جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {نحن نقصّ عليك نبّأهم بالحقّ إنّهم فتيةٌ آمنوا بربّهم وزدناهم هدًى (13) وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربّنا ربّ السّموات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذًا شططًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: نحن يا محمّد نقصّ عليك خبر هؤلاء الفتية الّذين أووا إلى الكهف بالحقّ، يعني: بالصّدق واليقين الّذي لا شكّ فيه {إنّهم فتيةٌ آمنوا بربّهم} يقول: إنّ الفتية الّذين أووا إلى الكهف الّذين سألك عن نبئهم الملأ من مشركي قومك، فتيةٌ آمنوا بربّهم {وزدناهم هدًى} يقول: وزدناهم إلى إيمانهم بربّهم إيمانًا، وبصيرةً بدينهم، حتّى صبروا على هجران دار قومهم، والهرب من بين أظهرهم بدينهم إلى اللّه، وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش ولينه، إلى خشونة المكث في كهف جبل). [جامع البيان: 15/178-179]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 13 - 15
أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيا إلا وهو شاب ولا أوتي العلم عالما إلا وهو شاب، وقرأ: (قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم) (وإذا قال موسى لفتاه) و{إنهم فتية آمنوا بربهم}). [الدر المنثور: 9/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {وزدناهم هدى} قال: إخلاصا). [الدر المنثور: 9/505-506]
تفسير قوله تعالى: (وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({ربطنا على قلوبهم} [الكهف: 14] : «ألهمناهم صبرًا» ، {لولا أن ربطنا على قلبها} [القصص: 10] ، {شططًا} [الكهف: 14] : «إفراطًا»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره ربطنا على قلوبهم ألهمناهم صبرًا تقدّم شرحه في أحاديث الأنبياء قوله لولا أن ربطنا على قلبها أي ومن هذه المادّة هذا الموضع ذكره استطرادًا وإنّما هو في سورة القصص وهو قول أبي عبيدة أيضًا وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة قال لولا أن ربطنا على قلبها بالإيمان). [فتح الباري: 8/407]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله شططًا إفراطًا الوصيد الفناء إلخ تقدّم كلّه في أحاديث الأنبياء). [فتح الباري: 8/407]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({ربطنا على قلوبهم} ألهمناهم صبراً
أشار به إلى قوله تعالى: {وربطنا على قلوبهم إذ قاموا} وفسّر: ربطنا قوله: ألهمناهم صبرا. وفي التّفسير: شددنا على قلوبهم بالصبر وألهمناهم ذلك وقويناهم بنور الإيمان حتّى صبروا على هجران دار قومهم وفراق ما كانوا فيه من خفض العيش.
{لولا أن ربطنا على قلبها}
هذا في تفسير سورة القصص، وهو قوله تعالى: {وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين} (القصص: 10) ذكره هنا استطرادًا لأنّه من مادّة: ربطنا على قلوبهم، وروى عبد الرّزّاق عن معمر عن قتادة: لولا أن ربطنا على قلبها بالإيمان.
{شططاً}: إفراطاً
أشار به إلى قوله تعالى: {لن ندعو من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا} (الكهف: 14) ، وفسّر: (شططاً) بقوله: (إفراطاً) وعن ابن عبّاس ومقاتل: جوراً وعن قتادة: كذبا وأصل الشطط مجاوزة القدر والإفراط). [عمدة القاري: 19/36-37]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({ربطنا على قلوبهم}) [الكهف: 14] أي (ألهمناهم صبرًا) على هجر الوطن والأهل والمال والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار ومن هذه المادة قوله تعالى: في سورة القصص {لولا أن ربطنا على قلبها} [القصص: 10] أي أم موسى وذكره استطرادًا.
(شططا) في قوله تعالى: {لقد قلنا إذا شططا} [الكهف: 14] أي (إفراطًا) في الظلم ذا بعد عن الحق). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {وربطنا على قلوبهم} يقول عزّ ذكره: وألهمناهم الصّبر، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان حتّى عزفت أنفسهم عمّا كانوا فيه من خفض العيش، كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وربطنا على قلوبهم} يقول: بالإيمان.
وقوله: {إذ قاموا فقالوا ربّنا ربّ السّموات والأرض} يقول: حين قاموا بين يدي الجبّار دقينوس، فقالوا له إذ عاتبهم على تركهم عبادة آلهته: {ربّنا ربّ السّموات والأرض} يقول: قالوا ربّنا ملك السّماوات والأرض وما فيهما من شيءٍ، وآلهتك مربوبةٌ، وغير جائزٍ لنا أن نترك عبادة الرّبّ ونعبد المربوب {لن ندعو من دونه إلهًا} يقول: لن ندعو من دون ربّ السّماوات والأرض إلهًا، لأنّه لا إله غيره، وإنّ كلّ ما دونه فهو خلقه.
{لقد قلنا إذًا شططًا} يقول جلّ ثناؤه: لئن دعونا إلهًا غير إله السّماوات والأرض، لقد قلنا إذن بدعائنا غيره إلهًا شططًا من القول: يعني غاليًا من الكذب، مجاوزًا مقداره في البطول والغلوّ: كما قال الشّاعر:
ألا يا لقومي قد أشطّت عواذلي = ويزعمن أن أودى بحقّي باطلي
يقال منه: قد أشطّ فلانٌ في السّوم إذا جاوز القدر وارتفع، يشط إشطاطًا وشططًا. فأمّا من البعد فإنّما يقال: شطّ منزل فلانٌ يشطّ شطوطًا، ومن الطّول: شطّت الجارية تشطّ شطاطًا وشطاطاً: إذا طالت.
وبنحو الّذي قلنا في تأويل قوله {شططًا} قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {لقد قلنا إذا شططًا} يقول كذبًا.
- حدّثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {لقد قلنا إذًا شططًا} قال: لقد قلنا إذن خطأً، قال: الشّطط: الخطأ من القول). [جامع البيان: 15/179-180]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وربطنا على قلوبهم} قال: بالإيمان، وفي قوله: {لقد قلنا إذا شططا} قال: كذبا). [الدر المنثور: 9/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لقد قلنا إذا شططا} قال: جورا). [الدر المنثور: 9/506]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال: الشطط الخطأ من القول). [الدر المنثور: 9/506]
تفسير قوله تعالى: (هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (15) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى لولا يأتون عليهم بسلطان بين قال بحجة بينة بعذر بين). [تفسير عبد الرزاق: 1/399]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال كل سلطان في القرآن حجة). [تفسير عبد الرزاق: 1/399]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {هؤلاء قومنا اتّخذوا من دونه آلهةً لولا يأتون عليهم بسلطانٍ بيّنٍ فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا}.
يقول عزّ ذكره مخبرًا عن قيل الفتية من أصحاب الكهف: هؤلاء قومنا اتّخذوا من دون اللّه آلهةً يعبدونها من دونه {لولا يأتون عليهم بسلطانٍ بيّنٍ} يقول: هلاّ يأتون على عبادتهم إيّاها بحجّةٍ بيّنةٍ.
وفي الكلام محذوفٌ اجتزئ بما ظهر عمّا حذف، وذلك في قوله: {لولا يأتون عليهم بسلطانٍ بيّنٍ} فالهاء والميم في عليهم من ذكر الآلهة، والآلهة لا يؤتى عليها بسلطانٍ، ولا يسأل السّلطان عليها، وإنّما يسأل عابدوها السّلطان على عبادتهموها، فمعلومٌ إذ كان الأمر كذلك، أنّ معنى الكلام: لولا يأتون على عبادتهموها، واتّخاذهموها آلهةً من دون اللّه بسلطانٍ بيّنٍ.
وبنحو ما قلنا في معنى السّلطان، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {لولا يأتون عليهم بسلطانٍ بيّنٍ} يقول: بعذرٍ بيّنٍ.
وعنى بقوله عزّ ذكره: {فمن أظلم ممّن افترى على اللّه كذبًا} ومن أشدّ اعتداءً وإشراكًا باللّه، ممّن اختلق، فتخرّص على اللّه كذبًا، وأشرك مع اللّه في سلطانه شريكًا يعبده دونه، ويتّخده إلهًا). [جامع البيان: 15/180-181]