جمهرة تفاسير السلف
تفسير قوله تعالى: (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا (9) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن ابن أبي نجيح في قوله تعالى أصحاب الكهف والرقيم قال يقول بعضهم الرقيم كتاب تبيانهم ويقول بعضهم وهو الوادي الذي فيه كهفهم). [تفسير عبد الرزاق: 1/396-397]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى والرقيم قال يزعم كعب أنها القرية). [تفسير عبد الرزاق: 1/397]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس كل القرآن أعلمه إلا أربعا غسلين وحنانا والأواه والرقيم). [تفسير عبد الرزاق: 1/397]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر قال أخبرني إسماعيل بن شروس أنه سمع وهب بن منبه يقول جاء حواري عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل له إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له فكره أن يدخلها فأتى حماما فكان قريبا من تلك المدينة فكان يعمل فيه ويؤاجر نفسه من صاحب الحمام ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة ودر عليه الرزق ففوض إليه وجعل يسترسل إليه وعلقه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم عن خبر السماوات والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة وكان يشترط على صاحب الحمام أن الليل لي ولا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت فكان ذلك حتى جاء ابن الملك بامرأة يدخل بها الحمام فعيره الحواري وقال أنت ابن الملك وتدخل معك الكذا والكذا فاستحيا فذهب فرجع مرة أخرى فقال له مثل قوله فسبه وانتهره ولم يلتفت حتى دخل ودخلت معه المرأة فماتا في الحمام فأتى الملك فقيل قتل ابنك صاحب الحام فالتمس فلم يقدر عليه فهرب فقال من كان يصحبه فسمعوا الفتية فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا على صاحب لهم في زرع له وهو على مثل أمرهم فذكروا له أنهم التمسوا فانطلق معهم ومعه كلب حتى أواهم الليل إلى الكهف فدخلوه فقالوا نبيت ها هنا الليلة ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم فضرب الله على آذانهم فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فكلما أراد رجل أن يدخل أرعب فلم يطق أحد أن يدخله فقال له قائل ألست قلت لو كنت قدرت عليهم قتلتهم قال بلى قال فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا جوعا وعطشا ففعل ثم غبروا زمانا بعد زمان ثم إن راعيا أدركه المطر عند الكهف فقال لو فتحت هذا الكهف فأدخلت غنمي من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح لغنمه فأدخلها فيه ورد الله أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا فبعثوا أحدهم بورق يشتري لهم طعاما فكلما أتى باب مدينة رأى شيئا ينكره حتى دخل فأتى رجلا فقال يعني بهذه الدراهم طعاما قال ومن أين هذه الدراهم قال خرجت أنا وأصحاب لي أمس فأوانا الليل إلى الكهف ثم أصبحنا فأرسلوني قال هذه الدراهم كانت على عهد ملك فلان فأنى لك بها فرفعه إلى الملك وكان ملكا صالحا قال من أين لك هذه الورق قال خرجت أنا وأصحاب لي أمس حتى أدركنا الليل في كهف كذا وكذا ثم أمروني أن أشتري لهم طعاما قال وأين أصحابك قال في الكهف قال فانطلق معه حتى أتوا باب الكهف فقال دعوني أدخل إلى أصحابي قبلكم فلما رأوه ودنا منهم ضرب على أذنه وآذانهم وأرادوا أن يدخلوا فجعلوا كلما دخل الرجل أرعب فلم يقدروا على أن يدخلوا إليهم فبنوا عليهم كنيسة واتخذوه مسجدا يصلون فيه). [تفسير عبد الرزاق: 1/397-399]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن سماك بن حربٍ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ أنّه سأل كعبًا عن قول الله: {إن أصحاب الكهف والرقيم} قال كعب: هي القرية [الآية: 9]). [تفسير الثوري: 177]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({الكهف} [الكهف: 9] : «الفتح في الجبل» ، والرّقيم: «الكتاب» ، {مرقومٌ} [المطففين: 9] : «مكتوبٌ، من الرّقم»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله الكهف الفتح في الجبل والرّقيم الكتاب مرقومٌ مكتوبٌ من الرّقم تقدّم جميع ذلك في أحاديث الأنبياء مشروحًا). [فتح الباري: 8/407]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({الكهف} الفتح في الجبل أشار به إلى قوله تعالى: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} (الكهف: 9) وفسّر (الكهف) بقوله: (الفتح في الجبل) ، ويقال: الكهف الغار في الجبل.
{والرّقيم} الكتاب مرقومٌ مكتوبٌ من الرّقم
اختلف المفسّرون في الرقيم، فقيل: هو الطاق في الجبل، وعن ابن عبّاس: هو واد بين أيلة وعسفان، وأيلة دون فلسطين وهو الوادي الّذي فيه أصحاب الكهف، وقال كعب: هو قريتهم، فعلى هذا التّأويل من رقمة الوادي، وهو موضع الماء منه، وعن سعيد بن جبير: الرقيم لوح من حجارة، وقيل: من رصاص كتبوا فيه أسماء أصحاب الكهف وقصصهم ثمّ وضعوه على باب الكهف، فعلى هذا الرقيم بمعنى المرقوم، أي: المكتوب، والرقم الخط والعلامة، والرقم الكتابة). [عمدة القاري: 19/36]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({الكهف}) في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف} هو (الفتح في الجبل) ({والرقيم}) [الكهف: 9] هو (الكتاب مرقوم) أي (مكتوب من الرقم) بسكون القاف قيل هو لوح رصاصي أو حجري رقمت فيه أسماؤهم وقصصهم وجعل على باب الكهف، وقيل الرقيم اسم الجبل أو الوادي الذي فيه كهفهم أو اسم قريتهم أو كلبهم وقيل غير ذلك وقيل مكانهم بين غضبان وأيلة دون فلسطين وقيل غير ذلك مما فيه تباين وتخالف ولم ينبئنا الله ولا رسوله عن ذلك في أي الأرض هو إذ لا فائدة لنا فيه ولا غرض شرعي). [إرشاد الساري: 7/214]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال سعيدٌ: عن ابن عبّاسٍ: {الرّقيم} [الكهف: 9] : «اللّوح من رصاصٍ، كتب عاملهم أسماءهم، ثمّ طرحه في خزانته، فضرب اللّه على آذانهم فناموا»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال سعيد يعني ابن جبير عن بن عبّاسٍ الرّقيم لوحٌ من رصاصٍ كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته فضرب اللّه على آذانهم وصله عبد بن حميدٍ من طريق يعلى بن مسلمٍ عن سعيد بن جبيرٍ مطوّلًا وقد لخّصته في أحاديث الأنبياء وإسناده صحيحٌ على شرط البخاريّ وقد روى بن مردويه من طريق عكرمة عن بن عبّاسٍ أنّه قال ما كنت أعرف الرّقيم ثمّ سألت عنه فقيل لي هي القرية الّتي خرجوا منها وإسناده ضعيفٌ). [فتح الباري: 8/407]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال سعيد عن ابن عبّاس الرقيم اللّوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم فناموا
هذا طرف من حديث طويل قال عبد بن حميد في تفسيره ثنا عيسى بن الجنيد ثنا يزيد بن هارون ح وقال لابن أبي حاتم في تفسيره ثنا أبي ثنا عمرو بن عوف ثنا يزيد بن هارون والسياق لعبد أنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال غزونا مع معاوية غزوة المصيف فمروا بالكهف الّذي فيه أصحاب الكهف الّذين ذكر الله في القرآن فقال معاوية لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال ابن عبّاس ليس ذلك لك قد منع الله ذلك من هو خير منك فقال {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} 18 الكهف قال معاوية لا أنتهي حتّى أعلم علمهم قال فبعث ناسا فقال اذهبوا فانظروا فلمّا دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحًا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عبّاس فأنشأ يحدّثهم عنهم فقال إنّهم كانوا في مملكة ملك من هذه الجبابرة فجعلوا يعبدون حتّى عبدة الأوثان قال وهؤلاء الفتية بالمدينة فلمّا رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة على غير ميعاد فجمعهم الله عزّ وجلّ على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض أين تريدون أين تذهبون قال فجعل بعضهم يخفي من بعض لأنّه لا يدري هذا على ما خرج هذا فأخذ بعضهم على بعض المواثيق أن يخبر بعضهم بعضًا فإن اجتمعوا على شيء وإلّا كتم بعضهم على بعض قال فاجتمعوا على كلمة واحدة {فقالوا ربنا رب السّماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلهًا لقد قلنا إذا شططا هؤلاء قومنا اتّخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممّن افترى على الله كذبا وإذ اعتزلتموهم} إلى قوله {من أمركم مرفقا} 14 16 الكهف قال فهذا قول الفتية قال ففقدوا فجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب وجاء أهل هذا يطلبونه لا يدرون أين ذهب فطلبهم أهلوهم لا يدرون أين ذهبوا فرفع ذلك إلى الملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن بعد اليوم قوم خرجوا ولا يدرى أين توجهوا في غير جناية ولا شيء يعرف فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وطرحه في خزانته فذلك قول الله تبارك وتعال 9 الكهف {أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} والرقيم هو اللّوح الّذي كتبوا قال فانطلقوا حتّى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا قال فقال ابن عبّاس والله لو أن الشّمس تطلع عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض فذلك قول الله تبارك وتعالى 17 18 الكهف {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال} {وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد} يقول بالفناء {ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال} ثمّ إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فكسر تلك الأوثان وعبد الله وعدل في النّاس فبعثهم الله لما يريد فقال بعضهم لبعض {كم لبثتم} قال بعضهم {يومًا} وقال بعضهم {بعض يوم} وقال بعضهم أكثر من ذلك فقال كبيرهم لا تختلفوا فإنّه لم يختلف قوم قطّ إلّا هلكوا قال فقالوا {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاما فليأتكم برزق منه وليتلطف} يعني بأزكى بأطهر إنّهم كانوا يذبحون الخنازير قال فجاء إلى المدينة فرأى شارة أنكرها وبنيانا أنكره ثمّ دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم فأنكر الخباز الدّرهم وكانت دراهمهم كخفاف الرّبع يعني والرّبع الفصيل قال فأنكر الخباز وقال من أين لك هذا الدّرهم لقد وجدت كنزا لتدلني على هذا الكنز أو لأرفعنك إلى الأمير قال أتخوفني بالأمير وإنّي لدهقان الأمير فقال من أبوك قال فلان فلم يعرفه فقال من الملك فقال فلان فلم يعرفه قال فاجتمع النّاس ورفع إلى عاملهم فسأله فأخبره فقال علّي باللوح قال فجيء به فسمّى أصحابه فلان وفلان وهم في اللّوح مكتوبون قال فقال النّاس قد دلكم الله على إخوانكم قال فانطلقوا فركبوا حتّى أتوا الكهف فقال الفتى مكانكم أنتم حتّى أدخل على أصحابي لا تهجموا عليهم فيفزعوا منكم وهو لا يعلمون إن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم فقالوا آلله لتخرجن إلينا قال إن شاء الله فلم يدر أين ذهب وعمي عليهم المكان قال فطلبوا وحرصوا فلم يقدروا على الدّخول عليهم فقالوا أكرموا إخوانكم قال فنظروا في أمرهم فقالوا 21 الكهف {لنتخذن عليهم مسجدا} فجعلوا يصلون عليهم ويستغفرون لهم ويدعون لهم فذلك قول الله تعالى 22 الكهف {فلا تمار فيهم إلّا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا} يعني اليهود {ولا تقولن لشيء إنّي فاعل ذلك غدا إلّا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت} 22 24 الكهف فكان ابن عبّاس يقول إذا قلت شيئا فلم تقل إن شاء الله فقل إذا ذكرت إن شاء الله
هذا إسناد صحيح قد رواه عن سفيان بن حسين أيضا هشيم وغيره وسفيان ابن حسين ثقة حجّة في غير الزّهريّ وإنّما ضعفه من ضعفه في حديث الزّهريّ لأنّه لم يضبط عنه
وقد أخرج البخاريّ ليعلى بن مسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس عدّة أحاديث وعلق هذه القطعة منه فأوردته بتمامه للفائدة
ورويناه من طريق أخرى عن عمر بن قيس عن سعيد بن جبير مختصرا لكنه لم يذكر ابن عبّاس). [تغليق التعليق: 4/244-246]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال سعيدٌ عن ابن عبّاسٍ الرّقيم اللّوح من رصاصٍ كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته
لا يوجد هذا في كثير من النّسخ ومع هذا لو كان ذكر عند قوله: (والرقيم) الكتاب مرقوم مكتوب من الرقم لكان أوجه وأقرب، وسعيد هو ابن جبير، وروى هذا التّعليق ابن المنذر عن عليّ عن أبي عبيد: حدثنا سفيان بن حسين عن يعلى بن مسلم عن سعيد عن ابن عبّاس بلفظ إن الفتية طلبوا فلم يجدوهم، فرفع ذلك إلى الملك فقال: ليكونن لهؤلاء شأن، فدعى بلوح من رصاص فكتب أسماءهم فيه وطرحه في خزانته، قال: فالرقيم هو اللّوح الّذي كتبوا فيه). [عمدة القاري: 19/37]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال سعيد) هو ابن جبير مما وصله ابن المنذر (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- ({الرقيم} اللوح من رصاص كتب عاملهم}) فيه (أسماءهم ثم طرحه في خزانته) بكسر الخاء المعجمة وسبب ذلك أن الفتية طلبوا فلم يجدوهم فرفع أمرهم للملك فقال ليكونن لهؤلاء شأن فدعا باللوح وكتب ذلك). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: أم حسبت يا محمّد أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا، فإنّ ما خلقت من السّماوات والأرض، وما فيهنّ من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف، وحجّتي بكلّ ذلك ثابتةٌ على هؤلاء المشركين بى من قومك، وغيرهم من سائر عبادي.
وبنحو الّذي قلنا قال بعض أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أم حسبت أنّ أصحاب، الكهف والرّقيم} كانوا من آياتنا عجبًا قال محمّد بن عمرٍو في حديثه، قال: ليسوا عجبًا بأعجب آياتنا. وقال الحارث في حديثه بقولهم: أعجب آياتنا: ليسوا أعجب آياتنا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم} كانوا من آياتنا عجبًا كانوا يقولون هم عجبٌ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا} يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، {أم حسبت أنّ أصحاب، الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا} أي وما قدّ رأوا من قدرتى فيما صنعت من أمر الخلائق، وما وضعت على العباد من حججي ما هو أعظم من ذلك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: أم حسبت يا محمّد أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا، فإنّ الّذي آتيتك من العلم والحكمة أفضل منه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا} يقول: الّذي آتيتك من العلم والسّنّة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرّقيم.
وإنّما قلنا: إنّ القول الأوّل أولى بتأويل الآية، لأنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل قصّة أصحاب الكهف على نبيّه احتجاجًا بها على المشركين من قومه على ما ذكرنا في الرّواية عن ابن عبّاسٍ إذ سألوه عنها اختبارًا منهم له بالجواب عنها صدقه، فكان تقريعهم بتكذيبهم بما هو أوكد عليهم في الحجّة ممّا سألوا عنه، وزعموا أنّهم يؤمنون عند الإجابة عنه أشبه من الخبر عمّا أنعم اللّه على رسوله من النّعم.
وأمّا الكهف، فإنّه كهف الجبل الّذي أوى إليه القوم الّذين قصّ اللّه شأنهم في هذه السّورة.
وأمّا الرّقيم، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في المعنى به، فقال بعضهم: هو اسم قريةٍ، أو وادٍ على اختلافٍ بينهم في ذلك.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا يحيى وعبد الرّحمن، قالا: حدّثنا سفيان، عن الشّيبانيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: يزعم كعبٌ أنّ الرّقيم: القرية.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم} قال: الرّقيم: وادٍ بين عسفان وأيلة دون فلسطين، وهو قريبٌ من أيلة.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت أبي، عن عطيّة، قال: الرّقيم: وادٍ.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم} كنّا نحدّث أنّ الرّقيم: الوادي الّذي فيه أصحاب الكهف.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن سماك بن حربٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، في قوله {الرّقيم} قال: يزعم كعبٌ: أنّها القرية.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {الرّقيم} قال: يقول بعضهم: الرّقيم: كتاب تبيانهم، ويقول بعضهم: هو الوادي الّذي فيه كهفهم.
- حدّثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: حدّثنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضّحّاك، يقول: أمّا الكهف: فهو غار الوادي، والرّقيم: اسم الوادي.
وقال آخرون: الرّقيم: الكتاب.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم} يقول: الكتاب.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا ابن إدريس، قال: حدّثنا أبي، عن ابن قيسٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: الرّقيم: لوحٌ من حجارةٍ كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف، ثمّ وضعوه على باب الكهف.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: الرّقيم: كتابٌ، ولذلك الكتاب خبرٌ فلم يخبر اللّه عن ذلك الكتاب وعمّا فيه، وقرأ: {وما أدراك ما علّيّون كتابٌ مرقومٌ يشهده المقرّبون} {وما أدراك ما سجّينٌ} كتابٌ مرقومٌ.
وقال آخرون: بل هو اسم جبل أصحاب الكهف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال ابن عبّاسٍ: الرّقيم: الجبل الّذي فيه الكهف.
قال أبو جعفرٍ: وقد قيل إنّ اسم ذلك الجبل: بنجلوس.
- حدّثنا بذلك ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ.
وقد قيل: إنّ اسمه بناجلوس.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني وهب بن سليمان، عن شعيبٍ الجبائيّ، أنّ اسم، جبل الكهف: بناجلوس. واسم الكهف: حيزم. والكلب: حمران.
وقد روي عن ابن عبّاسٍ، في الرّقيم ما؛
- حدّثنا به الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا إسرائيل، عن سماكٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كلّ القرآن أعلمه، إلاّ {حنانًا}، والأوّاه، {والرّقيم}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عمرو بن دينارٍ، أنّه سمع عكرمة، يقول: قال ابن عبّاسٍ: ما أدري ما {الرّقيم}، أكتابٌ، أم بنيانٌ.
وأولى هذه الأقوال بالصّواب في الرّقيم أن يكون معنيًّا به: لوحٌ، أو حجرٌ، أو شيءٌ كتب فيه كتابٌ.
وقد قال أهل الأخبار: إنّ ذلك لوحٌ كتب فيه أسماء أصحاب الكهف وخبرهم حين أووا إلى الكهف. ثمّ قال بعضهم: رفع ذلك اللّوح في خزانة الملك. وقال بعضهم: بل جعل على باب كهفهم. وقال بعضهم: بل كان ذلك محفوظًا عند بعض أهل بلدهم.
وإنّما الرّقيم: فعيلٌ. أصله: مرقومٌ، ثمّ صرف إلى فعيلٍ، كما قيل للمجروح: جريحٌ، وللمقتول: قتيلٌ، يقال منه: رقمت كذا وكذا: إذا كتبته، ومنه قيل للرّقم في الثّوب رقمٌ، لأنّه الخطّ الّذي يعرف به ثمنه. ومن ذلك قيل للحيّة: أرقم، لما فيه من الآثار، والعرب تقول: عليك بالرّقمة، ودع الضّفّة: بمعنى عليك برقمة الوادي حيث الماء، ودع الضّفّة الجانبة. والضّفّتان: جانبا الوادي. وأحسب أنّ الّذي قال الرّقيم: الوادي، ذهب به إلى هذا، أعنّي به إلى رقمة الوادي). [جامع البيان: 15/155-161]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم قال كان أصحاب الكهف والرقيم يقول هم أعجب آياتنا يقول الله ولم يكونوا بأعجب آياتنا). [تفسير مجاهد: 373]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 10 - 12
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك قال: {الكهف} هو غار في الوادي). [الدر المنثور: 9/487]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس قال: {والرقيم} الكتاب). [الدر المنثور: 9/487]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال: {والرقيم} واد دون فلسطين قريب من أيلة). [الدر المنثور: 9/487]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير من طريق ابن جريج عن ابن عباس قال: والله ما أدري ما الرقيم لكتاب أم بنيان). [الدر المنثور: 9/487-488]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد قال: {والرقيم} منهم من يقول كتاب قصصهم ومنهم من يقول الوادي). [الدر المنثور: 9/488]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن أبي صالح قال: {والرقيم} لوح مكتوب). [الدر المنثور: 9/488]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: {والرقيم} لوح من حجارة كتبوا فيه قصة أصحاب الكهف وأمرهم ثم وضع على باب الكهف). [الدر المنثور: 9/488]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال: {والرقيم} حين رقمت أسماؤهم في الصخرة كتب الملك فيها أسماؤهم وكتب أنهم هلكوا في زمان كذا وكذا في ملك ريبوس ثم ضربها في سور المدينة على الباب فكان من دخل أو خرج قرأها، فذلك قوله: {أصحاب الكهف والرقيم}). [الدر المنثور: 9/488]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق والفريابي، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والزجاجي في أماليه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لا أدري ما الرقيم وسألت كعبا فقال: اسم القرية التي خرجوا منها). [الدر المنثور: 9/488]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن ابن عباس قال: كل القرآن أعلمه إلا أربعا: غسلين وحنانا والأواه والرقيم). [الدر المنثور: 9/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك قال: {والرقيم} الكلب). [الدر المنثور: 9/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا} يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم). [الدر المنثور: 9/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} كانوا بقولهم أعجب آياتنا ليسوا بأعجب آياتنا). [الدر المنثور: 9/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} قال: ليسوا بأعجب آياتنا كانوا من أبناء الملوك). [الدر المنثور: 9/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جعفر قال: كان أصحاب الكهف صيارفة). [الدر المنثور: 9/489]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وابن مردويه عن النعمان بن بشير أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن أصحاب الرقيم: إن ثلاثة نفر دخلوا إلى الكهف فوقع من الجبل حجر على الكهف فأوصد عليهم فقال قائل منهم: تذكروا أيكم عمل حسنة لعل الله أن يرحمنا، فقال أحدهم: نعم قد عملت حسنة مرة، إنه كان لي عمال استأجرتهم في عمل لي كل رجل منهم بأجر معلوم، فجاءني رجل ذات يوم وذلك في شطر النهار فاستأجرته بقدر ما بقي من النهار بشطر أصحابه الذين يعملون بقية نهارهم ذلك كل رجل منهم نهاره كله، فرأيت من الحق أن لا أنقصه شيئا مما استأجرت عليه أصحابه، فقال رجل منهم: يعطي هذا مثل ما يعطيني ولم يعمل إلا نصف نهاره.
فقلت له: إني لا أبخسك شيئا من شرطك وإنما هو مالي أحكم فيه بما شئت، فغضب وترك أجره فلما رأيت ذلك عزلت حقه في جانب البيت ما شاء الله ثم مر بي بعد ذلك بقر فاشتريت له فصيلا من البقر حتى بلغ ما شاء الله ثم مر بي الرجل بعد حين وهو شيخ ضعيف وأنا لا أعرفه فقال لي: إن لي عندك حقا، فلم أذكره حتى عرفني ذلك فقلت له: نعم، إياك أبغي، فعرضت عليه ما قد أخرج الله له من ذلك الفصيل من البقر فقلت له: هذا حقك من البقر، فقال لي: يا عبد الله لا تسخر بي، إن لا تتصدق علي أعطني حقي، فقلت: والله ما أسخر منك: إن هذا لحقك، فدفعته إليه اللهم فإن كنت تعلم أني قد كنت صادقا وأني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر، فانصدع حتى رأوا الضوؤ وأبصروا، وقال الآخر: قد عملت حسنة مرة وذلك أنه كان عندي فضل فأصاب الناس شدة فجاءتني امرأة فطلبت مني معروفا فقلت: لا والله ما هو دون نفسك، فأبت علي ثم رجعت فذكرتني بالله فأبيت عليها وقلت: لا والله ما هو دون نفسك، فأبت علي ثم رجعت فذكرتني بالله فأبيت عليها وقلت: لا والله ما هو دون نفسك، فأبت علي فذكرت ذلك لزوجها فقال: أعطيه نفسك وأغني عيالك، فلما رأيت ذلك سمحت بنفسها فلما هممت بها قالت: إني أخاف الله رب العالمين، فقلت لها: تخافين الله في الشدة ولم أخفه في الرخاء فأعطيتها ما استغنت هي وعيالها، اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر فانصدع الحجر حتى رأوا الضوء وأيقنوا الفرج، ثم قال الثالث: قد عملت حسنة مرة كان لي أبوان شيخان كبيران قد بلغما الكبر وكانت لي غنم فكنت أرعاها، وأختلف فيما بين غنمي وبين أبوي أطعمهما وأشبعهما وأرجع إلى غنمي فلما كان ذات يوم أصابني غيث شديد فحبسني فلم أرجع إلا مؤخرا فأتيت أهلي فلم أدخل منزلي حتى حلبت غنمي ثم مضيت إلى أبوي أسقيهما فوجدتهما قد ناما فشق علي أن أوقظهما وشق علي علي أن أترك غنمي فلم أبرح جالسا ومحلبي على يدي حتى أيقظهما الصبح فسقيتهما الله إن كنت تعلم أني فعلت ذلك لوجهك فأفرج عنا هذا الحجر، ففرج الله عنهم وخرجوا إلى أهليهم راجعين). [الدر المنثور: 9/489-492]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وابن المنذر عن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: أن ثلاثة نفر فيما سلف من الناس انطلقوا يرتادون لأهليهم فأخذتهم السماء فدخلوا غارا فسقط عليهم حجر فجاف حتى ما يرون منه خصاصة، فقال بعضهم لبعض: قد وقع الحجر وعفا الأثر ولا يعلم مكانكم إلا الله فادعوا الله عز وجل بأوثق أعمالكم، فقال رجل منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي والدان فكنت أحلب لهما في إنائهما فآتيهما فإذا وجدتهما راقدين قمت على رأسيهما كراهة أن أرد سنتهما في رأسيهما حتى يستيقظا متى استيقظا اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرج عنا، فزال ثلث الحجر.
وقال الثاني: اللهم إن كنت تعلم أني استأجرت أجيرا على عمل يعمله فأتاني يطلب أجره وأنا غضبان فزبرته فانطلق وترك أجره فجمعته وثمرته حتى كان منه كل المال فأتاني يطلب أجره فدفعت إليه ذلك كله ولو شئت لم أعطه إلا أجره الأول اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك فأفرج عنا، فزال ثلث الحجر، وقال الثالث: اللهم إن كنت تعلم أنه أعجبته امرأة فجعل لها جعلا فلما قدر عليها وفر لها نفسها وسلم لها جعلها، اللهم إن كنت تعلم أني إنما فعلت ذلك رجاء رحمتك ومخافة عذابك ففرج عنا، فزال الحجر وخرجوا معاتيق يمشون). [الدر المنثور: 9/492-493]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري ومسلم والنسائي، وابن المنذر عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصابهم مطر فأووا إلى غار فانطبق عليهم فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه قد صدق فيه، فقال واحد منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير يعلم على فرق من أرز فذهب وتركه وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا وأنه أتاني يطلب أجره فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فسقها فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران فكنت آتيهما كل لية بلبن غنم لي فأبطأت عليهما ليلة فجئت وقد رقدا وعيالي يتضاغون من الجوع فكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبوي فكرهت أن أوقظهما وكرهت أن أدعهما فيستكنا بشربتهما فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء، فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم من أحب الناس إلي وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها فأمكنتني من نفسها فلما قعدت بين رجليها قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا.
وأخرج البخاري في تاريخه من حديث ابن عباس مثله). [الدر المنثور: 9/493-495]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه أصحاب الكهف الذي ذكر الله في القرآن، فقال معاوية: لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس: ليس ذلك لك قد منع الله ذلك عمن هو خير منك فقال: {لو اطلعت عليهم لوليت منهم فرارا ولملئت منهم رعبا} فقال معاوية: لا انتهي حتى أعلم علمهم، فبعث رجالا فقال: اذهبوا فادخلوا الكهف فانظروا، فذهبوا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم، فبلغ ذلك ابن عباس فأنشأ يحدث عنهم فقال: إنهم كانوا في مملكة ملك من الجبابرة يعبد الأوثان وقد أجبر الناس على عبادتها وكان وهؤلاء الفتية في المدينة فلما رأوا ذلك خرجوا من تلك المدينة فجمعهم الله على غير ميعاد فجعل بعضهم يقول لبعض: أين تريدون، أين تذهبون، فجعل بعضهم يخفي على بعض لأنه لا يدري هذا على ما خرج هذا ولا يدري هذا، فأخذوا العهود والمواثيق أن يخبر بعضهم بعضا فإن اجتمعوا على شيء وإلا كتم بعضهم بعضا، فاجتمعوا على كلمة واحدة {فقالوا ربنا رب السماوات والأرض} إلى قوله: {مرفقا} قال: فقعدوا فجاء أهلهم يطلبونهم لا يدرون أين ذهبوا فرفع أمرهم إلى الملك فقال: ليكونن لهؤلاء القوم بعد اليوم شأن، ناس خرجوا لا يدرى أين ذهبوا في غير خيانة ولا شيء يعرف، فدعا بلوح من رصاص فكتب فيه أسماؤهم ثم طرح في خزانته، فذلك قول الله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} والرقيم هو اللوح الذي كتبوا، فانطلقوا حتى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فقاموا، فلو أن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض، ذلك قول الله: {وترى الشمس} الآية، قال: ثم إن ذلك الملك ذهب وجاء ملك آخر فعبد الله وترك تلك الأوثان وعدل بين الناس فبعثهم الله لما يريد {قال قائل منهم كم لبثتم} فقال بعضهم: يوما، وقال بعضهم يومين، وقال بعضهم أكثر من ذلك، فقال كبيرهم: لا تختلفوا فإنه لم يختلف قوم قط إلا هلكوا فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة، فرأى شارة أنكرها ورأى بنيانا أنكره ثم دنا إلى خباز فرمى إليه بدرهم وكانت دراهمهم كخفاف الربع - يعني ولد الناقة - فأنكر الخباز الدرهم فقال: من أين لك الدرهم لقد وجدت كنزا لتدلني عليه أو لأرفعنك إلى الأمير، فقال: أو تخوفني بالأمير وأتى الدهقان الأمير قال: من أبوك قال: فلان، فلم يعرفه، قال: فمن الملك قال: فلان، فلم يعرفه فاجتمع عليهم الناس فرفع إلى عالمهم فسأله فأخبره فقال: علي باللوح فجيء به فسمى أصحابه فلانا وفلانا، وهم مكتوبون في اللوح فقال للناس: إن الله قد دلكم على إخوانكم، وانطلقوا وركبوا حتى أتوا إلى الكهف فلما دنوا من الكهف قال الفتى: مكانكم أنتم حتى أدخل أنا على أصحابي ولا تهجموا فيفزعون منكم وهم لا يعلمون أن الله قد أقبل بكم وتاب عليكم، فقالوا لتخرجن علينا فقال: نعم إن شاء الله، فدخل فلم يدروا أين ذهب وعمي عليهم فطلبوا وحرضوا فلم يقدروا على الدخول عليهم فقالوا {لنتخذن عليهم مسجدا} فاتخذوا عليهم مسجدا يصلون عليهم ويستغفرون لهم). [الدر المنثور: 9/495-498]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه قال: كان أصحاب الكهف أبناء ملوك رزقهم الله الإسلام فتعوذوا بدينهم واعتزلوا قومهم حتى انتهوا إلى الكهف فضرب الله على صماخاتهم فلبثوا دهرا طويلا حتى هلكت أمتهم وجاءت أمة مسلمة وكان ملكهم مسلما واختلفوا في الروح والجسد فقال قائل: يبعث الروح والجسد جميعا، وقال قائل: يبعث الروح وأما الجسد فتأكله الأرض فلا يكون شيئا فشق على ملكهم إختلافهم فانطلق فلبس المسوح وجلس على الرماد ثم دعا الله فقال: أي رب قد ترى إختلاف هؤلاء فابعث لهم آية تبين لهم فبعث الله أصحاب الكهف فبعثوا أحدهم ليشتري لهم طعاما فدخل السوق فلما نظر جعل ينكر الوجوه ويعرف الطرق ورأى الإيمان ظاهرا بالمدينة، فانطلق وهو مستخف حتى أتى رجلا يشتري منه طعاما فلما نظر الرجل إلى الورق أنكرها، حسبت أنه قال: كأنها أخفاف الربيع - يعني الإبل الصغار - فقال الفتى: أليس ملككم فلان قال الرجل: بل ملكنا فلان، فلم يزل ذلك بينهما حتى رفعه إلى الملك فنادى في الناس فجمعهم فقال: إنكم اختلفتم في الروح والجسد وإن الله قد بعث لكم آية فهذا رجل من قوم فلان - يعني ملكهم الذي قبله - فقال الفتى: انطلق بي إلى أصحابي، فركب الملك وركب معه الناس حتى انتهى إلى الكهف فقال الفتى: دعوني أدخل إلى أصحابي، فلما أبصروه وأبصرهم ضرب على آذانهم فلما استبطؤوه دخل الملك ودخل الناس معه فإذا أجساد لا يبلى منها شيء غير أنها لا أرواح فيها، فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم فغزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة فمروا بالكهف فإذا فيه عظام فقال رجل: هذه عظام أهل الكهف، فقال ابن عباس: ذهبت عظامهم أكثر من ثلثمائة سنة). [الدر المنثور: 9/498-500]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه قال: كان أصحاب الكهف أبناء عظماء أهل مدينتهم وأهل شرفهم خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد فقال رجل منهم - هو أشبههم -: إني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أحدا يجده، قالوا: ما تجد قال: أجد في نفسي أن ربي رب السموات والأرض، فقاموا جميعا فقالوا: {ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا} وكان مع ذلك من حديثهم وأمرهم ما قد ذكر الله في القرآن فأجمعوا أن يدخلوا الكهف وعلى مدينتهم إذ ذاك جبار يقال له (دقيوس) فلبثوا في الكهف ما شاء الله رقودا ثم بعثهم الله فبعثوا أحدهم ليبتاع لهم طعاما فلما خرج إذا هم بحظيرة على باب الكهف فقال: ما كانت هذه ههنا عشية أمس، فسمع كلاما من كلام المسلمين بذكر الله - وكان الناس قد أسلموا بعدهم وملك عليهم رجل صالح - فظن أنه أخطأ الطريق فجعل ينظر إلى مدينته التي خرج منها وإلى مدينتين وجاهها أسماؤهن: اقسوس وايديوس وشاموس، فيقول: ما أخطأت الطريق - هذه اقسوس وايديوس وشاموس، فعمد إلى مدينته التي خرج منها ثم عمد حتى جاء السوق فوضع ورقة في يد رجل فنظر فإذا ورق ليست بورق الناس فانطلق به إلى الملك وهو خائف فسأله وقال: لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيوس فإني قد كنت أدعو الله أن يرينيهم وأن يعلمني مكانهم، ودعا مشيخة أهل القرية - وكان رجل منهم قد كان عنده أسماؤهم وأنسابهم - فسألهم فأخبروه فسأل الفتى فقال: صدق، وانطلق الملك وأهل المدينة معه لأن يدلهم على أصحابه حتى إذا دنوا من الكهف سمع الفتية حس الناس فقالوا: أتيتم، ظهر على صاحبكم فاعتنق بعضهم بعضا وجعل يوصي بعضهم بعضا بدينهم فلما دنا الفتى منهم أرسلوه فلما قدم إلى أصحابه ماتوا عند ذلك ميتة الحق، فلما نظر إليهم الملك شق عليه أن لم يقدر عليهم أحياء وقال: لا أدفنهم إذا فائتوني بصندوق من ذهب، فأتاه آت منهم في المنام فقال: أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل ودعنا في كهفنا فمن التراب خلقنا وإليه نعود، فتركهم في كهفهم وبنى على كهفهم مسجدا). [الدر المنثور: 9/500-502]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن وهب بن منبه رضي الله عنه قال: جاء رجل من حواريي عيسى عليه السلام إلى مدينة أصحاب الكهف فأراد أن يدخلها فقيل: على بابها صنم لا يدخلها أحد إلا سجد له فكره أن يدخل فأتى حماما فكان فيه قريبا من تلك المدينة وكان يعمل فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمام ورأى صاحب الحمام في حمامه البركة والرزق وجعل يسترسل إليه وعلقه فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم عن خبر السماء والأرض وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة وكان يشترط على صاحب الحمام: أن الليل لي ولا تحول بيني وبين الصلاة إذا حضرت حتى أتى ابن الملك بامرأة يدخل بها الحمام فعيره الحواري فقال: أنت ابن الملك وتدخل مع هذه الكداء، فاستحيا فذهب فرجع مرة أخرى فسبه وانتهره فلم يلتفت حتى دخل - ودخلت معه المرأة فباتا في الحمام جميعا فماتا فيه، فأتى الملك فقيل له: قتل ابنك صاحب الحمام، فالتمس فلم يقدر عليه وهرب من كان يصحبه فسموا الفتية، فالتمسوا فخرجوا من المدينة فمروا بصاحب لهم في زرع له وهو على مثل أمرهم فذكروا له أنهم التمسوا فانطلق معه ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف فدخلوا فيه فقالوا: نبيت ههنا الليلة حتى نصبح إن شاء الله ثم تروا رأيكم، فضرب على آذانهم فخرج الملك لأصحابه يبتغونهم حتى وجدوهم قد دخلوا الكهف فكلما أراد الرجل منهم أن يدخل أرعب فلم يطق أحد أن يدخله فقال له قائل: ألست قلت: لو قدرت عليهم قتلتهم قال: بلى، قال: فابن عليهم باب الكهف ودعهم يموتوا عطشا وجوعا، ففعل، ثم صبروا زمانا ثم إن راعي غنم أدركه المطر عند الكهف فقال: لو فتحت هذا الكهف وأدخلت غنمي من المطر فلم يزل يعالجه حتى فتح لغنمه فأدخلها فيه ورد الله أرواحهم في أجسادهم من الغد حين أصبحوا فبعثوا أحدهم بورق ليشتري لهم طعاما فكلما أتى باب مدينتهم لا يرى أحد من ورقهم شيئا إلا استنكرها حتى جاء رجلا فقال: بعني بهذه الدراهم طعاما، فقال: ومن أين لك هذه الدراهم قال: إني رحت وأصحابي أمس فأتى الليل ثم أصبحنا فأرسلوني، قال: فهذه الدراهم كانت على عهد ملك فلان، فأنى لك هذه الدراهم، فرفعه إلى الملك 0 وكان رجلا صالحا - فقال: ومن أين لك هذا الورق قال: خرجت أنا وأصحابي أمس حتى إذا أدركنا الليل في كهف كذا وكذا ثم أمروني أن أشتري لهم طعاما، قال: وأين أصحابك قال: في الكهف، فانطلق معه حتى أتوا باب الكهف فقال: دعوني أدخل على أصحابي قبلكم، فلما رأوه ودنا منهم ضرب على أذنه وآذانهم فأرادوا أن يدخلوا فجعل كلما دخل رجل منهم رعب فلم يقدروا أن يدخلوا إليهم فبنوا عندهم مسجدا يصلون فيه). [الدر المنثور: 9/502-504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصحاب الكهف أعوان المهدي). [الدر المنثور: 9/504]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الزجاجي في أماليه عن ابن عباس في قوله: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم} قال: إن الفتية لما هربوا من أهليهم خوفا على دينهم، فقدوهم فخبروا الملك خبرهم فأمر بلوح من رصاص فكتب فيه أسماءهم وألقاه في خزانته وقال: إنه سيكون لهم شأن وذلك اللوح هو الرقيم والله أعلم). [الدر المنثور: 9/504-505]
تفسير قوله تعالى: (إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا (10) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربّنا آتنا من لدنك رحمةً وهيّئ لنا من أمرنا رشدًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: {أم حسبت أنّ أصحاب الكهف والرّقيم كانوا من آياتنا عجبًا} حين أوى الفتية أصحاب الكهف إلى كهف الجبل، هربًا بدينهم إلى اللّه، فقالوا إذ آووه: {ربّنا آتنا من لدنك رحمةً} رغبةً منهم إلى ربّهم، في أن يرزقهم من عنده رحمةً. وقوله: {وهيّئ لنا من أمرنا رشدًا} يقول: وقالوا: يسّر لنا مما نبتغي وما نلتمس من رضاك والهرب من الكفر بك، ومن عبادة الأوثان الّتي يدعونا إليها قومنا {رشدًا} يقول: سدادًا إلى العمل بالّذي تحبّ.
وقد اختلف أهل العلم في سبب مصير هؤلاء الفتية إلى الكهف الّذي ذكره اللّه في كتابه، فقال بعضهم: كان سبب ذلك، أنّهم كانوا مسلمين على دين عيسى، وكان لهم ملكٌ عابد وثنٍ، دعاهم إلى عبادة الأصنام فهربوا بدينهم منه خشية أن يفتنهم عن دينهم، أو يقتلهم، فاستخفوا منه في الكهف.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا الحكم بن بشيرٍ، قال: حدّثنا عمرٌو، في قوله: {أصحاب الكهف والرّقيم} كانت الفتية على دين عيسى على الإسلام، وكان ملكهم كافرًا، وقد أخرج لهم صنمًا، فأبوا، وقالوا: {ربّنا ربّ السّموات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذًا شططًا} قال: فاعتزلوا عن قومهم، لعبادة اللّه، فقال أحدهم: إنّه كان لأبي كهفٌ يأوي فيه غنمه، فانطلقوا بنا نكن فيه، فدخلوه، وفقدوا في ذلك الزّمان فطلبوا، فقيل: دخلوا هذا الكهف، فقال قومهم: لا نريد لهم عقوبةً ولا عذابًا أشدّ من أن نردم عليهم هذا الكهف، فبنوه عليهم ثمّ ردموه، ثمّ إنّ اللّه بعث عليهم ملكًا على دين عيسى، ووقع ذلك البناء الّذي كان ردم عليهم، فقال بعضهم لبعضٍ {كم لبثتم} فـ {قالوا لبثنا يومًا أو بعض يومٍ} حتّى بلغ {فابعثوا أحدكم بورقكم هذه إلى المدينة} وكان ورق ذلك الزّمان كبارًا، فأرسلوا أحدهم يأتيهم بطعامٍ وشرابٍ، فلمّا ذهب ليخرج، رأى على باب الكهف شيئًا أنكره، فأراد أن يرجع، ثمّ مضى حتّى دخل المدينة، فأنكر ما رأى، ثمّ أخرج درهمًا، فنظروا إليه فأنكروه، وأنكروا الدّرهم، وقالوا: من أين لك هذا؟ هذا من ورق غير هذا الزّمان، واجتمعوا عليه يسألونه، فلم يزالوا به حتّى انطلقوا به إلى ملكهم، وكان لقومهم لوحٌ يكتبون فيه ما يكون، فنظروا في ذلك اللّوح، وسأله الملك، فأخبره بأمره، ونظروا في الكتاب متى فقدوا، فاستبشروا به وبأصحابه، وقيل له: انطلق بنا فأرنا أصحابك، فانطلق وانطلقوا معه ليريهم، فدخل قبل القوم، فضرب على آذانهم، فقال الّذين غلبوا على أمرهم: {لنتّخذنّ عليهم مسجدًا}.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: مرج أمر أهل الإنجيل وعظمت فيهم الخطايا وطغت فيهم الملوك، حتّى عبدوا الأصنام وذبحوا للطّواغيت، وفيهم على ذلك بقايا على أمر عيسى ابن مريم، متمسّكون بعبادة اللّه وتوحيده، فكان ممّن فعل ذلك من ملوكهم، ملكٌ من الرّوم يقال له: دقيانوس، كان قد عبد الأصنام، وذبح للطّواغيت، وقتل من خالفه في ذلك ممّن أقام على دين عيسى ابن مريم.
كان ينزل في قرى الرّوم، ولا يترك في قريةٍ ينزلها أحدًا ممّن يدين بدين عيسى ابن مريم إلاّ قتله، حتّى يعبد الأصنام، ويذبح للطّواغيت، حتّى نزل دقينوس مدينة الفتية أصحاب الكهف، فلمّا نزلها دقيانوس كبر ذلك على أهل الإيمان، فاستخفوا منه وهربوا في كلّ وجهٍ. وكان دقينوس قد أمر حين قدمها أن يتّبع أهل الإيمان فيجمعوا له، واتّخذ شرطًا من الكفّار من أهلها، فجعلوا يتّبعون أهل الإيمان في أماكنهم الّتي يستخفون فيها، فيستخرجونهم إلى دقينوس، فقّدمهم إلى المجامع الّتي يذبح فيها للطّواغيت فيخيّرهم بين القتل وبين عبادة الأوثان والذّبح للطّواغيت، فمنهم من يرغب في الحياة ويفظع بالقتل فيفتتن، ومنهم من يأبى أن يعبد غير اللّه فيقتل، فلمّا رأى ذلك أهل الصّلابة من أهل الإيمان باللّه، جعلوا يسلّمون أنفسهم للعذاب والقتل، فيقتّلون ويقطّعون، ثمّ يربط ما قطع من أجسادهم، فيعلّق على سور المدينة من نواحيها كلّها، وعلى كلّ بابٍ من أبوابها، حتّى عظمت الفتنة على أهل الإيمان، فمنهم من كفر فترك، ومنهم من صلب على دينه فقتل، فلمّا رأى ذلك الفتية أصحاب الكهف، حزنوا حزنًا شديدًا، حتّى تغيّرت ألوانهم، ونحلت أجسامهم، واستعانوا بالصّلاة والصّيام والصّدقة، والتّحميد، والتّسبيح، والتّهليل، والتّكبير، والبكاء، والتّضرّع إلى اللّه، وكانوا فتيةً أحداثًا أحرارًا من أبناء أشراف الرّوم.
- فحدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن عبد اللّه بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: لقد حدّثت أنّه كان على بعضهم من حداثة أسنانهم وضحٌ الورق. قال ابن عبّاسٍ: فكانوا كذلك في عبادة اللّه ليلهم ونهارهم يبكون إلى اللّه، ويستغيثونه، وكانوا ثمانية نفرٍ: مكسلمينا، وكان أكبرهم، وهو الّذي كلّم الملك عنهم، ومحسيميلنينا، ويمليخا، ومرطوس، وكشوطونس، وبيرونس، ودينموس، وبطونس، وقالوس فلمّا أجمع دقينوس أن يجمع أهل القرية لعبادة الأصنام، والذّبح للطّواغيت، بكوا إلى اللّه وتضرّعوا إليه، وجعلوا يقولون: اللّهمّ ربّ السّماوات والأرض، لن ندعو من دونك إلهًا {لقد قلنا إذًا شططًا} اكشف عن عبادك المؤمنين هذه الفتنة وادفع عنهم البلاء وأنعم على عبادك الّذين آمنوا بك، ومنعوا عبادتك إلاّ سرًّا، مستخفين بذلك، حتّى يعبدوك علانيةً. فبينما هم على ذلك عرفهم عرفاؤهم من الكفّار، ممّن كان يجمع أهل المدينة لعبادة الأصنام، والذّبح للطّواغيت، وذكروا أمرهم، وكانوا قد خلوا في مصلًّى لهم يعبدون اللّه فيه، ويتضرّعون إليه، ويتوقّعون أن يذكروا لدقينوس، فانطلق أولئك الكفرة حتّى دخلوا عليهم مصلاّهم، فوجدوهم سجودًا على وجوههم يتضرّعون، ويبكون، ويرغبون إلى اللّه أن ينجّيهم من دقينوس وفتنته، فلمّا رآهم أولئك الكفرة من عرفائهم قالوا لهم: ما خلّفكم عن أمر الملك؟ انطلقوا إليه ثمّ خرجوا من عندهم، فرفعوا أمرهم إلى دقينوس، وقالوا: تجمع النّاس للذّبح لآلهتك، وهؤلاء فتيةٌ من أهل بيتك يسخرون منك، ويستهزئون بك، ويعصون أمرك، ويتركون آلهتك، يعمدون إلى مصلًّى لهم ولأصحاب عيسى ابن مريم يصلّون فيه، ويتضرّعون إلى إلههم وإله عيسى وأصحاب عيسى، فلم تتركهم يصنعون هذا وهم بين ظهراني سلطانك وملكك وهم ثمانية نفرٍ: رأسهم مكسلمينا، وهم أبناء عظماء المدينة؟ فلمّا قالوا ذلك لدقينوس، بعث إليهم، فأتى بهم من المصلّى الّذي كانوا فيه تفيض أعينهم من الدّمع معفّرةً وجوههم في التّراب، فقال لهم: ما منعكم أن تشهدوا الذّبح لآلهتنا الّتي تعبد في الأرض، وأن تجعلوا أنفسكم أسوةً لسراة أهل مدينتكم، ولمن حضرها من النّاس؟ اختاروا منّي: إمّا أن تذبحوا لآلهتنا كما ذبح النّاس، وإمّا أن أقتلكم فقال مكسلمينا: إنّ لنا إلهًا نعبده ملأ السّماوات والأرض عظمًهً، لن ندعو من دونه إلهًا أبدًا، ولن نقرّ بهذا الّذي تدعونا إليه أبدًا، ولكنّا نعبد اللّه ربّنا، له الحمد والتّكبير والتّسبيح من أنفسنا خالصًا أبدًا، إيّاه نعبد، وإيّاه نسأل النّجاة والخير، فأمّا الطّواغيت وعبادتها، فلن نقرّ بها أبدًا، ولسنا بكائنين عبّادًا للشّياطين، ولا جاعلي أنفسنا وأجسادنا عبّادًا لها بعد إذ هدانا اللّه له رهبتك أو فرقًا من عبودتك، اصنع بنا ما بدا لك، ثمّ قال أصحاب مكسلمينا لدقينوس مثل ما قال. قال: فلمّا قالوا ذلك له، أمر بهم فنزع عنهم لبوسٌ كان عليهم من لبوس عظمائهم، ثمّ قال: أما إذ فعلتم ما فعلتم فإنّي سأؤخّركم أن تكونوا من أهل مملكتي وبطانتي وأهل بلاطي، وسأفرغ لكم، فأنجز لكم ما وعدتكم من العقوبة، وما يمنعني أن أعجّل ذلك لكم إلاّ أنّي أراكم فتيانًا حديثةً أسنانكم، ولا أحبّ أن أهلككم حتّى أستأني بكم، وأنا جاعلٌ لكم أجلاً تذكرون فيه، وتراجعون عقولكم. ثمّ أمر بحليةٍ كانت عليهم من ذهبٍ وفضّةٍ، فنزعت منهم، ثمّ أمر بهم فأخرجوا من عنده. وانطلق دقينوس مكانه إلى مدينةٍ سوى مدينتهم الّتي هم بها قريبًا منها لبعض ما يريد من أمره. فلمّا رأى الفتية دقينوس قد خرج من مدينتهم بادروا قدومه، وخافوا إذا قدم مدينتهم أن يذكر بهم، فأتمروا بينهم أن يأخذ كلّ رجلٍ منهم نفقةً من بيت أبيه، فيتصدّقوا منها، ويتزوّدوا بما بقي، ثمّ ينطلقوا إلى كهفٍ قريبٍ من المدينة في جبلٍ يقال له: بنجلوس فيمكثوا فيه، ويعبدوا اللّه حتّى إذا رجع دقينوس أتوه فقاموا بين يديه، فيصنع بهم ما شاء. فلمّا قال ذلك بعضهم لبعضٍ، عمد كلّ فتًى منهم، فأخذ من بيت أبيه نفقةً، فتصدّقوا منها، وانطلقوا بما بقي معهم من نفقتهم، واتّبعهم كلبٌ لهم، حتّى أتوا ذلك الكهف الّذي في ذلك الجبل، فلبثوا فيه ليس لهم عملٌ إلاّ الصّلاة والصّيام والتّسبيح والتّكبير والتّحميد، ابتغاء وجه اللّه تعالى، والحياة الّتي لا تنقطع، وجعلوا نفقتهم إلى فتًى منهم يقال له يمليخا، فكان على طعامهم، يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة سرًّا من أهلها، وذلك أنّه كان من أجملهم وأجلدهم، فكان يمليخا يصنع ذلك، فإذا دخل المدينة يضع ثيابًا كانت عليه حسانًا، ويأخذ ثيابًا كثياب المساكين الّذين يستطعمون فيها، ثمّ يأخذ ورقه، فينطلق إلى المدينة فيشتري لهم طعامًا وشرابًا، ويتسمّع ويتجسّس لهم الخبر، هل ذكر هو وأصحابه بشيءٍ في بلاط المدينة، ثمّ يرجع إلى أصحابه بطعامهم وشرابهم، ويخبرهم بما سمع من أخبار النّاس، فلبثوا كذلك ما لبثوا. ثمّ قدم دقينوس الجبّار المدينة الّتي منها خرج إلى مدينته، وهي مدينة أفسوس، فأمر عظماء أهلها، فذبحوا للطّواغيت، ففزع في ذلك أهل الإيمان، فتخبّئوا من كلّ مخبأٍ، وكان يمليخا بالمدينة يشتري لأصحابه طعامهم وشرابهم ببعض نفقتهم، فرجع إلى أصحابه وهو يبكي ومعه طعامٌ قليلٌ، فأخبرهم أنّ الجبّار دقينوس قد دخل المدينة، وأنّهم قد ذكروا وافتقدوا والتمسوا مع عظماء أهل المدينة ليذبحوا للطّواغيت، فلمّا أخبرهم بذلك، فزعوا فزعًا شديدًا، ووقعوا سجودًا على وجوههم يدعون اللّه، ويتضرّعون إليه، ويتعوّذون به من الفتنة، ثمّ إنّ يمليخا قال لهم: يا إخوتاه، ارفعوا رءوسكم، فاطعموا من هذا الطّعام الّذي جئتكم به، وتوكّلوا على ربّكم، فرفعوا رءوسهم، وأعينهم تفيض من الدّمع حذرًا وتخوّفًا على أنفسهم، فطعموا منه، وذلك مع غروب الشّمس، ثمّ جلسوا يتحدّثون ويتدارسون، ويذكر بعضهم بعضًا على حزنٍ منهم، مشفقين ممّا أتاهم به صاحبهم من الخبر، فبينا هم على ذلك، إذ ضرب اللّه على آذانهم في الكهف، وكلبهم باسطٌ ذراعيه بباب الكهف، فأصابهم ما أصابهم وهم مؤمنون موقنون، مصدّقون بالوعد، ونفقتهم موضوعةٌ عندهم، فلمّا كان الغد فقدهم دقينوس، فالتمسهم فلم يجدهم، فقال لعظماء أهل المدينة: لقد ساءني شأن هؤلاء الفتية الّذين ذهبوا. لقد كانوا يظنّون أنّ بي غضبًا عليهم فيما صنعوا في أوّل شأنهم، لجهلهم ما جهلوا من أمري، ما كنت لأحمل عليهم في نفسي، ولا أؤاخذ أحدًا منهم بشيءٍ إن هم تابوا وعبدوا آلهتي، ولو فعلوا لتركتهم، وما عاقبتهم بشيءٍ سلف منهم. فقال له عظماء أهل المدينة: ما أنت بحقيقٍ أن ترحم قومًا فجرةٌ مردةٌ عصاةٌ، مقيمين على ظلمهم ومعصيتهم، وقد كنت أجّلتهم أجلاً، وأخّرتهم عن العقوبة الّتي أصبت بها غيرهم، ولو شاءوا لرجعوا في ذلك الأجل، ولكنّهم لم يتوبوا ولم ينزعوا ولم يندموا على ما فعلوا، وكانوا منذ انطلقت يبذّرون أموالهم بالمدينة، فلمّا علموا بقدومك فرّوا فلم يروا بعد.
فإن أحببت أن تؤتى بهم، فأرسل إلى آبائهم فامتحنهم، واشدد عليهم يدلّوك عليهم، فإنّهم مختبئون منك. فلمّا قالوا ذلك لدقينوس الجبّار، غضب غضبًا شديدًا، ثمّ أرسل إلى آبائهم، فأتى بهم فسألهم عنهم وقال: أخبروني عن أبنائكم المردة الّذين عصوا أمري، وتركوا آلهتي، ائتوني بهم، وأنبئوني بمكانهم فقال له آباؤهم: أمّا نحن فلم نعص أمرك ولم نخالفك. قد عبدنا آلهتك وذبحنا لهم، فلم تقتلنا في قومٍ مردةٍ، قد ذهبوا بأموالنا فبذّروها وأهلكوها في أسواق المدينة، ثمّ انطلقوا، فارتقوا في جبلٍ يدعى بنجلوس، وبينه وبين المدينة أرضٌ بعيدةٌ هربًا منك؟ فلمّا قالوا ذلك خلّى سبيلهم، وجعل يأتمر ماذا يصنع بالفتية، فألقى اللّه عزّ وجلّ في نفسه أن يأمر بالكهف فيسدّ عليهم كرامةً من اللّه، أراد أن يكرمهم، ويكرم أجساد الفتية، فلا يجول، ولا يطوف بها شيءٌ، وأراد أن يحييهم ويجعلهم آيةً لأمّةٍ تستخلف من بعدهم، وأن يبيّن لهم أنّ السّاعة آتيةٌ لا ريب فيها، وأنّ اللّه يبعث من في القبور. فأمر دقينوس بالكهف أن يسدّ عليهم، وقال: دعوا هؤلاء الفتية المردة الّذين تركوا آلهتي فليموتوا كما هم في الكهف عطشًا وجوعًا، وليكن كهفهم الّذي اختاروا لأنفسهم قبرًا لهم، ففعل بهم ذلك عدوّ اللّه، وهو يظنّ أنّهم أيقاظٌ يعلمون ما يصنع بهم، وقد توفّى اللّه أرواحهم وفاة النّوم، وكلبهم باسطٌ ذراعيه بباب الكهف، قد غشّاه اللّه ما غشّاهم، يقلّبون ذات اليمين وذات الشّمال.
ثمّ إنّ رجلين مؤمنين كانا في بيت الملك دقينوس يكتمان إيمانهما: اسم أحدهما يندروس، واسم الآخر: روناس، فأتمرا أن يكتبا شأن الفتية أصحاب الكهف، أنسابهم وأسماءهم وأسماء آبائهم، وقصّة خبرهم في لوحين من رصاصٍ، ثمّ يصنعا لهما تابوتًا من نحاسٍ، ثمّ يجعلا اللّوحين فيه، ثمّ يكتبا عليه في فم الكهف بين ظهراني البنيان، ويختما على التّابوت بخاتمهما، وقالا: لعلّ اللّه أن يظهر على هؤلاء الفتية قومًا مؤمنين قبل يوم القيامة، فيعلم من فتح عليهم حين يقرأ هذا الكتاب خبرهم، ففعلا ثمّ بنيا عليه في البنيان، فبقي دقينوس وقرنه الّذين كانوا منهم ما شاء اللّه أن يبقوا، ثمّ هلك دقينوس والقرن الّذين كانوا معه، وقرونٌ بعده كثيرةٌ، وخلفت الخلوف بعد الخلوف.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: كان أصحاب الكهف أبناء عظماء مدينتهم، وأهل شرفهم، فخرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعادٍ، فقال رجلٌ منهم هو أسنّهم: إنّي لأجد في نفسي شيئًا ما أظنّ أحدًا يجده، قالوا: ماذا تجد؟ قال: أجد في نفسي أنّ ربّي ربّ السّماوات والأرض، وقالوا: نحن نجد، فقاموا جميعًا، فقالوا: {ربّنا ربّ السّموات والأرض لن ندعو من دونه إلهًا لقد قلنا إذًا شططًا} فاجتمعوا أن يدخلوا الكهف، وعلى مدينتهم إذ ذاك جبّارٌ يقال له دقينوس فلبثوا في الكهف ثلاثمائةٍ سنين وازدادوا تسعًا رقّدًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن عبد العزيز بن أبي روّادٍ، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، قال: كان أصحاب الكهف فتيانًا ملوكًا مطوّقين مسوّرين ذوي ذوائب، وكان معهم كلب صيدهم، فخرجوا في عيدٍ لهم عظيمٍ في زيٍّ وموكبٍ، وأخرجوا معهم آلهتهم الّتي يعبدون. وقذف اللّه في قلوب الفتية الإيمان فآمنوا، وأخفى كلّ واحدٍ منهم الإيمان عن صاحبه، فقالوا في أنفسهم من غير أن يظهر إيمان بعضهم لبعضٍ: نخرج من بين أظهر هؤلاء القوم لا يصيبنا عقابٌ بجرمهم. فخرج شابٌّ منهم حتّى انتهى إلى ظلّ شجرةٍ، فجلس فيه، ثمّ خرج آخر فرآه جالسًا وحده، فرجا أن يكون على مثل أمره من غير أن يظهر منه، فجاء حتّى جلس إليه، ثمّ خرج الآخرون، فجاءوا حتّى جلسوا إليهما، فاجتمعوا، فقال بعضهم: ما جمعكم؟ وقال آخر: بل ما جمعكم؟ وكلٌّ يكتم إيمانه من صاحبه مخافةً على نفسه، ثمّ قالوا: ليخرج منكم فتيان، فيخلوا، فيتواثقا أن لا يفشي واحدٌ منهما على صاحبه، ثمّ يفشي كلّ واحدٍ منهما لصاحبه أمره، فإنّا نرجو أن نكون على أمرٍ واحدٍ.
فخرج فتيان منهم فتواثقا، ثمّ تكلّما، فذكر كلّ واحدٍ منهما أمره لصاحبه، فأقبلا مستبشرين إلى أصحابهما فقالا: قد اتّفقنا على أمرٍ واحدٍ، فإذا هم جميعًا على الإيمان، وإذا كهفٌ في الجبل قريبٌ منهم، فقال بعضهم لبعضٍ: ائؤوا إلى الكهف {ينشر لكم ربّكم من رحمته ويهيّئ لكم من أمركم مرفقًا} فدخلوا الكهف ومعهم كلب صيدهم فناموا، فجعله اللّه عليهم رقدةً واحدةً، فناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا. قال: وفقدهم قومهم فطلبوهم وبعثوا البرد، فعمّى اللّه عليهم آثارهم وكهفهم. فلمّا لم يقدروا عليهم كتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوحٍ: فلان ابن فلانٍ، وفلان ابن فلانٍ أبناء ملوكنا، فقدناهم في عيد كذا وكذا في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا، في مملكة فلان ابن فلانٍ، ورفعوا اللّوح في الخزانة. فمات ذلك الملك وغلب عليهم ملكٌ مسلمٌ مع المسلمين، وجاء قرنٌ بعد قرنٍ، فلبثوا في كهفهم ثلاثمائةٍ سنين وازدادوا تسعًا.
وقال آخرون: بل كان مصيرهم إلى الكهف هربًا من طلب سلطانٍ كان طلبهم بسبب دعوى جنايةٍ ادّعي على صاحبٍ لهم أنّه جناها.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، قال: أخبرني إسماعيل بن شرّوس، أنّه سمع وهب بن منبّهٍ، يقول: جاء حواريّ عيسى ابن مريم إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إنّ على بابها صنمًا لا يدخلها أحدٌ إلاّ سجد له. فكره أن يدخلها، فأتى حمّامًا، فكان فيه قريبًا من تلك المدينة، فكان يعمل فيه يؤاجر نفسه من صاحب الحمّام. ورأى صاحب الحمّام في حمّامه البركة ودرّ عليه الرّزق، فجعل يقوم عليه، وجعل يسترسل إليه، وعلقه فتيةٌ من أهل المدينة، وجعل يخبرهم خبر السّماء والأرض وخبر الآخرة، حتّى آمنوا به وصدّقوه، وكانوا على مثل حاله في حسن الهيئة. وكان يشترط على صاحب الحمّام أنّ اللّيل لي لا تحوّل بيني وبين الصّلاة إذا حضرت، فكان على ذلك حتّى جاء ابن الملك بامرأةٍ، فدخل بها الحمّام، فعيّره الحواريّ، فقال: أنت ابن الملك، وتدخل معك هذه الكذا؟ فاستحيا، فذهب فرجع مرّةً أخرى، فقال له مثل ذلك، فسبّه وانتهره ولم يلتفت حتّى دخل ودخلت معه المرأة، فماتا في الحمّام جميعًا. فأتي الملك، فقيل له: قتل صاحب الحمّام ابنك فالتمس فلم يقدر عليه هربًا، قال: من كان يصحبه؟ فسمّوا الفتية، فالتمسوا، فخرجوا من المدينة، فمرّوا بصاحبٍ لهم في زرعٍ له، وهو على مثل أمرهم، فذكروا أنّهم التمسوا، فانطلق معهم ومعه الكلب، حتّى آواهم اللّيل إلى الكهف، فدخلوه، فقالوا: نبيت ههنا اللّيلة، ثمّ نصبح إن شاء اللّه فترون رأيكم، فضرب على آذانهم.
فخرج الملك في أصحابه يتبعونهم حتّى وجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلّما أراد رجلٌ أن يدخل أرعب، فلم يطق أحدٌ أن يدخله، فقال قائلٌ: أليس لو كنت قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى قال: فابن عليهم باب الكهف، ودعهم فيه يموتوا عطشًا وجوعًا، ففعل). [جامع البيان: 15/161-176]
تفسير قوله تعالى: (فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (11) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (فضرب اللّه على آذانهم فناموا»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قوله فيه
وقال سعيد عن ابن عبّاس الرقيم اللّوح من رصاص كتب عاملهم أسماءهم ثمّ طرحه في خزانته فضرب الله على آذانهم فناموا
...
فانطلقوا حتّى دخلوا الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا). [تغليق التعليق: 4/244] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (فضرب الله على آذانهم فناموا هذه إشارة إلى قوله تعالى: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا} (الكهف: 11) هذا من فصيحات القرآن الّتي أقرّت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله، ومعناه: أنمناهم وسلطنا عليهم النّوم، كما يقال: ضرب الله فلانا بالفالج، أي: ابتلاه به وأرسله عليه، وقيل: معناه حجبناهم عن السّمع وسددها نفوذ الصّوت إلى مسامعهم، وهذا وصف الأموات والنيام). [عمدة القاري: 19/38]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (فضرب الله على آذانهم) يريد تفسير قوله: {فضربنا على آذانهم} (فناموا) نومة لا تنبههم فيها الأصوات كما ترى المستثقل في نومه يصاح به فلا ينتبه). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددًا (11) ثمّ بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمدًا}.
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {فضربنا على آذانهم في الكهف} فضربنا على آذانهم بالنّوم في الكهف: أي ألقينا عليهم النّوم، كما يقول القائل لآخر: ضربك اللّه بالفالج، بمعنى ابتلاه اللّه به، وأرسله عليه. وقوله: {سنين عددًا} يعني سنين معدودةً، ونصب العدد بقوله {فضربنا} ). [جامع البيان: 15/176]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فضربنا على آذانهم} يقول: أرقدناهم {ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين} من قوم الفتية أهل الهدى وأهل الضلالة {أحصى لما لبثوا} أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة). [الدر المنثور: 9/505]
تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (12) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({بعثناهم} [الكهف: 12] : «أحييناهم»). [صحيح البخاري: 6/87]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله أمدًا غايةً طال عليهم الأمد سقط هذا لأبي ذرٍّ وهو قول أبي عبيدة وروى عبد بن حميدٍ من طريق مجاهدٍ في قوله أمدًا قال عددا). [فتح الباري: 8/407]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله بعثناهم أحييناهم هو قول أبي عبيدة وروى عبد الرّزّاق من طريق عكرمة قال كان أصحاب الكهف أولاد ملوكٍ اعتزلوا قومهم في الكهف فاختلفوا في بعث الرّوح والجسد فقال قائلٌ يبعثان وقال قائلٌ تبعث الرّوح فقط وأمّا الجسد فتأكله الأرض فأماتهم اللّه ثمّ أحياهم فذكر القصّة). [فتح الباري: 8/407]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({بعثناهم} أحييناهم
أشار به إلى قوله تعالى: {ثمّ بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمداً} (الكهف: 12) وإلى قوله تعالى أيضا: {وكذلك بعثناهم ليتساءلوا} (الكهف: 19) الآية، وفي التّفسير قوله: (ثمّ بعثناهم) يعني: من نومهم، وذلك حين تنازع المسلمون الأولون أصحاب الكهف والمسلمون الآخرون الّذين أسلموا حين رأوا أصحاب الكهف في قدر مدّة لبثهم في الكهف، فقال المسلمون الأولون: مكثوا في الكهف ثلاثمائة وتسع سنين، وقال المسلمون الآخرون: بل مكثوا كذا وكذا، وقال الآخرون: الله أعلم بما لبثوا، فذلك قوله تعالى: {ثمّ بعثناهم لنعلم} قوله: (أحصى) أي: أحفظ في العد. قوله: (لما لبثوا) أي: لما مكثوا في كهفهم نياماً. قوله: (أمداً) أي: غاية، وعن مجاهد عددا، وكذلك بعثناهم يعني: كما امتناهم في الكهف ومنعناهم من الوصول إليهم وحفظنا أجسامهم من البلى على طول الزّمان وثيابهم من العفن، كذلك بعثناهم من النومة الّتي تشبه الموت). [عمدة القاري: 19/37]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({بعثناهم}) في قوله تعالى: {ثم بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين} [الكهف: 12] أي (أحييناهم) قاله أبو عبيدة والمراد أيقظناهم من نومهم إذ النوم أخو الموت وقوله: {لنعلم أي الحزبين أحصى} عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود أي لنعلم ذلك موجودًا وإلا فقد كان الله تعالى علم أي الحزبين أحصى الأمد). [إرشاد الساري: 7/214]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ثمّ بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين أحصى} يقول: ثمّ بعثنا هؤلاء الفتية الّذين أووا إلى الكهف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددًا من رقدتهم، لينظر عبادي فيعلموا بالبحث، أيّ الطّائفتين اللّتين اختلفتا في قدر مبلغ مكث الفتية في كهفهم رقودًا {أحصى لما لبثوا أمدًا} يقول: أصوب لقدر لبثهم فيه أمدًا، ويعني بالأمد: الغاية، كما قال النّابغة:
إلاّ لمثلك أو من أنت سابقه = سبق الجواد إذا استولى على الأمد
وذكر أنّ الّذين اختلفوا في ذلك من أمورهم، قومٌ من قوم الفتية، فقال بعضهم: كان الحزبان جميعًا كافرين. وقال بعضهم: بل كان أحدهما مسلمًا، والآخر كافرًا.
ذكر من قال: كان الحزبان من قوم الفتية:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أيّ الحزبين} من قوم الفتية.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، بنحوه.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {ثمّ بعثناهم لنعلم أيّ الحزبين أحصى لما لبثوا أمدًا} يقول: ما كان لواحدٍ من الفريقين علمٌ، لا لكفّارهم ولا لمؤمنيهم.
وأمّا قوله: {أمدًا} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في معناه، فقال بعضهم: معناه: بعيدًا.
ذكر من قال ذلك:
حدّثني عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله {لما لبثوا أمدًا} يقول: بعيدًا.
وقال آخرون: معناه: عددًا
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {أمدًا} قال: عددًا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
وفي نصب قوله {أمدًا} وجهان: أحدهما أن يكون منصوبًا على التّفسير من قوله {أحصى} كأنّه قيل: أيّ الحزبين أصوب عددًا لقدر لبثهم.
وهذا هو أولى الوجهين في ذلك بالصّواب، لأنّ تفسير أهل التّفسير بذلك جاء.
والآخر: أن يكون منصوبًا بوقوع قوله {لبثوا} عليه، كأنّه قيل: أيّ الحزبين أحصى للبثهم غايةً). [جامع البيان: 15/176-178]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله أي الحزبين يقول من قوم الفتية أحصى لما لبثوا أمدا يعني عددا). [تفسير مجاهد: 374]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {فضربنا على آذانهم} يقول: أرقدناهم {ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين} من قوم الفتية أهل الهدى وأهل الضلالة {أحصى لما لبثوا} أنهم كتبوا اليوم الذي خرجوا فيه والشهر والسنة). [الدر المنثور: 9/505] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أي الحزبين} قال: من قوم الفتية {أحصى لما لبثوا أمدا} قال: عددا). [الدر المنثور: 9/505]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا} يقول: ما كان لواحد من الفريقين علم لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم). [الدر المنثور: 9/505]