جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن الكلبي في قوله تعالى ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله قال إن نسيت فقل ذلك إذا ذكرت وذلك قوله واذكر ربك إذا نسيت). [تفسير عبد الرزاق: 1/400-401]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا (23) إلاّ أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا}
وهذا تأديبٌ من اللّه عزّ ذكره نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنّه كائنٌ لا محالة، إلاّ أن يصله بمشيئة اللّه، لأنّه لا يكون شيءٌ إلاّ بمشيئة اللّه.
وإنّما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنّه وعد سائليه عن المسائل الثّلاث اللّواتي قد ذكرناها فيما مضى، اللّواتي إحداهنّ المسألة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهنّ غد يومهم، ولم يستثن، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة، حتّى حزّنه إبطاؤه، ثمّ أنزل اللّه عليه الجوّاب عنهنّ، وعرف نبيّه سبب احتباس الوحي عنه، وعلّمه ما الّذي ينبغي له أن يستعمل في عداته وخبره عمّا يحدث من الأمور الّتي لم يأته من اللّه بها تنزيلٌ، فقال: {ولا تقولنّ} يا محمّد {لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا} كما قلت لهؤلاء الّذين سألوك عن أمر أصحاب الكهف، والمسائل الّتي سألوك عنها، سأخبركم عنها غدًا). [جامع البيان: 15/223-224]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 23 - 24.
أخرج ابن المنذرعن مجاهد أن قريشا اجتمعت فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا فما هذا الدين الذي جئت به قال: هذا دين جئت به من الرحمن، فقالوا: إنا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - ثم كاتبوا اليهود فقالوا: قد نبغ فينا رجل يزعم أنه نبي وقد رغب عن ديننا ودين آبائنا ويزعم أن الذي جاء به من الرحمن، قلنا: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وهو أمين لا يخون، وفي لا يغدر، صدوق لا يكذب وهو في حسب وثروة من قومه فاكتبوا إلينا بأشياء نسأله عنها، فاجتمعت يهود فقالوا: إن هذا لوصفه وزمانه الذي يخرج فيه، فكتبوا إلى قريش: أن سلوه عن أمر أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن يكن الذي أتاكم به من الرحمن فإن الرحمن هو الله عز وجل وإن يكن من رحمن اليمامة فينقطع، فلما أتى ذلك قريشا أتى الظفر في أنفسها فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا، فحدثنا عن أمر أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، قال: ائتوني غدا، ولم يستثن فمكث جبريل عنه ما شاء الله لا يأتيه ثم أتاه فقال: سألوني عن أشياء لم يكن عندي بها علم فأجيب حتى شق ذلك علي، قال: ألم ترنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة - وكان في البيت جرو كلب - ونزلت {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} من علم الذي سألتموني عنه أن يأتي قبل غد ونزل ما ذكر من أصحاب الكهف ونزل (ويسألونك عن الروح) (الإسراء 85) الآية). [الدر المنثور: 9/514-516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حلف على يمين فمضى له أربعون ليلة فأنزل الله {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله} واستثنى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أربعين ليلة). [الدر المنثور: 9/516]
تفسير قوله تعالى: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (24) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن أبا هريرة كان يحدث أن سليمان بن داود كانت له مائة امرأة فقال لأطيفن الليلة بهن فلتلدن كل امرأة منهن غلاما يقاتل فارسا في سبيل الله ولم يستثن قال فلم تلد منهن امرأة إلا امرأة ولدت شطر رجل ولو استثنى لولد له مائة غلام كل غلام يقاتل فارسا). [تفسير عبد الرزاق: 1/401]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال سليمان بن داود لأطيفن الليلة على سبعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله فقيل له قل إن شاء الله فلم يقل فأطاف بهن فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان قال فقال رسول الله لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته). [تفسير عبد الرزاق: 1/401]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا حكّام الرّازيّ، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن عكرمة {واذكر ربّك إذا نسيت} قال: إذا عصيت، وقال بعضهم: إذا غضبت). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 436-437]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلّا أن يشاء الله}
- أخبرنا إبراهيم بن محمّدٍ، حدّثنا ابن داود، عن هشام بن عروة، عن أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " قال سليمان بن داود عليهما السّلام: لأطوفنّ اللّيلة على مائة امرأةٍ، فتأتي كلّ امرأةٍ برجلٍ يضرب بالسّيف، ولم يقل: إنّ شاء الله، فطاف عليهنّ، فجاءت واحدةٌ بنصف ولدٍ، ولو قال سليمان: إنّ شاء الله لكان ما قال "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/157]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ({إلاّ أن يشاء اللّه} ومعنى الكلام: إلاّ أن تقول معه: إن شاء اللّه، فترك ذكر تقول اكتفاءً بما ذكر منه، إذ كان في الكلام دلالةٌ عليه.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: جائزٌ أن يكون معنى قوله: {إلاّ أن يشاء اللّه} استثناءٌ من القول، لا من الفعل كأنّ معناه عنده: لا تقولنّ قولاً إلاّ أن يشاء اللّه ذلك القول.
وهذا وجهٌ بعيدٌ من المفهوم بالظّاهر من التّنزيل مع خلافه تأويل أهل التّأويل.
وقوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} اختلف أهل التّأويل في معناه، فقال بعضهم: واستثن في يمينك إذا ذكرت أنّك نسيت ذلك في حال اليمين
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن هارون الحربيّ، قال: حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، في الرّجل يحلف، قال له: أن يستثني ولو إلى سنةٍ، وكان يقول: {واذكر ربّك إذا نسيت} في ذلك قيل للأعمش سمعته من مجاهدٍ، فقال: حدّثني به ليث بن أبي سليمٍ، ترى ذهب كسائي هذا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلاّ أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} يقول: إذا نسيت الاستثناء، ثمّ ذكرت فاستثن.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، في قوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} قال: بلغني أنّ الحسن، قال: إذا ذكر أنّه لم يقل: إن شاء اللّه، فليقل: إن شاء اللّه.
وقال آخرون: بل معناه: واذكر ربّك إذا غضبت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني نصر بن عبد الرّحمن، قال: حدّثنا حكّام بن سلمٍ، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن عكرمة، في قول اللّه: {واذكر ربّك إذا نسيت} قال: اذكر ربّك إذا غضبت.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن أبي سنانٍ، عن ثابتٍ، عن عكرمة، مثله.
وأولى القولين في ذلك بالصّواب، قول من قال: معناه: واذكر ربّك إذا تركت ذكره، لأنّ أحد معاني النّسيان في كلام العرب التّرك، وقد بيّنّا ذلك فيما مضى قبل.
فإن قال قائلٌ: أفجائزٌ للرّجل أن يستثني في يمينه إذ كان معنى الكلام ما ذكرت بعد مدّةٍ من حال حلفه؟
قيل: بل الصّواب أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه، فيقول: إن شاء اللّه ليخرج بقيله ذلك ممّا ألزمه اللّه في ذلك بهذه الآية، فيسقط عنه الحرج بتركه ما أمره بقيله من ذلك، فأمّا الكفّارة فلا تسقط عنه بحالٍ، إلاّ أن يكون استثناؤه موصولاً بيمينه.
فإن قال: فما وجه قول من قال: له ثنياه ولو بعد سنةٍ، ومن قال: له ذلك ولو بعد شهرٍ، وقول من قال: ما دام في مجلسه؟
قيل: إنّ معناهم في ذلك نحو معنانا في أنّ ذلك له، ولو بعد عشر سنين، وأنّه باستثنائه وقيله إن شاء اللّه بعد حينٍ من حال حلفه، يسقط عنه الحرج الّذي لو لم يقله كان له لازمًا، فأمّا الكفّارة فله لازمةٌ بالحنث بكلّ حالٍ، إلاّ أن يكون استثناؤه كان موصولاً بالحلف، وذلك أنّا لا نعلم قائلاً قال ممّن قال له الثّنيا بعد حينٍ يزعم أنّ ذلك يضع عنه الكفّارة إذا حنث، ففي ذلك أوضح الدّليل على صحّة ما قلنا في ذلك، وأنّ معنى القوم فيه، كان نحو معنانا فيه.
وقوله: {وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} يقول عزّ ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل ولعلّ اللّه أن يهديني فيسدّدني لأسد ممّا وعدتكم وأخبرتكم أنّه سيكون، إن هو شاء.
وقد قيل: إنّ ذلك ممّا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يقوله إذا نسي الاستثناء في كلامه، الّذي هو عنده في أمرٍ مستقبلٍ مع قوله: إن شاء اللّه، إذا ذكر.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن محمّدٍ رجلٍ من أهل الكوفة كان يفسّر القرآن، وكان يجلس إليه يحيى بن عبّادٍ، قال: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا (23) إلاّ أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} قال فقال: وإذا نسي الإنسان أن يقول: إن شاء اللّه، قال: فتوبته من ذلك، أو كفّارة ذلك أن يقول: {عسى أن يهدين ربّي لأقرب من هذا رشدًا} ). [جامع البيان: 15/224-228]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا إلّا أن يشاء اللّه} [الكهف: 23].
- عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنةٍ، ثمّ قرأ: {ولا تقولنّ لشيءٍ إنّي فاعلٌ ذلك غدًا - إلّا أن يشاء اللّه واذكر ربّك إذا نسيت} [الكهف: 23 - 24] يقول: إذا ذكرت.
رواه الطّبرانيّ في الأوسط والكبير، ورجاله ثقاتٌ.
- وعن ابن عبّاسٍ في قوله: {واذكر ربّك إذا نسيت} [الكهف: 24] قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت، قال: هي خاصّةٌ لرسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - وليس لأحدنا أن يستثني إلّا في حلفه بيمينه.
رواه الطّبرانيّ في الثّلاثة، وفيه عبد العزيز بن حصينٍ وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/53]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال سعيد عن ابن عبّاس الرقيم اللّوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم فناموا
هذا طرف من حديث طويل قال عبد بن حميد في تفسيره ثنا عيسى بن الجنيد ثنا يزيد بن هارون ح وقال لابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا عمرو بن عوف ثنا يزيد بن هارون والسياق لعبد أنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال غزونا مع معاوية غزوة المصيف فمروا بالكهف الّذي فيه أصحاب الكهف الّذين ذكر الله في القرآن فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عبّاس ليس ذلك لك قد منع الله ذلك من هو خير منك فقال {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} 18 الكهف قال معاوية لا أنتهي حتّى أعلم علمهم قال فبعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عبّاس فأنشأ يحدّثهم عنهم فقال إنّهم كانوا في مملكة ملك من هذه الجبابرة فجعلوا يعبدون حتّى عبدة الأوثان قال وهؤلاء الفتية بالمدينة فلمّا رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة على غير ميعاد فجمعهم الله عزّ وجلّ على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض أين تريدون أين تذهبون قال فجعل بعضهم يخفي من بعض لأنّه لا يدري هذا على ما خرج هذا فأخذ بعضهم على بعض المواثيق أن يخبر بعضهم بعضًا فإن اجتمعوا على شيء وإلّا كتم بعضهم على بعض قال فاجتمعوا على كلمة واحدة {فقالوا ربنا رب السّماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهًا لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتّخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممّن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم} إلى قوله {من أمركم مرفقا} 14 16 الكهف قال فهذا قول الفتية قال ففقدوا فجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب وجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب فطلبهم أهلوهم لا يدرون أين ذهبوا فرفع ذلك إلى الملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن بعد اليوم قوم خرجوا ولا يدرى أين توجهوا في غير جناية ولا شيء يعرف فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وطرحه في خزانته فذلك قول الله تبارك وتعال 9 الكهف {أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} والرقيم هو اللّوح الّذي كتبوا قال فانطلقوا حتّى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا قال فقال ابن عبّاس والله لو أن الشّمس تطلع عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض فذلك قول الله تبارك وتعالى 17 18 الكهف {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} يقول بالفناء {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} ثمّ إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فكسر تلك الأوثان وعبد الله وعدل في النّاس فبعثهم الله لما يريد فقال بعضهم لبعض {كم لبثتم} قال بعضهم {يومًا} وقال بعضهم {بعض يوم} وقال بعضهم أكثر من ذلك فقال كبيرهم لا تختلفوا فإنّه لم يختلف قوم قطّ إلّا هلكوا قال فقالوا {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف} يعني بأزكى بأطهر إنّهم كانوا يذبحون الخنازير قال فجاء إلى المدينة فرأى شارة أنكرها وبنيانا أنكره ثمّ دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم فأنكر الخباز الدّرهم وكانت دراهمهم كخفاف الرّبع يعني والرّبع الفصيل قال فأنكر الخباز وقال من أين لك هذا الدّرهم لقد وجدت كنزا لتدلني على هذا الكنز أو لأرفعنك إلى الأمير قال أتخوفني بالأمير وإنّي لدهقان الأمير فقال من أبوك قال فلان فلم يعرفه فقال من الملك فقال فلان فلم يعرفه قال فاجتمع النّاس ورفع إلى عاملهم فسأله فأخبره فقال علّي باللوح قال فجيء به فسمّى أصحابه فلان وفلان وهم في اللّوح مكتوبون قال فقال النّاس قد دلكم الله على إخوانكم قال فانطلقوا فركبوا حتّى أتوا الكهف فقال الفتى مكانكم أنتم حتّى أدخل على أصحابي لا تهجموا عليهم فيفزعوا منكم وهو لا يعلمون إن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا آلله لتخرجن إلينا قال إن شاء الله فلم يدر أين ذهب وعمي عليهم المكان قال فطلبوا وحرصوا فلم يقدروا على الدّخول عليهم فقالوا أكرموا إخوانكم قال فنظروا في أمرهم فقالوا 21 الكهف {لنتخذن عليهم مسجدا} فجعلوا يصلون عليهم ويستغفرون لهم ويدعون لهم فذلك قول الله تعالى 22 الكهف {فلا تمار فيهم إلّا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} يعني اليهود {ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا (23) إلّا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت} 22 24 الكهف فكان ابن عبّاس يقول إذا قلت شيئا فلم تقل إن شاء الله فقل إذا ذكرت إن شاء الله
هذا إسناد صحيح قد رواه عن سفيان بن حسين أيضا هشيم وغيره وسفيان ابن حسين ثقة حجّة في غير الزّهريّ وإنّما ضعفه من ضعفه في حديث الزّهريّ لأنّه لم يضبط عنه
وقد أخرج البخاريّ ليعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عدّة أحاديث وعلق هذه القطعة منه فأوردته بتمامه للفائدة
ورويناه من طريق أخرى عن عمر بن قيس عن سعيد بن جبير مختصرا لكنه لم يذكر ابن عبّاس). [تغليق التعليق: 4/244-246] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 23 - 24.
أخرج ابن المنذرعن مجاهد أن قريشا اجتمعت فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا فما هذا الدين الذي جئت به قال: هذا دين جئت به من الرحمن، فقالوا: إنا لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة - يعنون مسيلمة الكذاب - ثم كاتبوا اليهود فقالوا: قد نبغ فينا رجل يزعم أنه نبي وقد رغب عن ديننا ودين آبائنا ويزعم أن الذي جاء به من الرحمن، قلنا: لا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة وهو أمين لا يخون، وفي لا يغدر، صدوق لا يكذب وهو في حسب وثروة من قومه فاكتبوا إلينا بأشياء نسأله عنها، فاجتمعت يهود فقالوا: إن هذا لوصفه وزمانه الذي يخرج فيه، فكتبوا إلى قريش: أن سلوه عن أمر أصحاب الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح فإن يكن الذي أتاكم به من الرحمن فإن الرحمن هو الله عز وجل وإن يكن من رحمن اليمامة فينقطع، فلما أتى ذلك قريشا أتى الظفر في أنفسها فقالوا: يا محمد قد رغبت عن ديننا ودين آبائنا، فحدثنا عن أمر أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، قال: ائتوني غدا، ولم يستثن فمكث جبريل عنه ما شاء الله لا يأتيه ثم أتاه فقال: سألوني عن أشياء لم يكن عندي بها علم فأجيب حتى شق ذلك علي، قال: ألم ترنا لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة - وكان في البيت جرو كلب - ونزلت {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} من علم الذي سألتموني عنه أن يأتي قبل غد ونزل ما ذكر من أصحاب الكهف ونزل (ويسألونك عن الروح) (الإسراء 85) الآية). [الدر المنثور: 9/514-516] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم حلف على يمين فمضى له أربعون ليلة فأنزل الله {ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا (23) إلا أن يشاء الله} واستثنى النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد أربعين ليلة). [الدر المنثور: 9/516] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم، وابن مردويه عن ابن عباس أنه كان يرى الاستثناء ولو بعد سنة ثم قرأ {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا ذكرت). [الدر المنثور: 9/516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس في هذه الآية قال: إذا نسيت أن تقول لشيء، إني أفعله فنسيت أن تقول إن شاء الله فقل إذا ذكرت: إن شاء الله). [الدر المنثور: 9/516]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أبي العالية في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: تستثني إذا ذكرت). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير في رجل حلف ونسي أن يستثني قال له: ثنياه إلى شهر وقرأ {واذكر ربك إذا نسيت}). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عمرو بن دينار عن عطاء أنه قال: من حلف على يمين فله الثنيا حلب ناقة، وكان طاووس يقول: ما دام في مجلسه). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم قال: يستثني مادام في كلامه.
وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا نسيت الاستثناء فاستثن إذا ذكرت، قال: هي خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحدنا أن يستثني إلا في صلة يمينه). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عمر قال: كل استثناء موصول فلا حنث على صاحبه وإذا كان غير موصول فهو حانث). [الدر المنثور: 9/517]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حلف فقال: إن شاء الله، فإن شاء مضى وإن شاء رجع غير حانث). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوقن الليلة على تسعين امرأة تلد كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله، فقال له الملك: قل إن شاء الله فلم يقل، فطاف فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسأن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده لو قال إن شاء الله لم يحنث وكان دركا لحاجته). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والبيهقي في شعب الإيمان عن عكرمة في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا غضبت). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن الحسن في قوله: {واذكر ربك إذا نسيت} قال: إذا لم تقل إن شاء الله). [الدر المنثور: 9/518]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البيهقي من طريق المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبا الحارث عن رجل من أهل الكوفة كان يقرأ القرآن في الآية قال: إذا نسي الإنسان أن يقول إن شاء الله فتوبته من ذلك أن يقول: {عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا} ). [الدر المنثور: 9/519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن المنذر وأبو نعيم والبيهقي كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال: بعثت قريش النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود بالمدينة فقالوا: سلوهم عن محمد وصفوا لهم صفته وأخبروهم بقوله فإنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء فخرجا حتى أتيا المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفا لهم أمره وبعض قوله وقالا: إنكم أهل التوراة وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالوا لهما: سلوه عن ثلاث فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم، سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم فإنه قد كان لهم حديث عجيب، وسلوه عن رجل طواف بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه وسلوه عن الروح ما هو فإن أخبركم بذلك فإنه نبي فاتبعوه وإلا فهو متقول، فأقبل النضر وعقبة حتى قدما قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور - فأخبراهم بها - فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا - فسألوه عما أمروهم به - فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم غدا بما سألتم عنه - ولم يستثن - فانصرفوا عنه ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا ولا يأتيه جبريل حتى أرجف أهل مكة وأحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة ثم جاء جبريل من الله عز وجل بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف وقول الله: (ويسألونك عن الروح) (الإسراء الآية 85) الآية). [الدر المنثور: 9/479-480] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو نعيم في الدلائل من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: أن قريشا بعثوا خمسة رهط - منهم عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث - يسألون اليهود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصفوا لهم صفته فقالوا لهم: نجد نعته وصفته ومبعثه في التوراة فإن كان كما وصفتم لنا فهو نبي مرسل وأمره حق فاتبعه ولكن سلوه عن ثلاث خصال فإنه يخبركم بخصلتين ولا يخبركم بالثالثة، إن كان نبيا فإنا قد سألنا مسيلمة الكذاب عن هؤلاء الثلاث فلم يدر ما هي، فرجعت الرسل إلى قريش بهذا الخبر من اليهود فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا عن ذي القرنين الذي بلغ المشرق والمغرب وأخبرنا عن الروح وأخبرنا عن أصحاب الكهف، فقال: أخبركم بذلك غدا، ولم يقل إن شاء الله، فأبطأ عليه جبريل خمسة عشر يوما فلم يأته لترك الاستثناء فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه جبريل عليه السلام بما سألوه فقال: يا جبريل أبطأت علي، فقال: بتركك الاستثناء ألا تقول: إن شاء الله قال: (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) (الكهف آية 23) ثم أخبره عن حديث ذي القرنين وخبر الروح وأصحاب الكهف ثم أرسل إلى قريش فأتوه فأخبرهم عن حديث ذي القرنين وقال لهم: الروح من أمر ربي يقول: من علم ربي لا علم لي به فلما وافق قول اليهود أنه لا يخبركم بالثالث (قالوا: سحران تظاهرا) (القصص آية 48) تعاونا - يعني التوراة والفرقان - (وقالوا: إنا بكل كافرون) (القصص آية 48) وحدثهم بحديث أصحاب الكهف). [الدر المنثور: 9/480-481] (م)
تفسير قوله تعالى: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا (25) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى ولبثوا في كهفهم قال في حرف ابن مسعود وقالوا ولبثوا يعني أنه قاله الناس ثلاث مائة سنة وازدادوا تسعا ألا ترى أنه يقول قل الله أعلم بما لبثوا). [تفسير عبد الرزاق: 1/402]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا (25) قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى قوله {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} فقال بعضهم: ذلك خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن أهل الكتاب أنّهم يقولون ذلك كذلك، واستشهدوا على صحّة قولهم ذلك بقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وقالوا: لو كان ذلك خبرًا من اللّه عن قدر لبثهم في الكهف، لم يكن لقوله {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وجهٌ مفهومٌ، وقد أعلم اللّه خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} هذا قول أهل الكتاب، فردّه اللّه عليهم فقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله {ولبثوا في كهفهم} قال: في حرف ابن مسعودٍ: " وقالوا ولبثوا " يعني أنّه قال النّاس، ألا ترى أنّه قال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} قال: إنّما هو شيءٌ قالته اليهود، فردّه اللّه عليهم وقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
وقال آخرون: بل ذلك خبرٌ من اللّه عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا قال: عدد ما لبثوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، وزاد فيه {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} قال: وتسع سنين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحوه.
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثني الأجلح، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: نزلت هذه الآية {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ} فقالوا: أيّامًا أو أشهرًا أو سنين؟ فأنزل اللّه: {سنين وازدادوا تسعًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم قال: بين جبلين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال كما قال اللّه عزّ ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودًا إلى أن بعثهم اللّه، ليتساءلوا بينهم، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر، ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، وذلك أنّ اللّه بذلك أخبر في كتابه. وأمّا الّذي ذكر عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ " وقالوا: ولبثوا في كهفهم " وقول من قال: ذلك من قول أهل الكتاب، وقد ردّ اللّه ذلك عليهم، فإنّ معناهم في ذلك: إن شاء اللّه كان أنّ أهل الكتاب قالوا فيما ذكر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، فردّ اللّه ذلك عليهم، وأخبر نبيّه أنّ ذلك قدر لبثهم في الكهف من لدن أووا إليه إلى أن بعثهم ليتساءلوا بينهم، ثمّ قال جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: اللّه أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم ذلك غير اللّه، وغير من أعلمه اللّه ذلك.
فإن قال قائلٌ: وما يدلّ على أنّ ذلك كذلك؟
قيل: الدّالّ على ذلك أنّه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداءً، فقال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} ولم يضع دليلاً على أنّ ذلك خبرٌ منه عن قول قومٍ قالوه، وغير جائزٍ أن يضاف خبره عن شيءٍ إلى أنّه خبرٌ عن غيره بغير برهانٍ، لأنّ ذلك لو جاز في شىءٍ جاز في كلّ أخباره، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنّها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيّل فساده.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ قوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} دليلٌ على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ منه عن قومٍ قالوه، فإنّ ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التّأويل غيره، فأمّا وهو محتملٌ ما قلنا من أن يكون معناه: قل اللّه أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السّورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجبٍ أن يكون ذلك دليلاً على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، وإذا لم يكن دليلاً على ذلك، ولم يأت خبرٌ بأنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، ولا قامت بصحّة ذلك حجّةٌ يجب التّسليم لها، صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ثلاث مائةٍ سنين} فقرأت ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين {ثلاث مائةٍ سنين} بتنوين: ثلاث مائةٍ، بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائةٍ.
وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة: ( ثلاث مائة سنين ) بإضافة ثلاث مائةٍ إلى السّنين، غير منوّنٍ.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه: {ثلاث مائةٍ} بالتّنوين {سنين} وذلك أنّ العرب إنّما تضيف المائة إلى ما يفسّرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم: عندى ثلاث مائة درهمٍ، وعندي مائة دينارٍ، لأنّ المائة والألف عددٌ كثيرٌ، والعرب لا تفسّر ذلك إلاّ بما كان بمعناه في كثرة العدد، والواحد يؤدّي عن الجنس، وليس ذلك للقليل من العدد، وإن كانت العرب ربّما وضعت الجمع القليل موضع الكثير، وليس ذلك بالكثير. وأمّا إذا جاء تفسيرها بلفظ الجميع، فإنّها تنوّن، فتقول: عندي ألف دراهم، وعندي مائة دنانير، على ما قد وصفت). [جامع البيان: 15/228-232]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا يعني عدد ما لبثوا). [تفسير مجاهد: 375]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 25 - 26.
أخرج الخطيب في تاريخه عن حكيم بن عقال قال: سمعت عثمان بن عفان يقرأ: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين} منونة). [الدر المنثور: 9/519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض ثم تلا {ولبثوا في كهفهم} الآية، ثم قال: كم لبث القوم قالوا: ثلاثمائة وتسع سنين، قال: لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله: {قل الله أعلم بما لبثوا} ولكنه حكى مقالة القوم فقال: {سيقولون ثلاثة} إلى قوله: {رجما بالغيب} وأخبر أنهم لا يعلمون قال: سيقولون {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} ). [الدر المنثور: 9/519]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود وقالوا لبثوا في كهفهم الآية، يعني إنما قاله الناس، ألا ترى أنه قال: {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/519-520]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} قال: هذا قول أهل الكتاب فرد الله عليهم {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/520]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن الضحاك قال: لما نزلت هذه الآية {في كهفهم ثلاث مائة} قيل: يا رسول الله أياما أم شهورا أم سنين فأنزل الله {سنين وازدادوا تسعا}.
وأخرج ابن مردويه من وجه آخر عن الضحاك عن ابن عباس موصولا). [الدر المنثور: 9/520]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} يقول: عدد ما لبثوا). [الدر المنثور: 9/520]
تفسير قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا (25) قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ ولا يشرك في حكمه أحدًا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى قوله {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} فقال بعضهم: ذلك خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن أهل الكتاب أنّهم يقولون ذلك كذلك، واستشهدوا على صحّة قولهم ذلك بقوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وقالوا: لو كان ذلك خبرًا من اللّه عن قدر لبثهم في الكهف، لم يكن لقوله {قل اللّه أعلم بما لبثوا} وجهٌ مفهومٌ، وقد أعلم اللّه خلقه مبلغ لبثهم فيه وقدره.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} هذا قول أهل الكتاب، فردّه اللّه عليهم فقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا له غيب السّموات والأرض}.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله {ولبثوا في كهفهم} قال: في حرف ابن مسعودٍ: " وقالوا ولبثوا " يعني أنّه قال النّاس، ألا ترى أنّه قال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا عليّ بن سهلٍ، قال: حدّثنا ضمرة بن ربيعة، عن ابن شوذبٍ، عن مطرٍ الورّاق، في قول اللّه: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين} قال: إنّما هو شيءٌ قالته اليهود، فردّه اللّه عليهم وقال: {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
وقال آخرون: بل ذلك خبرٌ من اللّه عن مبلغ ما لبثوا في كهفهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا قال: عدد ما لبثوا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، وزاد فيه {قل اللّه أعلم بما لبثوا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} قال: وتسع سنين.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق بنحوه.
- حدّثنا موسى بن عبد الرّحمن المسروقيّ، قال: حدّثنا أبو أسامة، قال: حدّثني الأجلح، عن الضّحّاك بن مزاحمٍ، قال: نزلت هذه الآية {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ} فقالوا: أيّامًا أو أشهرًا أو سنين؟ فأنزل اللّه: {سنين وازدادوا تسعًا}.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، ولبثوا في كهفهم قال: بين جبلين.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال كما قال اللّه عزّ ذكره: ولبث أصحاب الكهف في كهفهم رقودًا إلى أن بعثهم اللّه، ليتساءلوا بينهم، وإلى أن أعثر عليهم من أعثر، ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، وذلك أنّ اللّه بذلك أخبر في كتابه. وأمّا الّذي ذكر عن ابن مسعودٍ أنّه قرأ " وقالوا: ولبثوا في كهفهم " وقول من قال: ذلك من قول أهل الكتاب، وقد ردّ اللّه ذلك عليهم، فإنّ معناهم في ذلك: إن شاء اللّه كان أنّ أهل الكتاب قالوا فيما ذكر على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ للفتية من لدن دخلوا الكهف إلى يومنا ثلاث مائةٍ سنين وتسع سنين، فردّ اللّه ذلك عليهم، وأخبر نبيّه أنّ ذلك قدر لبثهم في الكهف من لدن أووا إليه إلى أن بعثهم ليتساءلوا بينهم، ثمّ قال جلّ ثناؤه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد: اللّه أعلم بما لبثوا بعد أن قبض أرواحهم، من بعد أن بعثهم من رقدتهم إلى يومهم هذا، لا يعلم ذلك غير اللّه، وغير من أعلمه اللّه ذلك.
فإن قال قائلٌ: وما يدلّ على أنّ ذلك كذلك؟
قيل: الدّالّ على ذلك أنّه جلّ ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداءً، فقال: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائةٍ سنين وازدادوا تسعًا} ولم يضع دليلاً على أنّ ذلك خبرٌ منه عن قول قومٍ قالوه، وغير جائزٍ أن يضاف خبره عن شيءٍ إلى أنّه خبرٌ عن غيره بغير برهانٍ، لأنّ ذلك لو جاز في شىءٍ جاز في كلّ أخباره، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنّها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيّل فساده.
فإن ظنّ ظانٌّ أنّ قوله: {قل اللّه أعلم بما لبثوا} دليلٌ على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ منه عن قومٍ قالوه، فإنّ ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التّأويل غيره، فأمّا وهو محتملٌ ما قلنا من أن يكون معناه: قل اللّه أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السّورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجبٍ أن يكون ذلك دليلاً على أنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، وإذا لم يكن دليلاً على ذلك، ولم يأت خبرٌ بأنّ قوله: {ولبثوا في كهفهم} خبرٌ من اللّه عن قومٍ قالوه، ولا قامت بصحّة ذلك حجّةٌ يجب التّسليم لها، صحّ ما قلنا، وفسد ما خالفه.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله: {ثلاث مائةٍ سنين} فقرأت ذلك عامّة قرّاء المدينة والبصرة وبعض الكوفيّين {ثلاث مائةٍ سنين} بتنوين: ثلاث مائةٍ، بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاثمائةٍ.
وقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة: ( ثلاث مائة سنين ) بإضافة ثلاث مائةٍ إلى السّنين، غير منوّنٍ.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصّواب قراءة من قرأه: {ثلاث مائةٍ} بالتّنوين {سنين} وذلك أنّ العرب إنّما تضيف المائة إلى ما يفسّرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم: عندى ثلاث مائة درهمٍ، وعندي مائة دينارٍ، لأنّ المائة والألف عددٌ كثيرٌ، والعرب لا تفسّر ذلك إلاّ بما كان بمعناه في كثرة العدد، والواحد يؤدّي عن الجنس، وليس ذلك للقليل من العدد، وإن كانت العرب ربّما وضعت الجمع القليل موضع الكثير، وليس ذلك بالكثير. وأمّا إذا جاء تفسيرها بلفظ الجميع، فإنّها تنوّن، فتقول: عندي ألف دراهم، وعندي مائة دنانير، على ما قد وصفت). [جامع البيان: 15/228-232]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {له غيب السّموات والأرض} يقول تعالى ذكره: للّه علم غيب السّماوات والأرض وملكه، لا يعزب عنه علم شيءٍ منه، ولا يخفى عليه شيءٌ، يقول: فسلّموا له علم مبلغ ما لبثت الفتية في الكهف إلى يومكم هذا، فإنّ ذلك لا يعلمه سوى الّذي يعلم غيب السّماوات والأرض وليس ذلك إلاّ اللّه الواحد القهّار.
وقوله: {أبصر به وأسمع} يقول: أبصر باللّه وأسمع، وذلك بمعنى المبالغة في المدح، كأنّه قيل: ما أبصره وأسمعه.
وتأويل الكلام: ما أبصر اللّه لكلّ موجودٍ، وأسمعه لكلّ مسموعٍ، لا يخفى عليه من ذلك شيءٌ، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أبصر به وأسمع} فلا أحدٌ أبصر من اللّه ولا أسمع، تبارك وتعالى.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من وليٍّ} قال: يرى أعمالهم، ويسمع ذلك منهم سميعًا بصيرًا.
وقوله: {ما لهم من دونه من وليٍّ} يقول جلّ ثناؤه: ما لخلقه دون ربّهم الّذي خلقهم وليّ، يلي أمرهم وتدبيرهم، وصرفهم فيما هم فيه مصرّفون. {ولا يشرك في حكمه أحدًا} يقول: ولا يجعل اللّه في قضائه، وحكمه في خلقه أحدًا سواه شريكًا، بل هو المنفرد بالحكم والقضاء فيهم، وتدبيرهم وتصريفهم فيما شاء وأحبّ). [جامع البيان: 15/232-234]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في حرف ابن مسعود وقالوا لبثوا في كهفهم الآية، يعني إنما قاله الناس، ألا ترى أنه قال: {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/519-520] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} قال: هذا قول أهل الكتاب فرد الله عليهم {قل الله أعلم بما لبثوا} ). [الدر المنثور: 9/520] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس قال: إن الرجل ليفسر الآية يرى أنها كذلك فيهوي أبعد ما بين السماء والأرض ثم تلا {ولبثوا في كهفهم} الآية، ثم قال: كم لبث القوم قالوا: ثلاثمائة وتسع سنين، قال: لو كانوا لبثوا كذلك لم يقل الله: {قل الله أعلم بما لبثوا} ولكنه حكى مقالة القوم فقال: {سيقولون ثلاثة} إلى قوله: {رجما بالغيب} وأخبر أنهم لا يعلمون قال: سيقولون {ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا} ). [الدر المنثور: 9/519] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {أبصر به وأسمع} قال: الله يقوله). [الدر المنثور: 9/521]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {أبصر به وأسمع} قال: لا أحد أبصر من الله ولا أسمع تبارك وتعالى، والله أعلم بالصواب والحمد لله وحده). [الدر المنثور: 9/521]