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء). [الدر المنثور: 9/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن عساكر عن مجاهد قال: إنما سمي الخضر لأنه إذا صلى اخضر ما حوله). [الدر المنثور: 9/598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن ابن إسحاق قال: حدثنا أصحابنا أن آدم عليه السلام لما حضره الموت جمع بنيه فقال: يا بني إن الله سينزل على أهل الأرض عذابا فليكن جسدي معكم في المغارة حتى إذا هبطتم فابعثوني وادفنوني بأرض الشام، فكان جسده معهم فلما بعث الله نوحا ضم ذلك الجسد وأرسل الله الطوفان على الأرض فغرقت الأرض زمانا فجاء نوح حتى نزل بابل وأوصى بنيه الثلاثة - وهم سام وحام ويافث - أن يذهبوا بجسده إلى الغار الذي أمرهم أن يدفنوه به، فقالوا: الأرض وحشية لا أنيس بها ولا نهتدي لطريق ولكن كف حتى يعظم الناس ويكثروا، فقال لهم نوح: إن آدم قد دعا الله أن يطيل عمر الذي يدفنه إلى يوم القيامة، فلم يزل جسد آدم حتى جاء الخضر عليه السلام هو الذي تولى دفنه فأنجز الله له ما وعده فهو يحيا ما شاء الله أن يحيا). [الدر المنثور: 9/598-599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن سعيد بن المسيب: أن الخضر عليه السلام أمه رومية وأبوه فارسي). [الدر المنثور: 9/599]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحاكم وصححه عن أبي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: لما لقي موسى الخضر جاء طير فألقى منقاره في الماء فقال الخضر لموسى: تدري ما يقول هذا الطائر قال: وما يقول قال: يقول: ما علمك وعلم موسى في علم الله إلا كما أخذ منقاري من الماء). [الدر المنثور: 9/600]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فوجدا عبدا من عبادنا} قال: لقيا رجلا عالما يقال له خضر). [الدر المنثور: 9/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن أبي بن كعب: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: شممت ليلة أسري بي رائحة طيبة فقلت: يا جبريل ما هذه الرائحة الطيبة قال: ريح قبر الماشطة وابنيها وزوجها وكان بدء ذلك أن الخضر كان من أشراف بني إسرائيل وكان ممره براهب في صومعته فيطلع عليه الراهب فيعلمه الإسلام وأخذ عليه أن لا يعلمه أحدا، ثم إن أباه زوجه امرأة فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلمه أحدا وكان لا يقرب النساء ثم زوجه أخرى فعلمها الإسلام وأخذ عليها أن لا تعلمه أحدا ثم طلقها فأفشت عليه إحداهما وكتمت الأخرى فخرج هاربا حتى أتى جزيرة في البحر فرآه رجلان فأفشى عليه أحدهما وكتم الآخر، فقيل له: ومن رآه معك قال: فلان، وكان في دينهم أن من كذب قتل فسئل فكتم فقتل الذي أفشى عليه ثم تزوج الكاتم عليه المرأة الماشطة فبينما هي تمشط ابنة فرعون إذ سقط المشط من يدها فقالت: تعس فرعون، فأخبرت الجارية أباها فأرسل إلى المرأة وابنيها وزوجها فأرادهم أن يرجعوا عن دينهم فأبوا فقال: إني قاتلكم، قال: أحببنا منك إن أنت قتلتنا أن تجعلنا في قبر واحد، فقتلهم وجعلهم في قبر واحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما شممت رائحة أطيب منها وقد دخلت الجنة). [الدر المنثور: 9/608-609]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: إنما سمي الخضر لأنه كان إذا جلس في مكان اخضر ما حوله وكانت ثيابه خضرا). [الدر المنثور: 9/609]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {آتيناه رحمة من عندنا} قال: أعطيناه الهدى والنبوة). [الدر المنثور: 9/609]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: إنما سمي الخضر لأنه إذا قام في مكان نبت العشب تحت رجليه حتى يغطي قدميه). [الدر المنثور: 9/609]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال: قال الخضر لموسى حين لقيه: يا موسى انزع عن اللجاجة ولا تمش في غير حاجة ولا تضحك من غير عجب والزم بيتك وابك على خطيئتك). [الدر المنثور: 9/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج العقيلي عن كعب قال: الخضر على منبر بين البحر الأعلى والبحر الأسفل وقد أمرت دواب البحر أن تسمع له وتطيع وتعرض عليه الأرواح غدوة وعشية). [الدر المنثور: 9/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن شاهين عن خصيف قال: أربعة من الأنبياء أحياء: اثنان في السماء عيسى وإدريس، وإثنان في الأرض الخضر وإلياس، فأما الخضر فإنه في البحر.
وأمّا صاحبه فإنه في البر). [الدر المنثور: 9/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب، وابن عساكر عن علي بن أبي طالب قال: بينا أنا أطوف إذا أنا برجل متعلق بأستار الكعبة وهو يقول: يا من لا يشغله سمع عن سمع ويا من لا تغلطه المسائل ويا من لا يتبرم بإلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة رحمتك قلت: يا عبد الله أعد الكلام، قال: وسمعته قلت: نعم، قال: والذي نفس الخضر بيده: - وكان هو الخضر - لا يقولهن عبد دبر الصلاة المكتوبة إلا غفرت ذنوبه وإن كانت مثل رمل عالج وعدد المطر وورق الشجر). [الدر المنثور: 9/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو الشيخ في العظمة وأبو نعيم في الحلية عن كعب الأحبار قال: إن الخضر بن عاميل ركب في نفر من أصحابه حتى بلغ الهند - وهو بحر الصين - فقال لأصحابه: يا أصحابي أدلوني، فدلوه في البحر أياما وليالي ثم صعد فقالوا له: يا خضر ما رأيت فلقد أكرمك الله وحفظ لك نفسك في لجة هذا البحر، فقال: استقبلني ملك من الملائكة فقال لي: أيها الآدمي الخطاء إلى أين ومن أين فقلت: إني أردت أن أنظر عمق هذا البحر، فقال لي: كيف وقد أهوى رجل من زمان داود عليه السلام لم يبلغ ثلث قعره حتى الساعة وذلك منذ ثلثمائة سنة). [الدر المنثور: 9/625-626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج الطبراني، وابن عساكر عن أبي أسامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ألا أحدثكم عن الخضر قالوا: بلى يا رسول الله، قال: بينما هو ذات يوم يمشي في سوق بني إسرائيل أبصره رجل مكاتب فقال: تصدق علي بارك الله فيك، فقال الخضر: آمنت بالله ما شاء الله من أمر يكون ما عندي شيء أعطيكه، فقال المسكين: أسألك بوجه الله لما تصدقت علي فإني نظرت السماحة في وجهك ووجدت البركة عندك، فقال الخضر: آمنت بالله ما عندي شيء أعطيكه إلا أن تأخذني فتبيعني، فقال المسكين: وهل يستقيم هذا قال: نعم، الحق أقول لقد سألتني بأمر عظيم: أما أني لا أخيبك بوجه ربي تعالى، فقدمه إلى السوق فباعه بأربعمائة درهم فمكث عند المشتري زمانا لا يستعمله في شيء، فقال له: إنك إنما ابتعتني التماس خير عندي فأوصني أعمل بعمل، قال: أكره أن أشق عليك إنك شيخ كبير ضعيف، قال: ليس يشق علي قال: فقم فانقل هذه الحجارة، وكان لا ينقلها دون ستة نفر في يوم فخرج الرجل لبعض حاجته ثم انصرف وقد نقل الحجارة في ساعة فقال: أحسنت وأجملت وأطقت ما لم أرك تطيقه ثم عرض للرجل سفرة فقال: إني احتسبتك أمينا فاخلفني في أهلي خلافة حسنة، قال: فأوصني بعمل، قال: إني أكره أن أشق عليك، قال: ليس يشق علي قال: فاضرب من اللبن لنبني حتى أقدم عليك فمر الرجل لسفره فرجع وقد شيد بناؤه فقال: أسألك بوجه الله ما سبيلك وما أمرك فقال: سألتني بوجه الله ووجه الله أوقعني في العبودية أنا الخضر الذي سمعت به، سألني مسكين صدقة ولم يكن عندي شيء أعطيه فسألني بوجه الله فأمكنته من نفسي فباعني، فأخبرك أنه من سئل بوجه الله فرد سائله وهو يقدر وقف يوم القيامة جلدة ولا لحم له ولا عظم ليتقصع، فقال الرجل: آمنت بالله، شققت عليك يا نبي الله ولم أعلم، فقال: لا بأس أحسنت وأتقنت، فقال الرجل: بأبي أنت وأمي يا نبي الله احكم في أهلي ومالي بما أراك الله أو أخيرك فأخلي سبيلك، فقال: أحب أن تخلي سبيلي أعبد ربي، فخلى سبيله فقال الخضر: الحمد لله الذي أوقعني في العبودية ثم نجاني منها). [الدر المنثور: 9/626-628]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الشعب عن الحجاج بن فرافصة أن رجلين كانا يتبايعان عند عبد الله بن عمر فكان أحدهما يكثر الحلف فبينما هو كذلك إذ مر عليهما رجل فقام عليهما فقال للذي يكثر الحلف: مه يا عبد الله اتق الله ولا تكثر الحلف فإنه لا يزيد في رزقك ولا ينقص من رزقك إن لم تحلف، قال: امض لما يعنيك، قال: ذا مما يعنيني - قالها ثلاث مرات ورد عليه قوله - فلما أراد أن ينصرف قال: اعلم أن من آية الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك ولا يكن في قولك فضل على فضلك، ثم انصرف فقال عبد الله بن عمر: الحقه فاستكتبه هذه الكلمات، فقال: يا عبد الله اكتبني هذه الكلمات يرحمك الله، فقال الرجل: ما يقدر الله من أمر يكن فأعادهن عليه حتى حفظهن ثم شهده حتى وضع إحدى رجليه في المسجد فما أدري أرض لفظته أو سماء اقتلعته قال: كأنهم يرونه الخضر أو إلياس عليه السلام). [الدر المنثور: 9/628-629]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده بسند واه عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الخضر في البحر وإليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل). [الدر المنثور: 9/629]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر عن ابن أبي رواد قال: إلياس والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ويحجان في كل سنة ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل). [الدر المنثور: 9/629]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج العقيلي والدارقطني في الأفراد، وابن عساكر عن ابن عباس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: يلتقي الخضر وإلياس كل عام في الموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاك الكلمات: بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله، قال ابن عباس: من قالهن حين يصبح وحين يمسي ثلاث مرات أمنه الله من الغرق والحرق والسرق ومن الشياطين والسلطان والحية والعقرب). [الدر المنثور: 9/629-630]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا يزعم أن موسى ليس بصاحب الخضر فقال كذب عدو الله أخبرنا أبي بن كعب عن رسول الله أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فقيل له أي الناس أعلم فقال أنا فعتب عليه الله إذ لم يرد العلم إلى الله فقال الله بلى عبد لي عند مجمع البحرين قال ربي وكيف به قال تأخذ حوتا فجعله في مكتل حيث يفارقك الحوت فهو ثم قال فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يمشيان قال لفتاه حيث يفارقك الحوت فآذني حتى إذا أتيا الصخرة رقد موسى فاضطرب الحوت في المكتل فخرج ووقع في الماء فأمسك الله عنه جرية الماء مثل الطوق ومد إبهامه والتي تليها وفتحها قال فنسي أن يخبره قال فانطلقا حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال ولم يجد النصب حتى جاوز حيث أمره الله {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} حتى بلغ {في البحر عجبا} {قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة فإذا هما برجل مسجى عليه الثوب فسلم موسى فرد عليه وقال وأني بأرضك من سلام قال من أنت قال أنا موسى قال أموسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئتك لتعلمني مما علمت رشدا قال وما يكفيك أن التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك قال أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه {أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} حتى بلغ {ولا أعصي لك أمرا} قال فانطلقا يمشيان على الساحل فعرف الخضر فحمل بغير نول فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر من الماء قال ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال فبينا هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يريد أو إذا هو يريد أن يخرقها قال حسبت أنه قال وتد فيها وتدا فقال حملنا بغير نول وتريد أن تخرقها وتغرق أهلها إلى {ولا ترهقني من أمري عسرا} فكانت الأولى نسيانا {لا تؤاخذني بما نسيت} فخرجا حتى لقيا غلاما يلعب مع الغلمان فقال بيده هكذا كأنه احتز رأسه فقطع رأسه فقال له {أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} وقال بيده هكذا وعدله بيده فقال له موسى لم يضيفونا و{لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك} قال النبي وددنا أن موسى صبر قال عمرو كان ابن عباس يقرأ (أما الغلام فكان كافرا) وكان يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)). [تفسير عبد الرزاق: 1/408-410] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا (66) قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا (67) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا (68) قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال له موسى هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا (66) قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا}.
يقول تعالى ذكره: قال موسى للعالم: {هل أتّبعك على أن تعلّمن} من العلم الّذي علّمك اللّه ما هو رشادٌ إلى الحقّ، ودليلٌ على هدًى؟). [جامع البيان: 15/333]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر فلما استقرت بهم الدار أنزل الله (وذكرهم بأيام الله) (إبراهيم آية 5) فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعيم وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال كلم الله موسى نبيكم تكليما واصطفاني لنفسه وأنزل علي محبة منه وآتاكم من كل شيء سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها فقال له رجل من بني إسرائيل: فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله قال: لا، فبعث الله جبريل إلى موسى فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي، بلى على ساحل البحر رجل أعلم، قال ابن عباس: هو الخضر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه: أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتا ميتا فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب، فلما طال صعود موسى ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} لك، قال الفتى، لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض، ومن أنت قال: أنا موسى، فقال له الخضر: أصاحب بني إسرائيل فرحب به وقال: ما جاء بك قال: جئتك {على أن تعلمن مما علمت رشدا (66) قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يقول: لا تطيق ذلك، قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فانطلق به وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه، فذلك قوله: {حتى أحدث لك منه ذكرا} ). [الدر المنثور: 9/595-596] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والخطيب، وابن عساكر من طريق هرون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه فقال: رب أي عبادك أحب إليك قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى، قال: وقد كان حدث موسى نفسه أنه ليس أحد أعلم منه، قال: رب فهل أحد أعلم مني قال: نعم، قال: فأين هو قيل له: عند الصخرة التي عندها العين، فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله وانتهى موسى إليه عند الصخرة فسلم كل واحد منهما على صاحبه فقال له موسى: إني أريد أن تصحبني، قال: إنك لن تطيق صحبتي، قال: بلى، قال: فإن صحبتني {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فسار به في البحر حتى انتهى إلى محمع البحرين وليس في البحر مكان أكثر ماء منه، قال: وبعث الله الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره فقال لموسى: كم ترى هذا الخطاف رزأ بمنقاره من الماء قال: ما أقل ما رزأ، قال: فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء، وذكر تمام الحديث في خرق السفينة وقتل الغلام وإصلاح الجدار فكان قول موسى في الجدار لنفسه شيئا من الدنيا وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله عز وجل). [الدر المنثور: 9/597-598] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا} يقول تعالى ذكره: قال العالم: إنّك لن تطيق الصّبر معي، وذلك أنّي أعمل بباطن علم علّمنيه اللّه، ولا علم لك إلاّ بظاهرٍ من الأمور، فلا تصبر على ما ترى منى من الأفعال، كما ذكرنا من الخبر عن ابن عبّاسٍ قبل من أنّه كان رجلاً يعمل على الغيب قد علم ذلك). [جامع البيان: 15/333]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر فلما استقرت بهم الدار أنزل الله (وذكرهم بأيام الله) (إبراهيم آية 5) فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعيم وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال كلم الله موسى نبيكم تكليما واصطفاني لنفسه وأنزل علي محبة منه وآتاكم من كل شيء سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها فقال له رجل من بني إسرائيل: فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله قال: لا، فبعث الله جبريل إلى موسى فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي، بلى على ساحل البحر رجل أعلم، قال ابن عباس: هو الخضر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه: أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتا ميتا فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب، فلما طال صعود موسى ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} لك، قال الفتى، لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض، ومن أنت قال: أنا موسى، فقال له الخضر: أصاحب بني إسرائيل فرحب به وقال: ما جاء بك قال: جئتك {على أن تعلمن مما علمت رشدا (66) قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يقول: لا تطيق ذلك، قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فانطلق به وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه، فذلك قوله: {حتى أحدث لك منه ذكرا} ). [الدر المنثور: 9/595-596] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والخطيب، وابن عساكر من طريق هرون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه فقال: رب أي عبادك أحب إليك قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى، قال: وقد كان حدث موسى نفسه أنه ليس أحد أعلم منه، قال: رب فهل أحد أعلم مني قال: نعم، قال: فأين هو قيل له: عند الصخرة التي عندها العين، فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله وانتهى موسى إليه عند الصخرة فسلم كل واحد منهما على صاحبه فقال له موسى: إني أريد أن تصحبني، قال: إنك لن تطيق صحبتي، قال: بلى، قال: فإن صحبتني {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فسار به في البحر حتى انتهى إلى محمع البحرين وليس في البحر مكان أكثر ماء منه، قال: وبعث الله الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره فقال لموسى: كم ترى هذا الخطاف رزأ بمنقاره من الماء قال: ما أقل ما رزأ، قال: فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء، وذكر تمام الحديث في خرق السفينة وقتل الغلام وإصلاح الجدار فكان قول موسى في الجدار لنفسه شيئا من الدنيا وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله عز وجل). [الدر المنثور: 9/597-598] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا (68) قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قول العالم لموسى: وكيف تصبر يا موسى على ما ترى منّي من الأفعال الّتي لا علم لك بوجوه صوابها، وتقيم معي عليها، وأنت إنّما تحكم على صواب المصيب وخطأ المخطئ بالظّاهر الّذي عندك، وبمبلغ علمك، وأفعالي تقع بغير دليلٍ ظاهرٍ لرأي عينك على صوابها، لأنّها تبتدأ لأسبابٍ تحدث آجلةً غير عاجلةٍ، لا علم لك بالحادث عنها، لأنّه غيبٌ، ولم تحيط بعلم الغيب خبرًا يقول علمًا، قال: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا} ). [جامع البيان: 15/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا (68) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا يزعم أن موسى ليس بصاحب الخضر فقال كذب عدو الله أخبرنا أبي بن كعب عن رسول الله أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فقيل له أي الناس أعلم فقال أنا فعتب عليه الله إذ لم يرد العلم إلى الله فقال الله بلى عبد لي عند مجمع البحرين قال ربي وكيف به قال تأخذ حوتا فجعله في مكتل حيث يفارقك الحوت فهو ثم قال فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يمشيان قال لفتاه حيث يفارقك الحوت فآذني حتى إذا أتيا الصخرة رقد موسى فاضطرب الحوت في المكتل فخرج ووقع في الماء فأمسك الله عنه جرية الماء مثل الطوق ومد إبهامه والتي تليها وفتحها قال فنسي أن يخبره قال فانطلقا حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال ولم يجد النصب حتى جاوز حيث أمره الله {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} حتى بلغ {في البحر عجبا} {قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة فإذا هما برجل مسجى عليه الثوب فسلم موسى فرد عليه وقال وأني بأرضك من سلام قال من أنت قال أنا موسى قال أموسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئتك لتعلمني مما علمت رشدا قال وما يكفيك أن التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك قال أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه {أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} حتى بلغ {ولا أعصي لك أمرا} قال فانطلقا يمشيان على الساحل فعرف الخضر فحمل بغير نول فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر من الماء قال ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال فبينا هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يريد أو إذا هو يريد أن يخرقها قال حسبت أنه قال وتد فيها وتدا فقال حملنا بغير نول وتريد أن تخرقها وتغرق أهلها إلى {ولا ترهقني من أمري عسرا} فكانت الأولى نسيانا {لا تؤاخذني بما نسيت} فخرجا حتى لقيا غلاما يلعب مع الغلمان فقال بيده هكذا كأنه احتز رأسه فقطع رأسه فقال له {أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} وقال بيده هكذا وعدله بيده فقال له موسى لم يضيفونا و{لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك} قال النبي وددنا أن موسى صبر قال عمرو كان ابن عباس يقرأ (أما الغلام فكان كافرا) وكان يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)). [تفسير عبد الرزاق: 1/408-410] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثني أبيّ بن كعبٍ: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم، فقال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو، ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] ، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى {لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا) ، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى ولفتاه عجبًا، فقال موسى: (ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: (إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: 69] ، فقال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا) "، قال: وقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا) . (قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا) قال: وهذه أشدّ من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرًا، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- قال: مائلٌ - فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] ، قال: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ (وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا) وكان يقرأ: (وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) ). [صحيح البخاري: 6/88-89] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال قد قطع اللّه عنك النّصب ليست هذه عن سعيد هو قول بن جريجٍ ومراده أنّ هذه اللّفظة ليست في الإسناد الّذي ساقه قوله أخّره كذا عند أبي ذرٍّ بهمزةٍ ومعجمةٍ وراءٍ وهاءٍ ثمّ في نسخةٍ منه بمدّ الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء ضميرٍ أي إلى آخر الكلام وأحال ذلك على سياق الآية وفي أخرى بفتحاتٍ وتاء تأنيثٍ منوّنةٍ منصوبةٍ وفي رواية غير أبي ذرٍّ أخبره بفتح الهمزة وسكون الخاء ثمّ موحّدةٍ من الإخبار أي أخبر الفتى موسى بالقصّة ووقع في رواية سفيان فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فساق الآية إلى عجبا قال فكان للحوت سربًا ولموسى عجبًا ولابن أبي حاتمٍ من طريق قتادة قال عجب موسى أن تسرّب حوتٌ مملّحٌ في مكتلٍ قوله فرجعا فوجدا خضرًا في رواية سفيان فقال موسى ذلك ما كنّا نبغ أي نطلب وفي روايةٍ للنّسائيّ هذه حاجتنا وذكر موسى ما كان اللّه عهد إليه يعني في أمر الحوت قوله فارتدّا على آثارهما قصصا قال رجعا يقصان آثارهما أي آثار سيرهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة زاد النّسائيّ في روايةٍ له الّتي فعل فيها الحوت ما فعل وهذا يدلّ على أنّ الفتى لم يخبر موسى حتّى سارا زمانًا إذ لو أخبره أوّل ما استيقظ ما احتاجا إلى اقتصاص آثارهما قوله فوجدا خضرًا تقدّم ذكر نسبه وشرح حاله في أحاديث الأنبياء وفي رواية سفيان حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ وزعم الدّاوديّ أنّ هذه الرّواية وهمٌ وأنّهما إنّما وجداه في جزيرة البحر قلت ولا مغايرة بين الرّوايتين فإنّ المراد أنّهما لمّا انتهيا إلى الصّخرة تتبّعاه إلى أن وجداه في الجزيرة ووقع في رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فأراه مكان الحوت فقال ها هنا وصف لي فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتمٍ من طريق الرّبيع بن أنسٍ قال إنجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوّةً فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتم من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ قال فرجع موسى حتّى أتى الصّخرة فوجد الحوت فجعل موسى يقدّم عصاه يفرّج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمسّ شيئًا من البحر إلّا يبس حتّى يصير صخرةً فجعل موسى يعجب من ذلك حتّى انتهى إلى جزيرةٍ في البحر فلقي الخضر ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال بلغنا عن بن عبّاسٍ أنّ موسى دعا ربّه ومعه ماءٌ في سقاءٍ يصبّ منه في البحر فيصير حجرا فيأخذ فيه حتّى انتهى إلى صخر فصعدها وهو يتشوّف هل يرى الرّجل ثمّ رآه قوله قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسة خضراء القائل هو بن جريج وعثمان هو بن أبي سليمان بن جبير بن مطعمٍ وهو ممّن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبيرٍ وروى عبد بن حميدٍ من طريق بن المبارك عن بن جريجٍ عن عثمان بن أبي سليمان قال رأى موسى الخضر على طنفسةٍ خضراء على وجه الماء انتهى والطّنفسة فرشٌ صغيرٌ وهي بكسر الطّاء والفاء بينهما نونٌ ساكنةٌ وبضمّ الطّاء والفاء وبكسر الطّاء وبفتح الفاء لغاتٌ قوله قال سعيد بن جبيرٍ مسجًّى بثوبه هو موصولٌ بالإسناد المذكور وفي رواية سفيان فإذا رجلٌ مسجًّى بثوبٍ وفي رواية مسلمٍ مسجًّى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميدٍ من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرةٍ من جزائر البحر ملتفًّا بكساءٍ ولابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر عن السّدّيّ فرأى الخضر وعليه جبّةٌ من صوفٍ وكساءٌ من صوفٍ ومعه عصًا قد ألقى عليها طعامه قال وإنّما سمّي الخضر لأنّه كان إذا أقام في مكانٍ نبت العشب حوله انتهى وقد تقدّم في أحاديث الأنبياء حديث أبي هريرة رفعه إنّما سمّي الخضر لأنّه جلس على فروةٍ بيضاء فإذا هي تهتزّ تحته خضراء والمراد بالفروة وجه الأرض قوله فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه في رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فقال السّلام عليكم فكشف الثّوب عن وجهه وقال وعليكم السّلام قوله وقال هل بأرضي من سلامٍ في رواية الكشميهنيّ بأرضٍ بالتّنوين وفي رواية سفيان قال وأنّى بأرضك السّلام وهي بمعنى أين أو كيف وهو استفهام استبعادٍ يدلّ على أنّ أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين ويجمع بين الرّوايتين بأنّه استفهمه بعد أن ردّ عليه السّلام قوله من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم وسقط من رواية سفيان قوله من أنت وفي رواية أبي إسحاق قال من أنت قال موسى قال من موسى قال موسى بني إسرائيل ويجمع بينهما بأنّ الخضر أعاد ذلك تأكيدًا وأمّا ما أخرجه عبد بن حميدٍ من طريق الرّبيع بن أنسٍ في هذه القصّة فقال موسى السّلام عليك يا خضر فقال وعليك السّلام يا موسى قال وما يدريك أنّي موسى قال أدراني بك الّذي أدراك بي وهذا إن ثبت فهو من الحجج على أنّ الخضر نبيٌّ لكن يبعد ثبوته قوله في الرّواية الّتي في الصّحيح من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل الحديث قوله قال فما شأنك في رواية أبي إسحاق قال ما جاء بك قوله جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قرأ أبو عمرٍو بفتحتين والباقون كلّهم بضمّ أوّله وسكون ثانيه والجمهور على أنّهما بمعنًى كالبخل والبخل وقيل بفتحتين الدّين وبضمٍّ ثمّ سكونٍ صلاح النّظر وهو منصوبٌ على أنّه مفعولٌ ثانٍ لتعلّمني وأبعد من قال إنّه لقوله علّمت قوله أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك سقطت هذه الزّيادة من رواية سفيان فالّذي يظهر أنّها من رواية يعلى بن مسلمٍ قوله يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه أي جميعه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه أي جميعه وتقدير ذلك متعيّنٌ لأنّ الخضر كان يعرف من الحكم الظّاهر ما لا غنى بالمكلّف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي ووقع في رواية سفيان يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وهو بمعنى الّذي قبله وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في كتاب العلم قوله في رواية سفيان قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا كذا أطلق بالصّيغة الدّالّة على استمرار النّفي لما أطلعه اللّه عليه من أنّ موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشّرع لأنّ ذلك شأن عصمته ولذلك لم يسأله موسى عن شيءٍ من أمور الدّيانة بل مشى معه ليشاهد منه ما اطّلع به على منزلته في العلم الّذي اختصّ به وقوله وكيف تصبر استفهامٌ عن سؤالٍ تقديره لم قلت إنّي لا أصبر وأنا سأصبر قال كيف تصبر وقوله ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصى لك قيل استثنى في الصّبر فصبر ولم يستثن في العصيان فعصاه وفيه نظرٌ وكأنّ المراد بالصّبر أنّه صبرٌ عن اتّباعه والمشي معه وغير ذلك لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشّرع وقوله فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرا في رواية العوفيّ عن بن عبّاسٍ حتّى أبيّن لك شأنه قوله فأخذ طائرٌ بمنقاره تقدّم شرحه في كتاب العلم وظاهر هذه الرّواية أنّ الطّائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى ما يتعلّق بعلمهما ورواية سفيان تقتضي أنّ ذلك وقع بعد ما خرق السّفينة ولفظه كانت الأولى من موسى نسيانًا قال وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر إلخ فيجمع بأنّ قوله فأخذ طائرٌ بمنقاره معقّبٌ بمحذوفٍ وهو ركوبهما السّفينة لتصريح سفيان بذكر السّفينة وروى النّسائيّ من وجه آخر عن بن عبّاسٍ أنّ الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطّائر قال لا قال يقول ما علمكما الّذي تعلمان في علم اللّه إلّا مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر وفي رواية هارون بن عنترة عند عبد بن حميدٍ في هذه القصّة قال أرسل ربّك الخطّاف فجعل يأخذ بمنقاره من الماء ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال الخطّاف ولعبد بن حميدٍ من طريق أبي العالية قال رأى هذا الطّائر الّذي يقال له النّمر ونقل بعض من تكلّم على البخاريّ أنّه الصّرد). [فتح الباري: 8/416-418] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه حدّثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سربًا وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان، أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال: فكان للحوت سربًا ولموسى ولفتاه عجبًا فقال موسى: ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام قال: أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمك اللّه لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا فقال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا»، قال: وقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى أقتلت نفسًا زاكيةً؟ بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: وهذا أشدّ من الأولى قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ قال: مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال: هذا فراق بيني وبينك إلى قوله {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}» [الكهف: 82] فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما» قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ {وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 85].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال اقتلوه فقيل: إنما سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله.
(فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب
(لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك.
وفي هذا النسيان أقوال:
أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا.
الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك.
الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر.
(ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع). [إرشاد الساري: 7/216-221] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا (66) قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا (67) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا (68) قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({ستجدني إن شاء اللّه صابرًا} يقول: قال موسى للعالم: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا على ما أرى منك وإن كان خلافًا لما هو عندي صوابٌ {ولا أعصي لك أمرًا} يقول: وأنتهي إلى ما تأمرني، وإن لم يكن موافقًا هواي). [جامع البيان: 15/334]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر فلما استقرت بهم الدار أنزل الله (وذكرهم بأيام الله) (إبراهيم آية 5) فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعيم وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال كلم الله موسى نبيكم تكليما واصطفاني لنفسه وأنزل علي محبة منه وآتاكم من كل شيء سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها فقال له رجل من بني إسرائيل: فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله قال: لا، فبعث الله جبريل إلى موسى فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي، بلى على ساحل البحر رجل أعلم، قال ابن عباس: هو الخضر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه: أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتا ميتا فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب، فلما طال صعود موسى ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} لك، قال الفتى، لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض، ومن أنت قال: أنا موسى، فقال له الخضر: أصاحب بني إسرائيل فرحب به وقال: ما جاء بك قال: جئتك {على أن تعلمن مما علمت رشدا (66) قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يقول: لا تطيق ذلك، قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فانطلق به وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه، فذلك قوله: {حتى أحدث لك منه ذكرا} ). [الدر المنثور: 9/595-596] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثني أبيّ بن كعبٍ: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم، فقال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو، ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] ، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى {لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا) ، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى ولفتاه عجبًا، فقال موسى: (ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: (إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: 69] ، فقال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا) "، قال: وقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا) . (قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا) قال: وهذه أشدّ من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرًا، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- قال: مائلٌ - فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] ، قال: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ (وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا) وكان يقرأ: (وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) ). [صحيح البخاري: 6/88-89] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال قد قطع اللّه عنك النّصب ليست هذه عن سعيد هو قول بن جريجٍ ومراده أنّ هذه اللّفظة ليست في الإسناد الّذي ساقه قوله أخّره كذا عند أبي ذرٍّ بهمزةٍ ومعجمةٍ وراءٍ وهاءٍ ثمّ في نسخةٍ منه بمدّ الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء ضميرٍ أي إلى آخر الكلام وأحال ذلك على سياق الآية وفي أخرى بفتحاتٍ وتاء تأنيثٍ منوّنةٍ منصوبةٍ وفي رواية غير أبي ذرٍّ أخبره بفتح الهمزة وسكون الخاء ثمّ موحّدةٍ من الإخبار أي أخبر الفتى موسى بالقصّة ووقع في رواية سفيان فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فساق الآية إلى عجبا قال فكان للحوت سربًا ولموسى عجبًا ولابن أبي حاتمٍ من طريق قتادة قال عجب موسى أن تسرّب حوتٌ مملّحٌ في مكتلٍ قوله فرجعا فوجدا خضرًا في رواية سفيان فقال موسى ذلك ما كنّا نبغ أي نطلب وفي روايةٍ للنّسائيّ هذه حاجتنا وذكر موسى ما كان اللّه عهد إليه يعني في أمر الحوت قوله فارتدّا على آثارهما قصصا قال رجعا يقصان آثارهما أي آثار سيرهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة زاد النّسائيّ في روايةٍ له الّتي فعل فيها الحوت ما فعل وهذا يدلّ على أنّ الفتى لم يخبر موسى حتّى سارا زمانًا إذ لو أخبره أوّل ما استيقظ ما احتاجا إلى اقتصاص آثارهما قوله فوجدا خضرًا تقدّم ذكر نسبه وشرح حاله في أحاديث الأنبياء وفي رواية سفيان حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ وزعم الدّاوديّ أنّ هذه الرّواية وهمٌ وأنّهما إنّما وجداه في جزيرة البحر قلت ولا مغايرة بين الرّوايتين فإنّ المراد أنّهما لمّا انتهيا إلى الصّخرة تتبّعاه إلى أن وجداه في الجزيرة ووقع في رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فأراه مكان الحوت فقال ها هنا وصف لي فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتمٍ من طريق الرّبيع بن أنسٍ قال إنجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوّةً فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتم من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ قال فرجع موسى حتّى أتى الصّخرة فوجد الحوت فجعل موسى يقدّم عصاه يفرّج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمسّ شيئًا من البحر إلّا يبس حتّى يصير صخرةً فجعل موسى يعجب من ذلك حتّى انتهى إلى جزيرةٍ في البحر فلقي الخضر ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال بلغنا عن بن عبّاسٍ أنّ موسى دعا ربّه ومعه ماءٌ في سقاءٍ يصبّ منه في البحر فيصير حجرا فيأخذ فيه حتّى انتهى إلى صخر فصعدها وهو يتشوّف هل يرى الرّجل ثمّ رآه قوله قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسة خضراء القائل هو بن جريج وعثمان هو بن أبي سليمان بن جبير بن مطعمٍ وهو ممّن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبيرٍ وروى عبد بن حميدٍ من طريق بن المبارك عن بن جريجٍ عن عثمان بن أبي سليمان قال رأى موسى الخضر على طنفسةٍ خضراء على وجه الماء انتهى والطّنفسة فرشٌ صغيرٌ وهي بكسر الطّاء والفاء بينهما نونٌ ساكنةٌ وبضمّ الطّاء والفاء وبكسر الطّاء وبفتح الفاء لغاتٌ قوله قال سعيد بن جبيرٍ مسجًّى بثوبه هو موصولٌ بالإسناد المذكور وفي رواية سفيان فإذا رجلٌ مسجًّى بثوبٍ وفي رواية مسلمٍ مسجًّى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميدٍ من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرةٍ من جزائر البحر ملتفًّا بكساءٍ ولابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر عن السّدّيّ فرأى الخضر وعليه جبّةٌ من صوفٍ وكساءٌ من صوفٍ ومعه عصًا قد ألقى عليها طعامه قال وإنّما سمّي الخضر لأنّه كان إذا أقام في مكانٍ نبت العشب حوله انتهى وقد تقدّم في أحاديث الأنبياء حديث أبي هريرة رفعه إنّما سمّي الخضر لأنّه جلس على فروةٍ بيضاء فإذا هي تهتزّ تحته خضراء والمراد بالفروة وجه الأرض قوله فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه في رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فقال السّلام عليكم فكشف الثّوب عن وجهه وقال وعليكم السّلام قوله وقال هل بأرضي من سلامٍ في رواية الكشميهنيّ بأرضٍ بالتّنوين وفي رواية سفيان قال وأنّى بأرضك السّلام وهي بمعنى أين أو كيف وهو استفهام استبعادٍ يدلّ على أنّ أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين ويجمع بين الرّوايتين بأنّه استفهمه بعد أن ردّ عليه السّلام قوله من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم وسقط من رواية سفيان قوله من أنت وفي رواية أبي إسحاق قال من أنت قال موسى قال من موسى قال موسى بني إسرائيل ويجمع بينهما بأنّ الخضر أعاد ذلك تأكيدًا وأمّا ما أخرجه عبد بن حميدٍ من طريق الرّبيع بن أنسٍ في هذه القصّة فقال موسى السّلام عليك يا خضر فقال وعليك السّلام يا موسى قال وما يدريك أنّي موسى قال أدراني بك الّذي أدراك بي وهذا إن ثبت فهو من الحجج على أنّ الخضر نبيٌّ لكن يبعد ثبوته قوله في الرّواية الّتي في الصّحيح من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل الحديث قوله قال فما شأنك في رواية أبي إسحاق قال ما جاء بك قوله جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قرأ أبو عمرٍو بفتحتين والباقون كلّهم بضمّ أوّله وسكون ثانيه والجمهور على أنّهما بمعنًى كالبخل والبخل وقيل بفتحتين الدّين وبضمٍّ ثمّ سكونٍ صلاح النّظر وهو منصوبٌ على أنّه مفعولٌ ثانٍ لتعلّمني وأبعد من قال إنّه لقوله علّمت قوله أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك سقطت هذه الزّيادة من رواية سفيان فالّذي يظهر أنّها من رواية يعلى بن مسلمٍ قوله يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه أي جميعه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه أي جميعه وتقدير ذلك متعيّنٌ لأنّ الخضر كان يعرف من الحكم الظّاهر ما لا غنى بالمكلّف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي ووقع في رواية سفيان يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وهو بمعنى الّذي قبله وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في كتاب العلم قوله في رواية سفيان قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا كذا أطلق بالصّيغة الدّالّة على استمرار النّفي لما أطلعه اللّه عليه من أنّ موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشّرع لأنّ ذلك شأن عصمته ولذلك لم يسأله موسى عن شيءٍ من أمور الدّيانة بل مشى معه ليشاهد منه ما اطّلع به على منزلته في العلم الّذي اختصّ به وقوله وكيف تصبر استفهامٌ عن سؤالٍ تقديره لم قلت إنّي لا أصبر وأنا سأصبر قال كيف تصبر وقوله ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصى لك قيل استثنى في الصّبر فصبر ولم يستثن في العصيان فعصاه وفيه نظرٌ وكأنّ المراد بالصّبر أنّه صبرٌ عن اتّباعه والمشي معه وغير ذلك لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشّرع وقوله فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرا في رواية العوفيّ عن بن عبّاسٍ حتّى أبيّن لك شأنه قوله فأخذ طائرٌ بمنقاره تقدّم شرحه في كتاب العلم وظاهر هذه الرّواية أنّ الطّائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى ما يتعلّق بعلمهما ورواية سفيان تقتضي أنّ ذلك وقع بعد ما خرق السّفينة ولفظه كانت الأولى من موسى نسيانًا قال وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر إلخ فيجمع بأنّ قوله فأخذ طائرٌ بمنقاره معقّبٌ بمحذوفٍ وهو ركوبهما السّفينة لتصريح سفيان بذكر السّفينة وروى النّسائيّ من وجه آخر عن بن عبّاسٍ أنّ الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطّائر قال لا قال يقول ما علمكما الّذي تعلمان في علم اللّه إلّا مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر وفي رواية هارون بن عنترة عند عبد بن حميدٍ في هذه القصّة قال أرسل ربّك الخطّاف فجعل يأخذ بمنقاره من الماء ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال الخطّاف ولعبد بن حميدٍ من طريق أبي العالية قال رأى هذا الطّائر الّذي يقال له النّمر ونقل بعض من تكلّم على البخاريّ أنّه الصّرد). [فتح الباري: 8/416-418] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه حدّثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سربًا وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان، أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال: فكان للحوت سربًا ولموسى ولفتاه عجبًا فقال موسى: ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام قال: أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمك اللّه لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا فقال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا»، قال: وقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى أقتلت نفسًا زاكيةً؟ بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: وهذا أشدّ من الأولى قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ قال: مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال: هذا فراق بيني وبينك إلى قوله {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}» [الكهف: 82] فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما» قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ {وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 85].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال اقتلوه فقيل: إنما سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله.
(فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب
(لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك.
وفي هذا النسيان أقوال:
أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا.
الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك.
الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر.
(ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع). [إرشاد الساري: 7/216-221] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا (66) قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا (67) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا (68) قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا}.
يقول تبارك وتعالى: قال العالم لموسى: فإن اتّبعتني الآن فلا تسألني عن شيءٍ أعمله ممّا تستنكره، فإنّي قد أعلمتك أنّي أعمل العمل على الغيب الّذي لا تحيط به علمًا {حتّى أحدث لك منه ذكرًا} يقول: حتّى أحدث أنا لك ذكرا ممّا ترى من الأفعال الّتي أفعلها الّتي تستنكرها أذكره لك وأبيّن لك شأنه، وأبتدئك بالخبر عنها، كما؛
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} يعني عن شيءٍ أصنعه حتّى أبيّن لك شأنه). [جامع البيان: 15/334-335]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا (70) فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر فلما استقرت بهم الدار أنزل الله (وذكرهم بأيام الله) (إبراهيم آية 5) فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعيم وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال كلم الله موسى نبيكم تكليما واصطفاني لنفسه وأنزل علي محبة منه وآتاكم من كل شيء سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها فقال له رجل من بني إسرائيل: فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله قال: لا، فبعث الله جبريل إلى موسى فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي، بلى على ساحل البحر رجل أعلم، قال ابن عباس: هو الخضر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه: أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتا ميتا فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب، فلما طال صعود موسى ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} لك، قال الفتى، لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض، ومن أنت قال: أنا موسى، فقال له الخضر: أصاحب بني إسرائيل فرحب به وقال: ما جاء بك قال: جئتك {على أن تعلمن مما علمت رشدا (66) قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يقول: لا تطيق ذلك، قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فانطلق به وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه، فذلك قوله: {حتى أحدث لك منه ذكرا} ). [الدر المنثور: 9/595-596] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والخطيب، وابن عساكر من طريق هرون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه فقال: رب أي عبادك أحب إليك قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى، قال: وقد كان حدث موسى نفسه أنه ليس أحد أعلم منه، قال: رب فهل أحد أعلم مني قال: نعم، قال: فأين هو قيل له: عند الصخرة التي عندها العين، فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله وانتهى موسى إليه عند الصخرة فسلم كل واحد منهما على صاحبه فقال له موسى: إني أريد أن تصحبني، قال: إنك لن تطيق صحبتي، قال: بلى، قال: فإن صحبتني {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فسار به في البحر حتى انتهى إلى محمع البحرين وليس في البحر مكان أكثر ماء منه، قال: وبعث الله الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره فقال لموسى: كم ترى هذا الخطاف رزأ بمنقاره من الماء قال: ما أقل ما رزأ، قال: فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء، وذكر تمام الحديث في خرق السفينة وقتل الغلام وإصلاح الجدار فكان قول موسى في الجدار لنفسه شيئا من الدنيا وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله عز وجل). [الدر المنثور: 9/597-598] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا (68) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:33 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي


تفسير قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلّمناه من لدنّا علما}
يعنى به الخضر، وقيل إنما سمي الخضر لأنه كان إذا صلى في مكان اخضّر ما حوله.
وفيما فعله موسى - وهو من جلّة الأنبياء، وقد أوتي التوراة، من طلبه العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم.
وإن كان قد بلغ نهايته وأحاط بأكثر ما يدركه أهل زمانه، وأن يتواضع لمن هو أعلم منه). [معاني القرآن: 3/301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {فوجدوا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} يعني به الخضر وقيل إنما سمى الخضر لأنه كان إذا صلى في مكان اخضر ما حوله وفيما فعله موسى وهو من جله الأنبياء وقد أوتى التوراة من طلبه العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأحاط بأكثر ما يدركه أهل زمانه وأن يتواضع لمن هو أعلم منه). [معاني القرآن: 4/267]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قال له موسى هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا} [الكهف: 66] ترشدني). [تفسير القرآن العظيم: 1/198]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {مما علمت رشدا}.
الأعرج وأبو جعفر وشيبة ونافع وعاصم والأعمش {رشدا} بضم الراء وجزم الشين). [معاني القرآن لقطرب: 856]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال له موسى هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدا }
ورشدا، والفعل والفعل نحو الرشد والرشد كثير في العربية نحو البخل والبخل، والعجم والعجم، والعرب والعرب). [معاني القرآن: 3/301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال له موسى هل اتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} هذا سؤال الملاطف والمخاطب المبالغ في حسن الأدب والمعنى هل يتفق لك ويخف عليك أن تأذن لي في مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدني وهذا كما في الحديث هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ والرشد والرشد بمعنى واحد وهو كثير في اللغة العربية نحو البخل والبخل والعرب والعرب). [معاني القرآن: 4/268-267]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال إنّك لن تستطيع معي صبرا}
هدا قول الخضر لموسى، ثم أعلمه العلة في ترك الصبر فقال:
{وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} ). [معاني القرآن: 3/301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} هذا قول الخضر لموسى ثم أعلمه العلة في ترك الصبر،
فقال وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا
أي وكيف تصبر على ما ظاهره خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه والأنبياء لا يقرون على منكر ولا يسعهم التقرير أي لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك).
[معاني القرآن: 4/268]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا}
أي وكيف تصبر على ما ظاهره منكر، والأنبياء والصالحون لا يصبرون على ما يرونه منكرا). [معاني القرآن: 3/301]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {قال ستجدني إن شاء اللّه صابرا ولا أعصي لك أمرا} هذا قول موسى للخضر). [معاني القرآن: 3/301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال ستجدني إن شاء الله صابرا}
هذا قول موسى للخضر أي سأصبر بمشيئة الله ولا أعصي لك أمرا أي قد ألزمت نفسي طاعتك ولن أعصي أمرك إن شاء الله). [معاني القرآن: 4/268]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {حتّى أحدث لك منه ذكراً...}
يقول: حتّى أكون أنا الذي أسألك). [معاني القرآن: 2/155]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أبو عمرو {فلا تسألني} بالتخفيف.
وأهل المدينة {فلا تسألني} بالنون الخفيفة). [معاني القرآن لقطرب: 856]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتّى أحدث لك منه ذكرا}
أي إن أنكرته فلا تعجل بالمسألة إلى أن أبيّن لك الوجه فيه، ونصب (خبرا) على المصدر لأن معنى لم تحط به لم تخبره خبرا، ومثله قول امرئ القيس:
وصرنا إلى الحسنى ورق حديثنا= ورضت فذلّت صعبة أيّ إذلال
لأن معنى رضت أذللت، وكذلك أحطت به في معنى خبرته). [معاني القرآن: 3/302-301]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا}
أي إن أنكرته فلا تعجل بالمسألة إلى أن أبين لك الوجه فيه وحتى أكون أنا الذي أفسره لك
شرط عليه قبل بدء الرحلة ألا يسأله ولا يستفسر عن شيء من تصرفاته حتى يكشف له عن سرها فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم). [معاني القرآن: 4/269-268]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:36 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) }

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70) }

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:37 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:38 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:45 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و "العبد" هو الخضر في قول الجمهور بمقتضى الأحاديث، وخالف من لا يعتد بقوله فقال: ليس صاحب موسى بالخضر، بل هو عالم آخر، والخضر نبي عند الجمهور، وقيل: هو عبد صالح غير نبي.
والآية تشهد بنبوته؛ لأن بواطن أفعاله هل كانت إلا بوحي الله؟ وروي في الحديث أن موسى وجد الخضر عليهما السلام مسجى في ثوبه مستلقيا على الأرض، فقال له: السلام عليك، فرفع الخضر رأسه وقال: وأنى بأرضك السلام؟ ثم قال له: من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال له: ألم يكن لك في بني إسرائيل ما يشغلك عن السفر إلى هنا؟ قال: بلى، ولكني أحببت لقاءك وأن أتعلم منك، قال له: إني على علم من علم الله علمنيه ولا تعلمه أنت، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
كان علم الخضر معرفة بواطن قد أوحيت إليه لا تعطي ظواهر الأحكام أفعاله بحسبها، وكان علم موسى عليه السلام علم الأحكام والفتيا بظاهر أقوال الناس وأفعالهم. وروي أن موسى وجد الخضر قاعدا على ثيج البحر، وسمي الخضر خضرا لأنه جلس على فروة يابسة فاهتزت تحته خضراء، روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، و"الرحمة" -في هذه الآية- النبوة. وقد ذكرنا الحديث المضمن أن سبب هذه القصة أن موسى عليه السلام قيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: لا. وحكى الطبري حديثا آخر، مضمنه أن موسى عليه السلام قال من قبل نفسه: أي رب، أي عبادك أعلم؟ قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة خير تهديه، قال: رب، فهل في الأرض أحد؟ قال: نعم، فسأل السبيل إلى لقيه.
[المحرر الوجيز: 5/634]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والحديث الأول في صحيح البخاري.
وقرأ الجمهور: "من لدنا" بتشديد النون، وقرأ أبو عمرو: "من لدنا" بضم الدال وتخفيف النون، قال أبو حاتم: هما لغتان). [المحرر الوجيز: 5/635]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَىٰ هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَىٰ أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}
هذه مخاطبة المستنزل المبالغ في حسن الأدب. المعنى: هل يتفق لك ويخف عليك؟ وهذا كما في الحديث: "هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟" وعلى بعض التأويلات يجيء كذلك قوله تعالى: {هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء}"؟
وقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم: "رشدا" بتخفيف الشين، وهي قراءة حمزة، والكسائي، وقرأ ابن عامر: "رشدا"، وقرأ أبو عمرو: "رشدا" بفتح الراء والشين. ونصبه على وجهين: أحدهما أن يكون مفعولا ثانيا بـ "تعلمني"، والآخر أن يكون حالا من الضمير في قوله: "أتبعك"). [المحرر الوجيز: 5/635]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا}، أي: إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من عملي؛ لأن الظواهر التي علمك لا تعطيه، وكيف تصبر على
[المحرر الوجيز: 5/635]
ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه ولا وجه الصواب؟ فقرب له موسى الأمر بوعده أنه سيجده صابرا، ثم استثنى حين حكم على نفسه بأمر، فقوى الخضر وصاته، وأمره بالإمساك عن السؤال والإكنان لما يراه حتى يبتدئه الخضر لشرح ما يجب شرحه). [المحرر الوجيز: 5/636]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَىٰ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا}، أي: إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من عملي؛ لأن الظواهر التي علمك لا تعطيه، وكيف تصبر على
[المحرر الوجيز: 5/635]
ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه ولا وجه الصواب؟ فقرب له موسى الأمر بوعده أنه سيجده صابرا، ثم استثنى حين حكم على نفسه بأمر، فقوى الخضر وصاته، وأمره بالإمساك عن السؤال والإكنان لما يراه حتى يبتدئه الخضر لشرح ما يجب شرحه). [المحرر الوجيز: 5/636] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا}، أي: إنك يا موسى لا تطيق أن تصبر على ما تراه من عملي؛ لأن الظواهر التي علمك لا تعطيه، وكيف تصبر على
[المحرر الوجيز: 5/635]
ما تراه خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه ولا وجه الصواب؟ فقرب له موسى الأمر بوعده أنه سيجده صابرا، ثم استثنى حين حكم على نفسه بأمر، فقوى الخضر وصاته، وأمره بالإمساك عن السؤال والإكنان لما يراه حتى يبتدئه الخضر لشرح ما يجب شرحه). [المحرر الوجيز: 5/636] (م)

تفسير قوله تعالى: {قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّىٰ أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ نافع: "فلا تسألني" بفتح اللام وتشديد النون وإثبات الياء. وقرأ ابن عامر كذلك إلا أنه حذف الباء فقال: "فلا تسألن"، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة، والكسائي: " فلا تسألني" بسكون اللام وثبوت الياء، وقرأ الجمهور: "خبرا" بسكون الباء، وقرأ الأعرج: "خبرا" بضمها). [المحرر الوجيز: 5/636]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:55 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 07:00 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلّمناه من لدنّا علمًا} وهذا هو الخضر، عليه السّلام، كما دلّت عليه الأحاديث الصّحيحة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. بذلك قال البخاريّ:
حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل. قال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثنا أبيّ بن كعبٍ، رضي اللّه عنه، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا. فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه: إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك. فقال موسى: يا ربّ، وكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا، تجعله بمكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ. فأخذ حوتًا، فجعله بمكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ عليهما السّلام، حتّى إذا أتيا الصخرة وضعا رؤوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه، فسقط في البحر واتّخذ سبيله في البحر سربًا، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق. فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما، حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمره اللّه به. قال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال: "فكان للحوت سربًا ولموسى وفتاه عجبًا، فقال: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا}. قال: "فرجعا يقصّان أثرهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجّى بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام!. قال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا. {قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا}، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه، لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه. فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا}.
فانطلقا يمشيان على ساحل البحر، فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوه، فعرفوا الخضر، فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قد حملونا بغير نولٍ، فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها؟ لقد جئت شيئًا إمرًا. {قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا * قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} قال: وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كانت الأولى من موسى نسيانًا". قال: وجاء عصفورٌ فنزل على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرة، [أو نقرتين] فقال له الخضر: ما علمي وعلمك في علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
ثمّ خرجا من السّفينة، فبينما هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه [بيده] فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا * قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا}؟! قال: "وهذه أشدّ من الأولى"، {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا * فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} قال: مائلٌ. فقال الخضر بيده: {فأقامه}، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما".
قال سعيد بن جبيرٍ: كان ابن عبّاسٍ يقرأ: "وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا" وكان يقرأ: "وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين".
ثمّ رواه البخاريّ عن قتيبة، عن سفيان بن عيينة = فذكر نحوه، وفيه: "فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ، ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فنزلا عندها -قال: فوضع موسى رأسه فنام-قال سفيان: وفي حديث غير عمرٍو قال: وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة، لا يصيب من مائها شيءٌ إلّا حيي: فأصاب الحوت من ماء تلك العين، قال، فتحرّك وانسلّ من المكتل، فدخل البحر، فلمّا استيقظ قال موسى لفتاه: {آتنا غداءنا} كذا قال: وساق الحديث. ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة، فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم اللّه إلّا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره وذكر تمامه بنحوه.
وقال البخاريّ أيضًا: حدّثنا إبراهيم بن موسى، حدّثنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريج أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ -يزيد أحدهما على صاحبه-وغيرهما قد سمعته يحدّث عن سعيد بن جبيرٍ قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته، إذ قال: سلوني. فقلت: أي أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداك، بالكوفة رجلٌ قاصٌّ، يقال له: "نوفٌ" يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل -أمّا عمرٌو فقال لي: قال: كذب عدوّ اللّه! وأمّا يعلى فقال لي: قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "موسى رسول اللّه، ذكّر النّاس يومًا، حتّى إذا فاضت العيون، ورقّت القلوب، ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه، هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا. فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه، قيل: بلى قال: أي ربّ، وأين؟ قال: بمجمع البحرين. قال: أي ربّ، اجعل لي علمًا أعلم ذلك به". قال لي عمرٌو: قال: حيث يفارقك الحوت، وقال لي يعلى: خذ حوتًا ميتًا حيث ينفخ فيه الرّوح. فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلّا أن تخبرني حيث يفارقك الحوت، قال ما كلّفت كبيرًا. فذلك قوله: {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نونٍ، ليست عند سعيد بن جبيرٍ، قال: "فبينا هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه: لا أوقظه، حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر، فأمسك اللّه عنه جرية الماء حتّى كأنّ أثره في حجرٍ". [قال: فقال لي عمرٌو: هكذا كأنّ أثره في حجرٍ]، وحلّق بين إبهاميه والّتي تليهما: {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: "وقد قطع اللّه عنك النّصب" ليست هذه عند سعيدٍ -أخبره، فرجعا فوجدا خضرًا. قال: قال عثمان بن أبي سليمان: على طنفسة خضراء على كبد البحر. قال سعيد بن جبيرٍ: مسجى بثوبٍ، قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلّم عليه موسى، فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضٍ من سلامٍ؟ من أنت؟ قال أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال: جئتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا. قال: يكفيك التّوراة بيدك، وأنّ الوحي يأتيك!. يا موسى، إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه. فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر [فقال: واللّه ما علمي وعلمك في جنب علم اللّه إلّا كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر]، حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل هذا السّاحل إلى هذا السّاحل الآخر عرفوه، فقالوا: عبد اللّه الصّالح؟. قال فقلنا لسعيدٍ: خضرٌ؟ قال: نعم. لا نحمله بأجرٍ. فخرقها، ووتد فيها وتدًا. قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا}.
قال مجاهدٌ: منكرًا. قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا} كانت الأولى نسيانًا، والوسطى شرطًا، والثّالثة عمدًا {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا. فانطلقا}. حتّى لقيا غلامًا فقتله. قال يعلى: قال سعيدٌ، وجد غلمانًا يلعبون، فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه، ثمّ ذبحه بالسّكّين، فقال: {أقتلت نفسًا زكيّةً} لم تعمل بالحنث. وابن عبّاسٍ قرأها {زكيّةً} -" زاكية " مسلمة، كقولك: غلامًا زكيًّا فانطلقا، فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه، قال [سعيدٌ] بيده هكذا، ورفع يده فاستقام -قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام -قال: {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} قال سعيدٌ: أجرًا نأكله {وكان وراءهم ملكٌ} وكان أمامهم، قرأها ابن عبّاسٍ: "أمامهم ملكٌ" يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه -يزعمون-جيسور {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها بعيبها، فإذا جاوزه أصلحوها فانتفعوا بها. ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ. ومنهم من يقول: بالقار. {فكان أبواه مؤمنين} وكان كافرًا، {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا}. أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً} كقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً}، {وأقرب رحمًا}: هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ. وزعم غير سعيد بن جبيرٍ أنّهما أبدلا جاريةً. وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ: إنّها جاريةٌ.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: خطب موسى، عليه السّلام، بني إسرائيل فقال: ما أحدٌ أعلم باللّه وبأمره منّي. فأمر أن يلقى هذا الرّجل. فذكر نحو ما تقدّم بزيادةٍ ونقصانٍ، واللّه أعلم.
وقال محمّد بن إسحاق، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبيرٍ قال: جلست عند ابن عبّاسٍ وعنده نفرٌ من أهل الكتاب فقال بعضهم: يا أبا العبّاس، إنّ نوفًا ابن امرأة كعبٍ، يزعم عن كعبٍ أنّ موسى النّبيّ الّذي طلب العالم إنّما هو موسى بن ميشا؟ قال سعيدٌ: فقال ابن عبّاسٍ: أنوفٌ يقول هذا؟ قال سعيدٌ: فقلت له: نعم، أنا سمعت نوفًا يقول ذلك. قال: أنت سمعته يا سعيد؟ قال: قلت: نعم. قال: كذب نوفٌ. ثمّ قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبيّ بن كعبٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أن موسى بني إسرائيل سأل ربّه فقال: أي ربّ، إن كان في عبادك أحدٌ هو أعلم منّي، فدلّني عليه. فقال له: نعم، في عبادي من هو أعلم منك. ثمّ نعت له مكانه وأذن له في لقيّه. فخرج موسى ومعه فتاه، ومعه حوتٌ مليحٌ، قد قيل له: إذا حيي هذا الحوت في مكانٍ، فصاحبك هنالك، وقد أدركت حاجتك. فخرج موسى ومعه فتاه، ومعه ذلك الحوت يحملانه، فسار حتّى جهده السّير، وانتهى إلى الصّخرة وإلى ذلك الماء، وذلك الماء ماء الحياة، من شرب منه خلّد، ولا يقاربه شيءٌ ميتٌ إلّا حيي. فلمّا نزلا ومسّ الحوت الماء حيي {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} فانطلقا فلمّا جاوز منقلبه قال: موسى لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال الفتى -وذكر-: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا}. قال ابن عبّاسٍ: فظهر موسى على الصّخرة حتّى إذا انتهيا إليها، فإذا رجلٌ متلفّفٌ في كساءٍ له، فسلّم موسى، فردّ عليه العالم ثمّ قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل؟. قال له موسى: جئتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا {قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا} وكان رجلًا يعلم علم الغيب قد علّم ذلك -فقال موسى: بلى. قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا}؟ أي: إنّما تعرف ظاهر ما ترى من العدل، ولم تحط من علم الغيب بما أعلم. {قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} وإن رأيت ما يخالفني، قال: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ} [وإن أنكرته] {حتّى أحدث لك منه ذكرًا}: فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرّضان النّاس، يلتمسان من يحملهما، حتّى مرّت بهما سفينةٌ جديدةٌ وثيقةٌ، لم يمرّ بهما من السّفن أحسن ولا أكمل ولا أوثق منها. فسألا أهلها أن يحملوهما، فحملوهما، فلمّا اطمأنّا فيها ولجّجت بهما مع أهلها، أخرج منقارًا له ومطرقةً، ثمّ عمد إلى ناحيةٍ منها فضرب فيها بالمنقار حتّى خرقها. ثمّ أخذ لوحًا فطبّقه عليها، ثمّ جلس عليها يرقّعها، فقال: له موسى -ورأى أمرًا أفظع به-: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا * قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا * قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي: بما تركت من عهدك، {ولا ترهقني من أمري عسرًا}. ثمّ خرجا من السّفينة فانطلقا، حتّى أتيا أهل قريةٍ، فإذا غلمانٌ يلعبون خلفها، فيهم غلامٌ ليس في الغلمان غلامٌ أظرف منه ولا أثرى ولا أوضأ منه، فأخذه بيده، وأخذ حجرًا فضرب به رأسه حتّى دمغه فقتله، قال: فرأى موسى أمرًا فظيعًا لا صبر عليه، صبيٌّ صغيرٌ قتله لا ذنب له قال: {أقتلت نفسًا زكيّةً} أي: صغيرةً {بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا * قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا * قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا} أي: قد أعذرت في شأني. {فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ}، فهدمه ثمّ قعد يبنيه، فضجر موسى ممّا يراه يصنع من التّكليف، وما ليس عليه صبرٌ، قال: {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} أي: قد استطعمناهم فلم يطعمونا، وضفناهم فلم يضيّفونا، ثمّ قعدت تعمل من غير صنيعةٍ، ولو شئت لأعطيت عليه أجرًا في عمله؟. قال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا * أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} -وفي قراءة أبيّ بن كعبٍ: "كلّ سفينةٍ صالحةٍ" -وإنّما عبتها لأردّه عنها، فسلمت حين رأى العيب الّذي صنعت بها. {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا * فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا * وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحًا فأراد ربّك أن يبلغا أشدّهما ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربّك وما فعلته عن أمري} أي: ما فعلته عن نفسي، {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} وكان ابن عبّاسٍ يقول: ما كان الكنز إلّا علمًا.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ قال: لـمّا ظهر موسى وقومه على مصر، أنزل قومه، فلمّا استقرّت بهم الدّار، أنزل اللّه: أن ذكّرهم بأيّام اللّه فخطب قومه، فذكر ما آتاهم اللّه من الخير والنّعمة، وذكّرهم إذ نجّاهم اللّه من آل فرعون، وذكّرهم هلاك عدوّهم، وما استخلفهم اللّه في الأرض، وقال: كلّم اللّه نبيّكم تكليمًا، واصطفاني لنفسه، وأنزل عليّ محبّةً منه، وآتاكم اللّه من كلّ ما سألتموه؛ فنبيكم أفضل أهل الأرض، وأنتم تقرؤون التّوراة، فلم يترك نعمةً أنعمها عليهم إلّا وعرّفهم إيّاها. فقال له رجلٌ من بني إسرائيل: هم كذلك يا نبيّ اللّه، قد عرفنا الّذي تقول، فهل على الأرض أحدٌ أعلم منك يا نبيّ اللّه؟ قال: لا. فبعث اللّه جبرائيل إلى موسى، عليهما السّلام، فقال: إنّ اللّه [عزّ وجلّ] يقول: وما يدريك أين أضع علمي؟ بلى. إنّ على شطّ البحر رجلًا هو أعلم منك -قال ابن عبّاسٍ: هو الخضر-فسأل موسى ربّه أن يريه إيّاه، فأوحى إليه: أن ائت البحر، فإنّك تجد على شطّ البحر حوتًا، فخذه فادفعه إلى فتاك، ثمّ الزم شطّ البحر، فإذا نسيت الحوت وهلك منك، فثمّ تجد العبد الصّالح الّذي تطلب. فلمّا طال سفر موسى نبيّ اللّه ونصب فيه، سأل فتاه عن الحوت، فقال له فتاه وهو غلامه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره} لك، قال الفتى: لقد رأيت الحوت حين اتّخذ سبيله في البحر سربًا فأعجب ذلك موسى، فرجع حتّى أتى الصّخرة، فوجد الحوت، فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى، وجعل موسى يقدّم عصاه يفرّج بها عنه الماء يتبع الحوت، وجعل الحوت لا يمسّ شيئًا من البحر إلّا يبس، حتّى يكون صخرةً، فجعل نبيّ اللّه يعجب من ذلك، حتّى انتهى به الحوت إلى جزيرةٍ من جزائر البحر، فلقي الخضر بها فسلّم عليه، فقال الخضر: وعليك السّلام، وأنّى يكون السّلام بهذه الأرض؟ ومن أنت؟ قال: أنا موسى. فقال الخضر: أصاحب بني إسرائيل؟ [قال: نعم] فرحّب به وقال: ما جاء بك؟ قال جئتك {على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا} يقول: لا تطيق ذلك. قال موسى {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال: فانطلق به، وقال له: لا تسألني عن شيءٍ أصنعه حتّى أبيّن لك شأنه، فذلك قوله: {حتّى أحدث لك منه ذكرًا}
وقال الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعودٍ عن ابن عبّاسٍ: أنّه تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى، فقال ابن عبّاسٍ: هو خضرٌ. فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ فدعاه ابن عبّاسٍ فقال: إنّي تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الّذي سأل السّبيل إلى لقيه، فهل سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يذكر شأنه؟ قال: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: "بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل إذ جاءه رجلٌ فقال: تعلم مكان رجلٍ أعلم منك؟ قال: لا؛ فأوحى اللّه إلى موسى بلى عبدنا خضرٌ. فسأل موسى السّبيل إلى لقيّه فجعل اللّه له الحوت آيةً وقيل له: إذا فقدت الحوت [فهو ثمّة] فارجع، فإنّك ستلقاه. فكان موسى يتبع أثر الحوت في البحر. فقال فتى موسى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} فوجدا عبدنا خضرًا فكان من شأنهما ما قص في الله كتابه). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 175-181]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال له موسى هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا (66) قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا (67) وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا (68) قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا (69) قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا (70)}.
يخبر تعالى عن قيل موسى، عليه السّلام لذلك [الرّجل] العالم، وهو الخضر، الّذي خصّه اللّه بعلمٍ لم يطلع عليه موسى، كمّا أنّه أعطى موسى من العلم ما لم يعطه الخضر، {قال له موسى هل أتّبعك} سؤالٌ بتلطّفٍ، لا على وجه الإلزام والإجبار. وهكذا ينبغي أن يكون سؤال المتعلّم من العالم. وقوله: {أتّبعك} أي: أصحبك وأرافقك، {على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا} أي: ممّا علّمك اللّه شيئًا، أسترشد به في أمري، من علمٍ نافعٍ وعملٍ صالحٍ.
فعندها {قال} الخضر لموسى: {إنّك لن تستطيع معي صبرًا} أي: أنت لا تقدر أن تصاحبني لما ترى [منّي] من الأفعال الّتي تخالف شريعتك؛ لأنّي على علمٍ من علم اللّه، ما علّمكه اللّه، وأنت على علمٍ من علم اللّه، ما علّمنيه اللّه، فكلٌّ منّا مكلّفٌ بأمورٍ. من اللّه دون صاحبه، وأنت لا تقدر على صحبتي). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 181]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا} فأنا أعرف أنّك ستنكر عليّ ما أنت معذورٌ فيه، ولكن ما اطّلعت على حكمته ومصلحته الباطنة الّتي اطّلعت أنا عليها دونك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 181]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا (70)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({قال} له موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا} أي: على ما أرى من أمورك، {ولا أعصي لك أمرًا} أي: ولا أخالفك في شيءٍ. فعند ذلك شارطه الخضر {قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ} أي: ابتداءً {حتّى أحدث لك منه ذكرًا} أي: حتّى أبدأك أنا به قبل أن تسألني.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا يعقوب، عن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: سأل موسى ربّه، عزّ وجلّ، فقال: ربّ، أيّ عبادك أحبّ إليك؟ قال: الّذي يذكرني ولا ينساني. قال فأيّ عبادك أقضى؟ قال: الّذي يقضي بالحقّ ولا يتّبع الهوى. قال أي ربّ، أيّ عبادك أعلم؟ قال الّذي يبتغي علم النّاس إلى علمه، عسى أن يصيب كلمةً تهديه إلى هدًى أو تردّه عن ردًى. قال: أي ربٍّ هل في أرضك أحدٌ أعلم منّي؟ قال: نعم. قال: فمن هو؟ قال الخضر. قال: فأين أطلبه؟ قال على السّاحل عند الصّخرة، الّتي ينفلت عندها الحوت. قال: فخرج موسى يطلبه، حتّى كان ما ذكر اللّه، وانتهى موسى إليه عند الصّخرة، فسلّم كلّ واحدٍ منهما على صاحبه. فقال له موسى: إنّي أريد أن تصحبني قال إنّك لن تطيق صحبتي. قال: بلى. قال: فإن صحبتني {فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: فسار به في البحر حتّى انتهى إلى مجمع البحور، وليس في الأرض مكانٌ أكثر ماءً منه. قال: وبعث اللّه الخطّاف، فجعل يستقي منه بمنقاره، فقال لموسى: كم ترى هذا الخطّاف رزأ من هذا الماء؟ قال: ما أقلّ ما رزأ! قال: يا موسى فإنّ علمي وعلمك في علم اللّه كقدر ما استقى هذا الخطّاف من هذا الماء. وكان موسى قد حدّث نفسه أنّه ليس أحدٌ أعلم منه، أو تكلّم به، فمن ثمّ أمر أن يأتي الخضر. وذكر تمام الحديث في خرق السّفينة، وقتل الغلام، وإصلاح الجدار، وتفسيره له ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 181-182]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:16 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة