جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنّتين من أعناب وحففناهما بنخلٍ وجعلنا بينهما زرعًا (32) كلتا الجنّتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئًا وفجّرنا خلالهما نهرًا (33) وكان له ثمرٌ فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفرًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: واضرب يا محمّد لهؤلاء المشركين باللّه، الّذين سألوك أن تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه مثلاً مثل رجلين جعلنا لأحدهما بستانين من كرومٍ {وحففناهما بنخلٍ} يقول: وأطفنا هذين البستانين بنخلٍ.
وقوله: {وجعلنا بينهما زرعًا} يقول: وجعلنا وسط هذين البستانين زرعًا). [جامع البيان: 15/257]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 32 - 37
أخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب} قال: إن الجنة هي البستان فكان له بستان واحد وجدار واحد وكان بينهما نهر وذلك كان جنتين فلذلك سماه جنة من قبل الجدار الذي يليها). [الدر المنثور: 9/540]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني قال: نهر أبي فرطس نهر الجنتين، قال ابن أبي حاتم: وهو نهر مشهور بالرملة). [الدر المنثور: 9/540]
تفسير قوله تعالى: (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آَتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ولم تظلم} [الكهف: 33] : «لم تنقص»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره لم يظلم لم ينقص كذا لأبي ذرٍّ ولغيره وقال ابن عبّاس فذكره وقد وصله بن أبي حاتم من طريق بن جريج عن عطاء عن بن عبّاسٍ وكذا الطّبريّ من طريق سعيدٍ عن قتادة). [فتح الباري: 8/407]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال ابن عبّاس {أكلها ولم تظلم} لم تنقص
قال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا إبراهيم بن موسى أنا هشام عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس في قوله 33 الكهف {آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا} لم تنقص). [تغليق التعليق: 4/243-244]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (ولم تظلم لم تنقص
أشار به إلى قوله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا} (الكهف: 33) وفسّر قوله: (لم تظلم) بقوله: (لم تنقص) وهذا من تفسير ابن عبّاس رواه ابن أبي حاتم عن أبيه: حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا هشام بن يوسف عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عبّاس). [عمدة القاري: 19/37]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (قال ابن عباس {أكلها} سقط لأبي ذر من قوله الكهف إلى هنا ({ولم تظلم}) أي (لم تنقص) بفتح أوّله وضم ثالثه أي من أكلها شيئًا يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام وتنقص في عام غالبًا). [إرشاد الساري: 7/214]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({وفجّرنا خلالهما نهرًا} [الكهف: 33] : " يقول: بينهما "). [صحيح البخاري: 6/88]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وفجرنا خلالهما نهرا تقول بينهما ثبت لأبي ذرٍّ وهو قول أبي عبيدة وقراءة الجمهور بالتّشديد ويعقوب وعيسى بن عمر بالتّخفيف). [فتح الباري: 8/408]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({وفجّرنا خلالهما نهراً} يقول بينهما
أشار به إلى قوله تعالى: {كلتا الجنتين آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر} (الكهف: 33 34) الآية، وفسّر قوله: (خلالهما) بقوله: (بينهما) وفي التّفسير: وفجرنا خلالهما، يعني: شققنا وسطهما نهرا، وفي بعض النّسخ: وقع هذا مقدما، وثبت لأبي ذر). [عمدة القاري: 19/39]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({وفجرنا خلالهما نهرًا}) [الكهف: 33] (يقول بينهما نهرًا) وهذه ساقطة لغير أبي ذر). [إرشاد الساري: 7/216]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {كلتا الجنّتين آتت أكلها} يقول: كلا البستانين أطعم ثمره وما فيه من الغروس من النّخل والكرم وصنوف الزّرع.
وقال: كلتا الجنّتين، ثمّ قال: آتت، فوحّد الخبر، لأنّ كلتا لا يفرد واحدتها، وأصله كلٌّ، وقد تفرد العرب كلتا أحيانًا، ويذهبون بها وهي مفردةٌ إلى التّثنية، قال بعض الرّجّاز في ذلك:
في كلت رجليها سلامى واحده = كلتاهما مقرونةٌ بزائده
يريد بكلت: كلتا، وكذلك تفعل بكلتا وكلا وكلٍّ إذا أضيفت إلى معرفةٍ، وجاء الفعل بعدهنّ ويجمع ويوحّد.
وقوله: {ولم تظلم منه شيئًا} يقول: ولم تنقص من الأكل شيئًا، بل أتت ذلك تامًّا كاملاً، ومنه قولهم: ظلم فلانٌ فلانًا حقّه: إذا بخسه ونقصه، كما قال الشّاعر:
تظلّمني ما لي كذا ولوى يدي = لوى يده اللّه الّذي هو غالبه
وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولم تظلم منه شيئًا} أي لم تنقص، منه شيئًا.
وقوله: {وفجّرنا خلالهما نهرًا} يقول تعالى ذكره: وسيّلنا خلال هذين البستانين نهرًا، يعني بينها وبين أشجارهما نهرًا.
وقيل: {وفجّرنا} فثقّل الجيم منه، لأنّ التّفجير في النّهر كلّه، وذلك أنّه يمتد ماءً فيسيل بعضه بعضًا). [جامع البيان: 15/257-259]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {آتت أكلها ولم تظلم منه شيئا} قال: لم تنقص كل شجر الجنة أطعم). [الدر المنثور: 9/540]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {وفجرنا خلالهما نهرا} يقول: وسطهما). [الدر المنثور: 9/540]
تفسير قوله تعالى: (وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( (وكان له ثمرٌ) : «ذهبٌ وفضّةٌ» وقال غيره: «جماعة الثّمر»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال مجاهد وكان له ثمر ذهبٌ وفضّةٌ وصله الفريابيّ بلفظه وأخرج الفرّاء من وجهٍ آخر عن مجاهدٍ قال ما كان في القرآن ثمرٌ بالضّمّ فهو المال وما كان بالفتح فهو النّبات قوله وقال غيره جماعة الثّمر كأنّه عنى به قتادة فقد أخرج الطّبريّ من طريق أبي سفيان المعمريّ عن معمرٍ عن قتادة قال الثّمر المال كلّه وكلّ مالٍ إذا اجتمع فهو ثمرٌ إذا كان من لون الثّمرة وغيرها من المال كله وروى بن المنذر من وجهٍ آخر عن قتادة قال قرأ بن عبّاسٍ ثمرً يعني بفتحتين وقال يريد أنواع المال انتهى والّذي قرأ هنا بفتحتين عاصمٌ وبضمٍّ ثمّ سكونٍ أبو عمرٍو والباقون بضمّتين قال ابن التّين معنى قوله جماعة الثّمر أنّ ثمرةً يجمع على ثمارٍ وثمارٌ على ثمرٍ). [فتح الباري: 8/406]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال مجاهد {تقرضهم} تتركهم {وكان له ثمر} ذهب وفضة
قال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 17 الكهف {تقرضهم} تتركهم
وبه في قوله 34 الكهف {وكان له ثمر} قال ذهب وفضة). [تغليق التعليق: 4/243] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({وكان له ثمرٌ} ذهبٌ وفضّةٌ
أشار به إلى قوله تعالى: {وفجرنا خلالهما نهرا وكان له ثمر} (الكهف: 33) الآية، وفسّر الثّمر، بضم الثّاء: بالذّهب والفضّة، وهذا من تتمّة قول مجاهد، ورواه ابن عيينة في تفسيره عن ابن جريج عنه. وأخرج الفراء من وجه آخر عن مجاهد، قال: ما كان في القرآن ثمر بالضّمّ فهو المال، وما كان بالفتح فهو النّبات.
وقال غيره جماعة الثّمر
قال بعضهم: كأنّه عنى به قتادة. قلت: الّذي قاله صاحب (التّلويح) جماعة هو الصّواب. قوله: (جماعة) أي: جمعة، أي جمع الثّمر، بالفتح الثّمر بضمّتين، وقيل: إن الثّمرة تجمع على ثمار، والثّمار تجمع على ثمر، فيكون الثّمر جمع الجمع). [عمدة القاري: 19/36]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({وكان له ثمر}) بضم المثلثة قال مجاهد فيما وصله الفريابي أي (ذهب وفضة) وعن مجاهد أيضًا ما كان في القرآن ثمر بالضم فهو المال وما كان بالفتح فهو النبات وقال ابن عباس بالضم جميع المال من الذهب والفضة والحيوان وغير ذلك قال النابغة:
مهلًا فداء لك الأقوام كلهم = وما أثمر من مال ومن ولد
(وقال غيره) غير مجاهد الثمر بالضم (جماعة الثمر) بالفتح). [إرشاد الساري: 7/214]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({يحاوره} [الكهف: 34] : «من المحاورة»). [صحيح البخاري: 6/88]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله يحاوره من المحاورة قال أبو عبيدة يحاوره أي يكلّمه من المحاورة أي المراجعة). [فتح الباري: 8/408]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (يحاوره من المحاورة
أشار به إلى قوله تعالى: {وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره} (الكهف: 34) الآية قوله: (من المحاورة) يعني: لفظ (يحاوره) مشتقّ من المحاورة وهي المراجعة، وفي التّفسير: يحاوره، أي: يجاوبه). [عمدة القاري: 19/39]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({يحاوره}) في قوله تعالى: {قال له صاحبه وهو يحاوره} [الكهف: 37] هو (من المحاورة) وهي المراجعة). [إرشاد الساري: 7/215]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وكان له ثمرٌ} اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق: ( وكان له ثمرٌ ) بضمّ الثّاء والميم.
واختلف قارئو ذلك كذلك، فقال بعضهم: كان له ذهبٌ وفضّةٌ، وقالوا: ذلك هو الثّمر، لأنّها أموالٌ مثمرةٌ، يعني مكثرةٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه عزّ وجلّ: {وكان له ثمرٌ} قال: ذهبٌ وفضّةٌ، وفي قول اللّه عزّ وجلّ: {بثمره} قال: هي أيضًا ذهبٌ وفضّةٌ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، في قوله {ثمرٌ} قال: ذهبٌ وفضّةٌ. قال: وقوله: {وأحيط بثمره} هي هي أيضًا.
وقال آخرون: بل عنى به: المال الكثير من صنوف الأموال.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أحمد بن يوسف، قال: حدّثنا القاسم، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن هارون، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: قرأها ابن عبّاسٍ: " وكان له ثمرٌ " بالضّمّ، وقال: يعني أنواع المال.
- حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: " وكان له ثمرٌ " يقول: مالٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله: " وكان له ثمرٌ " يقول: من كلّ المال.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {وأحيط بثمره} قال: الثّمر من المال كلّه يعني الثّمر، وغيره من المال كلّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن قتادة، قال: " الثّمر " المال كلّه، قال: وكلّ مالٍ إذا اجتمع فهو ثمرٌ إذا كان من لون الثّمرة وغيرها من المال كلّه.
وقال آخرون: بل عنى به الأصل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: " وكان له ثمرٌ " الثّمر الأصل. قال {وأحيط بثمره} قال: بأصله.
وكأنّ الّذين وجّهوا معناها إلى أنّها أنواعٌ من المال، أرادوا أنّها جمع ثمارٍ جمع ثمرٍ، كما يجمع الكتاب كتبًا، والحمار حمرًا.
وقد قرأ بعض من وافق هؤلاء في هذه القراءة " ثمرٌ " بضمّ الثّاء وسكون الميم، وهو يريد الضّمّ فيها غير أنّه سكّنها طلب التّخفيف. وقد يحتمل أن يكون أراد بها جمع ثمرةٍ، كما تجمع الخشبة خشبًا. وقرأ ذلك بعض المدنيّين: {وكان له ثمرٌ} بفتح الثّاء والميم، بمعنى جمع الثّمرة، كما تجمع الخشبة خشبًا. والقصبة قصبًا.
وأولى القراءات في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأ " وكان له ثمرٌ " بضمّ الثّاء والميم لإجماع الحجّة من القرّاء عليه وإن ذلك جمع ثمارٍ، كما الكتب جمع كتابٍ.
ومعنى الكلام: {وفجّرنا خلالهما نهرًا وكان له} منهما {ثمرٌ} بمعنى من جنّتيه أنواعٌ من الثّمار. وقد بيّن ذلك لمن وفّق لفهمه، قوله: {جعلنا لأحدهما جنّتين من أعناب وحففناهما بنخلٍ وجعلنا بينهما زرعًا} ثمّ قال: وكان له من هذه الكروم والنّخل والزّرع ثمرٌ.
وقوله: {فقال لصاحبه وهو يحاوره} يقول عزّ وجلّ: فقال هذا الّذي جعلنا له جنّتين من أعنابٍ، لصاحبه الّذي لا مال له وهو يخاطبه: {أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفرًا} يقول: وأعزّ عشيرةً ورهطًا، كما قال عيينة والأقرع لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: نحن سادات العرب، وأرباب الأموال، فنحّ عنّا سلمان وخبّابًا وصهيبًا، احتقارًا لهم، وتكبّرًا عليهم، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعزّ نفرًا} وتلك واللّه أمنية الفاجر: كثرة المال، وعزّة النّفر). [جامع البيان: 15/259-262]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وكان له ثمر يعني ذهبا وفضة). [تفسير مجاهد: 376]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وكان له ثمر} يقول: مال). [الدر المنثور: 9/540]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه قال: قرأها ابن عباس {وكان له ثمر} بالضم يعني أنواع المال). [الدر المنثور: 9/540-541]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وكان له ثمر} قال: ذهب وفضة). [الدر المنثور: 9/541]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن بشير بن عبيد أنه كان قرأ {وكان له ثمر} برفع الثاء وقال: الثمر المال والولدان والرقيق، والثمر: الفاكهة). [الدر المنثور: 9/541]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي يزيد المدني أنه كان يقرؤها {وكان له ثمر} قال: الأصل والثمر الثمرة). [الدر المنثور: 9/541]
تفسير قوله تعالى: (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ودخل جنّته وهو ظالمٌ لنفسه قال ما أظنّ أن تبيد هذه أبدًا (35) وما أظنّ السّاعة قائمةً ولئن رددت إلى ربّي لأجدنّ خيرًا منها منقلبًا}.
يقول تعالى ذكره: هذا الّذي جعلنا له جنّتين من أعناب {دخل جنّته} وهي بستانه {وهو ظالمٌ لنفسه} وظلمه نفسه: كفره بالبعث، وشكّه في قيام السّاعة، ونسيانه المعاد إلى اللّه تعالى، فأوجب لها بذلك سخط اللّه وأليم عقابه.
وقوله: {قال ما أظنّ أن تبيد هذه أبدًا} يقول جلّ ثناؤه: قال لمّا عاين جنّته، ورآها وما فيها من الأشجار والثّمار والزّروع والأنهار المطّردة شكًّا في المعاد إلى اللّه: ما أظنّ أن تبيد هذه الجنّة أبدًا، ولا تفنى ولا تخرّب. وما أظنّ السّاعة الّتي وعد اللّه خلقه الحشر فيها تقوم فتحدث، ثمّ تمنّى أمنيةً أخرى على شكٍّ منه، فقال: {ولئن رددت إلى ربّي} فرجعت إليه، وهو غير موقنٍ أنّه راجعٌ إليه {لأجدنّ خيرًا منها منقلبًا} يقول: لأجدنّ خيرًا من جنّتي هذه عند اللّه إن رددت إليه مرجعًا ومردًّا، يقول: لم يعطني هذه الجنّة في الدّنيا إلاّ ولي عنده أفضل منها في المعاد إن رددت إليه). [جامع البيان: 15/262]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ودخل جنته وهو ظالم لنفسه} يقول كفور لنعمة ربه). [الدر المنثور: 9/541]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا} يقول: تهلك {وما أظن الساعة قائمة ولئن} كانت قائمة ثم {رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} ). [الدر المنثور: 9/541]
تفسير قوله تعالى: (وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا (36) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (كما؛ حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وما أظنّ السّاعة قائمةً} قال: شكّ، ثمّ قال: {ولئن} كان ذلك ثمّ {رددت إلى ربّي لأجدنّ خيرًا منها منقلبًا} ما أعطاني هذه إلاّ ولي عنده خيرٌ من ذلك.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ودخل جنّته وهو ظالمٌ لنفسه قال ما أظنّ أن تبيد هذه أبدًا وما أظنّ السّاعة قائمةً} كفورٌ لنعم ربّه، مكذّبٌ بلقائه، متمنٍّ على اللّه). [جامع البيان: 15/263]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا} يقول: تهلك {وما أظن الساعة قائمة ولئن} كانت قائمة ثم {رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} ). [الدر المنثور: 9/541] (م)