العودة   جمهرة العلوم > قسم التفسير > جمهرة التفاسير > تفسير سورة الكهف

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 01:43 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي تفسير سورة الكهف [ من الآية (60) إلى الآية (64) ]

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (60) إلى الآية (64) ]

{وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62) قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م, 10:36 PM
الصورة الرمزية منى بكري
منى بكري منى بكري غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2010
المشاركات: 1,049
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله مجمع البحرين قال بحر فارس وبحر الروم). [تفسير عبد الرزاق: 1/405]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أبي إسحاق الهمداني عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خطب موسى بني إسرائيل فقال ما أحد أعلم بالله وبأمره مني فأمر أن يلقى هذا الرجل يعني الخضر). [تفسير عبد الرزاق: 1/405]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {وإذ قال موسى لفتاه: لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبًا} [الكهف: 60]
«زمانًا وجمعه أحقابٌ»). [صحيح البخاري: 6/88]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين)
اختلف في مكان مجمع البحرين فروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة قال بحر فارسٍ والرّوم وعن الرّبيع بن أنسٍ مثله أخرجه عبد بن حميد وروى بن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال هما الكرّ والرّسّ حيث يصبّان في البحر قال بن عطيّة مجمع البحرين ذراعٌ في أرض فارسٍ من جهة أذربيجان يخرج من البحر المحيط من شماليه إلى جنوبيه وطرفيه ممّا يلي برّ الشّام وقيل هما بحر الأردنّ والقلزم وقال محمّد بن كعبٍ القرظيّ مجمع البحرين بطنجة وعن بن المبارك قال قال بعضهم بحر أرمينيّة وعن أبي بن كعب قال بإفريقية أخرجهما بن أبي حاتمٍ لكن السّند إلى أبيّ بن كعبٍ ضعيفٌ وهذا اختلافٌ شديدٌ وأغرب من ذلك ما نقله القرطبيّ عن بن عبّاسٍ قال المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنّهما بحرا علمٍ وهذا غير ثابتٍ ولا يقتضيه اللّفظ وإنّما يحسن أن يذكر في مناسبة اجتماعهما بهذا المكان المخصوص كما قال السّهيليّ اجتمع البحران بمجمع البحرين قوله أو أمضى حقبا زمانًا وجمعه أحقابٌ هو قول أبي عبيدة قال ويقال فيه أيضًا حقبةٌ أي بكسر أوّله والجمع حقبٌ وقال عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة الحقب الزّمان وعن بن عبّاسٍ الحقب الدّهر وعن سعيد بن جبيرٍ الحقب الحين أخرجهما بن المنذر وجاء تقديره عن غيرهم فروى بن المنذر عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أنّه ثمانون سنةً وروى عبد بن حميدٍ عن مجاهدٍ أنّه سبعون ثمّ ذكر المصنّف قصّة موسى والخضر وسأذكر شرح ذلك في الباب الّذي يليه). [فتح الباري: 8/410]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضى حقباً} (الكهف: 60) زماناً وجمعه أحقابٌ)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {وإذ قال موسى} أي: أذكر حين قال موسى، هو ابن عمران (لفتاه) أي: لصاحبه يوشع بن نون، قيل: كان معه في سفره، وقيل: فتاه عبده ومملوكه. قوله: (لا أبرح) أي: لا أزال أسير (حتّى أبلغ مجمع البحرين) بحر فارس والروم ممّا يلي المشرق، وعن محمّد بن كعب: بطبخه، وعن أبي بن كعب. بأفريقية، وقيل: هما بحر الأردن والقلزم، وعن ابن المبارك: قال بعضهم: بحر أرمينية، وعن السّديّ: هما الكر والرش حيث يصبّان في البحر. قوله: (أو أمضى حقباً) . أي: أمضى زمانا طويلا، وعن قتادة: الحقب الزّمان، وعن ابن عبّاس: الحقب الدّهر، وعن سعيد بن جبير: الحقب الحين، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص: إنّه ثمانون سنة، وعن مجاهد سبعون سنة. (وجمعه) أي: وجمع الحقب (أحقاب) ). [عمدة القاري: 19/40]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبًا} زمانًا وجمعه أحقابٌ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: {وإذ قال موسى} نصب باذكر مقدرًا ({لفتاه}) يوشع بن نون وإنما قيل فتاه لأنه كان يخدمه ويتبعه أو كان يأخذ منه العلم ({لا أبرح}) يجوز أن تكون ناقصة فتحتاج إلى خبر أي لا أبرح أسير فحذف الخبر لدلالة حاله وهو السفر عليه لكن نص بعضهم أن حذف خبر هذا الباب لا يجوز ولو بدليل إلا لضرورة كقوله:
لهفي عليك كلهفة من خائف = يبغي جوارك حين لات مجير
ويجوز أن تكون تامة فلا تحتاج إلى خبر والمعنى لا أبرح ما أنا عليه بمعنى ألزم المسير والطلب حتى أبلغ كما تقول لا أبرح المكان قيل فعلى هذا يحتاج إلى حذف مفعول به فالحذف لا بد منه على التقديرين ({حتى أبلغ مجمع البحرين}) المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر وهو ملتقى بحري فارس والروم مما يلي المشرق، وقول القرطبي وغيره من المفسرين والشراح نقلًا عن ابن عباس المراد بمجمع البحرين اجتماع موسى والخضر لأنهما بحرا علم أحدهما في الشرعيات والآخر في الباطن وأسرار الملكوت غير ثابت ولا يقتضيه اللفظ ولا ينفي عن موسى علم أسرار الملكوت كما لا يخفى وقد قال الزمخشري أنه من بدع التفاسير ({أو أمضي حقبًا}) [الكهف: 60] أي (زمانًا) طويلًا (وجمعه أحقاب) أو الحقب ثمانون سنة أو سبعون أو الدهر). [إرشاد الساري: 7/216]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثني أبيّ بن كعبٍ: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم، فقال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو، ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] ، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى {لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا) ، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى ولفتاه عجبًا، فقال موسى: (ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: (إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: 69] ، فقال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا) "، قال: وقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا) . (قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا) قال: وهذه أشدّ من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرًا، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- قال: مائلٌ - فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] ، قال: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ (وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا) وكان يقرأ: (وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) ). [صحيح البخاري: 6/88-89]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينارٍ قال أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضير ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ كذب عدوّ الله حدثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى الله إليه إنّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا ربّ فكيف لي به قال تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق معه فتاه يوشع بن نونٍ حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً قال ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر الله به فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً قال فكان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً فقال موسى ذالك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصاً: قال رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهينا إلى الصخرة فإذا رجلٌ مسجّى ثوباً فسلّم عليه موسى فقال الخضر وأنّى بأرضك السّلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال إنّك لن تستطيع معي صبراً يا موسى إنّي على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علّمك الله لا أعلمه فقال موسى ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً فقال له الخضر فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً: قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأولى من موسى نسياناً قال وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هاذا العصفور من هاذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبيناهما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله فقال له موسى أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً قال وهاذا أشدّ من الأولى قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها بأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ قال مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال هاذا فراق بيني وبينك إلى قوله ذالك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ الله علينا من خبرهما: قال سعيد بن جبيرٍ فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصباً وكان يقرأ وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه يوضح ما فيها. والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى، وسفيان هو ابن عيينة. والحديث مر في كتاب العلم في: باب ما يستحبّ للعالم إذا سئل: أي النّاس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله عز وجل، فإنّه أخرجه هناك عن عبد الله ابن محمّد المسندي عن سفيان عن عمرو إلى آخره.
وهذا الحديث أخرجه البخاريّ في أكثر من عشر مواضع قد مر بيانه في كتاب العلم في: باب ما ذكر في ذهاب موسى عليه الصّلاة والسّلام، في البحر إلى الخضر عليه الصّلاة والسّلام، ومر الكلام فيه هناك، وفي: باب ما يستحبّ للعالم كما ينبغي، مستقصى، ونذكر ههنا بعض شيء لبعد المسافة على الطّالب سيما عند قلّة الكتب.
فقوله: (إن نوفًا) بفتح النّون وسكون الواو وبالفاء، (والبكالي) بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف، ويقال أيضا بفتح الباء وتشديد الكاف، قال الكرماني: وفيه نظر. قوله: (كذب عدو الله) ، هذا تغليظ من ابن عبّاس ولا سيما كان في حالة الغضب وإلاّ فهو مؤمن مسلم حسن الإيمان والإسلام. قوله: (إذ لم يرد) ، كلمة: إذ، للتّعليل. انتهى. قوله: (في مكتل) ، بكسر الميم وهو الزنبيل. قوله: (فهو ثمّ) ، بفتح الثّاء المثلّثة وتشديد الميم أي: فهو هناك. قوله: (حتّى إذا أتيا الصّخرة الّتي دون نهر الزّيت) ، قاله معقل بن زياد، وقيل: الصّخرة هي الّتي عند مجمع البحرين، وكان أتياها ليلًا فناما. قوله: (واضطرب الحوت) ، أي: تحرّك في المكتل، وكان الحوت مالحاً وخرج من المكتل فسقط في البحر، ويقال: كان في أصل الصّخرة عين يقال لها عين الحياة لا يصيب من مائها شيء إلاّ حييّ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسلّ من المكتل فدخل البحر، وروى ابن مردويه هذا، وفي لفظ: فقطرت من ذلك الماء على الحوت قطرة فعاش وخرج من المكتل فسقط في البحر. قوله: (سربا) أي: مسلكاً ومذهباً يسرب ويذهب فيه، قال الثّعلبيّ: روى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: انجاب الماء على مسلك الحوت فصار كوّة لم يلتئم، فدخل موسى عليه الصّلاة والسّلام، الكوة على إثر الحوت فإذا هو بالخضر عليه الصّلاة والسّلام
قوله: (على جرية الماء) أي: جريانه (فصار عليه مثل الطاق) ، أي: مثل عقد البناء، وعن الكلبيّ توضّأ يوشع من عين الحياة فانتضح على الحوت المالح في المكتل من ذلك الماء فعاش، ثمّ وثب في الماء فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بذنبه شيئا في الماء وهو ذاهب إلاّ يبس. قوله: (غداءنا) ، أي: طعامنا وزادنا. قوله: (نصبا) أي: شدّة وتعباً، وذلك أنه ألقى على موسى عليه الصّلاة والسّلام، الجوع بعدما جاوز الصّخرة ليتذكر الحوت ويرجع إلى موضع، مطلبه. قوله: (نبغي) أي: نطلب، انتهى. قوله: (فارتدا) ، أي: رجعا على آثارهما الّتي جاء منها. قوله: (قصصا) أي: يقصان الأثر ويتبعانه. قوله: (مسجى) ، أي: مغطى، قوله: (فقال الخضر) ، بفتح الخاء وكسر الضّاد وسكونها مع فتح الخاء وكسرها، ولقد ذكرنا في أحاديث الأنبياء سبب تسميته بالخضر، واسمه: بليا: بفتح الباء الموحدة وسكون اللّام وتخفيف الياء آخر الحروف، مقصورا. قوله: (وأنّى بأرضك السّلام؟) ، أي: من أين؟ قوله: (رشدا) . أي: علما ذا رشد أرشد به في ديني، وقال الزّمخشريّ: (رشدا) قرىء يعني: في القرآن، بفتحتين وبضمة وسكون. قوله: (إنّك لن تستطيع معي صبرا) (الكهف: 67) أي: لن تصبر على صنعي فيثقل عليك الصّبر عن الإنكار أو السّؤال. قوله: (فلا تسألني عن شيء) ، أي: شيء أعلمه ممّا تنكره. قوله: (ذكرا) ، أي: حتّى ابتدىء بذكره لك وأبين لك شأنه. قوله: (بغير نول) ، بفتح النّون وسكون الواو أي: بغير أجرة. قوله: (لم يفجأ) ، يقال: فجأه الأمر فجاءة بضم الفاء وبالمد: إذا أتاه بغتة من غير توقع. قوله: (أمرا) بكسر الهمزة أي منكرا، وعن القتبي: عجبا، والأمر، في كلام العرب الداهية قوله: {ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا} أي: تحقق ما قلت لك، قال له موسى عليه الصّلاة والسّلام: {لا تؤاخذني بما نسيت} أي: لا تؤاخذني بالنّسيان. قوله: {لا ترهقني من أمري عسراً} أي: لا تعنفني بما تركت من وصيتك ولا تطردني عنك، وقيل: لا تضيق عليّ أمري معك وصحبتي إياك. قوله: (إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ، هذا التّشبيه لبيان القلّة والحقارة فقط، وقيل: معنى نقص أخذ. قوله: (وهذا أشد من الأولى) أي: أوكد من الأولى حيث زاد كلمة: لك. قوله: (غلاما) ، اسمه خوش بود، وقيل: جيسور، واسم أبيه: ملاس، واسم أمه: رحمه، وكان ظريفاً وضيء الوجه. قوله: (فاقتلعه) ، أي: فاقتلع الخصر رأس الغلام فقتله، وقيل: أضجعه فذبحه بالسكين، وعن الضّحّاك: كان غلاما يعمل الفساد ويتأذى منه أبواه، وعن الكلبيّ: كان يقطع الطّريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه فيحلفان دونه، فأخذه الخضر فصرعه ونزع رأسه من جسده، وقيل: رفسه برجله، وعن ابن عبّاس: كان غلاما لم يبلغ الحنث. قوله: (زاكية) ، أي: ظاهرة، وقيل: مسلمة، وعن الكسائي: الزاكية والزكية لغتان، وعن أبي عمرو: الزاكية الّتي لم تذنب، والزكية الّتي أذنبت ثمّ تابت، قوله: (نكرا) ، أي: منكرا، وعن قتادة وابن كيسان: النكر أشد وأعظم من الأمر. قوله: (فلا تصاحبني) ، يعني: فارقني. قوله: (عذرا) ، يعني: في فراقي. قوله: (أهل قرية) هي أنطاكية، وعن ابن سيرين: الأيلة، وهي أبعد أرض من الخير، قوله: (يضيّفوهما) ، أي: ينزلوهما منزلة الأضياف. قوله: (فيها) ، أي: في القرية، قوله: (جداراً) ، قال وهب: كان طوله في السّماء مائة ذراع. قوله: (يريد أن ينقض) ، هذا مجاز لأن الجدار لا إرادة له، ومعناه قرب ودنا من ذلك. قوله: (أن ينقض) ، أي: أن يسقط وينهدم، ومنه انقضاض الكواكب وزوالها عن أماكنها، وقيل: ينقطع وينصدع. قوله: (فأقامه) أي: سواه. قوله: (أجرا) ، أي: أجرة وجعلا، وقيل: قرىء: وضيافة، وبقيّة الكلام قد مرت في كتاب العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/40-42]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه حدّثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سربًا وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان، أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال: فكان للحوت سربًا ولموسى ولفتاه عجبًا فقال موسى: ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام قال: أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمك اللّه لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا فقال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا»، قال: وقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى أقتلت نفسًا زاكيةً؟ بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: وهذا أشدّ من الأولى قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ قال: مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال: هذا فراق بيني وبينك إلى قوله {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}» [الكهف: 82] فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما» قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ {وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 85].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال اقتلوه فقيل: إنما سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله.
(فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب
(لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك.
وفي هذا النسيان أقوال:
أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا.
الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك.
الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر.
(ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع). [إرشاد الساري: 7/216-221]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته، إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداءك، بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له: نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل، أمّا عمرٌو فقال لي: قال: قد كذب عدوّ اللّه، وأمّا يعلى فقال لي: قال ابن عبّاسٍ، حدّثني أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " موسى رسول اللّه عليه السّلام، قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون، ورقّت القلوب، ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه، هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه، قيل: بلى، قال: أي ربّ، فأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: أي ربّ، اجعل لي علمًا أعلم ذلك به - فقال لي عمرٌو - قال: حيث يفارقك الحوت - وقال لي يعلى - قال: خذ نونًا ميّتًا، حيث ينفخ فيه الرّوح، فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلّا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلّفت كثيرًا فذلك قوله جلّ ذكره: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] يوشع بن نونٍ - ليست عن سعيدٍ - قال: فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان، إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ، فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر، فأمسك اللّه عنه جرية البحر، حتّى كأنّ أثره في حجرٍ - قال لي عمرٌو: هكذا كأنّ أثره في حجرٍ، وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما - {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب - ليست هذه عن سعيدٍ أخبره - فرجعا فوجدا خضرًا - قال لي عثمان بن أبي سليمان - على طنفسةٍ خضراء، على كبد البحر - قال سعيد بن جبيرٍ - مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك يا موسى، إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر، وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلّا كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر، حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا، تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح - قال: قلنا لسعيدٍ: خضرٌ؟ قال: نعم - لا نحمله بأجرٍ، فخرقها ووتد فيها وتدًا، قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئًا إمرًا} [الكهف: 71]- قال مجاهدٌ: منكرًا - (قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا، والثّالثة عمدًا، {قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} [الكهف: 73] ، لقيا غلامًا فقتله - قال يعلى: قال سعيدٌ: وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين - {قال: أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث - وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً (زاكيةً) : مسلمةً كقولك غلامًا زكيًّا - فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ، فأقامه - قال سعيدٌ بيده هكذا، ورفع يده فاستقام، قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام - {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77]- قال سعيدٌ: أجرًا نأكله - {وكان وراءهم} [الكهف: 79] وكان أمامهم - قرأها ابن عبّاسٍ: أمامهم ملكٌ، يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ - {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} [الكهف: 79] ، فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها - ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ، ومنهم من يقول بالقار - {كان أبواه مؤمنين} وكان كافرًا {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا، وكفرًا} [الكهف: 80] أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه، (فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً) لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] هما به أرحم منهما بالأوّل، الّذي قتل خضرٌ - وزعم غير سعيدٍ: أنّهما أبدلا جاريةً، وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال: عن غير واحدٍ: إنّها جاريةٌ - "). [صحيح البخاري: 6/89-91] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يزيد أحدهما على صاحبه يستفاد بيان زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الّذي قبله فإنّ الأوّل من رواية سفيان عن عمرو بن دينارٍ فقط وهو أحد شيخي بن جريجٍ فيه قوله وغيرهما قد سمعته يحدّثه أي يحدّث الحديث المذكور وعدّاه بغير الباء ووقع في رواية الكشميهنيّ يحدّث بحذف المفعول وقد عين بن جريجٍ بعض من أبهمه كعثمان بن أبي سليمان وروى شيئًا من هذه القصّة عن سعيد بن جبير من مشايخ بن جريجٍ عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ وعبد اللّه بن هرمز وعبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ وممّن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبيرٍ أبو إسحاق السّبيعيّ وروايته عند مسلمٍ وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السّيرة الكبرى لابن إسحاق وسأذكر بيان ما في رواياتهم من فائدةٍ قوله إذ قال سلوني فيه جواز قول العالم ذلك ومحلّه إذا أمن العجب أو دعت الضّرورة إليه كخشية نسيان العلم قوله أي أبا عبّاسٍ هي كنية عبد اللّه بن عبّاسٍ وقوله جعلني اللّه فداءك فيه حجّةٌ لمن أجاز ذلك خلافًا لمن منعه وسيأتي البحث فيه في كتاب الأدب قوله إنّ بالكوفة رجلًا قاصًّا في رواية الكشميهنيّ بالكوفة رجلٌ قاصٌّ بحذف إنّ من أوّله والقاصّ بتشديد المهملة الّذي يقصّ على النّاس الأخبار من المواعظ وغيرها قوله يقال له نوفٌ بفتح النّون وسكون الواو بعدها فاءٌ وفي رواية سفيان أنّ نوفًا البكاليّ وهو بكسر الموحّدة مخفّفًا وبعد الألف لامٌ ووقع عند بعض رواة مسلمٍ بفتح أوّله والتّشديد والأوّل هو الصّواب واسم أبيه فضالة بفتح الفاء وتخفيف المعجمة وهو منسوبٌ إلى بني بكال بن دعميّ بن سعد بن عوفٍ بطنٌ من حمير ويقال إنّه بن امرأة كعب الأحبار وقيل بن أخيه وهو تابعيٌّ صدوقٌ وفي التّابعين جبرٌ بفتح الجيم وسكون الموحدة بن نوف البكيليّ بفتح الموحّدة وكسر الكاف مخفّفًا بعدها تحتانيّةٌ بعدها لامٌ منسوبٌ إلى بكيل بطنٌ من همدان ويكنّى أبا الودّاك بتشديد الدّال وهو مشهورٌ بكنيته ومن زعم أنّه ولد نوفٍ البكاليّ فقد وهم قوله يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل في رواية سفيان يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل ووقع في رواية بن إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ عند النّسائيّ قال كنت عند بن عبّاسٍ وعنده قومٌ من أهل الكتاب فقال بعضهم يا أبا عبّاسٍ إنّ نوفًا يزعم عن كعب الأحبار أنّ موسى الّذي طلب العلم إنّما هو موسى بن ميشا أي بن أفرائيم بن يوسف عليه السّلام فقال بن عبّاسٍ أسمعت ذلك منه يا سعيد قلت نعم قال كذب نوفٌ وليس بين الرّوايتين تعارضٌ لأنّه يحمل على أنّ سعيدًا أبهم نفسه في هذه الرّواية ويكون قوله فقال بعضهم أي بعض الحاضرين لا أهل الكتاب ووقع عند مسلمٍ من هذا الوجه قيل لابن عبّاس يدل قوله فقال بعضهم وعند أحمد في رواية أبي إسحاق وكان بن عبّاسٍ متّكئًا فاستوى جالسًا وقال أكذاك يا سعيد قلت نعم أنا سمعته وقال بن إسحاق في المبتدأ كان موسى بن ميشا قبل موسى بن عمران نبيًّا في بني إسرائيل ويزعم أهل الكتاب أنّه الّذي صحب الخضر قوله أما عمرو بن دينارٍ قال لي كذب عدوّ اللّه أراد بن جريجٍ أنّ هذه الكلمة وقعت في رواية عمرو بن دينارٍ دون رواية يعلى بن مسلمٍ وهو كما قال فإنّ سفيان رواها أيضًا عن عمرو بن دينارٍ كما مضى وسقط ذلك من رواية يعلى بن مسلمٍ وقوله كذب وقوله عدوّ اللّه محمولان على إرادة المبالغة في الزّجر والتّنفير عن تصديق تلك المقالة وقد كانت هذه المسألة دارت أولا بين بن عبّاسٍ والحرّ بن قيسٍ الفزاريّ وسألا عن ذلك أبيّ بن كعبٍ لكن لم يفصح في تلك الرّواية ببيان ما تنازعا فيه وقد تقدّم بيان ذلك في كتاب العلم قوله قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في رواية سفيان أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قوله قال ذكّر هو بتشديد الكاف أي وعظهم وفي رواية بن إسحاق عند النّسائيّ فذكّرهم بأيّام اللّه وأيّام اللّه نعماؤه ولمسلمٍ من هذا الوجه يذكّرهم بأيّام اللّه وآلاء اللّه نعماؤه وبلاؤه وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في تفسير سورة إبراهيم وفي رواية سفيان قام خطيبًا في بني إسرائيل قوله حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب يظهر لي أنّ هذا القدر من زيادة يعلى بن مسلمٍ على عمرو بن دينارٍ لأنّ ذلك لم يقع في رواية سفيان عن عمرٍو وهو أثبت النّاس فيه وفيه أنّ الواعظ إذا أثّر وعظه في السّامعين فخشعوا وبكوا ينبغي أن يخفّف لئلّا يملّوا قوله فأدركه رجلٌ لم أقف على اسمه وهو يقتضي أنّ السّؤال عن ذلك وقع بعد أن فرغ من الخطبة وتوجّه ورواية سفيان توهم أنّ ذلك وقع في الخطبة لكن يمكن حملها على هذه الرّواية فإنّ لفظة قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل فتحمل على أنّ فيه حذفًا تقديره قام خطيبًا فخطب ففرغ فتوجّه فسئل والّذي يظهر أنّ السّؤال وقع وموسى بعد لم يفارق المجلس ويؤيّده أنّ في منازعة بن عبّاسٍ والحرّ بن قيسٍ بينما موسى في ملأ بني إسرائيل جاءه رجلٌ فقال هل تعلم أحدًا أعلم منك الحديث قوله هل في الأرض أحدٌ أعلم منك قال لا في رواية سفيان فسئل أيّ النّاس أعلم فقال أنا وبين الرّوايتين فرقٌ لأنّ رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلميّة له ورواية الباب تنفي الأعلميّة عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة ويؤيّد رواية الباب أنّ في قصّة الحرّ بن قيسٍ فقال هل تعلم أحدًا أعلم منك قال لا وفي رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فقال ما أعلم في الأرض رجلًا خيرًا وأعلم منّي فأوحى اللّه إليه إنّي أعلم بالخير عند من هو وإنّ في الأرض رجلًا هو أعلم منك وقد تقدّم في كتاب العلم البحث عمّا يتعلّق بقوله فعتب اللّه عليه وهذا اللّفظ في العلم ووقع هنا فعتب بحذف الفاعل وقوله في رواية الباب قيل بلى وقع في رواية سفيان فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك وفي قصّة الحرّ بن قيسٍ فأوحى اللّه إلى موسى بلى عبدنا خضرٌ وفي رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ أنّ في الأرض رجلًا هو أعلم منك وعند عبد بن حميدٍ من طريق هارون بن عنترة عن أبيه عن بن عبّاسٍ أنّ موسى قال أي ربّ أيّ عبادك أعلم قال الّذي يبتغي علم النّاس إلى علمه قال من هو وأين هو قال الخضر تلقاه عند الصّخرة وذكر له حليته وفي هذه القصّة وكان موسى حدّث نفسه بشيءٍ من فضل علمه أو ذكره على منبره وتقدّم في كتاب العلم شرح هذه اللّفظة وبيان ما فيها من إشكالٍ والجواب عنه مستوفًى ووقع في رواية أبي إسحاق عند النّسائيّ إنّ من عبادي من آتيته من العلم ما لم أوتك وهو يبيّن المراد أيضًا وعند عبد بن حميدٍ من طريق أبي العالية ما يدلّ على أنّ الجواب وقع في نفس موسى قبل أن يسأل ولفظه لمّا أوتي موسى التّوراة وكلّمه اللّه وجد في نفسه أن قال من أعلم منّي ونحوه عند النّسائيّ من وجه آخر عن بن عبّاسٍ وأنّ ذلك وقع في حال الخطبة ولفظه قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فأبلغ في الخطبة فعرض في نفسه أنّ أحدًا لم يؤت من العلم ما أوتي قوله قال أي ربّ فأين في رواية سفيان قال يا ربّ فكيف لي به وفي رواية النّسائيّ المذكورة قال فادللني على هذا الرّجل حتّى أتعلّم منه قوله اجعل لي علمًا بفتح العين واللّام أي علامةً وفي قصّة الحرّ بن قيسٍ فجعل اللّه له الحوت آيةً وفي رواية سفيان فكيف لي به وفي قصّة الحرّ بن قيسٍ فسأل موسى السّبيل إلى لقيّه قوله أعلم ذلك به أي المكان الّذي أطلب فيه قوله فقال لي عمرو هو بن دينار والقائل هو بن جريجٍ قوله قال حيث يفارقك الحوت يعني فهو ثمّ وقع ذلك مفسّرًا في رواية سفيان عن عمرٍو قال تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ ونحوه في قصّة الحرّ بن قيسٍ ولفظه وقيل له إذا فقدت الحوت فارجع فإنّك ستلقاه قوله وقال لي يعلى هو بن مسلم والقائل أيضا هو بن جريجٍ قوله قال خذ حوتًا في رواية الكشميهنيّ نونًا وفي رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فقيل له تزوّد حوتًا مالحًا فإنّه حيث تفقد الحوت ويستفاد من هذه الرّواية أنّ الحوت كان ميّتًا لأنّه لا يملّح وهو حيٌّ ومنه تعلم الحكمة في تخصيص الحوت دون غيره من الحيوانات لأنّ غيره لا يؤكل ميّتًا ولا يرد الجراد لأنّه قد يفقد وجوده لا سيّما بمصر قوله حيث ينفخ فيه الرّوح هو بيانٌ لقوله في الرّوايات الأخرى حيث تفقده قوله فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ في رواية الرّبيع بن أنس عند بن أبي حاتمٍ أنّهما اصطاداه يعني موسى وفتاه قوله فقال لفتاه في رواية سفيان ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه قوله ما كلّفت كثيرا للأكثر بالمثلثة وللكشميهني بالموحّدة). [فتح الباري: 8/412-414]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فذلك قوله وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نونٍ ليست عن سعيدٍ القائل ليست عن سعيد هو بن جريجٍ ومراده أنّ تسمية الفتى ليست عنده في رواية سعيد بن جبيرٍ ويحتمل أن يكون الّذي نفاه صورة السّياق لا التّسمية فإنّها وقعت في رواية سفيان عن عمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ ولفظه ثمّ انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نونٍ وقد تقدّم بيان نسب يوشع في أحاديث الأنبياء وأنّه الّذي قام في بني إسرائيل بعد موت موسى ونقل بن العربيّ أنه كان بن أخت موسى وعلى القول الّذي نقله نوف بن فضالة من أنّ موسى صاحب هذه القصّة ليس هو بن عمران فلا يكون فتاه يوشع بن نونٍ وقد روى الطّبريّ من طريق عكرمة قال قيل لابن عبّاسٍ لم نسمع لفتى موسى بذكر من حين لقي الخضر فقال بن عبّاسٍ إنّ الفتى شرب من الماء الّذي شرب منه الحوت فخلّد فأخذه العالم فطابق به بين لوحين ثمّ أرسله في البحر فإنّها لتموج به إلى يوم القيامة وذلك أنّه لم يكن له أن يشرب منه قال أبو نصر بن القشيريّ إن ثبت هذا فليس هو يوشع قلت لم يثبت فإن إسناده ضعيف وزعم بن العربيّ أنّ ظاهر القرآن يقتضي أنّ الفتى ليس هو يوشع وكأنّه أخذه من لفظ الفتى أو أنّه خاصٌّ بالرّقيق وليس بجيّدٍ لأنّ الفتى مأخوذٌ من الفتيّ وهو الشّباب وأطلق ذلك على من يخدم المرء سواءٌ كان شابًّا أو شيخًا لأنّ الأغلب أنّ الخدم تكون شبّانًا). [فتح الباري: 8/414-415]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في رواية سفيان حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما قوله في مكانٍ ثريان بمثلّثةٍ مفتوحةٍ وراءٍ ساكنةٍ ثمّ تحتانيّةٍ أي مبلولٍ قوله إذ تضرّب الحوت بضادٍ معجمةٍ وتشديدٍ وهو تفعّل من الضّرب في الأرض وهو السّير وفي رواية سفيان واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر وفي رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فاضطرب الحوت في الماء ولا مغايرة بينهما لأنّه اضطرب أوّلًا في المكتل فلمّا سقط في الماء اضطرب أيضًا فاضطرابه الأوّل فيما في مبدأ ما حيي والثّاني في سيره في البحر حيث اتّخذ فيه مسلكًا وفي رواية قتيبة عن سفيان في الباب الّذي يليه من الزّيادة قال سفيان وفي غير حديث عمرٍو وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيء إلّا حيّ فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك وانسل من المكتل فدخل البحر وحكى بن الجوزيّ أنّ في روايته في البخاريّ الحيا بغير هاءٍ قال وهو ما يحيى به النّاس وهذه الزّيادة الّتي ذكر سفيان أنّها في حديث غير عمرو قد أخرجها بن مردويه من رواية إبراهيم بن يسارٍ عن سفيان مدرجةً في حديث عمرٍو ولفظه حتّى انتهيا إلى الصّخرة فقال موسى عندها أي نام قال وكان عند الصّخرة عين ماءٍ يقال لها عين الحياة لا يصيب من ذلك الماء ميّتٌ إلّا عاش فقطرت من ذلك الماء على الحوت قطرةٌ فعاش وخرج من المكتل فسقط في البحر وأظن أن بن عيينة أخذ ذلك عن قتادة فقد أخرج بن أبي حاتم من طريقه قال فأنّي على عينٍ في البحر يقال لها عين الحياة فلمّا أصاب تلك العين ردّ اللّه روح الحوت إليه وقد أنكر الدّاوديّ فيما حكاه بن التّين هذه الزّيادة فقال لا أرى هذا يثبت فإن كان محفوظًا فهو من خلق اللّه وقدرته قال لكن في دخول الحوت العين دلالة على أنه كان حيّ قبل دخوله فلو كان كما في هذا الخبر لم يحتج إلى العين قال واللّه قادرٌ على أن يحييه بغير العين انتهى قال ولا يخفى ضعف كلامه دعوى واستدلالًا وكأنّه ظنّ أنّ الماء الّذي دخل فيه الحوت هو ماء العين وليس كذلك بل الأخبار صريحةٌ في أنّ العين عند الصّخرة وهي غير البحر وكأنّ الّذي أصاب الحوت من الماء كان شيئًا من رشاشٍ ولعلّ هذا العين إن ثبت النّقل فيها مستند من زعم أنّ الخضر شرب من عين الحياة فخلّد وذلك مذكورٌ عن وهب بن منبّه وغيره ممّن كان ينقل من الإسرائيليّات وقد صنّف أبو جعفر بن المنادي في ذلك كتابًا وقرّر أنّه لا يوثق بالنّقل فيما يوجد من الإسرائيليّات قوله وموسى نائمٌ فقال فتاه لا أوقظه حتّى إذا استيقظ فنسي أن يخبره في الكلام حذفٌ تقديره حتّى إذا استيقظ سار فنسي وأمّا قوله تعالى نسيا حوتهما فقيل نسب النّسيان إليهما تغليبًا والنّاسي هو الفتى نسي أن يخبر موسى كما في هذا الحديث وقيل بل المراد أنّ الفتى نسي أن يخبر موسى بقصّة الحوت ونسي موسى أن يستخبره عن شأن الحوت بعد أن استيقظ لأنّه حينئذٍ لم يكن معه وكان بصدد أن يسأله أين هو فنسي ذلك وقيل بل المراد بقوله نسيا أخّرا مأخوذٌ من النّسي بكسر النّون وهو التّأخير والمعنى أنّهما أخّرا افتقاده لعدم الاحتياج إليه فلمّا احتاجا إليه ذكراه وهو بعيدٌ بل صريح الآية يدلّ على صحّة صريح الخبر وأنّ الفتى اطّلع على ما جرى للحوت ونسي أن يخبر موسى بذلك ووقع عند مسلمٍ في رواية أبي إسحاق أنّ موسى تقدّم فتاه لمّا استيقظ فسار فقال فتاه ألا ألحق نبيّ اللّه فأخبره قال فنسي أن يخبره وذكر بن عطيّة أنّه رأى سمكةً أحد جانبيها شوكٌ وعظمٌ وجلدٌ رقيقٌ على أحشائها ونصفها الثّاني صحيحٌ ويذكر أهل ذلك المكان أنّها من نسل حوت موسى إشارةً إلى أنّه لمّا حيي بعد أن أكل منه استمرّت فيه تلك الصّفة ثمّ في نسله واللّه أعلم
قوله فأمسك اللّه عنه جرية البحر حتّى كان أثره في حجرٍ كذا فيه بفتح الحاء المهملة والجيم وفي روايةٍ جحرٍ بضمّ الجيم وسكون المهملة وهو وضح قوله قال لي عمرو القائل هو بن جريجٍ كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه والّتي في رواية الكشميهنيّ واللّتين تليانهما يعني السّبّابتين وفي رواية سفيان عن عمرٍو فصار عليه مثل الطّاق وهو يفسّر ما أشار إليه من الصّفة وفي رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فاضطرب الحوت في الماء فجعل لا يلتئم عليه صار مثل الكوّة). [فتح الباري: 8/415-416]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أنّ ابن جريج أخبرهم قال أخبرني يعلى بن مسلمٍ وعمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال إنّا لعند بن عبّاسٍ في بيته إذ قال سلوني قلت أي أبا عباسٍ جعلني الله فداءك بالكوفة رجلٌ قاص يقال له نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمروٌ فقال لي قال قد كذب عدوّ الله وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاس حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى رسول الله عليه السّلام قال ذكّر النّاس يوماً حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال أي رسول الله هل في الأرض أحدٌ أعلم منك قال لا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله قيل بلى قال أي ربّ فأين قال بمجمع البحرين قال أي ربّ اجعل لي أعلم علماً ذالك به فقال لي عمروٌ قال حيث يفارقك الحوت وقال لي يعلى خذ نوناً ميّتاً حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ فقال لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني حيث يفارقك الحوت قال ما كلّفت كثيراً فذالك قوله جلّ ذكره وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نونٍ ليست عن سعيدٍ قال فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبرة وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجر قال لي عمروٌ هاكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما لقد لقينا من سفرنا هاذا نصباً قال قد قطع الله عنك النّصب ليست هاذه عن سعيدٍ أخبره فرجعا فوًّجدا خضراً قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر قال سعيد بن جبيرٍ مسجّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال هل بأرضي من سلامٍ من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال أما يكفيك أن التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ علماً لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلاّ كما أخذ هاذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هاذا السّاحل إلى أهل هاذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا عبد الله الصّالح قال قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتداً قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال مجاهدٌ منكراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاً والثّانية عمداً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً لقيا غلاماً فقتله قال يعلى قال سعيدٌ وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال أقتلت نفساً زكيّةً بغير نفسٍ لم تعمل بالحنث وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً زاكيةً مسلمةً كقولك غلاماً زاكياً فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه قال سعيدٌ بيده هاكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى حسبت أنّ سعيداً قال فمسحه بيده فاستقام لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال سعيدٌ أجراً نأكله وكان وراءهم وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصباً فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافراً فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً لقوله أقتلت نفساً زكيّةً وأقرب رحماً هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه في توضيحها، وهو طريق آخر برواية آخرين وبزيادة ونقصان في المتن أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء الرّازيّ المعروف بالصغير، عن هشام بن يوسف الصّنعانيّ قضينها عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن يعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللّام وبالقصر: ابن مسلم بلفظ إسم الفاعل من الإسلام ابن هرمز إلى آخره.
قوله: (يزيد أحدهما على صاحبه) أي: أحد المذكورين وهما: يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار فقط، وهو أحد شيخي ابن جريج فيه، وهنا ابن جريج يروي عن يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار. قوله: (وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد) ، هذا من كلام ابن جريج، أي: غير يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار قد سمعته يحدث هذا الحديث عن سعيد بن جبير، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله: (وغيرهما) وهو: عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم القرشي المكّيّ رضي الله عنه، فإن قلت: كيف إعراب هذا؟ قلت: (غيرهما) مبتدأ، وقوله: (قد سمعته) جملة وقعت خبرا، والضّمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ: غير، وقوله: (يحدثه) جملة وقعت حالا، ووقع في رواية الكشميهني: يحدث، بحذف الضّمير المنصوب. قوله: (عن سعيد) ، أي: سعيد بن جبير رضي الله عنه. قوله: (لعند ابن عبّاس) ، اللّام فيه مفتوحة للتّأكيد أي: قال سعيد بن جبير: أنا كنت عند عبد الله بن عبّاس حال كونه في بيته. قوله: (أي أبا عبّاس) ، أي: يا أبا عبّاس! وأبو عبّاس كنية عبد الله بن عبّاس. قوله: (بالكوفة رجل قاص) ، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: إن بالكوفة رجلا قاصا، والقاص بتشديد الصّاد الّذي يقص النّاس الأخبار من المواعظ وغيرها. قوله: (أما عمرو فقال لي: كذب عدو الله) أراد أن ابن جريج قال: أما عمرو بن دينار فإنّه قال لي في روايته، قال ابن عبّاس: كذب عدو الله، وأشار بهذا إلى أن هذه الكلمة لم تقع في رواية يعلى ابن مسلم، ولهذا قال: وأما يعلى، أي ابن مسلم الرّاوي، فإنّه قال لي: قال ابن عبّاس إلى آخره. قوله: (ذكر النّاس) ، بتشديد الكاف من التّذكير. قوله: (ولى) ، أي: رجع إلى حاله. قوله: (فقال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: يا رسول الله، قاله لموسى عليه الصّلاة والسّلام. قوله: (قيل: بلى) ، أي: بلى في الأرض أحد أعلم منك، وفي رواية مسلم: (إن في الأرض رجلا هو أعلم منك) ، ووقع في رواية سفيان: فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وعلم من هاتين الروايتن أن القائل في قوله: بلى، هو الله تعالى فأوحى الله إليه بذلك. قوله: (أي رب، فأين؟) يعني: يا رب أين هو؟ في أي مكان؟ وفي رواية سفيان: يا رب، فكيف لي به؟ وفي رواية النّسائيّ: فأدلني على هذا الرجل حتّى أتعلم منه. قوله: (علما) ، بفتح العين واللّام، أي: علامة. قوله: (أعلم ذلك به) ، أي: أعلم المكان الّذي أطلبه بالعلم. قوله: (فقال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج الرّاوي، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (حيث يفارقك الحوت) ، أي: العلم على ذلك المكان الّذي يفارقك فيه الحوت، ووقع ذلك مفسرًا في رواية سفيان عن عمرو، وقال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ. قوله: (قال لي) ، يعني: القائل هو ابن جريج، أي: قال لي يعلى بن مسلم في روايته: خذ نوناً أي حوتاً، ولفظ: نوناً، وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حوتاً، وفي رواية مسلم: تزود حوتاً مالحاً فإنّه حيث تفقد الحوت. قوله: (حيث ينفخ فيه) ، أي: في النّون (الرّوح) يعني حيث تفقده في المكان الّذي يحيى الحوت. قوله: (فأخذ نوناً) أي: فأخذ موسى حوتاً، ووقع في رواية ابن أبي حاتم أن موسى ويوشع فتاه اصطاداه. قوله: (فقال لفتاه) ، وهو يوشع بن نون. قوله: (ما كلفت كثيرا) بالثاء المثلّثة، وفي رواية الكشميهني بالباء الموحدة. قوله: (ليست عن سعيد، القائل به هو ابن جريج، أراد بذلك أن تسمية الفتى ليست عن رواية سعيد ابن جبير. قوله: (ثريان) ، بفتح الثّاء المثلّثة وسكون الرّاء وتخفيف الياء آخر الحروف على وزن فعلان من الثرى، وهو التّراب الّذي فيه نداوة. قوله: (تضرب) أي: اضطرب، وفي رواية سفيان: واضطرب الحوت في المكتل فسقط في البحر وفي رواية مسلم فاضطرب الحوت في الماء. قوله: (وموسى نائم) جملة حالية. قوله: (حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره) ، فيه حذف تقديره: حتّى إذا استيقظ سار فنسي. قوله: (في حجر) ، بفتح الحاء المهملة والجيم ويروى بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهو أوضح، قوله: (قال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (واللتين تليانهما) ، يعني: السبابتين، وهكذا وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: وحلق بين إبهاميه فقط. قوله: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ، وقع هنا مختصرا، وفي رواية سفيان: فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من فرنا هذا نصبا. قوله: قال: قد قطع الله عنك النصب، هذا من قول ابن جريج وليست هذه اللّفظة عن سعيد بن جبير. قوله: (أخبره) ، بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الباء الموحدة والرّاء وهاء الضّمير، هكذا في رواية من الإخبار، قال بعضهم: أي: أخبر الفتى موسى بالقصة قلت: ما أظن أن هذا المعنى صحيح، والّذي يظهر لي أن المعنى نفي الإخبار عن سعيد بهذه اللّفظة لمن روى عنه، وفي رواية لأبي ذر آخره بهمزة ومعجمة وراء وهاء، وفي أخرى بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء الضّمير أي: إلى آخر الكلام. وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونة منصوبة، قال لي عثمان بن أبي سليمان: القائل ابن جريج، يقول: قال لي عثمان، وقد مرت ترجمته عن قريب. قوله: (على طنفسة) ، وهي فرش صغير، وقيل: بساط له خمل، وفيها لغات كسر الطّاء والفاء بينهما نون ساكنة، وضم الطّاء والفاء وكسر الطّاء وفتح الفاء. قوله: (على كبد البحر) ، أي: على وسطه، وهذه الرّواية القائلة بأنّه كان في وسط البحر، غريبة. قوله: (هل بأرضي من سلام) ، وفي رواية الكشميهني: (هل بأرض) . قوله: (ما شأنك؟) أي: ما الّذي تطلب ولما جئت؟ قوله: (رشدا) ، قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه، والجمهور على أنّهما بمعنى. قوله: (معابر) ، جمع معبرة وهي السفن الصغار. قوله: (خضرًا) ، أي: هو خضر. قوله: (قالوا: هذا لسعيد بن جبير، قال: نعم، قيل: القائل بذلك يعلى بن مسلم، والله أعلم. قوله: (ووتدها) بفتح الواو وتشديد التّاء المثنّاة من فوق أي: جعل فيها وتداً، وفي رواية سفيان: قلع لوحاً بالقدوم، والجمع بين الرّوايتين أنه: قلع اللّوح وجعل مكانه وتداً، وروى عبد بن حميد من رواية ابن المبارك عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم: جاء بودحين خرقها، والود بفتح الواو وتشديد الدّال لغة في: الوتد قلت: الوتد إنّما كان للإصلاح ودفع نفوذ الماء، وفي رواية أبي العالية: فحرق السّفينة فلم يره أحد إلاّ موسى. ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك. قوله: (قال مجاهد منكرا) ، وصل ابن المنذر: هذا التّعليق عن عليّ بن المبارك عن زيد بن ثور عن ابن جريج عن مجاهد. قوله: (نسيانا) ، حيث قال: لا تؤاخذوني بما نسيت، وشرطاً حيث قال: إن سألتك عن شيء بعدها، وعمدا حيث قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قوله: (لقيا غلاما) في رواية سفيان: فبينما هما يمشيان على ساحل البحر إذا أبصر الخضر غلاما. قوله: (قال يعلى) ، هو يعلى بن مسلم الرّاوي وسعيد هو ابن جبير. قوله: (ثمّ ذبحه بالسكين) ، فإن قلت: قال أولا: فقتله، ثمّ قال: فذبحه، وفي رواية سفيان: فاقتلعه بيده. قلت: لا منافاة بينهما لأنّه لعلّه قطع بعضه بالسكين ثمّ قلع الباقي والقتل يشملهما. قوله: (لم يعمل بالحنث) ، بكسر الحاء المهملة وسكون النّون وبالثاء المثلّثة وهو الإثم والمعصية. قوله: (قرأها) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: وكان ابن عبّاس يقرؤها: زكية، وهي قراءة الجمهور، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: زاكية. قوله: (مسلمة) ، بضم الميم وسكون السّين وكسر اللّام عند الأكثرين، ولبعضهم بفتح السّين وتشديد اللّام المفتوحة. قوله: (فانطلقا) ، أي: موسى وخضر عليهما السّلام. قوله: (يزعمون عن غير سعيد) ، القائل بهذا هو ابن جريج، ومراده أن إسم الملك الّذي كان يأخذ السفن لم يقع في رواية سعيد بن جبير، وعزاه ابن خالويه في كتاب: (ليس) لمجاهد. قوله: (هدد) بضم الهاء وحكى ابن الأثير فتحها والدّال مفتوحة بلا خلاف. قوله: (بدد) ، بفتح الباء الموحدة، وقال الكرماني بضم الباء والدّال مفتوحة، وزعم ابن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود عليهما السّلام، بلقيس. قيل: إن ثبت هذا حمل على التّعدّد والاشتراك في الإسم لبعد ما بين مدّة سليمان وموسى عليهما السّلام، وجاء في تفسير مقاتل: أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزديّ، وقيل: هو الجلندي، وكان بجزيرة الأندلس. قوله: (والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور) ، القائل بذلك هو ابن جريج، وجيسور، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السّين المهملة، كذا هو في رواية عن أبي ذر، وفي رواية أخرى له عن الكشميهني بفتح الهاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وكذا في رواية ابن السكن، وفي رواية القابسيّ بنون بدل الياء آخر الحروف، وعند عبدوس بنون بدل الرّاء، وعن السّهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحّدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو الساكنة، وفي تفسير الضّحّاك: اسمه حشرد، وفي تفسير الكلبيّ: اسم الغلام شمعون. قوله: (يأخذ كل سفينة غصبا) ، وفي رواية النّسائيّ: كل سفينة صالحة، وفي رواية إبراهيم بن بشار عن سفيان، وكان ابن مسعود يقرأ: كل سفينة صحيحة غصبا. قوله: (فأردت إذا هي مرت به أن يدعها) ، أي: أن يتركها لأجل عيبها، وفي رواية النّسائيّ: فأردت أن أعيبها حتّى لا يأخذها. قوله: (فإذا جاوزوا) أي: عدوا عن الملك أصلحوها، وفي رواية النّسائيّ: فإذا جاوزوه رقعوها. قوله: (بقارورة) ، بالقاف وهي: الزّجاج، وقال الكرماني: كيفيّة السد بالقارورة غير معلومة، ثمّ وجهه بوجهين: أحدهما: أن تكون قارورة بقدر الموضع المخروق فتوضع فيه، والآخر: يسحق الزّجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به، وقال بعضهم، بعد أن ذكر الوجه الثّاني: فيه بعد. قلت: لا بعد فيه، لأنّه غير متعذر ولا متعسر، والبعد في الّذي قاله هو أن القارورة فاعولة من القار. قوله: (بالقار) ، بالقاف والرّاء وهو الزفت، وهذا أقرب من القول الأول. قوله: (كان أبواه) أي: أبوا الغلام. قوله: (أن يرهقهما) أي: يلحقهما. وقوله: (فخشينا) إلى قوله: (من دينه) من تفسير ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير. انتهى. قوله: (أن يحملهما) ، يجوز أن يكون بدلا من قوله: (أن يرهقهما) ويجوز أن يكون التّقدير: بأن يحملهما. وقوله: (حبه) بالرّفع فاعله. قوله: (خيرا منه) أي: من الغلام المقتول. قوله: (زكاة) نصب على التميز، وإنّما ذكرها للمناسبة بينها وبين قوله: (نفسا زكية) أشار إلى ذلك بقوله: {أقتلت نفسا زكية} (الكهف: 74) ولما وصف موسى نفس الغلام بالزكية وذكر الله تعالى بقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (الكهف: 81) وفي التّفسير قوله: (زكاة) أي صلاحاً وإسلاماً ونماء. قوله: (وأقرب رحما) قال الثّعلبيّ: من الرّحم والقرابة، وقيل: هو من الرّحمة، وعن ابن عبّاس: أوصل للرحم وأبر بوالديه، وعن الفراء: أقرب أن يرحماه، وقيل: من الرّحم، بكسر الحاء أشد مبالغة من الرّحمة الّتي هي رقة القلب والتعطف لاستلزام القرابة، الرقة غالبا من غير عكس، وقال الكرماني: وظن بعضهم أنه مشتقّ من الرّحم الّذي هو الرّحمة، وغرضه أنه يعني القرابة لا الرقة، وعند البعض بالعكس. قوله: (هما به أرحم منهما بالأول) ، أي: الأبوان المذكوران به أي: بالّذي يبدل من المقتول أرحم منهما بالأول، وهو المقتول. قوله: (وزعم غير سعيد من قول ابن جريج) ، أي: زعم غير سعيد بن جبير أنّهما أي الأبوين أبدلا جارية بدل المقتول، وروي عن سعيد أيضا: أنّها جارية، على ما جاء وفي رواية النّسائيّ من طريق ابن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس: أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء، وفي رواية الطّبرانيّ: ببنين، وعن السّديّ: ولدت جارية، فولدت نبيا، وهو الّذي كان بعد موسى، فقالوا له: إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، واسم هذا النّبي شمعون، واسم أمه حنة. فإن قلت: روى ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنّها ولدت غلاما. قلت: إسناده ضعيف، وفي تفسير ابن الكلبيّ: ولدت جارية ولدت عدّة أنبياء فهدى الله بهم أمماً، وقيل: عدّة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا. قوله: (وأما داود بن أبي عاصم) إلى آخره من قول ابن جريج أيضا، وداود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثّقفيّ ثقة من صغار التّابعين، وله أخ يسمى: يعقوب، هو أيضا ثقة من التّابعين). [عمدة القاري: 19/43-47]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته إذ قال: سلوني؟ قلت: أي أبا عبّاسٍ -جعلنى اللّه فداك- بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له نوقٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمرٌو فقال لي قال: قد كذب عدوّ اللّه وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- «موسى رسول اللّه - عليه السّلام - قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه قيل: بلى، قال: أي ربّ فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي ربّ اجعل لي علمًا أعلم ذلك به -فقال لي عمرٌو:- فقال لي عمروٌ: حيث يفارقك الحوت -وقال لي يعلى: قال: «خذ نونًا ميّتًا حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ فقال: لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال: ما كلّفت كثيرًا؟ فذلك قوله جلّ ذكره {وإذ قال موسى} لفتاه يوشع بن نونٍ" ليست عن سعيدٍ قال: "فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ فنسى أن يخبره وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك اللّه عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجرٍ- قال لي عمرٌو هكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب" -ليست هذه عن سعيدٍ أخبره- "فرجعا فوجدا خضرًا" قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر -قال سعيد بن جبيرٍ- "مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلاّ كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح قال: قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال: نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتدًا قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا} "قال مجاهدٌ: منكرًا، " {قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا} كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا والثّالثة عمدًا، " {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} {لقيا غلامًا فقتله} قال يعلى قال سعيدٌ: "وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث؟ وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً. زاكيةً - مسلمةً " {فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه} " [الكهف: 77] قال سعيدٌ بيده هكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال "فمسحه بيده فاستقام {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] قال سعيدٌ أجرًا نأكله {وكان وراءهم} وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بددٍ والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا فأردت} [الكهف: 79] إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول: بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافرًا فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] وأقرب رحمًا هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) اليماني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي البصري الأصل (وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه) قال الحافظ ابن حجر: فتستفاد زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله فإن الأوّل من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحد شيخي ابن جريج فيه (وغيرهما) هو من كلام ابن جريج أي وغير يعلى وعمرو (قد سمعته) حال كونه (يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور (عن سعيد) وكان الأصل أن يقول يحدث به لكنه عداه بغير الباء، ولأبي ذر عن الكشميهني يحدث بحذف الضمير المنصوب، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله وغيرهما كعثمان بن أبي سليمان، وروى شيئًا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق كما نبه على ذلك في الفتح وفي رواية أبي ذر عن سعيد بن جبير أنه (قال: إنا لعند ابن عباس) حال كونه (في بيته) واللام في لعند للتأكيد (إذ قال: سلوني) قال سعيد بن جبير (قلت أي أبا عباس) يعني يا أبا عباس وهي كنية عبد الله بن عباس (جعلني الله فداك بالكوفة رجل قاص) بتشديد الصاد المهملة يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن بالكوفة رجلًا قاصًّا (يقال له نوف) بفتح النون وسكون الواو آخره فاء منونًا منصرفًا في الفصحى بطن من العرب وعلى تقدير أن يكون أعجميًّا فمنصرف نوح لسكون وسطه واسمه فضالة وهو ابن امرأة كعب الأحبار (يزعم أنه) أي موسى صاحب الخضر (ليس بموسى بن إسرائيل) المرسل إليهم والباء زائدة للتوكيد وأضيف إلى بني إسرائيل مع العلمية لأنه نكر بأن أول بواحد من الأمة المسماة به ثم أضيف إليه قال ابن جريج (أما عمرو) يعني ابن دينار (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال) أي ابن عباس (قد كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وسقط لأبي ذر قال قد (وأما يعلى) بن مسلم (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال ابن عباس حدثني) بالإفراد (أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): هو (موسى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وفي الفرع أصله عليه السلام (قال ذكر الناس يومًا) بتشديد الكاف من التذكير أي وعظهم (حتى إذا فاضت العيون) بالدموع (ورقت القلوب) لتأثير وعظه في قلوبهم (ولى) تخفيفًا لئلا يملوا وهذا ليس في رواية سفيان فظهر أنه من رواية يعلى بن مسلم عن عمرو وقال العوفي عن ابن عباس فيما ذكره ابن كثير لما ظهر موسى وقومه على مصر أمره الله أن يذكرهم بأيام الله فخطبهم فذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوّهم وقال كلم الله موسى نبيكم تكليمًا واصطفاه لنفسه وأنزل عليه محبة منه وآتاكم من كل ما سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض (فأدركه رجل) لم يسم (فقال) موسى (أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا).
فإن قلت: هل بين هذا وبين قوله في رواية سفيان السابقة هنا فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فرق؟ أجيب بأن بينهما فرقًا لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له وهذه تنفي الأعلمية عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة قاله في الفتح.
(فعتب) بفتح العين (عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله) في الرواية السابقة وغيرها فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه على التقديم والتأخير (قيل بلى) زاد في رواية الحر بن قيس عبدنا خضر ولمسلم من رواية أبي إسحاق أن في الأرض رجلًا هو أعلم منك (قال) موسى (أي رب فأين) أي فأين أجده أو فأين هو وللنسائي فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه ولأبي ذر وأين (قال بمجمع البحرين) بحري فارس والروم أو بحري الشرق والمغرب المحيطين بالأرض أو العذب والملح (قال) موسى (أي رب اجعل لي علمًا أعلم ذلك) المطلوب (منه) وفي نسخة به قال ابن جريج (فقال) ولأبي ذر قال (لي عمرو) هو ابن دينار (قال): العلم على ذلك المكان (حيث يفارقك الحوت) فإنك تلقاه (وقال لي يعلى) بن مسلم (قال: خذ نونًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خذ حوتًا (ميتًا) ولمسلم في رواية أبي إسحاق فقيل له تزود حوتًا مالحًا فإنه حيث يفقد الحوت (حيث ينفخ فيه) أي في الحوت (الروح) بيان لقوله حيث يفارقك الحوت (فأخذ) موسى (حوتًا) ميتًا مملوحًا وقيل شق حوت مملح ولابن أبي حاتم أن موسى وفتاه اصطاداه (فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال) فتاه (ما كلفت) أي ما كلفتني (كثيرًا) بالمثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني كبيرًا بالموحدة (فذلك قوله جل ذكره {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نون) بالصرف قال ابن جريج (ليست) تسمية الفتى (عن سعيد) هو ابن جبير (قال فبينما) بالميم (هو) أي موسى وفتاه تبع له (في ظل صخرة) حال كونه (في مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة فتحتية مفتوحة وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان فعلى أو منصوب حالًا من الضمير المستتر في الجار والمجرور ويجوز ثريانًا بالنصب حالًا كما مر وبالتنوين منصرفًا على لغة بني أسد لأنهم يصرفون كل صفة على فعلان ويؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلاته عن فعلى فيقولون سكرانة وغضبانة فلم تكن الزيادة عندهم في فعلان شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف وفي بعض الأصول ثريان بالجر صفة لمكان وبالتنوين ما مر وهو من الثرى قال: في النهاية يقال مكان ثريان وأرض ثريى إذا كان في ترابهما بلل وندى (إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وراء مشددة تفعل أي اضطرب وتحرك إذ حيي في المكتل (و) الحال إن (موسى نائم) عند الصخرة (فقال فتاه) يوشع (لا أوقظه حتى إذا استيقظ) سار (فنسي) بالفاء ولغير أبي ذر نسي بحذفها (أن يخبره) بحياة الحوت (وتضرب الحوت) أي اضطرب سائرًا من المكتل (حتى دخل البحر) وفي نسخة في البحر (فأمسك الله عنه) عن الحوت (جرية البحر حتى كأن أثره) نصب بكأن (في حجر) بفتح الحاء والجيم خبرها.
قال ابن جريج: (قال لي عمرو) هو ابن دينار (هكذا كأن أثره في حجر) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المفتوحة على كشط في الفرع مصححًا عليها وفي اليونينية وغيرها بتقديم المهملة وفتحهما وفي نسخة بالفرع وأصله حجر بجيم مضمومة فمهملة ساكنة قال ابن حجر وهي أوضح (وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما) يعني الوسطى والتي بعدها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والتي ولأبي ذر أيضًا أخرة تليانهما بفتح الهمزة والخاء المعجمة والراء يعني الوسطي (لقد لقينا) فيه حذف اختصره وقع مبينًا في رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا (من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به (قال) فتى موسى له: (فد قطع الله عنك النصب).
قال ابن جريج: (ليست هذه عن سعيد) هو ابن جبير (أخبره) بسكون المعجمة وموحدة مفتوحة من الإخبار أي أخبر يوشع موسى بقصة تضرب الحوت وفقده الذي هو علامة على وجود الخضر (فرجعا) في الطريق الذي جاءا فيه يقصان آثارهما قصصًا حتى انتهيا إلى الصخرة التي حيي الحوت عندها (فوجدا خضرًا) نائمًا في جزيرة من جزائر البحر.
قال ابن جريج: (قال لي عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير (على طنفسة خضراء) بكسر الطاء المهملة والفاء بينهما نون ساكنة ولأبي ذر طنفسة بفتح الفاء ويجوز ضم الطاء والفاء وكلها لغات أي فرش صغير أو بساط له خمل (على كبد البحر) أي وسطه وعند عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال: رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء وعند ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أنه وجده في جزيرة في البحر (قال) ولأبي ذر فقال: (سعيد بن جبير) بالإسناد السابق (مسجى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منونة أي مغطى كله (بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه) الآخر (تحت رأسه) وعند ابن أبي حاتم عن السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه (فسلم عليه موسى فكشف) الثوب (عن وجهه) زاد مسلم في رواية أبي إسحاق وقال وعليكم السلام (وقال: هل بأرضي من سلام) لأنهم كانوا كفارًا أو كانت تحيتهم غير السلام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هل بأرض بالتنوين ثم قال الخضر لموسى (من أنت؟ قال: أنا موسى قال) له: (أموسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك)؟ أي ما الذي تطلب (قال: جئت) إليك (لتعلمني مما علمت رشدًا) أي علمًا ذا رشد (قال) الخضر يا موسى (أما يكفيك أن التوراة بيديك) بالتثنية (وأن الوحي يأتيك) من الله على لسان جبريل وهذه الزيادة ليست في رواية سفيان فالظاهر أنها من رواية يعلى بن مسلم (يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه) أي كله (وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه) أي كله وتقدير هذا ونحوه متعين كما قال في الفتح لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي. وقال البرماوي كالكرماني: وإنما قال لا ينبغي لي أن أعلمه لأنه إن كان نبيًا فلا يجب عليه تعلم شريعة نبي آخر وإن كان وليًا فلعله مأمور بمتابعة نبي غيره وقوله يا موسى ثابت لأبي ذر عن الحموي ساقط لغيره (فأخذ طائر) عصفور (بمنقاره من البحر) ماء (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال أي الخضر: (والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر).
وفي الرواية السابقة ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ولفظ النقص ليس على ظاهره، وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما أخذه العصفور بمنقاره إلى ماء البحر وهذا على التقريب إلى الإفهام وإلاّ فنسبة علمهما إلى علم الله أقل.
وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا. قال: يقول ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما نقص منقاري من جميع هذا البحر وظاهر هذه الرواية كما في الفتح أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى يا موسى إن لي علمًا. وفي رواية سفيان أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة.
(حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فراء غير منصرف أي سفنًا (صغارًا) قال في الفتح وجدا معابر تفسير لقوله ركبا في السفينة لا جواب إذا لأن وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة وقال ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس فيما ذكره ابن كثير في تفسيره فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها (تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر عرفوه) أي أهل السفينة عرفوا الخضر (فقالوا) هو (عبد الله الصالح قال): يحتمل أن يكون القائل يعلى بن مسلم (قلنا لسعيد) هو ابن جبير (خضر) أي هو خضر (قال: نعم) هو خضر (لا نحمله بأجر) أي بأجرة (فخرقها) بأن قلع لوحًا من ألواحها بالقدوم (ووتد فيها وتدًا) بتخفيف الفوقية الأولى مفتوحة وكسر الثانية مخففة ولأبي ذر وتد فيها بإسقاط الواو الأولى أي جعل فيها وتدًا مكان اللوح الذي قلعه (قال موسى) له: (أخرقتها لتغرق أهلها) اللام للعاقبة (لقد جئت شيئًا إمرًا).
(قال مجاهد) فيما رواه ابن جريج عنه في قوله إمرًا (منكرًا) ووصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه مثله قيل ولم يسمع ابن جريج من مجاهد (قال) الخضر: ({ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا}) أي لما ترى مني من الأفعال المخالفة لشريعتك لأني على علم من علم الله ما علمكه الله وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه قاله ابن كثير (كانت الأولى) في رواية سفيان قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت بإثبات الواو (نسيانا) أي من موسى حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت (والوسطى) حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها (شرطًا، والثالثة) حيث قال لو شئت لاتخذت عليه أجرًا (عمدًا قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي تركت من وصيتك (ولا ترهقني من أمري عسرًا) أي لا تشدد علي ({لقيا غلامًا) في رواية سفيان السابقة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا ({فقتله}) الفاء للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال فالقتل تعقب اللقاء.
(قال يعلى) بن مسلم بالإسناد السابق (قال سعيد) هو ابن جبير (وجد) أي الخضر (غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا) منهم (كافرًا ظريفًا) بالظاء المعجمة (فأضجعه ثم ذبحه بالسكين) بكسر المهملة (قال) موسى منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بحذف الألف والتشديد وهي قراءة ابن عامر والكوفيين (بغير نفس لم تعمل بالحنث) بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة لأنها لم تبلغ الحلم وهو تفسير لقوله زكية أي أقتلت نفسًا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس ولأبي ذر لم تعمل الخبث بخاء معجمة وموحدة مفتوحتين.
(وكان ابن عباس) ولأبي ذر وابن عباس (قرأها زكية) بالتشديد (زاكية) بالتخفيف والمشددة أبلغ لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة كما مر (زاكية) أي (مسلمة) بضم الميم وكسر اللام (كقولك غلامًا زكيًّا) بالتشديد وهذا تفسير من الراوي وأطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن قال البرماوي وفي بعضها مسلمة بفتح المهملة واللام المشددة قال السفاقسي وهو أشبه لأنه كان كافرًا (فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) أن يسقط والإرادة هنا على سبيل المجاز (فأقامه) الخضر (قال سعيد) من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه (بيده) بالإفراد أي أقامه الخضر بيده (هكذا ورفع يده فاستقام. قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا) يعني ابن جبير (قال فمسحه بيده) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بيديه بالتثنية (فاستقام)، وقيل دعمه بدعامة تمنعه من السقوط أو هدمه وبل طينًا وأخذ في بنائه إلى أن كمل وعاد كما كان وكلها حكايات حال لا تثبت إلا بنقل صحيح والذي دل عليه القرآن الإقامة لا الكيفية وأحسن هذه الأقوال أنه مسحه أو دفعه بيده فاعتدل لأن ذلك أليق بحال الأنبياء وكرامات الأولياء إلا أن يصح عن الشارع أنه هدمه وبناه فيصار إليه (لو شئت) أي قال موسى للخضر: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا كما في رواية سفيان لو شئت (لاتخذت) بتشديد التاء بعد وصل الهمزة (عليه) أي على تسوية الجدار (أجرًا قال سعيد أجرًا نأكله) أي جعلا نأكل به وإنما قال موسى: ذلك لأنه كان حصل له جهد كبير من فقد الطعام وخشى أن يختلط قوام البنية البشرية (وكان وراءهم) أي (وكان) ولأبي ذر وكان وراءهم ملك وكان (أمامهم قرأها ابن عباس أمامهم ملك) وهي قراءة شاذة مخالفة للمصحف لكنها مفسرة كقوله من ورائه جهنم وقول لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال أبو عليّ: إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة وكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة والآية دالة على أن معنى وراء أمام لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم قال ابن جريج: (يزعمون عن غير سعيد) يعني ابن جبير (أنه) أي الملك الذي كان يأخذ السفن غصبًا اسمه (هدد بن بدد) بضم الهاء وفتح الدال الأولى وبدد بضم الموحدة وفتح الدال الأولى أيضًا مصروف ولأبي ذر بدد غير مصروف. وحكى ابن الأثير فتح هاء هدد وباء بدد قال الحافظ ابن كثير: وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة (الغلام) بغير واو وفي اليونينية والغلام (المقتول اسمه يزعمون جيسور) بجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة وبعد الواو الساكنة راء، ولأبي ذر عن الكشميهني حيسور بالحاء بدل الجيم وعند القابسي حنسور بنون بدل التحتية وعند عبدوس حيسون بنون بدل الراء ({ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}) وفي قراءة أبي كل سفينة صالحة غصبًا رواه النسائي وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبًا (فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا) أي جاوزوا الملك (أصلحوها فانتفعوا بها) وبقيت لهم (ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار) وهو الزفت واستشكل التعبير بالقارورة إذ هي من الزجاج وكيف يمكن السد به فقيل يحتمل أن توضع قارورة بقدر الموضع المخروق فيه أو يسحق الزجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به وهذا قاله الكرماني. قال في الفتح: ولا يخفى بعده قال: وقد وجهت بأنها فاعولة من القار (كان أبواه) يعني الغلام المقتول (مؤمنين) بالتثنية للتغليب يريد أباه وأمه فغلب المذكر كالقمرين (وكان) هو (كافرًا) طبع على الكفر وهذا موافق لمصحف أبيّ وقوّة الكلام تشعر به لأنه لو لم يكن الولد كافرًا لم يكن لقوله وكان أبواه مؤمنين فائدة إذ لا مدخل لذلك في القصة لولا هذه الفائدة والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في تلك الشريعة واجبًا لأن أخذ الجزية لم يشرع إلا في شريعتنا وكان أبواه قد عطفا عليه.
(فخشينا أن يرهقهما) أي أن يغشاهما وعظم نفسه لأنه اختص من عند الله بموهبة لا يختص بها إلا من هو من خواص الحضرة وقال بعضهم لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه وأضاف الرحمة في
قوله أراد ربك إلى الله تعالى وعند القتل عظم نفسه تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة، ويجوز أن يكون فخشينا حكاية لقول الله تعالى، والمعنى أن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سره وقال له اقتل الغلام لأنا نكره كراهية من خاف سوء العاقبة أن يغشى الغلام الوالدين المؤمنين (طغيانًا وكفرًا) قال ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير معناه (أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه) فإن حب الشيء يعمي ويصم، وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما.
وقال قتادة فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي كان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب وصح في الحديث "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له" (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه) أي أن يرزقهما بدله ولذا خيرًا منه (زكاة) طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة (وأقرب رحمًا) وذكر هذا مناسبة (لقوله: {أقتلت نفسًا زكية}) بالتشديد (وأقرب رحمًا) أي (هما) أي الأبوان (به) أي بالولد الذي سيرزقانه (أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر). وقيل رحمة وعطفًا على والديه، وسقط لأبي ذر وأقرب رحمًا واقتصر على واحدة منهما. قال ابن جريج (وزعم غير سعيد) أي ابن جبير (أنهما أبدلا جارية) مكان المقتول فولدت نبيًّا من الأنبياء رواه النسائي ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال: ولدت جارية فولدت نبيًّا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة. وفي تفسير ابن الكلبي فولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أممًا وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا وعند ابن مردويه من حديث أبيّ بن كعب أنها ولدت غلامًا لكن إسناده ضعيف كما قاله في الفتح قال ابن جريج.
(وأما داود بن أبي عاصم) أي ابن عروة الثقفي التابعي الصغير (فقال: عن غير واحد أنها جارية) وهذا هو المشهور وروي مثله عن يعقوب أخي داود مما رواه الطبري، وقال ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملًا بغلام مسلم ذكره ابن كثير وغيره ويستنبط من الحديث فوائد لا تخفى على متأمل فلا نطيل بها). [إرشاد الساري: 7/221-226]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر، فقال: كذب عدوّ اللّه، حدّثنا أبيّ بن كعبٍ، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: " قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له: أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، وأوحى إليه: بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال: أي ربّ، كيف السّبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه، قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ، ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام، - قال سفيان: وفي حديث غير عمرٍو، قال: وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلّا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين - قال: فتحرّك وانسلّ من المكتل، فدخل البحر فلمّا استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} [الكهف: 62] الآية، قال: ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به، قال له فتاه يوشع بن نونٍ: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 63] الآية، قال: فرجعا يقصّان في آثارهما، فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت، فكان لفتاه عجبًا، وللحوت سربًا، قال: فلمّا انتهيا إلى الصّخرة، إذ هما برجلٍ مسجًّى بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، قال: وأنّى بأرضك السّلام، فقال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا؟ قال له الخضر: يا موسى، إنّك على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم اللّه علّمنيه اللّه لا تعلمه، قال: بل أتّبعك، قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا، فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهم سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ - يقول بغير أجرٍ - فركبا السّفينة، قال: ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم اللّه إلّا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها {لقد جئت} [الكهف: 71] الآية، فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فقطعه، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ، لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} [الكهف: 75] إلى قوله {فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- فقال بيده: هكذا - فأقامه، فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا، قال: هذا فراق بيني وبينك، سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 77] ، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما " قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرأ: «وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا، وأمّا الغلام فكان كافرًا»). [صحيح البخاري: 6/91-93]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ قال حدّثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى بنى إسرائيل ليس بموسى الخضر فقال كذب عدوّ الله حدّثنا أبيّ بن كعبٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قام موسى خطيباً في بني إسرائيل فقيل له أي النّاس أعلم قال أنا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه وأوحى إليه بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال أي ربّ كيف السّبيل إليه قال تأخذ حوتاً في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه قال فخرج موساى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان وفي حديث غير عمرٍ وقال وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلاّ حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال فتحرّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر كلّما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا الآية قال ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نونٍ أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت الآية قال فرجعا يقصّان في آثارهما فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت فكان لفتاه عجباً وللحوت سرباً قال فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذ هما برجلٍ مسجّى بثوبٍ فسلّم عليه موسى قال وأنّي بأرضك السّلام فقال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشداً قال له الخضر يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه قال بل أتّبعك قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهما سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ يقول بغير أجرٍ فركبا السّفينة قال ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره البحر فقال الخضر لموسى ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلاّ مقدار ما غمس هاذا العصفور منقاره قال فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى أقتلت نفساً زكيّة بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً إلى قوله فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فقال بيده هاكذا فأقامه فقال له موسى إنّا دخلنا هاذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال هاذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما قال وكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصباً وأمّا الغلام فكان كافراً..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. قوله: (قال لفتاه آتنا غداءنا) وهو طريق آخر في الحديث المذكور قبله، وهو عن قتيبة عن سفيان إلى آخره، وفيه بعض اختلاف في المتن ببعض زيادة وبعض نقصان، وفيه: حدثني قتيبة حدثني سفيان، ويروى: حدثنا قتيبة حدثنا سفيان، وفيه: عن عمرو بن دينار، وفي رواية الحميدي في الباب المتقدّم: حدثنا عمرو بن دينار.
قوله: (يقال لها الحياة) ، وهي المشهورة بين النّاس: بماء الحياة وعين الحياة. قوله: (فلم يفجأ) ، ويروى: فلم يفج، ووجهه أن الهمزة تخفف فتصير ألفا فتحذف بالجازم نحو: لم يخش. قوله: (وكان ابن عبّاس يقرأ) إلى آخره، ووافقه عليها عثمان أيضا). [عمدة القاري: 19/47-48]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ، حدّثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى نبي الله ليس بموسى الخضر فقال: كذب عدوّ اللّه حدّثنا أبيّ بن كعبٍ عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه وأوحى إليه بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ كيف السّبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام" -قال سفيان وفي حديث غير عمرٍو قال: "وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلاّ حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال- فتحرّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر فلمّا استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} [الكهف: 62] الآية قال: ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نونٍ: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 63] الآية قال: فرجعا يقصّان في آثارهما فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت فكان لفتاه عجبًا وللحوت سربًا قال: فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذ هما برجلٍ مسجًّى بثوبٍ فسلّم عليه موسى قال: وأنّى بأرضك السّلام؟ فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا؟ قال له الخضر: يا موسى إنّك على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه وأنا على علمٍ من علم اللّه علّمنيه اللّه لا تعلمه قال: بل أتّبعك قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهما سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ" -يقول بغير أجرٍ- "فركبا السّفينة قال: ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره البحر فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم اللّه إلاّ مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا * قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} [الكهف: 74 و75] إلى قوله: {فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} فقال بيده هكذا {فأقامه} [الكهف: 77] فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا (77) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 77، 78] فقال رسول اللّه: «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما». قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وأمّا الغلام فكان كافرًا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر أيضًا حدّثنا (سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام الحافظ الحجة تغير حفظه بأخرة وربما دلس عن الثقات وهو من أثبت الناس في عمرو بن دينار (عن عمرو بن دينار) المكي الجمحي مولاهم (عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه (قال: قلت لابن عباس أن نوفًا) كذا في اليونينية وفي الفرع نوف بغير ألف (البكالي) بكسر الموحدة نسبة إلى بني بكال بطن من حمير ونوف بغير صرف وصرفه أشهر كما مر ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى نبي الله) المرسل إلى بني إسرائيل كذا في الفرع موسى نبي الله والذي في اليونينية يزعم أن موسى نبي بني إسرائيل (ليس بموسى الخضر) بل موسى آخر (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وعبّر بذلك للزجر والتحذير لا قدحًا فيه (حدّثنا أبي بن كعب عن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): (قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل) يذكرهم بنعم الله عليهم وعليه يذكر ما أكرمه الله به من رسالته وتكريمه وتفضيله (فقيل له: أي الناس أعلم) أي منهم (قال) ولأبي ذر فقال: (أنا) أي أعلم (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) كان يقول الله أعلم (وأوحى إليه) بفتح الهمزة والحاء (بلى عبد من عبادي) كائن (بمجمع البحرين هو أعلم منك) أي بشيء مخصوص والعالم بالعلم الخاص لا يلزم منه أن يكون أعلم من العالم بالعلم العام (قال: أي رب كيف السبيل إليه) أي إلى لقائه (قال: تأخد حوتًا في مكتل فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف (فاتبعه) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني فاتبعه بسكون الفوقية وفتح الموحدة أي اتبع أثر الحوت فإنك ستلقى العبد الأعلم (قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون) مجرور بالإضافة منصرف كنوح على الفصحى (ومعهما الحوت) المأمور به (حتى انتهيا إلى الصخرة) التي عند مجمع البحرين (فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق (وفي حديث غير عمرو) لعل الغير المذكور كما قال في الفتح قتادة لما عند ابن أبي حاتم من طريقه (قال وفي أبي الصخرة عين يقال لها) ولأبي الوقت والأصيلي له (الحياة) بتاء التأنيث آخره (لا يصيب من مائها شيء) من الحيوان (إلا حيي) وعند ابن إسحاق من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي لا تصيب بالفوقية أي العين شيئًا أي من الحيوان إلا حيي (فأصاب الحوت من) رشاش (ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر) ولعل هذه العين إن ثبت النقل فيها هي التي شرب منها الخضر فخلد كما قال به جماعة كما مر (فلما استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} الآية) أي بعد أن نسي الفتى أن يخبره بأن الحوت حيي وانطلاقهما سائرين بقية يومهما وليلتهما حتى كان من الغد قال له إذ ذاك آتنا غداءنا (قال ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به) فألقى الله عليه الجوع والنصب (قال له فتاه يوشع بن نون {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي أن أخبرك بخبره (الآية) إلى قوله: {ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64] (قال فرجعا يقصّان في آثارهما) حتى انتهيا إلى الصخرة (فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت) مفعول وجدا (فكان لفتاه عجبًا) إذ هو أمر خارق (وللحوت سربًا) مسلكًا وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: رجع موسى فوجد الحوت فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة (قال: فلما انتهيا إلى الصخرة إذا) والذي في اليونينية إذ (هما برجل مسجى) مغطى (بثوب) وفي رواية الربيع عن أنس عند ابن أبي حاتم قال انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوّة فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر (فسلم عليه موسى قال) الخضر بعد أن رد السلام عليه وكشف الثوب عن وجهه (وأنى) بهمزة نون مشددة مفتوحتين أي وكيف (بأرضك السلام) وأهلها كفار أو لم يكن السلام تحيتهم (فقال) موسى بعد أن قال له الخضر من أنت: (أنا موسى قال) الخضر (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال) له موسى: ({هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا}) أي علمًا ذا رشد أسترشد به (قال) ولأبي ذر فقال (له الخضر: يا موسى إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه (قال) موسى (بل أتبعك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هل والأولى أوضح ({قال}) الخضر: ({فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء}) تنكره ابتداء ({حتى أحدث لك منه ذكرًا}) حتى أبداك ببيانه (فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة) ولأبي ذر: بهم أي بموسى ويوشع والخضر (فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول) بفتح النون وسكون الواو (يقول بغير أجر) أي أجرة (فركبا السفينة) ولم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فركبا في السفينة (قال: ووقع عصفور) بضم العين (على حرف السفينة فغمس منقاره البحر) بنصبهما ولأبي ذر في البحر (فقال الخضر لموسى) ولأبي ذر: يا موسى (ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار) بالرفع (ما غمس هذا العصفور منقاره) وفي رواية ما نقص علمي وعلمك من علم الله والعلم يطلق ويراد به المعلوم وعلم الله لا يدخله نقص ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا فهو كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب
أي لا عيب فيهم.
(قال: فلم يفجأ موسى) بالهمزة (إذ عمد الخضر) بفتح الميم (إلى قدوم) بفتح القاف وتخفيف الدال أي الآلة المعروفة (فخرق السفينة فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت) بفتح الميم أيضًا (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية). وسقط لأبي ذر لقد جئت والآية (فانطلقا) بعد أن خرجا من السفينة (إذ هما بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني فأخذ الخضر رأسه بحذف الجار والنصب مفعول أخذ (فقطعه قال) ولأبي الوقت فقال الله موسى: {أقتلت نفسًا زكية} بالتشديد طاهرة ({بغير نفس}) قيل وكان القتل في أبلة بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة مدينة قرب بصرة وعبادان ({لقد جئت شيئًا نكرًا}) منكرًا ({قال}) الخضر: ({ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا}) وأتى بلك مع نكرًا بخلاف أمرًا قيل لأن النكر أبلغ لأن معه القتل الحتم بخلاف خرق السفينة فإنه يمكن تداركه (إلى قوله: {فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض}) أن يسقط (فقال) الخضر (بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القربة فلم يضيفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك}) قال في الأنوار: الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبني أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته ({سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا}) لكونه منكرًا من حيث الظاهر وقد كانت أحكام موسى كغيره من الأنبياء مبنيّة على الظواهر ولذا أنكر خرق السفينة وقتل الغلام إذ التصرف في أموال الناس وأرواحهم بغير حق حرام في الشرع الذي شرعه لأنبيائه عليهم السلام إذ لم يكلفنا إلى الكشف عن البواطن لما في ذلك من الحرج وأما وقوع ذلك من الخضر فالظاهر أنه قد شرع له أن يعمل بما كشف له من بواطن الأسرار واطلع عليه من حقائق الأستار فلما علم الخضر علمًا يقينًا أنه إن لم يعب السفينة بالخرق غصبها الملك وجب عليه ذلك دفعًا للضرر عن ملاكها إذ لو تركها ولم يعبها فاتت بالكلية عليهم بأخذ الملك لها وكذا قتل الغلام فإنه علم بالوحي أنه إن لم يقتله تبعه أبواه على الكفر لمزيد محبتهما له فكانت المضرة بقتله أيسر من إبقائه لا سيما والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في شريعتهم واجبًا لأن أخذ الجزية لم يكن سائغًا لهم وقد رزقهما الله خيرًا منه كما مرّ ولو ترك الجدار حتى يسقط ضاع مال أولئك الأيتام فكانت المصلحة التامة في إقامته ولعل ذلك كان واجبًا عليه.
(فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية (إن موسى صبر حتى يقص) بضم أوله وفتح آخره مبنيًّا للمفعول (علينا من أمرهما قال وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة) غير معيبة (غصبًا وأما الغلام فكان كافرًا) وقد سبق أن أمام يستعمل موضع وراء فهي مفسّرة للآية كما مرّ وقوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 80] فيه إشعار بأن الغلام كان كافرًا كما في هذه القراءة لكنها كقراءة أمامهم وصالحة من الشواذ المخالفة لمصحف عثمان والله الموفق). [إرشاد الساري: 7/227-229]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا يوسف بن عديٍّ، قال: ثنا رشدين بن سعدٍ، عن يونس بن يزيد، عن عطاءٍ الخراساني قوله عز وجل: {أمضي حقباً} قال: الحقب الزّمان). [جزء تفسير عطاء الخراساني: 95]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين}
- أخبرنا إبراهيم بن المستمرّ، حدّثنا الصّلت بن محمّدٍ، حدّثنا مسلمة بن علقمة، عن داود بن أبي هندٍ، عن عبد الله بن عبيدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فأبلغ في الخطبة، فعرض في نفسه أنّ أحدًا لم يؤت من العلم ما أوتي، وعلم الله الّذي حدّث نفسه من ذلك، قال له: يا موسى، إنّ من عبادي من آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: أي ربّ، من عبادك؟ قال: نعم، قال: فادللني على هذا الرّجل الّذي آتيته من العلم ما لم تؤتني حتّى أتعلّم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، قال لفتاه يوشع: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبًا} [الكهف: 60] وكان ممّا تزوّد حوتٌ مملّحٌ في زنبيلٍ، وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداة، فلمّا انتهيا إلى الصّخرة عند ساحل البحر، وضع فتاه المكتل على ساحل البحر، فأصاب الحوت ثرى البحر، فتحرّك في المكتل فقلب المكتل وانسرب في البحر، فلمّا جاوزا حضر الغداة، قال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ذكر الفتى قال: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره، واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} [الكهف: 63] فذكر موسى عليه السّلام ما كان عهد إليه: أنّه يدلك عليه بعض زادك، فقال: {ذلك ما كنّا نبغ} [الكهف: 64] هذه حاجتنا، {فارتدّا على آثارهما قصصًا} [الكهف: 64] يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة الّتي فعل فيها الحوت ما فعل، وأبصر موسى عليه السّلام أثر الحوت، فأخذا إثر الحوت يمشيان على الماء حتّى انتهيا إلى جزيرةٍ من جزائر البحر، {فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلّمناه من لدنّا علمًا قال له موسى: هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا} [الكهف: 66] إلى قوله: {حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] أي حتّى أكون أنا أحدث لك ذلك، {فانطلقا حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها} [الكهف: 71] إلى قوله: {فانطلقا حتّى إذا لقيا غلامًا} [الكهف: 74] على ساحل البحر غلمانٌ يلعبون، فعهد إلى أصبحهم فقتله، {قال: أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} [الكهف: 74] قال ابن عبّاسٍ: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " فاستحيى عند ذلك نبيّ الله موسى صلّى الله عليه وسلّم فقال: {إن سألتك، عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه} [الكهف: 76] قرأ إلى {سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها} [الكهف: 78] قرأ إلى {وكان وراءهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} [الكهف: 79] وفي قراءة أبيٍّ: يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا {فأردت أن أعيبها} [الكهف: 79] حتّى لا يأخذها الملك، فإذا جاوزوا الملك رقعوها وانتفعوا بها، وبقيت لهم، {وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 80] قرأ إلى {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فجاء طائرٌ فجعل يغمس منقاره في البحر، فقال: تدري ما يقول هذا الطّائر؟ قال: لا، قال: فإنّ هذا يقول: ما علمكما الّذي تعلمان في علم الله إلّا مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/159-160]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبًا}.
قال أبو جعفر رحمه الله: يقول تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: واذكر يا محمّد إذ قال موسى بن عمران لفتاه يوشع وقيل ليوشع: فتى موسى؛ لملازمته إياه، وهو يوشع بن نون بن إفراييم بن يوسف بن يعقوب: {لا أبرح} يقول: لا أزال أسير {حتّى أبلغ مجمع البحرين} كما؛
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا أبرح} قال: لا أنتهي.
وقيل: عنى بقوله: {مجمع البحرين} اجتماع بحر فارس والرّوم.
والمجمع: مصدرٌ من قولهم: جمع يجمع.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {حتّى أبلغ مجمع البحرين} والبحران: بحر فارس وبحر الرّوم، وبحر الرّوم ممّا يلي المغرب، وبحر فارس ممّا يلي المشرق.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله: {مجمع البحرين} قال: بحر فارس، وبحر الرّوم.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {مجمع البحرين} قال: بحر الرّوم، وبحر فارس، أحدهما قبل المشرق، والآخر قبل المغرب.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: {مجمع البحرين}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن الضّريس، قال: حدّثنا أبو معشرٍ، عن محمّد بن كعبٍ، في قوله: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين} قال: طنجة.
وقوله: {أو أمضي حقبًا} يقول: أو أسير زمانًا ودهرًا، وهو واحدٌ، ويجمع كثيره وقليله: أحقابٌ. وقد تقول العرب: كنت عنده حقبةً من الدّهر: ويجمعونها حقبًا.
وكان بعض أهل العربيّة يوجّه تأويل قوله {لا أبرح} أي لا أزول، ويستشهد لقوله ذلك ببيت الفرزدق:
فما برحوا حتّى تهادت نساؤهم = ببطحاء ذي قارٍ عياب اللّطائم
وذكر بعض أهل العلم بكلام العرب، أنّ الحقب في لغة قيسٍ: سنةٌ.
فأمّا أهل التّأويل فإنّهم اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هو ثمانون سنةً
ذكر من قال ذلك:
- حدّثت عن هشيمٍ، قال: حدّثنا أبو بلجٍ، عن عمرو بن ميمونٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، قال: الحقب: ثمانون سنةً.
وقال آخرون: هو سبعون سنةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {أو أمضي حقبًا} قال: سبعين خريفًا.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقال آخرون في ذلك، بنحو الّذي قلنا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أو أمضي حقبًا} قال: دهرًا.
- حدّثنا أحمد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {حقبًا} قال: الحقب: زمانٌا.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أو أمضي حقبًا} قال: الحقب: الزّمان). [جامع البيان: 15/308-311]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال الحقب سبعون خريفا). [تفسير مجاهد: 378]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 60 – 82
أخرج ابن عساكر من طريق ابن سمعان عن مجاهد قال: كان ابن عباس يقول في هذه الآية {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح} يقول: لا أنفك ولا أزال {حتى أبلغ مجمع البحرين} يقول: ملتقى البحرين {أو أمضي حقبا} يقول: أو أمضي سبعين خريفا {فلما بلغا مجمع بينهما} يقول: بين البحرين {نسيا حوتهما} يقول: ذهب منهما وأخطأهما وكان حوتا مليحا معهما يحملانه فوثب من المكتل إلى الماء فكان {سبيله في البحر سربا} فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره وكان فتى موسى يوشع بن نون {واتخذ سبيله في البحر عجبا} يقول: موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها {قال ذلك ما كنا نبغ} قول موسى: فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت {فارتدا على آثارهما قصصا} يقول: اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهم راجعان على ساحل البحر {فوجدا عبدا من عبادنا} يقول: فوجدا خضرا {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} قال الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم) (يوسف آية 76) فصحب موسى الخضر وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه). [الدر المنثور: 9/576-577]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، قال: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى، قيل: بلى، قال: أي رب فأين قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم به ذلك، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر، قال موسى {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: قد قطع الله عنك النصب فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكسف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام، من أنت قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال: فما شأنك قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} كانت الأولى نسيانا والوسطة والثالثة عمدا {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ووجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث، قال ابن عباس قرأها: {زكية} زاكية مسلمة كقولك: غلاما زكيا، {فانطلقا} {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: بيده هكذا ورفع يده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال: أجر تأكله {وكان وراءهم ملك} قرأها ابن عباس وكان أمامهم ملك يزعمون مدد بن ندد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور {ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بالقار (فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر، وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية). [الدر المنثور: 9/580-583]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر فلما استقرت بهم الدار أنزل الله (وذكرهم بأيام الله) (إبراهيم آية 5) فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعيم وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال كلم الله موسى نبيكم تكليما واصطفاني لنفسه وأنزل علي محبة منه وآتاكم من كل شيء سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها فقال له رجل من بني إسرائيل: فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله قال: لا، فبعث الله جبريل إلى موسى فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي، بلى على ساحل البحر رجل أعلم، قال ابن عباس: هو الخضر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه: أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتا ميتا فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب، فلما طال صعود موسى ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} لك، قال الفتى، لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض، ومن أنت قال: أنا موسى، فقال له الخضر: أصاحب بني إسرائيل فرحب به وقال: ما جاء بك قال: جئتك {على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يقول: لا تطيق ذلك، قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فانطلق به وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه، فذلك قوله: {حتى أحدث لك منه ذكرا} ). [الدر المنثور: 9/595-596]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والخطيب، وابن عساكر من طريق هرون بن عنترة عن أبيه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه فقال: رب أي عبادك أحب إليك قال: الذي يذكرني ولا ينساني، قال: فأي عبادك أقضى قال: الذي يقضي بالحق ولا يتبع الهوى، قال: فأي عبادك أعلم قال: الذي يبتغي علم الناس إلى علمه عسى أن يصيب كلمة تهديه إلى هدى أو ترده عن ردى، قال: وقد كان حدث موسى نفسه أنه ليس أحد أعلم منه، قال: رب فهل أحد أعلم مني قال: نعم، قال: فأين هو قيل له: عند الصخرة التي عندها العين، فخرج موسى يطلبه حتى كان ما ذكر الله وانتهى موسى إليه عند الصخرة فسلم كل واحد منهما على صاحبه فقال له موسى: إني أريد أن تصحبني، قال: إنك لن تطيق صحبتي، قال: بلى، قال: فإن صحبتني {فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فسار به في البحر حتى انتهى إلى محمع البحرين وليس في البحر مكان أكثر ماء منه، قال: وبعث الله الخطاف فجعل يستقي منه بمنقاره فقال لموسى: كم ترى هذا الخطاف رزأ بمنقاره من الماء قال: ما أقل ما رزأ، قال: فإن علمي وعلمك في علم الله كقدر ما استقى هذا الخطاف من هذا الماء، وذكر تمام الحديث في خرق السفينة وقتل الغلام وإصلاح الجدار فكان قول موسى في الجدار لنفسه شيئا من الدنيا وكان قوله في السفينة وفي الغلام لله عز وجل). [الدر المنثور: 9/597-598]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} قال: حتى أنتهي). [الدر المنثور: 9/605]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {مجمع البحرين} قال: بحر فارس والروم هما بحر المشرق والمغرب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس مثله). [الدر المنثور: 9/605]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي بن كعب في قوله: {مجمع البحرين} قال: أفريقية). [الدر المنثور: 9/605]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب في قوله: {مجمع البحرين} قال: طنجة). [الدر المنثور: 9/605]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {مجمع البحرين} قال: الكر والرس حيث يصبان في البحر). [الدر المنثور: 9/605-606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أو أمضي حقبا} قال: دهرا). [الدر المنثور: 9/606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أو أمضي حقبا} قال: سبعين خريفا، وفي قوله: {فلما بلغا مجمع بينهما} قال: بين البحرين {نسيا حوتهما} قال: أضلاه في البحر {واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: موسى يعجب من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها {فارتدا على آثارهما قصصا} قال: اتباع موسى وفتاه أثر الحوت حيث يشق البحر راجعين). [الدر المنثور: 9/606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال: قيل لابن عباس: لم نسمع - يعني موسى - يذكر من حديث فتاه وقد كان معه، فقال ابن عباس: فيما يذكر من حديث الفتى قال: شرب الفتى من الماء فخلد فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه، قال ابن كثير الحسن متروك وأبوه غير معروف). [الدر المنثور: 9/623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623]

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة أنه فيل له إن آية لقيك إياه أن تنسى بعض متاعك فخرج هو وفتاه يوشع بن نون وتزودوا حوتا مملوحا حتى إذا كانا حيث شاء الله رد الله إلى الحوت روحه فسرب في البحر فاتخذ الحوت طريقه في البحر سربا فسرب فيه فلما جاوزا قال لفته آتنا غداءنا حتى بلغ واتخذ سبيله في البحر عجبا فكان موسى اتخذ سبيله في البحر عجبا فجعل يعجب من سرب الحوت). [تفسير عبد الرزاق: 1/405]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثني أبيّ بن كعبٍ: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم، فقال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو، ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] ، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى {لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا) ، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى ولفتاه عجبًا، فقال موسى: (ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: (إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: 69] ، فقال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا) "، قال: وقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا) . (قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا) قال: وهذه أشدّ من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرًا، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- قال: مائلٌ - فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] ، قال: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ (وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا) وكان يقرأ: (وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) ). [صحيح البخاري: 6/88-89] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينارٍ قال أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضير ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ كذب عدوّ الله حدثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى الله إليه إنّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا ربّ فكيف لي به قال تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق معه فتاه يوشع بن نونٍ حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً قال ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر الله به فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً قال فكان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً فقال موسى ذالك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصاً: قال رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهينا إلى الصخرة فإذا رجلٌ مسجّى ثوباً فسلّم عليه موسى فقال الخضر وأنّى بأرضك السّلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال إنّك لن تستطيع معي صبراً يا موسى إنّي على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علّمك الله لا أعلمه فقال موسى ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً فقال له الخضر فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً: قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأولى من موسى نسياناً قال وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هاذا العصفور من هاذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبيناهما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله فقال له موسى أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً قال وهاذا أشدّ من الأولى قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها بأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ قال مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال هاذا فراق بيني وبينك إلى قوله ذالك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ الله علينا من خبرهما: قال سعيد بن جبيرٍ فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصباً وكان يقرأ وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه يوضح ما فيها. والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى، وسفيان هو ابن عيينة. والحديث مر في كتاب العلم في: باب ما يستحبّ للعالم إذا سئل: أي النّاس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله عز وجل، فإنّه أخرجه هناك عن عبد الله ابن محمّد المسندي عن سفيان عن عمرو إلى آخره.
وهذا الحديث أخرجه البخاريّ في أكثر من عشر مواضع قد مر بيانه في كتاب العلم في: باب ما ذكر في ذهاب موسى عليه الصّلاة والسّلام، في البحر إلى الخضر عليه الصّلاة والسّلام، ومر الكلام فيه هناك، وفي: باب ما يستحبّ للعالم كما ينبغي، مستقصى، ونذكر ههنا بعض شيء لبعد المسافة على الطّالب سيما عند قلّة الكتب.
فقوله: (إن نوفًا) بفتح النّون وسكون الواو وبالفاء، (والبكالي) بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف، ويقال أيضا بفتح الباء وتشديد الكاف، قال الكرماني: وفيه نظر. قوله: (كذب عدو الله) ، هذا تغليظ من ابن عبّاس ولا سيما كان في حالة الغضب وإلاّ فهو مؤمن مسلم حسن الإيمان والإسلام. قوله: (إذ لم يرد) ، كلمة: إذ، للتّعليل. انتهى. قوله: (في مكتل) ، بكسر الميم وهو الزنبيل. قوله: (فهو ثمّ) ، بفتح الثّاء المثلّثة وتشديد الميم أي: فهو هناك. قوله: (حتّى إذا أتيا الصّخرة الّتي دون نهر الزّيت) ، قاله معقل بن زياد، وقيل: الصّخرة هي الّتي عند مجمع البحرين، وكان أتياها ليلًا فناما. قوله: (واضطرب الحوت) ، أي: تحرّك في المكتل، وكان الحوت مالحاً وخرج من المكتل فسقط في البحر، ويقال: كان في أصل الصّخرة عين يقال لها عين الحياة لا يصيب من مائها شيء إلاّ حييّ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسلّ من المكتل فدخل البحر، وروى ابن مردويه هذا، وفي لفظ: فقطرت من ذلك الماء على الحوت قطرة فعاش وخرج من المكتل فسقط في البحر. قوله: (سربا) أي: مسلكاً ومذهباً يسرب ويذهب فيه، قال الثّعلبيّ: روى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: انجاب الماء على مسلك الحوت فصار كوّة لم يلتئم، فدخل موسى عليه الصّلاة والسّلام، الكوة على إثر الحوت فإذا هو بالخضر عليه الصّلاة والسّلام
قوله: (على جرية الماء) أي: جريانه (فصار عليه مثل الطاق) ، أي: مثل عقد البناء، وعن الكلبيّ توضّأ يوشع من عين الحياة فانتضح على الحوت المالح في المكتل من ذلك الماء فعاش، ثمّ وثب في الماء فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بذنبه شيئا في الماء وهو ذاهب إلاّ يبس. قوله: (غداءنا) ، أي: طعامنا وزادنا. قوله: (نصبا) أي: شدّة وتعباً، وذلك أنه ألقى على موسى عليه الصّلاة والسّلام، الجوع بعدما جاوز الصّخرة ليتذكر الحوت ويرجع إلى موضع، مطلبه. قوله: (نبغي) أي: نطلب، انتهى. قوله: (فارتدا) ، أي: رجعا على آثارهما الّتي جاء منها. قوله: (قصصا) أي: يقصان الأثر ويتبعانه. قوله: (مسجى) ، أي: مغطى، قوله: (فقال الخضر) ، بفتح الخاء وكسر الضّاد وسكونها مع فتح الخاء وكسرها، ولقد ذكرنا في أحاديث الأنبياء سبب تسميته بالخضر، واسمه: بليا: بفتح الباء الموحدة وسكون اللّام وتخفيف الياء آخر الحروف، مقصورا. قوله: (وأنّى بأرضك السّلام؟) ، أي: من أين؟ قوله: (رشدا) . أي: علما ذا رشد أرشد به في ديني، وقال الزّمخشريّ: (رشدا) قرىء يعني: في القرآن، بفتحتين وبضمة وسكون. قوله: (إنّك لن تستطيع معي صبرا) (الكهف: 67) أي: لن تصبر على صنعي فيثقل عليك الصّبر عن الإنكار أو السّؤال. قوله: (فلا تسألني عن شيء) ، أي: شيء أعلمه ممّا تنكره. قوله: (ذكرا) ، أي: حتّى ابتدىء بذكره لك وأبين لك شأنه. قوله: (بغير نول) ، بفتح النّون وسكون الواو أي: بغير أجرة. قوله: (لم يفجأ) ، يقال: فجأه الأمر فجاءة بضم الفاء وبالمد: إذا أتاه بغتة من غير توقع. قوله: (أمرا) بكسر الهمزة أي منكرا، وعن القتبي: عجبا، والأمر، في كلام العرب الداهية قوله: {ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا} أي: تحقق ما قلت لك، قال له موسى عليه الصّلاة والسّلام: {لا تؤاخذني بما نسيت} أي: لا تؤاخذني بالنّسيان. قوله: {لا ترهقني من أمري عسراً} أي: لا تعنفني بما تركت من وصيتك ولا تطردني عنك، وقيل: لا تضيق عليّ أمري معك وصحبتي إياك. قوله: (إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ، هذا التّشبيه لبيان القلّة والحقارة فقط، وقيل: معنى نقص أخذ. قوله: (وهذا أشد من الأولى) أي: أوكد من الأولى حيث زاد كلمة: لك. قوله: (غلاما) ، اسمه خوش بود، وقيل: جيسور، واسم أبيه: ملاس، واسم أمه: رحمه، وكان ظريفاً وضيء الوجه. قوله: (فاقتلعه) ، أي: فاقتلع الخصر رأس الغلام فقتله، وقيل: أضجعه فذبحه بالسكين، وعن الضّحّاك: كان غلاما يعمل الفساد ويتأذى منه أبواه، وعن الكلبيّ: كان يقطع الطّريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه فيحلفان دونه، فأخذه الخضر فصرعه ونزع رأسه من جسده، وقيل: رفسه برجله، وعن ابن عبّاس: كان غلاما لم يبلغ الحنث. قوله: (زاكية) ، أي: ظاهرة، وقيل: مسلمة، وعن الكسائي: الزاكية والزكية لغتان، وعن أبي عمرو: الزاكية الّتي لم تذنب، والزكية الّتي أذنبت ثمّ تابت، قوله: (نكرا) ، أي: منكرا، وعن قتادة وابن كيسان: النكر أشد وأعظم من الأمر. قوله: (فلا تصاحبني) ، يعني: فارقني. قوله: (عذرا) ، يعني: في فراقي. قوله: (أهل قرية) هي أنطاكية، وعن ابن سيرين: الأيلة، وهي أبعد أرض من الخير، قوله: (يضيّفوهما) ، أي: ينزلوهما منزلة الأضياف. قوله: (فيها) ، أي: في القرية، قوله: (جداراً) ، قال وهب: كان طوله في السّماء مائة ذراع. قوله: (يريد أن ينقض) ، هذا مجاز لأن الجدار لا إرادة له، ومعناه قرب ودنا من ذلك. قوله: (أن ينقض) ، أي: أن يسقط وينهدم، ومنه انقضاض الكواكب وزوالها عن أماكنها، وقيل: ينقطع وينصدع. قوله: (فأقامه) أي: سواه. قوله: (أجرا) ، أي: أجرة وجعلا، وقيل: قرىء: وضيافة، وبقيّة الكلام قد مرت في كتاب العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/40-42] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه حدّثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سربًا وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان، أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال: فكان للحوت سربًا ولموسى ولفتاه عجبًا فقال موسى: ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام قال: أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمك اللّه لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا فقال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا»، قال: وقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى أقتلت نفسًا زاكيةً؟ بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: وهذا أشدّ من الأولى قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ قال: مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال: هذا فراق بيني وبينك إلى قوله {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}» [الكهف: 82] فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما» قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ {وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 85].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال اقتلوه فقيل: إنما سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله.
(فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب
(لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك.
وفي هذا النسيان أقوال:
أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا.
الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك.
الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر.
(ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع). [إرشاد الساري: 7/216-221] (م)

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61]
«سربا مذهبًا، يسرب يسلك» ، ومنه: {وساربٌ بالنّهار} [الرعد: 10] ). [صحيح البخاري: 6/89]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما)
ووقع في رواية الأصيليّ فلمّا بلغ مجمع بينهما والأوّل هو الموافق للتّلاوة قوله فاتّخذ سبيله في البحر سربًا مذهبًا يسرب يسلك ومنه وساربٌ بالنّهار قال أبو عبيدة في قوله تعالى فاتّخذ سبيله في البحر سربا أي مسلكًا ومذهبًا يسرب فيه وفي آيةٍ أخرى وسارب بالنّهار وقال أيضًا في قوله وساربٌ بالنّهار سالكٌ في سربه أي مذهبه ومنه أصبح فلانٌ آمنًا في سربه ومنه انسرب فلانٌ إذا مضى). [فتح الباري: 8/412]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سرباً مذهباً يسرب يسلك. ومنه وساربٌ بالنّهار} (الكهف: 61)
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {فلمّا بلغا مجمع بينهما} ووقع في رواية الأصيليّ: فلمّا بلغ مجمع بينهما، والأول هو الموافق للتلاوة. قوله: (فلمّا بلغا) ، يعني: موسى ويوشع عليهما الصّلاة والسّلام. قوله: (بينهما) (الرّحمن: 22) ، أي: بين البحرين. قوله: (نسيا حوتهما) قال الثّعلبيّ: وكان الحوت مع يوشع وهو الّذي نسيه فصرف النسيان إليهما، والمراد أحدهما، كما قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} (الرّعد: 10) وإنّما يخرج من الملح. قوله: (سربأ) . قد مر الكلام فيه في الباب السابف قوله: (ومنه) أي ومن (سريا) قوله تعالى: (وسارب بالنّهار) وقال أبو عبيدة: أي سالك في سربه، أي: مذهبه، ومنه: نسرب فلان إذا مضى). [عمدة القاري: 19/42]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61]
سربًا مذهبًا يسرب يسلك ومنه {وساربٌ بالنّهار}
هذا (باب) بالتنوين (قوله) عز وجل: ({فلما بلغا مجمع بينهما}) أي مجمع البحرين وبينهما ظرف أضيف إليه على الاتساع ({نسيا حوتهما}) نسي يوشع أن يذكر لموسى ما رأى من حياة الحوت ووقوعه في البحر ونسي موسى أن يطلبه ويتعرف حاله ليشاهد منه تلك الأمارة التي جعلت لها وذلك أن موسى عليه السلام وعد أن لقاء الخضر عند مجمع البحرين كما مرّ وأن فقد الحوت علامة للقائه، فلما بلغ الموعد كان من حقهما أن يتفقد أمر الحوت أما الفتى فلكونه كان خادمًا له وكان عليه أن يقدمه بين يديه، وأما موسى فلكونه كان أميرًا عليه أن يأمره بإحضاره فنسي كل واحد ما عليه وإنما احتيج إلى التأويل لأن النسيان لا يتعلق بالذوات كما سبق عن الراغب في تعريفه النسيان ترك ضبط ما استودع إما لضعف قلبه وإما عن غفلة أو عن قصد حتى يحذف عن القلب ذكره قاله في فتوح الغيب. ({فاتخذ سبيله في البحر سربًا}) [الكهف: 61] بسكون الراء في الفرع كأصله ولأبي ذر سربًا بفتحها أي (مذهبًا يسرب يسلك ومنه) أي ومن سربًا قوله: ({وسارب بالنهار}) قال أبو عبيدة أي سالك في سربه أي مذهبه وسقط لفظ باب لغير أبي ذر وسقط له لفظ قوله). [إرشاد الساري: 7/221]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سرباً}
قوله: (كذب عدوّ الله) أي: نوف وخرّج هذا مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس، قال ذلك حال غضبه، وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالباً، وتكذيبه له لكونه، قال غير الواقع، ولا يلزم منه تعمده.
قوله: (فقال: أنا) أي: قال ذلك بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان، ولا أحد في زمانه أعلم منه، فهو خبر صادق. قوله: (فعتب الله عليه الخ) أي: لئلا يقتدى به من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه، وعلو درجته من أمته، فيهلك اهـ قسطلاني.
قوله: (قال بمجمع البحرين) وهو المكان الذي وعد فيه موسى لقاء الخضر، وهو متلقى بحر فارس والروم، مما يلي المشرق، أو بحري المشرق والمغرب المحيطين بالأرض، أو العذب والملح. قوله: (في مكان ثريان): بمثلثة مفتوحة، وراء ساكنة، فتحتية مفتوحة، وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان فعلى. قوله: (إذ تضرّب الحوت): بضاد معجمة، وراء مشدّدة تفعل، أي: اضطرب وتحرم إذ حيي في المكتل.
قوله: (أنهما أبدلا جارية) أي: مكان المقتول فولدت نبياً من الأنبياء، رواه النسائي، ولابن أبي حاتم من طريق السدي، قال: ولدت جارية، فولدت نبياً، وهو الذي كان بعد موسى، فقالوا له: ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون، واسم أمه حنة.
وفي تفسير ابن الكلبي: ولدت جارية ولدت عدة أنبياء، فهدى الله بهم أمماً، وقيل: عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبياً اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/57-58]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربًا}
يقول تعالى ذكره: فلمّا بلغ موسى وفتاه مجمع البحرين، كما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {مجمع بينهما} قال: بين البحرين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وقوله: {نسيا حوتهما} يعني بقوله: نسيا: تركا، كما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {نسيا حوتهما} قال: أضلاّه.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: أضلاّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قال: أضلّهما.
وقال بعض أهل العربيّة: إنّ الحوت كان مع يوشع، وهو الّذي نسيه، فأضيف النّسيان إليهما، كما قال: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} وإنّما يخرج من الملح دون العذب.
قال أبو جعفر: وإنّما جاز عندي أن يقال: {نسيا} لأنّهما كانا جميعًا تزوّداه لسفرهما، فكان حمل أحدهما ذلك مضافًا إلى أنّه حمل منهما، كما يقال: خرج القوم من موضع كذا، وحملوا معهم كذا من الزّاد، وإنّما حمله أحدهما ولكنّه لمّا كان ذلك عن رأيهم وأمرهم أضيف ذلك إلى جميعهم، فكذلك إذا نسيه حامله في موضعٍ قيل: نسي القوم زادهم، فأضيف ذلك إلى الجميع بنسيان حامله ذلك، فيجري الكلام على الجميع، والفعل من واحدٍ، فكذلك ذلك في قوله: {نسيا حوتهما} لأنّ اللّه عزّ ذكره خاطب العرب بلغتها، وما يتعارفونه بينهم من الكلام.
وأمّا قوله: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} فإنّ القول في ذلك عندنا بخلاف ما قال فيه، وسنبيّنه إن شاء اللّه تعالى إذا انتهينا إليه.
وأمّا قوله: {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} فإنّه يعني أنّ الحوت اتّخذ طريقه الّذي سلكه في البحر سربًا، كما؛
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} قال: الحوت اتّخذ.
ويعني بالسّرب: المسلك والمذهب، يسرب فيه: يذهب فيه ويسلكه.
ثمّ اختلف أهل العلم في صفة اتّخاذه سبيله في البحر سربًا، فقال بعضهم: صار طريقه الّذي يسلك فيه كالحجر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ، قوله {سربًا} قال: أثره كأنّه حجرٌ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين ذكر حديث ذلك: " ما انجاب ماءٌ منذ كان النّاس غيره ثبت مكان الحوت الّذي فيه فانجاب كالكوّة حتّى رجع إليه موسى، فرأى مسلكه، فقال: ذلك ما كنّا نبغي ".
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن عطيّة، قال: حدّثنا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} قال: جاء فرأى أثر جناحيه في الطّين حين وقع في الماء، قال ابن عبّاسٍ {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} وحلّق بيده.
وقال آخرون: بل صار طريقه في البحر ماءً جامدًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: سرب من الجدّ حتّى أفضى إلى البحر، ثمّ سلك، فجعل لا يسلك فيه طريقًا إلاّ صار ماءً جامدًا.
وقال آخرون: بل صار طريقه في البحر حجرًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: جعل الحوت لا يمسّ شيئًا من البحر إلاّ يبس حتّى يكون صخرةً.
وقال آخرون: بل إنّما اتّخذ سبيله سربًا في البرّ إلى الماء، حتّى وصل إليه لا في البحر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} قال: قال: حشر الحوت في البطحاء بعد موته حين أحياه اللّه، ثم اتخذ منها سربًا حتى وصل إلى البحر. قال: والسرب طريقه حتى وصل إلى الماء، وهى بطحاء يابسه في البر، بعد ما أكل منه الدهرًا طويلاً. قال: وهو زاده. قال ثم أحياه الله.
- قال ابن زيدٍ، وأخبرني أبو شجاعٍ أنّه رآه قال: أتيت به فإذا هو شقّة حوتٍ وعينٌ واحدةٌ، وشقٌّ آخر ليس فيه شيءٌ.
والصّواب من القول في ذلك أن يقال كما قال اللّه عزّ وجلّ: واتّخذ الحوت طريقه في البحر سربًا. وجائزٌ أن يكون ذلك السّرب كان بانجيابٍ الماء عن الأرض، وجائزٌ أن يكون كان بجمود الماء، وجائزٌ أن يكون كان بتحوّله حجرًا.
وأوضحّ الأقوال فيه ما روي الخبر به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي ذكرنا عن أبيٍّ عنه). [جامع البيان: 15/311-316]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد فلما بلغا مجمع بينهما يعني بين البحرين). [تفسير مجاهد: 378]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله نسيا حوتهما يقول أضلا حوتهما). [تفسير مجاهد: 378]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 60 – 82
أخرج ابن عساكر من طريق ابن سمعان عن مجاهد قال: كان ابن عباس يقول في هذه الآية {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح} يقول: لا أنفك ولا أزال {حتى أبلغ مجمع البحرين} يقول: ملتقى البحرين {أو أمضي حقبا} يقول: أو أمضي سبعين خريفا {فلما بلغا مجمع بينهما} يقول: بين البحرين {نسيا حوتهما} يقول: ذهب منهما وأخطأهما وكان حوتا مليحا معهما يحملانه فوثب من المكتل إلى الماء فكان {سبيله في البحر سربا} فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره وكان فتى موسى يوشع بن نون {واتخذ سبيله في البحر عجبا} يقول: موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها {قال ذلك ما كنا نبغ} قول موسى: فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت {فارتدا على آثارهما قصصا} يقول: اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهم راجعان على ساحل البحر {فوجدا عبدا من عبادنا} يقول: فوجدا خضرا {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} قال الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم) (يوسف آية 76) فصحب موسى الخضر وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه). [الدر المنثور: 9/576-577] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، قال: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى، قيل: بلى، قال: أي رب فأين قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم به ذلك، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر، قال موسى {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: قد قطع الله عنك النصب فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكسف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام، من أنت قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال: فما شأنك قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} كانت الأولى نسيانا والوسطة والثالثة عمدا {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ووجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث، قال ابن عباس قرأها: {زكية} زاكية مسلمة كقولك: غلاما زكيا، {فانطلقا} {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: بيده هكذا ورفع يده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال: أجر تأكله {وكان وراءهم ملك} قرأها ابن عباس وكان أمامهم ملك يزعمون مدد بن ندد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور {ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بالقار (فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر، وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية). [الدر المنثور: 9/580-583] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أو أمضي حقبا} قال: سبعين خريفا، وفي قوله: {فلما بلغا مجمع بينهما} قال: بين البحرين {نسيا حوتهما} قال: أضلاه في البحر {واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: موسى يعجب من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها {فارتدا على آثارهما قصصا} قال: اتباع موسى وفتاه أثر الحوت حيث يشق البحر راجعين). [الدر المنثور: 9/606] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {نسيا حوتهما} قال: كان مملوحا مشقوق البطن). [الدر المنثور: 9/606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في قوله: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال: أثره يابس في البحر كأنه حجر). [الدر المنثور: 9/606]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال: جاء فرأى جناحيه في الطين حين وقع في الماء). [الدر المنثور: 9/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال: دخل الحوت في البطحاء بعد موته حين أحياه الله ثم اتخذ فيها سربا حتى وصل إلى البحر، والسرب طريق حتى وصل إلى الماء وهي بطحاء يابسة في البر بعدما أكل منه دهرا طويلا وهو زاده ثم أحياه الله). [الدر المنثور: 9/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني عاصم بن حكيم، عن أبي شريح عن [عـ (؟) .. ... .. ] الخمر، وإن التسنيم عينٌ في الجنة.
قال: {ويسألونك عن [ذي] القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيءٍ سببا}، وإن السبب العلم، وإن {الأب}، ما يأكل الأنعام، وإن الـ {حدائق غلبا}، الملتفة، وإن الربوة المكان المرتفع، وإن الهباء الرماد، وإن ذا القرنين كان له قرنان صغيران تواريهما العمامة، وإن الذي كان معه فتاه ليس بموسى الذي كلم ولكن كان أعلم من على ظهر الأرض إلا الملك الذي لقي). [الجامع في علوم القرآن: 1/4] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا يزعم أن موسى ليس بصاحب الخضر فقال كذب عدو الله أخبرنا أبي بن كعب عن رسول الله أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فقيل له أي الناس أعلم فقال أنا فعتب عليه الله إذ لم يرد العلم إلى الله فقال الله بلى عبد لي عند مجمع البحرين قال ربي وكيف به قال تأخذ حوتا فجعله في مكتل حيث يفارقك الحوت فهو ثم قال فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يمشيان قال لفتاه حيث يفارقك الحوت فآذني حتى إذا أتيا الصخرة رقد موسى فاضطرب الحوت في المكتل فخرج ووقع في الماء فأمسك الله عنه جرية الماء مثل الطوق ومد إبهامه والتي تليها وفتحها قال فنسي أن يخبره قال فانطلقا حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال ولم يجد النصب حتى جاوز حيث أمره الله {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} حتى بلغ {في البحر عجبا} {قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة فإذا هما برجل مسجى عليه الثوب فسلم موسى فرد عليه وقال وأني بأرضك من سلام قال من أنت قال أنا موسى قال أموسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئتك لتعلمني مما علمت رشدا قال وما يكفيك أن التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك قال أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه {أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} حتى بلغ {ولا أعصي لك أمرا} قال فانطلقا يمشيان على الساحل فعرف الخضر فحمل بغير نول فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر من الماء قال ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال فبينا هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يريد أو إذا هو يريد أن يخرقها قال حسبت أنه قال وتد فيها وتدا فقال حملنا بغير نول وتريد أن تخرقها وتغرق أهلها إلى {ولا ترهقني من أمري عسرا} فكانت الأولى نسيانا {لا تؤاخذني بما نسيت} فخرجا حتى لقيا غلاما يلعب مع الغلمان فقال بيده هكذا كأنه احتز رأسه فقطع رأسه فقال له {أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} وقال بيده هكذا وعدله بيده فقال له موسى لم يضيفونا و{لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك} قال النبي وددنا أن موسى صبر قال عمرو كان ابن عباس يقرأ (أما الغلام فكان كافرا) وكان يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)). [تفسير عبد الرزاق: 1/408-410]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب {فلمّا جاوزا قال لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا (62) قال: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 63]
إلى قوله {عجبًا} [الكهف: 63] ). [صحيح البخاري: 6/91]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله باب قوله تعالى قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة إلخ
ثبتت هذه التّرجمة لأبي ذرٍّ). [فتح الباري: 8/424]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (بابٌ قوله: {فلمّا جاوز قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هاذا نصباً} إلى قوله: {عجباً} (الكهف: 62 63).
أي: هذا باب في قوله عز وجل: {فلمّا جاوزا} أي: لما جاوزا الموضع الّذي نسيا فيه الحوت قال موسى لفتاه يوشع بن نون آتنا غداءنا، يعني: طعامنا وزادنا. قوله: (نصبا) ، أي: تعباً لأنّهما سارا بعد مفارقة الصّخرة يومًا وليلة). [عمدة القاري: 19/44]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا (62) قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 62، 63]
صنعًا: عملًا، حولًا: تحوّلًا. قال: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} [الكهف: 64] إمرًا ونكرًا داهيةً، ينقضّ ينقاض كما تنقاض السّنّ. لتخذت واتّخذت واحدٌ. رحمًا من الرّحم وهي أشدّ مبالغةً من الرّحمة ونظنّ أنّه من الرّحيم وتدعى مكّة أمّ رحمٍ أي الرّحمة تنزل بها
هذا (باب) بالتنوين وهو ثابت في رواية أبي ذر ساقط لغيره (قوله: {فلما جاوزا}) موسى وفتاه مجمع البحرين ({قال}) موسى ({لفتاه}) يوشع ({آتنا غداءنا}) ما نتغدى به ({لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا}) قيل لم يعن موسى في سفر غير ما ساره من مجمع البحرين ويؤيده التقييد باسم الإشارة ({قال}) يوشع ({أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة}) يعني الصخرة التي رقد عندها موسى ({فإني نسيت الحوت}) [الكهف: 62، 63] أي نسيت أن أخبرك بما رأيت منه وسقط قوله قال أرأيت لأبي ذر قال بعد نصبًا إلى قوله عجبًا). [إرشاد الساري: 7/226]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (باب {فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً}
قوله: (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً) أي: لكونه منكراً من حيث الظاهر، وقد كانت أحكام موسى كغيره من الأنبياء مبنية على الظواهر، ولذا أنكر خرق السفينة، وقتل الغلام إذ التصرف في أموال الناس، وأرواحهم بغير حق حرام في الشرع الذي شرعه لأنبيائه عليهم السلام إذ لم يكلفنا إلى الكشف عن البواطن لما في ذلك من الحرج اهـ قسطلاني). [حاشية السندي على البخاري: 3/58]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر، ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل، فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه، حدّثني أبيّ بن كعبٍ: أنّه سمع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم، فقال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال موسى: يا ربّ فكيف لي به، قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو، ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما، واضطرب الحوت في المكتل، فخرج منه فسقط في البحر، {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} [الكهف: 61] ، وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء، فصار عليه مثل الطّاق، فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد، قال موسى {لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوزا المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: (أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا) ، قال: فكان للحوت سربًا، ولموسى ولفتاه عجبًا، فقال موسى: (ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا) ، قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام، قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: (إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت، وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، فقال موسى: {ستجدني إن شاء اللّه صابرًا، ولا أعصي لك أمرًا} [الكهف: 69] ، فقال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} [الكهف: 70] ، فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم، فعرفوا الخضر فحملوهم بغير نولٍ، فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلّا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم، فقال له موسى: قومٌ قد حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها (لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا) "، قال: وقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلّا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر، ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى: (أقتلت نفسًا زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا) . (قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا) قال: وهذه أشدّ من الأولى، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني، قد بلغت من لدنّي عذرًا، فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما، فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- قال: مائلٌ - فقام الخضر فأقامه بيده، فقال موسى: قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] ، قال: {هذا فراق بيني وبينك} [الكهف: 78] إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا} [الكهف: 82] فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما " قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ (وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا) وكان يقرأ: (وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين) ). [صحيح البخاري: 6/88-89] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا الحميديّ حدّثنا سفيان حدثنا عمرو بن دينارٍ قال أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضير ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ كذب عدوّ الله حدثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم فقال أنا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى الله إليه إنّ لي عبداً بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى يا ربّ فكيف لي به قال تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق معه فتاه يوشع بن نونٍ حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رؤوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله في البحر سرباً وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسي صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً قال ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر الله به فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً قال فكان للحوت سرباً ولموسى ولفتاه عجباً فقال موسى ذالك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصاً: قال رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهينا إلى الصخرة فإذا رجلٌ مسجّى ثوباً فسلّم عليه موسى فقال الخضر وأنّى بأرضك السّلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال إنّك لن تستطيع معي صبراً يا موسى إنّي على علم من علم الله علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علّمك الله لا أعلمه فقال موسى ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمراً فقال له الخضر فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحاً من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً: قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأولى من موسى نسياناً قال وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هاذا العصفور من هاذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبيناهما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله فقال له موسى أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً قال وهاذا أشدّ من الأولى قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها بأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ قال مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال هاذا فراق بيني وبينك إلى قوله ذالك تأويل ما لم تستطع عليه صبراً: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ الله علينا من خبرهما: قال سعيد بن جبيرٍ فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصباً وكان يقرأ وأمّا الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه يوضح ما فيها. والحميدي هو عبد الله بن الزبير بن عيسى، وسفيان هو ابن عيينة. والحديث مر في كتاب العلم في: باب ما يستحبّ للعالم إذا سئل: أي النّاس أعلم؟ فيكل العلم إلى الله عز وجل، فإنّه أخرجه هناك عن عبد الله ابن محمّد المسندي عن سفيان عن عمرو إلى آخره.
وهذا الحديث أخرجه البخاريّ في أكثر من عشر مواضع قد مر بيانه في كتاب العلم في: باب ما ذكر في ذهاب موسى عليه الصّلاة والسّلام، في البحر إلى الخضر عليه الصّلاة والسّلام، ومر الكلام فيه هناك، وفي: باب ما يستحبّ للعالم كما ينبغي، مستقصى، ونذكر ههنا بعض شيء لبعد المسافة على الطّالب سيما عند قلّة الكتب.
فقوله: (إن نوفًا) بفتح النّون وسكون الواو وبالفاء، (والبكالي) بكسر الباء الموحدة وتخفيف الكاف، ويقال أيضا بفتح الباء وتشديد الكاف، قال الكرماني: وفيه نظر. قوله: (كذب عدو الله) ، هذا تغليظ من ابن عبّاس ولا سيما كان في حالة الغضب وإلاّ فهو مؤمن مسلم حسن الإيمان والإسلام. قوله: (إذ لم يرد) ، كلمة: إذ، للتّعليل. انتهى. قوله: (في مكتل) ، بكسر الميم وهو الزنبيل. قوله: (فهو ثمّ) ، بفتح الثّاء المثلّثة وتشديد الميم أي: فهو هناك. قوله: (حتّى إذا أتيا الصّخرة الّتي دون نهر الزّيت) ، قاله معقل بن زياد، وقيل: الصّخرة هي الّتي عند مجمع البحرين، وكان أتياها ليلًا فناما. قوله: (واضطرب الحوت) ، أي: تحرّك في المكتل، وكان الحوت مالحاً وخرج من المكتل فسقط في البحر، ويقال: كان في أصل الصّخرة عين يقال لها عين الحياة لا يصيب من مائها شيء إلاّ حييّ، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرك وانسلّ من المكتل فدخل البحر، وروى ابن مردويه هذا، وفي لفظ: فقطرت من ذلك الماء على الحوت قطرة فعاش وخرج من المكتل فسقط في البحر. قوله: (سربا) أي: مسلكاً ومذهباً يسرب ويذهب فيه، قال الثّعلبيّ: روى أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: انجاب الماء على مسلك الحوت فصار كوّة لم يلتئم، فدخل موسى عليه الصّلاة والسّلام، الكوة على إثر الحوت فإذا هو بالخضر عليه الصّلاة والسّلام
قوله: (على جرية الماء) أي: جريانه (فصار عليه مثل الطاق) ، أي: مثل عقد البناء، وعن الكلبيّ توضّأ يوشع من عين الحياة فانتضح على الحوت المالح في المكتل من ذلك الماء فعاش، ثمّ وثب في الماء فجعل يضرب بذنبه فلا يضرب بذنبه شيئا في الماء وهو ذاهب إلاّ يبس. قوله: (غداءنا) ، أي: طعامنا وزادنا. قوله: (نصبا) أي: شدّة وتعباً، وذلك أنه ألقى على موسى عليه الصّلاة والسّلام، الجوع بعدما جاوز الصّخرة ليتذكر الحوت ويرجع إلى موضع، مطلبه. قوله: (نبغي) أي: نطلب، انتهى. قوله: (فارتدا) ، أي: رجعا على آثارهما الّتي جاء منها. قوله: (قصصا) أي: يقصان الأثر ويتبعانه. قوله: (مسجى) ، أي: مغطى، قوله: (فقال الخضر) ، بفتح الخاء وكسر الضّاد وسكونها مع فتح الخاء وكسرها، ولقد ذكرنا في أحاديث الأنبياء سبب تسميته بالخضر، واسمه: بليا: بفتح الباء الموحدة وسكون اللّام وتخفيف الياء آخر الحروف، مقصورا. قوله: (وأنّى بأرضك السّلام؟) ، أي: من أين؟ قوله: (رشدا) . أي: علما ذا رشد أرشد به في ديني، وقال الزّمخشريّ: (رشدا) قرىء يعني: في القرآن، بفتحتين وبضمة وسكون. قوله: (إنّك لن تستطيع معي صبرا) (الكهف: 67) أي: لن تصبر على صنعي فيثقل عليك الصّبر عن الإنكار أو السّؤال. قوله: (فلا تسألني عن شيء) ، أي: شيء أعلمه ممّا تنكره. قوله: (ذكرا) ، أي: حتّى ابتدىء بذكره لك وأبين لك شأنه. قوله: (بغير نول) ، بفتح النّون وسكون الواو أي: بغير أجرة. قوله: (لم يفجأ) ، يقال: فجأه الأمر فجاءة بضم الفاء وبالمد: إذا أتاه بغتة من غير توقع. قوله: (أمرا) بكسر الهمزة أي منكرا، وعن القتبي: عجبا، والأمر، في كلام العرب الداهية قوله: {ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرا} أي: تحقق ما قلت لك، قال له موسى عليه الصّلاة والسّلام: {لا تؤاخذني بما نسيت} أي: لا تؤاخذني بالنّسيان. قوله: {لا ترهقني من أمري عسراً} أي: لا تعنفني بما تركت من وصيتك ولا تطردني عنك، وقيل: لا تضيق عليّ أمري معك وصحبتي إياك. قوله: (إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ، هذا التّشبيه لبيان القلّة والحقارة فقط، وقيل: معنى نقص أخذ. قوله: (وهذا أشد من الأولى) أي: أوكد من الأولى حيث زاد كلمة: لك. قوله: (غلاما) ، اسمه خوش بود، وقيل: جيسور، واسم أبيه: ملاس، واسم أمه: رحمه، وكان ظريفاً وضيء الوجه. قوله: (فاقتلعه) ، أي: فاقتلع الخصر رأس الغلام فقتله، وقيل: أضجعه فذبحه بالسكين، وعن الضّحّاك: كان غلاما يعمل الفساد ويتأذى منه أبواه، وعن الكلبيّ: كان يقطع الطّريق ويأخذ المتاع ويلجأ إلى أبويه فيحلفان دونه، فأخذه الخضر فصرعه ونزع رأسه من جسده، وقيل: رفسه برجله، وعن ابن عبّاس: كان غلاما لم يبلغ الحنث. قوله: (زاكية) ، أي: ظاهرة، وقيل: مسلمة، وعن الكسائي: الزاكية والزكية لغتان، وعن أبي عمرو: الزاكية الّتي لم تذنب، والزكية الّتي أذنبت ثمّ تابت، قوله: (نكرا) ، أي: منكرا، وعن قتادة وابن كيسان: النكر أشد وأعظم من الأمر. قوله: (فلا تصاحبني) ، يعني: فارقني. قوله: (عذرا) ، يعني: في فراقي. قوله: (أهل قرية) هي أنطاكية، وعن ابن سيرين: الأيلة، وهي أبعد أرض من الخير، قوله: (يضيّفوهما) ، أي: ينزلوهما منزلة الأضياف. قوله: (فيها) ، أي: في القرية، قوله: (جداراً) ، قال وهب: كان طوله في السّماء مائة ذراع. قوله: (يريد أن ينقض) ، هذا مجاز لأن الجدار لا إرادة له، ومعناه قرب ودنا من ذلك. قوله: (أن ينقض) ، أي: أن يسقط وينهدم، ومنه انقضاض الكواكب وزوالها عن أماكنها، وقيل: ينقطع وينصدع. قوله: (فأقامه) أي: سواه. قوله: (أجرا) ، أي: أجرة وجعلا، وقيل: قرىء: وضيافة، وبقيّة الكلام قد مرت في كتاب العلم، والله سبحانه وتعالى أعلم). [عمدة القاري: 19/40-42] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا الحميديّ، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو بن دينارٍ، قال: أخبرني سعيد بن جبيرٍ قال: قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل فقال ابن عبّاسٍ: كذب عدوّ اللّه حدّثني أبيّ بن كعبٍ أنّه سمع رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول: «إنّ موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه فأوحى اللّه إليه إنّ لي عبدًا بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى: يا ربّ فكيف لي به؟ قال: تأخذ معك حوتًا فتجعله في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فهو ثمّ فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ ثمّ انطلق وانطلق معه بفتاه يوشع بن نونٍ، حتّى إذا أتيا الصّخرة وضعا رءوسهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر فاتّخذ سبيله في البحر سربًا وأمسك اللّه عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطّاق فلمّا استيقظ نسى صاحبه أن يخبره بالحوت فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به، فقال له فتاه: أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان، أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال: فكان للحوت سربًا ولموسى ولفتاه عجبًا فقال موسى: ذلك ما كنّا نبغي فارتدّا على آثارهما قصصًا قال: رجعا يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ مسجًّى ثوبًا فسلّم عليه موسى، فقال الخضر: وأنّى بأرضك السّلام قال: أنا موسى قال موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. أتيتك لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: إنّك لن تستطيع معي صبرًا يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علمٍ من علم اللّه علّمك اللّه لا أعلمه فقال موسى: ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا فقال له الخضر: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على ساحل البحر فمرّت سفينةٌ فكلّموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نولٍ فلمّا ركبا في السّفينة لم يفجأ إلاّ والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السّفينة بالقدوم فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: لا تؤاخذنى بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا»، قال: وقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وكانت الأولى من موسى نسيانًا، قال: وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم اللّه إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثمّ خرجا من السّفينة فبينا هما يمشيان على السّاحل إذ أبصر الخضر غلامًا يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده فقتله، فقال له موسى أقتلت نفسًا زاكيةً؟ بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال: ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا؟ قال: وهذا أشدّ من الأولى قال: إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ قال: مائلٌ فقام الخضر فأقامه بيده فقال موسى قومٌ أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيّفونا لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال: هذا فراق بيني وبينك إلى قوله {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرًا}» [الكهف: 82] فقال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «وددنا أنّ موسى كان صبر حتّى يقصّ اللّه علينا من خبرهما» قال سعيد بن جبيرٍ: فكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ {وأمّا الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 85].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو بن دينار قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفًا البكالي) بفتح النون وسكون الواو وبالفاء المفتوحة والبكالي بكسر الموحدة وتخفيف الكاف وتشدّد وهو الذي في اليونينية وغيرها ابن فضالة بفتح الفاء والمعجمة ابن امرأة كعب ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى صاحب بني إسرائيل) وإنما هو موسى بن ميشا بن إفراثيم بن يوسف بن يعقوب (فقال ابن عباس: كذب عدوّ الله) نوف خرج منه مخرج الزجر والتحذير لا القدح في نوف لأن ابن عباس قال ذلك في حال غضبه وألفاظ الغضب تقع على غير الحقيقة غالبًا وتكذيبه له لكونه قال غير الواقع ولا يلزم منه تعمده (حدّثني) بالإفراد (أبي بن كعب) الأنصاري (أنه سمع رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- يقول): (إن موسى قام خطيبًا في بني إسرائيل) نص في أن موسى صاحب بني إسرائيل ففيه رد على نوف البكالي (فسئل أي الناس أعلم) أي منهم (فقال أنا) أي أعلم الناس قاله بحسب اعتقاده لأنه نبي ذلك الزمان ولا أحد في زمانه أعلم منه فهو خبر صادق على المذهبين على قول من قال صدق الخبر مطابقته لاعتقاد الخبر ولو أخطأ وهذا في غاية الظهور وعلى قول من قال صدق الخبر مطابقته للواقع فهو إخبار عن ظنه الواقع له إذ معناه أنا أعلم في ظني واعتقادي وهو كان يظن ذلك قطعًا فهو مطابق للواقع وهذا الذي قالوه هنا أبلغ من قوله في باب الخروج في طلب العلم هل تعلم أن أحدًا أعلم منك فقال لا فإنه نفي هناك علمه وهنا على البت (فعتب الله عليه إذ) بسكون الذال للتعليل (لم يردّ العلم إليه) فيقول نحو الله أعلم كما قالت الملائكة لا علم لنا إلا ما علمتنا وعتب الله عليه لئلا يقتدي به فيه من لم يبلغ كماله في تزكية نفسه وعلوّ درجته من أمته فيهلك لما تضمنه من مدح الإنسان نفسه ويورثه ذلك من الكبر والعجب والدعوى وإن نزه عن هذه الرذائل الأنبياء فغيرهم بمدرجة سيلها ودرك ليلها إلا من عصمه الله فالتحفظ منها أولى لنفسه وليقتدى به، ولهذا قال نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- تحفظًا من مثل هذا مما قد علم به أنا سيد ولد آدم ولا فخر ووجه الرد عليه فيما ظنه كما ظن نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه لم يقع منه نسيان في قصة ذي اليدين (فأوحى الله) عز وجل (إليه) إلى موسى (إن لي عبدًا بمجمع البحرين) هو الخضر عليه السلام ولأبي ذر عن الحموي والمستملي عند مجمع البحرين (هو أعلم منك) بشيء مخصوص لا يقتضي أفضليته به على موسى كيف وموسى عليه السلام جمع له بين الرسالة والتكليم والتوراة وأنبياء بني إسرائيل داخلون كلهم تحت شريعته وغاية الخضر أن يكون كواحد منهم (قال موسى: يا رب فكيف لي به؟) أي كيف يتهيّأ ويتيسر لي أن أظفر به (قال: تأخذ معك حوتًا) من السمك (فتجعله في مكتل) بكسر الميم وفتح الفوقية الزنبيل الكبير ويجمع على مكاتل (فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف أي تغيب عن عينيك (فهو) أي الخضر (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (فأخذ) موسى (حوتًا فجعله في مكتل) كما وقع الأمر به (ثم انطلق وانطلق معه بفتاه) ولأبي ذر عن الكشميهني معه فتاه (يوشع بن نون) بالصرف كنوح (حتى إذا أتيا الصخرة) التي عند مجمع البحرين (وضعا رؤوسهما فناما) بالفاء ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وناما (واضطرب الحوت) أي تحرّك (في المكتل) لأنه أصابه من ماء عين الحياة الكائنة في أصل الصخرة شيء إذ إصابتها مقتضية للحياة (فخرج منه فسقط في البحر فاتخذ سبيله) أي طريقه (في البحر سربًا) أي مسلكًا (وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق) أي مثل عقد البناء وعند مسلم من رواية أبي إسحاق فاضطرب الحوت في الماء فجعل يلتئم عليه حتى صار مثل الكوّة (فلما استيقظ) موسى (نسي صاحبه) يوشع (أن يخبره بالحوت) أي بما كان من أمره (فانطلقا) سائرين (بقية يومهما وليلتهما) بنصب الفوقية (حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه) يوشع (آتنا غداءنا) بفتح الغين ممدود أي طعامنا الذي نأكله أوّل النهار (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا) أي تعبًا ومراده السير بقية اليوم والذي يليه وفي الإشارة بهذا إشعار بأن هذا المسير كان أتعب لهما مما سبق فإن رجاء المطلوب يقرب البعيد والخيبة تبعد القريب ولذا (قال ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به) فألقى عليه الجوع والنصب (فقال له فتاه) يوشع (أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي فإني نسيت أن أخبرك بخبر الحوت ونسب النسيان لنفسه لأن موسى كان نائمًا إذ ذاك، وكره يوشع أن يوقظه ونسي أن يعلمه بعد لما قدره الله تعالى عليهما من الخطى.
ومن كتبت عليه خطى مشاها.
(وما أنسانيه) أي وما أنساني ذكره (إلا الشيطان أن أذكره) نسبه للشيطان تأدّبًا مع الباري تعالى إذ نسبة النقص للنفس والشيطان أليق بمقام الأدب (واتخذ سبيله في البحر عجبًا) يجوز أن يكون عجبًا مفعولًا ثانيًا لاتّخذ أي واتّخذ سبيله في البحر سبيلًا عجبًا وهو كونه كالسرب والجار والمجرور متعلق باتّخذ وفاعل اتخذ قيل الحوت وقيل موسى أي اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبًا (قال فكان) دخول الحوت في الماء (للحوت سربًا) مسلكًا (ولموسى ولفتاه عجبًا) وهو أن أثره بقي إلى حيث سار أو جمد الماء تحته أو صار صخرًا أو ضرب بذنبه فصار المكان يبسًا وعند ابن أبي حاتم من طريق قتادة قال: عجب موسى أن تسرب حوت مملح في مكتل (فقال موسى) ليوشع (ذلك) الذي ذكرته من حياة الحوت ودخوله في البحر (ما كنا نبغي) أي الذي نطلبه إذ هو آية على المطلوب (فارتدا على آثارهما قصصًا قال رجعا) في الطريق الذي جاءا فيه (يقصان آثارهما) قصصًا أي يتبعان آثار سيرهما اتباعًا. قال صاحب الكشف فيما حكاه الطيبي عنه قصصًا مصدر لفعل مضمر يدل عليه فارتدا على آثارهما إذ معنى فارتدا على آثارهما واقتصا الأثر واحد (حتى انتهيا إلى الصخرة) أي التي فعل فيها الحوت ما فعل كما عند النسائي في روايته فذهبا يلتمسان الخضر (فإذا رجل) نائم (مسجّى ثوبًا) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منوّنة ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب أي مغطى كله به، ولمسلم مسجى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميد من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرة من جزائر البحر ملتفًا بكساء (فسلّم عليه موسى فقال الخضر) أي بعد أن كشف وجهه كما في الرواية الآتية هنا إن شاء الله تعالى (وأني) بفتح الهمزة والنون المشدّدة أي وكيف (بأرضك السلام) وفي الرواية الآتية وهل بأرضي من سلام وفيه دلالة على أن أهل تلك الأرض لم يكونوا مسلمين أو كانت تحيتهم غيره (قال أنا موسى) في الآتية قال: من أنت؟ قال: أنا موسى (قال): أي الخضر أنت (موسى بني إسرائيل قال): أي موسى (نعم أتيتك لتعلمني) وفي الرواية الآتية قال: ما شأنك؟ قال: جئت لتعلمني (مما علمت رشدًا) قال أبو البقاء: رشدًا مفعول لتعلمني ولا يجوز أن يكون مفعول علمت لأنه لا عائد إذن على الموصول أي علمًا ذا رشد (قال): أي الخضر لموسى (إنك لن تستطيع معي صبرًا) نفى عنه استطاعة الصبر معه على وجوه من التأكيد وهو علة لمنعه من اتّباعه فإن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال هل أتبعك على أن تعلمني كأنه قال: لا لأنك لن تستطيع معي صبرًا وعبّر بالصيغة الدالة على استمرار النفي لما أطلعه الله عليه من أن موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشرع لمكان عصمته. قال الخضر عليه الصلاة والسلام: (يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه) جميعه (أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله) ولأبي ذر عن الكشميهني علمكه الله (لا أعلمه) جميعه وهذا التقدير أو نحوه واجب لا بدّ منه، وقد غفل بعضهم عن ذلك فقال في مجموع له لطيف في الخصائص النبوية أن من خصائص نبينا -صلّى اللّه عليه وسلّم- أنه جمعت له الشريعة والحقيقة ولم يكن للأنبياء إلا إحداهما بدليل قصة موسى مع الخضر، وقوله: إني على علم لا ينبغي لك أن تعلمه وأنت على علم لا ينبغي لي أن أعلمه وهذا الذي قاله يلزم منه خلوّ أولي العزم عليهم الصلاة والسلام غير نبينا من علم الحقيقة الذي لا ينبغي خلو بعض آحاد الأولياء عنه وإخلاء الخضر عليه الصلاة والسلام من علم الشريعة الذي لا يجوز لآحاد المكلفين الخلوّ عنه، وهذا لا يخفى ما فيه من الخطر العظيم، واحتج لذلك بقوله: إنه أراد الجمع في الحكم والقضاء تمسكًا بحديث السارق في زمنه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال اقتلوه فقيل: إنما سرق فقال اقطعوه إلى أن أتى على قوائمه الأربع ثم سرق في زمن الصديق بفيه فأمر بقتله. قلت: وهو مروي عند الدارقطني من حديث جابر بلفظ: إن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- أتي بسارق فقطع يده ثم أتي به ثانيًا فقطع رجله ثم أتي به ثالثًا فقطع يده ثم أتي به رابعًا فقطع رجله ثم أتي به خامسًا فقتله، وفيه محمد بن يزيد بن سبأ، وقال الدارقطني فيما حكاه الحافظ ابن حجر في أمالي الرافعي أنه ضعيف قال: ورواه أبو داود والنسائي بلفظ: جيء بسارق إلى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال اقطعوه فقطع ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول الله إنما سرق قال: اقطعوه فذكره كذلك قال: فجيء به الخامسة فقال: اقتلوه. قال جابر: فانطلقنا به إلى مربد النعم فاستلقى على ظهره فقتلناه ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة، وفي إسناده مصعب بن ثابت، وقد قال النسائي ليس بالقوي، وهذا الحديث منكر ولا أعلم فيه حديثًا صحيحًا. ورواه النسائي والحاكم عن الحارث بن حاطب الجمحي وأبو نعيم في الحلية عن عبد الله بن زيد الجهني، وقال ابن عبد البر: حديث القتل منكر لا أصل له، وقال الشافعي: منسوخ لا خلاف فيه عند أهل العلم اهـ.
وهذا لا دلالة فيه أصلًا على ما ادّعاه من مراده على ما لا يخفى، ولئن سلمنا ذلك كان عليه أن يلحق ذلك في مجموعه المذكور عقب قوله ذلك ليسلم من وصمة الإطلاق إذ المراد لا يدفع الإيراد لكنا لا نسلمه فتأمله.
(فقال موسى: ستجدني إن شاء الله صابرًا) على ما أرى منك غير منكر عليك وعلق الوعد بالمشيئة للتيمن أو علمًا منه بشدّة الأمر وصعوبته فإن مشاهدة الفساد شيء لا يطاق. (ولا أعصي لك أمرًا) أي ولا أخالفك في شيء (فقال له الخضر فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء) تنكره مني ولم تعلم وجه صحته (حتى أحدث لك منه ذكرًا) حتى أبدأك أنا به قبل أن تسألني (فانطلقا) لما توافقا واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره عليه حتى يبدأ به (يمشيان على ساحل البحر فمرت سفينة فكلموهم) أي موسى والخضر ويوشع كلموا أصحاب السفينة (أن يحملوهم فعرفوا) أي أصحاب السفينة (الخضر فحملوه) أي الخضر ومن معه ولأبي ذر فحملوهم، وله أيضًا فحملوا أي الثلاثة وهو مبني لما لم يسم فاعله (بغير نول) بفتح النون بغير أجر إكرامًا للخضر (فلما ركبا) موسى والخضر (في السفينة) لم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالإصالة (لم يفجأ) موسى عليه الصلاة والسلام بعد أن صارت السفينة في لجّة البحر (إلا والخضر قد قلع لوحًا من ألواح السفينة بالقدوم) بفتح القاف وضم الدال المهملة المخففة فانخرقت (فقال له موسى) منكرًا عليه بلسان الشريعة هؤلاء (قوم حملونا) ولأبي ذر: قد حملونا (بغير نول عمدت) بفتح الميم (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها) قيل اللام في لتغرق للعلة ورجح كونها للعاقبة كقوله:
لدوا للموت وابنوا للخراب
(لقد جئت شيئًا إمرًا) عظيمًا أو منكرًا (قال) الخضر مذكرًا لما مر من الشرط (ألم أقل أنك لن تستطيع معي صبرًا) استفهام إنكاري. (قال) موسى للخضر (لا تؤاخذني بما نسيت) من وصيتك.
وفي هذا النسيان أقوال:
أحدها: أنه على حقيقته لما رأى فعله المؤدي إلى إهلاك الأموال والأنفس فلشدة غضبه لله نسي ويؤيده قوله عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث قريبًا وكانت الأولى من موسى نسيانًا.
الثاني: أنه لم ينس ولكنه من المعاريض وهو مروي عن ابن عباس لأنه إنما رأى العهد في أن يسأل لا في إنكار هذا الفعل فلما عاتبه الخضر بقوله: إنك لن تستطيع قال: لا تؤاخذني بما نسيت أي في الماضي ولم يقل أني نسيت وصيتك.
الثالث: أن النسيان بمعنى الترك وأطلقه عليه لأن النسيان سبب للترك إذ هو من ثمراته أي لا تؤاخذني بما تركته مما عاهدتك عليه فإن المرة الواحدة معفوّ عنها ولا سيما إذا كان لها سبب ظاهر.
(ولا ترهقني من أمري عسرًا) لا تضايقني بهذا القدر فتعسر مصاحبتك أو لا تكلفني ما لا أقدر عليه (قال) أبي بن كعب (وقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت الأولى) ولأبي ذر عن الكشميهني وكانت في الأولى (من موسى نسيانًا. قال وجاء عصفور) بضم العين (فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له) أي لموسى (الخضر ما علمي وعلمك من علم الله) أي من معلومه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي في علم الله (إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر) ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا ولا ريب أن علم الله لا يدخله نقص (ثم خرجا من السفينة) بعد أن اعتذر موسى له وسأله أن لا يرهقه من أمره عسرًا وقبل عذره وأجاب سؤاله وأدامه على الصحبة (فبينا) بغير ميم (ما يمشيان على الساحل إذ بصر الخضر) بفتح الموحدة وضم الصاد المهملة (غلامًا يلعب مع الغلمان) قيل اسمه جيسور وقيل حيسور وقيل حنسور وقيل حيسون وقيل شمعون وقيل غير ذلك مما لم يثبت ولعل المفسرين نقلوه من كتب أهل الكتاب (فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه بيده) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني برأسه فاقتلعه (فقتله فقال له موسى) لما شاهد ذلك منه منكرًا عليه أشد من الأول (أقتلت نفسًا زاكية) بالألف والتخفيف وهي قراءة الحرميين وأبي عمرو واسم فاعل من زكا أي طاهرة من الذنوب ووصفها بهذا الوصف لأنه لم يرها أذنبت أو لأنها صغيرة لم تبلغ الحنث لكن قوله (بغير نفس) يردّه إذ لو كان لم يحتلم لم يجب قتله بنفس ولا بغير نفس وقرأه الباقون بالتشديد من غير ألف أخرجوه إلى فعيلة للمبالغة لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة. وحكى القرطبي عن صاحب العروس والعرائس أن موسى عليه الصلاة والسلام لما قال للخضر أقتلت نفسًا زاكية غضب الخضر واقتلع كتف الصبي الأيسر وقشر اللحم عنه وإذا في عظم كتفه مكتوب كافر لا يؤمن بالله أبدًا. (لقد جئت شيئًا نكرًا) منكرًا تنكره العقول وتنفر عنه النفوس وهو أبلغ في تقبيح الشيء من الأمر وقيل بالعكس لأن الأمر هو الداهية العظيمة (قال) الخضر (ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا) قال في الكشاف: فإن قلت: ما معنى زيادة لك قلت زيادة المكافحة بالعتاب على رفض الوصية والوسم بقلة الصبر عند الكرة الثانية. (قال) أبي سفيان بن عيينة كما في كتاب العلم (وهذا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي هذه (أشد من الأولى) لما فيها من زيادة لك (قال) موسى له (إن سألتك عن شيء بعدها) أي بعد هذه المرة أو بعد هذه القصة فأعاد الضمير عليها وإن كانت لم يتقدم لها ذكر صريح حيث كانت في ضمن القول (فلا تصاحبني) وإن طلبت صحبتك (قد بلغت من لدني عذرًا) أي قد أعذرت إليّ مرة بعد أخرى فلم يبق موضع للاعتذار (فانطلقا) بعد المرتين الأوليين (حتى إذا أتيا أهل قرية) قيل هي أنطاكية أو أذربيجان أو الأبلّة أو بوقة أو ناصرة أو جزيرة الأندلس. قال في الفتح وهذا الاختلاف قريب من الاختلاف في المراد بمجمع البحرين وشدّة التباين في ذلك تقتضي أن لا يوثق بشيء من ذلك وعند مسلم من رواية أبي إسحاق أهل قرية لئامًا أي بخلاء فطافا المجالس (استطعما أهلها) واستضافوهم (فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا) عرضه خمسون ذراعًا في مائة ذراع بذراعهم قاله الثعلبي وقال غيره سمكه مائتا ذراع وظله على وجه الأرض خمسمائة ذراع وعرضه خمسون (يريد أن ينقض) إسناده الإرادة إلى الجدار على سبيل الاستعارة فإن الإرادة للجدار لا حقيقة لها وقد كان أهل القرية يمرون تحته خائفين (قال) في معنى ينقض أنه (مائل فقام الخضر فأقامه بيده) أي فردّه إلى حالة الاستقامة وهذا خارق ولأبي ذر فقال الخضر بيده فأقامه (فقال موسى) لما رأى من شدة الحاجة والاضطرار والافتقار إلى المطعم وحرمان أصحاب الجدار لهم (قوم أتيناهم) فاستطعمناهم واستضفناهم (فلم يطعمونا ولم يضيفونا لو شئت لاتخذت) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وفتح الخاء وهي قراءة غير أبي عمرو وابن كثير (عليه أجرًا) أي جعلًا نستعين به في عشائنا (قال) الخضر له (هذا فراق بيني وبينك) بإضافة الفراق إلى البين إضافة المصدر إلى الظرف على الاتساع (إلى قوله ذلك تأويل ما لم تستطع عليه صبرًا) أي هذا التفسير أي المذكور في الآية ما ضقت به ذرعًا ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء (فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بفتح الواو وكسر الدال الأولى وسكون الثانية (أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما) إذ لو صبر لرأى أعجب الأعاجيب. (قال سعيد بن جبير) بالسند السابق (فكان ابن عباس يقرأ: {وأما الغلام فكان كافرًا وكان أبواه مؤمنين}) [الكهف: 80] وهذه قراءة شاذة لمخالفتها المصحف العثماني لكنها كالتفسير.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم وأخرجه المؤلّف في أكثر من عشرة مواضع من كتابه الجامع). [إرشاد الساري: 7/216-221] (م)

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ أخبرهم، قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيد بن جبيرٍ، قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته، إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عبّاسٍ، جعلني اللّه فداءك، بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له: نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل، أمّا عمرٌو فقال لي: قال: قد كذب عدوّ اللّه، وأمّا يعلى فقال لي: قال ابن عبّاسٍ، حدّثني أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " موسى رسول اللّه عليه السّلام، قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون، ورقّت القلوب، ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه، هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه، قيل: بلى، قال: أي ربّ، فأين؟ قال: بمجمع البحرين، قال: أي ربّ، اجعل لي علمًا أعلم ذلك به - فقال لي عمرٌو - قال: حيث يفارقك الحوت - وقال لي يعلى - قال: خذ نونًا ميّتًا، حيث ينفخ فيه الرّوح، فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلّا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلّفت كثيرًا فذلك قوله جلّ ذكره: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] يوشع بن نونٍ - ليست عن سعيدٍ - قال: فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان، إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ، فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره، وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر، فأمسك اللّه عنه جرية البحر، حتّى كأنّ أثره في حجرٍ - قال لي عمرٌو: هكذا كأنّ أثره في حجرٍ، وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما - {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] ، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب - ليست هذه عن سعيدٍ أخبره - فرجعا فوجدا خضرًا - قال لي عثمان بن أبي سليمان - على طنفسةٍ خضراء، على كبد البحر - قال سعيد بن جبيرٍ - مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه، وطرفه تحت رأسه، فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه، وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: فما شأنك؟ قال: جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا، قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك يا موسى، إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه، وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه، فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر، وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلّا كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر، حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا، تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر، عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح - قال: قلنا لسعيدٍ: خضرٌ؟ قال: نعم - لا نحمله بأجرٍ، فخرقها ووتد فيها وتدًا، قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها، لقد جئت شيئًا إمرًا} [الكهف: 71]- قال مجاهدٌ: منكرًا - (قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا) ، كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا، والثّالثة عمدًا، {قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} [الكهف: 73] ، لقيا غلامًا فقتله - قال يعلى: قال سعيدٌ: وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين - {قال: أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث - وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً (زاكيةً) : مسلمةً كقولك غلامًا زكيًّا - فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ، فأقامه - قال سعيدٌ بيده هكذا، ورفع يده فاستقام، قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال: فمسحه بيده فاستقام - {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77]- قال سعيدٌ: أجرًا نأكله - {وكان وراءهم} [الكهف: 79] وكان أمامهم - قرأها ابن عبّاسٍ: أمامهم ملكٌ، يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد، والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ - {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا} [الكهف: 79] ، فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها، فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها - ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ، ومنهم من يقول بالقار - {كان أبواه مؤمنين} وكان كافرًا {فخشينا أن يرهقهما طغيانًا، وكفرًا} [الكهف: 80] أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه، (فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً) لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] {وأقرب رحمًا} [الكهف: 81] هما به أرحم منهما بالأوّل، الّذي قتل خضرٌ - وزعم غير سعيدٍ: أنّهما أبدلا جاريةً، وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال: عن غير واحدٍ: إنّها جاريةٌ - "). [صحيح البخاري: 6/89-91] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا كذا وقع هنا مختصرًا وفي رواية سفيان فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال الدّاوديّ هذه الرّواية وهمٌ وكأنّه فهم أنّ الفتى لم يخبر موسى إلّا بعد يومٍ وليلةٍ وليس ذلك المراد بل المراد أنّ ابتداءها من يوم خرجا لطلبه ويوضّح ذلك ما في رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فلمّا تجاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال ولم يصبه نصبٌ حتّى تجاوزا وفي رواية سفيان المذكورة ولم يجد موسى النّصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر اللّه به). [فتح الباري: 8/416]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قال قد قطع اللّه عنك النّصب ليست هذه عن سعيد هو قول بن جريجٍ ومراده أنّ هذه اللّفظة ليست في الإسناد الّذي ساقه قوله أخّره كذا عند أبي ذرٍّ بهمزةٍ ومعجمةٍ وراءٍ وهاءٍ ثمّ في نسخةٍ منه بمدّ الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء ضميرٍ أي إلى آخر الكلام وأحال ذلك على سياق الآية وفي أخرى بفتحاتٍ وتاء تأنيثٍ منوّنةٍ منصوبةٍ وفي رواية غير أبي ذرٍّ أخبره بفتح الهمزة وسكون الخاء ثمّ موحّدةٍ من الإخبار أي أخبر الفتى موسى بالقصّة ووقع في رواية سفيان فقال له فتاه أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فساق الآية إلى عجبا قال فكان للحوت سربًا ولموسى عجبًا ولابن أبي حاتمٍ من طريق قتادة قال عجب موسى أن تسرّب حوتٌ مملّحٌ في مكتلٍ قوله فرجعا فوجدا خضرًا في رواية سفيان فقال موسى ذلك ما كنّا نبغ أي نطلب وفي روايةٍ للنّسائيّ هذه حاجتنا وذكر موسى ما كان اللّه عهد إليه يعني في أمر الحوت قوله فارتدّا على آثارهما قصصا قال رجعا يقصان آثارهما أي آثار سيرهما حتّى انتهيا إلى الصّخرة زاد النّسائيّ في روايةٍ له الّتي فعل فيها الحوت ما فعل وهذا يدلّ على أنّ الفتى لم يخبر موسى حتّى سارا زمانًا إذ لو أخبره أوّل ما استيقظ ما احتاجا إلى اقتصاص آثارهما قوله فوجدا خضرًا تقدّم ذكر نسبه وشرح حاله في أحاديث الأنبياء وفي رواية سفيان حتّى انتهيا إلى الصّخرة فإذا رجلٌ وزعم الدّاوديّ أنّ هذه الرّواية وهمٌ وأنّهما إنّما وجداه في جزيرة البحر قلت ولا مغايرة بين الرّوايتين فإنّ المراد أنّهما لمّا انتهيا إلى الصّخرة تتبّعاه إلى أن وجداه في الجزيرة ووقع في رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فأراه مكان الحوت فقال ها هنا وصف لي فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتمٍ من طريق الرّبيع بن أنسٍ قال إنجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوّةً فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر وروى بن أبي حاتم من طريق العوفيّ عن بن عبّاسٍ قال فرجع موسى حتّى أتى الصّخرة فوجد الحوت فجعل موسى يقدّم عصاه يفرّج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمسّ شيئًا من البحر إلّا يبس حتّى يصير صخرةً فجعل موسى يعجب من ذلك حتّى انتهى إلى جزيرةٍ في البحر فلقي الخضر ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال بلغنا عن بن عبّاسٍ أنّ موسى دعا ربّه ومعه ماءٌ في سقاءٍ يصبّ منه في البحر فيصير حجرا فيأخذ فيه حتّى انتهى إلى صخر فصعدها وهو يتشوّف هل يرى الرّجل ثمّ رآه قوله قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسة خضراء القائل هو بن جريج وعثمان هو بن أبي سليمان بن جبير بن مطعمٍ وهو ممّن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبيرٍ وروى عبد بن حميدٍ من طريق بن المبارك عن بن جريجٍ عن عثمان بن أبي سليمان قال رأى موسى الخضر على طنفسةٍ خضراء على وجه الماء انتهى والطّنفسة فرشٌ صغيرٌ وهي بكسر الطّاء والفاء بينهما نونٌ ساكنةٌ وبضمّ الطّاء والفاء وبكسر الطّاء وبفتح الفاء لغاتٌ قوله قال سعيد بن جبيرٍ مسجًّى بثوبه هو موصولٌ بالإسناد المذكور وفي رواية سفيان فإذا رجلٌ مسجًّى بثوبٍ وفي رواية مسلمٍ مسجًّى ثوبًا مستلقيًا على القفا ولعبد بن حميدٍ من طريق أبي العالية فوجده نائمًا في جزيرةٍ من جزائر البحر ملتفًّا بكساءٍ ولابن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر عن السّدّيّ فرأى الخضر وعليه جبّةٌ من صوفٍ وكساءٌ من صوفٍ ومعه عصًا قد ألقى عليها طعامه قال وإنّما سمّي الخضر لأنّه كان إذا أقام في مكانٍ نبت العشب حوله انتهى وقد تقدّم في أحاديث الأنبياء حديث أبي هريرة رفعه إنّما سمّي الخضر لأنّه جلس على فروةٍ بيضاء فإذا هي تهتزّ تحته خضراء والمراد بالفروة وجه الأرض قوله فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه في رواية أبي إسحاق عند مسلمٍ فقال السّلام عليكم فكشف الثّوب عن وجهه وقال وعليكم السّلام قوله وقال هل بأرضي من سلامٍ في رواية الكشميهنيّ بأرضٍ بالتّنوين وفي رواية سفيان قال وأنّى بأرضك السّلام وهي بمعنى أين أو كيف وهو استفهام استبعادٍ يدلّ على أنّ أهل تلك الأرض لم يكونوا إذ ذاك مسلمين ويجمع بين الرّوايتين بأنّه استفهمه بعد أن ردّ عليه السّلام قوله من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم وسقط من رواية سفيان قوله من أنت وفي رواية أبي إسحاق قال من أنت قال موسى قال من موسى قال موسى بني إسرائيل ويجمع بينهما بأنّ الخضر أعاد ذلك تأكيدًا وأمّا ما أخرجه عبد بن حميدٍ من طريق الرّبيع بن أنسٍ في هذه القصّة فقال موسى السّلام عليك يا خضر فقال وعليك السّلام يا موسى قال وما يدريك أنّي موسى قال أدراني بك الّذي أدراك بي وهذا إن ثبت فهو من الحجج على أنّ الخضر نبيٌّ لكن يبعد ثبوته قوله في الرّواية الّتي في الصّحيح من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل الحديث قوله قال فما شأنك في رواية أبي إسحاق قال ما جاء بك قوله جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قرأ أبو عمرٍو بفتحتين والباقون كلّهم بضمّ أوّله وسكون ثانيه والجمهور على أنّهما بمعنًى كالبخل والبخل وقيل بفتحتين الدّين وبضمٍّ ثمّ سكونٍ صلاح النّظر وهو منصوبٌ على أنّه مفعولٌ ثانٍ لتعلّمني وأبعد من قال إنّه لقوله علّمت قوله أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك سقطت هذه الزّيادة من رواية سفيان فالّذي يظهر أنّها من رواية يعلى بن مسلمٍ قوله يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه أي جميعه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه أي جميعه وتقدير ذلك متعيّنٌ لأنّ الخضر كان يعرف من الحكم الظّاهر ما لا غنى بالمكلّف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي ووقع في رواية سفيان يا موسى إنّي على علمٍ من علم اللّه علّمنيه لا تعلمه أنت وهو بمعنى الّذي قبله وقد تقدّمت الإشارة إلى ذلك في كتاب العلم قوله في رواية سفيان قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا كذا أطلق بالصّيغة الدّالّة على استمرار النّفي لما أطلعه اللّه عليه من أنّ موسى لا يصبر على ترك الإنكار إذا رأى ما يخالف الشّرع لأنّ ذلك شأن عصمته ولذلك لم يسأله موسى عن شيءٍ من أمور الدّيانة بل مشى معه ليشاهد منه ما اطّلع به على منزلته في العلم الّذي اختصّ به وقوله وكيف تصبر استفهامٌ عن سؤالٍ تقديره لم قلت إنّي لا أصبر وأنا سأصبر قال كيف تصبر وقوله ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصى لك قيل استثنى في الصّبر فصبر ولم يستثن في العصيان فعصاه وفيه نظرٌ وكأنّ المراد بالصّبر أنّه صبرٌ عن اتّباعه والمشي معه وغير ذلك لا الإنكار عليه فيما يخالف ظاهر الشّرع وقوله فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرا في رواية العوفيّ عن بن عبّاسٍ حتّى أبيّن لك شأنه قوله فأخذ طائرٌ بمنقاره تقدّم شرحه في كتاب العلم وظاهر هذه الرّواية أنّ الطّائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى ما يتعلّق بعلمهما ورواية سفيان تقتضي أنّ ذلك وقع بعد ما خرق السّفينة ولفظه كانت الأولى من موسى نسيانًا قال وجاء عصفورٌ فوقع على حرف السّفينة فنقر في البحر نقرةً فقال له الخضر إلخ فيجمع بأنّ قوله فأخذ طائرٌ بمنقاره معقّبٌ بمحذوفٍ وهو ركوبهما السّفينة لتصريح سفيان بذكر السّفينة وروى النّسائيّ من وجه آخر عن بن عبّاسٍ أنّ الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطّائر قال لا قال يقول ما علمكما الّذي تعلمان في علم اللّه إلّا مثل ما أنقص بمنقاري من جميع هذا البحر وفي رواية هارون بن عنترة عند عبد بن حميدٍ في هذه القصّة قال أرسل ربّك الخطّاف فجعل يأخذ بمنقاره من الماء ولابن أبي حاتمٍ من طريق السّدّيّ قال الخطّاف ولعبد بن حميدٍ من طريق أبي العالية قال رأى هذا الطّائر الّذي يقال له النّمر ونقل بعض من تكلّم على البخاريّ أنّه الصّرد). [فتح الباري: 8/416-418]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أنّ ابن جريج أخبرهم قال أخبرني يعلى بن مسلمٍ وعمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال إنّا لعند بن عبّاسٍ في بيته إذ قال سلوني قلت أي أبا عباسٍ جعلني الله فداءك بالكوفة رجلٌ قاص يقال له نوفٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمروٌ فقال لي قال قد كذب عدوّ الله وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاس حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم موسى رسول الله عليه السّلام قال ذكّر النّاس يوماً حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال أي رسول الله هل في الأرض أحدٌ أعلم منك قال لا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله قيل بلى قال أي ربّ فأين قال بمجمع البحرين قال أي ربّ اجعل لي أعلم علماً ذالك به فقال لي عمروٌ قال حيث يفارقك الحوت وقال لي يعلى خذ نوناً ميّتاً حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتاً فجعله في مكتلٍ فقال لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني حيث يفارقك الحوت قال ما كلّفت كثيراً فذالك قوله جلّ ذكره وإذ قال موسى لفتاه يوشع بن نونٍ ليست عن سعيدٍ قال فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه لا أوقظه حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبرة وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجر قال لي عمروٌ هاكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما لقد لقينا من سفرنا هاذا نصباً قال قد قطع الله عنك النّصب ليست هاذه عن سعيدٍ أخبره فرجعا فوًّجدا خضراً قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر قال سعيد بن جبيرٍ مسجّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال هل بأرضي من سلامٍ من أنت قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشداً قال أما يكفيك أن التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ علماً لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلاّ كما أخذ هاذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغاراً تحمل أهل هاذا السّاحل إلى أهل هاذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا عبد الله الصّالح قال قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتداً قال موسى أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً قال مجاهدٌ منكراً قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً كانت الأولى نسياناً والوسطى شرطاً والثّانية عمداً قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً لقيا غلاماً فقتله قال يعلى قال سعيدٌ وجد غلماناً يلعبون فأخذ غلاماً كافراً ظريفاً فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال أقتلت نفساً زكيّةً بغير نفسٍ لم تعمل بالحنث وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً زاكيةً مسلمةً كقولك غلاماً زاكياً فانطلقا فوجدا جداراً يريد أن ينقضّ فأقامه قال سعيدٌ بيده هاكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى حسبت أنّ سعيداً قال فمسحه بيده فاستقام لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال سعيدٌ أجراً نأكله وكان وراءهم وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بدد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصباً فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافراً فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً لقوله أقتلت نفساً زكيّةً وأقرب رحماً هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة لأنّه في توضيحها، وهو طريق آخر برواية آخرين وبزيادة ونقصان في المتن أخرجه عن إبراهيم بن موسى أبو إسحاق الفراء الرّازيّ المعروف بالصغير، عن هشام بن يوسف الصّنعانيّ قضينها عن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج عن يعلى، بفتح الياء آخر الحروف وسكون العين المهملة وفتح اللّام وبالقصر: ابن مسلم بلفظ إسم الفاعل من الإسلام ابن هرمز إلى آخره.
قوله: (يزيد أحدهما على صاحبه) أي: أحد المذكورين وهما: يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار فقط، وهو أحد شيخي ابن جريج فيه، وهنا ابن جريج يروي عن يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار. قوله: (وغيرهما قد سمعته يحدثه عن سعيد) ، هذا من كلام ابن جريج، أي: غير يعلى بن مسلم وعمرو بن دينار قد سمعته يحدث هذا الحديث عن سعيد بن جبير، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله: (وغيرهما) وهو: عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم القرشي المكّيّ رضي الله عنه، فإن قلت: كيف إعراب هذا؟ قلت: (غيرهما) مبتدأ، وقوله: (قد سمعته) جملة وقعت خبرا، والضّمير المنصوب فيه يرجع إلى لفظ: غير، وقوله: (يحدثه) جملة وقعت حالا، ووقع في رواية الكشميهني: يحدث، بحذف الضّمير المنصوب. قوله: (عن سعيد) ، أي: سعيد بن جبير رضي الله عنه. قوله: (لعند ابن عبّاس) ، اللّام فيه مفتوحة للتّأكيد أي: قال سعيد بن جبير: أنا كنت عند عبد الله بن عبّاس حال كونه في بيته. قوله: (أي أبا عبّاس) ، أي: يا أبا عبّاس! وأبو عبّاس كنية عبد الله بن عبّاس. قوله: (بالكوفة رجل قاص) ، هكذا رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: إن بالكوفة رجلا قاصا، والقاص بتشديد الصّاد الّذي يقص النّاس الأخبار من المواعظ وغيرها. قوله: (أما عمرو فقال لي: كذب عدو الله) أراد أن ابن جريج قال: أما عمرو بن دينار فإنّه قال لي في روايته، قال ابن عبّاس: كذب عدو الله، وأشار بهذا إلى أن هذه الكلمة لم تقع في رواية يعلى ابن مسلم، ولهذا قال: وأما يعلى، أي ابن مسلم الرّاوي، فإنّه قال لي: قال ابن عبّاس إلى آخره. قوله: (ذكر النّاس) ، بتشديد الكاف من التّذكير. قوله: (ولى) ، أي: رجع إلى حاله. قوله: (فقال: أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي: يا رسول الله، قاله لموسى عليه الصّلاة والسّلام. قوله: (قيل: بلى) ، أي: بلى في الأرض أحد أعلم منك، وفي رواية مسلم: (إن في الأرض رجلا هو أعلم منك) ، ووقع في رواية سفيان: فأوحى الله إليه أن لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك، وعلم من هاتين الروايتن أن القائل في قوله: بلى، هو الله تعالى فأوحى الله إليه بذلك. قوله: (أي رب، فأين؟) يعني: يا رب أين هو؟ في أي مكان؟ وفي رواية سفيان: يا رب، فكيف لي به؟ وفي رواية النّسائيّ: فأدلني على هذا الرجل حتّى أتعلم منه. قوله: (علما) ، بفتح العين واللّام، أي: علامة. قوله: (أعلم ذلك به) ، أي: أعلم المكان الّذي أطلبه بالعلم. قوله: (فقال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج الرّاوي، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (حيث يفارقك الحوت) ، أي: العلم على ذلك المكان الّذي يفارقك فيه الحوت، ووقع ذلك مفسرًا في رواية سفيان عن عمرو، وقال: تأخذ معك حوتاً فتجعله في مكتل فحيث ما فقدت الحوت فهو ثمّ. قوله: (قال لي) ، يعني: القائل هو ابن جريج، أي: قال لي يعلى بن مسلم في روايته: خذ نوناً أي حوتاً، ولفظ: نوناً، وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: حوتاً، وفي رواية مسلم: تزود حوتاً مالحاً فإنّه حيث تفقد الحوت. قوله: (حيث ينفخ فيه) ، أي: في النّون (الرّوح) يعني حيث تفقده في المكان الّذي يحيى الحوت. قوله: (فأخذ نوناً) أي: فأخذ موسى حوتاً، ووقع في رواية ابن أبي حاتم أن موسى ويوشع فتاه اصطاداه. قوله: (فقال لفتاه) ، وهو يوشع بن نون. قوله: (ما كلفت كثيرا) بالثاء المثلّثة، وفي رواية الكشميهني بالباء الموحدة. قوله: (ليست عن سعيد، القائل به هو ابن جريج، أراد بذلك أن تسمية الفتى ليست عن رواية سعيد ابن جبير. قوله: (ثريان) ، بفتح الثّاء المثلّثة وسكون الرّاء وتخفيف الياء آخر الحروف على وزن فعلان من الثرى، وهو التّراب الّذي فيه نداوة. قوله: (تضرب) أي: اضطرب، وفي رواية سفيان: واضطرب الحوت في المكتل فسقط في البحر وفي رواية مسلم فاضطرب الحوت في الماء. قوله: (وموسى نائم) جملة حالية. قوله: (حتّى إذا استيقظ نسي أن يخبره) ، فيه حذف تقديره: حتّى إذا استيقظ سار فنسي. قوله: (في حجر) ، بفتح الحاء المهملة والجيم ويروى بضم الجيم وسكون الحاء المهملة، وهو أوضح، قوله: (قال لي عمرو) ، القائل هو ابن جريج، أي: قال لي عمرو بن دينار. قوله: (واللتين تليانهما) ، يعني: السبابتين، وهكذا وقع في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: وحلق بين إبهاميه فقط. قوله: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) ، وقع هنا مختصرا، وفي رواية سفيان: فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما حتّى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه: آتنا غداءنا، لقد لقينا من فرنا هذا نصبا. قوله: قال: قد قطع الله عنك النصب، هذا من قول ابن جريج وليست هذه اللّفظة عن سعيد بن جبير. قوله: (أخبره) ، بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الباء الموحدة والرّاء وهاء الضّمير، هكذا في رواية من الإخبار، قال بعضهم: أي: أخبر الفتى موسى بالقصة قلت: ما أظن أن هذا المعنى صحيح، والّذي يظهر لي أن المعنى نفي الإخبار عن سعيد بهذه اللّفظة لمن روى عنه، وفي رواية لأبي ذر آخره بهمزة ومعجمة وراء وهاء، وفي أخرى بمد الهمزة وكسر الخاء وفتح الرّاء بعدها هاء الضّمير أي: إلى آخر الكلام. وفي أخرى بفتحات وتاء تأنيث منونة منصوبة، قال لي عثمان بن أبي سليمان: القائل ابن جريج، يقول: قال لي عثمان، وقد مرت ترجمته عن قريب. قوله: (على طنفسة) ، وهي فرش صغير، وقيل: بساط له خمل، وفيها لغات كسر الطّاء والفاء بينهما نون ساكنة، وضم الطّاء والفاء وكسر الطّاء وفتح الفاء. قوله: (على كبد البحر) ، أي: على وسطه، وهذه الرّواية القائلة بأنّه كان في وسط البحر، غريبة. قوله: (هل بأرضي من سلام) ، وفي رواية الكشميهني: (هل بأرض) . قوله: (ما شأنك؟) أي: ما الّذي تطلب ولما جئت؟ قوله: (رشدا) ، قرأ أبو عمرو بفتحتين والباقون كلهم بضم أوله وسكون ثانيه، والجمهور على أنّهما بمعنى. قوله: (معابر) ، جمع معبرة وهي السفن الصغار. قوله: (خضرًا) ، أي: هو خضر. قوله: (قالوا: هذا لسعيد بن جبير، قال: نعم، قيل: القائل بذلك يعلى بن مسلم، والله أعلم. قوله: (ووتدها) بفتح الواو وتشديد التّاء المثنّاة من فوق أي: جعل فيها وتداً، وفي رواية سفيان: قلع لوحاً بالقدوم، والجمع بين الرّوايتين أنه: قلع اللّوح وجعل مكانه وتداً، وروى عبد بن حميد من رواية ابن المبارك عن ابن جريج عن يعلى بن مسلم: جاء بودحين خرقها، والود بفتح الواو وتشديد الدّال لغة في: الوتد قلت: الوتد إنّما كان للإصلاح ودفع نفوذ الماء، وفي رواية أبي العالية: فحرق السّفينة فلم يره أحد إلاّ موسى. ولو رآه القوم لحالوا بينه وبين ذلك. قوله: (قال مجاهد منكرا) ، وصل ابن المنذر: هذا التّعليق عن عليّ بن المبارك عن زيد بن ثور عن ابن جريج عن مجاهد. قوله: (نسيانا) ، حيث قال: لا تؤاخذوني بما نسيت، وشرطاً حيث قال: إن سألتك عن شيء بعدها، وعمدا حيث قال: لو شئت لاتخذت عليه أجرا، قوله: (لقيا غلاما) في رواية سفيان: فبينما هما يمشيان على ساحل البحر إذا أبصر الخضر غلاما. قوله: (قال يعلى) ، هو يعلى بن مسلم الرّاوي وسعيد هو ابن جبير. قوله: (ثمّ ذبحه بالسكين) ، فإن قلت: قال أولا: فقتله، ثمّ قال: فذبحه، وفي رواية سفيان: فاقتلعه بيده. قلت: لا منافاة بينهما لأنّه لعلّه قطع بعضه بالسكين ثمّ قلع الباقي والقتل يشملهما. قوله: (لم يعمل بالحنث) ، بكسر الحاء المهملة وسكون النّون وبالثاء المثلّثة وهو الإثم والمعصية. قوله: (قرأها) كذا هو في رواية أبي ذر، وفي رواية غيره: وكان ابن عبّاس يقرؤها: زكية، وهي قراءة الجمهور، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو: زاكية. قوله: (مسلمة) ، بضم الميم وسكون السّين وكسر اللّام عند الأكثرين، ولبعضهم بفتح السّين وتشديد اللّام المفتوحة. قوله: (فانطلقا) ، أي: موسى وخضر عليهما السّلام. قوله: (يزعمون عن غير سعيد) ، القائل بهذا هو ابن جريج، ومراده أن إسم الملك الّذي كان يأخذ السفن لم يقع في رواية سعيد بن جبير، وعزاه ابن خالويه في كتاب: (ليس) لمجاهد. قوله: (هدد) بضم الهاء وحكى ابن الأثير فتحها والدّال مفتوحة بلا خلاف. قوله: (بدد) ، بفتح الباء الموحدة، وقال الكرماني بضم الباء والدّال مفتوحة، وزعم ابن دريد أن هدد اسم ملك من ملوك حمير زوجه سليمان بن داود عليهما السّلام، بلقيس. قيل: إن ثبت هذا حمل على التّعدّد والاشتراك في الإسم لبعد ما بين مدّة سليمان وموسى عليهما السّلام، وجاء في تفسير مقاتل: أن اسمه منولة بن الجلندي بن سعيد الأزديّ، وقيل: هو الجلندي، وكان بجزيرة الأندلس. قوله: (والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور) ، القائل بذلك هو ابن جريج، وجيسور، بفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف وضم السّين المهملة، كذا هو في رواية عن أبي ذر، وفي رواية أخرى له عن الكشميهني بفتح الهاء المهملة وسكون الياء آخر الحروف، وكذا في رواية ابن السكن، وفي رواية القابسيّ بنون بدل الياء آخر الحروف، وعند عبدوس بنون بدل الرّاء، وعن السّهيلي أنه رآه في نسخة بفتح المهملة والموحّدة ونونين الأولى مضمومة بينهما الواو الساكنة، وفي تفسير الضّحّاك: اسمه حشرد، وفي تفسير الكلبيّ: اسم الغلام شمعون. قوله: (يأخذ كل سفينة غصبا) ، وفي رواية النّسائيّ: كل سفينة صالحة، وفي رواية إبراهيم بن بشار عن سفيان، وكان ابن مسعود يقرأ: كل سفينة صحيحة غصبا. قوله: (فأردت إذا هي مرت به أن يدعها) ، أي: أن يتركها لأجل عيبها، وفي رواية النّسائيّ: فأردت أن أعيبها حتّى لا يأخذها. قوله: (فإذا جاوزوا) أي: عدوا عن الملك أصلحوها، وفي رواية النّسائيّ: فإذا جاوزوه رقعوها. قوله: (بقارورة) ، بالقاف وهي: الزّجاج، وقال الكرماني: كيفيّة السد بالقارورة غير معلومة، ثمّ وجهه بوجهين: أحدهما: أن تكون قارورة بقدر الموضع المخروق فتوضع فيه، والآخر: يسحق الزّجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به، وقال بعضهم، بعد أن ذكر الوجه الثّاني: فيه بعد. قلت: لا بعد فيه، لأنّه غير متعذر ولا متعسر، والبعد في الّذي قاله هو أن القارورة فاعولة من القار. قوله: (بالقار) ، بالقاف والرّاء وهو الزفت، وهذا أقرب من القول الأول. قوله: (كان أبواه) أي: أبوا الغلام. قوله: (أن يرهقهما) أي: يلحقهما. وقوله: (فخشينا) إلى قوله: (من دينه) من تفسير ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير. انتهى. قوله: (أن يحملهما) ، يجوز أن يكون بدلا من قوله: (أن يرهقهما) ويجوز أن يكون التّقدير: بأن يحملهما. وقوله: (حبه) بالرّفع فاعله. قوله: (خيرا منه) أي: من الغلام المقتول. قوله: (زكاة) نصب على التميز، وإنّما ذكرها للمناسبة بينها وبين قوله: (نفسا زكية) أشار إلى ذلك بقوله: {أقتلت نفسا زكية} (الكهف: 74) ولما وصف موسى نفس الغلام بالزكية وذكر الله تعالى بقوله: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} (الكهف: 81) وفي التّفسير قوله: (زكاة) أي صلاحاً وإسلاماً ونماء. قوله: (وأقرب رحما) قال الثّعلبيّ: من الرّحم والقرابة، وقيل: هو من الرّحمة، وعن ابن عبّاس: أوصل للرحم وأبر بوالديه، وعن الفراء: أقرب أن يرحماه، وقيل: من الرّحم، بكسر الحاء أشد مبالغة من الرّحمة الّتي هي رقة القلب والتعطف لاستلزام القرابة، الرقة غالبا من غير عكس، وقال الكرماني: وظن بعضهم أنه مشتقّ من الرّحم الّذي هو الرّحمة، وغرضه أنه يعني القرابة لا الرقة، وعند البعض بالعكس. قوله: (هما به أرحم منهما بالأول) ، أي: الأبوان المذكوران به أي: بالّذي يبدل من المقتول أرحم منهما بالأول، وهو المقتول. قوله: (وزعم غير سعيد من قول ابن جريج) ، أي: زعم غير سعيد بن جبير أنّهما أي الأبوين أبدلا جارية بدل المقتول، وروي عن سعيد أيضا: أنّها جارية، على ما جاء وفي رواية النّسائيّ من طريق ابن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس: أبدلهما جارية فولدت نبيا من الأنبياء، وفي رواية الطّبرانيّ: ببنين، وعن السّديّ: ولدت جارية، فولدت نبيا، وهو الّذي كان بعد موسى، فقالوا له: إبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، واسم هذا النّبي شمعون، واسم أمه حنة. فإن قلت: روى ابن مردويه من حديث أبي بن كعب أنّها ولدت غلاما. قلت: إسناده ضعيف، وفي تفسير ابن الكلبيّ: ولدت جارية ولدت عدّة أنبياء فهدى الله بهم أمماً، وقيل: عدّة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيا. قوله: (وأما داود بن أبي عاصم) إلى آخره من قول ابن جريج أيضا، وداود بن أبي عاصم بن عروة بن مسعود الثّقفيّ ثقة من صغار التّابعين، وله أخ يسمى: يعقوب، هو أيضا ثقة من التّابعين). [عمدة القاري: 19/43-47] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثنا إبراهيم بن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، أنّ ابن جريجٍ، أخبرهم قال: أخبرني يعلى بن مسلمٍ، وعمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ يزيد أحدهما على صاحبه وغيرهما قد سمعته يحدّثه عن سعيدٍ قال: إنّا لعند ابن عبّاسٍ في بيته إذ قال: سلوني؟ قلت: أي أبا عبّاسٍ -جعلنى اللّه فداك- بالكوفة رجلٌ قاصٌّ يقال له نوقٌ يزعم أنّه ليس بموسى بني إسرائيل أمّا عمرٌو فقال لي قال: قد كذب عدوّ اللّه وأمّا يعلى فقال لي قال ابن عبّاسٍ: حدّثني أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- «موسى رسول اللّه - عليه السّلام - قال: ذكّر النّاس يومًا حتّى إذا فاضت العيون ورقّت القلوب ولّى فأدركه رجلٌ فقال: أي رسول اللّه هل في الأرض أحدٌ أعلم منك؟ قال: لا، فعتب عليه إذ لم يردّ العلم إلى اللّه قيل: بلى، قال: أي ربّ فأين؟ قال بمجمع البحرين، قال: أي ربّ اجعل لي علمًا أعلم ذلك به -فقال لي عمرٌو:- فقال لي عمروٌ: حيث يفارقك الحوت -وقال لي يعلى: قال: «خذ نونًا ميّتًا حيث ينفخ فيه الرّوح فأخذ حوتًا فجعله في مكتلٍ فقال: لفتاه لا أكلّفك إلاّ أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال: ما كلّفت كثيرًا؟ فذلك قوله جلّ ذكره {وإذ قال موسى} لفتاه يوشع بن نونٍ" ليست عن سعيدٍ قال: "فبينما هو في ظلّ صخرةٍ في مكانٍ ثريان إذ تضرّب الحوت وموسى نائمٌ فقال فتاه: لا أوقظه حتّى إذا استيقظ فنسى أن يخبره وتضرّب الحوت حتّى دخل البحر فأمسك اللّه عنه جرية البحر حتّى كأنّ أثره في حجرٍ- قال لي عمرٌو هكذا كأنّ أثره في حجرٍ وحلّق بين إبهاميه واللّتين تليانهما "لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا، قال: قد قطع اللّه عنك النّصب" -ليست هذه عن سعيدٍ أخبره- "فرجعا فوجدا خضرًا" قال لي عثمان بن أبي سليمان على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر -قال سعيد بن جبيرٍ- "مسجًّى بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلّم عليه موسى فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضي من سلامٍ من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم. قال: فما شأنك؟ قال جئت لتعلّمني ممّا علّمت رشدًا قال: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك وأنّ الوحي يأتيك يا موسى إنّ لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه وإنّ لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه فأخذ طائرٌ بمنقاره من البحر وقال: واللّه ما علمي وما علمك في جنب علم اللّه إلاّ كما أخذ هذا الطّائر بمنقاره من البحر حتّى إذا ركبا في السّفينة وجدا معابر صغارًا تحمل أهل هذا السّاحل إلى أهل هذا السّاحل الآخر عرفوه فقالوا: عبد اللّه الصّالح قال: قلنا لسعيدٍ خضرٌ قال: نعم لا نحمله بأجرٍ فخرقها ووتد فيها وتدًا قال موسى: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا} "قال مجاهدٌ: منكرًا، " {قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا} كانت الأولى نسيانًا والوسطى شرطًا والثّالثة عمدًا، " {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} {لقيا غلامًا فقتله} قال يعلى قال سعيدٌ: "وجد غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا كافرًا ظريفًا فأضجعه ثمّ ذبحه بالسّكّين قال: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ} [الكهف: 74] لم تعمل بالحنث؟ وكان ابن عبّاسٍ قرأها زكيّةً. زاكيةً - مسلمةً " {فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه} " [الكهف: 77] قال سعيدٌ بيده هكذا ورفع يده فاستقام قال يعلى: حسبت أنّ سعيدًا قال "فمسحه بيده فاستقام {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا} [الكهف: 77] قال سعيدٌ أجرًا نأكله {وكان وراءهم} وكان أمامهم قرأها ابن عبّاسٍ أمامهم ملكٌ يزعمون عن غير سعيدٍ أنّه هدد بن بددٍ والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسورٌ {ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا فأردت} [الكهف: 79] إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول: سدّوها بقارورةٍ ومنهم من يقول: بالقار كان أبواه مؤمنين وكان كافرًا فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكفرًا أن يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه فأردنا أن يبدّلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا لقوله: {أقتلت نفسًا زكيّةً} [الكهف: 74] وأقرب رحمًا هما به أرحم منهما بالأوّل الّذي قتل خضرٌ وزعم غير سعيدٍ أنّهما أبدلا جاريةً وأمّا داود بن أبي عاصمٍ فقال عن غير واحدٍ إنّها جاريةٌ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) اليماني قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) بن هرمز المكي البصري الأصل (وعمرو بن دينار عن سعيد بن جبير يزيد أحدهما على صاحبه) قال الحافظ ابن حجر: فتستفاد زيادة أحدهما على الآخر من الإسناد الذي قبله فإن الأوّل من رواية سفيان عن عمرو بن دينار فقط وهو أحد شيخي ابن جريج فيه (وغيرهما) هو من كلام ابن جريج أي وغير يعلى وعمرو (قد سمعته) حال كونه (يحدثه) أي يحدث الحديث المذكور (عن سعيد) وكان الأصل أن يقول يحدث به لكنه عداه بغير الباء، ولأبي ذر عن الكشميهني يحدث بحذف الضمير المنصوب، وقد عين ابن جريج بعض من أبهمه في قوله وغيرهما كعثمان بن أبي سليمان، وروى شيئًا من هذه القصة عن سعيد بن جبير من مشايخ ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خثيم وعبد الله بن هرمز وعبد الله بن عبيد بن عمير، وممن روى هذا الحديث عن سعيد بن جبير أبو إسحاق السبيعي وروايته عند مسلم وأبي داود وغيرهما والحكم بن عتيبة وروايته في السيرة الكبرى لابن إسحاق كما نبه على ذلك في الفتح وفي رواية أبي ذر عن سعيد بن جبير أنه (قال: إنا لعند ابن عباس) حال كونه (في بيته) واللام في لعند للتأكيد (إذ قال: سلوني) قال سعيد بن جبير (قلت أي أبا عباس) يعني يا أبا عباس وهي كنية عبد الله بن عباس (جعلني الله فداك بالكوفة رجل قاص) بتشديد الصاد المهملة يقص على الناس الأخبار من المواعظ وغيرها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن بالكوفة رجلًا قاصًّا (يقال له نوف) بفتح النون وسكون الواو آخره فاء منونًا منصرفًا في الفصحى بطن من العرب وعلى تقدير أن يكون أعجميًّا فمنصرف نوح لسكون وسطه واسمه فضالة وهو ابن امرأة كعب الأحبار (يزعم أنه) أي موسى صاحب الخضر (ليس بموسى بن إسرائيل) المرسل إليهم والباء زائدة للتوكيد وأضيف إلى بني إسرائيل مع العلمية لأنه نكر بأن أول بواحد من الأمة المسماة به ثم أضيف إليه قال ابن جريج (أما عمرو) يعني ابن دينار (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال) أي ابن عباس (قد كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وسقط لأبي ذر قال قد (وأما يعلى) بن مسلم (فقال لي) في تحديثه لي عن سعيد (قال ابن عباس حدثني) بالإفراد (أبي بن كعب قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-): هو (موسى رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) وفي الفرع أصله عليه السلام (قال ذكر الناس يومًا) بتشديد الكاف من التذكير أي وعظهم (حتى إذا فاضت العيون) بالدموع (ورقت القلوب) لتأثير وعظه في قلوبهم (ولى) تخفيفًا لئلا يملوا وهذا ليس في رواية سفيان فظهر أنه من رواية يعلى بن مسلم عن عمرو وقال العوفي عن ابن عباس فيما ذكره ابن كثير لما ظهر موسى وقومه على مصر أمره الله أن يذكرهم بأيام الله فخطبهم فذكرهم إذ أنجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوّهم وقال كلم الله موسى نبيكم تكليمًا واصطفاه لنفسه وأنزل عليه محبة منه وآتاكم من كل ما سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض (فأدركه رجل) لم يسم (فقال) موسى (أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك؟ قال: لا).
فإن قلت: هل بين هذا وبين قوله في رواية سفيان السابقة هنا فسئل أي الناس أعلم فقال أنا فرق؟ أجيب بأن بينهما فرقًا لأن رواية سفيان تقتضي الجزم بالأعلمية له وهذه تنفي الأعلمية عن غيره عليه فيبقى احتمال المساواة قاله في الفتح.
(فعتب) بفتح العين (عليه إذ لم يردّ العلم إلى الله) في الرواية السابقة وغيرها فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه على التقديم والتأخير (قيل بلى) زاد في رواية الحر بن قيس عبدنا خضر ولمسلم من رواية أبي إسحاق أن في الأرض رجلًا هو أعلم منك (قال) موسى (أي رب فأين) أي فأين أجده أو فأين هو وللنسائي فادللني على هذا الرجل حتى أتعلم منه ولأبي ذر وأين (قال بمجمع البحرين) بحري فارس والروم أو بحري الشرق والمغرب المحيطين بالأرض أو العذب والملح (قال) موسى (أي رب اجعل لي علمًا أعلم ذلك) المطلوب (منه) وفي نسخة به قال ابن جريج (فقال) ولأبي ذر قال (لي عمرو) هو ابن دينار (قال): العلم على ذلك المكان (حيث يفارقك الحوت) فإنك تلقاه (وقال لي يعلى) بن مسلم (قال: خذ نونًا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي خذ حوتًا (ميتًا) ولمسلم في رواية أبي إسحاق فقيل له تزود حوتًا مالحًا فإنه حيث يفقد الحوت (حيث ينفخ فيه) أي في الحوت (الروح) بيان لقوله حيث يفارقك الحوت (فأخذ) موسى (حوتًا) ميتًا مملوحًا وقيل شق حوت مملح ولابن أبي حاتم أن موسى وفتاه اصطاداه (فجعله في مكتل فقال لفتاه لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت قال) فتاه (ما كلفت) أي ما كلفتني (كثيرًا) بالمثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني كبيرًا بالموحدة (فذلك قوله جل ذكره {وإذ قال موسى لفتاه} يوشع بن نون) بالصرف قال ابن جريج (ليست) تسمية الفتى (عن سعيد) هو ابن جبير (قال فبينما) بالميم (هو) أي موسى وفتاه تبع له (في ظل صخرة) حال كونه (في مكان ثريان) بمثلثة مفتوحة وراء ساكنة فتحتية مفتوحة وبعد الألف نون صفة لمكان مجرور بالفتحة لا ينصرف لأنه من باب فعلان فعلى أو منصوب حالًا من الضمير المستتر في الجار والمجرور ويجوز ثريانًا بالنصب حالًا كما مر وبالتنوين منصرفًا على لغة بني أسد لأنهم يصرفون كل صفة على فعلان ويؤنثونه بالتاء ويستغنون فيه بفعلاته عن فعلى فيقولون سكرانة وغضبانة فلم تكن الزيادة عندهم في فعلان شبيهة بألفي حمراء فلم تمنع من الصرف وفي بعض الأصول ثريان بالجر صفة لمكان وبالتنوين ما مر وهو من الثرى قال: في النهاية يقال مكان ثريان وأرض ثريى إذا كان في ترابهما بلل وندى (إذ تضرب الحوت) بضاد معجمة وراء مشددة تفعل أي اضطرب وتحرك إذ حيي في المكتل (و) الحال إن (موسى نائم) عند الصخرة (فقال فتاه) يوشع (لا أوقظه حتى إذا استيقظ) سار (فنسي) بالفاء ولغير أبي ذر نسي بحذفها (أن يخبره) بحياة الحوت (وتضرب الحوت) أي اضطرب سائرًا من المكتل (حتى دخل البحر) وفي نسخة في البحر (فأمسك الله عنه) عن الحوت (جرية البحر حتى كأن أثره) نصب بكأن (في حجر) بفتح الحاء والجيم خبرها.
قال ابن جريج: (قال لي عمرو) هو ابن دينار (هكذا كأن أثره في حجر) بتقديم الجيم المفتوحة على الحاء المفتوحة على كشط في الفرع مصححًا عليها وفي اليونينية وغيرها بتقديم المهملة وفتحهما وفي نسخة بالفرع وأصله حجر بجيم مضمومة فمهملة ساكنة قال ابن حجر وهي أوضح (وحلق بين إبهاميه واللتين تليانهما) يعني الوسطى والتي بعدها ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والتي ولأبي ذر أيضًا أخرة تليانهما بفتح الهمزة والخاء المعجمة والراء يعني الوسطي (لقد لقينا) فيه حذف اختصره وقع مبينًا في رواية سفيان فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كانا من الغد قال موسى لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا (من سفرنا هذا نصبًا) تعبًا ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمر الله به (قال) فتى موسى له: (فد قطع الله عنك النصب).
قال ابن جريج: (ليست هذه عن سعيد) هو ابن جبير (أخبره) بسكون المعجمة وموحدة مفتوحة من الإخبار أي أخبر يوشع موسى بقصة تضرب الحوت وفقده الذي هو علامة على وجود الخضر (فرجعا) في الطريق الذي جاءا فيه يقصان آثارهما قصصًا حتى انتهيا إلى الصخرة التي حيي الحوت عندها (فوجدا خضرًا) نائمًا في جزيرة من جزائر البحر.
قال ابن جريج: (قال لي عثمان بن أبي سليمان) بن جبير بن مطعم وهو ممن أخذ هذا الحديث عن سعيد بن جبير (على طنفسة خضراء) بكسر الطاء المهملة والفاء بينهما نون ساكنة ولأبي ذر طنفسة بفتح الفاء ويجوز ضم الطاء والفاء وكلها لغات أي فرش صغير أو بساط له خمل (على كبد البحر) أي وسطه وعند عبد بن حميد من طريق ابن المبارك عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان قال: رأى موسى الخضر على طنفسة خضراء على وجه الماء وعند ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس أنه وجده في جزيرة في البحر (قال) ولأبي ذر فقال: (سعيد بن جبير) بالإسناد السابق (مسجى) بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الجيم منونة أي مغطى كله (بثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه) الآخر (تحت رأسه) وعند ابن أبي حاتم عن السدي فرأى الخضر وعليه جبة من صوف وكساء من صوف ومعه عصا قد ألقى عليها طعامه (فسلم عليه موسى فكشف) الثوب (عن وجهه) زاد مسلم في رواية أبي إسحاق وقال وعليكم السلام (وقال: هل بأرضي من سلام) لأنهم كانوا كفارًا أو كانت تحيتهم غير السلام ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني هل بأرض بالتنوين ثم قال الخضر لموسى (من أنت؟ قال: أنا موسى قال) له: (أموسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال: فما شأنك)؟ أي ما الذي تطلب (قال: جئت) إليك (لتعلمني مما علمت رشدًا) أي علمًا ذا رشد (قال) الخضر يا موسى (أما يكفيك أن التوراة بيديك) بالتثنية (وأن الوحي يأتيك) من الله على لسان جبريل وهذه الزيادة ليست في رواية سفيان فالظاهر أنها من رواية يعلى بن مسلم (يا موسى إن لي علمًا لا ينبغي لك أن تعلمه) أي كله (وإن لك علمًا لا ينبغي لي أن أعلمه) أي كله وتقدير هذا ونحوه متعين كما قال في الفتح لأن الخضر كان يعرف من الحكم الظاهر ما لا غنى للمكلف عنه وموسى كان يعرف من الحكم الباطن ما يأتيه بطريق الوحي. وقال البرماوي كالكرماني: وإنما قال لا ينبغي لي أن أعلمه لأنه إن كان نبيًا فلا يجب عليه تعلم شريعة نبي آخر وإن كان وليًا فلعله مأمور بمتابعة نبي غيره وقوله يا موسى ثابت لأبي ذر عن الحموي ساقط لغيره (فأخذ طائر) عصفور (بمنقاره من البحر) ماء (وقال) بالواو ولأبي ذر فقال أي الخضر: (والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر).
وفي الرواية السابقة ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ولفظ النقص ليس على ظاهره، وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما أخذه العصفور بمنقاره إلى ماء البحر وهذا على التقريب إلى الإفهام وإلاّ فنسبة علمهما إلى علم الله أقل.
وروى النسائي من وجه آخر عن ابن عباس أن الخضر قال لموسى أتدري ما يقول هذا الطائر؟ قال: لا. قال: يقول ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا مثل ما نقص منقاري من جميع هذا البحر وظاهر هذه الرواية كما في الفتح أن الطائر نقر في البحر عقب قول الخضر لموسى يا موسى إن لي علمًا. وفي رواية سفيان أن ذلك وقع بعد ما خرق السفينة فيجمع بأن قوله فأخذ طائر بمنقاره معقب بمحذوف وهو ركوبهما السفينة لتصريح سفيان بذكر السفينة.
(حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر) بفتح الميم والعين المهملة وبعد الألف موحدة مكسورة فراء غير منصرف أي سفنًا (صغارًا) قال في الفتح وجدا معابر تفسير لقوله ركبا في السفينة لا جواب إذا لأن وجودهما المعابر كان قبل ركوبهما السفينة وقال ابن إسحاق بسنده إلى ابن عباس فيما ذكره ابن كثير في تفسيره فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن ولا أجمل ولا أوثق منها (تحمل أهل هذا الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر عرفوه) أي أهل السفينة عرفوا الخضر (فقالوا) هو (عبد الله الصالح قال): يحتمل أن يكون القائل يعلى بن مسلم (قلنا لسعيد) هو ابن جبير (خضر) أي هو خضر (قال: نعم) هو خضر (لا نحمله بأجر) أي بأجرة (فخرقها) بأن قلع لوحًا من ألواحها بالقدوم (ووتد فيها وتدًا) بتخفيف الفوقية الأولى مفتوحة وكسر الثانية مخففة ولأبي ذر وتد فيها بإسقاط الواو الأولى أي جعل فيها وتدًا مكان اللوح الذي قلعه (قال موسى) له: (أخرقتها لتغرق أهلها) اللام للعاقبة (لقد جئت شيئًا إمرًا).
(قال مجاهد) فيما رواه ابن جريج عنه في قوله إمرًا (منكرًا) ووصله عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عنه مثله قيل ولم يسمع ابن جريج من مجاهد (قال) الخضر: ({ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرًا}) أي لما ترى مني من الأفعال المخالفة لشريعتك لأني على علم من علم الله ما علمكه الله وأنت على علم من علم الله ما علمنيه الله فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه قاله ابن كثير (كانت الأولى) في رواية سفيان قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم- وكانت بإثبات الواو (نسيانا) أي من موسى حيث قال لا تؤاخذني بما نسيت (والوسطى) حيث قال إن سألتك عن شيء بعدها (شرطًا، والثالثة) حيث قال لو شئت لاتخذت عليه أجرًا (عمدًا قال) موسى (لا تؤاخذني بما نسيت) أي تركت من وصيتك (ولا ترهقني من أمري عسرًا) أي لا تشدد علي ({لقيا غلامًا) في رواية سفيان السابقة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلامًا ({فقتله}) الفاء للدلالة على أنه لما لقيه قتله من غير ترو واستكشاف حال فالقتل تعقب اللقاء.
(قال يعلى) بن مسلم بالإسناد السابق (قال سعيد) هو ابن جبير (وجد) أي الخضر (غلمانًا يلعبون فأخذ غلامًا) منهم (كافرًا ظريفًا) بالظاء المعجمة (فأضجعه ثم ذبحه بالسكين) بكسر المهملة (قال) موسى منكرًا عليه أشد من الأولى (أقتلت نفسًا زكية) بحذف الألف والتشديد وهي قراءة ابن عامر والكوفيين (بغير نفس لم تعمل بالحنث) بالحاء المهملة المكسورة والنون الساكنة لأنها لم تبلغ الحلم وهو تفسير لقوله زكية أي أقتلت نفسًا زكية لم تعمل الحنث بغير نفس ولأبي ذر لم تعمل الخبث بخاء معجمة وموحدة مفتوحتين.
(وكان ابن عباس) ولأبي ذر وابن عباس (قرأها زكية) بالتشديد (زاكية) بالتخفيف والمشددة أبلغ لأن فعيلًا المحوّل من فاعل يدل على المبالغة كما مر (زاكية) أي (مسلمة) بضم الميم وكسر اللام (كقولك غلامًا زكيًّا) بالتشديد وهذا تفسير من الراوي وأطلق ذلك موسى على حسب ظاهر حال الغلام لكن قال البرماوي وفي بعضها مسلمة بفتح المهملة واللام المشددة قال السفاقسي وهو أشبه لأنه كان كافرًا (فانطلقا فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) أن يسقط والإرادة هنا على سبيل المجاز (فأقامه) الخضر (قال سعيد) من رواية ابن جريج عن عمرو بن دينار عنه (بيده) بالإفراد أي أقامه الخضر بيده (هكذا ورفع يده فاستقام. قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا) يعني ابن جبير (قال فمسحه بيده) بالإفراد أيضًا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بيديه بالتثنية (فاستقام)، وقيل دعمه بدعامة تمنعه من السقوط أو هدمه وبل طينًا وأخذ في بنائه إلى أن كمل وعاد كما كان وكلها حكايات حال لا تثبت إلا بنقل صحيح والذي دل عليه القرآن الإقامة لا الكيفية وأحسن هذه الأقوال أنه مسحه أو دفعه بيده فاعتدل لأن ذلك أليق بحال الأنبياء وكرامات الأولياء إلا أن يصح عن الشارع أنه هدمه وبناه فيصار إليه (لو شئت) أي قال موسى للخضر: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا كما في رواية سفيان لو شئت (لاتخذت) بتشديد التاء بعد وصل الهمزة (عليه) أي على تسوية الجدار (أجرًا قال سعيد أجرًا نأكله) أي جعلا نأكل به وإنما قال موسى: ذلك لأنه كان حصل له جهد كبير من فقد الطعام وخشى أن يختلط قوام البنية البشرية (وكان وراءهم) أي (وكان) ولأبي ذر وكان وراءهم ملك وكان (أمامهم قرأها ابن عباس أمامهم ملك) وهي قراءة شاذة مخالفة للمصحف لكنها مفسرة كقوله من ورائه جهنم وقول لبيد:
أليس ورائي إن تراخت منيتي = لزوم العصا تحنى عليها الأصابع
قال أبو عليّ: إنما جاز استعمال وراء بمعنى أمام على الاتساع لأنها جهة مقابلة لجهة وكانت كل واحدة من الجهتين وراء الأخرى إذا لم يرد معنى المواجهة والآية دالة على أن معنى وراء أمام لأنه لو كان بمعنى خلف كانوا قد جاوزوه فلا يأخذ سفينتهم قال ابن جريج: (يزعمون عن غير سعيد) يعني ابن جبير (أنه) أي الملك الذي كان يأخذ السفن غصبًا اسمه (هدد بن بدد) بضم الهاء وفتح الدال الأولى وبدد بضم الموحدة وفتح الدال الأولى أيضًا مصروف ولأبي ذر بدد غير مصروف. وحكى ابن الأثير فتح هاء هدد وباء بدد قال الحافظ ابن كثير: وهو مذكور في التوراة في ذرية العيص بن إسحاق وهو من الملوك المنصوص عليهم في التوراة (الغلام) بغير واو وفي اليونينية والغلام (المقتول اسمه يزعمون جيسور) بجيم مفتوحة فتحتية ساكنة فسين مهملة وبعد الواو الساكنة راء، ولأبي ذر عن الكشميهني حيسور بالحاء بدل الجيم وعند القابسي حنسور بنون بدل التحتية وعند عبدوس حيسون بنون بدل الراء ({ملك يأخذ كل سفينة غصبًا}) وفي قراءة أبي كل سفينة صالحة غصبًا رواه النسائي وكان ابن مسعود يقرأ كل سفينة صحيحة غصبًا (فأردت إذا هي مرّت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا) أي جاوزوا الملك (أصلحوها فانتفعوا بها) وبقيت لهم (ومنهم من يقول سدوها بقارورة ومنهم من يقول بالقار) وهو الزفت واستشكل التعبير بالقارورة إذ هي من الزجاج وكيف يمكن السد به فقيل يحتمل أن توضع قارورة بقدر الموضع المخروق فيه أو يسحق الزجاج ويخلط بشيء كالدقيق فيسد به وهذا قاله الكرماني. قال في الفتح: ولا يخفى بعده قال: وقد وجهت بأنها فاعولة من القار (كان أبواه) يعني الغلام المقتول (مؤمنين) بالتثنية للتغليب يريد أباه وأمه فغلب المذكر كالقمرين (وكان) هو (كافرًا) طبع على الكفر وهذا موافق لمصحف أبيّ وقوّة الكلام تشعر به لأنه لو لم يكن الولد كافرًا لم يكن لقوله وكان أبواه مؤمنين فائدة إذ لا مدخل لذلك في القصة لولا هذه الفائدة والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في تلك الشريعة واجبًا لأن أخذ الجزية لم يشرع إلا في شريعتنا وكان أبواه قد عطفا عليه.
(فخشينا أن يرهقهما) أي أن يغشاهما وعظم نفسه لأنه اختص من عند الله بموهبة لا يختص بها إلا من هو من خواص الحضرة وقال بعضهم لما ذكر العيب أضافه إلى نفسه وأضاف الرحمة في
قوله أراد ربك إلى الله تعالى وعند القتل عظم نفسه تنبيهًا على أنه من العظماء في علوم الحكمة، ويجوز أن يكون فخشينا حكاية لقول الله تعالى، والمعنى أن الله تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سره وقال له اقتل الغلام لأنا نكره كراهية من خاف سوء العاقبة أن يغشى الغلام الوالدين المؤمنين (طغيانًا وكفرًا) قال ابن جريج عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير معناه (أن يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه) فإن حب الشيء يعمي ويصم، وقال أبو عبيدة في قوله يرهقهما أي يغشاهما.
وقال قتادة فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ولو بقي كان فيه هلاكهما فليرض المرء بقضاء الله فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب وصح في الحديث "لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرًا له" (فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرًا منه) أي أن يرزقهما بدله ولذا خيرًا منه (زكاة) طهارة من الذنوب والأخلاق الرديئة (وأقرب رحمًا) وذكر هذا مناسبة (لقوله: {أقتلت نفسًا زكية}) بالتشديد (وأقرب رحمًا) أي (هما) أي الأبوان (به) أي بالولد الذي سيرزقانه (أرحم منهما بالأول الذي قتل خضر). وقيل رحمة وعطفًا على والديه، وسقط لأبي ذر وأقرب رحمًا واقتصر على واحدة منهما. قال ابن جريج (وزعم غير سعيد) أي ابن جبير (أنهما أبدلا جارية) مكان المقتول فولدت نبيًّا من الأنبياء رواه النسائي ولابن أبي حاتم من طريق السدي قال: ولدت جارية فولدت نبيًّا وهو الذي كان بعد موسى فقالوا له ابعث لنا ملكًا نقاتل في سبيل الله واسم هذا النبي شمعون واسم أمه حنة. وفي تفسير ابن الكلبي فولدت جارية ولدت عدة أنبياء فهدى الله بهم أممًا وقيل عدة من جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيًّا وعند ابن مردويه من حديث أبيّ بن كعب أنها ولدت غلامًا لكن إسناده ضعيف كما قاله في الفتح قال ابن جريج.
(وأما داود بن أبي عاصم) أي ابن عروة الثقفي التابعي الصغير (فقال: عن غير واحد أنها جارية) وهذا هو المشهور وروي مثله عن يعقوب أخي داود مما رواه الطبري، وقال ابن جريج لما قتله الخضر كانت أمه حاملًا بغلام مسلم ذكره ابن كثير وغيره ويستنبط من الحديث فوائد لا تخفى على متأمل فلا نطيل بها). [إرشاد الساري: 7/221-226] (م)

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر، فقال: كذب عدوّ اللّه، حدّثنا أبيّ بن كعبٍ، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: " قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له: أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، وأوحى إليه: بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال: أي ربّ، كيف السّبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه، قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ، ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام، - قال سفيان: وفي حديث غير عمرٍو، قال: وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلّا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين - قال: فتحرّك وانسلّ من المكتل، فدخل البحر فلمّا استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} [الكهف: 62] الآية، قال: ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به، قال له فتاه يوشع بن نونٍ: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 63] الآية، قال: فرجعا يقصّان في آثارهما، فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت، فكان لفتاه عجبًا، وللحوت سربًا، قال: فلمّا انتهيا إلى الصّخرة، إذ هما برجلٍ مسجًّى بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، قال: وأنّى بأرضك السّلام، فقال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا؟ قال له الخضر: يا موسى، إنّك على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم اللّه علّمنيه اللّه لا تعلمه، قال: بل أتّبعك، قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا، فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهم سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ - يقول بغير أجرٍ - فركبا السّفينة، قال: ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم اللّه إلّا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها {لقد جئت} [الكهف: 71] الآية، فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فقطعه، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ، لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} [الكهف: 75] إلى قوله {فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- فقال بيده: هكذا - فأقامه، فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا، قال: هذا فراق بيني وبينك، سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 77] ، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما " قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرأ: «وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا، وأمّا الغلام فكان كافرًا»). [صحيح البخاري: 6/91-93] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ قال حدّثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى بنى إسرائيل ليس بموسى الخضر فقال كذب عدوّ الله حدّثنا أبيّ بن كعبٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قام موسى خطيباً في بني إسرائيل فقيل له أي النّاس أعلم قال أنا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه وأوحى إليه بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال أي ربّ كيف السّبيل إليه قال تأخذ حوتاً في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه قال فخرج موساى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان وفي حديث غير عمرٍ وقال وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلاّ حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال فتحرّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر كلّما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا الآية قال ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نونٍ أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت الآية قال فرجعا يقصّان في آثارهما فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت فكان لفتاه عجباً وللحوت سرباً قال فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذ هما برجلٍ مسجّى بثوبٍ فسلّم عليه موسى قال وأنّي بأرضك السّلام فقال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشداً قال له الخضر يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه قال بل أتّبعك قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهما سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ يقول بغير أجرٍ فركبا السّفينة قال ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره البحر فقال الخضر لموسى ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلاّ مقدار ما غمس هاذا العصفور منقاره قال فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى أقتلت نفساً زكيّة بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً إلى قوله فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فقال بيده هاكذا فأقامه فقال له موسى إنّا دخلنا هاذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال هاذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما قال وكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصباً وأمّا الغلام فكان كافراً..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. قوله: (قال لفتاه آتنا غداءنا) وهو طريق آخر في الحديث المذكور قبله، وهو عن قتيبة عن سفيان إلى آخره، وفيه بعض اختلاف في المتن ببعض زيادة وبعض نقصان، وفيه: حدثني قتيبة حدثني سفيان، ويروى: حدثنا قتيبة حدثنا سفيان، وفيه: عن عمرو بن دينار، وفي رواية الحميدي في الباب المتقدّم: حدثنا عمرو بن دينار.
قوله: (يقال لها الحياة) ، وهي المشهورة بين النّاس: بماء الحياة وعين الحياة. قوله: (فلم يفجأ) ، ويروى: فلم يفج، ووجهه أن الهمزة تخفف فتصير ألفا فتحذف بالجازم نحو: لم يخش. قوله: (وكان ابن عبّاس يقرأ) إلى آخره، ووافقه عليها عثمان أيضا). [عمدة القاري: 19/47-48] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ، حدّثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى نبي الله ليس بموسى الخضر فقال: كذب عدوّ اللّه حدّثنا أبيّ بن كعبٍ عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه وأوحى إليه بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ كيف السّبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام" -قال سفيان وفي حديث غير عمرٍو قال: "وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلاّ حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال- فتحرّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر فلمّا استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} [الكهف: 62] الآية قال: ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نونٍ: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 63] الآية قال: فرجعا يقصّان في آثارهما فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت فكان لفتاه عجبًا وللحوت سربًا قال: فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذ هما برجلٍ مسجًّى بثوبٍ فسلّم عليه موسى قال: وأنّى بأرضك السّلام؟ فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا؟ قال له الخضر: يا موسى إنّك على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه وأنا على علمٍ من علم اللّه علّمنيه اللّه لا تعلمه قال: بل أتّبعك قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهما سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ" -يقول بغير أجرٍ- "فركبا السّفينة قال: ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره البحر فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم اللّه إلاّ مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا * قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} [الكهف: 74 و75] إلى قوله: {فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} فقال بيده هكذا {فأقامه} [الكهف: 77] فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا (77) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 77، 78] فقال رسول اللّه: «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما». قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وأمّا الغلام فكان كافرًا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر أيضًا حدّثنا (سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام الحافظ الحجة تغير حفظه بأخرة وربما دلس عن الثقات وهو من أثبت الناس في عمرو بن دينار (عن عمرو بن دينار) المكي الجمحي مولاهم (عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه (قال: قلت لابن عباس أن نوفًا) كذا في اليونينية وفي الفرع نوف بغير ألف (البكالي) بكسر الموحدة نسبة إلى بني بكال بطن من حمير ونوف بغير صرف وصرفه أشهر كما مر ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى نبي الله) المرسل إلى بني إسرائيل كذا في الفرع موسى نبي الله والذي في اليونينية يزعم أن موسى نبي بني إسرائيل (ليس بموسى الخضر) بل موسى آخر (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وعبّر بذلك للزجر والتحذير لا قدحًا فيه (حدّثنا أبي بن كعب عن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): (قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل) يذكرهم بنعم الله عليهم وعليه يذكر ما أكرمه الله به من رسالته وتكريمه وتفضيله (فقيل له: أي الناس أعلم) أي منهم (قال) ولأبي ذر فقال: (أنا) أي أعلم (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) كان يقول الله أعلم (وأوحى إليه) بفتح الهمزة والحاء (بلى عبد من عبادي) كائن (بمجمع البحرين هو أعلم منك) أي بشيء مخصوص والعالم بالعلم الخاص لا يلزم منه أن يكون أعلم من العالم بالعلم العام (قال: أي رب كيف السبيل إليه) أي إلى لقائه (قال: تأخد حوتًا في مكتل فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف (فاتبعه) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني فاتبعه بسكون الفوقية وفتح الموحدة أي اتبع أثر الحوت فإنك ستلقى العبد الأعلم (قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون) مجرور بالإضافة منصرف كنوح على الفصحى (ومعهما الحوت) المأمور به (حتى انتهيا إلى الصخرة) التي عند مجمع البحرين (فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق (وفي حديث غير عمرو) لعل الغير المذكور كما قال في الفتح قتادة لما عند ابن أبي حاتم من طريقه (قال وفي أبي الصخرة عين يقال لها) ولأبي الوقت والأصيلي له (الحياة) بتاء التأنيث آخره (لا يصيب من مائها شيء) من الحيوان (إلا حيي) وعند ابن إسحاق من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي لا تصيب بالفوقية أي العين شيئًا أي من الحيوان إلا حيي (فأصاب الحوت من) رشاش (ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر) ولعل هذه العين إن ثبت النقل فيها هي التي شرب منها الخضر فخلد كما قال به جماعة كما مر (فلما استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} الآية) أي بعد أن نسي الفتى أن يخبره بأن الحوت حيي وانطلاقهما سائرين بقية يومهما وليلتهما حتى كان من الغد قال له إذ ذاك آتنا غداءنا (قال ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به) فألقى الله عليه الجوع والنصب (قال له فتاه يوشع بن نون {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي أن أخبرك بخبره (الآية) إلى قوله: {ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64] (قال فرجعا يقصّان في آثارهما) حتى انتهيا إلى الصخرة (فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت) مفعول وجدا (فكان لفتاه عجبًا) إذ هو أمر خارق (وللحوت سربًا) مسلكًا وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: رجع موسى فوجد الحوت فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة (قال: فلما انتهيا إلى الصخرة إذا) والذي في اليونينية إذ (هما برجل مسجى) مغطى (بثوب) وفي رواية الربيع عن أنس عند ابن أبي حاتم قال انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوّة فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر (فسلم عليه موسى قال) الخضر بعد أن رد السلام عليه وكشف الثوب عن وجهه (وأنى) بهمزة نون مشددة مفتوحتين أي وكيف (بأرضك السلام) وأهلها كفار أو لم يكن السلام تحيتهم (فقال) موسى بعد أن قال له الخضر من أنت: (أنا موسى قال) الخضر (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال) له موسى: ({هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا}) أي علمًا ذا رشد أسترشد به (قال) ولأبي ذر فقال (له الخضر: يا موسى إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه (قال) موسى (بل أتبعك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هل والأولى أوضح ({قال}) الخضر: ({فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء}) تنكره ابتداء ({حتى أحدث لك منه ذكرًا}) حتى أبداك ببيانه (فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة) ولأبي ذر: بهم أي بموسى ويوشع والخضر (فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول) بفتح النون وسكون الواو (يقول بغير أجر) أي أجرة (فركبا السفينة) ولم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فركبا في السفينة (قال: ووقع عصفور) بضم العين (على حرف السفينة فغمس منقاره البحر) بنصبهما ولأبي ذر في البحر (فقال الخضر لموسى) ولأبي ذر: يا موسى (ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار) بالرفع (ما غمس هذا العصفور منقاره) وفي رواية ما نقص علمي وعلمك من علم الله والعلم يطلق ويراد به المعلوم وعلم الله لا يدخله نقص ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا فهو كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب
أي لا عيب فيهم.
(قال: فلم يفجأ موسى) بالهمزة (إذ عمد الخضر) بفتح الميم (إلى قدوم) بفتح القاف وتخفيف الدال أي الآلة المعروفة (فخرق السفينة فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت) بفتح الميم أيضًا (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية). وسقط لأبي ذر لقد جئت والآية (فانطلقا) بعد أن خرجا من السفينة (إذ هما بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني فأخذ الخضر رأسه بحذف الجار والنصب مفعول أخذ (فقطعه قال) ولأبي الوقت فقال الله موسى: {أقتلت نفسًا زكية} بالتشديد طاهرة ({بغير نفس}) قيل وكان القتل في أبلة بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة مدينة قرب بصرة وعبادان ({لقد جئت شيئًا نكرًا}) منكرًا ({قال}) الخضر: ({ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا}) وأتى بلك مع نكرًا بخلاف أمرًا قيل لأن النكر أبلغ لأن معه القتل الحتم بخلاف خرق السفينة فإنه يمكن تداركه (إلى قوله: {فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض}) أن يسقط (فقال) الخضر (بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القربة فلم يضيفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك}) قال في الأنوار: الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبني أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته ({سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا}) لكونه منكرًا من حيث الظاهر وقد كانت أحكام موسى كغيره من الأنبياء مبنيّة على الظواهر ولذا أنكر خرق السفينة وقتل الغلام إذ التصرف في أموال الناس وأرواحهم بغير حق حرام في الشرع الذي شرعه لأنبيائه عليهم السلام إذ لم يكلفنا إلى الكشف عن البواطن لما في ذلك من الحرج وأما وقوع ذلك من الخضر فالظاهر أنه قد شرع له أن يعمل بما كشف له من بواطن الأسرار واطلع عليه من حقائق الأستار فلما علم الخضر علمًا يقينًا أنه إن لم يعب السفينة بالخرق غصبها الملك وجب عليه ذلك دفعًا للضرر عن ملاكها إذ لو تركها ولم يعبها فاتت بالكلية عليهم بأخذ الملك لها وكذا قتل الغلام فإنه علم بالوحي أنه إن لم يقتله تبعه أبواه على الكفر لمزيد محبتهما له فكانت المضرة بقتله أيسر من إبقائه لا سيما والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في شريعتهم واجبًا لأن أخذ الجزية لم يكن سائغًا لهم وقد رزقهما الله خيرًا منه كما مرّ ولو ترك الجدار حتى يسقط ضاع مال أولئك الأيتام فكانت المصلحة التامة في إقامته ولعل ذلك كان واجبًا عليه.
(فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية (إن موسى صبر حتى يقص) بضم أوله وفتح آخره مبنيًّا للمفعول (علينا من أمرهما قال وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة) غير معيبة (غصبًا وأما الغلام فكان كافرًا) وقد سبق أن أمام يستعمل موضع وراء فهي مفسّرة للآية كما مرّ وقوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 80] فيه إشعار بأن الغلام كان كافرًا كما في هذه القراءة لكنها كقراءة أمامهم وصالحة من الشواذ المخالفة لمصحف عثمان والله الموفق). [إرشاد الساري: 7/227-229] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن رقبة، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قيل لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا يزعم أنّ موسى عليه السّلام الّذي ذهب يلتمس العلم ليس بموسى بني إسرائيل، قال: أسمعته يا سعيد؟ قال: نعم، قال: كذب نوفٌ، حدّثنا أبيّ بن كعبٍ، قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " إنّه بينا موسى عليه السّلام في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله نعماؤه وبلاؤه، قال: ما أعلم في الأرض رجلًا خيرًا منّي، وأعلم منّي " قال: " فأوحى الله إليه: إنّي أعلم بالخير من هو أو: عند من هو؟ إنّ في الأرض رجلًا هو أعلم منك، قال: يا ربّ فدلّني عليه، فقيل له: تزوّد حوتًا مالحًا، فإنّه حيث تفقد الحوت " قال: «فانطلق هو وفتاه حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فعمّي فانطلق وترك فتاه، فاضطرب الحوت في الماء، فجعل لا يلتمم عليه إلّا صار مثل الكوّة» قال: " فقال فتاه: ألا ألحق بنبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم فأخبره؟ " قال: " فنسي، فلمّا تجاوزا قال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] قال: «ولم يصبهم نصبٌ حتّى تجاوزا» قال: " فتذكّر فقال: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا قال ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} [الكهف: 64] فأراه مكان الحوت، فقال: هاهنا وصف لي، قال: فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر مسجًّى ثوبًا مستلقيًا على القفا، فقال: السّلام عليكم، فكشف الثّوب عن وجهه، فقال: وعليكم السّلام، من أنت؟ قال: أنا موسى، قال: ومن موسى؟ قال: موسى بني إسرائيل، قال: ما جاء بك؟ قال: جئت لتعلّمني {ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا} [الكهف: 66] شيءٌ أمرت أن أفعله، إذا رأيتني لم تصبر {قال ستجدني إن شاء الله صابرًا ولا أعصي لك أمرًا قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا حتّى إذا ركبا في السّفينة خرقها} [الكهف: 69] قال: انتحى عليها، قال له موسى عليه السّلام: {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا فانطلقا حتّى إذا لقيا} [الكهف: 71] غلمانًا يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرّأي فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرةً منكرةً {قال أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا} [الكهف: 74] فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «عند هذا المكان رحمة الله علينا وعلى موسى لولا عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ» قال: {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا} [الكهف: 76] ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه: رحمة الله علينا وعلى أخي هذا، رحمة الله علينا، قال: {فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ} [الكهف: 77] لئامًا فطافا في المجالس فـ {استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ فأقامه قال لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا أمّا السّفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} [الكهف: 77] إلى آخر الآية، فإذا جاء الّذي يتخيّرها وجدها منخرقةً فيجاوزها وأصلحوها بخشبةٍ، وأمّا الغلام فطبع يوم طبع كافرًا، كان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنّه أدرك أرهقهما {طغيانًا وكفرًا فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيرًا منه زكاةً وأقرب رحمًا وأمّا الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} [الكهف: 80] الآية "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/161-162]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا}.
يقول تعالى ذكره: فلمّا جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين {قال} موسى {لفتاه} يوشع {آتنا غداءنا} يقول: جئنا بغدائنا وأعطناه، وقال: آتنا غداءنا، كما يقال: أتى الغداء وأتيته، مثل ذهب وأذهبته.
{لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} يقول: لقد لقينا من سفرنا هذا عناءً وتعبًا، وقال ذلك موسى، فيما ذكر، بعد ما جاوز الصّخرة، لأنه ألقي عليه الجوع ليتذكّر الحوت، ويرجع إلى موضع مطلبه). [جامع البيان: 15/316]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه من طريق آخر عن سعيد بن جبير قال: إنا لعند ابن عباس في بيته إذ قال: سلوني، قلت: أي أبا عباس جعلني الله فداءك بالكوفة رجل قاص يقال له نوف يزعم أنه ليس بموسى بني إسرائيل، قال: كذب عدو الله حدثني أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن موسى عليه السلام ذكر الناس يوما حتى إذا فاضت العيون ورقت القلوب ولى فأدركه رجل فقال: أي رسول الله هل في الأرض أحد أعلم منك قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إلى الله تعالى، قيل: بلى، قال: أي رب فأين قال: بمجمع البحرين، قال: أي رب اجعل لي علما أعلم به ذلك، قال: خذ حوتا ميتا حيث ينفخ فيه الروح، فأخذ حوتا فجعله في مكتل فقال لفتاه: لا أكلفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، قال: ما كلفت كثيرا، قال: فبينا هو في ظل صخرة في مكان سريان أن تضرب الحوت وموسى نائم فقال فتاه: لا أوقظه، حتى إذا استيقظ نسي أن يخبره.
وتضرب الحوت حتى دخل البحر فأمسك الله عنه جرية البحر حتى كان أثره في حجر، قال موسى {لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: قد قطع الله عنك النصب فرجعا فوجدا خضرا على طنفسة خضراء على كبد البحر مسجى ثوبه قد جعل طرفه تحت رجليه وطرفه تحت رأسه فسلم عليه موسى فكسف عن وجهه وقال: هل بأرض من سلام، من أنت قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم، قال: فما شأنك قال: جئت لتعلمني مما علمت رشدا، قال: أما يكفيك أن التوراة بيديك وأن الوحي يأتيك يا موسى إن لي علما لا ينبغي أن تعلمه وإن لك علما لا ينبغي لي أعلمه، فأخذ طائر بمنقاره من البحر فقال: والله ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ الطير منقاره من البحر، حتى إذا ركبا في السفينة وجدا معابر صغارا تحمل أهل الساحل إلى أهل هذا الساحل الآخر فعرفوه فقالوا: عبد الله الصالح لا نحمله بأجر فخرقها ووتد فيها وتدا، قال موسى {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} كانت الأولى نسيانا والوسطة والثالثة عمدا {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} ووجد غلمانا يلعبون فأخذ غلاما كافرا ظريفا فأضجعه ثم ذبحه بالسكين فقال: {أقتلت نفسا زكية} لم تعمل الحنث، قال ابن عباس قرأها: {زكية} زاكية مسلمة كقولك: غلاما زكيا، {فانطلقا} {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال: بيده هكذا ورفع يده فاستقام {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال: أجر تأكله {وكان وراءهم ملك} قرأها ابن عباس وكان أمامهم ملك يزعمون مدد بن ندد والغلام المقتول اسمه يزعمون جيسور {ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} فأردت إذا هي مرت به أن يدعها لعيبها فإذا جاوزوا أصلحوها فانتفعوا بها ومنهم من يقول سدوها بالقار (فكان أبواه مؤمنين) وكان كافرا {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا} أي يحملهما حبه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} هما به أرحم منهما بالأول الذي قتله خضر، وزعم غير سعيد أنهما أبدلا جارية). [الدر المنثور: 9/580-583] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أن موسى عليه السلام شق الحوت وملحه وتغدى منه وتعشى فلما كان من الغد {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} ). [الدر المنثور: 9/607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا يزعم أن موسى ليس بصاحب الخضر فقال كذب عدو الله أخبرنا أبي بن كعب عن رسول الله أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فقيل له أي الناس أعلم فقال أنا فعتب عليه الله إذ لم يرد العلم إلى الله فقال الله بلى عبد لي عند مجمع البحرين قال ربي وكيف به قال تأخذ حوتا فجعله في مكتل حيث يفارقك الحوت فهو ثم قال فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يمشيان قال لفتاه حيث يفارقك الحوت فآذني حتى إذا أتيا الصخرة رقد موسى فاضطرب الحوت في المكتل فخرج ووقع في الماء فأمسك الله عنه جرية الماء مثل الطوق ومد إبهامه والتي تليها وفتحها قال فنسي أن يخبره قال فانطلقا حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال ولم يجد النصب حتى جاوز حيث أمره الله {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} حتى بلغ {في البحر عجبا} {قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة فإذا هما برجل مسجى عليه الثوب فسلم موسى فرد عليه وقال وأني بأرضك من سلام قال من أنت قال أنا موسى قال أموسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئتك لتعلمني مما علمت رشدا قال وما يكفيك أن التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك قال أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه {أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} حتى بلغ {ولا أعصي لك أمرا} قال فانطلقا يمشيان على الساحل فعرف الخضر فحمل بغير نول فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر من الماء قال ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال فبينا هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يريد أو إذا هو يريد أن يخرقها قال حسبت أنه قال وتد فيها وتدا فقال حملنا بغير نول وتريد أن تخرقها وتغرق أهلها إلى {ولا ترهقني من أمري عسرا} فكانت الأولى نسيانا {لا تؤاخذني بما نسيت} فخرجا حتى لقيا غلاما يلعب مع الغلمان فقال بيده هكذا كأنه احتز رأسه فقطع رأسه فقال له {أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} وقال بيده هكذا وعدله بيده فقال له موسى لم يضيفونا و{لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك} قال النبي وددنا أن موسى صبر قال عمرو كان ابن عباس يقرأ (أما الغلام فكان كافرا) وكان يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)). [تفسير عبد الرزاق: 1/408-410] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر، فقال: كذب عدوّ اللّه، حدّثنا أبيّ بن كعبٍ، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: " قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له: أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، وأوحى إليه: بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال: أي ربّ، كيف السّبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتلٍ، فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه، قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ، ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة، فنزلا عندها، قال: فوضع موسى رأسه فنام، - قال سفيان: وفي حديث غير عمرٍو، قال: وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلّا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين - قال: فتحرّك وانسلّ من المكتل، فدخل البحر فلمّا استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} [الكهف: 62] الآية، قال: ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به، قال له فتاه يوشع بن نونٍ: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 63] الآية، قال: فرجعا يقصّان في آثارهما، فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت، فكان لفتاه عجبًا، وللحوت سربًا، قال: فلمّا انتهيا إلى الصّخرة، إذ هما برجلٍ مسجًّى بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، قال: وأنّى بأرضك السّلام، فقال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا؟ قال له الخضر: يا موسى، إنّك على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم اللّه علّمنيه اللّه لا تعلمه، قال: بل أتّبعك، قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا، فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهم سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ - يقول بغير أجرٍ - فركبا السّفينة، قال: ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم اللّه إلّا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها {لقد جئت} [الكهف: 71] الآية، فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه فقطعه، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ، لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} [الكهف: 75] إلى قوله {فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} [الكهف: 77]- فقال بيده: هكذا - فأقامه، فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا، {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا، قال: هذا فراق بيني وبينك، سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 77] ، فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما " قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرأ: «وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا، وأمّا الغلام فكان كافرًا»). [صحيح البخاري: 6/91-93] (م)
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وذكر فيه قصّة موسى والخضر عن قتيبة عن سفيان بن عيينة وقد تقدّمت عن عبد اللّه بن محمّدٍ عن سفيان بن عيينة في كتاب العلم وقوله في آخرها قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ اللّه علينا أمرهما تقدم في العلم بلفظ يرحم الله موسى لوددنا لو صبر وتقدم في أحاديث الأنبياء عن عليّ بن عبد اللّه بن المدينيّ عن سفيان كرواية قتيبة لكن قال بعدها قال سفيان قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يرحم الله موسى الخ فهذا يحتمل أن تكون هذه الزّيادة وهو يرحم الله موسى لم تكن عند بن عيينة بهذا الإسناد ولكنه أرسلها ويحتمل أن يكون على سمعه منه مرّتين مرّة بإثباتها ومرّة بحذفها وهو أولى فقد أخرجه مسلم عن إسحاق بن راهويه وعمرو بن محمّد النّاقد وبن أبي عمر وعبيد الله بن سعيد والتّرمذيّ عن بن أبي عمر والنّسائيّ عن بن أبي عمر كلهم عن سفيان بلفظ يرحم الله موسى الخ متّصلا بالخبر وأخرجه مسلم من طريق رقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبيرٍ بزيادة ولفظه ولو صبر لرأي العجب وكان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا وأخرجه التّرمذيّ والنّسائيّ من طريق حمزة الزيات عن أبي إسحاق مختصرا وأبو داود من هذا الوجه مطولا ولفظه وكان إذا دعا بدأ بنفسه وقال رحمة الله علينا وعلى موسى وقد ترجم المصنّف في الدّعوات من خص أخاه بالدّعاء دون نفسه وذكر فيه عدّة أحاديث وكأنّه أشار إلى أن هذه الزّيادة وهي كان إذا ذكر أحدًا من الأنبياء بدأ بنفسه لم تثبت عنده وقد سئل أبو حاتم الرّازيّ عن زيادة وقعت في قصّة موسى والخضر من رواية بن إسحاق هذه عن سعيد بن جبير وهي قوله في صفة أهل القرية أتيا أهل القرية لئامًا فطافا في المجالس فأنكرها وقال هي مدرجة في الخبر فقد يقال وهذه الزّيادة مدرجة فيه أيضا والمحفوظ رواية بن عيينة المذكورة والله أعلم). [فتح الباري: 8/424-425]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ قال حدّثني سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ عن سعيد بن جبيرٍ قال قلت لابن عبّاسٍ إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى بنى إسرائيل ليس بموسى الخضر فقال كذب عدوّ الله حدّثنا أبيّ بن كعبٍ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قام موسى خطيباً في بني إسرائيل فقيل له أي النّاس أعلم قال أنا فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه وأوحى إليه بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال أي ربّ كيف السّبيل إليه قال تأخذ حوتاً في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه قال فخرج موساى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان وفي حديث غير عمرٍ وقال وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلاّ حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال فتحرّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر كلّما استيقظ موسى قال لفتاه آتنا غداءنا الآية قال ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نونٍ أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت الآية قال فرجعا يقصّان في آثارهما فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت فكان لفتاه عجباً وللحوت سرباً قال فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذ هما برجلٍ مسجّى بثوبٍ فسلّم عليه موسى قال وأنّي بأرضك السّلام فقال أنا موسى قال موسى بني إسرائيل قال نعم قال هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشداً قال له الخضر يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه قال بل أتّبعك قال فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكراً فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهما سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ يقول بغير أجرٍ فركبا السّفينة قال ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره البحر فقال الخضر لموسى ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلاّ مقدار ما غمس هاذا العصفور منقاره قال فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى أقتلت نفساً زكيّة بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبراً إلى قوله فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ فقال بيده هاكذا فأقامه فقال له موسى إنّا دخلنا هاذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا لو شئت لاتّخذت عليه أجراً قال هاذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما قال وكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصباً وأمّا الغلام فكان كافراً..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. قوله: (قال لفتاه آتنا غداءنا) وهو طريق آخر في الحديث المذكور قبله، وهو عن قتيبة عن سفيان إلى آخره، وفيه بعض اختلاف في المتن ببعض زيادة وبعض نقصان، وفيه: حدثني قتيبة حدثني سفيان، ويروى: حدثنا قتيبة حدثنا سفيان، وفيه: عن عمرو بن دينار، وفي رواية الحميدي في الباب المتقدّم: حدثنا عمرو بن دينار.
قوله: (يقال لها الحياة) ، وهي المشهورة بين النّاس: بماء الحياة وعين الحياة. قوله: (فلم يفجأ) ، ويروى: فلم يفج، ووجهه أن الهمزة تخفف فتصير ألفا فتحذف بالجازم نحو: لم يخش. قوله: (وكان ابن عبّاس يقرأ) إلى آخره، ووافقه عليها عثمان أيضا). [عمدة القاري: 19/47-48] (م)
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (حدّثني قتيبة بن سعيدٍ، حدّثني سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى نبي الله ليس بموسى الخضر فقال: كذب عدوّ اللّه حدّثنا أبيّ بن كعبٍ عن رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه وأوحى إليه بلى عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ كيف السّبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فاتّبعه قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ ومعهما الحوت حتّى انتهيا إلى الصّخرة فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام" -قال سفيان وفي حديث غير عمرٍو قال: "وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلاّ حيي فأصاب الحوت من ماء تلك العين قال- فتحرّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر فلمّا استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} [الكهف: 62] الآية قال: ولم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به قال له فتاه يوشع بن نونٍ: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} [الكهف: 63] الآية قال: فرجعا يقصّان في آثارهما فوجدا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت فكان لفتاه عجبًا وللحوت سربًا قال: فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذ هما برجلٍ مسجًّى بثوبٍ فسلّم عليه موسى قال: وأنّى بأرضك السّلام؟ فقال: أنا موسى. قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: هل أتّبعك على أن تعلّمني ممّا علّمت رشدًا؟ قال له الخضر: يا موسى إنّك على علمٍ من علم اللّه علّمكه اللّه لا أعلمه وأنا على علمٍ من علم اللّه علّمنيه اللّه لا تعلمه قال: بل أتّبعك قال: فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا يمشيان على السّاحل فمرّت بهما سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نولٍ" -يقول بغير أجرٍ- "فركبا السّفينة قال: ووقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره البحر فقال الخضر لموسى: ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم اللّه إلاّ مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدومٍ فخرق السّفينة فقال له موسى قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية فانطلقا إذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فقطعه قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا * قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} [الكهف: 74 و75] إلى قوله: {فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} فقال بيده هكذا {فأقامه} [الكهف: 77] فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القرية فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا (77) قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 77، 78] فقال رسول اللّه: «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما». قال: وكان ابن عبّاسٍ يقرأ وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وأمّا الغلام فكان كافرًا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (قتيبة بن سعيد) الثقفي أبو رجاء البغلاني بفتح الموحدة وسكون المعجمة قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر أيضًا حدّثنا (سفيان بن عيينة) بن أبي عمران ميمون الهلالي الكوفي ثم المكي الإمام الحافظ الحجة تغير حفظه بأخرة وربما دلس عن الثقات وهو من أثبت الناس في عمرو بن دينار (عن عمرو بن دينار) المكي الجمحي مولاهم (عن سعيد بن جبير) الأسدي مولاهم الكوفي أنه (قال: قلت لابن عباس أن نوفًا) كذا في اليونينية وفي الفرع نوف بغير ألف (البكالي) بكسر الموحدة نسبة إلى بني بكال بطن من حمير ونوف بغير صرف وصرفه أشهر كما مر ولأبي ذر البكالي بفتح الموحدة (يزعم أن موسى نبي الله) المرسل إلى بني إسرائيل كذا في الفرع موسى نبي الله والذي في اليونينية يزعم أن موسى نبي بني إسرائيل (ليس بموسى الخضر) بل موسى آخر (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما- (كذب عدوّ الله) يعني نوفًا وعبّر بذلك للزجر والتحذير لا قدحًا فيه (حدّثنا أبي بن كعب عن رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال): (قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل) يذكرهم بنعم الله عليهم وعليه يذكر ما أكرمه الله به من رسالته وتكريمه وتفضيله (فقيل له: أي الناس أعلم) أي منهم (قال) ولأبي ذر فقال: (أنا) أي أعلم (فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه) كان يقول الله أعلم (وأوحى إليه) بفتح الهمزة والحاء (بلى عبد من عبادي) كائن (بمجمع البحرين هو أعلم منك) أي بشيء مخصوص والعالم بالعلم الخاص لا يلزم منه أن يكون أعلم من العالم بالعلم العام (قال: أي رب كيف السبيل إليه) أي إلى لقائه (قال: تأخد حوتًا في مكتل فحيثما فقدت الحوت) بفتح القاف (فاتبعه) بهمزة وصل وتشديد الفوقية وكسر الموحدة ولأبي ذر عن الكشميهني فاتبعه بسكون الفوقية وفتح الموحدة أي اتبع أثر الحوت فإنك ستلقى العبد الأعلم (قال: فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نون) مجرور بالإضافة منصرف كنوح على الفصحى (ومعهما الحوت) المأمور به (حتى انتهيا إلى الصخرة) التي عند مجمع البحرين (فنزلا عندها قال فوضع موسى رأسه فنام قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق (وفي حديث غير عمرو) لعل الغير المذكور كما قال في الفتح قتادة لما عند ابن أبي حاتم من طريقه (قال وفي أبي الصخرة عين يقال لها) ولأبي الوقت والأصيلي له (الحياة) بتاء التأنيث آخره (لا يصيب من مائها شيء) من الحيوان (إلا حيي) وعند ابن إسحاق من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي ولأبي ذر عن الكشميهني والمستملي لا تصيب بالفوقية أي العين شيئًا أي من الحيوان إلا حيي (فأصاب الحوت من) رشاش (ماء تلك العين قال فتحرك وانسل من المكتل فدخل البحر) ولعل هذه العين إن ثبت النقل فيها هي التي شرب منها الخضر فخلد كما قال به جماعة كما مر (فلما استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا} الآية) أي بعد أن نسي الفتى أن يخبره بأن الحوت حيي وانطلاقهما سائرين بقية يومهما وليلتهما حتى كان من الغد قال له إذ ذاك آتنا غداءنا (قال ولم يجد النصب حتى جاوز ما أمر به) فألقى الله عليه الجوع والنصب (قال له فتاه يوشع بن نون {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت) أي أن أخبرك بخبره (الآية) إلى قوله: {ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64] (قال فرجعا يقصّان في آثارهما) حتى انتهيا إلى الصخرة (فوجدا في البحر كالطاق ممر الحوت) مفعول وجدا (فكان لفتاه عجبًا) إذ هو أمر خارق (وللحوت سربًا) مسلكًا وروى ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: رجع موسى فوجد الحوت فجعل موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئًا من البحر إلا يبس حتى يصير صخرة (قال: فلما انتهيا إلى الصخرة إذا) والذي في اليونينية إذ (هما برجل مسجى) مغطى (بثوب) وفي رواية الربيع عن أنس عند ابن أبي حاتم قال انجاب الماء عن مسلك الحوت فصارت كوّة فدخلها موسى على أثر الحوت فإذا هو بالخضر (فسلم عليه موسى قال) الخضر بعد أن رد السلام عليه وكشف الثوب عن وجهه (وأنى) بهمزة نون مشددة مفتوحتين أي وكيف (بأرضك السلام) وأهلها كفار أو لم يكن السلام تحيتهم (فقال) موسى بعد أن قال له الخضر من أنت: (أنا موسى قال) الخضر (موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم. قال) له موسى: ({هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدًا}) أي علمًا ذا رشد أسترشد به (قال) ولأبي ذر فقال (له الخضر: يا موسى إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه) فكل منا مكلف بأمور من الله دون صاحبه (قال) موسى (بل أتبعك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي هل والأولى أوضح ({قال}) الخضر: ({فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء}) تنكره ابتداء ({حتى أحدث لك منه ذكرًا}) حتى أبداك ببيانه (فانطلقا يمشيان على الساحل فمرت بهما سفينة) ولأبي ذر: بهم أي بموسى ويوشع والخضر (فعرف الخضر فحملوهم في سفينتهم بغير نول) بفتح النون وسكون الواو (يقول بغير أجر) أي أجرة (فركبا السفينة) ولم يذكر يوشع لأنه تابع غير مقصود بالأصالة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فركبا في السفينة (قال: ووقع عصفور) بضم العين (على حرف السفينة فغمس منقاره البحر) بنصبهما ولأبي ذر في البحر (فقال الخضر لموسى) ولأبي ذر: يا موسى (ما علمك وعلمي وعلم الخلائق في علم الله إلا مقدار) بالرفع (ما غمس هذا العصفور منقاره) وفي رواية ما نقص علمي وعلمك من علم الله والعلم يطلق ويراد به المعلوم وعلم الله لا يدخله نقص ونقص العصفور لا تأثير له فكأنه لم يأخذ شيئًا فهو كقوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم = بهن فلول من قراع الكتائب
أي لا عيب فيهم.
(قال: فلم يفجأ موسى) بالهمزة (إذ عمد الخضر) بفتح الميم (إلى قدوم) بفتح القاف وتخفيف الدال أي الآلة المعروفة (فخرق السفينة فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت) بفتح الميم أيضًا (إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت الآية). وسقط لأبي ذر لقد جئت والآية (فانطلقا) بعد أن خرجا من السفينة (إذ هما بغلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني فأخذ الخضر رأسه بحذف الجار والنصب مفعول أخذ (فقطعه قال) ولأبي الوقت فقال الله موسى: {أقتلت نفسًا زكية} بالتشديد طاهرة ({بغير نفس}) قيل وكان القتل في أبلة بضم الهمزة والموحدة وتشديد اللام المفتوحة مدينة قرب بصرة وعبادان ({لقد جئت شيئًا نكرًا}) منكرًا ({قال}) الخضر: ({ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرًا}) وأتى بلك مع نكرًا بخلاف أمرًا قيل لأن النكر أبلغ لأن معه القتل الحتم بخلاف خرق السفينة فإنه يمكن تداركه (إلى قوله: {فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقض}) أن يسقط (فقال) الخضر (بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: إنّا دخلنا هذه القربة فلم يضيفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك}) قال في الأنوار: الإشارة إلى الفراق الموعود بقوله فلا تصاحبني أو إلى الاعتراض الثالث أو الوقت أي هذا الاعتراض سبب فراقنا أو هذا الوقت وقته ({سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا}) لكونه منكرًا من حيث الظاهر وقد كانت أحكام موسى كغيره من الأنبياء مبنيّة على الظواهر ولذا أنكر خرق السفينة وقتل الغلام إذ التصرف في أموال الناس وأرواحهم بغير حق حرام في الشرع الذي شرعه لأنبيائه عليهم السلام إذ لم يكلفنا إلى الكشف عن البواطن لما في ذلك من الحرج وأما وقوع ذلك من الخضر فالظاهر أنه قد شرع له أن يعمل بما كشف له من بواطن الأسرار واطلع عليه من حقائق الأستار فلما علم الخضر علمًا يقينًا أنه إن لم يعب السفينة بالخرق غصبها الملك وجب عليه ذلك دفعًا للضرر عن ملاكها إذ لو تركها ولم يعبها فاتت بالكلية عليهم بأخذ الملك لها وكذا قتل الغلام فإنه علم بالوحي أنه إن لم يقتله تبعه أبواه على الكفر لمزيد محبتهما له فكانت المضرة بقتله أيسر من إبقائه لا سيما والمطبوع على الكفر الذي لا يرجى إيمانه كان قتله في شريعتهم واجبًا لأن أخذ الجزية لم يكن سائغًا لهم وقد رزقهما الله خيرًا منه كما مرّ ولو ترك الجدار حتى يسقط ضاع مال أولئك الأيتام فكانت المصلحة التامة في إقامته ولعل ذلك كان واجبًا عليه.
(فقال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: وددنا) بكسر الدال الأولى وسكون الثانية (إن موسى صبر حتى يقص) بضم أوله وفتح آخره مبنيًّا للمفعول (علينا من أمرهما قال وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة) غير معيبة (غصبًا وأما الغلام فكان كافرًا) وقد سبق أن أمام يستعمل موضع وراء فهي مفسّرة للآية كما مرّ وقوله تعالى: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} [الكهف: 80] فيه إشعار بأن الغلام كان كافرًا كما في هذه القراءة لكنها كقراءة أمامهم وصالحة من الشواذ المخالفة لمصحف عثمان والله الموفق). [إرشاد الساري: 7/227-229] (م)
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت، وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا}
- أخبرنا قتيبة بن سعيدٍ، في حديثه، عن سفيان، عن عمرٍو، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى بني إسرائيل ليس بموسى الخضر، قال: كذب عدوّ الله، حدّثنا أبيّ بن كعبٍ، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: " قام موسى عليه السّلام خطيبًا في بني إسرائيل فقيل له: أيّ النّاس أعلم؟ قال: أنا، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: بل عبدٌ من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف السّبيل إليه؟ قال: تأخذ حوتًا في مكتلٍ فحيثما فقدت الحوت فاتبعه، فخرج موسى ومعه فتاه يوشع بن نونٍ ومعهما الحوت، حتّى انتهيا إلى صخرةٍ فنزلا عندها، فوضع موسى عليه السّلام رأسه فنام، قال سفيان في غير حديث عمرٍو: وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها الحياة، لا يصيب شيءٌ من مائها شيئًا إلّا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين، فتحرّك وانسلّ من المكتل فدخل البحر، فلمّا استيقظ موسى قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} [الكهف: 62] قال: فلم يجد النّصب حتّى جاوز ما أمر به، فقال له فتاه يوشع بن نونٍ: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر} [الكهف: 63] قال له موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} [الكهف: 64] فرجعا يقصّان آثارهما وجدا سربًا في البحر كالطّاق ممرّ الحوت، فكان لهما عجبًا وللحوت سربًا، فلمّا انتهيا إلى الصّخرة إذا هما برجلٍ مسجًّى بثوبٍ، فسلّم عليه موسى عليه السّلام، قال: وأنّى بأرضك السّلام؟
قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا} [الكهف: 66] قال له الخضر: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه الله لا تعلمه، قال: بل أتّبعك، قال: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا فانطلقا} [الكهف: 71] يمشيان على السّاحل فمرّت بهم سفينةٌ فعرف الخضر فحملوهم في السّفينة، فركبا فوقع عصفورٌ على حرف السّفينة فغمس منقاره في البحر، فقال الخضر: يا موسى، ما علمي وعلمك وعلم الخلائق في علم الله إلّا مقدار ما غمس هذا العصفور منقاره، قال: فلم يفجأ موسى إذ عمد الخضر إلى قدّام السّفينة فخرق السّفينة، فقال موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ عمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال: ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا فانطلقا} [الكهف: 71] فإذا هما بغلامٍ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر رأسه فقطعه، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما} [الكهف: 74] فمرّ الخضر بجدارٍ {يريد أن ينقضّ فأقامه} [الكهف: 77] قال له موسى: إنّا دخلنا هذه القرية فلم يطعمونا، ولم يضيّفونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} [الكهف: 77] قال: وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «وددنا أنّ موسى صبر حتّى يقصّ علينا من أمرهما» وكان ابن العبّاس يقرؤها: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ غصبًا، وأمّا الغلام فكان كافرًا "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/163-164]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا}.
يقول تعالى ذكره: قال فتى موسى لموسى حين قال له: آتنا غداءنا لنطعم: أرأيت إذا أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت هنالك {وما أنسانيه إلاّ الشّيطان} يقول: وما أنساني الحوت إلاّ الشّيطان {أن أذكره} فأن في موضع نصبٍ ردًّا على الحوت، لأنّ معنى الكلام: وما أنساني أن أذكر الحوت إلاّ الشّيطان فلما سبق الحوت إلى الفعل، ردّ عليه قوله {أن أذكره}.
وقد ذكر أنّ ذلك في مصحف عبد اللّه: " وما أنسانيه أن أذكره إلاّ الشّيطان "
- حدّثني بذلكٌ بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة.
- حدّثني العبّاس بن الوليد، قال: سمعت محمّد بن معقلٍ يحدّث عن أبيه، أنّ الصّخرة الّتي، أوى إليها موسى هي الصّخرة الّتي دون نهر الذّيب على الطّريق.
وقوله {واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} يقول: واتخذ موسى طريق الحوت في البحر عجباً يعجب منه. كما؛
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {في البحر عجبًا} قال: موسى يعجب من أثر الحوت في البحر ودوراته الّتي غاب فيها، فوجد عندها خضرًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} فكان موسى اتّخذ سبيله في البحر عجبًا، فكان يعجب من سرب الحوت.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال: عجبٌ واللّه حوتٌ كان يؤكل منه أدهرًا، أيّ شيءٍ أعجب من حوتٍ كان دهرًا من الدّهور يؤكل منه، ثمّ صار حيًّا حتّى حشر في البحر.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: جعل الحوت لا يمسّ شيئًا من البحر إلاّ يبس حتّى يكون صخرةً، فجعل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يعجب من ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا الحسن بن عطيّة، قال: حدّثنا عمرو بن ثابتٍ، عن أبيه، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، {واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال: أتخذ موسى سبيل الحوت عجبًا). [جامع البيان: 15/316-319]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال حدثنا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد واتخذ سبيله في البحر عجبا قال عجب موسى من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها). [تفسير مجاهد: 378-379]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 60 – 82
أخرج ابن عساكر من طريق ابن سمعان عن مجاهد قال: كان ابن عباس يقول في هذه الآية {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح} يقول: لا أنفك ولا أزال {حتى أبلغ مجمع البحرين} يقول: ملتقى البحرين {أو أمضي حقبا} يقول: أو أمضي سبعين خريفا {فلما بلغا مجمع بينهما} يقول: بين البحرين {نسيا حوتهما} يقول: ذهب منهما وأخطأهما وكان حوتا مليحا معهما يحملانه فوثب من المكتل إلى الماء فكان {سبيله في البحر سربا} فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره وكان فتى موسى يوشع بن نون {واتخذ سبيله في البحر عجبا} يقول: موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها {قال ذلك ما كنا نبغ} قول موسى: فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت {فارتدا على آثارهما قصصا} يقول: اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهم راجعان على ساحل البحر {فوجدا عبدا من عبادنا} يقول: فوجدا خضرا {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} قال الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم) (يوسف آية 76) فصحب موسى الخضر وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه). [الدر المنثور: 9/576-577] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج من وجه آخر عن سعيد بن جبير قال: جلست عند ابن عباس - وعنده نفر من أهل الكتاب - فقال بعضهم: إن نوفا يزعم عن أبي بن كعب أن موسى النّبيّ الذي طلب العلم إنما هو موسى بن ميشا فقال ابن عباس: كذب نوف، حدثني أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن موسى بني إسرائيل سأل ربه فقال: أي رب إن كان في عبادك أحد أعلم مني فدلني، قال: نعم في عبادي من هو أعلم منك فنعت له مكانه فأذن له في لقيه فخرج موسى ومعه فتاه ومعه حوت مليح قد قيل: إذا حيي هذا الحوت في مكان فصاحبك هنالك وقد أدركت حاجتك، فخرج موسى ومعه فتاه ومعه ذلك الحوت يحملانه فسار حتى جهده السير وانتهى إلى الصخرة وإلى ذلك الماء ماء الحياة من شرب منه خلد ولا يقاربه شيء ميت إلا حيي، فلما نزلا ومس الحوت الماء حيي {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلقا {فلما جاوزا قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال الفتى وذكر {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال ابن عباس: فظهر موسى على الصخرة حين انتهيا إليها فإذا رجل ملتف في كسائه فسلم موسى عليه فرد عليه ثم قال له: ما جاء بك إن كان لك في قومك لشغل قال له موسى: جئتك لتعلمني مما علمت رشدا، {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} وكان رجلا يعلم علم الغيب قد علم ذلك فقال موسى: بلى، قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي أن ما تعرف ظاهرا ما ترى من العدل ولم تحط من علم الغيب بما أعلم {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} وإن رأيت ما يخالفني {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فانطلقا يمشيان على ساحل البحر يتعرضان الناس يلتمسان من يحملهما حتى مرت بهما سفينة جديدة وثيقة لم يمر بهما من السفن شيء أحسن منها ولا أجمل ولا أوثق منها فسألا أهلها أن يحملوهما فحملوهما فلما اطمأنا فيها ولجت بهما مع أهلها أخرج منقارا له ومطرقة ثم عمد إلى ناحية منها فضرب فيها بالمنقار حتى خرقها ثم أخذ لوحا فطبقه عليها ثم جلس عليها يرقعها فقال له موسى - ورأى أمرا أفظع به - {أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت} أي بما تركت من عهدك {ولا ترهقني من أمري عسرا} ثم خرجا من السفينة فانطلقا حتى أتيا قرية فإذا غلمان يلعبون، فيهم غلام ليس في الغلمان غلام أظرف منه ولا أوضأ منه فأخذ بيده وأخذ حجرا فضرب به رأسه حتى دمغه فقتله فرآى موسى عليه السلام أمرا فظيعا لا صبر عليه صبي صغير قتله لا ذنب له، {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} أي صغيرة {لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي قد عذرت في شأني {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} فهدمه ثم قعد يبنيه فضجر موسى مما يراه يصنع من التكليف وما ليس عليه صبر فقال {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} أي قد استطعمناهم فلم يطعمونا واستضفناهم فلم يضيفوهما ثم قعدت تعمل في غير صنيعة ولو شئت لأعطيت عليه أجرا في عملك، {قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة} صالحة {غصبا} - في قراءة أبي بن كعب كل سفينة صالحة وإنما عيبها لطرده عنها فسلمت منه حين رأى العيب الذي صنعت بها {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك وما فعلته عن أمري} أي ما فعلته عن نفسي {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} فكان ابن عباس يقول: ما كان الكنز إلا علما). [الدر المنثور: 9/586-590] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: لما ظهر موسى وقومه على مصر أنزل قومه بمصر فلما استقرت بهم الدار أنزل الله (وذكرهم بأيام الله) (إبراهيم آية 5) فخطب قومه فذكر ما آتاهم الله من الخير والنعيم وذكرهم إذ نجاهم الله من آل فرعون وذكرهم هلاك عدوهم وما استخلفهم الله في الأرض وقال كلم الله موسى نبيكم تكليما واصطفاني لنفسه وأنزل علي محبة منه وآتاكم من كل شيء سألتموه فنبيكم أفضل أهل الأرض وأنتم تقرون اليوم، فلم يترك نعمة أنعمها الله عليهم إلا عرفهم إياها فقال له رجل من بني إسرائيل: فهل على الأرض أعلم منك يا نبي الله قال: لا، فبعث الله جبريل إلى موسى فقال: إن الله يقول: وما يدريك أين أضع علمي، بلى على ساحل البحر رجل أعلم، قال ابن عباس: هو الخضر، فسأل موسى ربه أن يريه إياه فأوحى الله إليه: أن ائت البحر فإنك تجد على ساحل البحر حوتا ميتا فخذه فادفعه إلى فتاك ثم الزم شط البحر فإذا نسيت الحوت وذهب منك فثم تجد العبد الصالح الذي تطلب، فلما طال صعود موسى ونصب فيه سأل فتاه عن الحوت: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره} لك، قال الفتى، لقد رأيت الحوت حين اتخذ سبيله في البحر سربا فأعجب ذلك فرجع حتى أتى الصخرة فوجد الحوت فجعل الحوت يضرب في البحر ويتبعه موسى يقدم عصاه يفرج بها عنه الماء ويتبع الحوت وجعل الحوت لا يمس شيئا من البحر إلا يبس حتى يكون صخرة فجعل نبي الله يعجب من ذلك حتى انتهى الحوت إلى جزيرة من جزائر البحر فلقي الخضر بها فسلم عليه فقال الخضر: وعليك السلام، وأنى يكون هذا السلام بهذا الأرض، ومن أنت قال: أنا موسى، فقال له الخضر: أصاحب بني إسرائيل فرحب به وقال: ما جاء بك قال: جئتك {على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يقول: لا تطيق ذلك، قال موسى: {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فانطلق به وقال له: لا تسألني عن شيء أصنعه حتى أبين لك شأنه، فذلك قوله: {حتى أحدث لك منه ذكرا} ). [الدر المنثور: 9/595-596] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أو أمضي حقبا} قال: سبعين خريفا، وفي قوله: {فلما بلغا مجمع بينهما} قال: بين البحرين {نسيا حوتهما} قال: أضلاه في البحر {واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: موسى يعجب من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها {فارتدا على آثارهما قصصا} قال: اتباع موسى وفتاه أثر الحوت حيث يشق البحر راجعين). [الدر المنثور: 9/606] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال في قراءة أبي وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكر له). [الدر المنثور: 9/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: أتى الحوت على عين في البحر يقال لها عين الحياة فلما أصاب تلك العين رد الله إليه روحه). [الدر المنثور: 9/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)

تفسير قوله تعالى: (قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا يزعم أن موسى ليس بصاحب الخضر فقال كذب عدو الله أخبرنا أبي بن كعب عن رسول الله أن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فقيل له أي الناس أعلم فقال أنا فعتب عليه الله إذ لم يرد العلم إلى الله فقال الله بلى عبد لي عند مجمع البحرين قال ربي وكيف به قال تأخذ حوتا فجعله في مكتل حيث يفارقك الحوت فهو ثم قال فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق هو وفتاه يمشيان قال لفتاه حيث يفارقك الحوت فآذني حتى إذا أتيا الصخرة رقد موسى فاضطرب الحوت في المكتل فخرج ووقع في الماء فأمسك الله عنه جرية الماء مثل الطوق ومد إبهامه والتي تليها وفتحها قال فنسي أن يخبره قال فانطلقا حتى إذا كان من الغد قال موسى لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال ولم يجد النصب حتى جاوز حيث أمره الله {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} حتى بلغ {في البحر عجبا} {قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة فإذا هما برجل مسجى عليه الثوب فسلم موسى فرد عليه وقال وأني بأرضك من سلام قال من أنت قال أنا موسى قال أموسى بني إسرائيل قال نعم قال فما شأنك قال جئتك لتعلمني مما علمت رشدا قال وما يكفيك أن التوراة بيدك وأن الوحي يأتيك قال أنا على علم من علم الله علمنيه الله لا تعلمه وأنت على علم من علم الله علمكه لا أعلمه {أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا} حتى بلغ {ولا أعصي لك أمرا} قال فانطلقا يمشيان على الساحل فعرف الخضر فحمل بغير نول فلما ركبا السفينة جاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر من الماء قال ما ينقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال فبينا هم في السفينة لم يفجأ موسى إلا وهو يريد أو إذا هو يريد أن يخرقها قال حسبت أنه قال وتد فيها وتدا فقال حملنا بغير نول وتريد أن تخرقها وتغرق أهلها إلى {ولا ترهقني من أمري عسرا} فكانت الأولى نسيانا {لا تؤاخذني بما نسيت} فخرجا حتى لقيا غلاما يلعب مع الغلمان فقال بيده هكذا كأنه احتز رأسه فقطع رأسه فقال له {أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} وقال بيده هكذا وعدله بيده فقال له موسى لم يضيفونا و{لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك} قال النبي وددنا أن موسى صبر قال عمرو كان ابن عباس يقرأ (أما الغلام فكان كافرا) وكان يقرأ (وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا)). [تفسير عبد الرزاق: 1/408-410] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({قال ذلك ما كنّا نبغ، فارتدّا على آثارهما قصصًا} [الكهف: 64] ). [صحيح البخاري: 6/91]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا إلى قوله قصصا)
ساق فيه قصّة موسى عن قتيبة عن سفيان وقد نبّهت على ما فيه من فائدةٍ زائدةٍ في الّذي قبله). [فتح الباري: 8/424]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: قلت لابن عبّاسٍ: إنّ نوفًا البكاليّ يزعم أنّ موسى صاحب بني إسرائيل ليس بموسى صاحب الخضر، قال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ، يقول: سمعت رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: قام موسى خطيبًا في بني إسرائيل، فسئل: أيّ النّاس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، فعتب اللّه عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى اللّه إليه أنّ عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، قال: أي ربّ، فكيف لي به؟ فقال له: احمل حوتًا في مكتلٍ فحيث تفقد الحوت فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نونٍ فجعل موسى حوتًا في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان حتّى إذا أتيا الصّخرة، فرقد موسى وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتّى خرج من المكتل فسقط في البحر، قال: وأمسك اللّه عنه جرية الماء، حتّى كان مثل الطّاق وكان للحوت سربًا.
وكان لموسى ولفتاه عجبًا، فانطلقا بقيّة يومهما وليلتهما ونسّي صاحب موسى أن يخبره، فلمّا أصبح موسى {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} قال: ولم ينصب حتّى جاوز المكان الّذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلاّ الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا} قال موسى {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: فكانا يقصّان آثارهما، قال سفيان: يزعم ناسٌ أنّ تلك الصّخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميّتًا إلاّ عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلمّا قطر عليه الماء عاش، قال: فقصّا آثارهما حتّى أتيا الصّخرة، فرأى رجلاً مسجًّى عليه بثوبٍ، فسلّم عليه موسى، فقال: أنّى بأرضك السّلام؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: يا موسى إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه اللّه لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علّمنيه لا تعلمه، فقال موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمن ممّا علّمت رشدًا قال إنّك لن تستطيع معي صبرًا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرًا قال ستجدني إن شاء اللّه صابرًا ولا أعصي لك أمرًا} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيءٍ حتّى أحدث لك منه ذكرًا} قال: نعم، فانطلق الخضر وموسى يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ فكلّماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نولٍ فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السّفينة فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ فعمدت إلى سفينتهم فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئًا إمرًا قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبرًا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرًا} ثمّ خرجا من السّفينة فبينما هما يمشيان على السّاحل وإذا غلامٌ يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده، فقتله، قال له موسى: {أقتلت نفسًا زكيّةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئًا نكرًا قال ألم أقل لك إنّك لن تستطيع معي صبرًا} قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذرًا فانطلقا حتّى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جدارًا يريد أن ينقضّ} يقول: مائلٌ، فقال الخضر بيده هكذا {فأقامه} فقال له موسى: قومٌ أتيناهم فلم يضيّفونا ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجرًا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرًا} قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: يرحم اللّه موسى لوددنا أنّه كان صبر حتّى يقصّ علينا من أخبارهما. قال: وقال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الأولى كانت من موسى نسيانٌ. وقال: وجاء عصفورٌ حتّى وقع على حرف السّفينة ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلاّ مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبيرٍ: وكان يعني ابن عبّاسٍ، يقرأ: وكان أمامهم ملكٌ يأخذ كلّ سفينةٍ صالحةٍ غصبًا وكان يقرأ: وأمّا الغلام فكان كافرًا.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
ورواه الزّهريّ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد رواه أبو إسحاق الهمدانيّ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال أبو مزاحمٍ السّمرقنديّ: سمعت عليّ بن المدينيّ يقول: حججت حجّةً وليس لي همّةٌ إلاّ أن أسمع من سفيان يذكر في هذا الحديث الخبر حتّى سمعته يقول: حدّثنا عمرو بن دينارٍ، وقد كنت سمعت هذا من سفيان من قبل ذلك، ولم يذكر فيه الخبر). [سنن الترمذي: 5/160-163] (م)
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {فارتدّا على آثارهما قصصًا}
- أخبرني عمران بن يزيد، حدّثنا إسماعيل بن عبد الله بن سماعة، عن الأوزاعيّ، قال: أخبرني ابن شهابٍ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن ابن عبّاسٍ، أنّه تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى، قال ابن عبّاسٍ: هو خضرٌ، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ الأنصاريّ فدعاه ابن عبّاسٍ، فقال: إنّي تماريت وصاحبي هذا في صاحب موسى الّذي سأل السّبيل إلى لقائه، هل سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يذكر شيئًا؟ قال: أي نعم، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: " بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل إذ جاءه رجلٌ فقال: هل تعلم أحدًا أعلم منك؟ فقال موسى عليه السّلام: لا، فأوحى الله إلى موسى: بلى عبدنا خضرٌ، فسأل موسى عليه السّلام السّبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آيةً، وقيل: إذا فقدت الحوت فارجع فإنّك ستلقاه، فكان موسى عليه السّلام يتبع أثر الحوت في البحر، قال فتى موسى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره} [الكهف: 63] قال موسى عليه السّلام: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا فوجدا} [الكهف: 65] خضرًا فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/165]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا (64) فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلّمناه من لدنّا علمًا}.
يقول تعالى ذكره: ف {قال} موسى لفتاه {ذلك} يعني بذلك: نسيانك الحوت {ما كنّا نبغ} يقول: الّذي كنّا نلتمس ونطلب، لأنّ موسى كان قيل له صاحبك الّذي تريده حيث تنسى الحوت، كما:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ذلك ما كنّا نبغ} قال: موسى: فذاك حيث أخبرت أنى واجد خضراً حيث يفارقني الحوت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه، إلاّ أنّه قال: حيث يفارقني الحوت.
وقوله: {فارتدّا على آثارهما قصصًا} يقول: فرجعا في الطّريق الّذي كانا قطعاه ناكصين على أدبارهما يقصّان آثارهما الّتي كانا سلكاهما.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {قصصًا} قال: اتّبع موسى وفتاه أثر الحوت، فشقّا البحر راجعين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصًا} قال: اتّباع موسى وفتاه أثر الحوت بشقّ البحر، وموسى وفتاه راجعان وموسى يعجب من أثر الحوت في البحر، ودوراته الّتي غاب فيها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال: رجعا عودهما على بدئهما {فارتدّا على آثارهما قصصًا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عبّاسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا} " أي يقصّان آثارهما حتّى انتهيا إلى مدخل الحوت). [جامع البيان: 15/319-320]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله فارتدا على آثارهما قصصا يقول اتبع موسى وفتاه أثر الحوت يشقان البحر). [تفسير مجاهد: 379]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ذلك ما كنا نبغ قال هذا قول موسى قال وكذلك أخبرت أني واجد الخضر حيث يفوتني الحوت). [تفسير مجاهد: 379-380]
قال أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد ابن الأثير الجزري (ت: 606هـ) : ( (خ م ت) سعيد بن جبير -رحمه الله -: قال: قلت لابن عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما: إنّ نوفاً البكاليّ يزعم أنّ موسى - صاحب بني إسرائيل - ليس هو صاحب الخضر.
فقال: كذب عدوّ الله، سمعت أبيّ بن كعبٍ يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قام موسى -عليه السلام -خطيباً في بني إسرائيل»، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم، قال: فعتب الله عليه إذ لم يردّ العلم إليه، فأوحى الله إليه: إنّ عبداً من عبادي بمجمع البحرين، هو أعلم منك، قال موسى، أي ربّ، كيف لي به؟ فقيل له: احمل حوتاً في مكتلٍ، فحيث تفقد الحوت، فهو ثمّ، فانطلق وانطلق معه فتاه، وهو يوشع بن نونٍ، فحمل موسى حوتاً في مكتلٍ، فانطلق هو وفتاه يمشيان، حتى أتيا الصخرة، فرقد موسى وفتاه، فاضطرب الحوت في المكتل، حتى خرج من المكتل، فسقط في البحر، قال: وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطّاق فكان للحوت سرباً وكان لموسى وفتاه عجباً، فانطلقا بقية ليلتهما ويومهما، ونسي صاحب موسى أن يخبره، فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً} [الكهف: 62] قال: ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجباً} قال موسى: {ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصاً} [الكهف: 63، 64] قال: يقصّان آثارهما، حتى أتيا الصخرة، فرأى رجلاً مسجّى عليه بثوب، فسلّم عليه موسى، فقال له الخضر: أنّى بأرضك السلام ؟ قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل؟ قال: نعم، قال: إنّك على علمٍ من علم الله علّمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه، قال له موسى: {هل أتّبعك على أن تعلّمني مما علّمت رشداً. قال إنك لن تستطيع معي صبراً. وكيف تصبر على ما لم تحط به خبراً. قال ستجدني إن شاء اللّه صابراً ولا أعصي لك أمراً} قال له الخضر: {فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكراً} [الكهف: 66 - 70] قال: نعم، فانطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر، فمرّت بهما سفينةٌ، فكلّموهم أن يحملوهما، فعرفوا الخضر، فحملوهما بغير نولٍ، فعمد الخضر إلى لوحٍ من ألواح السفينة، فنزعه، فقال له موسى: قومٌ حملونا بغير نولٍ، عمدت إلى سفينتهم، فخرقتها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمراً. قال ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً. قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسراً} [الكهف: 71، 73]، ثمّ خرجا من السفينة، فبينما هما يمشيان على الساحل، إذا غلامٌ يلعب مع الغلمان، فأخذ الخضر برأسه، فاقتلعه بيده، فقتله، فقال موسى: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً. قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبراً} [الكهف: 74، 75] قال: وهذه أشدّ من الأولى {قال إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لّدنّي عذراً. فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ استطعما أهلها فأبوا أن يضيّفوهما فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقضّ} يقول: مائل، قال الخضر بيده هكذا {فأقامه قال} له موسى: قومٌ أتيناهم، فلم يضيفونا، ولم يطعمونا {لو شئت لاتّخذت عليه أجراً. قال هذا فراق بيني وبينك سأنبّئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً} [الكهف: 76 - 78] قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر، حتى كان يقصّ علينا من أخبارهما» قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كانت الأولى من موسى نسياناً» قال: وجاء عصفورٌ حتى وقع على حرف السّفينة، ثمّ نقر في البحر، فقال له الخضر: ما نقص علمي وعلمك من علم الله، إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر.
زاد في رواية: «وعلم الخلائق» ثم ذكر نحوه.
قال سعيد بن جبير: وكان يقرأ «وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينةٍ غصباً» وكان يقرأ «وأما الغلام فكان كافراً».
وفي رواية قال: «بينما موسى- عليه السلام - في قومه يذكّرهم بأيّام الله، وأيّام الله: نعماؤه وبلاؤه، إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً أو أعلم منّي» قال:... وذكر الحديث.
وفيه «حوتاً مالحاً».
وفيه: «مسجّى ثوباً، مستلقياً على القفا، أو على حلاوة القفا».
وفيه: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنّه عجّل لرأى العجب، ولكنّه أخذته من صاحبه ذمامةٌ، قال: {إن سألتك عن شيءٍ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدنّي عذراً} ولو صبر لرأى العجب، قال: وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه، ثم قال: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قريةٍ} لئامٍ، فطافا في المجلس، فاستطعما أهلها {فأبوا أن يضيّفوهما} إلى قوله: {هذا فراق بيني وبينك} قال: وأخذ بثوبه، ثم تلا إلى قوله: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} إلى آخر الآية [الكهف: 79]، فإذا جاء الذي يسخّرها وجدها منخرقةً، فتجاوزها، فأصلحوها بخشبةٍ وأما الغلام فطبع يوم طبع كافراً، وكان أبواه قد عطفا عليه، فلو أنه أدرك {أرهقهما طغياناً وكفراً فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً} ».
وفي رواية قال: «وفي أصل الصّخرة عينٌ يقال لها: الحياة لا يصيب من مائها شيءٌ إلا حيي، فأصاب الحوت من ماء تلك العين فتحرّك، وانسلّ من المكتل». وذكر نحوه.
وفي رواية: «أنه قيل له: خذ حوتاً، حتى تنفخ فيه الروح، فأخذ حوتاً، فجعله في مكتل، فقال لفتاه: لا أكلّفك إلا أن تخبرني بحيث يفارقك الحوت، فقال: ما كلّفت كبيراً»... وذكر الحديث.
وفيه «فوجدا خضراً على طنفسةٍ خضراء على كبد البحر، وأن الخضر قال لموسى: أما يكفيك أنّ التّوراة بيديك، وأنّ الوحي يأتيك، يا موسى، إنّ لي علماً لا ينبغي لك أن تعلمه، وإن لك علماً لا ينبغي لي أن أعلمه ».
وفيه في صفة قتل الغلام «فأضجعه فذبحه بالسّكين».
وفيه «كان أبواه مؤمنين، وكان كافراً {فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً} يحملهما حبّه على أن يتابعاه على دينه {فأردنا أن يبدلهما ربّهما خيراً منه زكاةً - لقوله: {قتلت نفساً زكية} - وأقرب رحماً} أرحم بهما من الأول الذي قتل الخضر».
وفي رواية «أنهما أبدلا جارية».
وفي رواية عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أنّ ابن عباسٍ تمارى هو والحرّ بن قيس بن حصنٍ الفزاريّ في صاحب موسى عليه السلام، فقال ابن عباس: هو الخضر، فمرّ بهما أبيّ بن كعبٍ، فدعاه ابن عباسٍ فقال: يا أبا الطّفيل، هلمّ إلينا فإنّي قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل موسى السبيل إلى لقيّه، فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه؟ فقال أبيٌّ: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا موسى في ملأٍ من بني إسرائيل، إذ جاءه رجلٌ، فقال له: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ قال موسى: لا، فأوحى الله تعالى إلى موسى: بلى، عبدنا الخضر، فسأل موسى السبيل إلى لقيّه، فجعل الله له الحوت آية... وذكر الحديث إلى قوله: {فارتدّا على آثارهما قصصاً} فوجدا خضراً، فكان من شأنهما ما قصّ الله في كتابه». هذه روايات البخاري، ومسلم.
ولمسلم رواية أخرى بطولها، وفيها فانطلقا، حتى إذا لقيا غلماناً يلعبون، قال: فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي، فقتله، قال: فذعر عندها موسى ذعرة منكرة، قال: {أقتلت نفساً زاكيةً بغير نفسٍ لقد جئت شيئاً نكراً} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عند هذا المكان: «رحمة الله علينا وعلى موسى، لولا أنه عجّل لرأى العجب، ولكنه أخذته من صاحبه ذمامةٌ».
وعند البخاري فيه ألفاظ غير مسندة، منها: «يزعمون أن الملك كان اسمه: هدد بن بدد، وأنّ الغلام المقتول: كان اسمه فيما يزعمون: حيسور».
وفي رواية في قوله قال: {ألم أقل إنّك لن تستطيع معي صبراً} قال: «كانت الأولى نسياناً، والوسطى: شرطاً، والثالثة عمداً».
وأخرجه الترمذي مثل الرواية الأولى بطولها.
(وفيها قال سفيان: «يزعم ناسٌ أنّ تلك الصخرة عندها عين الحياة، لا يصيب ماؤها ميتاً إلا عاش. قال: وكان الحوت قد أكل منه، فلما قطر عليه الماء عاش»... وذكر الحديث إلى آخره).
وفي رواية لمسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ {لتخذت عليه أجراً}.
وعنده قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
وفي رواية الترمذي أيضاً: قال «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً... لم يزد».
وأخرج أبو داود من الحديث طرفين مختصرين عن أبيّ بن كعبٍ:
الأول، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الغلام الذي قتله الخضر: طبع يوم طبع كافراً ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً».
والثاني: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبصر الخضر غلاماً يلعب مع الصبيان، فتناول رأسه فقلعه، فقال موسى: {أقتلت نفساً زكيّةً... } الآية».
وحيث اقتصر أبو داود على هذين الطرفين من الحديث بطوله لم أعلم علامته.
[شرح الغريب]
(مكتل) المكتل: شبه الزنبيل، يسع خمسة عشر صاعاً.
(سرباً) السرب: المسلك.
(نصباً) النصب، التعب.
(أوينا) أي: يأوي إلى المنزل: إذا انضم إليه ورجع.
(فارتدا) افتعلا من الارتداد: وهو الرجوع.
(قصصاً) القصص: تتبع الأثر شيئاً بعد شيء، والمعنى: رجعا من حيث جاءا، يقصان الأثر.
(مسجى) المسجى: المغطى.
(رشداً) الرّشد والرّشد: الهدى.
(نول) النّول: العطية والجعل. تقول: نلت الرجل أنوله نولاً: إذا أعطيته، ونلت الشيء أناله نيلاً: وصلت إليه.
(إمراً) الإمر: الأمر العظيم المنكر.
(حلاوة القفا) قال الجوهري: حلاوة القفا بالضم: وسطه، وكذلك حلاوى القفا: فإن مددت، فقلت: حلاواء القفا: فتحت.
(ذمامة) الذمامة بالذال المعجمة: الحياء والإشفاق من الذم، وبالدال غير المعجمة: قبح الوجه، والمراد الأول.
(أرهقهما طغياناً) يقال: رهقه - بالكسر، يرهقه رهقاً، أي: غشيه وأرهقه طغياناً وكفراً، أي أغشاه أياه، ويقال: أرهقني فلان إثماً حتى رهقته، أي: حملني إثماً حتى حملته له، والطغيان: الزيادة في المعاصي.
(طنفسه) الطنفسة: واحدة الطنافس: وهي البسط التي لها خمل رقيق.
(كبد البحر) كبد كل شيء: وسطه. وكأنه أراد به ها هنا: جانبه.
(تمارى) المماراة: المجادلة والمخاصمة). [جامع الأصول: 2/220-230] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 60 – 82
أخرج ابن عساكر من طريق ابن سمعان عن مجاهد قال: كان ابن عباس يقول في هذه الآية {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح} يقول: لا أنفك ولا أزال {حتى أبلغ مجمع البحرين} يقول: ملتقى البحرين {أو أمضي حقبا} يقول: أو أمضي سبعين خريفا {فلما بلغا مجمع بينهما} يقول: بين البحرين {نسيا حوتهما} يقول: ذهب منهما وأخطأهما وكان حوتا مليحا معهما يحملانه فوثب من المكتل إلى الماء فكان {سبيله في البحر سربا} فأنسى الشيطان فتى موسى أن يذكره وكان فتى موسى يوشع بن نون {واتخذ سبيله في البحر عجبا} يقول: موسى عجب من أثر الحوت ودوراته التي غار فيها {قال ذلك ما كنا نبغ} قول موسى: فذاك حيث أخبرت أني أجد الخضر حيث يفارقني الحوت {فارتدا على آثارهما قصصا} يقول: اتبع موسى ويوشع أثر الحوت في البحر وهم راجعان على ساحل البحر {فوجدا عبدا من عبادنا} يقول: فوجدا خضرا {آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} قال الله تعالى: (وفوق كل ذي علم عليم) (يوسف آية 76) فصحب موسى الخضر وكان من شأنهما ما قص الله في كتابه). [الدر المنثور: 9/576-577] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس أن نوفا البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى صاحب بني إسرائيل: قال ابن عباس: كذب عدو الله، حدثنا أبي بن كعب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن موسى قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل: أي الناس أعلم فقال: أنا، فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه: أن لي عبدا بمجمع البحرين وهو أعلم منك، قال موسى: يا رب كيف لي به قال: تأخذ معك حوتا تجعله في مكتل فحيثما فقدت الحوت فهو ثم، فأخذ حوتا فجعله في مكتل ثم انطلق وانطلق معه فتاه يوشع بن نون حتى إذا أتيا الصخرة وضعا رأسيهما فناما واضطرب الحوت في المكتل فخرج منه فسقط في البحر {فاتخذ سبيله في البحر سربا} وأمسك الله عن الحوت جرية الماء فصار عليه مثل الطاق فلما استيقظ نسي صاحبه أن يخبرهه بالحوت فانطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان من الغد قال موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ولم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره الله به فقال له فتاه: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: فكان للحوت سربا ولموسى ولفتاه عجبا، فقال موسى {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} قال سفيان: يزعم ناس أن تلك الصخرة عندها عين الحياة ولا يصيب ماؤها ميتا إلا عاش، قال: وكان الحوت قد أكل منه فلما قطر عليه الماء عاش، قال: فرجعا يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة فإذا رجل مسجى بثوب فسلم عليه موسى فقال الخضر: وأنى بأرضك السلام قال: أنا موسى، قال: موسى بني إسرائيل قال: نعم أتيتك لتعلمني مما علمت رشدا {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} يا موسى إني على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه أنت وأنت على علم من علم الله علمك الله لا أعلمه، فقال موسى {ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} فقال له الخضر {فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا} يمشيان على ساحل البحر فمرت بهم سفينة فكلموهم أن يحملوهم فعرفوا الخضر فحملوه بغير نول فلما ركبوا في السفينة فلم يفجأه إلا والخضر قد قلع لوحا من ألواح السفينة بالقدوم فقال له موسى: قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها، {لقد جئت شيئا إمرا} فقال: {ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا}، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت الأولى من موسى نسيانا قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر: ما علمني وما علمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذ أبصر الخضر غلاما يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر رأسه بيده فاقتلعه فقتله فقال له موسى: {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: وهذه أشد من الأولى {قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض} قال: مائل فأخذ الخضر بيده هكذا فأقامه فقال موسى: قوم أتيناهم فلم يطعمونا ولم يضيفونا {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} فقال: {هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا}، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وددنا أن موسى كان صبر حتى يقص الله علينا من خبرهما، قال سعيد بن جبير: وكان ابن عباس يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين). [الدر المنثور: 9/577-579] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد ومسلم، وابن مردويه من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وكنا عنده فقال القوم: إن نوفا الشامي يزعم أن الذي ذهب يطلب العلم ليس بموسى بني إسرائيل فكان ابن عباس متكئا فاستوى جالسا فقال: كذب نوف حدثني أبي بن كعب أنه سمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل واستحيا وأخذته دمامة من صاحبه فقال له: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني لرأى من صاحبه عجبا، قال: وكان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا ذكر نبيا من الأنبياء بدأ بنفسه فقال: رحمة الله علينا وعلى صالح ورحمة الله علينا وعلى أخي عاد ثم قال: إن موسى بينا هو يخطب قومه ذات يوم إذ قال لهم: ما في الأرض أحد أعلم مني، فأوحى الله إليه: أن في الأرض من هو أعلم منك وآية ذلك أن تزود حوتا مالحا فإذا فقدته فهو حيت تفقده، فتزود حوتا مالحا فانطلق هو وفتاه حتى إذا بلغا المكان الذي أمروا به فلما انتهوا إلى الصخرة انطلق موسى يطلب ووضع فتاه الحوت على الصخرة فاضطرب {فاتخذ سبيله في البحر سربا} قال فتاه: إذا جاء نبي الله حدثته، فأنساه الشيطان فانطلقا فأصابه ما يصيب المسافر من النصب والكلال حين جاوز ما أمر به فقال موسى: {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال فتاه: يا نبي الله {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} أن أحدثك {وما أنسانيه إلا الشيطان} {فاتخذ سبيله في البحر سربا} {قال ذلك ما كنا نبغ} [ نبغي ] فرجعا {على آثارهما قصصا} يقصان الأثر حتى انتهيا إلى الصخرة فأطاف فإذا هو برجل مسجى بثوب فسلم عليه فرفع رأسه فقال له: من أنت قال: موسى، قال: من موسى قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما لك قال: أخبرت أن عندك علما فأردت أن أصحبك {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا} قال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} قال: قد أمرت أن أفعله {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة} فخرج من كان فيها وتخلف ليخرقها فقال له موسى: تخرقها {لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فانطلقا حتى إذا أتوا على غلمان يلعبون على ساحل البحر وفيهم غلام ليس في الغلمان أحسن ولا ألطف منه فأخذه فقتله فنفر موسى عند ذلك وقال {أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} قال: فأخذته دمامة من صاحبه واستحيا فقال {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} وقد أصاب موسى جهد شديد فلم يضيفوهما {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} قال له موسى مما نزل به من الجهد: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا} فأخذ موسى بطرف ثوبه فقال حدثني {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} فإذا مر عليها فرآها منخرقة تركها ورقعها أهلها بقطعة من خشب فانتفعوا بها.
وأما الغلام فإنه كان طبع يوم طبع كافرا وكان قد ألقي عليه محبة من أبويه ولو عصياه شيئا لأرهقهما طغيانا وكفرا فأراد ربك أن يبدلهما {خيرا منه زكاة وأقرب رحما} فوقع أبوه على أمه فعلقت خيرا منه زكاة وأقرب رحما). [الدر المنثور: 9/583-586] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قام موسى خطيبا لنبي إسرائيل فأبلغ في الخطبة وعرض في نفسه أن أحدا لم يؤت من العلم ما أوتي وعلم الله الذي حدث نفسه من ذلك فقال له: يا موسى إن من عبادي من قد آتيته من العلم ما لم أوتك، قال: فادللني عليه حتى أتعلم منه، قال: يدلك عليه بعض زادك، فقال لفتاه يوشع {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا} قال: فكان فيما تزوداه حوت مملوح وكانا يصيبان منه عند العشاء والغداء فلما انتهيا إلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتل على ساحل البحر فأصاب الحوت ندى الماء فتحرك في المكتل فقلب المكتل وأسرب في البحر فلما جاوز أحضر الغداء فقال: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} فذكر الفتى {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا} فذكر موسى ما كان عهد إليه إنه يدلك عليه بعض زادك، {قال ذلك ما كنا نبغ} أي هذه حاجتنا {فارتدا على آثارهما قصصا} يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى الصخرة التي فعل فيها الحوت ما فعل فأبصر موسى أثر الحوت فأخذا أثر الحوت يمشيان على الماء حتى انتهيا إلى جزيرة من جزائر العرب {فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} فأقر له بالعلم {قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} يقول: حتى أكون أنا أحدث ذلك لك {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها قال أخرقتها لتغرق أهلها} إلى قوله: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما} على ساحل البحر في غلمان يلعبون فعهد إلى أجودهم وأصبحهم {فقتله قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا}، قال ابن عباس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاستحى نبي الله موسى عند ذلك فقال: {إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} إلى قوله: {سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} قال: وهي في قراءة أبي بن كعب يأخذ كل سفينة صالحة غصبا فأردت أن أعيبها حتى لا يأخذها الملك فإذا جاوزوا الملك رقعوها فانتفعوا بها وبقيت لهم {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} إلى قوله: {ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} قال: فجاء طائر هذه الحمرة فبلغ فجعل بغمس منقاره في البحر فقال له: يا موسى ما يوق هذا الطائر قال: لا أدري، قال: هذا يقول: ما علمكما الذي تعلمان في علم الله إلا كما أنقص بمنقاري من جميع ما في هذا البحر). [الدر المنثور: 9/590-592] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الروياني، وابن عساكر من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينما موسى عليه السلام يذكر بني إسرائيل إذ حدث نفسه أنه ليس أحد من الناس أعلم منه فأوحى الله إليه: أني قد علمت ما حدثت به نفسك فإن من عبادي رجلا أعلم منك، يكون على ساحل البحر فأته فتعلم منه واعلم أن الآية الدالة لك على مكانه زادك الذي تزود به فأينما فقدته فهناك مكانه، ثم خرج موسى وفتاه قد حملا حوتا مالحا في مكتل وخرجا يمشيان لا يجدان لغوبا ولا عنتا حتى انتهيا إلى العين التي كان يشرب منها الخضر فمضى موسى وجلس فتاه فشرب منها فوثب الحوت من المكتل حتى وقع في الطين ثم جرى حتى وقع في البحر، فذلك قوله تعالى: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} فانطلق حتى لحق موسى فلما لحقه أدركه العياء فجلس وقال لفتاه {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} قال: ففقد الحوت فقال: {فإني نسيت الحوت} الآية، يعني فتى موسى {واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ} إلى {قصصا} فانتهيا إلى الصخرة فأطاف بها موسى فلم ير شيئا ثم صعد فإذا على ظهرها رجل متلفف بكسائه نائم فسلم عليه موسى فرفع رأسه فقال: أنى السلام بهذا المكان، من أنت قال: موسى بني إسرائيل، قال: فما كان لك في قومك شغل عني قال: أني أمرت بك، فقال الخضر: {إنك لن تستطيع معي صبرا} {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} الآية، {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} فخرجا يمشيان حتى انتهيا إلى ساحل البحر فإذا قوم قد ركبوا في سفينة يريدون أن يقطعوا البحر ركبوا معهم فلما كانوا في ناحية البحر أخذ الخضر حديدة كانت معه فخرق بها السفينة {قال أخرقتها لتغرق أهلها} الآية، {قال ألم أقل} الآية، {قال لا تؤاخذني} الآية، {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية} فوجدا صبيانا يلعبون يريدون القرية فأخذ الخضر غلاما منهم وهو أحسنهم وألطفهم فقتله قال له موسى: {أقتلت نفسا زكية} الآية، {قال ألم أقل لك} الآية، {قال إن سألتك} الآية، فانطلقا حتى انتهيا إلى قرية لئام وبهما جهد فاستطعموهم فلم يطعموهم فرأى الجدار مائلا فمسحه الخضر بيده فاستوى فقال: {لو شئت لاتخذت عليه أجرا} قال له موسى: قد ترى جهدنا وحاجتنا لو سألتهم عليه أجرا أعطوك فنتعشى به {قال هذا فراق بيني وبينك}، قال: فأخذ موسى بثوبه فقال: أنشدك الصحبة إلا أخبرتني عن تأويل ما رأيت قال: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} الآية، خرقتها لأعيبها فلم تؤخذ فأصلحها أهلها فامتنعوا بها وأما الغلام فإن الله جعله كافرا وكان أبواه مؤمنين فلو عاش لأرهقهما {طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة} الآية). [الدر المنثور: 9/592-595] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أو أمضي حقبا} قال: سبعين خريفا، وفي قوله: {فلما بلغا مجمع بينهما} قال: بين البحرين {نسيا حوتهما} قال: أضلاه في البحر {واتخذ سبيله في البحر عجبا} قال: موسى يعجب من أثر الحوت ودوراته التي غاب فيها {فارتدا على آثارهما قصصا} قال: اتباع موسى وفتاه أثر الحوت حيث يشق البحر راجعين). [الدر المنثور: 9/606] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنجاب ماء منذ كان الناس غير بيت ماء الحوت دخل منه صار منجابا كالكرة حتى رجع إليه موسى فرأى أمساكه قال: {ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا} أي يقصان آثارهما حتى انتهيا إلى مدخل البحر). [الدر المنثور: 9/606-607]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {فارتدا على آثارهما قصصا} قال: عودهما على بدئهما). [الدر المنثور: 9/608]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: قال موسى لفتاه يوشع بن نون {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين} فاصطادا حوتا فاتخذاه زادا وسارا حتى انتهيا إلى الصخرة التي أرادها فهاجت ريح فاشتبه عليه المكان ونسيا عليه الحوت ثم ذهبا فسارا حتى اشتهيا الطعام فقال لفتاه: {آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} يعني جهدا في السير، فقال الفتى لموسى: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره}، قال: فسمعنا عن ابن عباس أنه حدث عن رجال من علماء أهل الكتاب أن موسى دعا ربه على أثره ومعه ماء عذب في سقاء فصب من ذلك الماء في البحر وانصب على أثره فصار حجرا أبيض أجوف فأخذ فيه حتى انتهى إلى الصخرة التي أراد فصعدها وهو متشوف: هل يرى ذلك الرجل حتى كاد يسيء الظن ثم رآه فقال: السلام عليك يا خضر، قال: عليك السلام يا موسى، قال: من حدثك أني أنا موسى، قال: حدثني الذي حدثك أني أنا الخضر، قال: إني أريد أن أصحبك {على أن تعلمن مما علمت رشدا} وأنه تقدم إليه فنصحه فقال: {إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} وذلك بأن أحدهم لو رأى شيئا لم يكن رآه قط ولم يكن شهده ما كان يصبر حتى يسأل ما هذا فلما أبى عليه موسى إلا أن يصحبه {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا} إن عجلت علي في ثلاث فذلك حين أفارقك، فهم قيام ينظرون إذ مرت سفينة ذاهبة إلى أبلة فناداهم خضر: يا أصحاب السفينة هلم إلينا فاحملونا في سفينتكم وإن أصحاب السفينة قالوا لصاحبهم: إنا نرى رجالا في مكان مخوف إنما يكون هؤلاء لصوصا فلا تحملهم، فقال صاحب السفينة: إني أرى رجالا على وجوههم النور لأحملنهم، فقال الخضر: بكم حملت هؤلاء كل رجل حملت في سفينتك فلك لكل رجل منا الضعف، فحملهم فساروا حتى إذا شارفوا على الأرض - وقد أمر صاحب القرية: إن أبصرتم كل سفينة صالحة ليس فيها عيب فائتوني بها - وإن الخضر أمر أن يجعل فيها عيبا لكي لا يسخروها فخرقها فنبع فيها الماء وإن موسى امتلأ غضبا {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} وإن موسى عليه السلام شد عليه ثيابه وأراد أن يقذف الخضر في البحر فقال: أردت هلاكهم فتعلم أنك أول هالك: فجعل موسى كلما ازداد غضبا استقر البحر وكلما سكن كان البحر كالدهر وإن يوشع بن نون قال لموسى عليه السلام: ألا تذكر العهد والميثاق الذي جعلت على نفسك وإن الخضر أقبل عليه {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} وإن موسى أدركه عند ذلك الحلم فقال: {لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} فلما انتهوا إلى القرية قال خضر: ما خلصوا إليكم حتى خشوا الغرق وإن الخضر أقبل على صاحب السفينة فقال: إنما أردت الذي هو خير لك فحمدوا رأيه في آخر الحديث وأصلحها الله كما كانت، ثم إنهم خرجوا حتى انتهوا إلى غلام شاب عهد إلى الخضر أن أقتله فقتله {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس} إلى قوله: {قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا} وإن خضرا أقبل عليه فقال: قد وفيت لك بما جعلت على نفسي {هذا فراق بيني وبينك} {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} فكان لا يغضب أحدا إلا دعا عليه وعلى أبويه فطهر الله أبويه أن يدعو عليهما أحد وأيد لهما مكان الغلام آخر خيرا منه وأبر بوالديه {وأقرب رحما}، {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} فسمعنا أن ذلك الكنز كان علما فورثا ذلك العلم). [الدر المنثور: 9/620-623] (م)


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:32 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
Post

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] وهو يوشع بن نون، وهو اليسع.
{لا أبرح} [الكهف: 60] لا أزال.
وهو تفسير السّدّيّ، أمضي قدمًا.
{حتّى أبلغ مجمع البحرين} [الكهف: 60] بحر فارس والرّوم، حيث التقيا وهما محيطان بالخلق.
وقال قتادة: بحر فارس والرّوم، وبحر الرّوم نحو المشرق.
{أو أمضي حقبًا} [الكهف: 60] سبعين سنةً في تفسير مجاهدٍ.
وبعضهم يقول ثمانين.
وذلك أنّ موسى قام في بني إسرائيل مقامًا فقال: ما بقي اليوم أحدٌ أعطاه اللّه مثل ما أعطاكم: أنجاكم من قوم فرعون، وقطع بكم البحر، وأنزل عليكم التّوراة.
ورأى في نفسه حين فعل اللّه ذلك به وعلّمه أنّه لم يبق أحدٌ أعلم منه.
فأوحى اللّه إليه: إنّ لي عبدًا أعلم منك يقال له: «الخضر» فاطلبه.
فقال له موسى: ربّ كيف لي بلقائه؟ فأوحى اللّه إليه أن يجعل حوتًا في متاعه ويمضي على وجهه حتّى يبلغ مجمع البحرين، بحر فارس والرّوم، وجعل العلم على لقائه أن يفتقد الحوت، فإذا فقدت الحوت فاطلب صاحبك عند ذلك.
فانطلق هو وفتاه، وهو يوشع بن نون، وحملا معهما مكتلا فيه حوتٌ مملوحٌ.
قال: فسايرا البحر زمانًا ثمّ أويا يعني: انتهيا.
تفسير السّدّيّ، إلى الصّخرة
[تفسير القرآن العظيم: 1/195]
على ساحل البحر الّذي عند مجتمع البحرين عندها عين ماءٍ، فباتا بها وأكلا نصف الحوت وبقي نصفه، فانسرب الحوت في العين.
وقال بعضهم أدنى فتاه المكتل من العين فأصابه الماء، فعاش الحوت فدخل في البحر.
وارتحل موسى وفتاه فسايرا البحر حتّى أصبح). [تفسير القرآن العظيم: 1/198]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح...}

يريد: لا أزال حتى أبلغ، لم يرد: لا أبرح مكاني. وقوله: {فلن أبرح الأرض حتّى يأذن لي أبي} غير معنى أزال، هذه إقامة. وقوله: {لن نبرح عليه عاكفين}: لن نزال عليه عاكفين.
ومثلها ما فتئت وما فتأت - لغة - ولا أفتأ أذكرك. وقوله: {تالله تفتأ تذكر يوسف} معناه: لا تزال تذكر يوسف. ولا يكون تزال وأفتأ وأبرح إذا كانت في معناهما إلاّ بجحد ظاهر أو مضمر. فأما الظاهر فقد تراه في القرآن {ولا يزالون مختلفين} {ولا يزال الذين كفروا} {فما زالت تلك دعواهم} وكذلك {لا أبرح} والمضمر فيه الجحد قول الله {تفتأ} ومعناه:
لا تفتأ. لا تزال تذكر يوسف: ومثله قول الشاعر:
فلا وأبي دهماء زالت عزيزةً = على قومها ما فتّل الزّند قادح
وكذلك قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعداً = ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
قوله: {أو أمضي حقباً} الحقب في لغة قيس: سنة. وجاء التفسير أنه ثمانون سنة.
وأمّ قوله: {مجمع البحرين} فبحر فارس والروم.
وإنما سمّى فتى موسى لأنه كان لازماً له يأخذ عنه العلم. وهو يوشع بن نون). [معاني القرآن: 2/154-153]

قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {أو أمضى حقباً} أي زماناً وجميعه أحقاب، ويقال في معناه: مضت له حقبة والجميع حقب على تقدير كسرة والجميع كسر كثيرةٌ). [مجاز القرآن: 1/409]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقباً}
وقال: {لا أبرح} أي: لا أزال.
قال الشاعر:
وما برحوا حتّى تهادت نساؤهم = ببطحاء ذي قارٍ عياب اللّطائم
أي: ما زالوا). [معاني القرآن: 2/79]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {لا أبرح حتى أبلغ} لا أبرح، مثل: لا أزال أفعل.
قال امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدًا = ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
وقال خداش:
وأبرح ما أدام الله قومي = بحمد الله منتطقًا مجيدا
أي راكب فرس جواد). [معاني القرآن لقطرب: 875]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : ( {أو أمضي حقبا}؛ وقوله {لابثين فيها أحقابا} فيكون الواحد حقب؛ وقالوا: حقبة من الدهر أيضًا.
ابن عباس: الحقبة: سنة بلغة قيس). [معاني القرآن لقطرب: 875]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({لا أبرح}: لن أزال ومنه {لن نبرح عليه عاكفين}: لن نزال. يقال ما برحت أقول ذلك، أي مازلت.
{حقبا}: زمانا وهو واحد وجمعه أحقاب). [غريب القرآن وتفسيره: 232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {حقباً} أي زمانا ودهرا. ويقال الحقب: ثمانون سنة). [تفسير غريب القرآن: 269]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا}
وإن شئت قلت بالإمالة والكسر، وهي لغة تميم، وأهل الحجاز.
يفتحون ويفخّمون.
ويروى في التفسير أنّ فتاه " يوشع بن نون ".
{لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين}.
معنى (لا أبرح) لا أزال، ولو كان لا أزول كان محالا، لأنه إذا لم يزل من مكانه لم يقطع أرضا، ومعنى لا أبرح في معنى لا أزال - موجود في كلام العرب.
قال الشاعر:
وأبرح ما أدام الله قومي= على الأعداء منتطقا مجيدا

أي: لا أزال.
وإنما سمى فتاه لأنه كان يخدمه، والدليل على ذلك قول موسى:{آتنا غداءنا}.
وقوله: {حقبا} الحقب ثمانون سنة، وكان مجمع البحرين الموضع الذي وعد فيه موسى بلقاء الخضر عليه السلام.
وأحب الله عزّ وجلّ أن يعلم موسى - وإن كان قد أوتي التوراة أنه قد أوتي غيره من العلم أيضا ما ليس عنده، فوعد بلقاء الخضر). [معاني القرآن: 3/299-298]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح} قيل إنما قيل له فتاه لأنه كان يخدمه وهو يوشع ومعنى لا أبرح
أي لا أزال وليس معناه لا أزول). [معاني القرآن: 4/263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {حتى أبلغ مجمع البحرين} روى معمر عن قتادة قال بحر الروم بحر فارس
وقال غيره هو الموضع الذي وعده الله أن يلقى فيه الخضر). [معاني القرآن: 4/264-263]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال تعالى: {أو أمضى حقبا} روى عمرو بن ميمون عن عبد الله بن عمرو قال الحقب ثمانون سنة وروى ابن نجيح
قال الحقب سبعون خريفا وروى معمر عن قتادة قال الحقب زمان قال أبو جعفر الذي يعرفه أهل اللغة أن الحقب
والحقبة زمان من الدهر مبهم غير محدود كما أن قوما ورهطا مبهم غير محدود والحقب بضمتين جمعه أحقاب ويجوز أن يكون أحقاب جمع حقب وحقب جمع حقبة ثم قال جل وعز: {فلما بلغا مجمع بينهما} قال مجاهد أي بين البحرين وقال أبي بن كعب رحمه الله أفريقيه). [معاني القرآن: 4/265-264]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {لا أبرح} أي: لا أزال). [ياقوتة الصراط: 327]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (الحقب) ثمانون سنة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 144]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {لا أَبْرَحُ}: لا أزول.
{حُقُبـاً}: زمانـاً). [العمدة في غريب القرآن: 191]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {نسيا حوتهما...}
وإنما نسيه يوشع فأضافه إليهما، كما قال {يخرج منهما الّلؤلؤ والمرجان} وإنما يخرج من الملح دون العذب. وقوله: {فاتّخذ سبيله في البحر سرباً} كان مالحاً فلمّا حيي بالماء الذي أصابه من العين فوقع في البحر جمد طريقه في البحر فكان كالسرب.
وقوله: {فاتّخذ سبيله}.
يقول: اتخذ موسى سبيل الحوت {في البحر عجباً}.
ثم قال حين أخبره بقصّة الحوت). [معاني القرآن: 2/155-154]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {في البحر سرباً} أي مسلكا ومذهباً أي يسرب فيه، وفي آيةٍ أخرى {وساربٌ بالنّهار} ). [مجاز القرآن: 1/409]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : ( {مجمع بينهما} وقالوا: مجمع أيضًا). [معاني القرآن لقطرب: 875]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : ( {في البحر سربا} أي مسلكًا ومذهبًا، من حيث يسرب؛ وقد فسرنا ذلك مع {سارب بالنهار}.
[إلى هاهنا زيادة محمد بن صالح] ). [معاني القرآن لقطرب: 876]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {سربا}: مذهبا ومسلكا). [غريب القرآن وتفسيره: 232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فاتّخذ سبيله} أي فاتخذ الحوت طريقه في البحر.
{سرباً} أي مذهبا ومسلكا). [تفسير غريب القرآن: 269]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن يجتمع شيئان ولأحدهما فعل فيجعل الفعل لهما:
كقوله سبحانه: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا}.
روي في التفسير: أن النّاسي كان يوشع بن نون ويدلّك قوله لموسى، صلّى الله عليه وسلم: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} .
وقوله: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ} والرسل من الإنس دون الجن.
وقوله: {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ} ثم قال: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ}.
واللؤلؤ والمرجان إنما يخرجان من الماء الملح لا من العذب.
وكذلك قوله: {وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.
وقد غلط في هذا المعنى أبو ذؤيب الهذليّ ولا أدري أمن جهة هذه الآيات غلط
أم من غيرها؟ قال يذكر الدّرّة:
فجاء بها ما شئت من لطميّة = يدوم الفرات فوقها ويموج
والفرات لا يدوم فوقها وإنما يدوم الأجاج). [تأويل مشكل القرآن: 288-286]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربا}
يعنى به موسى ويوشع.
{نسيا حوتهما} وكانت فيما روي سمكة مملوحة، وكانت آية لموسى في الموضع الذي يلقى فيه الخضر.
{فاتّخذ سبيله في البحر سربا} أحيا اللّه السمكة حتى سربت في البحر، و (سربا) منصوب على جهتين.
على المفعول كقولك: اتخذت طريقي في السرب، واتخذت طريقي مكان كذا وكذا، فيكون مفعولا ثانيا كقولك اتخذت زيدا وكيلا.
ويجوز أن يكون " سربا " مصدرا يدل عليه (فاتخذ سبيله في البحر) فيكون المعنى نسيا حوتهما فجعل الحوت طريقه في البحر ثم بين كيف ذلك، فكأنه قال: سرب الحوت سربا،
ومعنى نسيا حوتهما، كان النسيان من يوشع أن تقدمه، وكان النسيان من موسى أن يأمره فيه بشيء). [معاني القرآن: 3/299]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا} قيل كان النسيان من موسى صلى الله عليه وسلم أن يتقدم إلى يوشع بشيء من أمر الحوت وكان النسيان من يوشع عليه السلام يخبره بسربه وقيل أن يقدمه،
ثم قال {فاتخذ سيله في البحر سربا} السرب في اللغة المذهب والمسلك). [معاني القرآن: 4/266-265]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سربا} مذهبا ومسلكا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 144]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({سَرَبا}: هرباً مرهباً). [العمدة في غريب القرآن: 191]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (وارتحل موسى وفتاه فسايرا البحر حتّى أصبح ثمّ: {قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا} شدّةً، يعني: نصب السّفر). [تفسير القرآن العظيم: 1/198]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) :
( {فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً}

وقال: {آتنا غداءنا} إن شئت جعلته من "آتى الغداء" أو "أئية" كما تقول "ذهب" و"أذهبته" وإن شئت من "أعطى" وهذا كثير). [معاني القرآن: 2/79]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال فتاه:
{أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت} [الكهف: 63] السّدّيّ: يعني لم أحفظ ذكره.
قال: {وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره} [الكهف: 63] لك، وفي بعض القراءة: أن أدركه.
سعيدٌ، عن قتادة، قال: ذكر لنا أنّ موسى لمّا قطع البحر وأنجاه اللّه من آل فرعون جمع بني إسرائيل فخطبهم فقال: أنتم اليوم خير أهل الأرض وأعلمه، قد أهلك اللّه عدوّكم، وأقطعكم البحر، وأنزل عليكم التّوراة.
قال: فقيل له: إنّ هاهنا رجلا هو أعلم منك.
فانطلق هو وفتاه يوشع بن نون يطلبانه وتزوّدا مملوحة في مكتلٍ لهما، وقيل لهما: إذا نسيتما بعض ما معكما لقيتما رجلا عالمًا يقال له: «خضرٌ».
فلمّا أتيا ذلك المكان ردّ اللّه إلى الحوت روحه فسرب له من الجدّ حتّى أفضى إلى البحر، ثمّ سلك فجعل لا يسلك فيه طريقًا إلا صار الماء جامدًا.
ومضى موسى وفتاه، {فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا {62} قال أرأيت إذ أوينا} [الكهف: 62-63] يعني: إذ انتهينا.
وهوتفسير السّدّيّ.
{إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت} أن أذكره، وفي مصحف عبد اللّه: أن أدركه، فرجعا عودهما على بدئهما). [تفسير القرآن العظيم: 1/196-197]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {واتّخذ سبيله في البحر عجبًا}
موسى يعجب من أثر الحوت في البحر.
وهو تفسير مجاهدٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1/197]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ):
({واتّخذ سبيله في البحر} سبيلا {عجباً}). [تفسير غريب القرآن: 269]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (النسيان: ضد الحفظ، كقوله: {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ} ، وقال: {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} ). [تأويل مشكل القرآن: 500]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا}
والصخرة موضع الموعد).
{قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبا}
{فإنّي نسيت الحوت}.
وهذا قول يوشع لموسى، حين قال موسى {آتنا غداءنا}.
وكانت السمكة من عدّة غدائهما، فقال: {وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره}.
كسر الهاء وضمها جائزان في (أنسانيه)، (أن أذكره) بدل من الهاء لاشتمال الذكر على الهاء في المعنى، والمعنى وما أنساني أن أذكره إلا الشيطان.
{واتّخذ سبيله في البحر عجبا}.
(عجبا) منصوب على وجهين، على قول يوشع: واتخذ الحوت سبيله في البحر عجبا، ويجوز أن يكون قال يوشع: اتخذ الحوت سبيله في البحر.
فأجابه موسى فقال: (عجبا)، كأنّه قال: أعجب عجبا). [معاني القرآن: 3/300]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فارتدّا على آثارهما قصصًا} [الكهف: 64] فلقيا الخضر.
وذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّما سمّي الخضر لأنّه قعد على قرددٍ بيضاء فاهتزّت به خضراء»). [تفسير القرآن العظيم: 1/197]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {قال ذلك ما كنّا نبغ} [الكهف: 64] قال موسى: ذلك حيث أمرت أن أجد «خضرًا» حيث يفارقني الحوت.
قال يحيى: والخضر هو إلياس.
قوله: {فارتدّا على آثارهما} [الكهف: 64] اتّبع موسى وفتاه الحوت يشقّ البحر راجعًا.
هذا تفسير مجاهدٍ.
قال: {قصصًا} [الكهف: 64] عودهما على بدئهما راجعين حتّى أتيا الصّخرة فاتّبعا أثر الحوت في البحر.
وكان الحوت حيث مرّ جعل يضرب بذنبه يمينًا وشمالا في البحر، فجعل كلّ شيءٍ يضربه الحوت بذنبه ييبس فصار كهيئة طريقٍ في البحر.
فاتّبعا أثره حتّى خرجا إلى جزيرةٍ، فإذا هما بالخضر في روضةٍ يصلّي.
فأتياه من خلفه فسلّم عليه موسى، فأنكر الخضر التّسليم من ذلك الموضع، فرفع رأسه فإذا هو بموسى فعرفه، فقال: وعليك السّلام يا نبيّ بني إسرائيل.
فقال موسى:
[تفسير القرآن العظيم: 1/197]
وما يدريك أنّي رسول بني إسرائيل؟ قال: أدراني بك الّذي أدراك بي). [تفسير القرآن العظيم: 1/198]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {ذلك ما كنّا نبغ...}
أي هذا الذي كنّا نبغي). [معاني القرآن: 2/155]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فارتدّا على آثارهما قصصاً} مجازه: نكصا على أدبارهما فرجعا قصصاً، رجعا يقصان الأّثر). [مجاز القرآن: 1/409]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (أهل المدينة {ذلك ما كنا نبغي} في الوصل، وتحذف في الوقف، وكذلك {يوم يأتي} {والليل إذا يسرى}.
وعاصم بن بهدلة {يوم يأتي لا تكلم} بغير ياء في الوقف والوصل؛ {والليل إذا يسر}، وقد فسرنا ذلك كله في سورة أم الكتاب). [معاني القرآن لقطرب: 855]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {ذلك ما كنا نبغ} المعنى نطلب.
وقوله {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء} قالوا في الفعل والمصدر: بغى الرجل حاجته بغاءً؛ وإنه لذو بغاية: إذا كان كسوبًا؛ وبغية الرجل: طلبته.
وقال أبو ذؤيب الهذلي:
بغاية إنما يبغي الصحاب من الفتيان في مثلها الشم الأناجيح
وقالوا بغت المرأة تبغي بغيًا وبغاءً؛ والبغي أيضًا التي لا بأس بها؛ لأنها تبتغي وتراد؛ والبغي أيضًا الأمة.
قال الأعشى:
والبغايا يركضن أكسية الإضريج والشرعي ذا الأذيال
ويقال: أيضًا: أبغني كذا وكذا إبغاءً؛ أي أعني عليه واطلبه معي؛ ويقال: بغى الرجل علي بغيًا؛ والجرح يبغي بغيًا؛ إذا ترامى إلى الفساد.
ويقال: دفعنا بغي السماء عنا؛ أي شدتها ومعظم مطرها؛ ويقال: ما انبغي لك أن تفعل كذا؛ أي ما يصلح لك؛ وينبغي لك أن تفعل من هذه.
وأما قوله {فارتدا على آثارهما قصصا} فواحد الآثار أثر؛ وتميم تقول: على إثره بكسر الألف؛ وقالوا أيضًا: على أثره بفتح الألف وسكون الثاء؛ وهي قليلة.
[معاني القرآن لقطرب: 876]
وقوله {قصصا} أي في أدبارها، يقصان الأثر؛ وهو قول ابن عباس، وقال الله عز وجل {وقالت لأخته قصيه} يعني الأثر). [معاني القرآن لقطرب: 877]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {قصصا}: يقص الأثر أي يتبعه). [غريب القرآن وتفسيره: 232]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قصصاً} أي يقتصّان الأثر الذي جاء فيه). [تفسير غريب القرآن: 269]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (ثم قال: {ذلك ما كنّا نبغي}.
الأكثر في الوقف (نبغ) على اتباع المصحف.
وبعد " نبغ " آية ويجوز وهو أحسن في العربية {ذلك ما كنا نبغي} في الوقف. أما الوصل فالأحسن فيه نبغي بإثبات الياء، وهذا مذهب أبي عمرو، وهو أقوى في العربية.
ومعنى قول موسى (عليه السلام): {ذلك ما كنّا نبغ}، أي ما كنا نريد.
لأنه وعد بالخضر في ذلك المكان الذي تتسرب فيه السمكة.
{فارتدّا على آثارهما قصصا} أي رجعا في الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر قصصا، والقصص اتباع الأثر). [معاني القرآن: 3/300]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {قال ذلك ما كنا نبغ} أي الذي كنا نبغي لأنه وعد أن يلقى الخضر في الموضع الذي ينسرب فيه).
[معاني القرآن: 4/266]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فارتدا على آثارهم قصصا} أي رجعا في الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر قصصا والقصص اتباع الأثر). [معاني القرآن: 4/266]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قصصا} أي يقصان الأثر الذي جاء فيه). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 145]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {قَصَصاً}: اتباع الأثر). [العمدة في غريب القرآن: 191]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 22 رجب 1434هـ/31-05-2013م, 05:36 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60) }
قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقالوا: برح الخفاء، ذهب. وبرح الخفاء: ظهر. قال الله عز وجل: {لا أبرح حتى أبلغ}، أي: لا أزال). [الأضداد: 107]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (والحقب السنون واحدها حقبة.
والحقب ثمانون سنة وجمعه أحقاب ويقال أكثر من ذلك). [الغريب المصنف: 3/709-710]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (وقال أبو العباس في قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آَمَنُوا} قال: أفلم يعلموا.

وقال في قوله تعالى: {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ} قال: بعضهم يقول: ويلك، وبعضهم يقول: اعلم أن الله. وأنشد:

ويكأن من يكن له نشب يح = بب ومن يفتقر يعش عيش ضر
وقال في قوله تعالى: {ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ}: ذلك في موضع رفع ونصب أراد فعلنا ذلك، ومن رفع أراد فعلنا ليعلم ذلك، فيرفع باللام.
{أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}، الحقب سنة، والأحقاب السنون.
{كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ}، فأنشد:
كذاك ابنة الأعيار خافى بسالة الـ = ـرجال فأصلان الرجال أقاصره).
[مجالس ثعلب: 322] (م)
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): ( وبرِح حرف من الأضداد؛ يقال: بَرِح الخفاء، إذا ظهر. قال أبو العباس: أصل (برح) صار في بَرَاح من الأرض، وهو البارز المنكشف، والخفاء: المستور المكتور؛ فإذا قال القائل: برح الخفاء؛ فمعناه ظهر المكتوم؛ قال زهير:
أبى الشهداء عندك من معد = فليس بما تدب به خفاء
وقال قطرب: يقال: برح الخفاء، يراد به استتر وخفي؛ فهذا مضاد الأول، ويقال: ما برح الرجل، يراد به ما زال من الموضع، ويقال: ما برح فلان جالسا؛ يراد به مازال جالسا؛ قال الله عز وجل: {لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين}، فمعناه لا أزال، وقال الشاعر:
إذا أنت لم تبرح تؤدي أمانة = وتحمل أخرى أفدحتك الودائع
معناه: إذا أنت لم تزل. وأفدحتك، معناه أثقلتك، وقال الآخر:
وأبرح ما أدام الله قومي = بحمد الله منتطقا مجيدا
معناه: ولا أبرح، أي ولا أزال، فأضمر (لا) كما قال الآخر:
فأقسمت آسى على هالك = أو اسأل نائحة ما لها
معناه: لا آسى على هالك. وقال امرؤ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا = ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
معناه لا أزال). [كتاب الأضداد: 141-142]
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والحقبة: الدهر والحين وجمع حقبة: حقب. والحقب في التفسير ثمانون سنةً وجمعه أحقاب). [شرح المفضليات: 794]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61) }

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63) }

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ما يحذف من أواخر الأسماء في الوقف وهي الياءات
وذلك قولك هذا قاض وهذا غاز وهذا عم تريد العمي أذهبوها في الوقف كما ذهبت في الوصل ولم يريدوا أن تظهر في الوقف كما يظهر ما يثبت في الوصل فهذا الكلام الجيد الأكثر.
وحدثنا أبو الخطاب ويونس أن بعض من يوثق بعربيته من العرب يقول هذا رامي وغازي وعمي أظهروا في الوقف حيث صارت في موضع غير تنوين لأنهم لم يضطروا ههنا إلى مثل ما اضطروا إليه في الوصل من الاستثقال فإذا لم يكن في موضع تنوين فإن البيان أجود في الوقف وذلك قولك هذا القاضي وهذا العمي لأنها ثابتة في الوصل.
ومن العرب من يحذف هذا في الوقف شبهوه بما ليس فيه ألف ولام إذ كانت تذهب الياء في الوصل في التنوين لو لم تكن الألف واللام وفعلوا هذا لأن الياء مع الكسرة تستثقل كما تستثقل الياءات فقد اجتمع الأمران ولم يحذفوا في الوصل في الألف واللام لأنه لم يلحقه في الوصل ما يضطره إلى الحذف كما لحقه وليست فيه ألفٌ ولام وهو التنوين لأنه لا يلتقي ساكنان وكرهوا التحريك لاستثقال ياءٍ فيها كسرةٌ بعد كسرة ولكنهم حذفوا في الوقف في الألف واللام إذ كانت تذهب وليس في الاسم ألف ولام كما حذفوا في الوقف ما ليس فيه ألف ولام إذ لم يضطرهم إلى حذفه ما اضطرهم في الوصل وأما في حال النصب فليس إلا البيان لأنها ثابتة في الوصل فيما
ليست فيه ألفٌ ولامٌ ومع هذا أنه لما تحركت الياء أشبهت غير المعتل وذلك قولك رأيت القاضي وقال الله عز وجل: {كلا إذا بلغت التراقي} وتقول رأيت جواري لأنها ثابتة في الوصل متحركة.
وسألت الخليل عن القاضي في النداء فقال أختار يا قاضي لأنه ليس بمنون كما أختار هذا القاضي. وأما يونس فقال يا قاض وقول يونس أقوى لأنه لما كان من كلامهم أن يحذفوا في غير النداء كانوا في النداء أجدر لأن النداء موضع حذفٍ يحذفون التنوين ويقولون يا حار ويا صاح ويا غلام أقبل. وقالا في مرٍ إذا وقفا هذا مري كرهوا أن يخلوا بالحرف فيجمعوا عليه ذهاب الهمزة والياء فصار عوضاً يريد مفعل من رأيت. وأما الأفعال فلا يحذف منها شيءٌ لأنها لا تذهب في الوصل في حال وذلك لا أقضي وهو يقضي ويغزو ويرمي إلا أنهم قالوا لا أدر في الوقف لأنه كثر في كلامهم فهو شاذٌ كما قالوا لم يك شبهت النون بالياء حيث سكنت ولا يقولون لم يك الرجل لأنها في موضع تحرك فلم يشبه بلا أدر فلا تحذف الياء إلا في لا أدر وما أدر.
وجميع ما لا يحذف في الكلام وما يختار فيه أن لا يحذف يحذف في
الفواصل والقوافي. فالفواصل قول الله عز وجل: {والليل إذا يسر} و: {ما كنا نبغ} و: {يوم التناد} و: {الكبير المتعال} ). [الكتاب: 4/183-185] (م)

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:26 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الرابع الهجري

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:27 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الخامس الهجري

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 10:34 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذ قال موسى} الآية ... ابتداء قصة ليست من الكلام الأول، والمعنى: اذكر أو اتل، و" موسى " هو موسى بن عمران بمقتضى الأحاديث والتواريخ، وبظاهر القرآن; إذ ليس في القرآن موسى غير واحد، وهو ابن عمران،ولو كان في هذه الآية غيره لبينه. وقالت فرقة منها نوف البكالي: إنه ليس ابن عمران، وهو موسى بن مثنى، ويقال: موسى ابن منشى، وأما فتاه فعلى قول من قال موسى بن عمران فهو يوشع بن نون بن إفراييل بن يوسف بن يعقوب، وأما من قال هو موسى بن مثنى فليس الفتى بيوشع بن نون، ولكنه قولا غير صحيح رده ابن عباس رضي الله عنهما وغيره. و"الفتى" في كلام العرب: الشاب، ولما كان الخدمة -أكثر ما يكون- فتيانا قيل للخادم: فتى على جهة حسن الأدب، وإن أسن، وندبت الشريعة إلى ذلك في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدكم عبدي ولا أمتي، وليقل فتاي
[المحرر الوجيز: 5/628]
وفتاتي"، فهذا ندب إلى التواضع، و"الفتى" في الآية هو الخادم، ويوشع بن نون يقال: هو ابن أخت موسى عليه السلام.
وسبب هذه القصة فيما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن موسى جلس يوما في مجلس لبني إسرائيل وخطب فأبلغ، فقيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ قال: لا، فأوحى الله تعالى إليه: بلى، عبدنا خضر، فقال: يا رب، دلني على السبيل إلى لقيه، فأوحى الله تعالى إليه أن يسير بطول سيف البحر حتى يبلغ مجمع البحرين، فإذا فقدت الحوت فإنه هنالك، وأمر أن يتزود ويرتقب زواله عنه، ففعل موسى ذلك، وقال لفتاه على جهة إمضاء العزيمة: لا أبرح السير، أي: لا أزال، وإنما قال هذه المقالة وهو سائر، ومن هذا قول الفرزدق:
فما برحوا حتى تهادت نسؤهم ... ببطحاء ذي قار عياب اللطائم
وذكر الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما ظهر موسى عليه السلام وقومه على مصر أنزل قومه بمصر، فلما استقر الحال خطب يوما فذكر بآلاء الله وأيامه عند بني إسرائيل ثم ذكر نحو ما تقدم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وما مر بي قط أن موسى عليه السلام أنزل قومه بمصر إلا في هذا الكلام، وما أراه يصح، بل المتظاهر أن موسى عليه السلام مات بفحص التيه قبل فتح ديار الجبارين،
[المحرر الوجيز: 5/629]
وفي هذه القصة من الفقه الرحلة في طلب العلم، والتواضع للعالم.
وقرأ الجمهور: "مجمع" بفتح الميمين، وقرأ الضحاك: "مجمع" بكسر الميم الثانية.
واختلف الناس في "مجمع البحرين"، أين هو؟ فقال مجاهد، وقتادة: هو مجمع بحر فارس وبحر الروم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهو ذراع يخرج من البحر المحيط من شمال إلى جنوب في أرض فارس من وراء أذربيجان، فالركن الذي لاجتماع البحرين مما يلي بر الشام، هو "مجمع البحرين" على هذا القول، وقالت فرقة منهم محمد بن كعب: مجمع البحرين هو عند طنجة، وهو حيث يجتمع البحر المحيط والبحر الخارج منه السائر من دبور إلى صبا، وروي عن أبي بن كعب أنه قال: "مجمع البحرين" بإفريقية، وهذا يقرب من الذي قبله. وقال بعض أهل العلم: هو بحر الأندلس من البحر المحيط.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله واحد، حكاه النقاش، وهذا مما يذكر كثيرا. ويذكر أن القرية التي أبت أن تضيفهما هي الجزيرة الخضراء، وقالت فرقة: "مجمع البحرين"، يريد بحرا ملحا وبحرا عذبا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فعلى هذا إنما كان الخضر عند موقع نهر عظيم في البحر. وقالت فرقة: البحران إنما هما كناية عن موسى عليه السلام والخضر؛ لأنهما بحرا علم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول ضعيف، والأمر بين من الأحاديث أنه إنما رسم له بحر ما. وقوله: {أو أمضي حقبا} معناه: أو أمضي على وجهي زمانا، واختلف القراء -فقرأ الحسن، والأعمش، وعاصم: "حقبا" بسكون القاف، وقرأ الجمهور: "حقبا" بضمه، وهو
[المحرر الوجيز: 5/630]
تثقيل "حقب"، وجمع الحقب أحقاب. واختلف في الحقب، فقال عبد الله بن عمرو: ثمانون سنة، وقال مجاهد: سبعون سنة، وقال الفراء: "الحقب": سنة واحدة، وقال ابن عباس وقتادة: الحقب أزمان غير محدودة، وقالت فرقة: "الحقب" جمع حقبة وهي السنة). [المحرر الوجيز: 5/631]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما}
الضمير في قوله: "بينهما" للبحرين، قاله مجاهد، وقيل: هو لموسى والخضر، والأول أصوب. وقرأ عبيد الله بن مسلم: "مجمع" بكسر الميم الثانية: وقال: "نسيا" وإنما كان النسيان من الفتى وحده، نسي أن يعلم موسى عليه السلام بما رأى من حاله من حيث كان لهما زادا، وكان بسبب منه، فنسب فعل الواحد فيه إليهما، وهذا كما يقال: فعل بنو فلان الأمر، إنما فعله منهم بعض. وروي في الحديث أن يوشع رأى الحوت قد حشر من المكتل إلى البحر، فرآه قد اتخذ السرب، وكان موسى عليه السلام نائما، فأشفق أن يوقظه، وقال: أؤخر حتى يستيقظ، فلما استيقظ نسي يوشع أن يعلمه، ورحلا حتى جاوزا، و"السبيل": المسلك، و"السرب": المسلك في جوف الأرض، فشبه به مسلك الحوت في الماء حين لم ينطبق الماء بعده كالطاق وهذا الذي ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقاله جمهور المفسرين، إن الحوت بقي موضع سلوكه ماء جامدا، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: صار موضع سلوكه
[المحرر الوجيز: 5/631]
حجرا صلدا، وقال ابن زيد: إنما اتخذ سبيله سربا في البر حتى وصل إلى البحر ثم عام على العادة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهؤلاء يتأولون "سربا" بمعنى: تصرفا وجولانا، من قولهم: فحل سارب أي مهمل يرعى حيث يشاء، ومنه قوله تعالى: {وسارب بالنهار}، أي متصرف. وقالت فرقة: اتخذ سربا في التراب من المكتل إلى البحر، وصادف في طريقه حجرا فنقبه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر الأمر أن السرب إنما كان في الماء، ومن غريب ما روي في البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصص هذه الآية أن الحوت إنما حيي لأنه مسه ماء عين هناك تدعى عين الحياة، ما مست قط شيئا إلا حيي. ومن غريبه أيضا أن بعض المفسرين ذكر أن موضع سلوك الحوت عاد حجرا طريقا، وأن موسى عليه السلام مشى عليه متبعا للحوت حتى أفضى ذلك الطريق إلى الجزيرة في البحر، وفيها وجد الخضر عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد رحمة الله:
وظاهر الكتاب والروايات أنه إنما وجد الخضر في ضفة البحر، يدل على ذلك قوله تعالى: {فارتدا على آثارهما قصصا}). [المحرر الوجيز: 5/632]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَٰذَا نَصَبًا (62)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وروي في قوله تعالى: {فلما جاوزا} أن موسى عليه السلام نزل عند شجرة عظيمة في ضفة البحر فنسي يوشع الحوت هنالك، ثم استيقظ موسى، ورحلا مرحلة بقية الليل وصدر يومهما، فجاع موسى ولحقه تعب الطريق فاستدعى الغداء.
قال لي أبي رضي الله عنه: وسمعت أبا الفضل الجوهري يقول في وعظه: مشى موسى إلى المناجاة فبقي أربعين يوما لم يحتج إلى طعام، ولما مشى إلى بشر لحقه الجوع في بعض يوم. و"النصب": التعب والمشقة. وقرأ عبد الله بن عبيد بن عمير: "نصبا" بضم النون والصاد، ويشبه أن يكون جمع "نصب"، وهو تخفيف "نصب"). [المحرر الوجيز: 5/632]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ۚ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {قال أرأيت إذ أوينا} الآية. حكى الطبري عن فرقة أنها قالت: الصخرة
[المحرر الوجيز: 5/632]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد تقدم ذكر الخلاف في موضع هذه القصة.
وقوله تعالى: {نسيت الحوت}، يريد: نسيت ذكر ما جرى فيه لك، وأما الكسائي وحده "أنسانيه". وقرأ ابن كثير في الوصل: "أنسانيهي" بياء بعد الهاء، وفي مصحف عبد الله: "وما أنسانيه أن أذكر له إلا الشيطان". وقوله تعالى: {أن أذكره} بدل من الحوت بدل اشتمال. وقوله تعالى: {واتخذ سبيله في البحر عجبا} يحتمل أن يكون من قول يوشع لموسى عليه السلام أي: اتخذ الحوت سبيله عجبا للناس، ويحتمل أن يكون قوله: {واتخذ سبيله في البحر} تمام الخبر، فاستأنف التعجب فقال -من قبل نفسه-: "عجبا" لهذا الأمر، وموضع العجب أن يكون الحوت قد مات وأكل شقه الأيسر، ثم حيي بعد ذلك، قال أبو شجاع في كتاب الطبري: رأيته، أوتيت به فإذا هو شقه حوت وعين واحدة، وشق آخر ليس فيه شيء.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وأنا رأيته، والشق الذي فيه شيء عليه قشرة رقيقة يشف تحتها شوكه وشقه الآخر.
ويحتمل أن يكون قوله: {واتخذ سبيله في البحر عجبا} إخبار من الله تعالى، وذلك على وجهين: إما أن يخبر عن موسى أنه اتخذ سبيل الحوت من البحر عجبا، أي: تعجب منه، وإما أن يخبر عن الحوت أنه اتخذ سبيله عجبا للناس. وقرأ أبو حيوة: "واتخاذ سبيله"، فهذا مصدر معطوف على الضمير في "أن أذكره"). [المحرر الوجيز: 5/633]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ذَٰلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ۚ فَارْتَدَّا عَلَىٰ آثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قال ذلك ما كنا نبغ} الآية. المعنى: قال موسى لفتاه: أمر الحوت وفقده هو الذي كنا نطلب، فإن الرجل الذي جئنا له ثم، فرجعا يقصان أثرهما لئلا يخطئان طريقهما. وقرأ الجمهور: "نبغي" بثبوت الياء، وقرأ عاصم وقوم: "نبغ" دون ياء، وكان الحسن يثبتها إذا وصل ويحذفها إذا وقف. و"قص الأثر": اتباعه وتطلبه في موضع خفاية). [المحرر الوجيز: 5/633]

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:52 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السابع الهجري
...

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:55 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا (60)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وإذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبًا (60) فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتّخذ سبيله في البحر سربًا (61) فلمّا جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا (62) قال أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره واتّخذ سبيله في البحر عجبًا (63) قال ذلك ما كنّا نبغ فارتدّا على آثارهما قصصًا (64) فوجدا عبدًا من عبادنا آتيناه رحمةً من عندنا وعلّمناه من لدنّا علمًا (65)}.
سبب قول موسى [عليه السلام] لفتاه -وهو يشوع بن نون- هذا الكلام: أنّه ذكر له أنّ عبدًا من عباد اللّه بمجمع البحرين، عنده من العلم ما لم يحط به موسى، فأحبّ الذّهاب إليه، وقال لفتاه ذلك: {لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين} أي لا أزال سائرًا حتّى أبلغ هذا المكان الذي فيه مجمع البحرين، قال الفرزدق:
فما برحوا حتّى تهادت نساؤهم = ببطحاء ذي قارٍ عياب اللطائم
قال قتادة وغير واحدٍ: وهما بحر فارس ممّا يلي المشرق، وبحر الرّوم ممّا يلي المغرب.
وقال محمّد بن كعبٍ القرظي: مجمع البحرين عند طنجة، يعني في أقصى بلاد المغرب، فاللّه أعلم.
وقوله: {أو أمضي حقبًا} أي: ولو أنّي أسير حقبًا من الزّمان.
قال ابن جريرٍ، رحمه اللّه: ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب أنّ الحقب في لغة قيسٍ: سنةٌ. ثمّ قد روي عن عبد اللّه بن عمرٍو أنّه قال: الحقب ثمانون سنةً. وقال مجاهدٌ: سبعون خريفًا. وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {أو أمضي حقبًا} قال: دهرًا. وقال قتادة، وابن زيدٍ، مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 173-174]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا (61)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلمّا بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما}، وذلك أنّه كان قد أمر بحمل حوتٍ مملوحٍ معه، وقيل له: متى فقدت الحوت فهو ثمّة. فسارا حتّى بلغا مجمع البحرين؛ وهناك عينٌ يقال لها: "عين الحياة"، فناما هنالك، وأصاب الحوت من رشاش ذلك الماء فاضطرب، وكان في مكتلٍ مع يوشع [عليه السّلام]، وطفر من المكتل إلى البحر، فاستيقظ يوشع، عليه السّلام، وسقط الحوت في البحر وجعل يسير فيه، والماء له مثل الطّاق لا يلتئم بعده؛ ولهذا قال: {فاتّخذ سبيله في البحر سربًا} أي: مثل السرب في الأرض.
قال ابن جريح: قال ابن عبّاسٍ: صار أثره كأنّه حجر.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: جعل الحوت لا يمسّ شيئًا من البحر إلّا يبس حتى يكون صخرة.
وقال محمد -[هو] بن إسحاق- عن الزّهريّ، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباسٍ، عن أبيّ بن كعبٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين ذكر حديث ذلك: "ما انجاب ماءٌ منذ كان النّاس غيره ثبت مكان الحوت الّذي فيه، فانجاب كالكوّة حتّى رجع إليه موسى فرأى مسلكه"، فقال: {ذلك ما كنّا نبغ}.
وقال قتادة: سرب من البرّ، حتّى أفضى إلى البحر، ثمّ سلك فيه فجعل لا يسلك فيه طريقًا إلّا جعل ماءً جامدًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 174]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آَتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا (62)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلمّا جاوزا} أي: المكان الّذي نسيا الحوت فيه، ونسب النسيان إليهما وإن كان يوشع هو الّذي نسيه، كقوله تعالى: {يخرج منهما اللّؤلؤ والمرجان} [الرّحمن:22]، وإنّما يخرج من المالح في أحد القولين.
فلمّا ذهبا عن المكان الّذي نسياه فيه مرحلةً {قال} موسى {لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبًا [نصبًا]} أي: الّذي جاوزا فيه المكان {نصبًا} يعني: تعبًا). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 174-175]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا (63)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال: {أرأيت إذ أوينا إلى الصّخرة فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشّيطان أن أذكره} قال قتادة: وقرأ ابن مسعودٍ: ["وما أنسانيه أن أذكره إلّا الشّيطان]، ولهذا قال: {واتّخذ سبيله} أي: طريقه {في البحر عجبًا}). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 175]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصًا (64)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال ذلك ما كنّا نبغ} أي: هذا الّذي نطلب {فارتدّا} أي: رجعا {على آثارهما} أي: طريقهما {قصصًا} أي: يقصّان أثر مشيهما، ويقفوان أثرهما).[تفسير القرآن العظيم: 5/ 175]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:26 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة